متى 7: 15- 19 : "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً. هكذا، كل شجرة جيّدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيّداً تقطع وتلقى في النار. فإذاً من ثمارهم تعرفونهم.
"ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذٍ أُصرّح لهم: إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم.
"فكل من يسمع أقوالي ويعمل بها أُشبّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت، فلم يسقط. لأنه كان مؤسساً على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت، فسقط. وكان سقوطه عظيماً.
"فلمّا أكمل يسوع هذه الأقوال بُهِتت الجموع من تعليمه. لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة".
في الموعظة على الجبل (إنجيل متى5- 7) حذّر المسيح سامعيه من عدة أخطاء وأخطار، أبرزها: الرياء والأنبياء الكذبة.
في ما يتعلق بخطية الرياء صرّح بأنّ للرياء دوراً كبيراً في حياة الكثيرين من الناس على صعيد الصدقة والصلاة والصوم. ولهذا قال محذّراً في متى6: 1و 2: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلاّ فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السمّوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قُدّامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجّدوا من الناس..."
وفي متى6: 5 تابع الربُّ تحذيره قائلاً: "ومتى صلَّيت فلا تكن كالمرائين. فإنّهم يُحبُّون أن يُصلُّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس..."
وفي متى6: 16 قال الرب: "ومتى صمْتُم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين..."
هذا من جهة الرياء. وأما من جهة الأنبياء الكذبة، فقد كرّس الرب القسم الأخير من موعظته لهذا الموضوع الخطير لكي يبقى راسخاً في الأذهان والقلوب. وقبل الخوض في الموضوع أَلفِتُ الانتباه هنا إلى أنه لما قال يسوع "احترزوا من الأنبياء الكذبة" (متى7: 15) فهو لم يقصد أن كل الأنبياء كذبة. وهذا واضح من كلامه إلى تلاميذه في فاتحة العظة في متى5: 11و 12 حيث قال السيّد: "طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات". ثم ختم قائلاً: "فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم". أي الأنبياء العهد القديم الذين أرسلهم الله لا الناس. وقد أشار المسيح أيضاً إلى أنبياء الله الحقيقيين في رثائه لمدينة أورشليم حين قال بحزن: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء..." (متى23: 37).
أجل، هناك أنبياء صادقون وآخرون مزيّفون. ومن هؤلاء المزيّفين حذّرنا المسيح قائلاً: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وبعد ذلك حدّثنا عنهم من أربع نواحٍ: أولاً، مظهرهم؛ ثانياً، وجوههم؛ ثالثاً، ثمرهم؛ رابعاً، مصيرهم.
أولاً، مظهرهم. قال المسيح: "يأتونكم بثياب الحملان" (متى7: 15)، أي بشكل غير شكلهم الحقيقي. فالحملان هم خراف المسيح، والأنبياء الكذبة ليسوا من خراف المسيح. ولذلك يحاولون أن يظهروا بمظهر غير مظهرهم الحقيقي. والسبب في ذلك هو أن أباهم إبليس يحب التقليد، وهم لا يختلفون عنه من هذه الناحية.
يقول الرسول بولس في هذا الموضوع، في 2كورنثوس 11: 13- 15: "لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فَعَلة ماكرون، مغيّرون شكلهم (مظهرهم) إلى شبه رسل المسيح". ثم يتابع- وأرجو الانتباه- "ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيّرون شكلهم كخدام للبِّر، الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم".
فقول المسيح "يأتونكم" معناه أن هؤلاء المضلّين يأتون إليكم- إلى بيوتكم ومكاتبكم ومتاجركم ويقرعون أبوابكم أو يستوقفونكم في الشوارع والساحات والمطارات والأماكن العامة لكي يعرضوا عليكم سمومهم المقولة والمنقولة. هذا لا يعني أن كل من كلّمنا في أمر ديني صار منهم، بل يعني أن هؤلاء منتشرون في كل مكان تحت أسماء كثيرة مثل "شهود يهوه" (شهود الزور)، أو كنيسة المورمون (كنيسة آخر زمان) أو "الكنيسة التوحيدية" وسوى ذلك من أتباع الضلالات والبدع والهرطقات والتعاليم الغريبة والعجيبة في الأيام الأخيرة.
أما قول المسيح "بثياب الحملان"، فمعناه أن المعلمين الكذبة يستعملون اللطف والنعومة في أقوالهم وأعمالهم، ويتظاهرون بالوداعة والتواضع ليخدعوا قلوب البُسطاء والسُّلماء. فمن جهةٍ تراهم يحملون الكتاب المقدس ويستعملون كلماته وعباراته، ومن جهة أخرى يخلطون الحق بالباطل كما فعل الشيطان قديماً عندما خدع حواء في جنة عدن. صحيح أنّهم يُصلُّون ويقولون: "يا رب يا رب"، ولكن الرب يسوع صرّح قائلاً في متى7: 21: "ليس كل من يقول لي "يا رب يا رب" يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات". فالرب لا يُخدع بالأقوال. ولا يُخدع أيضاً بالأعمال. فبالرغم من كل النشاط الذي يبذله أصحاب البدع، وبالرغم من كل الأموال التي ينفقونها في سبيل نشر الضلال، فإنهم سيُفاجأون في النهاية- في يوم الدين. قال يسوع: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ (لاحظ الفعل "تنبّأنا" ) وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة" (متى7: 22)؟ يقولون هذا بكثير من الطمأنينة ظنّاً منهم أن الرب سيوافق عليهم وعلى أعمالهم. ولكن طمأنينتهم الزائفة لن تجديهم نفعاً، لأن الرب يصرّح لهم قائلاً: "إني لم أعرفكم قط". وهناك ستكون المفاجأة والخيبة الكبرى.
بعد الحديث عن مظهرهم نأتي، ثانياً، إلى جوهرهم- إلى حقيقتهم. قال المسيح: "ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة". بكلمة أخرى، تحتَ جلدِ الضأنِ قلبُ الأذْؤُبِ (أي الذئاب). فإن قولهم عسل، وفعلهم أسَل (أي رمح). هؤلاء المتسربلون بثوب المبشّرين يتحولون إلى مكشّرين بين لحظة وأخرى. فلا نظنُّ أنّ كل من يلبس صوفاً صار خروفاً؛ فالثياب لا تغيّر الذئاب. أما الذئاب فتغيّر الثياب وتخلعها بسهولة بعكس الخروف الحقيقي الذي لا يخلع صوفه إطلاقاً.
يذكّرني وصف المسيح للأنبياء هنا بالوصف المعطى للوحش الثاني في سفر الرؤيا 13: 11. يقول يوحنا هناك: "ثم رأيت وحشاً آخر طالعاً من الأرض وكان له قرنان شبه خروف وكان يتكلم كتنّين". لنلاحظ أن مظهره يشبه الخروف، أمّا جوهره فهو وحش هائل. وهذا الوصف المشترك بين الوحش والأنبياء الكذبة هو دليل انتمائهم إلى مرجع واحد هو الشيطان.
وصف الرب هؤلاء الذئاب بأنّهم "ذئاب خاطفة" لأنهم ماهرون في خطف النفوس وخطف الفلوس. فبالنسبة إلى خطف النفوس، يقول الرسول بولس في أعمال الرسل20: 29و 30: "بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم". ويؤيّد هذا الكلام بطرسُ الرسول في رسالته الثانية2: 1و 2 فيقول: "... سيكون فيكم أيضاً معلّمون كذبة، الذين يدسّون بدع هلاك... وسيتبع كثيرون تهلكاتهم...".
أما عن خطف الفلوس فيقول بطرس في الإصحاح نفسه: "وهم في الطمع يتّجرون بكم بأقوال مصنّعة... آخذين أجرة الإثم.. لهم قلب متدرّب في الطمع" (2بطرس2: 3و 13و 14). ويقول الرسول يهوذا بالمعنى نفسه في العدد 11 من رسالته: "ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين، وانصبّوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة..." وبلعام هذا كان واحد من الأنبياء الكذبة في العهد القديم. ويقول الرسول بولس في رسالته رومية16: 18: "لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيّب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء".
لذلك لا غرابة إن دعاهم المسيح "فاعلي الإثم" وشبّههم بالشوك والحسك والأشجار البرية.
بعد مظهرهم وجوهرهم، تحدّث الرب، ثالثاً، عن ثمرهم، وقال في متى7: 16- 20: "من ثمارهم تعرفونهم". ثم سأل: "هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك (أي العوسج) تيناً؟" فالشوك لا يثمر إلاّ شوكاً، والحسك لا ينتج إلاّ حسكاً. وكلاهما لا يؤكل. وفوق ذلك فإن الشوك والحسك يُؤلمان ويُدميان كل من يمسّهما، بالإضافة إلى كونهما من عمل الشيطان ومن نتائج الخطية. ففي العهد القديم قال الله لمّا لعن الأرض على أثر سقوط الإنسان: "شوكاً وحسكاً تنبت لك" (تكوين3: 18). وفي العهد الجديد قال الرسول بولس لمّا لطمه الشيطان في جسده: "أُعطيت شوكة في الجسد" (2كورنثوس12: 7).
بعد هذا شبّه الرب الأنبياء الكذبة بالشجرة البريّة التي وإن أثمرت فإن ثمرها لا نفع منه يُرتجى، فقال: "كل شجرة جيّدة تصنع أثماراً جيدة؛ أما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً ردية". فإذا شئت أن تعرف المعلّمين الكذبة فاسألهم قبل أن تستقبلهم في بيتك، عن عقيدتهم في الثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس) وعن موقفهم من الكتاب المقدس والصليب والقيامة ولاهوت المسيح. فإن قالوا لك إنّ هناك مراجع أخرى أو كتباً أخرى موحى بها (غير الكتاب المقدس) فاعلم أنهم معلّمون كذبة. وإن أنكروا الصليب أو لاهوت المسيح فاعلم أنهم خدّاعون دجّالون. قال المسيح: "لا تقدر شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيّدة".
يضاف إلى هذا كله السمعة الملوّثة عند مؤسسي الضلالات وحياتهم الأخلاقية، ومعاملاتهم التجارية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ونهايتهم الزريّة (أي الذميمة). فإن كان النور الذي فيهم ظلاماً، فالظلام كم يكون؟
نأتي أخيراً إلى ما تقوله كلمة الله عن مصيرهم. قال المسيح في متى7: 19: "كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار". (إذاً مصيرهم البُوار والنار).
وفي متى 7: 22و 23 قال الرب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم (يوم الدين) يا رب، يا رب أليس باسمك تنبأنا... فحينئذ أُصرّح لهم: إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم". (وهكذا يتبيّن أن مصيرهم هو أيضاً الإنكار والعار).
وفي متى 7: 27 ختم يسوع عظته قائلاً: "فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيماً" (فمصيرهم إذاً هو الدمار). ليس المهم منظر البيت عندما يكون الطقس جميلاً والظروف مؤاتية، بل عندما تأتي ساعة الامتحان. وعند الامتحان يُكرم المرء أو يهان. ليس المهم ما يقوله الأنبياء الكذبة هنا بل المهم ما يقوله الله هناك في يوم الدين. فالكلمة الأخيرة هي لله لا للإنسان.
السؤال الآن هو: ما هو الموقف الذي يجب أن نقفه منهم؟ وجواب الكتاب المقدس هو: أولاً، لا تصدِّقونهم؛ وثانياً، لا تُصادقوهم.
لا تصدّقوهم، لأنهم ذؤبان في ثياب حملان، كما قال الرب.
ولا تصادقوهم، لأن من يسلّم عليهم يشترك في أعمالهم الشريرة، على حد قول يوحنا الرسول (2يوحنا11). ويقول الرسول بولس بالمعنى نفسه: "فاعرض عن هؤلاء" (2تيموثاوس3: 15).
وهنا يقول الرب: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وخير وسيلة للاحتراز هي العمل بنصيحة المسيح. أولاً، أن نبني حياتنا على صخر كلمة الله. ثانياً: أن نعمل إرادة الآب الذي في السموات. قال يسوع: "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبّهه برجل بنى بيته على الصخر". وقال أيضاً: "ليس كل من يقول لي يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات".
تكوين 3: 1- 7 "وكانت الحية أحيّل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة: أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجرة الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا. فقالت الحيّة للمرأة: لن تموتا. بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه تنفتح أعيُنكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. فرأت المرأة أن الشجرة جيّدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهيّة للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر".
كل من يقرأ سفر التكوين يلاحظ ولا شك أن الفرق بين الإصحاح الثاني والإصحاح الثالث كبير جداً. ففي الإصحاح الثاني كان الإنسان في أحسن حالاته، كان في سعادة تامة لم يعرف لها مثيلاً في كل تاريخه. وذلك للأسباب الآتية: أولاً، لأنه كان بلا خطية. ثانياً، لأنّه كان في شركة تامّة مع الله. ثالثاً، لأنّه كان يعيش في جنةٍ تتوسّطها شجرة الحياة. ورابعاً، لأنّ الجنة كانت خاليةً من الشوك والحسك وتجري في وسطها الأنهار.
أما الإصحاح الثالث فهو بداية المأساة البشرية، إذ يروي تفاصيل أوّل هجوم من جانب الشيطان على الإنسان، وأول محاولة منه لتهديم المؤسسة الأولى التي وضعها الله، ألا وهي مؤسسة الزواج والعائلة. وقد نجح العدو في محاولته الأثيمة إذ استخدم سلاحه الأقوى ضد الإنسان، أعني سلاح الشك. ولذلك كانت الكلمة الأولى التي استعملها مع حواء هي "أحقاً؟"، أي: هل هذا صحيح؟ قال لها: "أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟" وكان يعلم أن الله لم يقل ذلك، لكنه أراد أن يثير الشك في قلب المرأة. وقد أصاب هدفه، لأنّ حوّاء سقطت في الفخ المنصوب لها وكان سقوطها عظيماً جداً. ولماذا سقطت؟ أولاً، لأنها حاورت الشيطان وأعطته فرصة كافية. ثانياً، لأنّها اعتمدت على العقل لا على الإيمان. ثالثاً، لأنها لم تستشر زوجها قبل اتخاذ قرارها. رابعاً، لأنّها الإناء الأضعف. وهنا ألفت انتباه القارئ إلى أن الفخ الذي أوقع فيه الشيطان حواء هو نفسه الفخ الذي يستعمله مع الملايين من البشر اليوم. فهو يشكّك الإنسان في الأمور التالية: أولاً، في صحة الكتاب؛ وثانياً، في صرامة العقاب؛ وثالثاً، في صلاح الآب. أعود إلى النقطة الأولى، وهي الشك في صحة الكتاب. نلاحظ أن العبارة الأولى التي نطق بها إبليس هي: "أحقاً قال الله؟" ولغاية اليوم يثير الشيطان الشبهات حول ما قاله الله في الكتاب المقدس. ولهذا تعرّض الكتاب المقدس وما زال لهجمات الكثيرين من المُلحدين والعصريين والماديين والسطحيين. قال بعضهم بأنّ الكتاب المقدس ليس كلمة الله. وقال آخرون إن الكتاب المقدس غير كافٍ وحده. وقال آخرون أيضاً إنه كتاب مُحرّف. وعندما يرفض المرء كلمة الله يُضطر إلى الاستعاضة عنها بأمور أخرى تكون بمثابة مرجع له وأساس يبني عقيدته عليه. فمن الناس مَن يلجأ إلى الخرافات والأساطير والأحلام وقراءة الكف والفنجان، ومن هناك ينطلق إلى السحر والتعاويذ وسواها من الأمور الشيطانية الشريرة. والغريب في الأمر أن نسبة هؤلاء تبلغ ثمانين في المئة من أبناء القرن العشرين وبناته. وأغرب من ذلك أن كثيرين من هؤلاء يدّعون أنهم مسيحيون. ومنهم مَن يلجأ إلى الفلسفات على أشكالها، ومن جملتها الفلسفة اللاأدرية. وقد ظن هؤلاء أن فلسفتهم هذه تجعلهم على الحياد، وبذلك يجتنبون التحيُّز إلى هذه الجهة أو تلك. وقد نظم الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدة بعنوان "الطلاسم" عبّر فيها عن هذه الفلسفة الحيادية التي تتهربُ من الحقيقة بعبارة "لست أدري". وهناك أيضاً قوم يلجأون إلى التقاليد البشرية أو يضعون كتباً ومؤلفات من عندهم مدّعين أنهم رأوا رؤىً جديدة أو ظهر لهم ملاكٌ وسوى ذلك. وتكوين النتيجة دائماً بدعة جديدة وضلالةً جديدة. وقد امتلأ عالمنا بمثل هذه التعاليم الزائفة الغريبة بشكلٍ لم يسبق له مثيل. وهذا الموقف مضادٌّ كلياً لموقف الأنبياء والرسل والمسيح له المجد. كان الأنبياء يبلّغون الناس الرسالة قائلين: "هكذا يقول الرب". وقد شهد بطرس لهذه الحقيقة فقال عن نبوّات العهد القديم إنها "ليست من تفسير خاص... بل تكلّم أناس الله القدّيسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس1: 21). والشيء نفسه نجده في كتابات الرسل: فالرسول بولس مثلاً يشير إلى الروح القدس قائلاً: "ولكنّ الروح يقول صريحاً إنه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قوم عن الإيمان" (1تيموثاوس4: 1). فالكتاب المقدس هو كتاب الله، كتاب الروح القدس. ولهذا كان المسيح نفسه يحيل سائليه إلى الكلمة الإلهية التي كانت في نظره المرجع الأول والأخير للحق.
ثانياً، يشكّك الشيطان الإنسان في صرامة العقاب. فلما نقلت حواء قول الله إلى الحية (جواباً عن سؤال الشيطان) وذكرت تحذير الله القائل: "لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا"، أجابت الحية دون تردّدٍ وبكل وقاحة: "لن تموتا!" ولغاية اليوم يُنكر الشيطان وأولادُه فكرة العقاب، أو على الأقل فكرة ديمومة العقاب. بكلامٍ آخر، ينكرون جهنم والعذاب الأبدي ويتباهَون بذلك زعماً منهم أنّ العذاب الأبدي لا يتّفق مع محبة الله. وبكل أسفٍ، يصدق الكثيرون ضلالاتهم لأنهم يعتمدون على المنطق البشري المنحرف لا على كلمة الله. والغريب في الأمر أن هؤلاء المبتدعين يؤمنون بالحياة الأبدية وينكرون العذاب الأبدي، في حين أن المسيح تكلّم عن جهنّم أكثر مِمّا تكلّم عن السماء. ومن جهة أخرى، فإنّ اللفظة الأصلية التي استعملها الرب لِيَصف دوام الحياة الأبدية استعملها هي نفسها ليصف دوام العذاب الأبدي. أمّا لماذا ينكر إبليس العقاب والعذاب فهناك أكثر من جواب.
فمن لا يؤمن بأجرة الخطية يترك لنفسه الحبل على الغارب (حرّية التصرّف) ويطلق لنفسه عنان الشهوة: شهوة العيون وشهوة الجسد وتعظُّم المعيشة. ولهذا نسمع أحد شعرائنا يقول:
لا تقف أمام لذّاتك مكتوف اليدين
أنت لا تأتي إلى دنياك هذه مرّتين!
وكلاهما مناقضٌ كلياً لتعليم الكلمة الإلهية كما ذكرت مسبقاً. فالله قال بالموت الجسدي، الذي نعرفه بالاختبار. وقال أيضاً بالموت الأبدي. فالذي صَدَق في الأول هو أيضاً صادقٌ في الثاني. والموت الأبدي هو الموت الثاني الذي هو انفصالٌ أبديٌ عن الله.
يشكّكهم في نيّاته ومحبّته ومقاصده. فلمّا قال لحواء "لن تموتا"، استأنف يقول: "بل الله عالم أنه يوم تأكلان تنفتح أعينكما وتصيران كالله عارفين الخير والشر". فكان يقول ضمناً ما معناه: "لو كان الله يحبّكما لما كان يحرمكما من هذه الامتيازات كلها". وهذا عينُه ما يفعله الشيطان اليوم وفي كل يوم. ولهذا نسمع الكثيرين يقولون: إن كان الله محبّة فلماذا الألم في العالم؟ وإن كان الله صالحاً فلماذا الشر في العالم؟ وإن كان الله عادلاً منصفاً فلماذا التفاوت بين الفقير والغني؟ وعندما يردّد الناس هذه الأقوال يكون الشيطان في عيد، لأنه يعلم أن سلاح الشك قد فعل فعله في النفوس. والشك كما يخبرنا الكتاب المقدس هو ضد الإيمان. قال الرب يسوع لبطرس عندما ابتدأ يغرق: "يا قليل الإيمان لماذا شككت" (متى14: 31)؟ ولمّا قابل الرب، بعد أسبوع من القيامة، توما المشكّك قال له: "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يوحنا20: 29). وقد أخبرنا بولس في الفصل الرابع من رسالة رومية عن إبراهيم رجل الإيمان وقال ما معناه: إنه لم يتصرف بعدم إيمان ولم يشكّ في وعد الله بل تيقّن أن ما وعد به الله قادرُ أن يفي به...
عزيزي القارئ إني أدعوك الآن إلى، وأشجّعك على، الإيمان القلبي بالكتاب والعقاب ومحبة الآب. "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل لبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا3: 16).
1يوحنا4: 1 "أيها الأحباء لا تصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم".
متى24: 23و 24 "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدّقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضاً".
2تسالونيكي2: 11و 12 "لأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سرّوا بالإثم".
1كورنثوس13: 4و 6و 7 "المحبة... تفرح بالحق. وتتحمّل كل شيء وتصدّق كل شيء..".
أمثال14: 15 "الغبي يصدّق كلَّ كلمة".
أوّلَ وهلة، تبدو الآيتان الأخيرتان أعلاه متناقضتين. ولكن التناقض هو مجرَّد تناقض ظاهري ليس إلاّ. فعندما يقول الرسول بولس: "المحبة... تصدّق كل شيء"، فهو لا يقصد أنّها تصدّق كل شيء مطلقاً وبلا تحديد، بل بالحريّ أنّ المحبة تصدّق كل ما هو صادق وصالح وطاهر وحق، ولهذا ذكر قبل ذلك مباشرةً: "المحبة... تفرح بالحق". ولماذا تفرح بالحق؟ لأنّها تحبُّ الحق وتصدّق الحق. عدا ذلك فالمحبة لا تصدّق كل شيء. فمن يصدّق كل شيء مطلقاً هو ساذج و "غبيّ" كما يقول سليمان الحكيم في الآية الأخيرة من لائحة الآيات المذكورة سابقاً. من يصدّق كل شيء بدون تحديد يجهل الطبيعة البشرية. ومن يصدّق كل شيء دون تمييز يشجّع الآخرين على الكذب.
فالمحبة إذاً لا تصدّق إلاّ الحقّ والحقيقة. وما دامت لا تصدّق إلاّ الحق والحقيقة فمن اللازم أن تحذَرَ الباطل وتُحذّر منه. وهذا يعني:
يقول الرسول يوحنا في الآية الأولى المذكورة في بداية هذا الفصل: "أيها الأحباء لا تصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم". ولماذا يستعمل اللفظة "روح" في المفرد والجمع؟ هذا لأنّ وراء كل تعليم، وكل معلم، روحاً ما. وهذا الروح هو إمّا روح الحق وإمّا روح الضلال، كما يقول يوحنا في 1يوحنا4: 6. روح الحق هو روح الله، وروح الضلال هو روح إبليس الذي يقتاد الأنبياء الكذبة والمعلمين الكذبة. وما أكثرهم في أيامنا!
أمّا كيف نميّز بين روح الحق وروح الضلال، فذلك واضح من كلام الرسول يوحنا في الفصلين الرابع والخامس من رسالته الأولى. ففي 1يوحنا4: 2و 3 يقول رسول المسيح: "بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح". قال الرسول هذا في عصر انتشرت فيه الفلسفة المُنكرِة لناسوت المسيح. وبعد ذلك قدّم لنا في 1يوحنا4: 15 المحكّ الثاني لروح الحق وروح الضلال، فقال: "من اعترف أن يسوع المسيح هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله". فالمحكُّ الأوّل هو الاعتراف بناسوت المسيح، والثاني هو الاعتراف بلاهوت المسيح. وأمام هذين المحكّين تسقط بدَعٌ وضلالات وهرطقات كثيرة في الشرق والغرب ومن بينها بدعة شهود يهوه (شهود الزور) وخدعة المورمون (كنيسة آخر زمان) وجماعة مون التي تسمّي نفسها "الكنيسة التوحيدية"، وجمعية العلم المسيحي، وسوى ذلك من أضاليل الشيطان قديماً وحديثاً.
بعد الحديث عن ناسوت المسيح ولاهوته يتحدّث يوحنا عن علامة أخرى من علامات روح الله فيقول في 1يوحنا5: 1: "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله". فالشهادة بدون ولادة لا تكفي، لأنه "إن كان أحد لا يُولد من فوق (من الله) لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا3: 3). والولادة الروحية هذه تتمّ بالتوبة القلبية عن الخطية والإيمان بالمسيح (الكلمة الذي صار جسداً) وبعمله الكفاري على الصليب. والولادة الروحية هي بعمل الروح القدس لا بعمل إنسان لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يوحنا3: 6).
يقول الرسول بولس في الفصل الأول من رسالته إلى غلاطية: "يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم فليكن أناثيما". ثم يضيف: "إن كان أحد يبشّركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما" (غلاطية1: 8و 9). واللفظة "أناثيما" تعني "مرفوضاً" أو "ملعوناً" وقد كرّرها مرتين للدلالة على تشدّده في ضرورة الحذر من كل تعليم غريب وكل روح مضاد لروح الحق. ولا يكفي أن نرفضه بل يجب أن نبغضه كما كان الرب يسوع يبغض "بدعة النقولاويين" الوارد ذكرها في الفصل الثاني من سفر الرؤيا إذ قال الرب لملاك (راعي) كنيسة أفسس: "إنك تبغض أعمال النقولاويين التي أبغضها أنا أيضاً" (رؤيا2: 6). وعندما يتحدث الكتاب المقدس عن بغض الضلالات فهو لا يقصد بغض الضالّين أنفسهم، بل بالحريّ بغض التعاليم الضالّة ورفض السموم التي ينشرونها. من جهة أخرى، يعلّم الكتاب المقدس بضرورة الصلاة من أجل الضالّين وإرجاعهم إلى جادّة الصواب. يقول يعقوب بهذا الصدد في رسالته 5: 19و 20: "إن ضلّ أحد بينكم عن الحق فردّه أحد، فليعلم أن من ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه يخلّص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا".
عندما تحدّث الرب يسوع عن خراب أورشليم والضيقة العظيمة في الفصل الرابع والعشرين من بشارة متى قال لتلاميذه: "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدّقوا". وفي الفصل الحادي والعشرين من بشارة لوقا قال لهم: "انظروا ولا تضلّوا. فإنّ كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، وأنّ الزمان قد قرب فلا تذهبوا وراءهم" (لوقا21: 8). وبكلام آخر، وضّح المسيح لتلاميذه أنه ستكثر الشائعات والتكهّنات والادّعاءات كما هي الحال في أيامنا الحاضرة. فقد نشرت إحدى الصحف المشهورة في الغرب مقالاً كبيراً أكّدت فيه أنّ ظهور المسيح قريب جداً لا يتجاوز الأشهر القليلة. ولكن مرت الشهور ولم يتم الظهور، وبَانَ كل شيء على حقيقته. هذا لأن "ذلك اليوم وتلك الساعة (كما قال المسيح) لا يعلم بهما أحد إلاّ أبي وحده" (متى24: 36).
ادّعى أحدهم أنه المسيح وجمع حوله عدداً كبيراً من المخدوعين، ولكن بعد مدة يسيرة بأن بطلان ادّعائه إذ أقدم على الانتحار هو وألْف من أتباعه. وزعم آخر أنه ابن الله، فذهب إليه أحد خدام الرب وقال له: "أرني يديك". ففعل. وعندئذٍ قال له خادم الرب: "أنت مزيّف ودجّال، فإنّ آثار المسامير ليست في يديك".
وفي المدة الأخيرة أثيرت ضجة حول طبيب فرنسي اسمه نوسترادامُس (Nostradamus) عاش في القرن السادس عشر. وقد أُطلِق عليه اسم "الرجل الذي رأى المستقبل". ولكن أقوال نوسترادامُس لم تكن صنعه بل كانت مأخوذة من الكتاب المقدس. فهو من أصل يهودي ولكنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي وإلى محبة الله متأثراً من أمّه المسيحية. وقد استقى معلوماته من التوراة والإنجيل، ولذلك لا غرابة إن صحّت أقواله. والمهم في الأمر أنّ هذا الطبيب لم يدّعِ النبوة في يوم من الأيام ولا زعم أنه المسيح بل تحدّث عمّا قاله الأنبياء والرسل في العهدين القديم والجديد.
فهناك كَذَبة كثيرون في هذا العالم، حتّى أن كثيرين يؤمنون بفلسفة الكذب على كل صعيد. ولكن كلمة الله لا تشجّعنا على تصديق الكذب لأن الكذب هو من إبليس. قال المسيح في الفصل الثامن من إنجيل يوحنا عن إبليس إنّه "كذّاب وأبو الكذّاب" (يوحنا8: 44). وقد نصح موسى الشعب قديماً في الفصل الثالث والعشرين من سفر الخروج قائلاً: "لا تقبل خبراً كاذباً ولا تضع يدك مع المنافق". وفي العهد الجديد يخبرنا الطبيب لوقا في الفصل الخامس من سفر أعمال الرسل عن رجل وامرأته حاولا التظاهر بالصدق والإخلاص أمام الرسول بطرس ولكن روح الله فضح أمرهما وإذا ببطرس يقول للرجل: "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟" ثم قال للمرأة: "ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب؟" من هنا نرى أن رسل المسيح أنفسهم لم يصدّقوا كل الناس ولا صدّقوا كل روح رغم أنّهم كانوا مملوئين بمحبة الله.
فاقتدِ إذاً بِرُسل المسيح أيها القارئ الكريم "وعلى فهمك لا تعتمد" (أمثال3: 5). فالشيطان ماهر في خداع الناس. وفي الأيام الأخيرة سيعمل كل ما في وسعه "ليضل الساكنين على الأرض" (رؤيا13: 14)- فحذارِ!
فالعجائب لها مصدران: الله والشيطان، ومن الواجب التأكّد من المصدر قبل اتّخاذ أيّ موقف. تقول كلمة الله إنّ العجائب الشيطانية تكثر جداً في الأيام الأخيرة. ففي رسالة تسالونيكي الثانية يتحدّث الرسول بولس في الفصل الثاني عن ظهور "إنسان الخطية ابن الهلاك" أي ضد المسيح، ويقول إن مجيئه سيكون "بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة. وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سُرُّوا بالإثم" (2تسالونيكي2: 9- 12).
نعم، يستطيع الشيطان أن يخدع الناس بالعجائب والآيات لأنهم لم يصدّقوا كلمة الله التي هي حق. قال موسى لشعب الله قديماً في الفصل الثالث عشر من سفر التثنية: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلّمك عنها... فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم". لماذا؟ "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم" (تثنية13: 1- 3)- أي لكي يعلم هل تصدّقونه (هو) أكثر من الأمور المنظورة، أم بالعكس؟
فهل أنت تصدّق الله غير المنظور أم تصدّق الآيات المنظورة؟ هل تصدّق كلام الله أم كلام الناس؟
قال الرب يسوع: "ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات"(متى7: 21). فالمدّعون والمتظاهِرون بالإيمان يملأون الأرض، ولكن الله لا تخدعه الأقوال لأنّه يعرف قلوب البشر. وقد أعطانا المسيح تعليمات كافية من جهة هؤلاء فقال في الفصل السابع من بشارة متى أنهم "يأتونكم بثياب الحملان وهم من داخل ذئاب خاطفة". ثم قال عبارته المشهورة والمشكورة: "من ثمارهم تعرفونهم". فالحياة والتصرُّفات هي خير حَكَم على هؤلاء. هل صدّق الرسول بطرس سيمون الساحر الذي تظاهر بالإيمان؟ لا، بل وبّخه قائلاً: "إن قلبك ليس مستقيماً أمام الله". ثم أضاف: "فتُبْ من شرّك هذا واطلب إلى الله عسى أن يُغفَر لك فكر قلبك" (أعمال8: 21و 22). فلو كان سيمون مؤمناً حقيقياً لسلك في طاعة الرب، ولكنه كالكثيرين في كلّ عصر وجيل مِمّن يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر. قال يوحنا في الفصل الثاني من رسالته الأولى: "من قال قد عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. من قال إنّه ثابت فيه ينبغي أنّه سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضاً" (1يوحنا2: 4و 6).
عزيزي القارئ:
قال الرب يسوع: "من له أذنان للسمع فليسمع". وقال أيضاً: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وما عليك إلاّ أن تفتح أذنيك وعينيك وقلبك لئلا تساق بالتعاليم الغريبة وتتأثر بالضلالات والشائعات والأمور المنظورة فتصير كَريشةٍ في مهب الريح.
أنصحك، أولاً، أن تدرس الكتاب المقدس جيداً وتتعمّق في معرفته لأن كلمة الله ثابتة إلى الأبد. قال المسيح: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" ثانياً، أنصحك أن تقابل كل ما تسمعه وتقرأه في المجلات والكتب بما تقوله كلمة الله. فالكتاب المقدس يكشف كل شيء على حقيقته لأنّه المحكُّ الوحيد لمعرفة الحق والباطل. ثالثاً، أنصحك أن تصلي وتطلب إرشاد الروح القدس لكي تفهم الحق، وإلاّ تورّطت في ما أنت بغنى عنه. رابعاً وأخيراً، سلّم قلبك وحياتك للرب يسوع لكي تخلص وتنال الحياة الأبدية. حذارِ أن تعيش على الهامش وتهمل خلاص نفسك التي مات المسيح لأجلها. واذكر أن الخلاص هو عطيّة الله المجانية لكل من يؤمن بالمسيح وحده ويضع ثقته في عمله الكامل على الصيب وقيامته من بين الأموات (أفسس2: 8و 9).
2كورنثوس3: 12- 16 "فإذ لنا رجاء مثل هذا نستعمل مجاهرة كثيرة. وليس كما كان موسى يضع برقعاً على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل. بل أُغلظت أذهانهم لأنّه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف، الذي يُبطل في المسيح. لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم. ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع".
2كورنثوس4: 1- 7 "من أجل ذلك إذ لنا هذه الخدمة كما رُحمنا لا نفشل، بل قد رفضنا خفايا الخزي، غير سالكين في مكر ولا غاشين كلمة الله، بل بإظهار الحق مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسان قدّام الله. ولكن إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنّما هو مكتوم في الهالكين الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله. فإنّنا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع رباً، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع. لأنّ الله الذي قال أن يشرق نور من الظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية ليكن فضل القوة لله لا منّا".
مَن مِنّا لم نسمع اللفظة "متعصّب"؟ ومَن مِنّا لم تشمئزّ نفسه من هذه اللفظة؟ إذا عدنا إلى القاموس وجدنا أن الفعل "تعصّب" معناه "وضَعَ العِصابة على عينيه وشدّها" بحيث لا يعود يرى شيئاً. فالمتعصب هو الذي لا يرى- ليس لأنه أعمى، بل لأنّه لا يريد أن يرى. وهذا شرٌّ من العمى. فهو قد تربّى أو تدرّب على التفكير بطريقة معيّنة، وعلى معتقدات واقتناعات معيّنة، بحيث باتَ مغسول الدماغ ولا يستطيع أن يرى الأمور إلاّ من خلال المنظار الذي تدرّب وتربّى على استعماله. هذا هو الموضوع الذي يناقشه بولس الرسول في الإصحاحين الثالث والرابع من رسالته الثانية إلى كورنثوس. ففي تلك الرسالة يخبرنا الرسول قصة التعصُّب والمتعصبين من أوّلها إلى آخرها وإليك التفاصيل:
والرسول بولس يعرف ذلك بالاختبار. فهو كان متعصّباً إلى أقصى حد، بحيث أنّه كان راضياً بقتل استفانوس الشهيد الأول للمسيحية (أعمال8: 1). وكان "ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب، ويسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجرُّ رجالاً ونساءً ويسلّمهم إلى السجن" (أعمال9: 1؛ 8: 3). ولكنه بعدما تعرّف بالرب يسوع على طريق دمشق، اعترف بتعصُّبه الممقوت قائلاً: "إني فعلت (ما فعلت) بجهل في عدم إيمان" (1تيموثاوس1: 13). وهنا، في الفصل الرابع من رسالة كورنثوس الثانية، نسمعه يقول: "إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنّما هو مكتوم في الهالكين الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين". فمن هو إله هذا الدهر؟ إنه إبليس المسمّى "رئيس هذا العالم" (يوحنا12: 31؛ 14: 30) و "رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية"(أفسس2: 2). وعندما يطلق عليه الكتاب المقدس اللقب "إله هذا الدهر" فإنّه يعني أنّ الشيطان يسيطر على نظام العالم الحاضر بما فيه من تيّارات وفلسفات، وهو الذي يحرّك الشر والأشرار الذين يشكّلون الأكثرية في هذا العالم. هناك قلّة غير خاضعة له لأنّها انتقلت بالإيمان من سلطان الظلمة إلى ملكوت المسيح (كولوسي1: 13). أمّا الباقون فهم تحت سيطرته وعبوديته، لا بل إنّهم يعبدونه بشكلٍ أو بآخر تحت ستار الصلوات والواجبات الدينية. ولهذا قال يسوع: "ليس كل من يقول لي يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات" (متى7: 21). وقال للمتعصّبين في أيامه: "أنتم من أبٍ هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يوحنا8: 44). فالتعصُّب والجهل هما إذاً من الشيطان.
يقول بولس في المقطع الذي نحن في صدده: "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين". ولو كان التعصب يعمي العينين لكان الأمر سهلاً. فهناك عميان في الجسد ممن عرفوا المسيح وأشرق نور الرب في قلوبهم. ولكنّ التعصّب يعمي الأذهان ويغلّظ الفكر ويضع غشاوة على القلب والبصيرة. والغشاوة تؤدّي في النهاية إلى القساوة، كما حصل مع الشعب في أيام موسى وفي أيام بولس نفسه. فعندما يُشير هذا الأخير إلى الشعب في أيّام موسى في العدد الرابع عشر من الإصحاح الثالث من رسالته الثانية إلى كورنثوس يقول "أُغلِظَت أذهانهم". وعندما يتحدّث عن أهل زمانه يقول: "حتى اليوم ذلك البرقع نفسه، عند قراءة العهد العتيق، باقٍ غير منكشف... والبرقع موضوع على قلبهم". لاحظ أن الإنسان يمكن أن يكون متعصّباً جاهلاً حتى لو قرأ وسمع كلمة الله. فإنّ نور الكلمة لا يدخل إلى القلب إلاّ إذا رُفع البرقع وأٌزيلت الغشاوة عن القلب والبصيرة. وهكذا نقرأ في الإصحاح الأول من رسالة رومية عن الأمم الذين آمنوا بوجود الله بواسطة الطبيعة. ولكن عوض أن يشكروا الله ويمجّدوه وضعوا عِصابة على عيون أذهانهم لكي لا يروا. ولهذا قال عنهم الكتاب إنهم "حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي". ثُمّ أضاف: "وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء". وكل هذا لأنهم "لم يستحسنوا أن يُبقوا الله في معرفتهم". فالتعصُّب إذاً هو من الشيطان ويعمي الأذهان.
ولهذا تقول الآية: "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان (أذهانَ مَن؟) أذهان غير المؤمنين". فالمتعصّب ليس مؤمناً لأنّ الجهل والإيمان لا يتفقان. ولكن إبليس يصوّر للمتعصّبين أنّهم أكثر الناس إيماناً وغيرة على أمور الله لدرجةِ أنّه يدفعهم أحياناً كثيرة لارتكاب أفظع القبائح والجرائم باسمْ الدين. فهل هذا هو الإيمان؟ وهل هذا هو الدين؟ إن كان إيماني لا يقودني إلى محبة الله ومحبة قريبي كنفسي، بل محبة عدوي أيضاً، فإيماني ليس إلاّ كلاماً بكلام. لمّا سأل اليهودُ المسيحَ في الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا: "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟" أجاب يسوع وقال لهم: "هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله". والإيمان بالمسيح معناه بناسوته ولاهوته وموته الكفاري على الصليب والالتزام به قلباً وقالباً. أما المتعصّب فيتم فيه قول المسيح: "لأنّي أقول الحق، لستم تؤمنون بي" ؛ "وإن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتون في خطاياكم" (يوحنا8: 45و 24).
يقول الرسول إنّ إبليس "قد أعمى أذهان غير المؤمنين". والسبب في ذلك هو "لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله". أي أن الشيطان يريد أن يحرم الناسَ نورَ مجد إنجيل المسيح. ولمّا قال بولس هذا كان يقارن النورَ الزائل الذي شعَّ من وجه موسى عند إنزاله الوصايا العشر، بنور الإنجيل الذي هو نور المسيح الذي لا يزول. فالإنجيل هو إنجيل الحياة والخلاص والغفران في حين أن الناموس يكشف خطية الإنسان ويحكم عليه بالقصاص. من جهة أخرى يحرم التعصُّبُ صاحبَه الحياة الأبدية، ولهذا قال بولس: "إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنّما هو مكتوم (أي مستور ومجهول) في الهالكين". والهالكون هم الضالّون القائلون بأن الكرازة بالصليب ضرب من الجهل والسخف، على غرار ما فعل اليونانيون في العصر الرسولي. وهم الذين يُخدعون بالتعاليم والضلالات والعجائب الكاذبة. وبالتالي هم الذين ينتهون في الجحيم لأنهم لم يقبلوا معرفة الحق. وليس ذلك فقط، بل يقودون آخرين في الطريق نفسه. لأنّهم عميان قادة عميان.
نقرأ في العدد السادس من الإصحاح الذي نحن في صدده أن "الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح". ولمّا كتب بولس هذه العبارة كان يفكّر في الإصحاح الأول من سفر التكوين حين قال الله: "ليكن نور" ولمّا قال كلمته هذه، أشرق النور وتبدّد الظلام. وبما أنّ الله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، فإن كلمته لم تتغير أيضاً. فكما أنها بدّدت ظلام الكون، هكذا تقدر أن تبدّد ظلام الخطية من القلب وتقود بالإيمان "إلى معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح". فإن أحداً لن يعرف الله إلاّ بواسطة المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا. فهو القائل: "ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي" (يوحنا14: 6). ومعرفة الله هذه هي "كنز" ونحن "أوانٍ خزفيّة". ولذلك فإن الفضل كلّه لله وليس لنا (2كورنثوس4: 7).
إن المتعصّب قلبه مقفل وعقله مقفل لأنّه مغسول الدماغ. ولذلك تراه يشوّش ويقاوم. فلا هو يريد أن يدخل ملكوت السموات ولا يدع الداخلين يدخلون. هكذا كان بولس الرسول نفسه، ولكنه على طريق دمشق أبرق حوله وفيه نور من السماء. وهكذا تبدّد الظلام والعمى والجهل بالتوبة والاعتراف والإيمان.
لوقا16: 19- 31 "كان إنسان غنّي وكان يلبس الأرجوان والبزّ وهو يتنعم كل يوم مترفّهاً. وكان مسكينٌ اسمع لعازر، الذي طُرح عند بابه مضروباً بالقروح. ويشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني. بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم. ومات الغنيُّ أيضاً ودُفن. فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأنّي معذّب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزّى وأنت تتعذّب. وفوق هذا كلّه، بيننا وبينكم هوّة عظيمة قد أُثبتت حتى إنّ الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا. فقال: أسألك إذاً يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، لأنّ لي خمسة إخوة، حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء، ليسمعوا منهم. فقال: لا يا أبي إبراهيم. بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون، فقال له: إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقون".
عندما ذكر الرب يسوع عن كنيسته في متى 16: 18 "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" قصد أن يقول لنا شيئين: أولاً، إنّ الكنيسة هي المنتصرة في حربها ضد الشرير والشر؛ وثانياً، إنّ أبواب الجحيم، بكل قواها، ستبقى تُهاجم الكنيسة بلا كلل وبلا ملل بالرغم من كل الهزائم التي تُمنى بها.
هذا ما حدث فعلاً، وما زال يحدث، لأنّ إبليس لم يكف عن مهاجمة الكنيسة بمختلف الوسائل الجهنّمية المتوفّرة لديه. فإذا عدنا إلى الكتاب المقدس- وإلى التاريخ أيضاً- نجد أنّ عدوّ الخير كان وما يزال يستخدم، من جملة ما يستخدم، سلاحين فتّاكين في صراعه ضد الكنيسة ومؤسّسها. ولكنه في محاولاته كلها يشبه ناطح الصخرة الذي يتحطم رأسه وتبقى الصخرة على حالها. السلاحان هما: أعمال السحر المنظورة على اختلافها، والتعاليم الزائفة المستورة على أشكالها. وإذا شئت أن تعرف بالتفصيل عن هذين السلاحين فما عليك إلاّ أن تقرأ، على الأقلّ، سفر أعمال الرسل في العهد الجديد، وبذلك تكوّن لنفسك فكرة واضحة عمّا أقصده هنا.
في هذا الفصل الذي نحن في صدده الآن نرى الرب يسوع يفضح، من طريق القصّة، أكاذيب الشيطان المضلّلة وتعاليمَه الزائفة المنتشرة في كل مكان بواسطة البدع والهرطقات والمسحاء الكذبة الذين ينطبق عليهم قول الكتاب المقدس في المزمور الثاني: "الساكن في السموات يضحك، الرب يستهزئ بهم". ولماذا يضحك الرب منهم ويستهزئ بهم؟ لأنّهم في سعيهم فاشلون ولو بدَوا ناجحين. فمصيرهم ومصير أتباعهم معروف لديه، وكذلك مصير الشيطان الذي يعمل فيهم ومعهم من خلف الستار.
لنتأمل الآن في بعض الأكاذيب الشيطانية التي يكشفها الرّب يسوع في الكلمة الإلهية.
وهل هذا صحيح؟ اسمع قول الرب: "فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم (حضن إبراهيم هو رمز الراحة والسعادة والإكرام)، ومات الغنيُّ ودُفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب". عندما يحدّثنا الرب يسوع بهذا الوضوح عمّا وراء القبر، فهو لا يحدّثنا عن أوهام بل عن حقائق ثابتة، لأنّه الرب العارف بكل شيء، ولأنّ تعاليمه مُستمدةً مباشرةً من الآب. يقول يسوع في إنجيل يوحنّا، الإصحاح الثامن: "وأنا ما سمعته منه (من الآب) فهذا أقوله للعالم". ثم يضيف: "لست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علّمني أبي". إذاً يمكننا الوثوق يقيناً بما يعلّمنا إياه يسوع لأنّ تعاليمه هي من السماء- من عند الآب نفسه.
يقول المادّيُّون وأمثالهم إنّ الإنسان كالآلة التي تعمل إلى حين انتهاء أجَلِها، ومن ثَم تُطرح جانباً وكأنّها لم تكن. لكن لنتأمل الآن قليلاً في كلام السيد لنعرف هل هذا القول صحيح. قال يسوع: "فمات المسكين... ومات الغني..." ولكن هل توقّف عند هذه النقطة أم أكّد أن الموت بداية لا نهاية؟ فبالنسبة إلى لعازر، قال يسوع إنّ موته كان بداية سعادته وراحته الأبدية لأنه عندما مات "حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم". أما بالنسبة إلى الغني، فقال الرب، إن موته كان بداية عذاباته الأبديّة لأنه "رفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب". وليس هذا فقط بل إنّ كلاً منهما رأى الآخر بعد الموت دون أن يفقد ذاكرته أو أحاسيسه أو شخصيته. تقول كلمة الله: "وُضع للناس أن يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة" (عبرانيين9: 27). وماذا يوجد بعد الدينونة؟ إمّا نعيم وإمّا جحيم. إذاً، الموت ليس نهاية بل بداية.
يعتقد بعضهم، وبينَهم شهود يهوه، بما يسمُّونه رقادَ النفس أو الروح؛ ويقصدون بذلك أن الروح تبقى راقدة مع الجسد في القبر ولا تفارقه إلى مكان خاص بها. ولكن كلمة الله توضح هذه النقطة إذ تقول: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جامعة12: 7). وهل هناك أوضح من هذا الكلام؟
والآن لنتأمل ما يقوله الرب يسوع في القصة التي أمامنا. يقول: "مات الغني أيضاً ودفن. فرفع عينيه في الهاوية". طبعاً عيناه هما عينا الروح لا الجسد لأن الجسد رقد، وعينا الجسد لا تريان بعد الموت. ثم إنّ العذاب الذي أحسّ به كان عذاب الروح لا الجسد، لأنّ الجسد كان في القبر. ولذلك عندما رأى بِعَيْن الروح وشعر بما شعر بحسّ الروح، أخذ يتوسل ويسترحم. إذاً، الروح لا تنام ولا ترقد بل الجسد. وفي اللحظة التي يرقد فيها الجسد تستيقظ الروح يقظتها الأبدية.
والغريب أنّهم يؤمنون بالسماء والنعيم، أمّا بالجحيم فلا... ماذا يقول المسيح في هذا الصدد؟ هل يقول إن الجحيم مجرّد أوهام وأحلام، أم العكس؟ يقول الربُّ هنا إنّ الغني كان يتوسّل إلى إبراهيم قائلاً: "ارحمني وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأني معذّب في هذا اللهيب". أيّ لهيب هو هذا اللهيب؟ أليس لهيب العذاب؟ فقال إبراهيم: "يا ابني، اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزّى وأنت تتعذّب".
أخي القارئ، لو درست العهد الجديد لوجدت أن الرب يسوع تكلّم عن جهنّم أكثر مما تكلّم عن السماء. وكلام الربّ هو ربُّ الكلام لأن الرب لا يقدّم لنا الحق. ومِمّا قاله عن عذاب الجحيم: "هناك البكاء وصرير الأسنان" (متى8: 12). ويؤيّد كلامَه هذا رسولُه يوحنا في كلامه عن الذين أضلّهم إبليس أنّهم "سيُعَذّبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين" (رؤيا20: 10). وأنّ نصيبهم هو "في البحيرة المتّقدة بنار كبريت، الذي هو الموت الثاني" (رؤيا21: 8). وأنّ دخان عذابهم "يصعد إلى أبد الآبدين" (رؤيا14: 11). يقول بعضهم: هذه أقوال رمزيّة، وأنا أُجيب: إن كان الرمز مخيفاً بهذا المقدار، فكم بالحريّ المرموزُ إليه!
طبعاً يستطيع الإنسان أن ينكر الحق، إذا شاء، ولكن هل يعني إنكار الأعمى لوجود الشمس غير موجودة؟ في يوم الدين سيقول الرب للمحكوم عليهم: "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته" (متى25: 41).
هذه كانت فكرة الغني عندما قال لإبراهيم: "أسألك يا أبتِ أن ترسل لعازر إلى بيت أبي لأن لي خمسة أخوة. حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا". ثم قال: "إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون". فهل وافق إبراهيم على كلامه؟ كلاّ. لأنه أجابه: "عندهم موسى والأنبياء". (أي كتب موسى والأنبياء). ثم أضاف: "إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقون".
لو كانت حجّة الغني سليمة لكان من الضروري أن يكون جميع الذين شاهدوا معجزات القيامة مؤمنين حقيقيين. ولكنْ هل آمن جميع الذين رأوا قيامة موتى؟
الإيمان الحقيقي هو بالرجوع إلى كلمة الله. فمن لا يؤمن ويتوب بواسطة استماعه (أو درسه) للكلمة الإلهية، فقيامة الموتى لا تجديه نفعاً. يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية، الإصحاح العاشر: "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله".
والآن أختم كلمتي، ولكني لا أريد أن أختمها دون أن أُشجّعكم وأنصحكم، بإخلاص ومن أعماق القلب، أن ترجعوا إلى الكتاب المقدس- مصدر العقيدة الأوحد- وتدرسوه بتجرّد لكي تتعرفوا بالمخلّص الوحيد الرب يسوع المسيح وذلك قبل فوات الفرصة.
قال يسوع: "من يُقبل إليّ فلا أخرجه خارجاً" (يوحنا 6: 37). حذارِ أن تُؤخذ بالأكاذيب الشيطانية والتعاليم المضلّلة. وخير وسيلة لدحض ضلالات الشيطان وأكاذيبه هي بأن تأتي إلى المسيح تائباً ومؤمناً على أساس كلام الله في الكتاب المقدس
إن الحديث عن الضلالات والبدع والتعاليم الغريبة العجيبة ليس من الأمور المستحبّة عندي. ولكن الضرورة موضوعة عليّ، فَويلٌ لي إن سكتُّ عن الأخطاء والسموم التي تُزرع بِاسم الدين وتحت ستار نشر الحقيقة والحق.
لمّا قال إشعياء النبي: "أنتم شهودي، يقول الرب (يهوه) وأنا الله" (إشعياء43: 12)، لم يخطر في بال أنه بعد نحو 2500 سنة ستظهر بدعة تستمد اسمها من كلامه. فلو خطر في باله أمر كهذا لكان أعدّ العدّة له. ولو كان عائشاً اليوم لما تأخر عن فضح مزاعم هذه الجماعة كما فضح الأنبياءَ الكذبة والمعلمين الكذبة في عصره.
أرى أنه من الأهمية بمكان أن نكون ملمّين بالمعتقدات والآراء التي يروّها شهود يهوه، معتمدين في نشر سمومهم على زيارة البيوت وبيع الكتب وجهل الكثيرين للكتاب المقدس. والغرض من هذا الإلمام هو أن نحذِّرهم ونحذِّر منهم. وهكذا يستطيع الواحد منّا أن يقول مع بولس الرسول: "إني بريء من دم الجميع" (أعمال الرسل20: 26).
نشأت ضلالة شهود يهوه في مدينة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1870 بزعامة تشارلز رصل (Charles Russel). وكان همّه أن يدحض فكرة جهنّم التي، في رأيه، لا تتّفق مع محبة الله. ولذلك أنشأ سنة 1879 مجلّة دعاها "برج المراقبة" وشدّد فيها على ما سمّاه "ملكوت الله الأرضي". ووضع كتباً أخرى طُبع آخرها بعد موته سنة 1916. وما إن ازداد عدد المخدوعين بتعاليمه حتى دبّ الخلاف بينهم أكثر من مرة، والخلاف أدّى إلى الشقاق، ولكنهم اتفقوا على تسمية الجماعة باسم "شهود يهوه" عام 1931.
حياة رصل الأخلاقية وصفقاته التجارية المشبوهة وسعيه وراء المادة لاقت الكثير من الاشمئزاز والاستنكار لدى مختلف الفئات. وقد رفع دَعْويَيْن ضد الغير بتهمة تشويه سمعته، ولكنه خسرهما كلتيهما. ولما خسر في المحكمة، راح يدّعي أنه مظلوم ومضطهَد، مّما استدرّ عطف السُّذّج والبسطاء وأدّى إلى المزيد من النمو لبدعته وخدعته.
وبعده جاء جوزف رذرفورد (Joseph Rutherford) وقاد جماعة شهود يهوه من سنة 1917 إلى 1942. وكان هذا الرجل كاتباً ماهراً وخطيباً ذا لسان سليط استعمله في الطعن برجال الدين والوعّاظ والكنائس، وكان يندّد بشدّة بكل من يخالفه الرأي.
لا أحد ينكر أن جماعة شهود يهوه تتميّز بالغيرة الدينية والالتزام والنشاط. إنّهم يقرعون أبواب البيوت ويوزّعون المنشورات ويبيعون كميات كبيرة من الكتب. ولكنّهم يرفضون عملية نقل الدم للمريض ويعتبرون خدمة العَلَم ضرباً من ضروب الوثنية. وأخطر ما في عقائدهم الدينية وتعاليمهم المنحرفة جداً عن كلمة الله، أنّهم ينكرون تقريباً كل الرد على البدع الأساسية- ينكرون الثالوث ولاهوت المسيح وشخصية الروح القدس وجهنم، ويعتبرون أن عقيدة التثليث هي عقيدة وثنية شيطانية. ولكن إنكار الأعمى لوجود الشمس لا يعني أن الشمس غير موجودة بل أنه هو لا يراها لأنّه أعمى.
وفوق هذا هم ماهرون في المماحكات والتلاعب بآيات الكتاب المقدس، والقفز من نقطة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر لكسب النقاش. نعم يهمّهم ربح المناقشة لا ربح النفوس التي مات المسيح لأجلها. وإذا أُحرجوا في نقطة ما قالوا لك: "سنسأل برج المراقبة عن هذا الأمر"، أو لجأوا إلى السخرية والاستهزاء بالمسيح وبالروح القدس لكي يُوهموا السامعين أنّهم أذكياء في حين أنّهم خبثاء مخادعون. وفي الواقع أنّهم أقرب الناس إلى التجديف على الروح القدس. سألت واحد منهم مرة عن مفهومه للآية الواردة في رسالة العبرانيين1: 8: "وأمّا عن الابن: كرسيُّك يا الله..." فأجاب: الابن هو كرسي الله، بالمعنى الحرفي. فتصوّر...
إليك الآن أبرز معتقدات شهود يهوه قبل الرد على بعضها.
1-يهوه الرب كائن أزلي وحيد
2-المسيح الكلمة إله صغير ومخلوق
3-الشيطان مصيره الزوال
4-موت المسيح هو لإزالة آثار خطية آدم عن نسله
5-المسيح قام من الموت بالروح لا بالجسد
6-النفس غير خالدة وقابلة للموت والزوال
7-جهنم غير موجودة
8-جاء المسيح ثانية بالروح عام 1914
9-ملكوت الله فوق كل الممالك والحكومات (التي هي من تنظيم الشيطان) والولاء للحكومات الأرضية خيانة لملكوت الله. ومن أقوالهم الوقحة حول هذه المعتقدات ما يلي:
"الشيطان هو مصدر عقيدة الثالوث"
"إن المُخلصِين الراغبين في معرفة الله الحقيقي، يجدون صعوبة في أن يُحبوا ويعبدوا إلهاً ذا ثلاثة رؤوس".
""إن كان المسيح هو الله فمَن كان يدير شؤون الكون خلال الأيام الثلاثة التي قضاها في القبر بعد موته؟"
"الروح القدس ليس الله ولا واحداً في الثالوث ولا مساوياً لله ولا أقنوماً. إنه قوة الله العاملة".
"ولادة يسوع على الأرض لم تكن تجسُّداً. وُلد يسوع من أب كامل بلا خطية هو يهوه الرب".
"الخلود هو أجرة الأمانة ولا يأتي بصورة آليّة للإنسان عند الولادة".
"لم يأخذ يسوع جسده البشري إلى السماء... فلو فعلَ لبقي أدنى من الملائكة إلى الأبد".
"جاء يسوع المسيح ثانية عام 1914، ليس كإنسان بل كمخلوق روحي ممجّد".
"شهود يهوه لا يؤدُّون التحية لعَلَم أية دولة".
"عقيدة الاكتواء بنار الجحيم... لا يمكن أن تكون صحيحة..."
"إن الادّعاء بأن الإنسان له نفس خالدة ويختلف عن الحيوان، ليس مؤسساً على الكتاب المقدس".
"مَنْ وكم هم الذين يدخلون الملكوت؟ يحصر سفر الرؤيا الرقم في 144000".
هذا قليل من كثير من أقوال بدعة شهود يهوه. وإليك الرد على بعضها، ليس لأنها تستحق الرد بل لأجل التنوير والتحذير.
لمّا كنت صغيراً كان يأتي إلى منطقتنا رجلٌ يحمل على ظهره صندوقاً خشبياً يُعرف باسم "صندوق الفرجة". وكان ينادي ويقول: "تعال تفرّج يا حبيبي وانظر عجائب الدنيا". وأنا سأدعوك الآن لنتفرّج لا بالعجائب، بل بغرائب مَن يَدعُون أنفسهم "شهود يهوه"، وما هم إلاّ شهود زور.
هذه الجماعة مصابة بعقدة نفسية مُحكمة بسبب عقيدة التثليث الكتابية، ولذلك لم تجد منفذاً لها إلاّ الإنكار- إنكار لاهوت المسيح والقول بأنّه إله صغير مخلوق. ولم يَدْرُوا أنّهم بهذا الإنكار وقعوا في فخ الوثنية. فالقول بأنّ المسيح إله صغير معناه أن هناك إلهاً آخر كبيراً، وبالتالي أنّ هناك إلهين في الكون على الأقل، مِمّا يجعل شهود يهوه وثنيين يؤمنون بتعدُّد الآلهة. فمن جهة يعتبرون تحيّة العلم وثنية، ومن جهة أخرى يؤمنون بإلَهين في آنٍ واحد. فتأمّل التناقض!
بالإضافة إلى هذا، يقول أصحاب هذه البدعة أن المسيح هو "ابن الله" وليس الله. وقد نسوا أن للمسيح لقباً آخر هو "ابن الإنسان". فإن كان ابن الإنسان هو إنساناً فالنتيجة هي أن ابن الله هو الله. حتى خصوم المسيح فهموا هذه الحقيقة وبرهنوا أنهم أذكى من شهود يهوه. ففي إنجيل يوحنا5: 18 يقول الرسول إنّهم كانوا يطلبون أن يقتلوه "لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً إنّ الله أبوه معادلاً نفسه بالله". فإنّ اللفظة "ابن" تشير إلى الطبيعة والجوهر. فكما أنّ ابن الإنسان هو من طبيعة الإنسان وجوهره، هكذا ابن الله هو من نفس طبيعة الله وجوهره. ابن الإنسان هو إنسان وابن الله هو الله.
لننظر الآن في مزيد من البراهين على لاهوت المسيح. ولكي لا أطيل الشرح سأقتصر على مُقتطفات من إنجيل يوحنا بهذا الخصوص. كلُّنا نعلم أنّ شهود يهوه يعتمدون كثيراً على إنجيل يوحنا، ظناً منهم أنّ أقوال الرسول تدعم آراءهم في حين أن العكس هو الصحيح. كل ما في الأمر هو أنّهم يتلاعبون بترجمة الآيات وتفسيرها لتوافق آراءهم وأذواقهم الركيكة.
كتب يوحنا الإنجيلَ المعروف باسْمه لغرضٍ معيّن، ألا وهو دَحْض الآراء والضلالات التي أنكرت لاهوت المسيح وناسوته في تلك الأيام. وقد بيّن غرضه هذا في الإصحاح 20: 30و 31 إذ قال: "وآيات أُخَر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب. وأما هذه (الآيات) فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع (الإنسان) هو المسيح ابن الله (الله) ولكي تكون لكم، إذا آمنتم، حياة باسمه". ولهذا افتتح إنجيله بهذه الكلمات: "في البدء (لما خلق السموات والأرض بحسب تكوين 1: 1) كان الكلمة". لم يقل "صار الكلمة"، بل "كان الكلمة" أي كان موجوداً من قبل. فهو ليس جزءاً من الخليقة ولا بدأ مع الخليقة بل هو الخالق: "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (1: 3). "كان في العالم وكُوّن العالم به ولم يعرفه العالم" (1: 10). أضِف إلى هذا أن المسيح هو الكلمة (كلمة الله)، وإن كان المسيح هو كلمة الله فمعنى ذلك أن المسيح أزلي لأن الله لم يكن في أي وقت من الأوقات بلا كلمة. فقول شهود يهوه بأنّ المسيح مخلوق وله بداية معناه أنّ الله، قبل خلقه المسيح، كان بلا كلمة، أي أنّه كان أخرس لا يتكلّم. وشهود يهوه الذين يعبدون إلهاً أخرس هم أنفسهم سيخرسون. أما نحن فنعبد إلهاً أزلياً ناطقاً كان (وما يزال) يتكلم. إلهنا الإله الحقيقي، يختلف كلياً عن إلههم.
يتابع يوحنا قائلاً: "والكلمة كان عند الله"، أي مواجهاً له، وذلك إشارةً إلى أقنوميّته المستقلة وشركته الدائمة مع الآب ومساواته له في الطبيعة والجوهر. ولهذا يَخْلص يوحنا إلى النتيجة الحتمية وهي: "وكان الكلمة الله"، مِمّا يعني أن يسوع الجديد هو نفسه يهوه العهد القديم. أمّا قول المُضِلّين بأنّ ترجمة هذه الآية مغلوطة فهو دليل جهلهم للغة اليونانية الأصلية ونيّاتهم السيّئة ضدّ شخص المسيح المُبارَك إلى أبد الآبدين.
في الإصحاح الثاني يروي لنا الرسول يوحنا قصّة العرس الذي دُعي إليه يسوع في قانا الجليل، ويقول إنّ المسيح أجرى آية في تلك المناسبة، إذ حوّل الماء خمراً. وقد انفرد يوحنا برواية ما جرى، لا لسبب إلاّ ليؤكّد لنا أن يسوع الذي حوّل الماء خمراً، هو نفسه يهوه الذي حوّل الماء دماً في أرض مصر. وليس صدفةً أن يكون تحويل الماء خمراً هو الآية الأولى كما أن تحويل الماء دماً كان الضربة الأولى. وليس صدفةً أيضاً أن يكون غرض الآيتين واحداً: ففي سفر الخروج 7: 17، نقرأ أقوال الرب لفرعون على لسان موسى: "هكذا يقول الرب (يهوه) بهذا تعرف أني أنا الرب". ثم أضاف: "ها أنا أضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحوّل دماً". وهنا في عرس قانا الجليل نقرأ قول يوحنا في 2: 11: "هذه بداءة الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده (مجد اللاهوت) فآمن به تلاميذه". وهكذا عرفوا أنّه هو يهوه الرب.
أنتقل الآن إلى الإصحاح السادس حيث تقع عيوننا على قصة إشباع المسيح لبضعة آلاف من البشر من خمس خبزات وسمكتين. لماذا أتى يوحنا على ذكر هذه الحادثة؟ أليس لكي يقول لنا إن الذي أشبع الآلاف هنا هو نفسه الذي أشبع الآلاف المؤلّفة من العبرانيين لمّا أعطاهم المنّ والسلوى في بريّة سيناء؟
وحين نأتي إلى الإصحاح الثامن نجد برهاناً ساطعاً آخر على لاهوت المسيح. ففي فاتحة الفصل يخبرنا يوحنا قصة المرأة التي أمسكت بخطيتها وجيء بها إلى يسوع. ولمّا أقاموها في الوسط، قال الكتبة والفريسيون: "موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم. فماذا تقول أنت؟" فماذا كان ردّ المسيح عليهم؟ يقول العدد السادس: "أما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض". والغرض من هذا القول هو تذكيرنا بأنّ الذي كتب بإصبعه على الأرض هو نفسه الذي كتب بإصبعه الوصايا العشر في العهد القديم وأعطاها لموسى. ففي سفر الخروج 31: 18و 32: 16 نقع على الآيتين التاليتين: "ثم أعطى (الله) موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة، لوحَي حجر مكتوبَين بإصبع الله. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين". ولمّا نزل موسى من الجبل ورأى أن الشعب كان فسد وعبد العجل الذهبي، حميَ غضبه "وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل" (خروج32: 19). فصار لازماً أن يكتب الربُّ الناموس مرة أخرى. ولهذا نقرأ في خروج34: 1: "ثم قال الرب لموسى انحت لك لوحين من حجر مثل الأوّليْن فأكتبَ أنا على اللوحَيْن الكلمات التي كانت على اللوحَيْن الأوّليْن اللذَيْن كسرتهما". وهنا في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا نقرأ أن المسيح لم يكتب مرة واحدة على الأرض بل مرّتين. فبعدما كتب في المرة الأولى انتصب وقال للمشتكين على المرأة الخاطئة: "من كان منكم بلا خطية فليرمِها أولاً بحجر" وبعد ذلك مباشرة نقرأ قول يوحنا: "ثم انحنى أيضاً (أي مرة ثانية) إلى أسفل وكان يكتب على الأرض". فهل هذه صدفة أم أن يسوع هو نفسه يهوه الذي يجهله شهود يهوه؟
والآن إلى الإصحاح التاسع من إنجيل يوحنا وإلى قصة الرجل الأعمى منذ ولادته. يقول الرسول يوحنا إنّه لما أراد المسيح أن يعيد إليه بصره "تفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى" وهنا لا بد من السؤال: لماذا لجأ المسيح إلى هذه الوسيلة لشفاء هذا المسكين؟ الجواب هو أنّ البشير أراد أن يقول لقرّائه (ونحن منهم) إنّ الذي جبل طيناً في هذه المناسبة وخلق للأعمى بصراً جديداً هو نفسه الرب الذي جبل آدم تراباً من الأرض. هنا خلق عَيْنين جديدتين، وهناك خلق الإنسان كله. فهلاّ يفهم شهود يهوه؟
والإصحاح العاشر لا يقل أهميّة عمّا سبقه. ففي العدد الحادي عشر يقول يسوع: "أنا هو الراعي الصالح". وفي سفر المزامير يقول داود في المزمور23: "الرب (يهوه) راعيّ فلا يعوزني شيء.." وبالمقارنة يفهم كل ذي عين بصيرة أن الراعي الصالح في كلا العهدين هو يسوع المسيح بالذات، سواءً اقتنع المضلّلون أو لم يقتنعوا.
قلت قبلاً إنني لن أطيل الشرح، ولهذا سأكتفي بثلاث نقاط أخرى من بشارة يوحنا. الأولى من الإصحاح الثاني عشر، والثانية من الإصحاح العشرين، والثالثة من مقاطع متفرّقة. ففي إنجيل يوحنا12: 37- 41، نقرأ قول البشير: "ومع أنه (أي يسوع) كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. لِيَتم قول إشعياء النبي الذي قاله "يا رب من صدّق خبرنا؟... لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا. لأن إشعياء قال أيضاً: قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا..." ثم أضاف الرسول (وهنا أرجو الانتباه جيداً): "قال إشعياء هذا حين رأى مجده (أي مجد المسيح) وتكلم عنه". ومتى رأى إشعياء مجد المسيح؟رآه عندما ظهر له يهوه الرب في الإصحاح السادس من نبوته. وهذا يعني أنّ يوحنا كان يؤمن أن يهوه هو نفسه يسوع المسيح.
أمّ الإصحاح العشرون من إنجيل يوحنا ففيه خبَرُ ظهور المسيح لتلاميذه بعد قيامته من الأموات في الجسد. (بالمناسبة، يُنكر شهود يهوه قيامة المسيح في الجسد، لأنهم لم يتركوا شيئاً لم ينكروه.)فلمّا ظهر الرب لتلاميذه "قال لهم: سلام لكم. ولما قال لهم هذا، أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذْ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا". ثم تابع يوحنا قائلاً: "ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس". والسؤال الآن هو: لماذا نفخ يسوع في التلاميذ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس؟ الجواب نجده في سفر التكوين2: 7 حيث تقول كلمة الله: "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حيةً". فالله الذي نفخ في آدم وأعطاه حياة جسدية هو نفسه الذي نفخ في التلاميذ وأعطاهم حياة أبدية بواسطة الروح القدس.
وهنا نأتي إلى البرهان الأخير على لاهوت المسيح. وعندما أقول "البرهان الأخير" لا أقصد أنّنا قد استنفذنا كل ما في الكتاب المقدس بهذا الصدد. وبالعكس، ما زلت في أوّل الطريق. ولكني قصَرْت كلامي على مقتطفات من أقوال يوحنا بغية الإيجاز.
والبرهان الأخير، كما قلت، هو اللقب الذي استعمله المسيح نفسه مراراً وتكراراً في هذا الإنجيل. واللقب هو "أنا هو...". ولعلك تقول يا عزيزي: "وهل هذا لقب؟" الجواب هو "نعم"، وما عليك إلاّ أن تتابع القراءة حتى تفهم السبب.
في سفر الخروج3: 10- 14 نجد الحوار التالي الذي دار بين الله وموسى: "هلّم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي... من مصر". فقال موسى لله (في العدد الثالث عشر): "ها أنا آتي على بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟" فأجابه الله: "أهْيَهْ الذي أهْيَهْ... هكذا تقول لبني إسرائيل أهْيَهْ أرسلني إليكم". واللفظة "اهيه" تعني "الكائن". فالله هو "الكائن" الحيّ على الدوام. وقد استعمل يوحنا هذا اللقب ليهوه والمسيح في سفر الرؤيا1: 4و 8 فدعا كلاً منهما "الكائن والذي كان والذي يأتي". لاحظ أنه قال "الذي يأتي" وليس "الذي يكون". لماذا؟ لأن الذي يأتي ثانيةً هو يسوع المسيح بالذات. ولذلك لا غرابة إن قال المسيح عن نفسه في إنجيل يوحنا "أنا هو" أو "أنا كائن" ما لا يقل عن ثماني عشرة مرة. وإليك بعضاً منها:
ففي يوحنا 8: 58 قال: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن".
وفي6: 35و 48و 51 قال: "أنا هو خبز الحياة".
وفي8: 12، 9: 5قال: "أنا هو نور العالم".
وفي10: 9 قال: "أنا هو الباب".
وفي10: 11و 14 قال: "أنا هو الراعي الصالح".
وفي11: 25 قال: "أنا هو القيامة والحياة".
وفي14: 6 قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة".
وفي15: 1 قال: "أنا هو الكرمة الحقيقية".
وفي4: 26 قال للمرأة السامرية: "أنا الذي أكلّمك هو".
وفي8: 24 قال لسامعيه: "إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتون في خطاياكم".
وفي6: 20 قال لتلاميذه الخائفين من العاصفة في البحر: "أنا هو، لا تخافوا".
وفي18: 5و 6 سأل يسوع الآتين عليه ليمسكوه: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". قال لهم يسوع: "أنا هو... فلّما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض".
أكتفي بهذا المقدار من الكلام عن لاهوت المسيح، وعسى أن نشترك مع توما قائلين ليسوع: "ربي وإلهي".
أنتقلُ الآن إلى الحديث باختصار عن الروح القدس الذي يقول شهود يهوه بأنّه ليس أقنوماً أو شخصية مستقلة بل هو قوة أو طاقة. إنه كالطاقة الكهربائية أو الشمسية أو الذرّية. إنه قوة غير عاقلة، حسب زعمهم. إنه قوة الله الفاعلة.
هل صحيح أن الروح القدس مجرّد قوة؟ وهل القوة غير العاقلة تشعر وتفكّر وتتكلّم وتتحرّك؟ وهل القوة أعظم من صاحبها؟ يا للغباوة، ويا للتجديف، ويا للعار، ويا للسخافة، ويا للوقاحة!
في فاتحة الكتاب المقدس (تكوين1: 2) نقرأ العبارة: "وروح الله يرفّ على وجه المياه"- وهي برهان تَحَرُّك الروح كما تحرّك لمّا حلّ على المسيح في المعمودية.
وفي سفر أيوب33: 4 نقرأ قول أليهو لأيوب: "روح الله صنعني"- وهل هذه العبارة تعني أقلّ من أن الروح القدس هو الخالق؟
في الرسالة إلى أفسس يقول بولس الرسول للمؤمنين: "ولا تُحزِنوا روح الله القدوس". فلو صحَ أن الروح قوة أو طاقة، فهل القوة تحزن؟
وفي سفر أعمال الرسل13: 2 يقول الكاتب الملهم: "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه". وهنا نلاحظ أمرين على الأقل: أولاً، أنّ الروح القدس يتكلم، وثانياً، أنّ الروح القدس يدعو للخدمة. وهذا برهان آخر على شخصية الروح الإلهيّة التي ينكرها أتباع رصل. وأيضاً في سفر أعمال الرسل 5: 3 يقول الرسول بطرس لحنانيا: "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟" فإن كان الروح مجرد قوة فكيف يكذب المرء على قوة غير عاقلة؟ يبدو لي أن غير العاقل هم شهود يهوه. ويصحّ فيهم قول الله في سفر التثنية 32: 28و 29: "إنهم أمّة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم. لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم".
قبل الانتقال إلى نقطة أخرى أريد أن ألفِت الانتباه هنا إلى حديث المسيح عن موضوع التجديف على الروح القدس. ففي إنجيل متّى، الإصحاح الثاني عشر، قال الرب للمتطاولين على روح الله: "كل خطية وتجديف يُغفر للناس. وأما التجديف على الروح فلن يُغفر للناس". فلو صحّ أن الروح القدس مخلوق وأنه قوة الله الفاعلة لكان المعنى أن القوة أعظم من خالقها. فالخطيّة هي ضد الله، ومع ذلك قال المسيح أنها قابلة للغفران. أمّا التجديف على الروح فغير قابل للغفران. فهل صار المخلوق أعظم من الخالق؟ يا للأفكار الجهنمية!
صحيح أن الكتاب المقدّس يربط القوة بالروح القدس في عدة مواضع كقول المسيح في سفر أعمال الرسل1: 8: "ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم". ولكن هذا لا يعني أن الروح تحوّل طاقةً غير عاقلة. ألا ينسب العهد القديم القوة ليهوه الرب؟ ألم يقل الله لإبراهيم "أنا الله القدير؟" فهل صار يهوه قوة غير عاقلة؟ أي منطق هو هذا المنطق؟
فالثالوث موجود، شاء الناس أم أبوا. وهويَةُ الله (الآب والابن والروح القدس) لا تعتمد على موافقة البدع والضلالات بل على إعلان الله عن ذاته. فالله لم يسأل عن رأي شهود يهوه أو سواهم ولا طرح هويته للتصويت، بل أعلن نفسه في الكتاب المقدس إلهاً واحداً مثلّث الأقانيم. وهذا الإعلان يُفهم ويُقبل يالإيمان، وما زاد على ذلك فهو من الشرير. فهل تصدّق الله أم الناس؟
من هنا انطلقت بدعة شهود يهوه. ولعلّك تذكر، يا قارئي العزيز، أنّ شارل رصل مؤسس هذه الضلالة لم تَرُقْ له فكرةُ جهنّم، فحاول أن يدحضها، ظناً منه أنّها لا تتّفق مع محبة الله. ومتى أنكر المرء جهنّم أباح لنفسه كلّ شيء وفَعَلَ المُحرّمات بضميرٍ مخدّر. ولكن رصل لم يكن أوّل من أنكر حقيقة العقاب والعذاب الأبدي. فالشيطان سبقه إلى ذلك قبل آلاف السنين. والبرهان على ذلك نجده في سفر التكوين3: 1- 7. كذلك قال المسيح لخصومه في يوحنا8: 44: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا". وشهود يهوه يستعملون الأسلوب عينه الذي استعمله الشيطان للإيقاع بالمرأة الأولى- حواء. ويمكن تلخيص الأسلوب بثلاث كلمات:
أليس هذا ما فعله الشيطان مع حواء؟ ففي سفر التكوين3: 1 نقرأ ما يلي: "وكانت الحية (إبليس) أحْيَل جميع حيوانات البريّة... فقالت للمرأة: أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجرة الجنة؟" والغرض من سؤالها "أحقاً؟" (أي "هل صحيح؟") هو لزرع بزور الشك في قلب المرأة من جهة كلام الله. لاحظ العبارة: "قال الله". ولغاية الآن ما زال عدو النفوس يستهدف كلمة الله، وكذلك يفعل أتباعه المُخلِصون له. فتارةً يطعنون بترجمة الكتاب المقدس، وطوراً يطعنون بتفسيره ويتلاعبون بآياته لِعلّةٍ في نفوسهم.
بعد التشكيك في صحة كلمة الله، وجّه إبليس سهماً آخر في اتّجاه حقيقة العقاب والعذاب. قالت المرأة: "من ثمر شجر الجنة نأكل، وأمّ ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا". ولما قالت هذا أجابها الشيطان فوراً: "لن تموتا". ومنذ ذلك الحين ينكر إبليس وأتباعه حقيقة العقاب. فالموت هنا لا يعني الزوال والفناء والملاشاة كما يعلّم أتباع رصل وآريوس، بل هو الانفصال. فبالموت الجسدي تنفصل الروح عن الجسد (حتّى هذه يُنكرها شهود يهوه). وبالموت الروحي ينفصل الإنسان (جسداً ونفساً وروحاً) عن الله إلى الأبد. وبناءً عليه، فإنّ العقاب هو موت جسدي وموت أبدي (بالإضافة إلى الموت الأدبي، أي الروحي، في هذه الدنيا).
إن أكبر برهان على وجود جهنّم (بالإضافة إلى التعليم الواضح في كلمة الله) هو صليب المسيح. فلو لم تكن جهنم موجودة فلماذا مات المسيح واحتمل الآلام التي تفوق العقل والوصف؟ ولو لم تكن جهنم موجودة فلماذا بكى المسيح على أورشليم قُبيلَ موته بأيّام قليلة؟ ألأنّ الموت والخراب والتشريد كان سيحلّ بأهلها؟ كلاّ، فالبشرية في كل تاريخها عرفت الموت والخراب والتشرّد. إذاً لماذا بكى المسيح؟ بكى المسيح على مصير أهلها الأبدي وليس فقط على مصيرهم الدنيوي.
أضف إلى هذا كلّه أنّ وجود شهود يهوه وأمثالهم هو دليل آخر على وجود جهنّم. صحيح أنّ النار الأبدية مُعدّة "لإبليس وملائكته" (وهذه أيضاً ينكرها أولاد إبليس)، ولكنّ الضالين والمضلّين سيَلقَون المصير عينه إذ يسمعون قول المسيح (الذي أنكروا لاهوته وناسوته): "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبديّة المُعدّة لإبليس وملائكته". فالإنكار لا يُنجّي من النار.
ثم بعد زرع الشك في صرامة العقاب، حاول الشيطان أن يزرع الشك في نيّات الآب فقال للمرأة: "الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفَيْن الخير والشر". أي أن الله عالم بالنتائج الطيّبة كلها وهو يريد أن يحرمكما إيّاها. ولكنْ ظهر كذبه وخداعه لمّا سقط الأبوان وبدأت المأساة البشرية. ولغاية الآن، يُصدّق الملايين من الناس كلام الشيطان أكثر من كلام الله. ألم يقل المسيح في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا "أحّبَّ الناسُ الظلمة أكثر من النور"؟
أكثر ما يحزنني في أمر شهود يهوه هو أنّهم لا يعرفون معنى الخلاص ولا اختبار الخلاص. دُعيت مرةً إلى بيت أحدهم فوجدت عنده عدداً من النساء. لا يقلُّ عن السبع. كانت كلُّ مِنهُنّ تحمل الكتاب المقدس في يدها. فلما جلست سألت إحداهن: "هل أنت مُخلَّصة؟ هل اختبرتِ الخلاص؟" فأجابت: "لست أفهم ما تعني". قلت لها سأغيّر شكل السؤال: "هل خطاياك مغفورة؟ هل وُلدتِ الولادة الجديدة؟" فقالت: "أنا أقرأ الكتاب المقدس". ولمّا وجدتُ أنها لا تفهم لغة الكتاب المقدس اغتنمتُ الفرصة لأشرح لها وللباقين معنى خلاص المسيح وكيفية نوال الولادة الجديدة.
يقول شهود يهوه عادةً: "لا يمكننا التأكد من هذه الأمور إلاّ عندما يأتي الملكوت ويكشف الله هذه الأمور. في الوقت الحاضر، نحن نعمل جهدنا لعلّنا ننال الخلاص في ذلك اليوم".
يا لَلْبَونِ الشاسع بين ما تعلمه كلمة الله وما يقوله خلفاء رصل. يقول الرسول بولس، عن اختبارٍ: "لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم". وفي الإصحاح العاشر من رسالته إلى أهل رومية: يقول: "لأنّك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه خَلَصْتَ". لاحظ أنّه يقول "خَلَصْتَ" وليس "ستخلص" كما لو أن الخلاص منوط بالمستقبل.
أمّا فكرة الخلاص بالأعمال وبذل الجهد فهي أيضاً لا تثبت أمام محكّ الكلمة الإلهية. ففي رسالة أفسس2: 8و 9 تقول كلمة الله: "لأنكم بالنعمة مخلّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد".
بالمناسبة، هل اختبرت الخلاص يا قارئي العزيز؟ هل خطاياك مغفورة بدم المسيح؟ هل تعلم أين أنت ذاهب بعد الموت؟ إن كنت لم تختبر خلاص نفسك فكل العقائد والتعاليم لا تجديك نفعاً: "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟" تعال الآن إلى الرب بقلب منكسر تائب وضَعْ ثقتك فيه وفي عمله الكامل على الصليب تَنَلِ الحياة الأبدية منذ هذه اللحظة. فالخلاص عطية مجّانيّة تُقبَل بالإيمان فقط. ومن تلك اللحظة فصاعداً يبدأ الإيمان يعطي ثمراً في حياتك. والثمر هو بفضل عمل الروح القدس في القلب والحياة.
ليس غرضي هنا الرد على كل عقائد شهود يهوه، إذ ما قلته لحدّ الآن هو نقطة في بحر، بل الغرض هو فقط لفت النظر إلى الأخطار المحيطة بنا والتحذير منها.
نحن لا نكره شهود يهوه بل نكره أعمالهم وتعاليمهم التي يصدق فيها قول المسيح للفريسيين: "تطوفون البحر والبرّ لتكسبوا دخيلاً واحداً. ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً" (متى23: 15). نحن نبغض الضلالات لأنها تؤذي الناس، نبغضها لأن الرب يُبغضها. قال الرب في سفر الرؤيا2: 6: "إنك تبغض أعمال النقولاويين (بدعة قديمة) التي أُبغضها أنا أيضاً". وفي العدد الخامس عشر من الإصحاح نفسه يقول الرب: "عندك قوم متمسكون بتعاليم النقولاويين، (الأمر) الذي أُبغِضه".
أمّا شهود يهوه أنفسهم فنحن نصلّي لأجلهم كي يفتح الرب آذانهم وأذهانهم ليسمعوا ويطيعوا رسالة الإنجيل. فالمسيح مات لأجلهم على الصليب كما مات لأجل كل واحد. فعسى أن يستفيقوا قبل فوات الفرصة.
وواجبنا في الوقت الحاضر هو واجب مزدوج. أولاً، يجب ألاّ نصدّقهم، وثانياً يجب ألاّ نصادقهم. يقول الرسول يوحنا في صدد الواجب الأول: "لا تصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يوحنا4: 1). أما في صدد الواجب الثاني فيقول الرب يسوع: "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان وهم من داخل ذئاب خاطفة" (متى7: 15). فهلاّ تسمع وتقنع وتتبع؟ "ليُعطِك الربُّ فهماً في كل شيء" (2تيموثاوس 2: 7).
هذه بدعة أخرى من بدع الغرب، وكأن بدع الشرق لا تكفينا! ففي كل مدة يطلع علينا رجل (وأحياناً امرأة) يدّعي أنّه رأى ملاكاً أو نوراً أو حلماً أو رؤيا، وأنه سمع أصواتاً وأقوالاً قيل له أن يسجّلها، فيصدقه بعض السُذّج والبسطاء. ومع الزمن تنتشر الضلالة وتصير الخدعة وزعيمها نبياً. ولكي نحكم على هذه الهرطقات يجب أن نرجع دائماً إلى الكتاب المقدس. يقول إشعياء: "إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" (إشعياء8: 20).
وفي تثنية13: 1- 3 يقول موسى: "إذا قام في وسط نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلّمك عنها، قائلاً: لنذهب وراء آلهة أخرى لم نعرفها ونعبدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبّون الربَّ إلهكم من كلِّ قلوبكم ومن كلِّ أنفسكم".
وفي متى13: 24و 25 قدّم المسيح لتلاميذه مثلاً فقال: "يشبه ملكوت السموات إنساناً زرع زرعاً جيّداً في حقله. وفيما الناس نيام جاء عدوّه وزرع زواناً في وسط الحنطة ومضى".
وفي يوحنا10: 1 قال يسوع: "إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص".
وفي رسالة غلاطية1: 8 يقول الرسول بولس: "إن بشرّناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرّناكم فليكن أناثيما" (مرفوضاً ومحروماً وملعوناً). وقد كرّر اللفظة عينها "أناثيما" في الآية التي بعدها لأنه كان يعلم أن الشيطان نفسه هو وراء هذه البدع والضلالات. ولهذا قال في 2كورنثوس11: 14: "ولا عجب. لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور".
إليك الآن لمحة عن تاريخ هذه الأخدوعة التي هي المورمون:
مؤسس البدعة هو يوسف سمث (Joseph Smith) من بلدة شارون في ولاية فرمونت في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد زعم أنه رأى رؤيا في سن الخامسة عشرة وأن ملاكاً اسمه "موروني" ظهر له مراراً ما بين الثامنة عشر والثانية والعشرين. ويقول سمث (الذي يطلقون عليه لقب "نبي") إنّه كان يقرأ ذات مرة رسالة يعقوب في العهد الجديد، وعندما وصل إلى الآية القائلة: "إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله..." (يعقوب1: 5)، رفع قلبه وصلّى سائلاً الرب: "أية كنيسة هي على حق؟" فجاءه الجواب، حسب زعمه، "ولا واحدة". وخُيّل إليه أن الله قال: "أريد منك أنت أن تبدأ الكنيسة الحقيقية". وهكذا بدأت كنيسة آخر زمانٍ المليئة بالسخافة والخرافة.
يعتقد المورمون أن الملاك موروني (الذي اشتُقّ اسمهم من اسمه) كشف ليوسف سمث بقعة دُفنت فيها ألواح ذهبية تحتوي على تاريخ أميركا القديم، وأن هذه الألواح مكتوبة بالهيروغليفية المصرية المصحّحة، وأن سمث الفلاّح الأميّ ترجمها في مدة ثلاثة أشهر وهو لم يكن قد بلغ الرابعة والعشرين من عمره.
ويدّعي المورمون أن الملاك أعطى يوسف سمث حجريْن شفّافين (الأوريم والتميم). وهذا الحجران كشفا له ترجمة الألواح في اللغة الإنكليزية. وبينما كان يقرأ الترجمة بسرعة، كان مساعده يدوّن ما يسمع دون أن يرى شيئاً لأن ستاراً كثيفاً كان يفصل بينه وبين سمث.
ولد يوسف سنة 1805 وتربّى في بيت فقير. وفي سنة 1830 أسّس كنيسته المعروفة باسم "كنيسة يسوع المسيح لقدّيسي آخر الأيام". وفي عام 1831ادّعى أنه تلقّى أوامر من الله بأن يهرب هو وأتباعه إلى ولاية ميسوري التي دعاها "أرض صهْيَون". وهكذا بدأ يهرب من مكان إلى آخر والتّهم الأخلاقية وأعمال التزوير تلاحقه كظلّه، إلى أن أُلقِيَ عليه القبض في ولاية إلينوي وأُودعَ السجن. وفي أثناء ذلك قام الجمهور عليه فهاجموا السجن وقتلوه هو وأخاه حيرام.
على أثر مقتل سمث انشق المورمون إلى شِيَع وأحزاب، أهمها حزب "اليوسفيين" (الأقليّة) بقيادة ابن يوسف سمث، وحزب "البريغاميين" (الأكثرية) بقيادة بريغام يونغ (Bregham Young). وقد دار الخلاف بينهما حول الخلافة وتعدّد الزوجات. ويُعتبر هذا الأخير الخليفة الأول لمؤسس المورمون، وهو أيضاً من ولاية فرمونت. وكان كسابقه فلاحاً أمّياً لم ترَ المدرسة وجهه، على حد قوله، أكثر من أحد عشر يوماً. فلما مات سمث، استدعي بريغام من إنكلترا لكي يتسلم زمام القيادة. ولما جاء اقتاد الآلاف من جماعته وسار بهم غرباً إلى أرض صارت تُعرف في ما بعد بِاسم ولاية يوطا.
يقول الرسول بولس في رسالة رومية 1: 25 عن الأمم الوثنية أنهم "استبدلوا حق الله بالكذب". وهذا بالضبط ما تفعله الضلالات باستمرار. إنها تستبدل بأمور الله أموراً من صنع البشر، أو تضيف إليها. قال واحد من البارزين عند المورمون: "بالإضافة إلى الكتاب المقدس، عندنا ثلاثة كتب أخرى تحتوي أيضاً إعلانات من الله". والكتب الثلاثة هي: "كتاب المورمون" و "كتاب العقائد والعهود"و "كتاب اللؤلؤة الكثيرة الثمن". لاحظ قوله "بالإضافة". فقد أضافوا على الكتاب المقدس... في حين أن الكتاب المقدس يمنع الإضافة والحذف. وقد نسوا أن الله الكامل لا يعطينا كتاباً ناقصاً. يقول يوحنا في سفر الرؤيا22: 18و 19: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف... يحذف الله نصيبه من سفر الحياة..."
وفي سفر التثنية12: 32 يقول الله لشعبه: "كل الكلام الذي أوصيتكم به احرصوا لتعملوه". ثم يضيف قائلاً: "لا تزد عليه ولا تنقص منه".
ويقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال 30: 5و 6: "كل كلمة من الله نقيّة... لا تزد على كلماته لئلا يوبّخك فتكذّب". أي أن هناك نتيجتين سلبيتين للتلاعب بكلمة الله: أولاً، التعرّض للتوبيخ؛ وثانياً، فضح كذب المتلاعبين. ومع هذا كله يظن المورمون أنهم أحكم من سليمان الحكيم ويوحنا الرسول، لا بل أحكم من الله نفسه. فتأمّل...
والمضحك المبكي هو القصة التي يحويها كتاب المورمون والتي لا يصدّقها إلاّ البسطاء الساذجون. فهي من نسج الخيال وانتحال (سرقة) لبعض الأقوال والقصص، فضلاً عن أنها لا تتفق مع الكتاب المقدس والتاريخ وعلم الآثار.
تغطّي القصة فترة ألف سنة من 600 قبل الميلاد إلى 400 بعد الميلاد. وتدور القصة حول رجل تقيّ اسمه "لاهي" (بالإنكليزية "ليهاب") هرب مع عائلته وبضعة أناس آخرين من أورشليم في أوائل عهد الملك صدقيّا سنة 600 قبل الميلاد. وبعد سلسلة من الاختبارات المرّة أرشده الله لكي يسافر بحراً هو وجماعته إلى قارة أميركا الجنوبية وهناك انتشروا وازدهروا مدة ألف سنة.
ويلاحظ كل ذكي أن يوسف سمث أصاب بهذا أكثر من عصفورين بحجر واحد. ففي هذه القصة تكلم عن نفسه واختباراته وما يصبو إليه. فإنّ "لاهي" هو سمث نفسه. والاختبارات المُرة التي دفعته للهرب هي نفور أهل ولايته منه، وعمليّة الهرب هي التي قام بها مع جماعته إلى ولاية ميسوري، ثم إلى ولاية إلينوي حيثُ قتل. أمّا الازدهار لمدة ألف سنة فهو انتحال لفكرة الحكم الألفي- حكم السلام- التي وردت في الكتاب المقدس. وقد ظن سمث أنه بهربه سيعيش بسلام مع أتباعه المخدوعين، ولكن "لا سلام، قال الرب، للأشرار" (إشعياء48: 22). وقد ارتكب الغلطة نفسها جِمْ جونز (Jim Jones) الذي انتحر مع 950 من أتباعه بعد هربه إلى غايانا. وأما استعماله للأسماء (لاهي وصدقيا وأورشليم) فهو للتمويه ليس إلاّ.
ويقول العارفون بكتاب المورمون إنّ يوسف سمث سرق بعض أقوال من الكتاب المقدس (سفر إشعياء ورسائل بولس) كما سرق الفكرة الأساسية لكتابه من كتاب "النسخة الموجودة" لسامون سبولدنغ. ولتغطية هذه السرقات لفّق سمث قصة ظهور الملاك موروني له وسواها من القصص الغريبة لكي يخدع الناس. وهكذا صار.
إن كان شهود يهوه يعتقدون بإلهين، أحدهما كبير والآخر صغير، فإنّ قديسي آخر زمان يعتقدون بالآلهة بالجملة. حتى هم أنفسهم سيصيرون، حسب ظنهم، من صفّ الآلهة. وإليك الآن نموذجاً من أقوالهم ومعتقداتهم الغريبة والمتضاربة:
1-"في البدء دعا رئيس الآلهة إلى عقد جلسة للآلهة لوضع خطة لخلق العالم وتأهيله".
2-"كان الله في ما مضى مثلما نحن عليه الآن وهو إنسان متكوّر راقٍ".
3-"للآب جسد ملموس من لحم وعظم كجسد الإنسان، وكذلك الابن. أما الروح فلا جسد له..."
4-"لمّا جاء أبونا آدم إلى جنة عدن جاء إليها بجسد سماوي واصطحب معه حواء، إحدى زوجاته السمويات... فهو أبونا وإلهنا الوحيد الذي معه أمرنا" "الإله آدم هو إله هذا الكوكب".
5-ويزعم سمث أن المسيح قال: "أنا يسوع المسيح. أنا الآب والابن".
6-"كان يسوع المسيح مملوءاً بمادة إلهية أو سائل إلهي، اسمه الروح القدس".
7-"جنة عدن هي في ولاية ميسوري وليس ما بين النهرين".
8-"قايين هو أبو الزنوج".
ويؤمن المورمون أن الكون مأهول بالعديد من الآلهة الذين ينجبون أولاداً بالروح، وهؤلاء الأولاد بدورهم يكتسون بالأجساد على مختلف الكواكب. ومن هنا نشأت فكرة تعدُّ الزوجات عند أتباع سمث، لأنّهم من طريق الإنجاب يوفّرون أجساداً للأرواح الهائمة على الكواكب.
لاحظ كيف يلعب الجنس والانفلات دوره في البدع والضلالات. ولاحظ أيضاً أن المورمون تفوّقوا بوثنيتهم حتى على الوثنيين.
الغرض من الرد هو التذكير والتنوير والتحذير. "ودُرهم وقاية خير من قنطار علاج".
يقول المورمون، كما مرّ معنا، بأن الله الآب له جسد ملموس من لحم وعظم كجسد الإنسان، وبأن الله كان في ما مضى مثلنا وارتقى سلّم التقدُّم حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. وللرد على هذه القوال يكفينا أن نورد هنا قول المسيح للمرأة السامرية وهو: "الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا4: 24)، لاحظ أن المسيح قال: "الله روح"، وليس "الله جسد" أو "الله له جسد". ولكن الضلالات لا تكفّ عن تصغير الله وتكبير الإنسان وتحقير الكتاب المقدس.
ويدّعي سمث أن المسيح قال: "أنا يسوع المسيح. أنا الآب وأنا الابن". هل تصدق يا قارئي العزيز أنّ إنساناً عاقلاً يمكن أن يصدر عنه كلام كهذا؟ فكيف يكون المسيح هو الآب والابن معاً؟ ألم يقُل الآب: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (متى3: 17)؟ قال أحد زعمائهم: "نحن نوافق على أن يسوع المسيح هو الله بمعنى أنه الابن الوحيد للآب في الجسد وأوّل من وُلد روحاً. ولذلك فهو أخونا البكر، لأنّنا نحن أيضاً ذريّة الله". فالمسيح، في نظرهم، مخلوق كأي واحد منّا، في حين أن الرسول يوحنا يقول في فاتحة إنجيله: "في البدء كان الكلمة". وإن كان المسيح كلمة الله فمعنى ذلك أنه أزلي وليس مخلوقاً. فالله لم يكن في وقت من الأوقات بلا كلمة (أخرس). ولكن شاء قديسو آخر زمان أن يؤمنوا بإله أخرس كإله شهود يهوه. فما رأيك؟
وفي ما يتعلق بولادة المسيح من عذراء، يقول بريغام يونغ، خليفة سمث: "لما حبلت مريم العذراء بالطفل يسوع كان الآب قد ولده (خلقه) على شبهه. فهو لم يولد من الروح القدس". ثم يضيف: "ومن هو أبوه؟ إنه أول عضو في العائلة البشرية... يسوع أخونا البكر وُلد في الجسد من نفس الشخص الذي كان في جنة عدن (أي آدم) الذي هو أبونا في السماء". وليس هذا فقط بل يقول المورمون أيضاً: "إن المخلّص لم يولد بعمل الروح القدس المباشر بل بعلاقة جنسية تمت بين الإله آدم ... ومريم".
هل هناك من حاجة للرد على هذه القحة؟ لا أظن. يكفي أن أحيل القارئ على إنجيل متى1و 2 وإنجيل لوقا1و 2ن لأن كلمة الله وحدها هي المحكّ الوحيد لكشف التحرّضات والأضاليل.
وماذا نقول عن اعتقاد قدّيسي آخر زمان بزواج المسيح؟ فقد ظنوا أن المسيح مثلهم ولذلك قالوا إنه كان متزوجاً بثلاث نساء: مريم ومرثا (من بيت عنيا) ومريم المجدلية. وقد فاتهم أن المسيح لم يكن له "أين يسند رأسه". وقد فاتهم أيضاً أن المسيح جاء لهدف واحد فقط وهو "لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك" (لوقا19: 10). وقد ذهب بريغام يونغ إلى حد القول بأنّ عرس قانا الجليل كان عرس المسيح نفسه، مع العلم أن يسوع كان من بين المدعوّين إلى العرس. يقول يوحنا في الإصحاح الثاني من إنجيله: "ودعي يسوع أيضاً وتلاميذه إلى العرس" (يوحنا2: 2).
والآن كلمة موجزة عن الروح القدس: يقول أحد اللاهوتيين البارزين في كنيسة المورمون أن الروح القدس هو مادة، وسائل، وشخصية في آن واحد. وهذا التعليم يخالف تعليم الكتاب المقدس على خط مستقيم. فالروح هو الأقنوم الثالث الأزلي الكلي القدرة والكلي الحضرة والكلي العلم وهو واحد مع الآب والابن ومساوٍ لهما في الجوهر.
ولو طُلب مني أن أعبّر عن رأيي في معتقدات المورمون وأقوالهم لقلت "شوربة". فهي خليط غريب عجيب متضارب لا يُعرف أوّلُه من آخره. هذا مع العلم أن للشوربة (الحساء) حسنات، بخلاف آراء المورمون.
إن اختبار الخلاص أتباع بدعة سمث ليس مقصوراً على الإيمان بالمسيح كما تعلّم كلمة الله، بل هو بممارسة المعمودية، والطاعة لتعليم كنيسة المورمون، والأعمال الصالحة، "وحفظ وصايا الله التي تزيل آثار الخطية" حسبما يقول بريغام يونغ. وقد فات حضرته أن الكتاب المقدس يقول: "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين9: 22)، وأن التبرير هو بالنعمة من جانب الله وبالإيمان من جانب الإنسان (أفسس2: 8- 10، رومية3: 24و 25). أضف إلى هذا أن المورمون يؤمنون بخلاص الإنسان بعد الموت، ولهذا يمارسون المعمودية لأجل الأموات. أما كلمة الله فتقول: "وُضع للناس أن يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة" (عبرانيين9: 27). فليست هناك إذاً فرصة ثانية للخلاص بعد الموت.
يقول المورمون إنّ لوسيفورس (الشيطان) كان أخاً في الروح ليسوع المسيح قبل التجسُّد، ولكنه سقط من السماء من جرّاء حسده وغيرته من المسيح. وقد غار لوسيفورس من يسوع وعاداه لأن الآلهة، حسب زعمهم، عيّنت المسيح فادياً للجنس البشري العتيد أن يسقط في العصيان بسبب خطية آدم.
ويدّعي قديسو آخر زمان أن الشيطان قال لله: "ها أنذا أرسلني. فأنا أكون لك ابناً وأفتدي الجنس البشري بحيث لا تهلك نفس واحدة..ز فليتك تمنحني هذا الشرف".
يوجد عند المورمون أربع طبقات: الملكوت السماوي المعدّ للأبرار الأمناء في حفظ وصايا الرب، الذين تطهّروا من كل خطاياهم. والملكوت الأرضي المعدّ للذين عاشوا حياة الطهارة ولكنهم لم يقبلوا رسالة الإنجيل أو لم يكونوا جبابرة في الإيمان. والملكوت السفلي هو للذين لم يعيشوا حياة الطهارة على الأرض، ولذلك يقاسون عقاباً وقتياً على خطاياهم قبل دخولهم لهذا الملكوت. أما الملكوت الرابع فهو لكل الذين يستحيل افتداؤهم والمدعوين أبناء الهلاك. إنه الظلمة الخارجية التي يُطرحون فيها.
صحيح أنّ المورمون يُطلقون على أنفسهم اسم "كنيسة يسوع المسيح لقدّيسي آخر الأيام" ولكنهم ليسوا مسيحيين ولا كنيسة ولا قدّيسين على الإطلاق. إنّهم وثنيّون بكل ما في الكلمة من معنى. فمن جهة ينكرون الثالوث وتعليم الكتاب المقدس عن الله والإنسان والسماء والخطية والخلاص، ومن جهة أخرى يؤمنون بتعدد الآلهة وبأن الله (آدم) هو إله كوكب الأرض، وأنه كان مثلنا في كل شيء ولكنه ارتقى إلى مستوى الألوهية، الأمر الذي يمكن أن يحققه أي إنسان. فهذه ليست عقائد مسيحية بل هرطقة وبدعة وضلالة أو كما قلنا من قبل إنها "شوربة" من العقائد النابعة من الخيال ومن الشيطان نفسه القادر أن "يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور" (2كورنثوس11: 14).
يقول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس 4: 1و 2: "ولكن الروح يقول صريحاً أنه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلّة وتعاليم شياطين، في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم...". وفي رسالته الثانية إلى تيموثاوس 3: 5و 8 يقول الرسول نفسه: "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها. فأعرض عن هؤلاء... أناس فاسدة أذهانهم ومن جهة الإيمان مرفوضون".
ليس لي نصيحة أقدّمها لك يا قارئي العزيز أفضل من نصيحة رسول المسيح ألا وهي "فأعرض عن هؤلاء" أي تجنّبهم كلياً. لا تصدّقْهم ولا تُصادقهْم، لأن "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كورنثوس15: 33). من جهة أخرى أنصحك أن تثق بالكتاب المقدس وتعاليمه لأنه كلمة الله. من ثم أنصحك أن تتوب عن خطاياك وتطرح نفسك كلياً على نعمة الرب ورحمته صارخاً: "اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ" "طهّرني... فأطهر وأبيضّ أكثر من الثلج"- إكراماً للمسيح الفادي. أمين".