نكاح المتعة 

يختلف نكاح المتعة عن الزواج العادي، في أن من يتزوج زواج متعة لا يُقدم على حياة زوجية ولا دوام النسل، بل الغرض الوحيد من ورائه تحصيل رالمتعةذ في إطار رشرعيذ. أما العاقد فيكون في الغالب من بقي مدة طويلة خارج بلده لسبب من الأسباب، فيتزوج امرأة بشكل مؤقت. وتُحدد مدة الزواج في العقد الذي يُفسخ بترحال العاقد.

وتدلنا الأحاديث الواردة بشأن نكاح المتعة على أن محمداً أباحه لأصحابه لا سيما أثناء الغزوات. غير أننا نرى عمر بن الخطاب من أشد المعارضين للمتعة حيث قال: رإن رسول الله أذن لنا المتعة ثلاثاً ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد أن حرمها. وفي رواية نقرأ أن محمداً حرمها. غير أنها موضع خلاف بين الفقهاء، إذ رُوي عن عمران قوله: "تمتعنا على عهد رسول الله فنزل القرآن. قال رجل برأيه ما شاء".

وبغض النظر عن الخلافات في تفاصيل "المتعة" عند المذاهب السنية بإمكاننا القول أنها تساوي الزنا، بينما جعلتها الشيعة صنفاً من أصناف الزواج الشرعي. ولكن هذا لا يعني أن لا يوجد في الفقه السني ما له طابع المتعة، وإن لم يسموها "متعة". فقد يحدث مثلاً أن يتفق الرجل مع المرأة بصورة إضافية إلى عقد النكاح، ويلزمان أنفسهما بالطلاق عند انتهاء المدة التي اتفقا عليها.

وبما أن المذاهب السنية أجمعت على نسخ المتعة وتحريمها بناء على أحاديث مروية عن محمد. نريد معالجة الموضوع في الفقه الشيعي. إن مشروعية نكاح المتعة في (رأي الشيعة) ثابتة في القرآن والسنة، وما رُوي عن أئمتهم المعصومين. أما دليلهم القرآني فهو: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأُحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليماً حكيماً. ومن لم يستطع منكم طَوْلاً أن ينكح المحصَنات المؤمنات، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصَنات غير مسافحات ولا متخذاتِ أخدانٍ. فإذا أُحصنَّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، ذلك لمن خشي العنتَ منكم، وأن تصبروا خير لكم، والله غفور رحيم" (النساء، 4: 42 و52).

ورُوي عن أبي عبد الله (جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة الاثني عشرية) قوله عن نكاح المتعة: "أحلها الله في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي حلال إلى يوم القيامة". فقال أبو حنيفة ذات يوم: ريا أبا جعفر، مثلك يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها؟ذ! فقال: "وإن كان فعل". قال: "إني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرمه عمر". قال: فقال له: "فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (ص)، فهلم ألاعنك أن القول ما قال رسول الله (ص)، وأن الباطل ما قال صاحبك". قال: فأقبل عبد الله بن عمير فقال: "يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن". قال: فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه.

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: "سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة، فقال: أي المتعتين تسأل؟ قال: سألتك عن متعة الحج، فأنبئني عن متعة النساء أحَقٌّ هي؟ فقال: سبحان الله، أما قرأت كتاب الله عزّ وجلّ؟ "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" فقال أبو حنيفة: والله فكأنها آية لم أقرأها قطٌ.

وفي رواية مرفوعة من علي أن أبا حنيفة قال لأبي جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق: يا أبا جعفر ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال؟ قال: نعم. قال: فما يمنعك أنه تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يُرغب فيها وإن كانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم. ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أتزعم أنه حلال؟ فقال: نعم. قال: فما يمنع أن تقعد نساؤك في الحوانيت نابّذات فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة، وسهمك أنفذ. ثم قال له: يا أبا جعفر، إن الآية التي في "سأل سائل" تنطق بتحريم المتعة، والرواية عن النبي (ص) قد جاءت بنسخها. فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة، إن سورة "سأل سائل" مكية، وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذة ردية. فقال له أبو حنيفة: وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة، فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث، قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر: لو أن رجلاً من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال. لا ترث منه، قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث، ثم افترقا.

وحجة المذاهب السنية في نسخ "المتعة" (بجانب الأحاديث التي تطرقنا إليها) الآية: رقد أفلح المؤمنون .. الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" (المؤمنون 32: 5) غير أن الشيعة تزعم أن هذه الآية مكية ونزلت قبل إباحة المتعة. ويبدو أن التفسير الشيعي ينسجم مع الواقع التاريخي أكثر، لأن لنا شواهد عديدة في مجموعات الأحاديث (المعتبرة لدى السنة) لم يبح فيها محمد نكاح المتعة فقط، بل أمر به أصحابه. وفي رواية عن جابر بن عبد الله أن المتعة تكون للأبد. يخبرنا ما ورد في مسند أحمد بن حنبل: "أنزل الله من الرخصة بالتمتع، وسنّ رسول الله فيه". يتضح لنا من الأخبار أن أصحاب محمد عانوا صعوبة بالغة في فهم هذه الرخصة وتوفيقها مع مبادئ الأخلاق السائدة حينذاك، كما نعرف ذلك من قول عمر.

والظاهر في الروايات الشيعية أن ليس هناك تحديد عددي لمن يريد "متعة النساء". رعن أبي عبد الله قال: ذكر له المتعة أهي من الأربع؟ فقال: تزوج منهن ألفاً فإنهن مستأجرات". وأما تعليل نكاح المتعة عند الشيعة فمن الغرابة بمكان. إذ يقولون إنه أُبيح للرجل لكي يحافظ على عفافه إن كان أعزب: "عن الفتح بن يزيد قال: سألت أبا الحسن عن المتعة فقال: هي حلال مباح مطلق لمن يغنيه الله بالتزويج (أما) من لم يغنه (الله) بالتزويج فليستعفف بالمتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها". والإشارة هنا بالاستعفاف إلى الآية 6 في سورة النساء، غير أنها لا تتصل بموضوع المتعة كما تعترف به أشهر وأقدم التفاسير الشيعية. ومن الغريب أيضاً أن نقرأ بأنه لا يجوز متعة كل النساء، إذ هناك شروط وأوصاف للمرأة يجب توفرها. فالشرط الأول أن تكون المرأة مؤمنة وعفيفة رعن أبي جعفر أنه سُئل عن المتعة فقال: إن المتعة اليوم ليس كما كانت قبل اليوم إنهن يومئذ يؤمنَّ واليوم لا يؤمنَّ فاسئلوهن. عن أبي سارة قال: سألت أبا عبد الله عنها - يعني المتعة - فقال لي: حلال، فلا تتزوج إلا عفيفة، إن الله عز وجل يقول: "والذين لفروجهم حافظون" (المؤمنون 32: 5). فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك. ومن أراد أن يتزوج امرأة زواج المتعة ولا يعرف أهي عفيفة أم لا، فعليه "أن يتعرض لها، فإن أجابته إلى الفجور فليست عفيفة". وعن محمد بن أبي الفضيل قال: سألت أبا الحسن عن المرأة الحسناء الفاجرة، هل يجوز للرجل أن يتمتع منها يوماً أو أكثر؟ فقال: "إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع منها ولا ينكحها".

وأما شروط المتعة فهي اثنان. أجل مسمى وأجر مسمى. عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه (ص)، لا وارثة ولا موروثة، كذا وكذا يوماً. وإن شئت كذا وكذا سنة، بكذا وكذا درهماً. وتسمّي من الأجر ما تراضيتما عليه، قليلاً كان أم كثيراً. فإذا قالت: نعم فقد رضيت، فهي إمرأتك وأنت أولى الناس بها. قلت: فإني أستحي أن أذكر شرط الأيام. قال: هو أضر عليك. قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة في العدة، وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة.

يقول الفقهاء بعدم جواز "التمتع" من النصرانية واليهودية، عن الحسن التفليس قال: "سألت الرضا، أيتمتع من اليهودية والنصرانية؟ فقال: التمتع من الحرة المؤمنة أحب إليَّ، وهي أعظم حرمة منهما".