شهادة المرأة

 

شهادة المرأة في الإسلام لا تساوي إلا نصف شهادة الرجل كما ينص القرآن والسنة على ذلك. جاء في القرآن: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء. أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى"(البقرة 2: 282). لقد علل محمد هذه القاعدة بنقصان عقل المرأة: "خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرَّ على النساء فقال: "يا معشر النساء، تصدَّقن فإني أُريتكم أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. قلن: بلى. قال. فذلك من نقصان دينها. نرى أن المفسرين يذكرون هذا الحديث دعماً لكون شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل. يتحدث المفسر فخر الرازي عن "نسيان المرأة" الذي يتعلق بجوهرها الذي تغلبه الرطوبة والبرودة".

ويبرر ابن قيم الجوزي مدلول آية البقرة 2: 282 بقوله: "قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى: قوله تعالى: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي (ص) حيث قال: "أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل"، فبيّن أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعلم بذلك: أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة: لم تكن فيه على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات: إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال، والاتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة".

من الأمور المختلف فيها: متى تكون شهادة المرأة صالحة؟ وهناك روايات تذكر أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قالا أن ليس لشهادتها في أمور الطلاق والزواج والحدود أي اعتبار. وأما نقصان العقل الوارد ذكره في الحديث فليس المراد به (كما يقول شارح البخاري) لومهن عليه، لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيراً من الافتنان بهن.

لقد لاحظ المفسرون القدامى (في النصوص الواردة عن شهادة المرأة في القرآن وفي الحديث) نقصان عقل المرأة، واحتجوا على صحة ذلك بأنواع الحجج، مثل كثرة الرطوبة في مزاجها أو أصل خلقتها، ولكن يحاول المسلمون المعاصرون تأويل وتبرير النصوص "بطريقة علمية". يبدو الإمام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا أن يكونا من القليلين الذين أرجعوا مطالبة القرآن بامرأتين مقابل رجل واحد إلى عدم اختصاص المرأة بمجال من مجالات الحياة وليس إلى نقصان عقلها. فالأمر يعود إلى ضعف ذاكرتها في أمور ليست من اختصاصها مثل المعاملات المالية ونحوها من المفاوضات.

والذي يخجل أن ينسب إلى المرأة نقصان العقل، لكي لا يُتَّهم بالبدائية أو العداء للنساء، ينبر على أن المرأة تحت حكم العواطف، خلافاً للرجل، الأمر الذي راعاه الله، فيقول العقاد: "والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولها شروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا - كما ينبغي أن تتحراه الشريعة - هو دفع الشبهة من جانب الهوى، وما يوسوس به للنفس في أحوال المحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء. وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا، حرصاً على حقوق الناس، أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمي الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة، لأنه أمر لا يعنيه لشخصه، ولا يحل له أن يجعله سبيلاً إلى تحية من تحايا الكياسة، أو مجاملة من مجاملات الأندية. وقديماً كانت هذه التحايا والمجاملات تجري في ناحية من المجتمع، وتجري معها في سائر نواحيه ضروب من الظلم للمستضعفين والمستضعفات تقشعر لها الأبدان".

لقد صار القول بتغلب العاطفة على المرأة، مما يؤدي بها إلى الحيدان عن العدل والموضوعية في الحكم، الحجة المفضلة عند الكتاب والفقهاء المسلمين في العصر الحاضر. فالشيخ محمود شلتوت يتكلم عن قضايا لا تقبل فيها إلا شهادة الرجل، وهي القضايا التي تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها. على أنهم قد رأوا قبول شهادتها في الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضي إليها، وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً. ويشرح سيد قطب ضلال المرأة (البقرة 2: 282) بعدة أسباب: "فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلاً نفسياً في المرأة حتماً. بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال.