الحجاب

رغم أن الحجاب في العالم الإسلامي وفي أوروبا صار مشكلة من مشكلات الساعة، فلا يمكن تاريخياً اعتباره واجباً فرضه القرآن أو محمد على النساء. ولكن مما لا شك فيه أن الحجاب وضع في البداية علامة للمرأة الحرة لكي لا يتعرض لها الرجال ظناً منهم بأنها أَمَة. أما في اللغة فيفيد الستر وكل ما حال بين شيئين أو كل شيء منع شيئاً.

يذكر المسلمون آيتين من القرآن دلالة على وجوب الحجاب. أما الآية الأكثر شيوعاً فهي: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن وآباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" (النور 42: 13). ويُروى عن سبب نزول هذه الآية أن أسماء بنت مرشد كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: "ما أقبح هذا" فأنزل الله "قل للمؤمنات". عن سبب نزول الآية. يُروى أيضاً عن علي بن أبي طالب قوله: "مرَّ رجل على عهد رسول الله (ص) في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه. فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به، فبيما الرجل يمشي إلى جانب حائط ينظر إليها إذ استقبله الحائط (صُدم به) فشقَّ أنفه. فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله (ص) فأُعلمه أمري؟ فأتاه فقصَّ عليه قصته. فقال النبي (ص) هذا عقوبة ذنبك. وأنزل الله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم".

من الألفاظ الهامة في هذه الآية (42: 13) "العورة" وهي سوأة الإنسان كناية، وأصلها العار، وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمة، ولذلك سمى النساء عورة ومن ذلك "العوراء" الكلمة القبيحة". قال محمد: "لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا ينظر الرجل إلى عورة، الرجل" وعن مولى عائشة، عن عائشة قالت: "ما نظرت أو ما رأيت فرج رسول الله قط". يتحدث العلماء بالنسبة لعورة الجنسين عن أربعة أصناف:

     

  1. عورة الرجل مع الرجل.

     

     

  2. عورة المرأة مع المرأة.

     

     

  3. عورة الرجل مع المرأة.

     

     

  4. عورة المرأة مع الرجل.

     

أما عورة الرجل مع الرجل

فهي من (السرة إلى الركبة) فلا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل فيما بين السرة والركبة وما عدا ذلك فيجوز له النظر إليه. وقد قال (ص): "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة". وأجمع جمهور الفقهاء على أن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة كما صح في الأحاديث الكثيرة، وقال مالك رحمه الله: "الفخذ ليس بعورة". ومما يدل لقول الجمهور ما روي عن (جرهد الأسلمي) وهو من أصحاب الصفة أنه قال: "جلس رسول الله ص عندنا وفخذي منكشفة فقال: أما علمت أن الفخذ عورة".

وفي رواية: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت

". وأما عورة المرأة مع المرأة: فهي كعورة الرجل مع الرجل أي من (السرة إلى الركبة) ويجوز النظر إلى ما سوى ذلك، ما عدا المرأة الذمية أو الكافرة فلها حكم خاص سنبينه فيما بعد.

وأما عورة الرجل بالنسبة للمرأة

ففيه تفصيل، فإن كان من (المحارم) كـ(الأب والأخ والعم والخال) فعورته من السرة إلى الركبة وإن كان (أجنبياً) فكذلك عورته من السرة إلى الركبة، وقيل جميع بدن الرجل عورة، فلا يجوز أن تنظر إليه المرأة. وكما يحرم نظره إليها يحرم نظرها إليه، والأول أصح. وأما إذا كان (زوجاً) فليس هناك عورة مطلقاً لقوله تعالى "إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين".

وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل

فجميع بدنها عورة على الصحيح، وهو مذهب (الشافعية والحنابلة) وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على ذلك فقال: "وكل شيء من المرأة عورة حتى الظفر".

وذهب (مالك وأبو حنيفة) إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا (الوجه والكفين) ولكلٍ أدلة سنوضحها بإيجاز.

بينما يقول الأحناف والمالكية بأن الوجه والكفين ليسا بعورة. يستدل الشافعية والحنابلة على كونها عورة بالكتاب والسنة والمعمول والخلاف يدور هذه المرة حول كلمة "الزينة" التي تفسر بين المذاهب الفقهية على وجوه مختلفة.

فهم يقسمون الزينة إلى خَلْقية ومكتسبة، والوجه من الزينة الخلقية بل هو أصل الجمال ومصدر الفتنة والإغراء. وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلي والخضاب. وهم يستدلون على صحة ذلك من القرآن والحديث، ويسمونه بـ"المعقول" وهو أن المرأة لا يجوز النظر إليها خشية الفتنة، والفتنة في الوجه تكون أعظم من الفتنة بالقدم والشعر والساق. فإذا كانت حرمة النظر إلى الشعر والساق بالاتفاق، فحرمة النظر إلى الوجه تكون من باب أولى، باعتبار أنه أصل الجمال ومصدر الفتنة ومكمن الخطر.

والآن كيف يجب أن يكون هذا الحجاب في نظر العلماء والفقهاء؟ يذكر الطبري في تفسيره رواية عن ابن سيرين أنه قال: "سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) فرفع ملحفة كانت عليه فتقنَّع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر". ورُوي مثل ذلك عن ابن عباس. أما الشروط التي يجب توفرها لحصول الحجاب الشرعي فقد سردها الصابوني في تسعة أحكام كما يلي:

أولاً: أن يكون الحجاب ساتراً لجميع البدن لقوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن). ومعنى الجلباب الثوب السابغ الذي يستر جميع البدن، ومعنى الإدناء الإرضاء والسدل فيكون الحجاب الشرعي ما ستر جميع البدن.

ثانياً: أن يكون كثيفاً غير رقيق، لأن الغرض من الحجاب الستر، فإذا لم يكن ساتراً لا يسمى حجاباً، لانه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر. وفي حديث عائشة أن (أسماء بنت أبي بكر) دخلت على رسول الله ص وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ص.

ثالثاً: ألا يكون زينة في نفسه، أو مبهرجاً ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار لقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها". ومعنى "ما ظهر منها" أي بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه، ولا يسمى "حجاباً" لأن الحجاب هو ما يمنع ظهور الزينة للأجانب.

رابعاً: أن يكون فضفاضاً غير ضيق، لا يشف عن البدن، ولا يجسم العورة، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم، وفي صحيح مسلم عن رسول الله ص أنه قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت (الإبل) المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" وفي رواية أخرى: "وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام".

ومعنى قوله عليه السلام "كاسيات عاريات" أي كاسيات في الصورة عاريات في الحقيقة، لأنهن يلبسن ملابس لا تستر جسداً، ولا تُخفي عورة، والغرض من اللباس الستر، فإذا لم يستر اللباس كان صاحبه عارياً.

ومعنى قوله "مميلات مائلات" أي مميلات لقلوب الرجال مائلات في مشيتهن، يتبخترن بقصد الفتنة والإغراء، ومعنى قوله "كأسنمة البخت" أي يصففن شعورهن فوق رؤوسهن، حتى تصبح مثل سنام الجمل، وهذا من معجزاته عليه السلام.

خامساً: ألا يكون الثوب معطراً فيه إثارة للرجال لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل عين نظرت زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية".

وفي رواية أخرى "إن المرأة إذا استعطرت فمرَّت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية".

وعن موسى بن يسار قال: "مرَّت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، فقال لها: أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد، قال: وتطيَّبتِ؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: "لا يقبل الله من امرأة صلاة، خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع وتغتسل".

سادساً: ألا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال، أو مما يلبسه الرجال لحديث أبي هريرة "لعن النبي (ص) الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل". وفي الحديث "لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء" أي المتشبهات بالرجال في أزيائهن وأشكالهن كبعض نساء هذا الزمان، نسأله تعالى السلامة والحفظ.

إن ما شيد من حول الحجاب من صرح شرعي مهيب لم يفقد من هيبته شيئاً في عصرنا. بل نرى أن الفقهاء والعلماء المعاصرين ازدادوا في التفنن في اختلاق الحجج دفاعاً عن الحجاب. كما نرى ازدياد التعصب في هذا المجال في بعض البلدان، وبالتحديد لدى بعض الجماعات الأصولية، فالمفكر الإسلامي مقتنع بأن الحجاب لا مناص منه إذا أُريد تأسيس مجتمع نظيف والحفاظ عليه، لأن الحجاب يصد الرجل من الوقوع في الفتنة. وهذا المنطق مبني على تصور المرأة مصدراً للفتنة والشر، بينما يلعب "الرجل المسكين" دور الضحية. فإذاً يجب صد هذا الشر الذي ينشأ حالما يلتقي الرجل مع المرأة. فيرى مصطفى غلياتي، أحد أعداء حقوق المرأة رفي الزمن الذي لم يزدَدْ إلا شراً وفساداًذ ما يؤيد دعوته إلى الحجاب الإسلامي فيدعي "أن الحجاب ضروري إذ لا تجد بين مائة شخص عشرين قد تخاطبهم كبني البشر". إن المرأة فرض عليها الحجاب صداً لوجود الفتنة، وحفاظاً على سلامة المجتمع، فهي المسؤولة عن الأزمات التي تحدث في العائلات. يقول الصابوني: "ولا يشك عاقل أن تهتك النساء وخلاعتهن هو الذي أحدث ما يسمونه "أزمة الزواج" لأن كثيراً من الشباب أحجموا عن الزواج لأنهم أصبحوا يجدون الطريق معبَّداً لإشباع غرائزهم من غير تعب ولا نصب، فهم في غنى عن الزواج، وهذا بلا شك يعرض البلاد إلى الخراب والدمار، وينذر بكارثة لا تبقي ولا تذر، وليس انتشار الخيانات الزوجية وخراب البيوت إلا أثراً من آثار هذا التبرج الذميم".

هنا يحق لنا أن نسأل المسلم الذي قد يقبل ما كتبه الصابوني: هل من المنطق في شيء أن يصفالمرء المرأة مصدراً للفتن، ومسؤولة عن الأزمات العائلية، فيدَّعي في الوقت نفسه أن الإسلام لم يفرض عليها الحجاب إلا لحماية عفتها وفضيلتها وكرامتها وصوناً لشرفها من ضعفاء القلوب ومرضى الضمائر ممن يتربصون بالمرأة السوء؟!.