الخاتمة

 

حاولنا في الأبواب السابقة تبيان مكانة المرأة في الإسلام وما لها من حقوق وواجبات تجاه زوجها وفي المجتمع، وما على الرجل من حقوق لها، في ضوء مصادر الإسلام أي القرآن والحديث وأعمال الفقهاء وسقنا من حين إلى آخر آراء الكتاب والعلماء المسلمين المعاصرين، ليكون القارئ على معرفة بحججهم وأدلتهم وتفسيرهم "الحديث" لهذا الموضوع أو ذاك.

والآن وقد وصلنا إلى ختام كتابنا نستطيع القول إن المرأة في الإسلام لا تحظى بمكانة "ترجوها الأوروبية لنفسها". فمع أن محمداً أتى بإصلاحات عديدة لوضع المرأة العربية في شبه الجزيرة، ومع أن الإسلام لم ينكر أبداً أن الأنثى ذات نفس وعقل، فإنها ظلت في القرآن والحديث والمصادر الفقهية، وحتى في أعمال المعاصرين في العالم الإسلامي، نصف إنسان. والحكمة من وجودها هي أن تخدم زوجها وتطيع أوامره بلا قيد وشرط، وأن تلد له صبياناً وتخبئ نفسها عن العيون، وكأن وجودها عيب في حد ذاته. وبما أن التعليم الإسلامي يعتبر القرآن كتاباً أملاه الله على محمد، وأحكامه أفضل ما يمكن المرء تصوره، وشاملة لكل زمان ومكان، فإنه ليس من السهل تفسير القرآن تفسيراً عقلانياً كما حاول ذلك محمد عبده. ومن شبه المستحيل توفيقه وإدماجه مع متطلبات العصر، سيما أن جزءاً كبيراً من الآيات صريحة في التعبير، لا تعطي العالِم المنفتح أي تأويل. فإذاً ليس للمسلم المؤمن والذي يشعر نفسه مكلفاً بتبليغ كتابه الكريم في المجتمع الحديث من خيار سوى تبرير وتعليل كل الأحكام والأقوال في القرآن، إذا كانت تلك تتعارض مع الواقع المعاش. كذلك الأمر بالنسبة للآيات القرآنية التي تحط من شأن المرأة، مقارناً مع الفهم الحديث، مما يضطر العالِم أو الكاتب المسلم في يومنا إلى التحري عن حكمة مخفية تحت هذه الأقوال وأعظمها: "لا يريد الله بالمرأة إلا خيراً". فإن تعلق الأمر بأن شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، فلأن الله عرف أن ليس لها خبرة في ميادين الحياة، فأراد أن يجنبها التجارب والأخطار. وإن كان الموضوع ضرب الناشزة فهذا ليس بحلال مباشر، وإلا لما ذكره الله في القرآن كالوسيلة الأخيرة لإصلاحها. وأما بالنسبة لتعدد الزوجات، فقد كان في سابق علمه تعالى أن الغرب نفسه يجعل من تعدد الزوجات مؤسسة مشروعة بالقوانين، الأمر الذي حدث فعلاً في ألمانيا كما يزعم الصابوني. إن مؤلفات الأصوليين والمسلمين المنفتحين على السواء في العصر الحاضر مليئة بمثل هذه الحجج المختلفة والأمثلة المضحكة.

وفي الختام يجب أن نضيف أنه لا يجوز أن يفكر القارئ في وجود تناسق بين نصوص وأحكام الشريعة بشأن المرأة والواقع المعاش في الدول الإسلامية. وبعبارة أخرى: من الظلم أن ندعي أن كل مسلم يعامل زوجته أو بناته أو الجنس الأنثوي عامة طبقاً لما قرره الفقهاء وما يزالون يقررون! وإن كانت المرأة تعيش في ظل رواسب الشريعة وتحت هيمنة الرجال. ولكن نشاهد في الوقت نفسه كيف يضعف أثر الشريعة بل يختفي هنا وهناك في خضم معركة لا هوادة فيها بينها وبين الحركات التحررية. إنه ليس الإسلام المتزمت وحده الذي يحاول صياغة المجتمع حسب تصوراته ومثُله ويترك طابعه في هذا المجتمع أو ذاك، بل يوجد تطرف آخر يؤدي بالمرأة إلى العداء للرجال والمجتمع قاطبة، كما هو الحال بين أتباع الحركات النسائية في مصر ودول شمال أفريقيا.