قد
يتصور من يتابع قراءة هذه المقالة بانها مضادّة للدين
الاسلامي او القومية العربية لما فيها من دلالات عن
مدىسوء الاستغلال للمفهومين واعني بهما مفهوم الدين (كعامل
ضروري تأريخيا وحضاريا وفكريا ونفسيا لكل الشعوب
والامم في احدى مراحل تطورها) ومفهوم القومية( كهوية
اعتبارية لكل من ينطق بلسان مختلف ويجمعه وبني قومه
عوامل التراث واللغة والتأريخ الثقافي والسياسي
والاقتصادي المشترك).... ولكننا هنا بصدد واقع آخر
مرير للاقوام والشعوب التي كانت ولا تزال معظمها اسيرة
وضحية الاستغلال السئ للدين الاسلامي والقومية العربية
اللتين لم تستطيعا ان توفيا بوظفيتيهما الانسانيتين
المفترضتين في نشر المحبة والسلام والوئام والوفاق بين
الشعوب الخارجة عن اطاريهما الديني او القومي... او
على الاقل تطوير المفاهيم المبدئية للدين والقومية نحو
آفاق تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الآخرين كحرصها على
مصالحها الذاتية ومنافعها الحياتية وبالرغم ادعائيهما
عكس ذلك كاساليب نظرية وافتراضية ......
مع بزوغ فجر الاسلام وبدء نشر الدعوة خارج جزيرة العرب
قبل اربعة عشر قرنا , ايذانا ببدأ فصل جديد في حياة
الشعوب والامم التي سكنت هذه المنطقة, باطلالة الدين
الجديد, بقيمه وتعاليمه ( السمحاء) من جهة وصهيل خيوله
وقرقعة سيوفه ورماحه من جهة اخرى, و مبتدئا معهم فصل
آخر من المعاناة والمسخ القسري للهوية الخاصة
وللمعتقدات التي كانت سائدة للشعوب والاقوام ولقرون
عديدة من الزمان...... ففي الرقعة الجغرافية المحصورة
بين شواطئ الاطلسي و تخوم الصين , لم يكن دخول او
بالاصح ادخال كل هذه الشعوب والاقوام الى الدين الجديد
بالصورة الوردية التي نقلتها لنا كتب التأريخ والتي
غالبا ما تكتب وكما هو معروف بلسان المنتصرين
والفائزين, الا ان الحقيقة المجردة والمرّة وما يقرأ
من بين سطور هذه الكتب وما اورردتها الاحداث الحقيقية
تبين لنا وبوضوح انها كانت احتلالا عسكريا و ثقافيا
واقتصاديا وتراثيا اتخذت مناحي شتى في اساليبها , بدءأ
بالاقناع وانتهاءا بالافناء,و بدءا بالكلمة الطيبة
وانتهاءا بحد السيف,واحتلال الارض وهتك العرض وسبي
النساء وفرض الجزية والخراج, وكانت عملية طويلة المدى
استغرقت عدة قرون حاولت خلالها السلطة الدينية الجديدة
خلق امة جديدة باسم امة الاسلام الذي شيّع بانها فوق
القوميات والطوائف وافضل من المعتقدات والاديان
السائدة بين تلكم الشعوب, ولكنها في حقيقتها وجوهرها
كانت ولا تزال تكريسا لثقافة جزيرة العرب وقيمها
وعاداتها وتقاليدها ولغتها التي تم فرضها فرضا على هذه
الامم في الدنيا, والتي من المفترض ان تلاحقهم حتى بعد
الممات (لان لغة اهل الجنة هي اللغة العربية و
تقاليدها هي التقاليد البدوية في الرغبة الجامحة
بامتلاك الجواري والغلمان والتمتع بالخيرات والمناظر
الخلابة الغائبة من الصحراء العربية القاحلة!!!!
وحينما بدأت هذه الدولة بالتوسع اثناء ما عرفت
بالفتوحات الاسلامية , والتي كانت في واقع الامرغزوات
حربية شرسة بمعنى الكلمة والتي لم تفرق بين مقاتل وطفل
وامرأة وعجوز .... فكانت ابادة و نفيا للآخر الغير
المسلم(الكافر) واستحلالا لدمه وارضه وعرضه وماله ,
ووفق توجيهات وارشادات وخطب دينية من قمة الهرم
السياسي للدين والدولة .....فها ان النبي محمد يعرف
المسلم الغير العربي بالشكل التالي(من تكلم العربية
فهو عربي !!!!!! ) ( كنز العمال ج7 ص46 وتهذيب تاريخ
دمشق ج6 ص200 وحياة الصحابة ج2 ص523 وقوله ( ايها
الناس ، ان الرب واحد والاب واحد وليست العربية باحدكم
من اب ولا ام وانما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو
عربي) !!!!!!!..... واذا ما امعنا النظر في هذه
الاحاديث النبوية نجد جليا ان اساطين العروبة بعد الف
واربعمائة سنة من امثال ميشيل عفلق وساطع الحصري
وغيرهم لم ياتوا بجديد في اطروحاتهم القومية الشوفينية,
بل كان سر اعجابهم بمحمد ورسالته هو مطابقته مع
افكارهم العنصرية التي كانت ولا تزال آثارها المدمرة
تعصف بكيانات دول بل وحتى ما سمي بعدئذ (بالجامعة
العربية) تصّر والى يومنا هذا باعتبار كل مواطني دولها
قاطبة جزءا من الامة العربية المباركة دينيا والمفضلة
عرقيا.
وفي خطبة للخليفة عمر ابن خطاب ثاني الخلفاء الراشدين
والذي في عهده تمت اغلب الفتوحات في العراق والشام
وشمال افريقية , يقول فيها( الا بعون الله مع الإيمان
بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها،
نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان،
أمة مستعبدة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يُستصفون
معايشهم وكدائحهم ورشح جباهم، عليهم المؤونة ولكم
المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم
وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجؤون
إليه، ولا مهرب يتقون به)..... وتطبيقا لهذه المفاهيم
كانت الحروب تقاد والبلدان تفتح باسم الدين الحنيف
ولكن بايدي قادة عسكريين كان همهم الاول, كم من
الاموال يجمعون وكم من الجواري الاسرى يجلبون, فعى
سبيل المثال إن موسى بن النصير رجع من غزواته في شمال
أفريقيا والأندلس يجر وراءه ثلاثمائة ألف أسير، منهم
ثلاثين ألف عذراء .و إنه أرسل خُمس العذارى إلى
الخليفة في الشام لأن الآية تقول: "( واعلموا أن ما
غنمتم من شئ فإن لله خمسه والرسول)
وليس من المعقول بأن أولئك العذارى وقعن في الأسر طوعاً
واختياراً. فإن من المؤكد المجاهدين الفاتحين لا بد قد
خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها.
فليس من المعقول أن يذهب المجاهدون إلى بيوت المدن
المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: " أعطونا عذراء في
سبيل الله". إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب
والسفك وانتهاك الحرمات......( ابن الأثير، الكامل، ج4
ص 272/ نقلاً عن د. عليّ الوردي، وعاظ السلاطين، ص
209)انظر الدكتور كامل النجار (الدولة الاسلامية بين
النظرية والتطبيق)
والنتيجة الطبيعية والحتمية لهكذا اطروحات وتطبيقاته
في الواقع الميداني وتأثيره على الحياة والمصير الذي
كانت تعيشه هذه الاقوام هو حتما التقتيل و التهميش
والاستعباد والاضطهاد الديني والقومي المزدوج حيث فرضت
عليها الاول( الدين الاسلامي) تعلم لغة الجنة العربية
اجبارا وطمست الثاني (القومية العربية) تراثها
وعاداتها وتقاليدها في بودقتها اكراها.
وما جاءت بها دساتير اغلب الدول ( العربية) الحديثة
ايضا الكلام المزوق والمنمق عن المساوات والحقوق والتي
في واقعها هي واجبات مفروضة دون حقوق واضحة للقوميات
الغير العربية او حتى تجاهل الانتماء او الحرمان من
حقوق المواطنة الحقيقية الموصوفة والمتميزة وتحت يافطة(
الوطن الواحد والشعب الواحد او الامة العربية الواحدة
من المحيط الى الخليج)!!!!!!
. وهكذا جاء الاسلام غازيا وفاتحا لهذه البلدان شاهرا
سيفه المسلول بيد وحاملا قرآنه العربي الوديع باليد
الاخرى مكتسحة امامه كل الحضارات القائمة و ماسخة
كيانات الشعوب وتأريخها تحت راية الاسلام الديني ولكن
بلباسه العربي القومي, ومن يومها ارتبط اسم الاسلام
بالعروبة وتم على ضوئها تاسيس ما عرف في التأريخ باسم(
الحضارة العربية الاسلامية) في اكبر عملية سطو على
حضارات عريقة ضربت جذورها في اعماق التأريخ واسست
لعجائب الدنيا القديم في فنون العمارة والبناء ناهيك
عن الفلسفة والاداب والفنون والصناعات المعروفة آنذاك
, و لتجبر كل شعوبها بالانضواء تحت رايتها مكرهة مجبرة
او ملاقاة المصير المحتوم في الابادة والقتل تحت
مسميات مقدسة وبنصوص ثابتة بتصنيف الآخرين كفارا توجب
اخضاعهم او ابادتهم..... تعاليم محمدية وآيات قرآنية
لا تقبل التفسير و التأويل او التغير وكان شعار ( اسلم
تسلم) الشريعة السائدة المعولة عليها في كل الاحوال .
ففي وادي الرافدين ابصرت الحضارة البشرية النور, كانت
هناك حضارات سومروبابل واكد ولآلاف السنين, والتي علمت
البشرية اصول الكتابة والقانون والفنون والآداب
والعلوم , وفي وادي النيل منبعا ومصبا كانت هناك حضارة
فرعونية وافريقيةعظيمة و التي اتحفت البشرية بفنونها
المعمارية وابداعاتها في ميادين الحياة الاخرى كالعلوم
والكتابة والتعدين والصناعة اضافة الى الفلسفة وعلوم
الفلك ما جعلت مديات تطورها لغزا محيرا لعقول البشر
الى يومنا هذا, وفي بلاد الشام واورشليم وشمال افريقيا
كانت حضارات الرومان والاغريق , اليونانيين
والفينيقيين متجذرة في ربوعها بعلومها وفلسفتها, اضافة
الى اديان كبيرة قائمة ومنه الديانتان اليهودية
والمسيحية واللتان شذبتا شعوب المنطقة نحو المفاهيم
الحضارية بتعاليمهما السمحاء ونشرتا مفاهيم انسانية
متطورة نسبيا قياسا الى تلكم الازمان , وفي كردستان
وبلاد فارس كانت هناك حضارات الميديين والساسانيين
واقانيم زرادشت العظيم التي اوصلت نواة فلسفتها
العميقة الى بلاد الهند والسند والصين ومنها نشأت
الديانات الهندية والصينية العظيمة.......وحينما تمدد
الحكم الاسلامي ليشمل كل هذه الاصقاع الغنية بتراثها
الانساني لم تبدأ ما سميت بعدئذ بالحضارة العربية
الاسلامية من العدم بل بالعكس تماما وجدت ارضية جاهزة
لحضارات عظيمة قائمة, فبدأت تترجم وتقتبس وتتقمص منها
ما تشاء وتنشئ على انقاضها ما سميت بالحضارة الاسلامية
التي تطبعت بالطابع العربي الخالص واصبحت تعرف بعدئذ
بالحضارة العربية الاسلامية اي ان الحضارة العربية
الاسلامية هي المدينة( بفتح الميم) لكل هذه الحضارات
التي كانت سائدة وليس العكس, ولولا الحكم الاسلامي لما
بقي للعرب في جزيرة العرب الجرداء وبعض الاقاليم
الصحراويةالمحيطة بها ( والفقيرة في مواردها
الاقتصادية والبشرية ) شيئا يذكر الآن, وكان مصيرها
النسيان والاضمحلال حالها حال الكثير من الحضارات
المشابه لها زمانا ومكانا.....
وحينما نشأ الفكر العروبي القومي في اوائل القرن
الماضي كرد فعل لسقوط رموز تلك الحضارة الدينية
والقومية المزدوجة على ايدي المستعمر الاوروبي, حاول
ان يستنهض الهمم المنهارة ويلملم شتات الحضارة الآفلة
الممزقة والمتهرئة, بالاستناد الى الاسلام ومجده
الزائل, ولكن من منظور قومي عروبي يدعي الحداثة والرقي
والسعي للحاق بركب الامم التي اخذت بزمام التطور
وبالاخص الامم الاوروبية ( والتي ما وصلت الى ماوصلت
اليه الا بعد ان ابعدت شبح الدين عن مسيرتها, وهذا ما
نتمناه للقومية العربية ايضا) والتي باتت اساطيلها
وجيوشها تدق ابواب العواصم العربية الواحدة تلو الاخرى
بدءا من شمال افريقيا وانتهاءا بالعراق والشام, فبادر
ممثلوا القومية العربية ودعاتها بالتحالف المشين مع
المستعمر الكافرتحت غطاء ما سمي( بالثورة العربية),
لاسقاط الخلافة الاسلامية الوحيدة الغير عربية ( والتي
استطاع آل عثمان المغول من اختطافها من العرب ليوضفوها
ايضا لصالح القومية التركية ويؤسسوا الامبراطورية
العثمانية) , ففقدت بذلك مصداقيتها الدينية واثبتت في
نفس الوقت تبعيتها الذليلة للمستعمر بدلا من النهوض
بهويتها القومية الخاصة ومستندة الى قواها وامكانياتها
الذاتية لبناء دول جديدة ملائمة لروح العصر ومسايرة
للتغيرات الدولية والاقليمية والسياسية والاقتصادية
التي كانت تتحكم بالعالم آنذاك وكما فعلت الدول
الاوروبية في نهضتها بعد الثورة الفرنسية في القرن
السابع عشر واستمرت في مسيرتها المظفرة والى يومنا هذا....,نعم
لم يجد احفاد الرسول محمد من بني هاشم بدا من التحالف
مع الكافر المستعمر ضد الخلافة الاسلامية العثمانية,
وذلك طمعا بفتات الغنيمة وحصة متواضعة من اشلاءها
والتي تم تقسيمها وفق مصالح القوى الاستعمارية من جهة
و بين اعوانها من الوجهاء العرب من جهة اخرى وبمنطق (
تريد ارنب خذ ارنب وتريد غزال خذ ارنب) , اما الشعوب
والامم التي كانت ترزخ ولقرون عديدة تحت نير الخلفاء
المسلمين من العرب تارة ومن الترك تارة اخرى فكان
حالهم حال الطير المذبوح الذي تعبث به ايادي الاطفال
(و كما عبر عنه الشاعر الكوردي احمد بك في احدى قصائده
في اوائل العشرينات من القرن الماضي) اي تلاقفتهم
الايادي من مستعمر الى مستعمر تارة باسم الدين وتارة
باسم التمدين .... وهكذا تم تكريس تبعية وتجاهل حقوق
السكان الغير العرب مرة اخرى بدءأ من اقوام شمال
افريقيا غربا وانتهاءا بالكورد في اقصى الشرق وذلك
بالتعاون بين المستعمر والقوميين العرب وممثليهم من
الملوك والرؤساء الذين نصبتهم قوات المستعمر ادواتا
طيعة لتسهيل سيطرته على هذه البلدان, واصبح قدر هذه
الامم الغير عربية والغير مسلمة ان تكون اسيرة بيد
القومية العربية المسلمة ( والسنية على الاغلب) لفترة
اخرى من الزمن, واصبحت شعارات الاخاء في الدين او
الوطن ا و المساوات والذي لم يكن في السابق الاّ مجرد
كلام جامد مكتوب في القرآن والاحاديث النبوية , اصبحت
صيغة ممجوجة و مكررة ولكن باسلوب آخر و بالاخص في
الاتفاقيات او الدساتير المكتوبة لاحقا, والذين
يجمعهما عامل مشترك واحد كونهما غير مقروئين وغير
مطبقين حتى بابسط اشكالها ومفاهيمها , فكما لم تجد
الكثير من النصوص حظها في التطبيق ابان الحكم الاسلامي
رغم ورود ها في الآيات القرآنية ونصوص الاحاديث
المحمدية وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في سورة
الروم ) "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف
ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "( ) "يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم "( .
( المسلم اخو المسلم,ان احسنكم عند الله اتقاكم.....,
ولا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى)....الخ
وكذلك فان ما جاءت بها دساتير اغلب الدول ( العربية)
الحديثة من الكلام المزوق والمنمق عن العدالة و
المساوات والحقوق لمواطنيه وبالاخص الغير العرب او
الغير المسلمين وفي بعض الاحيان الغير السنة , لم تكن
تطبيقيا باحسن حال من سابقتها من النصوص والاحاديث
والسيرة وغيرها.... والتي هي في واقع الحال واجبات
وقيود مفروضة من دون حقوق واضحة لها اي تم تبديل
الجزية المفروضة سابقا بواجبات المواطن لاحقا ,
وبالتركيز على تجاهل وانكار الانتماء القومي والديني
والمذهبي لهذه الشعوب, او الحرمان الكامل من حقوق
المواطنة الحقيقية الموصوفة في هذه الدساتير والمغيبة
والمطمورة تحت خيمة ومظلة الوطن الواحد والشعب الواحد
او الامة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج!!!!!!
وفي المسافة الزمنية بين الحربين الكونيين وما شهدتها
المنطقة من صراعات واحداث دموية في مسيرة الكفاح من
اجل انهاء الاستعمار العثماني والتكيف مع الاستعمار
الاوروبي و التي افرزت من ضمن ما افرزت بروز الدول
القومية العربية (المستقلة) وعلى رأسها ملوك نصبهم
المستعمر او رؤساء امتطوا الدبابات واختطفوا مقاليد
الحكم تحت يافطة الشعارات القومية البراقة من محاربة
الاستعمار والصهيونية, والتي امعنت بدورها في ابتداع
طرق جديدة في اضطهاد هذه الشعوب والامم والطوائف باسم
الوطنية والشعب الواحد الموحد مجتمعة تحت راية منظمة
عنصرية مشلولة اسمها جامعة الدول العربية التي توحي
اسمها بمضمونها التي تؤسس لسيادة امة العرب على كل امم
المنطقة بحجة الاكثرية والاستحقاق التأريخي والديني
وكونها خير امة اخرجت للناس وبلا منازع في عصر اصبح
للفرد الواحد بل وحتى للحيوانات حقوقا تحفظ كينونتها
وتحافظ على حقها في البقاء والتطور والعيش بكرامة
وحرية.
لو استعرضنا واقع وتأريح الشعوب والامم والاديان الغير
العربية والغير المسلمة بل وحتى الغير السنية في منطقة
الشرق الاوسط وشمال افريقية لنجد مدى الاجحاف والظلم
التأريخي الذي لحق بهم نتيجة سيادة العقلية العروبية
الاسلاموية طوال هذه القرون.....
**** بدءا من اقصى شمال افريقيا حيث شعب ( الامازيغ)
والذي يعني ( الانسان الجميل والحر), والذين يروق لبعض
المتجاهلين ان يطلق عليهم اسم البربر ظلما(حيث ان
تسميتهم بالبربر جاءت على لسان الرومان نتيجة مقاومتهم
الباسلة للغزو الروماني وتمردهم ورفضهم الانصياع
لسلطان امبراطوريتهم وجبروتها),وهم السكان الاصليون
لشمال افريقيا ولهم لغتهم الخاصة بهم وعاداتهم
وتقاليدهم الافريقية الاصيلة, وتراثهم الثري والمتوغل
في العمق التأريخي لآلاف السنين, الشعب الذي ترك بصمات
حضارته على مجمل الحضارة الافريقية الشمالية منذ عهود
الفراعنة وقبلها, وحينما جاء الاسلام في القرن السابع
الميلادي وقعت كغيرها من الشعوب تحت وطأة الاحتلال
الاسلامي مكرها مضطرا وكان نصيب دينه الوثني وحضارته
وتراثه الثري الزوال والانداج في ما سمي بالحضارة
العربية الاسلامية واختفت لغتها ايضا في خضم سيادة لغة
اهل الجنة وفقدت ابجديتها(التيفناخ) قيمتها واصالتها
وادرجت في طي النسيان, حالها حال تراث وقيم كل الشعوب
التي ابتلت بالاحتلال العربي الاسلامي , وعلى الرغم ان
شعب الامازيغ وقادته كانوا من اوائل الذين حاربوا
الاستعمار الفرنسي ومن مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية
والحركات المناهضة للاستعمار الاجنبي في المغرب
والجزائر وليبيا وتونس من امثال(ديدوش مراد,كريم
بلقاسم.وحسين آيت احمد.. وغيرهم) الا ان ثمار جهودهم
وكفاحهم البطولي كان يصب في طاحونة الاتجاهات العروبية
والاسلامية التي قفزت على نضالاتهم القومية الامازيغية
والنتيجة كانت ولا تزال تجاهل الحقوق القومية
والثقافية ولصالح حملات التعريب الثقافي والسياسي ايضا,
رغم ان الامازيغ يشكلون اكثر من 60% من سكان شمال
افريقيا التي تعرف بالمغرب العربي ونفوسهم تتراوح بين
20 الى 25 مليون نسمة وهم لا يزالون محسوبين على
القومية العربية الاقل عددا والاحدث تواجدا في المنطقة
,ومحرومين من ابسط الحقوق السياسية والادارية
والثقافية.
***** وفي مصر الذي يشكل فيه الاقباط 15% من مجموع
السكان اي 10 الى 15 مليون نسمة, والذين هم السكان
الاصليين لشعب وادي النيل,وهم الامتداد العرقي
والتواصل الحضاري لسلالة الشعب المصري القديم,وممن
تبقى من المسيحيين الاصليين في مصر واللذين كانوا
يسمون (ايجيبتوس) باليونانية والتي منها اشتقت اسم
مصر(ايجيبت).
ومنذ أن دخل عمرو بن العاص مصر التي كانت مسيحية في
ذلك الوقت، أصبح اضطهاد ما بقى من أقباطها على دينه،
السياسة الرسمية للدولة المصرية، قديمةً وحديثة. ان
اضطهاد (الموالي) الغير العرب قد بدأ ببداية الفتوحات
في ايام الخلفاء الراشدين , فعندما فتحوا مصر وغيرها
من بلالد الحضر كان اهلها يحترفون الزراعة فاسموا
اهلها( بالعلوج)!!!!! لان العرب كانوا يحتقرون الاعمال
اليدوية ( كامل النجار _ الدولة الاسلامية بين النظرية
والتطبيق).
وحديثا فقد أفتى أبو الأعلى المودودى والذى يعد مرجعاً
هاماً للتيار المتشدد يقول فى كتابه حقوق أهل
الذمه(المقصود بهم الاقباط المسيحيين) "لا يحق لهم، أى
أهل الذمة، ان يتولوا عضوية مجلس الشورى أو أن يشتركوا
فى إنتخاب الرجال لهذه المناصب "، ويقول أيضاً بناء
على هذا المبدأ وفى نفس الكتاب: "قد أُستُثنيّ أهل
الذمة من الخدمة العسكرية، وجُعل الدفاع عن الوطن
الإسلامى من واجب المسلمين وحدهم، وذلك لأن الدولة
التى تقوم على مبدأ، لا يقاتل من ورائها ولا ينبغى أن
يقاتل، إلا الذين يؤمنون بصدق ذلك المبدأ"
وعلى الرغم ان شارك الاقباط في الحركة الوطنية المصرية
بنشاط وفعالية ضد الاحتلال الانجليزي وكان السكرتير
العام لحزب الوفد المصري(مكرم عبيد) من ابرز القبطيين
الذين شاركوا في الحركة السياسية المصرية , كما ان
البابا(كيريلليوس الخامس) من اوائل المؤيدين لثورة
عرابي مما دفع بسلطات الاحتلال الى خلعه ونفيه, وحتى
بعد تولي الضباط الاحرار مقاليد السلطة السياسية بعد
الاطاحة بحكم الملك فاروق , فانه لم يتغير الواقع
المأساوي للاقباط ان لم تكن قد ساءت اكثر بسبب الموقف
العروبي والاسلامي الذي كان يسود تركيبة الضباط
الاحرار ويتحكم في تصرفاتها وسياساتها.
فالأقباط في مصر لا يحق لهم تولي المناصب الرئاسية في
المؤسسات الحكومية حتى لا يكونوا في موقف يجعلهم أعلى
من الموظفين المسلمين!!!!! -والمادة الثانية من
الدستور المصري تنص على أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون
مسلماً، وهناك عشرة شروط ( الشروط العشرة للعزبي باشا
وكيل وزارة الداخلية سابقاً ) لبناء الكنائس بمصر،
والأقباط ممنوعون من دخول جامعة الأزهر (الدراسات
العلمية) الممولة من ميزانية الدولة في الوقت الذي
تعطى فيه المنح المجانية لأي مسلم من أي دولة في
العالم، وهناك الجماعات الإسلامية التي استحلت أموال
الأقباط حسب فتوى الشيخ عبد الرحمن ( المسجون حالياً
في أمريكا) , اما الاعتداءات على القباط ورموزهم
الدينية و اماكن العبادة والكنائس القبطية فهي عملية
مستمرة , وانباءها ملأت اعمدة الصحف اليومية في مصر .
وبعد كل هذا يطلع علينا، من وقت لآخر، من يدعي أن
النبي قال: " استوصوا بالقبط خيرا فإن لكم فيهم نسبا
وصهرا ". وكذلك قولهم إن النبي أوصى بكل أهل الذمة
والمعاهدين فقال: ( من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته
فأنا خصمه يوم القيامة ). كلام منمق ضل اسير الكتب
والادعاءات الفارغة.
ومعاملة الأقباط في مصر تنطبق على معاملة الأقليات
الغير مسلمة في كل البلاد الإسلامية.
******واذا ما انحدرنا قليلا نحو الجنوب , الى السودان
نجد حالة مشابهة مع السكان الغير المسلمين والغير
العرب في جنوب وغرب السودان.....حيث الاكثرية المسيحية
والقبائل الافريقية الاصلية (ان 60% من سكان السودان
هم غير مسلمين وغير عرب),حيث تمت محاولات حثيثة منذ
دخول الاسلام الى مصر والسودان في احتوائهم واضطهادهم
بل وشن حروب ابادة منظمة لاستأصالهم كما حدث مع قبائل
(المساليت ,فور ,الزغادة ) في اقليم دارفور , وكما حدث
مع جنوب السودان المسيحي والذي لولا نضال الحركة
الشعبية لتحرير السودان المسلح ومساندة المجتمع الدولي
الديمقراطي لكان مصيرهم نفس مصير الآلأف من سكان
دارفور الذين ابيدوا واغتصبت نسائهم على ايدي (الجنجويد,
الفرسان ذو الملابس البيض) وهم كما يسمون في كوردستان
العراق (الجحوش ) الذين سلحتهم الحكومة المركزية
السودانية لبث الرعب في ان انفس السكان لاجبارهم على
ترك اراضي آبائهم واجدادهم (تماما كما جرت في عمليات (الانفال)
السيئة الصيت في كوردستان العراق.
واذا عبرنا البحر شرقا نحو بلاد الشام والعراق نجد ان
حال الشعوب الغير العربية مثل الكورد والسريان والارمن
والاقليات الدينية كاليزيديين والصابئة في العراق
وسوريا, والشيعة في العراق ودول الخليج والجزيرة لم
تكن بافضل من مثيلاتها في الجهة المقابلة من البحر رغم
ان اغلب هذه الشعوب قد استوطنت هذه الاصقاع لآلاف
السنين وحتى قبل الهجرات العربية اليها.
ففي سوريا والتي الصقت بها لفظة العربية تم حرمان
الملايين من الكورد والسريان والارمن من حقوق المواطنة
وتم حتى حرمانهم من منح الجنسية السورية وهم محرومون
من التوضيف والدراسة , ويتم ترحياهم من مواطنهم فيما
يسمى بسياسة الحزام العربي العنصري, رغم انهم استوطنوا
هذا البلد قبل الوجود العربي فيه بآلاف السنين.
اما في العراق فان ما جرى للكورد من حملات ابادة
وتطهير عرقي وباساليب يندى لها جبين الانسانية حيث ان
جرائم الانفال والقصف الوحشي لمدينة حلبجة وجرائم
ترحيل وقتل الكورد الفيليين, تعدّ من اكبر جرائم العصر
قاطبة , واما تهميش واضطهاد الاكثرية الشيعية في
العراق ولعقود طويلة فهو بحد ذاته دليل على ان الاقلية
المتسلطة باسم المذهب او القومية لا تتوانى عن ابادة
الاكثرية من ابناء جلدتها ايضا في غياب الاساليب
الديمقراطية في الحكم , و واقع الاقلية الشيعية في
الجزيرة العربية والخليج ليست بافضل من سابقاتها , فهي
ايضا بحاجة الى المزيد من تسليط الاضواء والبحث نظرا
للحملات التشويهية تجاههم واعتبارهم غرباء ووافدين
واجانب!!!!..
مما تقدم يظهر جليا حجم المعانات التي عاشتها ولا يزال
تلكم الاقوام والاديان التي ساقتها حضّها العاثر ان
تجاور العرب او ان تحتل من قبل الحكم الاسلامي العربي
في مسيرة التأريخ الدموي لهذه الحضارة التي سميت
بالحضارة العربية الاسلامية.ولو تم اجراء احصاء دقيق
لهذه الاقوام والاديان بدءأ المنطقة المحصورة بين ضفاف
الاطلسي الى تخوم الهندي لنجد انهم يؤلفون اكثر من 40%
من سكانها وهم محرومون من حقوقهم السياسية والثقافية
والاجتماعية وما يتبعها من آثار اقتصادية وتنموية ,
وبامتياز ....
والآن ونحن نعيش في عصر باتت الدول الديمقراطية ومنظمة
الامم المتحدة تعمل جاهدة من اجل ازالة الغم والهم من
واقع المظلومين تأريخيا , الم يحن الاوان لهذه الشعوب
والاقليات ان ترفع صوتها عاليا وتخرج قضاياها ومضالمها
الى العلن وتتحرر قضاياها من الاطر الوطنية الى
المحافل الدواية وعدم اعتبار قضاياهم امور داخلية تخص
(سيادة ) هذه البلدان التي يعيشون فيها بل كونها
انتهاكات لحقوق الانسان واعتداءات على كرامته وحريته ,
اليس مفترضا ان تتحرك احزابها ومنظماتها نحو تأسيس
منظمة اقليمية على غرار منظمة (الجامعة العربية)
للدفاع عن حقوقها ومصا لحها, وتكون منظمتهم عضوة في
هيئة الامم المتحدة, وتطالبها وبالحاح على اجبار هذه
الدول التي تتواجد فيها بتبديل دساتيرها التي فيها
بنود صارخة تتعارض مع لائحة حقوق الانسان التي اقرّت
من قبل الامم المتحدة, تماما كما فعلت وتفعل كل الدول
التي انضّمت الى الاتحاد الاوروبي كشرط اساسي للقبول
بمعاييرها وقياساتها, وتحاول ايضا تأسيس مقرات اقليمية
في المناطق التي تتمتع بقدر من الحرية والاستقلال مثل
كوردستان العراق وجنوب السودان , لتستطيع ان تعرض
قضايا ها للرأي العالمي من دون ضغوط واملاءات.
فالى العمل الجاد من اجل تأسيس منظمة الشعوب المظلومة
في الشرق الاوسط وشمال افريقيا, ولتحتل هذه المنظمة
مكانها البارز في مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يرمي
الى تحرير كل المضطهدين من نير الاضطهاد القومي
والديني والعرقي والجنسي في هذه المنطقة الموبوءة
بالافكار والحكام الشموليين والدكتاتوريين , فاذا كان
القرن العشرون قد شهد عصر استلاب كل هذه الشعوب ,
فليكن هذا القرن هو عصر تحرر وانعتاقها وتمتعها
بحقوقها المشروعة, والمؤكد وان قدر هذه الشعوب
المظطهدة فيما اذا استطاعت ان تتحرر فانهاستحرر معها
حتى الفكر الاسلامي والعروبي من الاوهام التي اساءت
اليها وتم استغلالها باساليب بشعة على مرّ العهود
والعصور مثل (خير امة اخرجت للناس , والامة العربية
العظيمة , ذات الرسالة الخالدة,ان الله اعزّ الاسلام
بالعرب ) والى غير ذلك من الاوهام والتخيلات التي لم
تعد تتناسب مع التطور الانساني وعصر الشعوب.