Copyright © 2008 All rights reserved Good Way
ا.ج.
المغرب
جاء في كتاب «روح الدين الإسلامي» (ص 17) للعلاّمة عفيف طبارة أن كلمة الإسلام مشتقة من «سلم» ومعناها:
1 - الخلوص والتعري من الآفات الظاهرة أو الباطنة.
2 - الصلح والأمان.
3 - الطاعة والإذعان.
أما معناها الروحي، فلا يقتصر على الدين الذي نادى به محمد بن عبد الله، بل هي تعني كل دين سماوي، ينادي بالتوحيد. والقرآن نفسه، يشهد بذلك، بدليل قوله:
«مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ» (سورة آل عمران 3: 67).
فإبراهيم كما تعلمون عاش قبل العهد المحمدي بآلاف السنين، وإنما القرآن حسبه مسلماً، لأنه كان موحداً.
وفي تفسير الجلالين لآل عمران 3: 67، نقرأ : «كان إبراهيم مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيّم (مسلماً)، موحّداً وما كان من المشركين».
وكذلك تفيد نصوص القرآن أن كلمة إسلام تنطبق على اليهود حفظة التوراة، بدليل قوله:
«إِنَّا أَنْزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ»(سورة المائدة 5: 44).
وقد فسّر الجلالان كلمة إسلام هنا بمعنى الانقياد لله.
وأيضاً تنطبق على المسيحيين بدليل قول القرآن:
«فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ (اليهود) ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران 3: 52).
فالحواريون هم رسل المسيح الاثنا عشر الذين تبعوا المسيح عند بداية دعوته، أي قبل الدعوة المحمدية بعدة قرون. ومع ذلك فقد سمّاهم القرآن بالمسلمين.
«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (سورة الشورى 42: 13).
فالإسلام بحسب هذه الآية هو الإيمان بموسى وعيسى معاً، بإقامة التوراة والإنجيل. وفي تعبير آخر يشرع القرآن للناس دين إبراهيم وموسى وعيسى، أي دين التوراة والإنجيل معاً بدليل قوله:
«قُولُوا آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (سورة البقرة 2: 136).
«أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ»(سورة الأنعام 6: 89، 90).
«فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ»(سورة الصف 61: 14).
وخلاصة هذه الآيات أن القرآن عيّن الأمة الهادية من قوم موسى التي آمنت بالمسيح، ولقّبها بالمسلمين، وأمر محمداً أن يهتدي بهديهم، كما أنه أوصاه أن يلجأ إليهم لإزالة الشكوك الدينية بدليل قوله:
«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَٱسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَأُونَ ٱلْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ» (سورة يونس 10: 94).
يا صديقي العزيز،
لقد استشهدت بالقرآن لتقول، إن الإسلام هو الدين الوحيد المختار عند الله. ولكن فاتك أن تذكر أن القرآن نفسه يدعو إلى الإنجيل إذ يقول:
«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ»(سورة المائدة 5: 47).
«يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً»(سورة النساء 4: 136).
لعل في هاتين الآيتين ما يحملك على إعادة النظر في موقفك من دين الله في الإنجيل، لأنهما تدعوانك إلى إقامة أحكامه، التي أولها الإيمان بيسوع المسيح، الذي قال:
«أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي... أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا... وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له... تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم».
ويقيناً أنه ليس من دين أفضل من الذي جاء في إنجيل الله العزيز، الذي يمتاز بكونه ليس حرفاً منزلاً، بل شخصاً إلهياً تجسّد عند ملء الزمان ليعلن محبة الله بالفداء، ويخلِّص العالم بالنعمة. فصار الإنجيل القائل:
«فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ... فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ، وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ، وَٱلنُّورُ يُضِيءُ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَٱلظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ... وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً... وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. لأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا. اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ»(الإنجيل بحسب يوحنا 1: 1 - 18).
وصارت الكلمة الرسولية على لسان رسول الجهاد العظيم بولس:
«لمَا كُنَّا قَاصِرِينَ كُنَّا مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ. وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلزَّمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلاطية 4: 3 - 5).
فالدين المسيحي هو دين الفداء، الذي بدونه كنا سنبقى رازحين تحت ثقل الخطيّة، بلا غفران، بلا رجاء في العالم. وفي النهاية الهلاك في جهنم النار. ولكن الله الغني في الرحمة، دبّر الخلاص للإنسان بموت المسيح الكفّاري وفاقاً لمحبته الفائقة العجيبة، التي عبّر عنها المسيح بالقول:
«لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16).
تقول الديانة البوذية: «إن الصلاح والخير هما الطريق المؤدية إلى نرفانا، الإله الأكبر» . وتقول الديانة اليهودية: «إن موسى يكتب في البر الذي بالناموس، أن الإنسان الذي يفعله سيحيا به» . وتقول الديانة الإسلامية: «َٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ» (سورة الأعراف 7: 8).
كل هذه أمثلة رائعة، ولكنها تحضّ الإنسان على عمل يعجز عنه، كأنها تطلب من المشلول حركة، ومن الميت حياة.
فمن جهة الصلاح، قال داود ملهماً بالروح القدس:
«اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ»(مزمور 14: 2، 3).
ومن جهة حفظ الناموس، فالوصية الأولى والعظمى تأمر الإنسان أن يحبّ الرب إلهه من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته ومن كل فكره. والثانية تأمره أن يحبّ قريبه كنفسه (الإنجيل بحسب لوقا 10: 27).
ولكن الاختبار يعلمنا، أن لا أحد من البشر، استطاع أن يكمل الناموس، ولهذا صار جميع الذين هم من أعمال الناموس تحت لعنة، لأنه مكتوب:
«مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ» (غلاطية 3: 10).
ومن جهة وزن الأعمال، قال الله على لسان داود:
«إِنَّمَا بَاطِلٌ بَنُو آدَمَ. كَذِبٌ بَنُو ٱلْبَشَرِ. فِي ٱلْمَوَازِينِ هُمْ إِلَى فَوْقُ. هُمْ مِنْ بَاطِلٍ أَجْمَعُونَ» (مزمور 62: 9).
وقال إشعياء النبي:
«وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا» (إشعياء 64: 6).
وقال الرسول بولس:
«لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ ٱللّٰهَ. ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ»(رومية 3: 11، 12).
صحيح أن الناموس مقدس ووصاياه مقدسة وعادلة وصالحة، ولكنه عاجز عن أن يعطي الخاطئ خلاصاً كاملاً:
«لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية 8: 3، 4).
هذا هو امتياز الدين المسيحي، إنّه دين الفداء، الذي لا يترك الإنسان في عجزه عن الخلاص، لأن الله يعامله بالنعمة تجاوباً مع إيمانه بذبيحة المسيح الكفّارية التي قدّمها على الصليب.
فإن كان الناموس عجز عن تحريره من سلطة الخطيّة والموت، وبالتالي عجز عن خلاصه وتقديسه، ليصير أهلاً لملكوت الله، فالمسيح، الذي هو الرب من السماء، تجسَّد وشارك الإنسان في اللحم والدم، لكي يقدّم نفسه ذبيحة كفّارية عن الخطيّة، ويبيد الخطيّة، ويبطل سلطانها على الناس، ويحمل قصاصها عن الإنسان. وبهذا العمل الفدائي الكفّاري، وفَّى عنا الناموس، بكل ما له علينا من المطالب. فتم المكتوب بالأنبياء:
«لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 4 - 6).
لعلك واجد صعوبة في قبول فكرة الفداء، لأن الفداء قائم على موت المسيح على الصليب ميتة العار، الأمر الذي لاقى استنكاراً لدى المسلمين. ولكن الأدلة على موت المسيح مصلوباً كثيرة ولا يمكن نقضها. وقد جمعتها في كتيّب تحت عنوان «الصليب في الإنجيل والقرآن» ويمكنك الحصول على نسخة من هذا الكتيّب فيhttp://www.the-good-way.com/ar/xml/ar-4480-lit-cross.html
ومن ميزات دين الإنجيل أن أحكامه الاجتماعية متطورة، تصلح لكل جيل وعصر وشعب ولسان وأمة، وهي قائمة بالقانون الذهبي الذي وضعه المسيح، حين قال:
«فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلنَّامُوسُ وَٱلأَنْبِيَاءُ» (الإنجيل بحسب متى 7: 12).
هذه القاعدة تنافي حب الذات المحض والبغض والانتقام والنميمة والغش والاختلاس، وتثبّت وحدة البشر، ومساواة جميع أفراده، وتحتم أن يطلب كل واحد نفع غيره.
إنها قاعدة وجيزة، ولكن السلوك بموجبها يقضي على الخصومات والحروب ويجعل الأرض فردوس النعيم. فهي خلاصة كل تعاليم الناموس والأنبياء، لأن غايتها أن تجعل كل واحد من الناس يحب غيره كنفسه.
والواقع أن هذه الآية المجيدة، تعلمنا كيف ننفذ الوصية القائلة: تحب قريبك كنفسك، التي علق عليها الرسول بولس بقوله:
«لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ ٱلنَّامُوسَ. لأَنَّ لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ: أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ، فَٱلْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ ٱلنَّامُوسِ» (رومية 13: 8 - 10).
ولكي يزيل المسيح من نفس مختاريه كل العوامل التي تعيق بلوغ الإنسان هذا المستوى الرفيع في المحبة قال لهم:
«أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذٰلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هٰكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 44 - 48).
فهذه المبادئ في سموّها واتساعها وعمقها تظهر أنها تعلو فوق الحب الطبيعي والإحسان الطبيعي المؤسس على مبدأ حب الذات الذي شعاره انتظار الرد والمجازاة. لذلك قصد المسيح أن نحب، حباً في المحبة نفسها، وأن نرغب في الخير، لأجل الخير نفسه. وأن نتمسك بالبر والفضيلة من أجل البر والفضيلة.
وقد عقّب رسل المسيح على تعليم سيدهم عن المحبة بشروحات رائعة أوحاها الروح القدس إليهم. منها:
«أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ. ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ ٱلْبَدْءِ. أَيْضاً وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ، أَنَّ ٱلظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَٱلنُّورَ ٱلْحَقِيقِيَّ ٱلآنَ يُضِيءُ. مَنْ قَالَ إِنَّهُ فِي ٱلنُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى ٱلآنَ فِي ٱلظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي ٱلنُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَفِي ٱلظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ ٱلظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ» (1يوحنا 2: 7 - 11).
«أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ وَيَعْرِفُ ٱللّٰهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ، لأَنَّ ٱللّٰهَ مَحَبَّةٌ. بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ قَدْ أَحَبَّنَا هٰكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً. اللّٰهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً فَٱللّٰهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا... وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا ٱلْمَحَبَّةَ ٱلَّتِي لِلّٰهِ فِينَا. اَللّٰهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي ٱللّٰهِ وَٱللّٰهُ فِيهِ. بِهٰذَا تَكَمَّلَتِ ٱلْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ ٱلدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ هٰكَذَا نَحْنُ أَيْضاً. لاَ خَوْفَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، بَلِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ ...إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنِّي أُحِبُّ ٱللّٰهَ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ ٱللّٰهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضاً» (1يوحنا 4: 7 - 21).
«طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ ٱلْحَقِّ بِٱلرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ... إِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلٰكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا» (1 بطرس 1: 22 و4: 7، 8).
«وَلِهٰذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ ٱجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي ٱلْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي ٱلْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي ٱلتَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي ٱلصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي ٱلتَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي ٱلْمَوَدَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هٰذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2 بطرس 1: 5 - 8).
«إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ ٱلنَّاسِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ ٱلأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ ٱلإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ ٱلْجِبَالَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً. ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ ٱلسُّوءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِٱلإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِٱلْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً»(1 كورنثوس 13: 1 - 8).
هذه هي المسيحية الصحيحة، إنها الدين المفعم بروح الفداء، الذي يغفر الإساءة إلى سبعين مرة سبع مرات كل يوم، إذا ما وُجدت. إنه الدين الذي تميَّز عن جميع أديان العالم بدم المسيح، الذي تكلّم أفضل من هابيل. لأن دم هابيل صرخ إلى الله طالباً النقمة، أما دم المسيح فصرخ إلى الله طالباً الصفح عن قاتليه، إذ قال عند صلبه:
«يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»(الإنجيل بحسب لوقا 23: 34).
ختاماً، أسأل الله أن يباركك ويمنحك سلامه، الذي يفوق كل عقل في المسيح يسوع.
ا.ا.ا.
المملكة العربية السعودية
يظهر من العبارات التي صغت بها خطابك أن لك غيرة للدين، وحسناً أن يكون الشاب غيوراً للدين. شرط أن لا تذهب به الغيرة إلى حماس يحمله على تجاوز بعض القواعد المألوفة في إقامة حوار بين مسلم ومسيحي. لأنك حين تندد بعقائد أهل الكتاب على هذه الصورة، تكون قد خرجت على وصية القرآن القائلة:
«وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (سورة العنكبوت 29: 46).
طبعاً، هو الحماس، الذي أوقفك في زاوية غير ملائمة للتمتع بالرؤى التي يحققها الإنجيل. لذلك لست بمستغرب أن ترى في النشرات الروحية، التي أرسلت إليك خزعبلات فارغة.
أنا لا أريد الدخول معك في جدل حول قولك أن الإسلام هو خاتم الرسالات الخ...
ولكنني أود أن ألفت نظرك بالمحبة إلى حقيقة مهمة، وهي حين تزعم أن الإسلام نسخ جميع الأديان بما فيها المسيحية، تكون قد تجنيّت على القرآن بتجاهلك نصوصه التي تؤيد دين التوراة والإنجيل.
ولعلك أخذت فكرة النسخ هذه من كتاب «هداية الطالبين إلى أصول الدين» للمولى محمد تقي الدين الكاشاني الفارسي، الذي قال أن محمداً نبي هذا الزمان، ودينه ناسخ لأديان الأنبياء السابقين.
ورداً على ذلك أقول أن القرآن لم يذكر أنه جاء ناسخاً للتوراة والإنجيل وكذلك الحديث النبوي لم يتكلم عن النسخ. وبذلك يكون هذا القول، ادعاء سخيفاً هزيلاً، ليس له أصل إلا في نفوس المغرضين، الذين دأبوا على نفث سموم التعصب. وهذا الادعاء إن كان لا يقلب تعليم القرآن رأساً على عقب فهو على الأقل يشوشه، ويجعله يتكلم بما ليس فيه.
من المعلوم لدى الجميع، أن النسخ خاص بنصوص القرآن وحدها. وقد ورد في موضعين:
1 - «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» (سورة البقرة 2: 106).
2 - «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة الحج 22: 52).
وهذان النصان، لا يدلان على أن القرآن جاء ناسخاً للكتاب المقدس. بل أن بعضاً من نصوص القرآن، تنسخ بعضاً آخر. وقد أورد العلامة البيضاوي بحثاً مستفيضاً في موضوع النسخ المشار إليه في سورة الحج، وكيف نسخت بعض الكلمات من سورة النجم: «تلك الغرانيق العلى أن شفاعتهن لترتجي» ويمكنك أن تراجع هذه الشروح إذا أحببت.
وأيضاً أشار إلى هذا الأمر، كل من يحيَ وجلال الدين. وذكره ابن هشام في السيرة النبوية، نقلاً عن إسحق. وذكره أيضاً الطبري في شروحه الموسعة.
روى ابن حاتم، عن ابن عباس، قال: ربما نزل على النبي الوحي في الليل ونسيه في النهار، فنزلت الآية «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» .
أما البيضاوي فيقول، إنها نزلت لما قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون أن محمداً يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، ويأمر بخلافه... وهكذا نزلت الآية على شكوك الكتابيين والمسلمين في تغيير آي الكتاب.
وجاء في شرح الجلالين، أن النبي قرأ في سورة النجم بمجلس من قريش بعد «أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُّزَى وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَى» (سورة النجم 53: 19 - 20) - بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه. فحزنه فسلي بهذه الآية «فينسخ الله» .
وقال السيوطي أن النسخ مما اختص به هذه الأمة أي الإسلام.
فاستناداً إلى هذه الروايات، التي دونها العلماء بالإسناد تفند الدعوى بأن القرآن ناسخ للإنجيل، أو أن الإسلام ناسخ لما سبقه من الأديان.
قال الحاج رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق): إن القول بنسخ التوراة بنزول الزبور، ونسخ الزبور بظهور الإنجيل ونسخ الإنجيل بنزول القرآن، لا أثر له في القرآن ولا في الحديث.
صدق هذا العالِم في ما قاله، لأن القرآن، عكساً لادعاء المدعين بالنسخ، ينقض هذه المزاعم من أساسها إذ يقول:
«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (سورة الشورى 42: 13).
أرأيت يا صديقي، أنه من التجني على دينك الإسلام، أن تزعم بأن الأديان السماوية، التي سبقت الإسلام قد نسخت؟ بل قل لي كيف تتجرأ كمسلم فُرض عليه الإيمان بما في قرآنه، على هذا الزعم، الذي ليس له سند من الحقيقة؟
وهل نسيت يا صديقي، أن القرآن يدعوك مع كل عربي إلى الهداية بسنن أهل الكتاب؟ نعم إنه يقول:
«يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتَوُبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة النساء 4: 26).
بل قل، هل يكون ديننا قد نسخ، طالما القرآن يدعو محمداً نفسه لكي يقتدي بهدينا إذ يقول:
«أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ» (سورة الأنعام 6: 89، 90).
بل قل، كيف يكون ديننا قد نسخ، طالما القرآن يدعو محمداً أن يلجأ إلى أسلافنا لإزالة شكوكه إذ يقول:
«وَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَٱسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَأُونَ ٱلْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ» (سورة يونس 10: 94).
بل قل، هل يكون ديننا قد نسخ، طالما القرآن يدعونا لإقامة أحكام الإنجيل إذ يقول:
«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (سورة المائدة 5: 47).
يا صديقي العزيز،
من ميزات كتابنا المقدس أن تعاليم أسفاره الكثيرة متفقة تماماً لها اتجاه واحد، وهو إعلان مقاصد الله لبني البشر. فليس فيه ناسخ ولا منسوخ.
إن كتاب الله، كتاب كل جيل وعصر، والدين الذي فيه هو دين الله منذ الأزل إلى الأبد، وقد جاء فيه القول الإلهي:
«اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (الإنجيل بحسب متى 24: 35).
والقرآن نفسه ألم يقل في سورة الأنعام 6: 34:
«وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ» وفي سورة يونس 10: 46: «لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ» وفي سورة الحجر 15: 9: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» ؟
جاء في سورة النحل:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُوا أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (النحل 16: 43).
هذا النص، يحملنا على طرح هذا السؤال: لو أن نفراً من المسلمين الأتقياء الذين يقيمون القرآن بأمانة، وهم ذاهبون إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن أمور إلهية لا يعلمونها، صادفوا جماعة من المدعين بالنسخ، وقالوا لهم، نحن ذاهبون إلى أهل الذكر نسألهم عما لا نعلم؟ فهل يتجاسر أولئك الأدعياء أن يقولوا لهم: لا تذهبوا لأن ذكرهم قد نسخ.
وإذا تجاسروا، ماذا يكون موقف أولئك الأتقياء؟ هل يصدّقونهم، أم يصدّقون القرآن الذي قال فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون؟
فيقيناً لو صدقوا الادعاء بالنسخ، لكان هذا تسليماً منهم بأن الله قد فشل في وعده القائل:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (سورة الحجر 15: 9).
يا صديقي الطيب،
أنا لا أعتب عليك، حين تحكم على المسيحية، كدين العبادة والرهبانية، لأن هذا يدل على محدودية معرفتك بالمسيحية. لأن الرهبانية، ليست من صميم الإنجيل وإنما هي نشأت باجتهادات بشرية يضيق بي مجال هذه الرسالة للتعليق عليها.
والآن ما قولك لو اتخذت اجتهادات بعض الفرق الإسلامية، التي ليست من صميم القرآن وسيلة للتنديد بالإسلام، فهل أكون عادلاً؟ أترك لك الجواب.
أما عن قولك أن القرآن هو كلام الله بينما الإنجيل كلام أشخاص مثل بولس ويوحنا. فهذا قول يظهرك مرة أخرى كمقصّر في معلوماتك المسيحية.
ألا فاعلم يا صديقي أن الإنجيل في جوهره ليس كلاماً كتبه بولس ولا يوحنا. كما أن إنجيلنا ليس بحرف، أنزله الملاك جبريل، ثم كتبه الناس، بل هو شخص إلهي تجسد عند ملء الزمان ليعلن أن الله محبة، وأنه بالمحبة المتجسدة صنع الفداء ليخلص العالم بالنعمة.
أما عن اعتزازك في إقبال بعض المسيحيين إلى الإسلام واعتباره دليلاً على تفضيل دين على آخر، فأسألك ما هو تعليقك إذاً على اعتناق ألوف المسلمين العقيدة الشيوعية الإلحادية؟
بل ما هو رأيك في عشرات الألوف من مسلمي إندونيسيا الذين اعتنقوا الدين المسيحي؟
بانتظار الحصول على بادرة أخرى لطيفة من قبلك. أتمنى لك كل خير والسلام مع الله. وخصوصاً أصلي من أجلك لكي تزداد محبتك، فلعل المحبة تعطينا أكثر من النعمة والرضى في عينيك. ولعل المحبة تحملك على تقصي الحقائق بأكثر تفهم، فتمتحن كل شيء وتتمسك بالحسن.
أيها القارئ العزيز،
إن تعمقت في هذا الكتيب تستطيع الاجابة على الأسئلة التالية. مع العلم أن الأجوبة على هذه الأسئلة تعمقك من جهة أخرى في حق الله ومحبته.
الرجاء نسخ هذه الأسئلة إلى الصفحة الخاصة بالاتصال بنا في الموقع، ثم ضع اجاباتك هناك تحت كل سؤال.
الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:
www.the-good-way.com/ar/contact
او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:
The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland