بيركليت" اسم نبي الإسلام في إنجيل عيسى عليه السلام
يقول الدكتور أحمد حجازي السقّا في كتابه : ("بيركليت" اسم نبي
الإسلام في إنجيل عيسى عليه السلام حسب شهادة يوحنا) وقد جاء في مقدمة الكتاب صفحة
3، بقلم الكاتب عن الغرض من الكتاب قائلاً: "أن نُلزِم النصارى بالإسلام من
واقع النصوص التي يقدسونها، وإن لم يسلموا فقد أدينا واجبنا وأرحنا ضميرنا، فإنه
(ما على الرسول إلا البلاغ) لأننا نحن أبناء الإسلام ملزمون شرعاً بتبليغ الدعوة
إلى جميع الناس في كل مكان".
ثم يضيف الكاتب في صفحة 4، قائلاً: "ولم أذكر فيه اسم نبي الإسلام صلى
الله عليه وسلم في متى ولوقا وبرنابا. وإنما ذكرت فيه اسمه في يوحنا فقط. لأحقق
الخلاف في كلمة "بيركليت" العبرانية. فإن ترجمتها إلى العربية هي
"أحمد" ولكن النصارى غيروا نطقها إلى "باراكليت" ليكون صفة،
لا اسم وأبسط دليل في الرد عليهم هو أن "بيركليت" تُرجمت في اللغة اليونانية
"بيركلينوس" وأن "باركليت" ترجمت أيضاً فيها
"باركليتوس" وحرف السين في اللغة اليونانية لا يضاف إلاّ إلى
الأسماء.""وأن النصارى أنفسهم وعلماء اللغة يقولون: أن بيركليت هي اسم
أحمد. ثم يقول النصارى، ولكن عيسى بن مريم لم ينطق بيركليت وإنما نطق باركليت.
وفاتهم أن حروف المد، وتشكيل الحروف لم تظهر في اللغة العبرانية إلا في القرن
الخامس بعد الميلاد. وفاتهم أيضاً أن الأوصاف التي ذكرها عيسى عليه السلام
للبركليت في إنجيل يوحنا، لا تشير إلى الإله الثالث كما يقولون."
هذا
بعض مما ذكره الدكتور أحمد حجازي أحمد السقا في كتابه أعلاه. لذلك رأيت أنه من
اللازم أن أكتب موضحاً الأخطاء التي وقع فيها الدكتور في هذا الكتاب، والتي يستند
عليها الكثير من الأخوة المسلمين في هجومهم ضد عقيدة الثالوث التي ينادي بها
المسيحيون .
لعل أفضل بداية يمكن البدء بها هي الرجوع إلى النص الذي ورد فيه ذكر الروح
القدس على فم المسيح عليه السلام، حيث كما يقول الدكتور أحمد السقا، بأنه وجده في
إنجيل يوحنا. ولكن قبل البدء بذلك أود توضيح بعض الأمور التي تخص اللغة اليونانية.
الأمر الأول: في اللغة اليونانية ترد الأسماء في ثلاثة أجناس. فهناك جنس
المذكر، وهناك جنس المؤنث وهناك جنس المحايد والتي يقابلها في اللغة العربية
المذكر والمؤنث والجماد. إلا أن مفهوم الجنس المحايد في اللغة اليونانية أوسع من
مفهوم الجماد في اللغة العربية. فبينما الجماد في اللغة العربية لا يُستخدم إلاّ
للإشارة إلى غير العاقل. نجد أن الجنس المحايد ممكن أن يُشير إلى العاقل، كما هو
الحال للمذكر والمؤنث. وسوف تأتي فائدة هذه المعلومة لاحقاً.
الأمر الثاني: أعتقد بأن هناك سوء فهم للأستاذ أحمد السقا في موضوع اللغة،
فهو يخلط بين اللغة العبرانية واللغة اليونانية، ولست أدري هل هو على علم بأيٍ
منها أم لا.
المهم، إن كلمة "باراكليتوس" هي كلمة يونانية صرفة وليست كلمة
عبرية كما قالها الدكتور أحمد السقا. لا يهم خطأ بسيط وغير مقصود!
الأمر
الثالث: لم ترد كلمة "بيركليت" في اللغة العبرانية، ولم يتم ترجمتها إلى
"أحمد" وللقارئ كل الحق للرجوع إلى العهد القديم باللغة العبرية للتأكد
من هذا الأمر. أما ما يصفه الدكتور أحمد بأنه قد تم ترجمته إلى "أحمد"
في اللغة العبرية. فالصحيح أن الكلمة الوحيد التي يمكن ترجمتها إلى
"أحمد" هي كلمة "يهوذا" والتي تعني "أحمد" كما ورد
في قصة أبناء يعقوب عليه السلام في سفر التكوين الفصل 29 والآية 35: وحبلت أيضاً
وولدت ابناً وقالت: هذه المرة "أحمد الربَّ" لذلك دعت اسمه
"يهوذا" ثم توقفت عن الولادة !! .
الأمر الرابع: يقول الدكتور أحمد السقا: بأن حرف السين في اللغة اليونانية
لا يضاف إلا إلى الأسماء. ولا أعرف من أين أتى بهذه المعلومة، فبحسب علمي فإن هناك
الكثير من الأفعال تنتهي بحرف السين وبشكل خاص في الشخص المخاطب. مثل كلمة
"أنا أحرر، أو أحل louw" حيث هي في الشخص المتكلم، عندما تأتي في الشخص المخاطب
بمعنى "أنت تحل، أو أنت تحرر فهي ترد
loueis" وبالطبع هذه الحروف بالإنجليزية ولكن اللفظ باليوناني.
الآن
يجب أن لا نطيل الموضوع وعلينا بالدخول إلى صلب
الموضوع . نأتي إلى النصوص التي وردت فيها كلمة "باراكليتوس"
النص الأول: ورد ذكر الروح القدس لأول مرة في إنجيل يوحنا في الفصل السابع:
37 – 39،37 وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا إن عطش أحد
فليقبل إليّ ويشرب.
38 من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ.
39 قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه. لان الروح
القدس لم يكن قد أعطي بعد. لان يسوع لم يكن قد مجّد بعد.
في هذا النص تأتي كلمة الروح في الجنس المحايد، وواضح بأن الكاتب كان يقصد
عطية الروح القدس.
النص الثاني: ثاني إشارة إلى الروح القدس وردت في إنجيل يوحنا 14: 15 – 17،
2615 إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي.
16 وأنا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد.
17 روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما
انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم.
26 واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء
ويذكركم بكل ما قلته لكم .
هنا في هذا النص هناك بعض الملاحظات التي ينبغي الإشارة إليها.
أولاً: كلمة "معزياً" هي ترجمة لكلمة "باراكليتوس parakleitos" والتي
يمكن ترجمتها إلى "الشفيع" أو "محامي الدفاع" أو
"المساند" أو "المشجع." ولكن لم ترد أبداً بمعنى
"أحمد" حيث لم ترد في العهد الجديد سوى في خمسة مقاطع وهي (يوحنا 14:
16، 26؛ يوحنا 15: 26؛ يوحنا 16: 7؛ ورسالة يوحنا الأولى 2: 1)، وفي هذه المقاطع
الخمس لم تُتَرجم ولا مرة بمعنى "أحمد."
ثانياً: كلمة "آخر" هي ترجمة لكلمة "آلوس allos" والتي تعني آخر من نفس
النوع. وترد كلمة المعزي والآخر بجنس المذكر. هذا يعني أن المعزي الذي سيرسله الآب
سيكون من نفس نوع المسيح.
ثالثاً:
أن المعزي الآخر الذي سيرسله الآب بطلب من المسيح سيمكث مع التلاميذ إلى الأبد!
فهل أن محمد كان مع التلاميذ بعد
صعود
المسيح إلى الآب ؟ .
رابعاً:
يرد بصريح العبارة بأن المعزي الآخر هذا، هو روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن
يقبله لأنه لا يعرفه؛ وأما التلاميذ فيعرفونه لأنه ماكث معهم وفيهم! فهل أن محمد
عندما نادى بنبوته في مكة أمام قريش، هل كان متخفياً ولم يعرفه أحدٌ من بيته، ولم
يراه
العالم آنذاك ؟ .
خامساً: نحن نعلم بأن محمد جاء باسمه ولم يأتِ باسم المسيح، وهنا نرى بأن
المعزي الذي هو الروح القدس سيرسله الآب باسم المسيح. وما هي مهمته؟ سوف يقوم
بتعليم التلاميذ كل شيء، وسوف يذكرهم بكل ما قاله المسيح لهم بعدما يصعد إلى
السماء.
النص
الثالث: إنجيل يوحنا 15: 26 - 2726 ومتى جاء المعزي الذي سأرسله انا اليكم من الآب
روح الحق الذي من عند الآب
ينبثق فهو يشهد لي . 27 وتشهدون انتم ايضا لانكم معي من الابتداء.نلاحظ في
هذا النص ما يلي: أن المعزي الذي هو روح الحق، سيُرسله المسيح من الآب، فهنا يشترك
الآب مع الإبن في إرسالية الروح القدس المعزي الذي هو روح الحق. وما هي وظيفته؟
الشهادة عن المسيح، كما ستكون أيضاً وظيفة التلاميذ بعد صعود المسيح. فإن كان
المعزي الذي هو الروح القدس، هو محمد بحسب زعم الدكتور أحمد السقا، عندها سيكون
محمد رسول المسيح وكان عليه أن يشهد للمسيح! وأعتقد بأنه لا يوجد أي مسلم يقبل هذا
الكلام.
النص الرابع: يوحنا 16: 7 - 157 لكني اقول لكم الحق انه خير لكم ان
انطلق.لانه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن ان ذهبت ارسله اليكم.8 ومتى جاء ذاك
يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة.9 اما على خطية فلانهم لا يؤمنون بي.
10 واما على بر فلاني ذاهب الى ابي ولا ترونني ايضا.
11 واما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين
12 ان لي أمورا كثيرة ايضا لاقول لكم ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن.13
واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل
ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور آتية.14 ذاك يمجدني لانه يأخذ مما لي ويخبركم.
15 كل ما للآب هو لي.لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم. لنلاحظ هذه الأمور
في هذا النص:أولاً: هناك تأكيد من المسيح بأنه خيرٌ للتلاميذ أن ينطلق هو ذاهباً
إلى الآب (بعد القيامة من الموت). لأنه إن لم ينطلق لا يأتيهم المعزي. فهنا شرط،
وهذا الشرط هو إن المسيح إن لم ينطلق فإن المعزي لا يأتي. وأظن بأن الطفل الصغير
يستطيع أن يفهم هذه العبارة، وما هي؟ بأن المسيح كان بإمكانه أن يظل حياً إلى هذه
اللحظة التي نحن نتنفس فيها. ولكن لماذا خيرٌ لنا أن ينطلق ليأتي المعزي؟ السبب
لأن المعزي هو الروح القدس، ولأنه روحٌ فهو يتواجد في كل مكان وزمان في آنٍ واحدٍ.
ثانياً: هناك تأكيد مرة أخرى بأن الروح القدس الذي هو المعزي سيرسله
المسيح! ثالثاً: عمل الروح القدس تجاه العالم هو "التبكيت" أي
"التوبيخ"، فالروح القدس سوف يوبخ العالم على خطيتهم وعلى بر الله من
ناحية المسيح وعلى دينونة الشيطان الذي يسميه المسيح "رئيس هذا العالم."
فمن ناحية الخطية، لأنهم لم يؤمنوا به (قادة اليهود ورؤساء الكهنة ورؤساء الكتبة
وكل من لا يؤمن بالمسيح)
أما من ناحية البر، فهو لإظهار بر الله من نحو عمل المسيح. بأن إرسالية
المسيح وعمله الموكل به قد أتمه على أكمل وجه.
أما من ناحية الدينونة، فهو يُظهر إدانة إبليس الذي كان يحاول إعاقة مخطط
الله من نحو الجنس البشري من جهة الخلاص.
رابعاً: عمل الروح القدس المعزي تجاه التلاميذ، هو توضيح الأمور العسرة
الفهم للتلاميذ التي لم يستطيعوا أن يحتملوا سماعها من المسيح لأنهم لم يكونوا قد
نضجوا في إيمانهم. وأيضاً إرشادهم إلى جميع الحق، وثم إخبارهم بأمورٍ آتية.
خامساً: عمل الروح القدس تجاه المسيح، أن الروح القدس يمجد المسيح، لأنه
يأخذ من المسيح ويوصله بأمانة إلى التلاميذ. فكل ما للآب هو للمسيح، وهكذا الروح
القدس المعزي يأخذ من المسيح ويُخبر التلاميذ. لذلك كل ما يدونه التلاميذ يُعتبر وحياً
من الله.
الإستنتاج: كما رأينا في هذه الدراسة السريعة للمعزي
الروح القدس، بأنه لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يكون المقصود به محمد نبي
المسلمين. للأسباب التي ذُكرت أعلاه.إذاً من هو الروح القدس وما هي حقيقته؟إنه شخص
الله! فقد ذكر المسيح بأن الله روح والذين يسجدون لله فبالروح والحق ينبغي أن
يسجدوا. إنجيل يوحنا 4: 24.وبحسب ما ورد في سفر أعمال الرسل 5: 3-5 في حادثة
حنانيا وسفيرة اللذان باعا حقلاً واختلسا من ثمن الحقل: "فقال بطرس يا حنانيا
لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل. أليس وهو باقٍ
كان يبقى لك؟ ولما بيع ألم يكن في سلطانك؟ فما بالك وضعت هذا الأمر. أنت لم تكذب
على الناس بل على الله." يتضح بجلاء هذا الأمرولكن إن كان هو الله فكيف يكون
مُرسَلٌ من الله الآب ومن يسوع المسيح بحسب الآيات السابقة؟هذا هو سر الله الذي
أعلنه من خلال يسوع المسيح، بأن
الله واحد ولكن وحدانيته تختلف عن مقاييس البشر!
حيث كما جاء في خاتمة إنجيل متى 28: 18 –2018 فتقدم
يسوع وكلمهم قائلاً. دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض.
19 فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.20 وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به.وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.آمينفمن الواضح أن يسوع قال لتلاميذه أن يعمدوا من يتلمذوا باسم الآب والأبن والروح القدس. ولم يقل بأسماء!
في الرد على محمد الحسيني الريس وعلى المدعو الناصح
الأمين في سلسلة المقالات بعنوان: "بشارة أحمد في الإنجيل"
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عبد الله بن بريدة
قال: لقد قبض النبي وما يعلم الروح.
نعم أيها المسلمون، فلقد مات نبيكم وهو لم يعرف بعد
ما هو الروح، وإني لأتعجب من تطاول بعضكم على الروح القدس ووصفه بأنه محمد، بالرغم
من أن نبيكم نفسه مات وهو جاهل به، ولم يرو القرآن ظمأه ولا ظمأ المسلمين
المتعطشين لمعرفة الحق، بل تركهم حيارى، يتخبطون من رأي إلى آخر، وفي نهاية المطاف
يتطاولون على الكتاب المقدس والوحي الإلهي الطاهر، ليحاولوا تفسيره للمسيحيين، مع
أن القرآن نفسه يأمرهم بسؤال أهل الكتاب عند شكهم في دينهم، ولم يأمرهم أو يطلب
منهم قط، أن يتولوا تفسير التوراة والإنجيل بأي حال من الأحوال.
وفقهاء الإسلام يؤكدون عجز محمد على الرد على السؤال عن ماهية الروح،
فيقول: روى البخاري ومسلم والترمذي
عن عبدالله قال: بينا أنا مع النبي في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال
بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال: ما رابكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء
تكرهونه. فقالوا: سلوه. فسألوه عن الروح فأمسك النبي فلم يرد عليهم شيئا؛ فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما
نزل الوحي قال: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم
إلا قليلا" لفظ البخاري.
وفي مسلم: فأسكت النبي. وفيه: وما أوتوا. وقد اختلف
الناس في الروح المسؤول عنه، أي الروح هو؟ فقيل: هو جبريل؛ قاله قتادة. قال: وكان
ابن عباس يكتمه. وقيل هو عيسى. وقيل القرآن، على ما يأتي بيانه في آخر الشورى.
وتنتقل عدوى الجهل بالروح إلى المسلمين المتفقهين في
الدين، فنقرأ التالي: قال القاضي: وقد اختلف الناس في الروح ما هي اختلافاً لا
يكاد يحصر، فقال كثير من أرباب المعاني وعلم الباطن المتكلمين لا تعرف حقيقته ولا
يصح وصفه وهو مما جهل العباد علمه واستدلوا بقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي}
وغلت الفلاسفة فقالت بعدم الروح...، وقال بعض مشايخنا وغيرهم إنه النفس الداخل
والخارج، وقال آخرون هو الدم، هذا ما نقله القاضي، والأصح عند أصحابنا أن الروح
أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات، قال القاضي: واختلفوا في النفس
والروح فقيل هما بمعنى وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل إن النفس هي النفس الداخل
والخارج، وقيل هي الدم، وقيل هي الحياة والله أعلم.
وأعود لأكتب لكل مسلم يخاف الله، أن يحكم في نفسه، هل يليق به أن يدّعي
البعض أن محمد هو روح الحق، وهل الأمور التالية تليق بروح الحق، وإن كان محمد نفسه
لم يكن لديه الوعي الذاتي عن أنه هو روح الحق، فلماذا يحاول البعض لصق الصفات
الغريبة عليه به؟ وأود أن أطرح هذه الأمور للحوار: هذه أكذوبة خطيرة، وهي أن كل نبي تنبأ عن نبي يأتي بعده، وهذا
غير صحيح، وتلفيق وكذب، والحقيقة هي، أن كل التنبؤات اختصت فقط برب المجد يسوع
المسيح، المسيح المنتظر الذي عليه رجاء الأمم.
أن شخصية السيد المسيح، هي الشخصية الجوهرية في كل
الكتاب
لمقدس.
ولقد عرف اليهود منذ زمان بعيد، أن هناك آيات خاصة بالمسيح المنتظر ولذلك
أطلقوا عليها اسم الآيات المسيانية، أي الخاصة بالمسيح المنتظر.
ومن أشهرها:" قال الرب لربي... هوذا العذراء تحبل وتلد.." وهذا
ما يطول شرحه .
من كلمات السيد المسيح عن الروح القدس قال أنه سيمكث
مع المسيحيين المؤمنين إلى الأبد، ولكننا نعرف أن محمد مات ودُفن وقبره في
السعودية يشهد على فناءه، فكيف يدّعي البعض أنه سيمكث إلى الأبد؟ كذلك من
ضمن أعمال الروح القدس، أنه يُذّكرنا بكل ما قال
السيد المسيح، ولا نجد في القرآن ولا في الأحاديث أي تركيز يُذكر على أقوال وأعمال
السيد المسيح، بل نجد آيات غامضة مقتضبة لا تروي عطش إنسان يريد أن يعرف عن المسيح
المزيد.
لم يكن لدى محمد أي وعي ذاتي عن كونه "روح
الله" الموعود، بل ملابسات ظهور الوحي في غار حراء، تعطينا لمحة عن الاضطراب
والتشويش الذي أصاب الرجل من جراء ما سمع ورأى، حتى أنه ذهب مرتعشا يسأل امرأته،
التي لا نعلم لها دين ولا ملة على وجه التحديد، والتي أشارت عليه مرة أن يجلس في
حجرها وبين فخذيها ثم رفعت عنها غطاء الرأس، فإذا بالوحي يختفي، وبذلك اطمأن محمد
أن الذي يأتيه هو جبريل، وهي طريقة غريبة لا ندري من أين أتت بها خديجة؟ فهل هذا
هو الروح الموعود به من يسوع المسيح، الذي يشهد الكتاب المقدس أنه على الرغم من
أنه ابن داود، إلا أنه أعظم من داود. نحن نتحدث بأبسط قواعد المنطق!
تصرفات محمد بعد ظهور الوحي لم تدل على اقتناعه
المطلق بكونه "النبي الموعود"، ولا أعود أقول "روح الحق"
الموعود، لأن الرجل ذهب إلى شواهق الجبال، عازما على الانتحار، وذلك ليس مرة
واحدة، ولكن عدة مرات متتالية، فهل هذا يليق بنبي موعود من أعظم شخصية في الوجود،
ألا وهي شخصية يسوع المجيد؟ هل يمكن ولو على سبيل الجدال أن نتخيل أن يسوع صاحب
الشخصية المتزنة القوية، أن يتنبأ عن شخص يريد أن ينتحر، يائسا من رحمة الله؟
يقول البعض أن الآية التي تتحدث عن الموعود بأن كل ما
يسمعه يقوله، إنما تدل على محمد، الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة، وإنما كل ما
سمعه من وحي قاله، وأما أنا فأقول أن المسكين قال فعلا كل ما سمعه، حتى أنه ردد
أيضا ما قاله له الشيطان، عن مواضيع الغرانيق العلى وغيرها من أمور الكفر، ولما
فاق إلى نفسه، عاد فأراد تصحيحها، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن سجلها التاريخ له.
فهل يمكن ولو على سبيل الجدال أن نقول أن يسوع المسيح الذي ترتعب الشياطين من مجرد
ذكر اسمه، يمكن أن يتنبأ عن محمد الذي خدعه الشيطان بهذه السهولة؟
وطالما نحن نتحدث عن الشياطين، فيجب أيضا ذكر حادثة
سحر محمد عن طريق أحد اليهود، والتي من خلالها بقى محمد مسحورا لمدة معينة يُقال
أنها سنة كاملة، يأتي بأفعال ولا يعود يتذكرها، ويتهيأ له فعل أمور لم يأتها، من
ضمنها نكاح زوجاته. نعود ونكرر نفس السؤال لعلكم تتعقلون: هل يمكن أن يسوع المسيح
الذي ترتعب منه الشياطين، أن يتنبأ عن نبي بعده، وقع فريسة سهلة لسحر أحد اليهود،
حتى أنه بقى عاما أو أكثر، لا يدري ماذا يفعل؟ هل يمكن أن يسوع، الذي يقول عنه
القرآن أن الشيطان لم يستطع أن ينخسه كما ينخس كل بني آدم، أن يتنبأ عن محمد الذي
لم ينخسه الشيطان عند ولادته كباقي البشر فحسب، ولكنه تمكن منه أيضا بالسحر وأبقاه
تحته سلطانه عاما أو أكثر؟
لقد أخبرنا السيد المسيح أننا سوف نكون في السماء كملائكة الله، لا نزوج
ولا نتزوج، وفجأة يأتي محمد، ليصف لنا نعيم أبدي به نكاح متواصل، وحوريات وغلمان
ونساء يعدن أبكارا بعد كل نكاح، وأنهار خمر وعسل ولبن، وفواكه وأكل وشرب، ولنا أن
نتساءل، هل يمكن ليسوع المسيح، الذي يشهد له القرآن أنه روح الله وكلمته، أن يكذب
أو يخدع أحدا؟ هل يمكن أن يقول اليوم شيئا ثم يتنبأ عن نبي آخر يأتي بعده ليكذبه
ويقول أمورا غير روحية عن ملكوت الله السماوي النقي. هل يمكن أن تدور عجلة الزمان
والروحيات بالعكس.
هل يمكن أن نقبل بتخيلات وأفكار غريبة، لا يقبلها
الإنسان السوي العاقل، من جنة نكاح وشهوات وأكل وشرب؟ لم أقصد بالإنسان السوي
العاقل أن الإنسان له أن يتدخل في الأمور الروحية السماوية ليحدد ما هو المقبول
وما هو غير المقبول، ولكن أقول أنه لا يمكن أن يقول المسيح شيئا ثم يتنبأ عن نبي
يأتي بعده ليناقض كلامه، فهذا غير معقول وغير مقبول.
لم يذكر أحد أن المسيح أخطأ، وحتى في أحد الأحاديث
النبوية عن الشفاعة، يذكر الحديث خطأ لكل نبي، ولكن للمسيح لم يُذكر أي خطأ. فهو
حسب القرآن غلاما ذكيا، أي طاهرا صالحا. في حين يذكر القرآن أن محمد قد قسم الوزر
(الإثم والخطية) ظهره، وطلب منه القرآن، أن يستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات،
ووعده بغفران ما تقدم وما تأخر، وفي ذلك إشارة واضحة، أنه حتى بعد هذه الآية
القرآنية هذه، سوف يقع محمد في الخطية، حتى أنه محتاج لغفران ما تأخر، أي ما سوف
يأتي مؤخرا. فهل يُعقل أن الذي بلا
خطية يسوع المسيح النقي، كلمة الله وروحه، أن يتنبأ عن نبي قسم الوزر ظهره، ومحتاج
لمن يغفر له خطاياه وذنوبه؟ لقد علمنا من السابق، أن نبوة داود كانت عن شخص أعظم
من داود، فلو قبلنا أن يتنبأ يسوع عن شخص بعده، فلابد وأن يكون أعظم منه، وهذا لا
ماذا تعني نجده في أي صفة من صفات محمد بالمقارنة برب المجد يسوع.
يعوزنا الوقت لو أردنا الحديث عن صفات محمد الأخرى،
والتي لا تعطي انطباعا عن كونه حتى نبي، ناهيك عن تعبير "روح الحق"، فقضية
أن إلهه حبب له النساء والخيل، وقضية تكذيبه للأنبياء السابقين، وادعاءه بأنهم
حرفوا كتبهم، وهذه صفات لم نجدها في أي نبي صادق، بل كلهم كانوا في انسجام وتوازن
وتناسق عجيب، ولم يشذ عن القاعدة، إلا محمد.
دعونا نخضع لرب المجد الإله الحي الصادق، والذي سبق
فعرّفنا بروحه القدوس مشيئته الطاهرة في كلمته الصادقة في الكتاب المقدس، لنعرف
الحق وليحررنا الحق من كل جهل وكذب وافتراء، فنحيا واثقين من محبته لنا وخلاصه
الأبدي، الذي لا يتحقق إلا بقبول كلمة الله الحي، يسوع ابن الله القدوس، والذي وعد
بالروح القدس الإله الطاهر روح الرب القدوس، الذي يعمل فينا لمجد يسوع الطاهر.
دعونا نقبل رب المجد يسوع، الصادق الأمين، الأول والآخر، فنرث الحياة الأبدية
ونقبل روح الحق القدوس.
لك المجد يا يسوع لأن من يتبعك لا يسير في الظلمة بل
يكون له الحياة الأبدية. آمين.
أدعو كل من يقرأ هذه السطور، أن يفتح قلبه لله تعالى،
طالبا منه الإرشاد واليقين القلبي الإيماني الصادق، ونحن نعلم أن الله يريد أن
جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون، وها هي الفرصة أمام كل أحد، أن يأتي
إلى الله ويرجع ويتوب إليه، ويسأله الغفران، ويقبل الحق المسيحي الصادق.
يقول المسلمين، أن العبارة التي قالها السيد المسيح عن الروح القدس، روح
الحق، هي إشارة لنبي الإسلام محمد، وهذا سخف لا معنى له، وذلك للأسباب التالية:
1) هذه
أكذوبة خطيرة، وهي أن كل نبي تنبأ عن نبي يأتي بعده، وهذا غير صحيح، وتلفيق وكذب،
والحقيقة هي، أن كل التنبؤات اختصت فقط برب المجد يسوع المسيح، المسيح المنتظر
الذي عليه رجاء الأمم. وكما رأينا في كل محاوراتنا، أن شخصية السيد المسيح، هي
الشخصية الجوهرية في كل الكتاب المقدس. ولقد عرف اليهود منذ زمان بعيد، أن هناك
آيات خاصة بالمسيح المنتظر ولذلك أطلقوا عليها اسم الآيات المسيانية، أي الخاصة
بالمسيح المنتظر. ومن أشهرها:" قال الرب لربي... هوذا العذراء تحبل وتلد.
وهذا ما يطول شرحه .
2) من كلمات السيد المسيح عن
الروح القدس قال أنه سيمكث مع المسيحيين المؤمنين إلى الأبد، ولكننا نعرف أن محمد
مات ودُفن وقبره في السعودية يشهد على فناءه، فكيف يدّعي البعض أنه سيمكث إلى
الأبد؟ كذلك من ضمن أعمال الروح القدس، أنه يُذّكرنا بكل ما قال السيد المسيح، ولا
نجد في القرآن ولا في الأحاديث أي تركيز يُذكر على أقوال وأعمال السيد المسيح، بل
نجد آيات غامضة مقتضبة لا تروي عطش إنسان يريد أن يعرف عن المسيح المزيد.
3) لم
يكن لدى محمد أي وعي ذاتي عن كونه "روح الله" الموعود، بل ملابسات ظهور
الوحي في غار حراء، تعطينا لمحة عن الاضطراب والتشويش الذي أصاب الرجل من جراء ما
سمع ورأى، حتى أنه ذهب مرتعشا يسأل امرأته، التي لا نعلم لها دين ولا ملة على وجه
التحديد، والتي أشارت عليه مرة أن يجلس في حجرها وبين فخذيها ثم رفعت عنها غطاء
الرأس، فإذا بالوحي يختفي، وبذلك اطمأن محمد أن الذي يأتيه هو جبريل، وهي طريقة
غريبة لا ندري من أين أتت بها خديجة؟ فهل هذا هو النبي الموعود به من يسوع المسيح،
الذي يشهد الكتاب المقدس أنه على الرغم من أنه ابن داود، إلا أنه أعظم من داود.
نحن نتحدث بأبسط قواعد المنطق!
4) تصرفات
محمد بعد ظهور الوحي لم تدل على اقتناعه المطلق بكونه "النبي الموعود"،
ولا أعود أقول "روح الحق" الموعود، لأن الرجل ذهب إلى شواهق الجبال، عازما
على الانتحار، وذلك ليس مرة واحدة، ولكن عدة مرات متتالية، فهل هذا يليق بنبي
موعود من أعظم شخصية في الوجود، ألا وهي شخصية يسوع المجيد؟ هل يمكن ولو على سبيل
الجدال أن نتخيل أن يسوع صاحب الشخصية المتزنة القوية، أن يتنبأ عن شخص يريد أن
ينتحر، يائسا من رحمة الله؟
5) يقول
البعض أن الآية التي تتحدث عن الموعود بأن كل ما يسمعه يقوله، إنما تدل على محمد،
الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة، وإنما كل ما سمعه من وحي قاله، وأما أنا فأقول
أن المسكين قال فعلا كل ما سمعه، حتى أنه ردد أيضا ما قاله له الشيطان، عن مواضيع الغرانيق
العلى وغيرها من أمور الكفر، ولما فاق إلى نفسه، عاد فأراد تصحيحها، ولكن بعد فوات
الأوان وبعد أن سجلها التاريخ له. فهل يمكن ولو على سبيل الجدال أن نقول أن يسوع
المسيح الذي ترتعب الشياطين من مجرد ذكر اسمه، يمكن أن يتنبأ عن محمد الذي خدعه
الشيطان بهذه السهولة؟
6) وطالما
نحن نتحدث عن الشياطين، فيجب أيضا ذكر حادثة سحر محمد عن طريق أحد اليهود، والتي
من خلالها بقى محمد مسحورا لمدة معينة يُقال أنها سنة كاملة، يأتي بأفعال ولا يعود
يتذكرها، ويتهيأ له فعل أمور لم يأتها، من ضمنها نكاح زوجاته. نعود ونكرر نفس السؤال
لعلكم تتعقلون: هل يمكن أن يسوع المسيح الذي ترتعب منه الشياطين، أن يتنبأ عن نبي
بعده، وقع فريسة سهلة لسحر أحد اليهود، حتى أنه بقى عاما أو أكثر، لا يدري ماذا
يفعل؟ هل يمكن أن يسوع، الذي يقول عنه القرآن أن الشيطان لم يستطع أن ينخسه كما
ينخس كل بني آدم، أن يتنبأ عن محمد الذي لم ينخسه الشيطان عند ولادته كباقي البشر
فحسب، ولكنه تمكن منه أيضا بالسحر وأبقاه تحته سلطانه عاما أو أكثر؟
7) لقد
أخبرنا السيد المسيح أننا سوف نكون في السماء كملائكة الله، لا نزوج ولا نتزوج،
وفجأة يأتي محمد، ليصف لنا نعيم أبدي به نكاح متواصل، وحوريات وغلمان ونساء يعدن
أبكارا بعد كل نكاح، وأنهار خمر وعسل ولبن، وفواكه وأكل وشرب، ولنا أن نتساءل، هل
يمكن ليسوع المسيح، الذي يشهد له القرآن أنه روح الله وكلمته، أن يكذب أو يخدع
أحدا؟ هل يمكن أن يقول اليوم شيئا ثم يتنبأ عن نبي آخر يأتي بعده ليكذبه ويقول
أمورا غير روحية عن ملكوت الله السماوي النقي. هل يمكن أن تدور عجلة الزمان
والروحيات بالعكس. هل يمكن أن نقبل بتخيلات وأفكار غريبة، لا يقبلها الإنسان السوي
العاقل، من جنة نكاح وشهوات وأكل وشرب؟ لم أقصد بالإنسان السوي العاقل أن الإنسان
له أن يتدخل في الأمور الروحية السماوية ليحدد ما هو المقبول وما هو غير المقبول،
ولكن أقول أنه لا يمكن أن يقول المسيح شيئا ثم يتنبأ عن نبي يأتي بعده ليناقض
كلامه، فهذا غير معقول وغير مقبول.
8) لم
يذكر أحد أن المسيح أخطأ، وحتى في أحد الأحاديث النبوية عن الشفاعة، يذكر الحديث
خطأ لكل نبي، ولكن للمسيح لم يُذكر أي خطأ. فهو حسب القرآن غلاما ذكيا، أي طاهرا
صالحا. في حين يذكر القرآن أن محمد قد قسم الوزر (الإثم والخطية) ظهره، وطلب منه
القرآن، أن يستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، ووعده بغفران ما تقدم وما تأخر، وفي
ذلك إشارة واضحة، أنه حتى بعد هذه الآية القرآنية هذه، سوف يقع محمد في الخطأ، حتى
أنه محتاج لغفران ما تأخر، أي ما سوف يأتي مؤخرا. فهل يُعقل أن الذي بلا خطية يسوع
المسيح النقي، كلمة الله وروحه، أن يتنبأ عن نبي قسم الوزر ظهره، ومحتاج لمن يغفر
له خطاياه وذنوبه؟ لقد علمنا من السابق، أن نبوة داود كانت عن شخص أعظم من داود،
فلو قبلنا أن يتنبأ يسوع عن شخص بعده، فلابد وأن يكون أعظم منه، وهذا لا نجده في
أي صفة من صفات محمد بالمقارنة برب المجد يسوع.
9) يعوزنا
الوقت لو أردنا الحديث عن صفات محمد الأخرى، والتي لا تعطي انطباعا عن كونه حتى
نبي، ناهيك عن تعبير "روح الحق"، فقضية أن إلهه حبب له النساء والخيل،
وقضية تكذيبه للأنبياء السابقين، وادعاءه بأنهم حرفوا كتبهم، وهذه صفات لم نجدها
في أي نبي صادق، بل كلهم كانوا في انسجام وتوازن وتناسق عجيب، ولم يشذ عن القاعدة،
إلا محمد.
أنا لم أذكر المصادر الإسلامية، حتى لا يطول المقال، ولكن على استعداد تام
لذكرها، لكل من يهمه الأمر. وأعتقد أنها أمور سبق وتحدثنا فيها.
أدعو كل من يقرأ هذه السطور، أن يفتح قلبه لله تعالى، طالبا منه الإرشاد واليقين القلبي الإيماني الصادق، ونحن نعلم أن الله يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون، وها هي الفرصة أمام كل أحد، أن يأتي إلى الله ويرجع ويتوب إليه، ويسأله الغفران، ويقبل الحق المسيحي الصادق.
توطئة : قصة احمد
في القران والسيرة :
1) في سورة الصف هذه الآية اليتيمة: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا
بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ .
قال ابن هشام في سيرته النبوية ج 1/249 : صفة رسول الله من
الإنجيل : " وقد كان فيما بلغني عمّا كان
وَضَعَ عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله
(صلَّى الله عليه وسلم) مما أثبت يُحَنّس الحواريّ لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن
عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إليهم أنه قال:
من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا أنّي صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي، ما
كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بَطِرُوا وظنّوا أنهم يَعُزُّونني، وأيضاً للربّ،
ولكن لا بد من أن تتمّ الكلمة التي في الناموس: أنهم أبغضوني مجاناً، أي باطلاً.
فلو قد جاء المنْحَمنّا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، وروح القُدُس هذا
الذي من عند الربّ خرج، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضاً؛ لأنّكم قديماً كنتم معي في
هذا، قلت لكم: لكيما لا تشكوا.
والـمُنْحَمنّا بالسريانية: محمد: وهو بالرومية
:الْبَرَقْلِيطِس، صلى الله عليه وآله وسلم" .
فأهل السيرة يرشدونا في اسم (احمد) الوارد في القران
، الى لفظه السرياني والرومي، (مما أثبت يُحَنّس الحواريّ لهم، حين نسخ لهم
الإنجيل).
1 – (احمد) في القران
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)
. الفتح 29 .
لذلك فوروده بلفظ (احمد) مرة يتيمة مشبوه ، ولا يعرفه الواقع
التاريخي.
2) ان تغير اسم (محمد) المتواتر إلى (احمد) في لفظة يتيمة في
القران كله ، تغيير مقصود، لكي ينطبق على قراءة شاذة ، لا اصلها في المخطوطات الإنجيلية
كلها ، في كلمة (الفارقليط) ، بحسب الإنجيل . فالتحريف ظاهر في القران ، كما سنرى .
3) في القران كله ، في النصوص كلها التي يرد فيها ذكر المسيح،
ظاهرتان :
الأولى : يقفي القران على كل الرسل بالمسيح ، ولا يقفي على
المسيح بأحد ( البقرة 87 ؛ المائدة 44 ؛ الحديد 27).
الثانية : المسيح نفسه في ما ذكر القران عنه، لا يبشر بأحد من
بعده على الإطلاق ، إلا في بعض تلك الآية اليتيمة .
وهذا يجعل تعارضا ما بين الموقف المتواتر ، والموقف الشاذ
اليتيم فيه .
والعقيدة في كتاب منزل تؤخذ من المحكم فيه ، لا من المتشابه
.
4) وفي محكم نظم القران ، اذا اسقط بعض الآية المشبوه ، لا
يختل النظم ولا البيان ولا التبيان ولا السياق اللفظي او المعنوي:
( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ .
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .
ويؤكد ذلك المعنى نفسه المتواتر في ( ال عمران 49 ؛ المائدة
44؛ الزخرف 63 : ففيها جميعا لا يبشر المسيح برسول من بعده.
فهذا الواقع المتواتر يشير إلى إقحام مكشوف في آية الصف 6.
5) سورة الصف كلها حملة على اليهود الذين كفروا بموسى (5)
وبعيسى ( 7 ويكفرون بمحمد(8-9) . ويختتم السورة بإعلان تأييد
الدعوة القرآنية للنصرانية على اليهودية ، حتى )اصبحوا ظاهرين (14) . فلا إشارة في
السورة ، ولا دليل ، يقضي بهذه الإضافة :
(وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي
مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
فتأمل موقف اليهود من المسيح وهو يبشرهم برسول يأتيهم من
العرب الوثنيين ! فلو فعل لكفروه
مرتين ، ولقتلوه مرتين ! .
6) ليست قراءة اسمه احمد ثابتة. فهي غير موجودة في قراءة أبي.
وهذا دليل اثري على تطور الإقحام قبل التدوين الأخير . راجع : blachère
: le coran > T II p 909
فيحق لنا إسقاط قراءة (اسمه احمد) .
حينئذ يأتي التبشير (برسول يأتي من بعدي ) متطابقا في القران والإنجيل على الروح
القدس .
7) الإنجيل يعتبر المسيح خاتمة النبوة
والكتاب . والقران يصدق الإنجيل في ذلك ، إذ انه لا يقفي ، في تسلسل الرسل على
المسيح بأحد . والرسول الذي يبشر به الإنجيل ، هو الروح القدس ؛ وهو ليس ببشر ؛ ولا يظهر لبشر حتى يكون
(رسولا بشرا) ، اسمه (احمد) .
فكل تلك القرائن والدلائل تشير إلى إقحام
(اسم احمد) على آية الصف؛ وقد أسقطت الإقحام قراءة أبي .
في الإنجيل بحسب يوحنا ، الذي تقودنا إليه السيرة النبوية لابن
هشام ، لا كلمة (الفارقليط) تعني (احمد) ؛ ولا اوصاف (الفارقليط) فيه يمكن ان تعني ( محمدا) أو بشرا على
الإطلاق.
وفي توحيد السيرة ، نقلا عن الإنجيل ، بين الفارقليط والروح
القدس ما كان يغنيهم عن ورطتهم . فالإنجيل يقول (الروح القدس) على العلمية، وسنرى
معناه في الإنجيل . والقران يجعل (روح القدس) ، جبريل ،( النحل 103 ؛ البقرة 92) . فكيف يكون الفارقليط ، روح القدس جبريل النبي (احمد) ؟ وكيف
خفي هذا عن أهل السيرة وأهل التفسير ؟ . وكيف يمكن لعاقل اليوم ان يدعي بان (احمد)
هو الفارقليط ، روح القدس ؟ أكان ذلك بحسب قراءة القران ، أم بحسب قراءة الإنجيل ؟
. والواقع الإنجيلي فيه مسألة أثرية ، ومسألة موضوعية .
1) المسالة الأثرية . ان المخطوطات الكبرى التي ينقلون عنها
الإنجيل، والموجودة في المتاحف الشهيرة ، هي من القرن الرابع ميلادي ، قبل القران بمئتي سنة ونيف .
وكل المخطوطات قرأت الفارقليط ، البارقليطس (paracletos
)
أي المعين
– وبعضهم ترجم : المعزي ، المحامي ، المدافع
– ولم يقرأ مخطوط على الإطلاق (Periklutos
) أي محمود الصفات ، احمد الأفعال ، كثير الحمد .
لكن في نقل الكلمة اليونانية بحرفها إلى العربية (برقليطس)
ضاعت القراءة اليونانية الصحيحة ؛ وجاز تحريف المعنى إلى (احمد) . فقولوا الإنجيل
ما لم يقل .
وقد حاول تقويم التحريف الذين قرأوا ( فارقليط) القريب في
مخرجه من مطلع الحرف اليوناني .
فليس في الحرف اليوناني الصحيح ، الثابت في جميع المخطوطات، من
اثر لقراءة تعني (احمد) .
2) المسِألة الموضوعية .
كذلك ليس في أوصاف الفارقليط في الإنجيل ، ما يصح ان ينطبق على
مخلوق : فكيف يطبقونه على بشر رسول ؟.
في حديث أول ، قال يسوع : ( وأنا أسأل الآب فيعطيكم فارقليط آخر ، ليقيم معكم إلى
الأبد ، روح الحق ، الذي لا يستطيع
العالم ان يراه ، ولا يعرفه . أما
انتم فتعرفونه ، لأنه يقيم معكم ) يوحنا 14: 16-17. تلك الأوصاف تدل على إلهية الفارقليط :
الفارقليط يقيم مع تلاميذ المسيح إلى الأبد
– وليس هذا في قدرة مخلوق .
الفارقليك هو (روح الحق) ، أي روح الله . وهو أيضا روح المسيح
لأن المسيح وصف نفسه : (الحق) يوحنا 4: 6
– فهو روح الله وروح الحق . ومن الكفر نسبة هذه المصدرية إلى مخلوق
.
الفارقليط
يتمتع بطريقة وجود الله في
كونه وعالمه : الوجود الخفي ، لذلك
( لا يستطيع العالم ان يراه)
– ومن الكفر نسبة تلك الصفات إلى البشر .
الفارقليط يتمتع بسعة الله ، وروحانيته ، في إقامته بنفوس
المؤمنين. (يكون معكم ويكون فيكم )
– ومن الكفر اسند هذه الصفة لمخلوق .
فكيف يكوت الروح القدس ، الفارقليط ، النبي (احمد) ؟ او أي بشر
رسول ؟ او أي مخلوق؟.
ومن ناحية أخرى ، فان الفارقليط ، الروح القدس ، يبعث إلى
الحواريين الذين يخاطبهم المسيح ، مسليا لهم في رفعه عنهم إلى السماء . فكيف يكون
الفارقليط (احمد) آلاتي بعد ستمائة سنة للعرب؟.! .
فكل القرائن اللفظية والمعنوية تدل على ان الفارقليط لا يمكن
ان يكون بشرا ولا مخلوقا .
وصفاته الإلهية وخلوده وعمله في المسيحيين (إلى الأبد) ، براهين ساطعة على ألهيته .
في حديث ثان ، يقول المسيح : ( قلت لكم هذه الأشياء وأنا مقيم
معكم. والفارقليط ، الروح القدس،
الذي سيرسله
الآب باسمي ، فهو الذي يعلّمكم كل شيء ، ويذكركم بجميع ما قلت لكم) يوحن 14 :
25-26.
هنا يسمي الفارقليط باسمه المتواتر : (الروح القدس) . لاحظ
التعبير المطلق ، على العلمية : فهو (الروح) على الإطلاق
– وهذه صفة إلهية؛ وصفه (القدس) تنزيه له عن المخلوق ، لان (القدس)
في لغة التوراة والإنجيل والقران كناية عن اله ، بصفة التجريد والتنزيه . ولاحظ
الفرق العظيم مع التعبير القرآني ، (روح القدس) مرادفا لجبريل ، فهنا إضافة
للتشريف ، لا للمصدرية . انها تسمية ، ما بين الإنجيل والقران ،على طريقة المشاكل،
لا على طريقة المقابلة . وبما ان (روح القدس) هو جبريل في القران ، فقد كفر بمحمد
نفسه من جعل محمدا الملاك جبريل ، روح القدس ، الفارقليط .
هذا في ذات الفارقليط . وفي صفاته قول :
ان الفارقليط يرسله الله باسم المسيح
– فهل أرسل (احمد) باسم المسيح ؟.
ان الفارقليط يعلم الحواريين كل شيء
– فهل تخطى (احمد) الزمن وظهر للحواريين (يذكرهم جميع ما قاله
المسيح لهم) ؟ .
والفارقليط يعلم رسل المسيح (كل شيء) : هذا هو العلم الرباني
وسعته الإلهية – فهل ينطبق
هذا على بشر ؟ ام على مخلوق ؟ .
فذات الفارقليط وصفاته تمنع من ان يكون (احمد) ، الرسول البشر.
ان مصدرية الفالقليط الإلهي ، وعمله الإلهي ، أسمى من المخلوق؛
ورسالته تتمة لرسالة المسيح ، وهي مخصوصة برسل المسيح والمسيحية .
في حديث ثالث قال : (
ومتى جاء الفارقليط الذي أرسله إليكم من لدن الآب ، روح الحق الذي ينبثق من الآب ،
فهو يشهد لي ،
انتم أيضا تشهدون بما أنكم معي منذ
الابتداء) يوحنا 15: 26.
هذه الآية تعلن مباشرة إلهية الفارقليط : انه (ينبثق
من الآب) أي من ذات الآب. والتعبير (ينبثق) ينفي الصدور بالخلق .
فهو(روح الحق) يصدر من ذات الآب، في ذات الآب ،لذات
لآب.
وبما ان (الحق) هو أيضا (المسيح نفسه) فصفته (روح
الحق) تدل على صدوره أيضا من المسيح، بصفة كونه (الحق) مع الله، أي كلمة
الله. ودليل صلته المصدرية بالمسيح
، لمة الله ، كون المسيح هو الذي يرسله من لدن الآب : (أرسله إليكم من لدن الآب) .
فالفارقليط ، (روح الحق ، الذي ينبثق من الآب) هو روح
الله الآب ، والمسيح الكلمة في آن واحد فمن الكفر نسبته إلى مخلوق.
ورسالته هي الشهادة ، مع الحواريين ، للمسيح :فهل كان
(احمد) يشهد مع الحواريين في زمانهم للمسيح ؟ .
في حديث رابع يقول : (إني أقول لكم الحق : ان في انطلاقي لخيرا
لكم ، فان لا انطلق لا يأتكم الفارقليط ؛ واما متى انطلقت ، فإني أرسله إليكم .
ومتى جاء فهو يفحم العالم على الخطيئة ، وعلى البر وعلى الدينونة . فعلى الخطيئة
لأنهم لم يؤمنوا بي . وعلى البر ، لأني منطلق إلى الآب ولا تروني من بعد . وعلى
الدينونة ، لأن زعيم هذا العالم قد ين ) ب يوحنا 16: 7-11 .
يسلي المسيح حوارييه ببعثة الفارقليط إليهم ، ويربط بين رفعه
إلى السماء ، وبين بعثة الروح الفارقليط . فهل من رابط شخصي او زماني او مكاني او
حياتي او رسولي بين رفع المسيح وبعثة محمد؟
وهل يصح ان ينطبق ذلك على (احمد) بعد مئات السنين ؟.
ورسالة الفارقليط ، ( الذي لا يستطيع العالم ان يراه ) ، هي
رسالة روحية فلا يصح بحال ان تنسب إلى (احمد) . ورسالة الفارقليط هي تتمة متلاصقة
لرسالة المسيح ؛ وليست هكذا بعثة (احمد) .
ورسالة الفارقليط هي الشهادة للمسيح وحده : فهو يفحم العالم
على خطيئته لنه لم يؤمن بالمسيح ؛ ويفحم العالم بصحة الايمان بالمسيح، وان رفع إلى
السماء ؛ ويفحم العالم بنصر المسيح على إبليس ، زعيم هذا العالم ، الذي رفع المسيح
سلطان إبليس عنه . وهذه رسالة لا يمكن ان يقوم بها (احمد) ولا أي رسول بشر .
في حديث خامس يقول أخيرا : ( وعندي أيضا أشياء كثيرة
أقولها لكم غير انكم لا تطيقون حملها الآن . ولكن متى جاء هو ، روح الحق فإنه يرشدكم الى الحقيقة
كلها. فإنه لا يتكلم من عند نفسه ، بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما يأتي . إنه سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم .
جميع ما هو للآب هو لي . من اجل هذا قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم ). يوحنا 16: 12-15.
عالم الفارقليط الهي : فهو يرشد رسل المسيح ( إلى الحقيقة
كلها) ويخبرهم بما يأتي ( - فهل يستطيع هذا (احمد) مع حواريي المسيح ؟ وهو لا يعلم
الغيب ؟.
عالم الفارقليط الهي أيضا في مصدره : ومصدره هو العلم الإلهي
الواحد بين الله الآب والمسيح كلمته ، (فجميع ما للآب هو لي؛ من اجل هذا قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم ) – فهل يستمد (احمد) علمه كما
يستمد ذاته ، من الله الآب نفسه،ومن كلمته ذاته؟.
وعمل الفارقليط الإلهي يتم مع صحابة المسيح أنفسهم :
فهل كان (احمد) فوق الزمان والمكان مع صحابة المسيح ؟ .
وفصل الخطاب: ان ذات الفارقليط ، الروح القدس ، إلهية وصفاته إلهية ؛ وأفعاله إلهية . تلك هي شهادة النصوص الخمسة في الفارقليط . اليس من الكفر القول بان الفارقليط في الإنجيل هو (احمد) ؟. ولا تصح هنا أيضا فرية تحريف الإنجيل ، لان تلك النصوص الخمسة ، مكتوبة على الرق ، محفوظة إلى اليوم ، من قبل القران بمئتي سنة ونيف . فهي شهادة تاريخية – ان لم نقل منزلة – على الهية الفارقليط ، الروح القدس . فمن الكفر تطبيقها على (احمد) الرسول البشر. فإن ذكر (احمد) لا اصل له لفظا ولا معنى في الإنجيل
جاء
في السيرة النبوية لأبن هشام ما يلي :
صفة رسول الله
صلي الله عليه وسلم من الإنجيل ( تبشير يحنس الحواري برسول الله صلي الله عليه
وسلم ) :
قال أبن إسحاق
: وقد كان ، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل
لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلعم ، مما أثبت يحنس الحواري لهم ، حين نسخ لهم
الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلعم إليهم أنه قال : من
أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما
كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ، ولكن لا
بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس : أنهم أبغضوني مجانا ، أي باطلا . فلو قد
جاء المنحمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب ، (و) روح القدس ، هذا الذي
من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم
: لكيما لا تشكوا .
والمنحمنا
(بالسريانية) : محمد : وهو بالرومية : البرقليطس ، صلي الله عليه وآله وسلم (السيرة النبوية ) .
لهذا السبب
وبسبب ما ورد في سورة الصف يدعي بعض المسلمين في جدالهم مع المسيحيين أن الفارقليط
" أي الروح القدس " الوارد ذكره في إنجيل يوحنا هو "محمد"
ويشيرون ألي بعض الآيات الكتابية التي أبرزها :
"إن كنتم
تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا (فارقليطا) آخر ليمكث
معكم إلي الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه
وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ( يوحنا 14 : 15 - 17 )
" بهذا
كلمتكم وأنا عندكم ، وأما المعزي (الفارقليط) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي
فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم " ( يوحنا 14 : 25 - 26 )
"ومتي
جاء المعزي (الفارقليط) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب ، روح الحق الذي من عند
الآب فهو يشهد لي ، وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الإبتداء " . ( يوحنا 15
: 26 - 27 )
"ولكني
أقول الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي (الفارقليط) .
ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ". ( يوحنا 16 : 7 ). وقد تناول علماء المسلمين من
قدامي ومحدثين وعلي رأسهم أبن تيمية في كتاب "الجواب الصحيح لمن دين المسيح
" ، وأبن قيم الجوزية في كتابه (هداية الحيارى في الرد علي اليهود والنصارى )
. هذه الآيات بالدراسة زاعمين أن المعزي ( الفار قليط ) هو محمد ، وأن الماكث معهم
إلي الأبد هي الرسالة الإسلامية التي لا تتسخ ولا سيما أنها حسب رأيهم ، آخر الرسالات
وأكملها .
فكان لا بد ،
والحالة هذه ، وخدمة للحقيقة الإلهية ، وتصحيحا لمسار خاطئ غلب علي عقول المسلمين
الذين تواترت إليهم هذه التأويلات أن نعرض لهذا الموضع كما نصت عليه أسفار الكتاب
المقدس ولا سيما الأناجيل ، لعلني نسعف أصحاب العقول المتطلعة إلي المعرفة
اليقينية علي اكتشاف الحقيقة الهامة ، التي لا بد في ظني أن نعرض لها لنسترعي
انتباه القراء المسلمين الذين لم يطلعوا علي وجهات النظر المسيحية ، وإنما اقتفوا
من غير تبصر خطي علمائهم المسلمين الذين أخفقوا في إدراك المعاني الحقيقية لهذه
الآيات البينات ، في محاولة فاشلة منهم للبرهنة عن أن الكتاب المقدس قد تنبأ حقا
عن مجيء "محمد" . وكان الغرض الأساسي من هذا التأكيد هو إضفاء صفة
الشرعية علي مؤسس الإسلام كأحد الأنبياء أولي الزم ، وعلي صحة نبوته ورسالته في
عيون أهل الكتاب . وسنحاول في هذه الدراسة الموجزة أن نثبت بطلان هذه الدعوة ، ليس
علي أساس عاطفي أو تهجمي ، إنما بإيراد الحقائق الصادقة .
هناك ثلاثة دواع رئيسية فرضت علي علماء
المسلمين المجاهرة بمثل هذه المزاعم والتأكيد علي أن الكتاب المقدس قد تنبأ بمجيء
محمد :
أولا
: لأن سورة الصف (61 : 6 ) تدعي أن
محمد قد ذكر اسمه في الإنجيل ، وزعموا أن عيسى أبن مريم قد قال :{ إذ قال عيسى ابن
مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا بما يدي من التوراة ومبشرا برسول
من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينت قالوا هذا سحر مبين }.
ثانيا
: إن المسلمين يؤمنون بأن كلا من
الكتاب المقدس والقرآن يقران بمجيء المسيح فالعهد القديم ملئ بالنبوات الواضحة عن
مجئ المسيح والتي تحققت بحذافيرها في العهد الجديد ، كما نصت عليه الأناجيل ورسائل
الرسل ، فكان هذا التحقيق أبلغ شاهد علي صحة الكتاب المقدس . والقرآن نفسه يشهد
بأبلغ بيان لمجيء المسيح ورسالته ، وإن كان ينفي صفته اللاهوتية . غير أن اليهود أو المسيحيين ينكرون وجود
نبوءة واحدة أو حتى عبارة ما في التوراة أو الإنجيل تنبئ بمجيء محمد أو تشير من
بعيد أو قريب إلي رسالته. لهذا أنكب العلماء المسلمون بكل اجتهاد علي البحث بين أسفار الكتاب المقدس لعلهم يعثرون
علي أية نبوة تصادق علي دعواهم وتضفي صفة الشرعية علي نبوءة محمد في عيون أهل الكتاب .
ثالثا
: إذا صح وجود مثل هذه النبوات ،
يضحي من الواجب علي اليهود والنصارى أن يذعنوا لرسالة محمد ويعترفوا به نبيا بل
عليهم أن يعتنقوا الإسلام دينا من حيث هو ، كما يدعون ، آخر الإعلانات الإلهية
وأكملها وأفضلها لصالح الجنس البشري .
عندما نتأمل
في الآيات المذكورة أعلاه لا بد لنا أن نتوقف عند بعض المصطلحات والعبارات التي من
شأنها أن تلقي أضواء علي بعض هذه القضايا لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة البحث
، ولأن وجودها أساسي في تفنيد ادعاءات العلماء المسلمين ومزاعمهم .
أولا:
إن اصطلاحي "الآب" و
"والأبوة" المعزوين ألي الله عرضه لاستنكار المسلمين "فالآب"
هو الأقنوم الأول من الثالوث الإلهي ، وهو أمر مرفوض في اللاهوت الإسلامي ، ومن
التجديف أن ندعو الله "بالآب" . أما المسيح الكلمة لوجوس فهو الأقنوم
الثانى من هذا الثالوث كما هو في الوقت نفسه أبن الإنسان ،و " الأبن "
هذا هو الذي طلب من الآب أن يرسل (الفارقليط) أي الروح القدس الذي يشكل الأقنوم
الثالث من الثالوث الأقدس .
ثانيا
: تعني لفظة (الفارقليط) : المعزي ،
المعين ، المدافع ، المشير ، وليس "محمدا" كما يزعم العلماء المسلمون .
أن العبارة الواردة في يوحنا 14 :15 " وسيعطيكم (فارقليطا) معزيا آخر "
تتضمن حقيقة ذات مغزى لأننا إذا افترضنا جدلا أن معناها "محمد" فأن ذلك
يولد مشكلة خطيرة للمسلمين ، أو كما يقول جلكرست : إن كان المسيح كما يزعم المسلمون
قد أنبأ بمجيء محمد بذكر ذات اسمه ، فإن الآية ( حسب التفسير القرآني ) القرآنية
يجب أن تقرأ : " وأنا أطلب من الآب أن يعطيكم (محمدا) آخر ".
إن مثل هذا
التأويل يتعارض مع العقيدة الإسلامية لأنه يدعو إلي وجود " محمدين " سبق
أحدهما الآخر ، وهو أمر يستنكره المسلمون أشد الاستنكار .
ثالثا
: وعلي النقيض التفسير الإسلامي الشائع ،
فإن هذه الآيات تتفق كليا مع المفهوم المسيحي لعقيدة الروح القدس . فالمسيح إبان
حياته الأرضية كان المعزي الأول الذي شجع قلوب حوارييه وملأها بسلامه . ولكن بعد
صعوده إلي السماء أرسل إليهم (الفارقليط) الروح القدس ليعزيهم ويمكث معهم إلي
الأبد. فإذا كان (الفارقليط) هو "محمد" حقا لتوجب عليه أن يمكث في
الحواريين إلي الأبد ، وهو أمر لم يحدث قط . وإذا فرضنا أن هذه العبارة تشيرالى
الرسالة الاسلامية فان ذلك يعنى أن الكنيسة المسيحية ظلت من غير (فارقليط) منذ
أيام المسيح حتى ظهور الإسلام والدعوة الإسلامية . أضف إلي ذلك أن الكنيسة
المسيحية لم تعترف في يوم من الأيام بصدق نبوة محمد أو صحة دعوته .
ومن الجدير
بالذكر هنا أنه لو كان محمد هو (الفارقليط) لاقتضى علي الكنيسة أن تؤمن به حتى لو
رفضه العالم كله ، لأن الآية تقول:
"…روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه ؛
وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ". ( يوحنا 14 : 17 ) والواقع
أ ن هذا الأمر لم يحدث في تاريخ الكنيسة .
رابعا
: خاطب السيد المسيح في الآيات المذكورة
أعلاه حوارييه ، فقد كان يعالج مشكلات آتية كان حوارييه يتعرضون لها في حقبة هي من
أشد حقب تأسيس الكنيسة صعوبة وضيقا . واجه الحواريون بعد صعود السيد المسيح إلي
السماء ظروفا مستجدة إذ وجدوا أنفسهم طائفة فقيرة ، ضعيفة منبوذة في مجتمع عدائي ،
فكانوا أحوج ما يكونون إلي معز (فارقليط) يشدد عزائمهم في إثناء أيام الاضطهاد
الحالكة . لهذا ، فقد وقف بطرس الرسول في " يوم الخمسين " بعد أن امتلأ
من الروح القدس ( الفارقليط ) وهتف في وسط الجماهير المحتشدة :
" وأذ
أرتفع ( السيد المسيح ) بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس (الفارقليط) من الآب سكب
هذا الذي أنتم تبصرونه وتسمعونه " .
فهل كان محمد
هو الروح القدس الذي سكبه السيد المسيح علي حوارييه في يوم الخمسين ؟
خامسا
: نقرأ في ( يوحنا 15 : 26 - 27 ) عن (
الفارقليط ) ، كما ورد علي لسان السيد المسيح :
"…فهو
يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء "
وهذه العبارة
لها مغزاها الهام لأننا نري هنا أن ( الفارقليط ) يشهد للسيد المسيح ولكل ما صدر
عنه من قول وفعل ومن جملتها عقيدة ألوهيته ، وموته ، وقيامته ، وذلك لأن (
الفارقليط ) ، أي الروح القدس كان مع الكلمة لوجوس منذ الأزل من حيث هو الأقنوم
الثاني من الثالوث الأقدس . كذلك يشهد الحواريون أيضا للسيد المسيح لأنهم كانوا
معه من بداية خدمته الأرضية . وهكذا فإن السماء والأرض تشهدان للسيد المسيح . ومن
هنا نري أن (الفارقليط ) هو حقا الروح القدس ولا يمكن أن يكون محمدا لأن محمدا لم
يكن مع الآب والكلمة اللوجوس منذ الأزل .
يقول
ر. ف تاسكر : علي الرغم من عداوة العالم فإن
شهادة الحق كما تجسدت في المسيح ستستمر معلنة كما كانت بعد صعوده ، عن طريق المعزي
(الفارقليط) الذي أرسله الآب بطلب من المسيح المقام ، وعن طريق الرسل أيضا الذين
كانوا مع يسوع منذ بدء خدمته .
إن شهادة المعزي
(الفارقليط) وشهادة الرسل هما في
الواقع شهادة واحدة . وشهادة شهود العيان علي خدمة يسوع التي أعلنت بوحي من الروح
القدس لها أهمية عظمى ودائمة ، لأن الرسل هم الصلة الوحيدة بين المؤمنين اللاحقين
والمسيح التاريخى من واجب المعزي الأساسي أن لا يدع الإضطهادات والمقاومات تعيق
هذه الشهادة.
سادسا
: نجد في الآيات الأربع المقتبسة في مستهل
هذه الدراسة أن مصطلحات "المعزي" و "الروح القدس "،و "
روح الحق " قد استخدمت بصورة تبادلية في سياق أحاديث السيد المسيح وتعاليمه ،
ومن الواضح أنه كان يتكلم عن كائن واحد مستخدما مصطلحات مختلفة وكلها تشير إلي نفس
الشخص ( الفارقليط ) .
ومن البين أن
( الفارقليط ) لم يكن كائنا بشريا بل روحا مع أن السيد المسيح قد استخدم صيغة
المذكر في كل مرة أشار فيها إلي " الروح القدس " (الفارقليط) . ولم يكن
هذا بالأمر الغريب ، فإن الأسفار المقدسة والقرآن نفسه قد أشارت جميعها إلي الله
بصيغة المذكر في كل مرة ورد اسمه في سياق النص ، علما أن الله كما هو واضح من
الكتب المقدسة هو روح وليس كيانا ماديا .
ولكن كل ما
أشرنا أليه سابقا ليس سوي لمحة عابرة عن الحقيقة كم تجلت بكل وضوح في كتاب الله
الصادق الأمين . ولكي تكتمل الصورة في أذهاننا ونستوعب طبيعة (الفارقليط ) أي
الروح القدس، لا بد لنا عن البحث في أصل هذه الكلمة كما وردت في النص الإنجيلي ،
لاستكشاف ما هي وظائف الروح القدس كما أثبتها السيد المسيح نفسه.
تعود
هذه اللفظة paracletos
في أصلها إلي
اليونانية كما كانت شائعة في عصر السيد المسيح وحواريه . وقد وردت في جميع مخطوطات
إنجيل يوحنا السابقة لظهور الإسلام بقرون علي هذه الصيغة ، ومعناها : المعزي ،
المشير ، المدافع ، وطبعا الروح القدس ، وروح الحق ، وليس كما يدعي المسلمون أنها
وردت علي صيغة periklutos
ومعناها :
الشهير ، المعروف ، المحمود، المجيد، النبيل، الممتاز. (راجع
The
Classic Greek
,
Dictionary
by George R. Berry
.
( Published by Follet Publishing Co
- Chicgo II 1956
أى
أن هذه اللفظة هى صفة ولم تستخدم قط كإسم علم. بمعنى آخر أنها لايمكن أن تكون إسما لعلم كما عربها المسلمون
وزعموا أنها تشير ألى صاحب الدعوة الإسلامية. فهى ليست " أحمد" وليست " محمد " أو
"محمود" كإسم علم بل صيغة صفة كقولنا رجل شهير أو معروف أو محمود
الخصال. ثم لو صح أنها إسم لعلم فإن
" أحمد " ليس "
محمدا " لأنك إن ناديت " أحمد" لن يجيبك " محمد " بل من
اسمه " أحمد " مع أنهما مشتقان من نفس الجذر. فعملية التعريب التى قام بها المسلمون حين استخدموا لفظة Periklutos بدلا من اللفظة الحقيقية
Paracletos
هى إقحام وانتحال
على اللغة ، الهدف منها تأصيل نبوة محمد بالإستناد إلى نبوات كتابية كما
يدعون. إن القول أن " أحمد
" هو " محمد " عملية إنتحالية. لأن تحويل " أحمد" إلى " محمد" لا مبرر
لغوى له. كما أنه لا أصل له فى لفظة
Paracletos
التى استخدمها السيد المسيح فى
مختلف إشاراته إلى الروح القدس.
ونحن فى الواقع نربأ بأصحاب العقول المفكرة من أصدقائنا المسلمين أن يعصف
بهم التعصب فيغشى رؤياهم ويحول بينهم وبين الوقوف عند الحق الإلهى.
ونود
هنا أن أؤكد لكل المسلمين قاطبة أن لفظة Periklutos هذه لم ترد فى أية مخطوطة من مخطوطات العهد الجديد فى أى
عصر من العصور السابقة لظهور الإسلام أو التالية له. هذه حقيقة على جميع علماء المسلمين أن يدركوها ويفوها حقها من
البحث والدرس ، بل إننا نحث المتشككين منهم أن يعنوا بدراسة المخطوطات
القديمة. للإطلاع على صحة هذه
الوثائق بأنفسهم شأن الباحثين المدققين من العلماء المخلصين. إن ( الفارقليط ) كما أشار إليه إنجيل
يوحنا، هو الروح القدس أى الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس ، ولم يحدث قط أن زعم
محمد أنه هو الروح القدس ، لأن الروح القدس طبقا للنص القرآنى و الحديث هو الملاك
جبرائيل حامل الوحى. ومن حيث أن
مصطلحات معز ، ومعين ، ومشير ، و الروح القدس ، قد استخدمت بصورة تبادلية فى النصوص
الإنجيلية كما أشرنا سابقا ، أصبح لزاما علينا أن نقتبس أهم الآيات التى تبرز لنا
بوضوح وظائف ( الفارقليط ) لنرى أن كانت هذه الوظائف تنطبق على شخص محمد.
ا- فى ميلاد المسيح
قال الملاك
لمريم العذراء : " الروح القدس
( الفارقليط ) يحل عليك وقوة العلى تظللك فكذلك المولود منك يدعى إبن الله "
. ( لوقا 1: 34).
لنقرأ
هذه الآية كما يريدنا المسلمون أن نقرأها : " المحمد يحل عليك وقوة العلى إلخ… " .
أكان
" محمد" هو الذى حل على مريم فحبلت بالسيد المسيح ، وكان المولود منها
إبن الله ؟ وهل مثل هذا الكلام مما
يقبله العقل ويتفق مع ما نعرفه من الحقائق التاريخية الموثوق بها، فمحمد لم يكن فى
عالم الوجود فى زمن مولد السيد المسيح أو حين حل الروح القدس على مريم ، حتى لو
طبقنا لفظة Periklutos
وليس
Paracletos
على الآية
عينها.
ب- معمودية
يسوع
عندما شاهد
يوحنا المعمدان ( يحيى ) يسوع المسيح مقبلا إليه من بعيد هتف فى وسط الجماهير التى
ازدحمت حوله على شاطئ الأردن.
" أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست
أهلا أن أحل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ( الفارقليط ) ونار" . ( متى 3 : 11 ؛ مرقس 1: 8 ؛ لوقا 3: 16 ) ؛ راجع أيضا ( يوحنا 1 : 29
- 34 ) .
فلو
استبدلنا لفظة ( الفارقليط ) الواردة فى الآية بلفظة " المحمد" أو
" المحمود" أو " باحمد " أى Periklutos
، فإن نص الآية يكون " هو سيعمدكم " بالمحمد " أو
" المحمود" أو " أحمد " ونار إلخ .
فهل لمثل هذه
العبارة مهما حاولنا أن نتلاعب فى
تأويلها أى معنى منطقى ؟ أو لا
يتناقض هذا الكلام مع العقيدة الإسلامية ذاتها والتعاليم القرآنية؟
ونقرأ أيضا فى
إنجيل ( لوقا 2: 22) فى سياق معمودية السيد المسيح:
" ونزل
عليه الروح القدس ( الفارقليط ) بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا :
أنت ابنى الحبيب بك سررت " .
لنسبتدل مرة
أخرى لفظة الروح القدس ( الفارقليط) باسم " المحمد " أو " المحمود
" أو " أحمد " ونقرأ: " ونزل عليه " المحمد " أو
" المحمود" أو " أحمد " بهيئة جسمية مثل حمامة " .
إن أى طالب
لاهوت أو دارس للدين غير متحيز يجد أن مثل هذا الفسير مخالف للمنطق ، ولا سيما أن
معمودية السيد المسيح حدثت قبل ظهور محمد بأكثر من خمسة قرون ، لهذا يتعذر على ذوى العقول النيرة أن
يتقبلوا مثل هذا التعليل.
ج-إمتلأ يسوع
بالروح القدس
ورد فى إنجيل
لوقا 4 : 1 :
" أما
يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس ( الفارقليط .
لنحاول أن
نقرأ هذه الآية على ضوء المعطيات الإسلامية :
" أما
يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من " المحمد" أو " المحمود " أو
" أحمد" أحكم بنفسك إن كان مثل هذا التأويل يصح فى تفسير هذه الآية .
و يمكن أن
يقال الشئ نفسه عن الشهيد استفانوس فى لحظات حياته الأخيرة: " أما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ
من الروح القدس ( الفارقليط ) " ( أعمال الرسل 7 : 55 ) .
ويؤكد لنا
الكتاب المقدس أيضا أن يوحنا المعمدان " يحيى " كان ممتلئا من الروح
القدس ( الفارقليط) من بطن أمه ( يوحنا 1: 15 ) فهل كان يوحنا المعمدان ممتلئا من
" المحمد " أو " المحمود" أو " أحمد " ؟ إن أى
إنسان يتمتع بعقل سليم لايمكنه أن يؤول هذه الآيات تأويلات غير معقولة كما يدعو
إليها أصدقاؤنا المسلمون .
د- فى يوم
الخمسين
نقرأ فى سفر
الأعمال 1 : 8 أن السيد المسيح قال لحوارييه " لكنكم ستنالون قوة متى حل
الروح القدس ( الفارقليط ) عليكم وتكونوا شهودا لى فى أورشليم وفى كل اليهودية
والسامرة والى أقصى الأرض لنتابع إستبدال لفظة فارقليط باسم " المحمد "
أو " المحمود" أو " أحمد " ونقرأ " لكنكم ستنالون قوة
متى حل " المحمد " أو " المحمود " أو "الأحمد"
عليكم ".
هل حل "
محمد" حقا على حواريى السيد المسيح فى يوم الخمسين ؟ وهل هو روح القوة
الإلهية الذى وعد به السيد المسيح حوارييه قبل صعوده؟
تذكر ياقارئى
العزيز أن السيد المسيح كان يخاطب آنئذ حوارييه الذين عاشوا قبل مولد محمد بما
يزيد عن خمسة قرون ، فأية صلة بين هذا الفارقليط الذى حل عليهم وبين محمد؟
ونقرأ أيضا فى
نفس الإنجيل: " وامتلأ الجميع من الروح القدس
( الفارقليط )
و أبتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" ( أعمال الرسل 2:
4) .
لنحاول قراءة
هذا النص حسب التأويل الإسلامى:
" وامتلأ
الجميع من " المحمد " أو " المحمود " أو " أحمد"
وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم " المحمد " أو " المحمود
" أو " أحمد " أن ينطقوا" ( أعمال الرسل 2 : 4 ) .
أى لغو هذا؟
فمهما كدحنا الذهن فإننا نجد أنفسنا أمام لغة أو تعبير من الكلام يقوم على تعليل
باطل من أساسه ، فمحمد ليس روحا ليحل على الحواريين ، ويملأهم ويعلمهم لغات وألسنة
غريبة عنهم ، فهو نفسه إبان حياته لم يكن يعرف سوى العربية ، فكيف به يلقنهم شتى
اللغات التى نطقوا بها والتى وردت فى نفس هذا الإصحاح؟
يقول الوحى
المقدس فى سفر الأعمال إصحاح 4 : 31
"
ولما صلوا تزعزع المكان الذى كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس (
الفارقليط ) … "
لنطبق
القاعدة السابقة عينها ، فهل نفهم من هذه الآية أن الحواريين قد امتلأوا حقا من
" المحمد " أو" المحمود " أو " أحمد " ؟ أى من The
Periklutos
؟ !
ه- معمودية
المؤمنين
أمر السيد
المسيح حوارييه ، ومن خلالهم الكنيسة على مر العصور أن يعمدوا المؤمنين باسمه
قائلا :
" إ
ذهبوا و تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ( الفارقليط)
" ( متى 28 : 19 ).
من الجلى أن
السيد المسيح هنا لم يكن يتحدث عن كائن مادى ، بل عن الأقنوم الثالث من الثالوث
الأقدس ، لأنه لا معنى إطلاقا لهذه الآية لو قرأناها على هذا النحو:
" إذهبوا
و تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم " المحمد" أو " المحمود" أو
" أحمد " .
إن مثل هذا
الادعاء باطل من أساسه لأنه لم يكن هناك زمن فى تاريخ الحركة الإسلامية منذ نشأتها
حتى الآن ، مارس فيها محمد و المسلمون من بعده فريضة المعمودية ، كما أن محمدا
نفسه لم يدع قط أنه الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس . ولا أدرى إن كان لدى علماء المسلمين جواب عن هذا الموضوع.
ونطالع أيضا
فى سفر أعمال الرسل 10 : 44 :
" فبينما
بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس ( الفارقليط ) على جميع الذين كانوا يسمعون
الكلمة" .
فهل كان الروح
الذى حل عليهم جميعا " المحمد" أو " المحمود" أو "
أحمد" ؟ . ولشد ما ننحرف عن
جادة الصواب حين نتجاهل الإعلان الإلهي البين ، فنضل ونضل.
وعندما ظهر
السيد المسيح لحوارييه بعد قيامته المباركة من الأموات: " نفخ وقال لهم :
إقبلوا الروح القدس ( الفارقليط ) ".
( إنجيل يوحنا
20: 22 ) .
وكان هذا
إعدادا لهم ليوم الخمسين الذى حل فيه الروح القدس
( الفارقليط )
عليهم. فلو كان ( الفارقليط ) كائنا ماديا كمحمد لما كانت هناك حاجة إلى عملية
النفخ كرمز لروحانية الفارقليط ، وإنى أرى أنه خير لفقهاء المسلمين أن يعيدوا
النظر فى تأويلاتهم لعلهم يهتدون.
و-
الخطيئة التى لاتغتفر
كما أن الشرك
فى الإسلام خطيئة لاتغتفر ، فإن التجديف على الروح القدس ( الفارقليط ) فى
المسيحية خطيئة لاتغتفر ، فقد ورد فى متى 12 : 32 ولوقا 2 : 15 ما يلى:
" ومن
قال كلمة على ابن الإنسان ( أى المسيح ) يغفر له ، وأما من قال كلمة على "
الروح القدس " ( الفارقليط) فلن يغفر له لا فى هذا العالم ولا العالم الآتى.
فلو استبدلنا
الروح القدس ( الفارقليط ) باسم " المحمد " أو " المحمود " أو
" أحمد" ، فهل يكون كل من جدف على هذا الإسم ثم رجع عن تجديفه قد ارتكب
خطيئة لاتغتفر، واستوجب عذاب الآخرة ؟ يكون التجديف على الروح القدس من حيث هو ذات
روح الله ، كوصفه مثلا بروح شيطانية مصدرها إبليس ، وهذا بالفعل ما عمد إليه
اليهود عندما اتهموا المسيح أنه قد أمر الأرواح الشريرة أن تخرج من أجساد
المسكونين بقوة الشيطان .
لهذا كما يتضح
لنا ، أن المعزى أو ( الفارقليط ) أو الروح القدس لايمكن أن يكون "
محمدا" . لأن المبدأ ذاته فى
أساسه مخالف للعقيدة الإسلامية.
ك- الملقن هو
الروح القدس
قام السيد
المسيح قبيل موته وقيامته وصعوده إلى السماء بإعداد الحواريين لكل طارئ ، فقد
أنبأهم بأنهم سيكابدون العذاب ويتعرضون إلى القتل والإضطهاد وآلام السجون من أجل
اسمه.
والحقيقة أن
كل الحواريين باستثناء الرسول يوحنا قد استشهدوا من أجل رسالة الإنجيل ، حتى
الرسول بولس الذى كان ألد أعداء المسيحية قبل إهتدائه قد نفذ فيه حكم الموت. قال لهم السيد المسيح:
" فمتى
ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا ، بل مهما أعطيتم فى
تلك الساعة فبذلك تكلموا لأنكم لستم المتكلمين بل الروح القدس ( الفارقليط ) " ( إنجيل مرقس 13 : 11 ) .
وورد أيضا فى إنجيل لوقا 12 : 11 - 12 .
" ومتى
قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما
تقولون لأن الروح القدس ( الفارقليط ) يعلمكم فى تلك الساعة ما يجب أن
تقولوه" .
ثم
إذا رجعنا إلى إنجيل متى 10 : 20 يطالعنا قول السيد المسيح لحوارييه: " لأن لستم أنتم
المتكلمين بل روح أبيكم ( الفارقليط ) الذى يتكلم فيكم"
تخبر هذه
الآيات عن ثلاث حقائق أساسية :
أولا: إن (
الفارقليط ) هنا لايمكن أن يكون محمدا لأنه لم يكن قد ولد بعد.
ثانيا: إن
السيد المسيح كان يوجه كلامه إلى حوارييه الذين هم فى مجتمع وثنى كالمجتمع
الرومانى أو من الأوساط اليهودية المعادية لرسالة المسيح وإنجيله. ولقد استشهد هؤلاء الحواريون حقا فى سبيل
العقيدة المسيحية ومن أجل المسيح .
ثالثا: إن
المعلم والملقن الذى كان يوحى إلى الحواريين بما يتكلمون به أمام الرؤساء والملوك
والسلاطين هو الروح القدس ،اذ كانوا لابد أن يواجهوا الموت من أجل إيمانهم (
بالفارقليط ) والذى ليس له علاقة لا بمحمد ولا بأى أنسان آخر ، فمحمد نفسه لم يكن
موجودا فى زمن الحواريين ، كما أن السيد المسيح يؤكد أن الروح القدس هو" روح
أبيكم " أى روح الله بالذات ، فهل كان محمد هو روح الآب ، الأقنوم الأول فى
الثالوث الأقدس ؟
ل- الروح
القدس هو روح الحق
كان الحواريون
فى أشد الحاجة لمن يذكرهم بكل تعاليم المسيح ، فالذاكرة الإنسانية مهما بلغت من
قوة الحافظة تعجز عن تذكر كل ما تلقنته من تعاليم طوال ثلاث سنوات ونصف ، وهى
سنوات مفعمة بالأحداث الجليلة ، والشروحات والنبؤات والتعاليم التى نطقت بها أقدس
شفتين منذ الخليقة . لهذا كان لابد
من حلول الروح القدس الموحى والملهم ليعلم ويذكر ويرشد الحواريين ليكون كل ما يصدر
عنهم من تعليم وكتابة هو من وحى إلهى مباشر وليس من صنع البشر ؛ فلا يمكننا القول
هنا أن ما جاء فى الإنجيل من سيرة السيد المسيح وتعاليمه هو مماثل للأحاديث
الإسلامية لأن الأحاديث الإسلامية ليست من وحى الروح القدس بل هى مجموعة أخبار
وأقوال تواترت على ألسنة الصحابة منسوبة فى أصلها إلى صاحب الدعوة الإسلامية أما
الأناجيل فكل ما ورد فيها هو وحى إلهى مصدره الروح القدس لهذا جاءت الأناجيل والرسائل كلها مكتوبة
بإلهام الروح القدس ( الفارقليط ) وإرشاده . تأملوا فيما قاله السيد المسيح على مسامع الحواريين :
" بهذا
كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزى الروح القدس ( الفارقليط ) الذى سيرسله أبى باسمى ،
فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم " ( إنجيل يوحنا 25 : 26 ) .
من الواجب هنا
أن نلاحظ كيف استخدم السيد المسيح مصطلحى " المعزى" والروح القدس بصورة
تبادلية عندما قال " وأما المعزى ، الروح القدس … " إذ يتضح بطريقة
جازمة أن السيد المسيح لم يفرق بين " المعزى" و" الروح القدس
" لأنهما حقا واحد.
لهذا فمن الجلى أن الموعود به فى هذه
الآيات التى اقتبسناها من إنجيل يوحنا فى مستهل هذه الدراسة هو الروح القدس (
الفارقليط ) وليس محمدا ، وإن تأويلات إبن تيمية ومن حذا حذوه ، ليست سوى تصورات
باطلة يجب إعادة النظر فيها وتصحيحها.
وفى يوحنا 14
: 15 - 17 دعى ( الفارقليط ) بروح الحق ، وكذلك أيضا فى إصحاح 15 : 26 - 27 من نفس
الإنجيل إذ يقول السيد المسيح : " ومتى جاء المعزى ( الفارقليط ) الذى سأرسله
أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب فهو يشهد لى وتشهدون أنتم أيضا لأنكم
معى من الابتداء ".
ونقرأ أيضا فى
إنجيل يوحنا 16 : 13 :
" وأما
متى جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لايتكلم من نفسه بل بكل ما
يسمع به ويخبركم بأمور آتية "
وهذا ما حدث بالفعل ؛ فإن ( الفارقليط ) الروح القدس هو ذاته روح الحق قد
أوحى إلى الحواريين بما يقولون ، وماذا يكتبون و ذكرهم بأقوال السيد المسيح
وأعماله ومعجزاته وأخبرهم بأمور
آتية إلى نهاية العالم ( راجع بالأخص رؤيا يوحنا اللاهوتى ) ، فجاءت تعاليمهم
وشروحاتهم منسجمة كليا مع تعاليم السيد المسيح وأقواله لأنها جميعا صادرة عن روح
واحد ، إذ بإرشاد الروح القدس ( الفارقليط ) ووحيه وإيعازه تم تدوين الأناجيل
الأربعة وجميع الرسائل وسفر الرؤيا ، وهو أمر لا فضل فيه لمحمد ولا لسواه من سائر
بنى البشر.
م-الخلاصة
قصارى القول إن الزعم أن " محمدا " هو ( الفارقليط ) زعم باطل لايتفق مع الحقائق الكتابية وفقا للوقائع التاريخية والمنطقية والعقائدية ، وإن جميع المحاولات التى قام بها علماء المسلمين من قدامى ومحدثين لتأويل هذه الآيات تأويلا مشوها قد أخفقت فى طمس الحق الإلهي كما نصت عليه أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد . فالكتاب المقدس كما يقول الرسول ، " موحى به من الله… " ولايمكن للوحى الإلهى أن يناقض بعضه بعضا وإلا فقد الله صفة اليقينية وصدق الوحى المقدس ، وهو أمر كما نعلم ، يستحيل حدوثه