قضيـــة أمرأة مصرية مسلمة
فيبي عبد المسيح صليب
ناهد محمود متولي سابقا
إهداء
إلى بلدي الحبيب مصر
إلى أبنائى الذين أحبهم وسأظل
إلى كل من ساعدنى و شجعنى على اتمام هذا العمل
إلى السالكين فى الطريق من الظلمه الى النور إننى بدموع و صلاة أنتظركم
إلى العالم أجمع أطرح قضيتى
ناهد
مقدمة
أطرح قضيتى إلى كل من له ضمير ينطق به . أطرح قضيتىإلى كل من له عدل يحكم به. أطرح قضيتى إلى العالم أجمع وأسأل ما هى جريمتى التى أرتكبتها واضطررت أن أهرب خارج بلدي الحبيب مصر؟ ماهى جريمتى حتى أحرم من الأمان فى وطنى وأعيش غريبه فى بلد غريب لغه مختلفه ..عادات ..تقاليد.. حتى الجو مختلف تمام الاختلاف .ولكن هنا وجب علىّ أن أعترف أن هولندا فتحت لى ابوابها وكانت أرحم علىّ من أمى التى ولدتنى و نشأت وترعرعت فى أحضانها .منحتنى الحكومه الهولنديه حق الجوء السياسى و اعطتنى الفرصه أن اعيش حياه كريمه ووفرت لى السكن ..العلاج ..والدخل المناسب ..وكل احتياجاتى .هولندا لابد أن أقر واعترف انت أرحم علىّ من أمى التى ولدتنى لن أنسى ابدًا هذا .
وانت يابلدى لماذا قسوت على ابنتك لهذا الحد واضطررتنى أن أتغرب عنك وانت تعيشى فى دمى ؟ لى رجاء أن تكون سحابة شتاء قاتمه اللون محمله برياح عاصفه ولكن مهما طال الزمان سيأتى يوم جديد به شمس مشرقه وتنقشع تلك الغمامه من سماء مصر الحبيبه وتعود مصر إلى عهدها بلد الحب والامان .
أرض مصر التى تقدست بخطوات الاسره المقدسه عندما هرب اليها يوسف النجار والقديسه العذراء مريم والطفل يسوع وتباركت مصر كلها من شمالها الى جنوبها ومن غربها الى شرقها . مصر التى اشبعت العالم من حولها من خيراتها ، كان جوع فى كل الارض ومن أتى اليك اطعمته , ماذا حدث لك يا بلدي الحبيب ؟ لى رجاء أن تعدود يا وطنى إلى عهدى بك ويعود اليك جمالك وبهائك ويعيش فيك أبنائك فى أمان.
عزيزى القارىء اسمح لى قبل أن أطرح عليك قضيتى وانا أعلم جيدًا أنها قضيه كثيرين و كثيرات ، أسمح لى أن ادعوك نعيش معًا حياتى من بدايتها إلى يومنا هذا وسامحنى أن اطلت عليك الحديث وذلك حتى يتسنى لك أن تصدر حكمك وانت مطمئن لانك تعلم كل التفاصيل .
عزيزى القارىء الله شاهد انى اكتب لك الحقيقه كامله .
أقرأ وعيش معى كل الأحداث الهامه التى اذكرها ، وبعد ذلك أطلق حكمك الذى يمليه عليك ضميرك.
ناهد
طفولة سعيدة
ولدت فى الخامس عشر من شهر يونيو عام 1942 وبكل تأكيد أنا لا أتذكر شىء عن ميلادى ولكن أمى قالت لى فيما بعد رغم أنها كانت تتمنى أن أكون ذكرًا ولكنها حين رأتنى أحبتنى جدًا وفرحت بى على غير العاده ولدتُ لأسره مسلمه .أبى محمود متولى يعمل ضابط شرطه ،تخرج من كلية الشرطه عام 1932 وكما هو معروف فى ذلك الوقت كانت مصر تحت حكم الملك فاروق الأول .كان محرم على أبناء عامة الشعب دخول الكليات الحيويه مثل الشرطه والحربيه والطيران إلا من أنعم عليهم جلالة الملك بالبهويه أو البشويه .كان جدى متولى بك بيومى يعمل تاجر ومقاول مبانى ،كان يمتلك العديد من العمارات السكنيه وهناك فى حى السيده زينب حاره بأسم جدى تسمى حارة البيوميه وكانت كل المبانى فى تلك الحاره ملك لجدى فلم يكن شراء البهويه من السرايا الملكيه أمر عسير على جدى وبذلك تمكن أبى من الألتحاق بكلية الشرطه وكان أسمها فى ذلك الوقت مدرسة البوليس .
كانت أمى تفتخر بأنها تزوجت ضابط شرطه لآن هذا يعنى ضمنًا أنه من أسره غنيه وعريقه ،أمى فاطمه محمد بك على هكذا كان أسمها فى شهادة ميلادى .
لا أتذكر جدى لأمى ولكنى أتذكر جيدًا جدى لأبى ،كان جدى طويل القامه نحيف وكان يرتدى جلباب وعباءه وكان يمسك بعصا منقوش عليها أسمه بحروف ذهبيه ،كنت أحب جدى جدًا لأنه كان خفيف الظل كثير الضحك وكان صوته عالى ولكنى لم أخف مطلقًا من صوته العالى لأنى كنت أشعر بحبه لنا ،تعودنا أن نزور جدى فى الأجازات ولآن أبى كان ضابط شرطه فكان ينتقل كثيرًا من مكان إلى آخر ،قالو لى وايضًا كما هو مدون فى شهادة ميلادى أننى ولدتُ فى قريه تسمى عرب الاطاوله تابعه لمركز أبنوب محافظة أسيوط فى صعيد مصر وكان أبى ضابط القريه أو النقطه كما كانوا يطلقون عليها وأحترامًا لأبى وتقديرًا له كتب موظف السجل المدنى أسمى هكذا الست ناهد محمود متولى أضاف لى وأنا رضيعه هذا القب الذى كان يعتبر فى هذا الوقت شرف كبير .
حين ولدت لم أكن المولوده الأولى ولكن كنت الرابعه حيث أنه كان لى ثلاثة إخوه وأخوات ،أختى الكبرى قدريه وتقول أمى أنها أسمتها قدريه لأنه وافق يوم ميلادها ليلة القدر ،أخى محمد وأختى سهام ،وبعد ميلادى ولدت أختى ناديه .
أعتدنا أن نزور جدى فى القاهرة فى الأجازات والأعياد وبعد وصولنا إلى بيت جدى العامر وتناول وجبة الغذاء التى كانت فى غالب الأحيان إما خروف أعده جدى خصيصًا لنا أوديك رومى ربته جدتى وبجانبه الحمام الذى تكاد لا تخلو وجبه منه و أنواع والوان من الطعام لا حصر لها.
كنت أتسابق مع أخوتى من يسكب لجدى الماء من الأبريق النحاس ليغسل يديه ،كان جدى أول من يغادر ولا يجرؤ أحد المغادره قبل جدى ،كنا نتسابق لنحصل على مكافئة جدى بعد أن يغسل يديه. كان جدى يتوجه إلى حجرته الخاصه ويخرج من جيبه مفتاح الخزينه الحديديه الكبيره ،كنت أرى فيها منظرعجيب لن أنساه قط وهو طرابش قديمه مملوئه عملات ذهبيه وفضيه مرصوصه فى أرفف الخزينه ، الرف الأول جنيهات ذهبيه والثانى ريالات ذهبيه وفضيه ثم عشرة قروش فضيه وخمسة قروش ،كنت أعرف مقدار المكافئه قبل أن تصل إلى يدى من الموقع الذى تناول منه جدى ،يفرح من سبق ويبكى من لم يحظى بهذا الشرف ولكن طيبة جدى وحبه لنا جميعًا يمنعاه أن يدعنا نبكى كثيرًا بل كان ينادى علينا ويعطى كل منا ما يرضيه .
كنت أحب الأعياد جدًا العيد الصغير أو عيد الأفطا والذى يأتى بعد صوم شهر رمضان والعيد الكبير أو عيد الأضحى المبارك .فى العيد الصغير كنت أشاهد جدتى وهى تقوم بعمل كميات كبيره جدًا من الكحك لتوزيعها على الحاره كلها والجيران والأقارب وكانت جدتى تعطى كل واحد منا قطعه صغيره من العجين لكى نشكلها كما يحلو لنا ثم تقوم بخبزها لنفرح ،كان الفرن فى نفس الحاره وايضًا هو ملك جدى وكنت أذهب مع الخدم لأرى بنفسى كيف يخبزون الكحك وبعد عودتنا تجلس جدتى وترش السكر وتبدأ فى أرسال كحك العيد إلى الجميع .
أما فى العيد الكبير أو عيد الأضحى المبارك كان جدى يوقظنا فى الصباح الباكر لكى نرى ذبح الخرفان فقد كان جدى لا يكتفى بخروف واحد واحيانًا كان يذبح ثور كبير .
كنت أخاف من عمليه الذبح والسلخ لدرجة أنى أحيانًا كنت أخفى وجهى أو أغمض عينى لكى لا أرى .
وفى آحد الأعياد كنت واقفه أشاهد كما أمر جدى وكنت أرتدى فستان العيد الجديد الجميل ،أغمضت عينى كالمعتاد وشعرت بشىء ساخن رش علىّ فتحت عينى لأجد دم الخروف على فستانى الجديد و رجلى و حذائى ، صرخت من الرعب وأضطرت أمى أن تأخذ فستانى وتغسله وتنشفه بالمكواه .
بكيت بشده مما حدث لي وإلى يومنا هذا لا أتحمل منظر ذبح أبدًا ولا دماء ، كرهت الذبح والعيد الذى نذبح فيه وايضًا كرهت اللحم .
حاول جدى أن ينسينى ما حدث ،أخذنى وأشترى لى فستان جديد أجمل وأغلى ثمنًا من الأول ولكن لا فائده منظر الدم على فستانى ورجلىّ وحذائى الجديد لم يمحى من ذاكرتى إلى الآن ، ضاعت منى بهجة عيد الأضحى المبارك وفرحتى بالعيديه التى كان جدى يعطيها لكل فرد من أسرتى حتى أبى وأمى والتى كانت عباره عن جنيه ذهب وبقيت داخلى آثار تلك الواقعه .من بعدها لا أذكر أن جدى أو غيره دعانى لمشاهدة ذبح خروف العيد .
مات جدى وكان موته صدمه كبيره لنا جميعًا، حزنت حزنًا شديدًا على فراق جدى وبدأت أسأل لماذا نأتى إلى الدنيا صغار ثم نكبر لنموت وأين نذهب بعد الموت؟
تلقينا خبر وفاة جدى بكل الحزن والآسى ، أسرعنا جميعًا بالسفر إلى القاهره إلى بيت جدى ،ووصلنا ، مشهد مرعب لن أنساه طوال حياتى ،عدد كبير من النساء يرتدين الملابس السوداء يبكين ويولولن بصوت عالى وجدتى جالسه فى وسطهم شاحبه اللون غائرة العينين وكذلك عماتى ، عمتى الكبيره سيده والوسطى هانم والصغرى عزيزه وزوجات أعمامى ،عمى الكبير محمد الذى كان يعمل مع جدى فى أعمال البناء والمقاولات وزوجته التى كانت إنسانه طيبه جدًا وكنت أشعر أنها منكسرة النفس لأنها لم تنجب ، وعمى الأوسط الدكتور أحمد وكان يعمل طبيب وجراح أمراض النساء والولاده وكانت له عياده كبيره مجهزه بأحدث الأدوات الجراحيه فى ذلك الوقت فى ميدان السيده زينب وكان جدى قد أرسل عمى إلى أنجلترا "بريطانيا العظمى" ليكمل دراسته هناك ، تخرج وتفوق وكان جدى يفتخر به ولن أنسى ابدًا تلك اللوحه أو اليافطه الكبيره السوداء المكتوب عليها بالحروف البيضاء "عيادة الدكتور أحمد متولى بيومى – طبيب وجراح أمراض النساء والولاده – زميل كلية الجراحين ببريطانيا العظمى " وكان عمى متزوج من سيده فاضله من أسره عريقه تدعى الأباظيه وكانت جميله جدًا وكان جميع نساء أسرتنا يغارون منها ، رأيتها جالسه بمفردها، لم يصدر منها صوت سوى دموع غزيره تنهمر من عينيها ، وصلنا بيت جدى وكأنه بيت غريب عنى لم أعرفه أو أراه من قبل ، كل ركن فيه يكاد أن ينطق من الحزن والبكاء ، أسرعت أمى وجلست إلى جوار النساء الباكيات وبدأ يرتفع صوتها مثلهن ، صدمتنى لم أريد أن أراها فى هذا المنظر ولم أريد أن أسمع صوت بكائها ، بكيت بصوت عالى أنا وأختى ناديه التى كانت تصغرنى بعامين ونصف عام من هول المنظر .
أخذتنا زوجة عمى محمد إلى الطابق العلوى وأجلستنا فى غرفه بعيده وأحضرت لنا بعض الحلوى و اللعب .
كم كانت رقيقة المشاعر ، كم كانت تحبنا رغم أنها حرمت من نعمة الأولاد ، لن أنسى أبدًا ماحييت لمسة الحب والحنان التى شعرت بها وهى تضمنى وتأخذ بيدى مسرعه إلى الطابق العلوى رغم أن بكائى أنا وأختى ناديه لم يحرك لآحد غيرها ساكن.
مر أسبوع على هذا الحال لقد كان أطول أسبوع فى حياتى .
إلى ذلك اليوم لم أنسى تلك الحظات الكئيبه التى مررت بها وتمنيت أن لا يموت أحدًا آخر حتى لا أرى أو أسمع ما رأيت وسمعت ، شكل الموت عندى كابوس مرعب ...مخيف...وعدت أتسائل مره آخرى لماذامات جدى ؟ لماذا حرمنى الموت من مصدر الحب والحنان ؟ ترى هل سيكون للعيد نفس الطعم الفرحه والبهجه التى كنت أشعر بهما فى حياة جدى ؟ هل سنجتمع مرة آخرى جميع أفراد أسرة متولى بيومى فى العيد كعهدنا ؟ أسئله كثيره دارت فى ذهنى ، لم أطرحها ولكنى أحتفظت بها لنفسى وظل الموت أمامى كابوس مرعب حرمنى من جدى الحبيب .
لم يكن جدى هو الشخص الوحيد الذى أخذه الموت منى ولكن أيضًا أخذ منى خضره ...نعم أسمها خضره ولكن هذا ليس أسمها الحقيقى ،أسمها الحقيقى فاطمه مثل أمى ولم تقبل أمى أن يكون أسم الخادمه مثل أسمها فأمرت أن يكون خضره بدلاً فاطمه .
أمى الحبيبه كانت على قدر كبير من الجمال ،بيضاء رائعة الملامح ، متوسطة الطول ، شعرها بنى اللون وكذلك عينيها الجميلتين ، منظرها ...أناقتها ... تخطف الأبصار .
كانت أمى تفتخر أنها من أصل تركى ولذلك ورثت الجمال ، ولذلك تزوجها أبى وهى فى الرابعة عشر أو الخامسة عشر من عمرها ، كان كل من يرى أمى يظن أننا أخوتها وليس أبنائها .
نقل أبى من قرى الصعيد إلى مدينة بورسعيد ،يالها من مدينه رائعه ، كان أبى يعمل ضابط ميناء بورسعيد ، سكنا فى منزل خاص على البحر بجوار الميناء ، كان أبى يصطحبنى معه إلى الميناء وكنت أنبهر برؤية السفن التجاريه الكبيره وحركة الميناء التى لا تتوقف ليل و نهار وكنا نحصل على هدايا كثيره من قبطان السفن وغالبًا ماتكون الهدايا من نصيب أمى الجميلة لأن أبى كان يتباهى بجمال أمى و أناقتها وكان يختار لها الهدايا التى تناسبها مثل مساحيق التجميل والعطور والملابس الحريرية والحلى وغيرها .
فى يوم من الأيام لاحظت أن بطن أمى كبيرة سألتها لماذا؟ قالت أنا حامل ! حامل كيف؟ قالت فى بطنى بيبى أدعى أن يكون ولد ! ولد لماذا؟ هل الولد أفضل من البنت ؟
تأثرت وقتها من كلمة أمى ولكنى لم أملك وقتها الطريقة أو الكلمة لاعبر عما يجول فى نفسى .
انتظرنا جميعًا وصول البيبى ، وفى فجر أحد الأيام استيقظت من نومي على صوت صراخ أمي ...أنى أكره هذا الصوت...إنه يذكرنى بيوم وفاة جدي.
لم تصرخ أمي كثيرًا وهى في حجرة نومها والباب مغلق عليها وأبى واقف خلف الباب ومع أمي في الداخل صوت عمى الدكتور أحمد ومعه الممرضة و خضره تجرى مابين المطبخ وحجرة أمي تحمل ماء ساخن وأشياء أخرى لم أنتبه إليها، وفجأة سمعت صوت زغرودة فرح بددت خوفي وقلقي...أمي ولدت أحمد...نعم ولدت كما كانت تتمنى.
بميلاد أحمد عم البيت جو من الفرح، دعي أبى الجميع إلى وليمه كبيرة..وزع الشربات على الجيران وكل من أتى ليهنىء بميلاد أحمد.
كبرت أسرتنا وأصبحنا ثمانية أشخاص، أبى وأمي وأخواتي قدريه و سهام و ناديه و أخوى محمد و أحمد.
دخلت غرفة أمي بعد أن سُمح لنا بالدخول لأرى الضيف الجديد، وجدت أخي أحمد نائم في حضن أمي، إنه يشبه أمي بالضبط إلا في شيء واحد فقد كان شعره أشقر.
وددت أن أحمل أحمد بين يدي أو حتى ألمسه ولكن أمي صرخت في وجهي ومنعتني حتى من الاقتراب منه.
فرحت معهم، فرحت لفرح أبى و أمي ولكن ظل هناك سؤال بداخلي، لماذا كل هذا الفرح بميلاد أحمد؟هل لأنه كما يقولون ذكر أو رجل ؟ ولماذا لم يفرح أبى وأمي لميلاد آي احد منا كما فرحو بأحمد ؟
رغم أنى كنت أحظى بمعاملة خاصة من أبى وأمي إلا أنى شعرت أنهم يحبونه أكثر منى.
مرت الأيام...وفى يوم استيقظت في الصباح الباكر مع بدء شروق الشمس على صوت أمي تصرخ بكل قوتها قلت لنفسي هل ستلد أمي ؟ ووجدت أختي الكبرى قدريه والتي تكبرني بحوالى تسعة سنوات تحكم غلق باب غرفة نومنا و التي كانت غرفه كبيرة جدًا بها سريرين كبيرين احدهما كنت أنام عليه أنا و سهام والآخر كانت تنام عليه ناديه و قدريه، وأندفع أخي محمد من حجرته إلى حجرتنا وأحكم إغلاق الباب الموصل إلى المطبخ.
سمعت مع صراخ أمي صراخ خضره وكان أبى في ذلك اليوم لديه نوبة عمل في الميناء، بكينا جميعًا بشده..
ماذا حدث؟ لماذا نحبس في غرفتنا ؟ بعد قليل سمعت صوت سيارة إطفاء الحريق تدق أجراسها أرتفع صوت الأجراس حتى توقف أمام منزلنا، فهمت ما حدث وخصوصًا بعد تصاعد رائحة الدخان ومليء جو الغرفة رغم أن أختي قدريه وأخي محمد قاما بفتح النافذة والشرفة، وبعد قليل سمعت صوت رجال الإطفاء و صوت اندفاع الماء، هدأت صرخات أمي لكن صرخات خضره لم تهدأ، بكيت أكثر و أكثر ماذا حدث لخضره ؟ لماذا تصرخ هكذا ؟ إن صوت صراخها يمزق قلبي، أنى أحبها جدًا، مرت لحظات وبعدها سكتت خضره وجاءت سيارة الإسعاف وحملت خضره.
مكثنا ساعات طويلة هكذا حتى أزال رجال المطافىء آثار الحريق و سمح لنا بالخروج ، اندفعت مسرعة إلى أمي التي احتضنتنا لتشعرنا بالأمان وبدأت تروى لنا ما حدث ،فقد قامت خضره مبكرة فجر ذلك اليوم لتغسل ملابسنا ولتنتهي من عملية الغسيل مبكرة ، أوقدت وأبور الجاز وحاولت أن تدفع بداخله الهواء لكي تختصر الوقت ولكنه أنفجر فيها وأمسكت فيها النيران واشتعلت من رأسها إلى قدميها ، حاولت خضره أن تطفىء النار ولكنها لم تنجح ، توجهت إلى غرفة أمي والنار مشتعلة فيها ، صرخت أمي ودفعت بها إلى المطبخ وحاولت أمي أن تطفىء النار ولكن لا فائدة وبدأت تستغيث وسمع صوتها الجيران الذين بدورهم طلبوا رجال الإطفاء والإسعاف ، حرقت يدا أمي من محاولة إطفاء الحريق المشتعل في خضره
التففنا حول أمي نبكى من هول الصدمة، جاء أبى بعد أن أبلغوه بما حدث، رأيت علامات الألم والفزع على وجه أبى وسألته أين خضره ؟ أريد أن أراها ؟ لم يجبني أحد ثم طأطأ أبى رأسه وقال مررت على خضره في المستشفى قبل حضوري ولكني وجدتها لفظت أنفاسها الأخيرة...ماتت خضره...كان خبر وفاة خضره كالصاعقة علينا جميعًا.
بكينا كلنا وعلىَ صوت بكائنا، حاولت أمي أن تسكتنا بقولها تعالوا شوفوا أحمد...سوف أسمح لكم بحمله ولكن كفوا أولاً عن البكاء، ذهبنا إلى غرفة أمي ولعبنا مع أحمد ولكني لم ولن أنسى خضره أبدًا التي كانت تحبني وتقص على القصص حتى أنام وعدت أسأل لماذا نموت ؟ لماذا يأخذ الموت من بيننا الأحباء ؟
مرت الأيام وكبرت وبداخلي رعب أسمه الموت، كنت أذهب إلى المدرسة الابتدائية أنا وأختي سهام التي كانت تكبرني بثلاثة سنوات وكنا في طريقنا إلى المدرسة نرى بعض الجنود الإنجليز وكنا نحييهم ونقول "هالوا" كانوا يفرحون بتحيتنا لهم ويردون علينا التحية وأحيانا كانوا يعطونا بعض الحلوى ليتوددوا إلينا لأنهم يعرفون جيدًا أنهم غير مرغوب في وجودهم.
كنت أحب المدرسة جدًا وكنت متفوقة ويرجع الفضل في تفوقي إلى سببين أولاهما ذكائي فقد كان الجميع يقول عنى أنى لماحة و شديدة الذكاء وثانيهما والأهم هو اهتمام أبى بي والساعات التي كنت أقضيها معه وهو يشرح لي ويراجع معي دروسي.
كان أبى يداوم على زيارة المدرسة وكان دائمًا يسأل عن مستوانا الدراسي.
لقد كان أبى خفيف الظل دائمًا مبتسم، كان الجميع يحبه في كل مكان، كنت أحب جدًا الوقت الوقت الذي أقضيه مع أبى.
في أيام الأجازات كان أبى يصطحبني معه إلى الميناء "ميناء بورسعيد" أحببت البحر والسفن وصوت السفن عند دخول الميناء وعند مغادرتها ، كنت أنظر إلى أبى وكأنه صديقي ، أبى كان مؤمن جدًا يصلى الفروض الخمس ، يقرأ في المصحف الشريف ، يصوم شهر رمضان وأحيانًا الاثنين و الخميس .
سألت أبى يومًا لماذا نموت ؟ قال لي "هذه هي سنة الحياة" قلت له أين نذهب بعد الموت ؟ قال لي: الصالحين يذهبون إلى الجنة ونعيمها والأشرار يذهبون إلى نار جهنم ، قلت له: أين ذهب جدي ؟ قال لي : إلى الجنة بكل تأكيد ، جدك كان رجل طيب يصوم ويصلى ويتصدق وأيضًا حج إلى بيت الله الحرام مرتين فهو بكل تأكيد من أهل الجنة ، سألته وأين ذهبت خضره ؟ قال لي : لا أعلم خضره كانت طيبه وأمينة ولكنها لم تصم ولم تصل!. ولكن ربما يرحمها الله ويدخلها الجنة .
أحزنني رد أبى وقلت في نفسي لابد أن أصلى وأصوم وأتصدق لكي أدخل الجنة وأرى جدي وربما أجد أيضًا خضره .
أبى زرع داخلي حب العمل الصالح وأيضًا أنه هناك جنة للصالحين فيها نعيم كثير ونار للأشرار محرقه ولهيبها لن ينطفىء ، وزرع كذلك خوف الله ويوم الحساب .
ظل خوف الله في قلبي يكبر كلما كبرت وأزداد حبي إلى العمل الصالح الذي سيدخلني الجنة وأيضًا أزداد خوفي من الموت وحساب الملكين اللذان سيأتيان لمحاسبتي بعد الموت لدرجة أنه عندما كنت أمرض كان سؤالي الأول لمن حولي "هل سأموت ؟" لا أريد أن أموت الآن ، لم أعمل كل الأعمال التي تدخلني الجنة .
يالك يا أبى من إنسان رائع جعلتني أتفوق في دراستي وأيضًا أخاف الله وأحاسب نفسي عن كل ما أقول أو أفعل فكم أحبك يا أبى وأطوق إلى الوقت الجميل الذي كنت أقضيه معك .
كلماتك محفورة في داخلي لم أنسى حرف واحد ، لن أفعل الشر أبدًا لكي لا أغضب الله ،وسأفعل الخير على قدر طاقتي حتى أفوز بالجنة ونعيمها .
رغم الموت والخوف من الموت شيء مرعب في حياتي أخذ من وسطنا جدي وخضره ، ترى هل سيأخذ الموت أحد أخر ؟ لن أتحمل فقدان أحد أخر من أسرتي .
عشنا في بورسعيد خمسة سنوات رغم أن بدايتها كانت مؤلمه ولكن الزمن كان قدير أن يمسح وينسى الألم .
كنت سعيدة جدًا في حياتي ،في البيت القى معامله خاصة جدًا من أبى وصديقي وكذلك أمي الحبيبة الجميلة .كنت أشعر بسعادة عندما يقول لي أحد "أنت تشبهين أمك" وكنت أحلم بذلك اليوم الذي أكبر فيه وأكون آنسة جميلة مثل أمي ، لازال أمامي وقت طويل فأنا في ذلك الوقت كنت في الثامنة من عمري .
ترقى أبى إلى رتبة بكباشي أو مقدم ونقل إلى مدينة شبين القناطر التابعة لمحافظة قليوب "مدينة صغيرة" عمل أبى مساعد مأمور مركز شبين القناطر ، نقلنا جميعًا مع أبى ، وجدنا في شبين القناطر منزل خاص معد لنا يقع أمام المركز الزراعي للبلدة ، مبنى كبير محاط بحديقة جميلة بها جميع أنواع الزهور والأشجار ، كنا نذهب عصر كل يوم لنلعب هناك ، أنا وأختي سهام وناديه وأحمد الذي كان في سنواته الأولى وكان يرافقنا عسكري من القسم موكل لقضاء طلباتنا المنزلية مثل توصيلنا إلى المدرسة وحمل حقائبنا ومرافقتنا في أي مكان نذهب إليه وكان أسمه عم سيد .
كان عم سيد طيب جدًا وكان يحبنا ويلعب معنا وكان أحيانًا يحضر أبنه فوزي ليلعب معنا لأنه كان في سننا تقريبًا ، أما أختي الكبرى قدريه فكانت تمكث في البيت لأنها كبرت وكذلك أخي محمد لكي يستذكر دروسه لأنه في المرحلة الثانوية .
أختي قدريه كانت جميلة جدًا وأتذكر أنه ربما كل أسبوع يتقدم لها شاب من المدينة لخطبتها ولكنها كانت ترفض ؛ لا أعرف سبب رفضها وليس من حقي أن أتدخل في هذه المسائل لأني لازلت صغيرة ، أختي سهام كانت أيضًا رائعة الجمال طويلة ... رشيقة ... بيضاء ... شعرها طويل ، وكانت أمي تضفر لها شعرها ضفيرة طويلة تصل إلى وسطها ، كانت طيبة جدًا ورقيقة جدًا وكانت مهمتها أن تراعى أحمد وتطعمه وتلاحظه من بعد عودتنا من المدرسة إلى أن تنام ، كنت أذهب أنا وسهام معًا إلى المدرسة أما قدريه أختي الكبرى فضلت البقاء في المنزل لتتعلم إدارة شئون المنزل لأنها ستتزوج عما قريب .
أنهينا أنا وسهام التي كانت تكبرني بثلاث سنوات دراستنا في المدرسة الأبتدائيه ، كنت أنا وسهام في صف واحد وذلك لأن أبى كان يراجع معي دروسي ويقدمني في نهاية العام لامتحان صف أعلى من دراستي وبفضل أبى وتشجيعه لي كنت أنجح باستمرار حتى لحقت بأختي سهام وأخذنا معًا شهادة الأبتدائيه .
كان ذلك في عام 1952 وكنت أصغر تلميذة تحصل على الأبتدائيه ، اضطررنا أنا وسهام أن نذهب إلى مدرسة في مدينة اكبر من شبين القناطر بها مدرسة إعدادية وكان أسم المدينة قليوب ، كنا نأخذ القطار صباح كل يوم من شبين القناطر إلى قليوب وأحيانًا كنا نستقل سيارة ركاب ، وكانت أمي تخاف علينا من حوادث الطريق لذلك كانت تفضل القطار .
كان عم سيد يوصلنا كل يوم إلى القطار ويبقى معنا حتى يتحرك القطار ويوصى علينا المحصل .
كان الجميع يعرفنا جيدًا ويولينا كل اهتمام واحترام ،وفى طريق عودتنا كنا نجلس أنا وسهام وبعض فتيات من بلدتنا في حقل بجوار محطة القطار ونأكل بعض السندوتشات التي أعدتها لنا أمي .
كنا نجلس تحت شجرة التوت ويفصل بيننا وبين الحقل قناة صغيرة لم ولن أنسى روعة المنظر ، شجرة التوت وقد انحنت أغصانها على الماء وكأنها تأخذنا في أحضانها والماء يجرى في القناة بلونه الجميل خصوصًا أثناء فيضان النيل والحقل أمامنا وكأنه مفروش ببساط أخضر ، رائحة النسيم كأنها معطرة ، كم كنت أستمتع بتلك اللحظات الجميلة كل يوم ، كانت أختي سهام تجرى وتقفز فوق القناة إلى الحقل لتحضر لنا بصل أخضر طازج من الحقل وبعد أن ننتهي من الأكل كانت سهام تحملني على كتفها لأني كنت نحيله وخفيفة الوزن كانت تحملني لألتقط بعض حبات التوت ونأكله وأحيانًا كنت أتسلق لأصل إلى الأغصان العالية ياله من وقت جميل يالها من لحظات رائعة كنت أشعر بسعادة غامرة .
في نفس الوقت لم أنسى للحظة أن كل ما أستمتع به هو ما خلقه الله ،الله الذي أخافه وأحبه وأرى عمله في كل شيء حولي ،الله الذي سيحاسبني على كل عمل أعمله ،وعلى حسب عملي سيدخلني جنات النعيم أونار الجحيم، الله الذي أخشى أن أموت وألقاه .
كنت أتخيل الله كمارد طويل وعريض وعيناه مرعبة ، صوته أقوى من الرعد يديه أقوى من المطرقة الحديدية،
رجلاه تسحق من تدوسه ... لا أريد أن أراك يا الله ولا مجرد أن أتخيلك أنت مرعب حتى في مخيلتي ليتني لا أموت أبدًا ولا ألقاك ولكن كى أتقى غضبك وبطشك سأحاول أن أعمل صالحًا على قدر أستطاعتى .
قضينا حوالى ثلاثة سنوات فى شبين القناطر وفى يوم من الأيام عدنا من المدرسة ووجدت عم سيد واقف على باب منزلنا يحمل دورق كبير فيه شربات أحمر وجمع كبير ملتف حوله وكل فرد معه كوب يشرب الشربات والجميع يهنىء ،سألت عم سيد ما الخبر يا عم سيد ؟ رد علىّ وهو يتهلل من الفرح "والله ها توحشونا ياست ناهد" قلت له ما معنى قولك هذا ؟ قال لي "البيه والدك ترقى إلى رتبة عقيد ونقل إلى مركز منيا القمح ليعمل هناك مأمور مركز منيا القمح " أنتابنى شعور عجيب بين الفرح لأن أبى سيكون المأمور والمأمور فى ذلك الوقت كأنه ملك على المركز الذى يتبعه وكل عمد القري التابعه له يتمنون رضاه ، وشعور بالحزن لأنى ساترك مدرستى التى أحبها والقطار ... شجرة التوت ... الحقل ... السفر ... الوقت الجميل ... ولكن أبى سيكون مأمور المركز ، ربما أجد هناك ما يشبه كل ما أحببته هنا .
بدأت أمى وبعض من عسكر قسم الشرطه فى حزم الأمتعه ، الكل حولى سعيد بمركز أبى الجديد وبالمدينة التى سنذهب اليها .
لقد كانت مدينة كبيرة إلى حد ما أكبر من شبين القناطر وهى تابعة أيضًا لمحافظة القليوبيه والتى تبعد كثيرًا عن محافظة القاهرة ، جاء أبى من العمل ليشرف على عملية حزم الأمتعه ، لم أجد أبى سعيد ووجهه مشرق من الفرح مثل ذلك اليوم وقال لي والأبتسامة تعلو وجهه "فرحانه يا ناهد" قلت له طبعًا يا بابا ، قال لي "هناك مدرسة أعداديه سوف توفر عليك عناء السفر" لم أرد على أبى ومشيت من أمامه حزينه وقلت لنفسى سأحرم من القطار ، من الوقت الجميل الذى كنت أقضيه تحت شجرة التوت .
كنت أحب صوت الطيور وصوت حيوانات الحقل ، عبير الهواء ، الحقول الخضراء ، لم أشرك آحد معى فى مشاعرى ، كان الكل سعيد وفرحان ولم أرد أن أعكر صفو هذه المشاعر بمشاعرى الساذجه .
فى صباح اليوم التالى حضرت إلى المنزل سيارة كبيرة لنقل الأمتعة وحملت كل شىء ثم حضرت سيارة الشرطة ونقلتنا إلى مدينة منيا القمح ، جلست بجوار النافذة أنظر إلى كل شىء سأتركه ، أودع المكان الذى أحببته المركز الزراعى الذى كنا نلعب فيه ، محطة الفطار ، منزلنا الجميل الكبير ، الذى ولدت فيه أختى الصغرى عصمت والتى كانت تشبهنى إلى حد كبير لدرجة أنهم كانوا يقولون عنها ناهد الصغيرة .
وصلنا مدينة منيا القمح ، يالها من مدينة جميلة ، كبيرة بها مبانى ضخمة ، شوارعها واسعة ونظيفة إنهافى الحقيقه أجمل بكثير من شبين القناطر ، وصلنا بيت المأمور وكانت المفاجئه ، بيت كبير جدًا وفخم إنه يشبه القصر ، له سلم عريض من الرخام الأبيض ومكون من طابقين الطابق السفلى عبارة عن غرفة أستقبال كبيرة للحفلات والمناسبات والأعياد الرسمية وبجوارها غرفة أقل أتساع من الأولى وبها منضدة طويلة وعدد كبير من المقاعد تتسع لعدد كبير ثم مطبخ كبير أكبر من غرفة نومنا فى المنزل السابق ودورة مياه للضيوف ثم سلم يوصل إلى الطابق العلوى والذى هو السكن الخاص بنا ، المنزل محاط بحديقة كبيرة وجميلة .
عند وصولنا وجدنا العسكر فى أنتظارنا ومعهم نائب المأمور وزوجته ، رحبوا بنا وكانوا قد أعدوا لنا وليمة وبعد أن أكلنا جميعًا تركونا وذهبوا وبقى العسكر الذين قاموا بحمل أمتعتنا وفرشها .
المنزل فخم وجميل ، بدأت أتجول أنا وسهام وناديه ونختار غرف نومنا ، هناك عدد كبير من غرف النوم تكفى لنا جميعًا ولكنى أفضل أن لا أنام بمفردى ، بدأت أمى وأختى الكبرى قدريه فى توزيع الغرف ناهد وناديه وسهام فى غرفة محمد وأحمد فى غرفة ثانية وأستقلت قدريه بغرفة مجاورة لنا وأبى وأمى فى ناحية أخرى فى غرفة كبيرة .
تبددت أحزانى بالتدريج وبدأت أعتاد المنزل الجديد .
فى صباح اليوم التالى جاء عسكر المراسلة ليوصلنا إلى المدرسة ، المدرسة الأعدادية أنا وسهام ويقدمن إلى ناظرة المدرسة التى كانت فى أستقبالنا وعسكرى أخر أخذ ناديه وأحمد إلى المدرسة الأبتدائيه أما أخى الكبير محمد رفض أن يصحبه أحد إلى المدرسة وذهب بمفرده .
مرت الأيام أحببت مدينة منيا القمح ربما أكثر مما كنت أحب شبين القناطر وما زاد من سعادتى أنه يوجد بالمدينة نادى رياضى ، أحببت أيضًا مدرستى وأحببت كل شىء حولى .
مرت الأيام هادئة جميلة نحظى باحترام كل من فى المدينة كان الجميع يعاملونا معاملة خاصة ، تقدم لأختى قدريه الكثير وكعادتها رفضت الجميع.
كبرت وازدادت صداقتى مع أبى عمقًا ، أبى رجل مثالى ... يصلى ... يصوم ... يتصدق ... الجميع يحبه ويحترمه ، علمنى أبى كيف أصلى ، درست فى المدرسة فى حصة الدين بعض الآيات القرآنية ، اقتربت أكثر وأكثر من الله ولكنى لازلت أخافه وأخشاه .
مكثنا فى مدينة منيا القمح ثلاثة سنوات ، كلها سعادة لا أذكر شىء عكر صفو حياتنا ، نحظى باحترام وحب الجميع كنت أفرح جدًا فى الأعياد والمناسبات لآن القرى التابعة لمركز منيا القمح كانوا يدعوننا لقضاء العيد فى المزارع ، أتذكر يوم عيد شم النسيم دعانا عمدة أحدى القرى لم ولن أنسى ذلك اليوم الجميل الذى قضيناه فى وسط مزرعته ، كم كانت جميلة ، ركبنا الحمير وتمشينا وسط الحقول الخضراء الجميلة ، عبرنا قنوات المياه ، شاهدنا أبراج الحمام ، مزارع الدواجن والحيوانات ، كم كان يومًا رائعًا كنت حزينه لترك حقل وشجرة توت وعوضنى الله بما هو أكبر وأجمل ، كانوا يعدوا لنا الولائم ، كنت أحب مشاهدة الخبز فى الأفران فى القرى ، منظر جميل ، أحب رائحة العجين والخبز إنها تذكرنى بمنزل جدى الذى لم نذهب اليه بعد وفاة جدى إلا نادرًا وخصوصًا بعد وفاة جدتى ، لم يدم الحال على ما هو عليه طويلاً ، لن أنسى ذلك اليوم الذى عاد فيه أبى إلى المنزل مبكرًا على غير العادة وهو حزين ، لم أتحمل رؤية أبى حزين بكيت بشدة دون أن أعرف السبب ، ضمنى أبى الحبيب وقال " لا تبكى يا ناهد أنا بخير كل الموضوع وما فيه أنى نقلت إلى صعيد مصر مرة أخرى " قلت له أين ؟ ولماذا ؟ قال لي بصوت حزين "نقلت إلى محافظة قنا ، عينت قائد معتقل قنا السياسي" فى الحقيقة هى تعتبر ترقية وزيادة كبيرة فى المرتب ولكنه منصب صعب ، الصعب فيه التعامل مع المعتقلين السياسيين لأنهم أحيانًا يكونوا ذو مراكز كبيرة أو من أسر عريقة وربما أكون قد تعاملت معهم من قبل أويكونوا أقاربى حزنت لحزن أبى ولبكاء أمى الحبيبة أمى التى أحبها وأشعر بحبها ودفىء حضنها أمى التى لا أذكر فى يوم أنها ضربتنى أوحتى عنفتنى ، كنت أعرف ما يغضبها وأبتعد عنه ، كانت تقول "يكفى أن أنظر لناهد لتفهم ما أريد" الجميع حزين يبكى لكن لا محال لابد من تنفيذ الأوامر .
أستقلينا القطار السريع ، الرحلة طويلة ومرهقة ، أستغرقت حوالى عشرة ساعات أو أكثر ووصلنا إلى قنا ووجدنا ضباط المعتقل فى أنتظارنا وأخذونا إلى فندق قنا السياحى لحين وصول الأمتعه التى شحنت .
كان الفندق أمام ضريح الشيخ عبد الرحيم القناوى ، إنهم يقولون عنه أنه ولى من أولياء الله الصالحين .
قام أبى وقال "سأذهب لزيارة سيدى عبد الرحيم القناوى من يحب أن يأتى معى ؟ " ونظر إلىّ وكأنه يعرف أنى سأقول أنا ، رغم تعب الرحلة قلت له "انا يا بابا" ، أخذنى من يدى وتوجهنا إلى الضريح وهو بجوار جامع بنفس الأسم ، دخلنا من الباب ، أبى يرتدى بدلته الرسميه ، قام الشيخ المسئول ولقى أبى بكل ترحاب ثم أشار إلىّ وقال "الست هانم تدخل من باب الحريم" كنت وقتها فى الثالثة عشر من عمرى ، شعرت برعب حين تركنى أبى أدخل من باب الحريم ، ليتني لم أحضر ... منظر النساء كئيب ... مفزع ... قلت لماذا لا أكون مع أبى ؟ جاءت أحدى النسوة وأمسكت بيدى وقالت لي "انتى من مصر" قلت لها "نعم" قالت لي "لكن أنتى الآن فى الصعيد ويجب أن تسيرى على نهج بلدنا" كانت تلك الزيارة لضريح الشيخ عبد الرحيم القناوى الرجل الصالح ، الولى من أولياء الله الصالحين أول صدمة لي فى تلك البلد ، تسمرت فى مكانى أنتظر أبى وبعد وقت طويل حضر أبى وعدنا إلى الفندق ، قلت فى نفسى لن أزور هذا المكان مرة أخرى أبدًا حتى ولو برفقة أبى .
مكثنا فى الفندق حوالى أسبوع حتى أعدوا لنا منزل خاص لم يكن المنزل فخم مثل منزلنا فى مدينة منيا القمح شعرت بحزن شديد لم أعرف سببه فى ذلك الوقت ، ربما لآن أمى كانت حزينة وكذلك أخوتى الكبار لا أعلم.
فى صباح اليوم التالى ذهبنا إلى مدارسنا أنا وسهام إلى المدرسة الأعدادية ، ناديه وأحمد إلى المدرسة الأبتدائية و محمد إلى مدرسته الثانوية وبقيت قدريه مع أمى الحبيبه فى المنزل ، لم أشعر بالسعادة فى المدرسة كسابق عهدى ، المدرسة كبيرة ، الجميع يعرفونا ، يعاملونا معاملة خاصة ،ولكن هناك شعور بخوف من شىء خفى .
فى أحد الأيام سمعت صوت مشاجرة بين أبى وأمى ، ماهذا الذى يحدث ؟ لم أعتاد أن أسمع هذا الصوت ، أمى تحترم أبى جدًا وتطيعه فى كل شىء ، وأبى يحب أمى جدًا ولم أره مره فى حياتى يغضبها ، أندفعنا إلى حجرة أبى وأمى فى حالة ذهول ماذا حدث ؟ وجدت أمى باكيه تقول "أبوكم قائد المعتقل السياسى والذى من المفروض أن يكون فى غاية الحزم على نزلاء المعتقل ، يشترى لهم طعام خاص ويرسله لهم سرًا ، ويرفض معاملتهم بقسوة بحجة أنهم أناس من أسر شريفة وكانوا فى مناصب كبيرة ، ويخجل من أن يعاملهم معاملة سيئة " نظرت إلى أبى بكل حب واحترام وقلت في نفسي "يالك من إنسان رائع يا أبى ، كل يوم يزداد حبي وأحترامى لشخصك النبيل ، لم ينطق أبى بكلمة واحدة كل ما قاله "هيا أذهبوا إلى غرفكم دي مشكلة بسيطة سوف أحلها مع أمكم" .
مر وقت غير طويل وسمعت أمي تقول لقدريه "ربنا يستر جاء من مصر لواء من وزارة الداخلية وهو الآن يحقق مع والدك الذي رفض أن يسمع لي ، ربنا يستر" .
عاد أبى من عمله مبكرًا وهو حزين جدًا يبذل جهد كبير في حبس دموعه والتي لم تطيعه وانهمرت من عينه دموع أبى التي لم أراها إلا يوم وفاة جدي ، لماذا أراها مرة أخرى ؟ ماذا حدث ؟ قال لي أبى بصوت مختنق بالبكاء "لم أتوقع أن الحكم سيكون بهذه القسوة، أحالونى إلى المعاش، معاش مبكر" لم أتحمل ما سمعت انطلقت من أمام أبى إلى حجرتنا وقلبى يعتصر من الحزن، كنت أبكى بشدة أنا وقدريه وسهام جاء إلينا أبى وتظاهر بعدم المبالاة وقال "أنا من البداية لم أكن راضى عن هذا المكان والحمدلله أن التحقيق وصل إلى هذا الحد ولم يفصلونى من الخدمة، سنذهب إلى مصر وسوف ألجىء إلى القضاء وأن شاء الله سأسترد حقى لا تبكوا" تركنا أبى بعد أن نجح فى تخفيف الصدمة علينا وبدأنا مرة أخرى فى حزم الأمتعة لنذهب إلى مصر أو القاهرة، سبقنا أبى ليعد لنا مكان مؤقت لحين أستلام شقتنا الجديدة والتى أشتراها أبى فى عمارات ضباط الشرطة بالعباسية، نزلنا فى شقة صغيرة فى عمارات الأوقاف فى ميدان الكيت كات، سنبقى فى هذه الشقه عام على الأقل ربما أكثر بدأنا نستقر ونشعر بالارتباح بعد فترة عصيبة مشحونة بالأحداث، بدأنا نعتاد المكان أستقر كل واحد منا فى مدرسته، أنا وسهام فى المدرسة الأعدادية فى عامنا الأخير، لنتقدم إلى امتحان الشهادة الإعدادية تفرغ لنا أبى ليساعدنا فى المذاكرة والتحصيل، دخلنا الامتحان، نجحنا وحصلنا على الشهادة الإعدادية، حصلت على مجموع كبير يدخلني المدرسة الثانوية، أما أختي سهام فكان مجموعها لا يسمح لها بالالتحاق بالمدرسة الثانوية لذلك التحقت بالثانوية الفنية، ذهبت إلى مدرسة الأورمان الثانوية للبنات، كنت أستقل سيارة المدرسة، كنت أشعر أنى وحيدة فمنذ أعوام ترافقني أختي الحبيبة سهام، نذهب معًا إلى المدرسة ونعود معًا.
تأثرت كثيرًا لدرجة أنى كرهت المدرسة الثانوية التي حرمتني من سهام، لم أعد متفوقة كما كنت وكانت النتيجة أنى رسبت في امتحان نهاية العام وبقيت للإعادة، كان رسوبي صدمة لي ولجميع أفراد أسرتي، كرهت الذهاب للمدرسة، أنى أشعر بالخجل، أول مرة في حياتي أشعر بالفشل.
أستلم أبى شقتنا الجديدة في عمارات ضباط الشرطة بالعباسية، فرحنا جميعًا وحزمنا أمتعتنا للانتقال إلى الشقة الجديدة، وصلنا إلى العباسية أنها جميلة... فخمة ... نظيفة...عمارات ضباط الشرطة خاصة بضباط الشرطة فقط، عمارات عملاقة مكونة من أثنى عشرة طابقاً، تراها من بداية الشارع "شارع أحمد سعيد" شقتنا بالطابق الثاني، هناك مصعد كهربائي كبير للأثاث وأخر للأفراد.
فرحنا جميعًا بالشقة الجديدة والحى الراقى وبدأنا نختار الغرف، قال أبى وهو يتظاهر بالسعادة "هذه الشقة هى نهاية المطاف كل واحد منكم سيخرج من هنا إلى منزل الزوجية وأنا وأمكم إلى المقابر بعد أن نتم رسالتنا فى الحياة" صرخنا جميعًا "بعد عمر طويل" ذكرني أبى للمرة الثانية أو الثالثة بالموت وحساب الملكين والقبر، أرجوك يارب أبقى أبى وأمى أحياء وايضًا أخوتى وأخواي، لا أريد أن أذوق مرارة فراق أحد من أسرتي.
مرت أيام هادئة لا تحمل جديد، أبى ينتظر حكم المحكمة الذي ربما يطول انتظاره لسنوات، أدخلني أبى مدرسة العباسية الثانوية التجريبية للبنات والتي كانت مدرسة حديثة الإنشاء بجوار منزلنا الجديد.
بدأت عام جديد بمشاعر أفضل وحماس أكثر الذي يرجع الفضل فيه إلى أبى الذي أدين له بالكثير الذي ساعدني أن أستعيد ثقتي بنفسي، ذاكرت دروسي بكل حماس واثقة من النجاح كان ذلك عام 1956 وكان... نجحت وبتفوق وانتقلت إلى الصف الثاني الثانوي القسم العلمي، كم أنا سعيدة وجدت نفسي مرة أخرى.
مرت الأيام وتزوجت أختي قدريه من شاب جميل أسمه أحمد رأفت عبد الفتاح شعره أصفر وعيناه زرقاويتين، طويل القامه ، وسيم ، من مدينة شبين القناطر ، هنا عرفت لماذا كانت أختى قدريه ترفض كل من يتقدم إلى خطبتها ، كانت تنتظر أحمد حتى يتم دراسته الجامعية لأنها كانت تحبه ، أول مره أسمع كلمة حب بين فتاة وشاب ،ونهايه سعيدة للحب ... الزواج .
ليتني أنا أيضًا اجد من أحبه وتنتهي قصة حبنا بالزواج مثل قدريه أختي ولكني لازلت صغيرة أنا في الرابعة عشر من عمري، صحيح أن هناك تغيرات حدثت في جسدي ظهرت أشياء تدل على أنى أصبحت آنسة ولكن يجب أن أنتظر لأجد من يستحق حبي، لم أنتظر طويلاًً، قابلت في المصعد شاب جميل، سألني ما أسمك ؟قلت له بكل خجل "ناهد ... وأنت ؟ " قال" عبد الرحمن" أنا أقيم مع أبى وأمى وأختى وفاء فى الدور السابع ، وقف المصعد فى الدور الثانى بسرعة تمنيت أن يطول الحديث بيننا ، أول مرة فى حياتى أشعر بنبضات قلبى مسرعة هكذا ، فتح لي باب المصعد وقال ياليت أن أراك ِفى نادى ضباط الشرطة بالجزيرة نحن نذهب فى الأجازات يوميًا وفى العام الدراسى يوم الجمعة ، بكل تأكيد والدك عضو فى النادى ، قلت نعم والدى عضو فى النادى ولكل فرد منا بطاقة عضويه ، قلت لنفسى لابد أن أذهب إلى النادى .
طرحت فكرة الذهاب إلى النادى وشجعنى الجميع وكان ذلك فى الأجازة الصيفيه تكرر لقائى فى النادى مع عبد الرحمن ، لقاء برىء يخلو من أي شيء يغضب الله الذي لم أنساه للحظة ولم أنسى أنى سأموت وسأقدم للملكين فى القبر حساب عن حياتي ، قضينا أجمل الأوقات ، انتهت الأجازة الصيفية وبدأ عام جديد ، أنا فى الصف الثانى الثانوى ، لابد أن أبذل مجهود أكبر لأحتفظ بتفوقي ، نجحت وانتقلت إلى الثانوية العامة .
كنت من وقت لآخر التقى بعبد الرحمن الذي كان يسعدني لقاءه وكلامه وطموحاته ، كان يكبرني بعامين نجح في الثانوية العامة ودخل كلية الطيران ، أنشغل عبد الرحمن بحياته الجد يده لا يحضر إلا يومي الخميس والجمعة ونادرًا ما أراه ، وانشغلت أنا أيضًا في المذاكرة ، إنها الثانوية العامة ، لابد أن أنجح وأحصل على مجموع كبير يؤهلني لدخول الجامعة ، خصوصًا بعد أن فشل أخي محمد في الحصول على المجموع الذي يؤهله لدخول كلية الهندسة التي كان الجميع يحلم بها وأضطر أبى أن يبيع جزء من ميراثه ليرسله إلى ألمانيا
لدراسة الهندسة هناك ، نجح أبى في إدخال أخي محمد كلية الهندسة في ألمانيا وسافر محمد وترك خلفه فراغ كبير .
حزنا جميعًا على فراقه ولكن عزى قلوبنا نجاحه في الدراسة وتخرجه من الكلية التي كان يحلم بها الجميع وعمل مهندس سيارات في شركة جنرال موتورز وانتقل إلى كندا وعاش هناك .
جاء موعد الامتحان، امتحان الثانوية العامة، مر بسلام، واثقة من نجاحي وتفوقي، جاء يوم ظهور النتيجة، نشرت النتيجة في جريدة الأهرام، نجحت بتوفيق الله ، حصلت على مجموع يؤهلني من دخول كلية التربية الرياضية التي أحلم بها ،حيث أنى كنت متفوقة رياضيًا وكنت أشارك في جميع الأنشطة الرياضية وحصلت على بطولة شرق القاهرة في السباحة ، فرح الجميع بنجاحي ونجاح أختي سهام وحصولها على دبلوم ثانوي فني ، لم ترغب أختي سهام في أكمال تعليمها العالي واكتفت بالدبلوم .
دراستي الجامعية
ظننت أنه بدخولي الجامعة سوف أتحرر من القيود التي كانت مفروضة عليّ ؛ مدرستي خلف منزلنا ؛ لا أستطع التأخر ولو لخمسة دقائق ؛ النادي لا بد وأن نكون برفقة محمد أخي الكبير قبل سفره ؛ وبعد سفره حل محله أحمد ؛ أحمد كبر وأصبح رجل على الأقل في نظر أبي وأمي ورغم أني أكبر منه بعدة سنوات ولكن لابد أن التزم بأوامره.
أحيانا كنت أشعر بالإختناق ؛ كلمت أمي كثيرا وقلت لها " أنا كبرت وأستطيع جيدا أن أحافظ على نفسي ؛ أريد مساحة من الحرية " قالت أمي " " وهل هناك ما تخجلين أن يكون أمامنا " ؛ قلت لها " بكل تأكيد لا " قالت " إذا لماذا تريدين مزيد من الحرية ؛ نذهب إلى النادي أسرة ؛ سويا ونعود سويا ؛ من يريد أن يزورك من صديقاتك أهلا به ؛ ومن تريدي أن تزوريه يذهب معك أحمد ونادية وإذا كانوا يرحبون بنا كأسرة أنا على إستعداد أن أذهب معك وأيضا أستضيفهم " عانيت أنا وسهام من تلك القيود المفروضة علينا ولكن لا فائدة لن أستطع أن أغير شيئا . بحث أبي عن عمل لأختي سهام وبكل تأكيد لابد وأن يكون في مكان محترم وخيرا وجد لها عمل في المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية لتعمل هناك كسكرتيرة حيث أنها تجيد الكتابة على الآلة الكاتبة ؛ أبي يرافق أختي سهام يوميا إلى العمل بحجة أن كل العاملين هناك أصدقاء له وأبي رجل متدين ويريد أن يطلع على الكتب الدينية وتفاسير القرآن الكريم وهذه الكتب متواجدة في المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية وبذلك أتيحت له الفرصة أن يكون معها دائما أو على حد تعبير أمي " تكون تحت عينيه ". إلتحقت بكلية التربية الرياضية والتي تقع في الجزيرة بجوار نادي ضباط الشرطة تماما يفصلها عنه سور إرتفاعه متر. أدخلني أبي القسم الداخلي ؛ بحيث لا أخرج من الكلية إلا يوم الخميس في نهاية الأسبوع وأعود مساء الجمعة أو صباح السبت مبكرة ؛ شعرت أنني في سجن ؛ أبي ينتظرني كل يوم خميس على باب الكلية ويوصلني مساء كل جمعة أو صباح السبت إلى الكلية ؛ نعم أبي صديق ليّ وأنا أحبه ولكنني كنت أشعر بعض الأحيان أنه سجّان وفي يوم من الأيام كان أبي يوصلني كالعادة إلى الكلية ؛ إلتقينا في الطريق بزميلة ليّ ورافقتنا وتحدثنا طويلا عما يحدث في الكلية ؛ وللعلم الكلية فتيات فقط ثم تناولنا موضوع الطعام وما نعاني ؛ فقلت لأبي " نادي الشرطة بجوارنا هل تقبل أن تعطيني إذن أن أذهب إلى هناك أحيانا أتناول وجبة الغذاء " وافق أبي بعدما سمع من زميلتي ؛ فرحت جدا بتصريح أبي وأنه وافق بسهولة ؛ إنتهزت الفرصة وذهبنا إلى المشرفة وسجل أبي موافقته على منحي ساعة واحدة أذهب فيها إلى نادي الشرطة ؛ في النادي الجميع يعرفوننا جيدا وأيضا سوف أكون تحت المراقبة لا يهم يكفيني ساعة واحدة يوميا أتناول فيها وجبة الغذاء في النادي بمفردي دون مراقبة ؛ مر عامي الأول في الكلية بسلام ونجحت بتفوق ونقلت للصف الثاني.
كبرت أختي نادية وأصبحت شابة جميلة ؛ تفيض شبابا وحيوية ؛ كان من يراها يظن أنها تكبرني بأعوام وأصبحنا ثلاثة شابات ؛ كانت أمي تقول دائما " متى أراكن في بيوت أزواجكن " وأبي كان يقول " ليس الآن لابد أن يكملن تعليمهن الجامعي ؛ تقدم لخطبة أختي سهام زميل يعمل معها في المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية ؛ أسمه محمد رمزي ؛ كان شابا متوسط القامة ؛ أسمر اللون ؛ عيناه تنطقان بالذكاء ؛ كان حاصلا على ليسانس آداب قسم لغة إنجليزية ؛ وافق الجميع على الخطبة ؛ فرح أبي وأمي بهذا الزواج وبدأوا في إعداد منزل الزوجية ؛ تزوجت سهام وتركت المنزل إلى منزل الزوجية ؛ تركت خلفها فراغ كبير ؛ كم كانت عطوفة رقيقة المشاعر .. تحب الجميع ؛ ولكن هذه هى سنة الحياة. أصبحنا أربعة بعد سفر محمد وزواج قدرية وسهام ؛ أنا أكبرهم سنا ؛ ولكن ليست صاحبة الأمر ؛ الأمر كان لأحمد الذي نال قسط كبير من التدليل وخصوصا بعد سفر محمد ؛ ناهد ونادية وعصمت أختي الصغيرة في كفة وأحمد بكفة لمفرده وربما كفته تكون أرجح منا جميعا ؛ كنت أتساءل ما الفارق بين الذكر والأنثى ؛ أنا مثلا متفوقة في تعليمي بعد سنوات قليلة سوف أحصل على باكالوريوس كلية التربية الرياضية ؛ سوف أعمل مدرسة في إحدى المدارس الثانوية ؛ ما الفارق بيني وبين محمد أخي مثلا؟ أنا تفوقت عنه ووفرت لأبي عناء إرسالي إلى الخارج لإتمام تعليمي الجامعي مثله ؛ بعد تخرجي سوف أتقاضى أعلى مرتب لحصولي على شهادة جامعية ولكن كانت هناك آية قرآنية ترددها أمي دائما تقول " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " " سورة النساء رقم 4 والآية رقم 34 " كنت أقول لأمي " لا هذه الآية لا تنطبق عليّ أنا سوف أحصل على مرتب كبير ؛ أنا جامعية ؛ زوجي لن ينفق عليّ ربما يكون راتبي أكبر منه ؛ فلا معنى للقوامة ؛ أو ربما نتساوى في الدخل ؛ إذا هو ليس قيم عليّ " ولكن أمي لم تسمع ليّ ولم توافقني أبدا وكانت دائما ما تنهي المناقشة بقولها " هذا هو شرع الله " شرع الله ... أنت ظالم يا الله ... نعم أنت ظالم .. أو ربما كنت لا تعلم أنه سيأتي يوم مع تقدم البشرية وستنال المرأة قسطا من التعليم وستعمل جنبا إلى جنب مع الرجل وستبطل قوامة الرجال عليها ؛ لأول مرة في حياتي أشعر بظلم الله ليّ ؛ أشعر بداخلي بركان يكاد أن ينفجر وتنطلق منه الحمم المشتعلة ؛ أسألك يا الله وليتك تجبني ؛ أليس أنت الذي خلقتني أنثى؟ أتخلقني أنثى ثم تنقص من شأني وتضع الذكر فوق أكتافي؟ لماذا؟ بدأت ثورتي على هذا الإله ؛هناك خلل ما ؛ لابد أن أقرأ القرآن جيدا والتفاسير كذلك الأحاديث النبوية لأعرف الحقيقة ؛ نحن على أبواب نهاية العام ؛ سأبدأ على الفور دراسة القرآن ؛ أبي بكل تأكيد سيفرح بذلك وسيقدم ليّ كل المراجع وأيضا سيساعدني على فهم القرآن. ورغم ثورتي وغضبي من ظلمك يا الله ؛ أجد في أعماقي حب شديد لك وخوف أشد من ذلك اليوم الذي سأقف بين يديك وأقدم حساب عن كل ما فعلت .. لا أريد أن يأتي هذا اليوم الآن ؛ أرجوك يا الله تأنى وأتركني أعمل صالحا يدخلني الجنة.
أنتهى العام الدراسي وكالعادة نجحت بتفوق ؛ الآن أمامي مهمة صعبة جدا وهى دراسة القرآن ؛ أعلم جيدا أن اللغة العربية صعبة الفهم ؛ لابد من الإستعانة بالتفاسير وأيضا والأهم أبي ومعرفته الكبيرة بالقرآن والسنة والأحاديث ؛ سألت أبي " من أين أبدأ؟ " قال ليّ " إبدأي من أول المصحف الفاتحة ثم سورة البقرة وهكذا .. الخ " أنا على يقين أن هناك إله قدير خلق الكون بكل هذه الدقة ؛ أرى الله في كل شئ حولي ؛ أراه في الطائر يطير وأسبحه على قدرته ؛ أرى يده رفعت السموات ؛ البحار .. الأنهار .. كل شئ حولي يؤكد بدون شك أنه من صنع يدي الخالق القدير ؛ ولكن لماذا ظلمني؟ أشعر بظلم الله ليّ لكوني أنثى ؛ لابد وأن أقرأ بنفسي وأتحقق ؛ لا أريد أن أنطق بكلمة أحاسب عليها وأنا أعلم جيدا أن حساب الله سيكون عسيرا. أمسكت المصحف وإلتزمت بشروط الطهارة وبدأت أقرأ ؛ وكانت صدمتي التي أفقدتني صوابي .. ما هذا؟ هل من المعقول أن يكون الله القدير الذي خلق العالم بهذه الصورة الرائعة ؛ أن يكون هو هو قائل هذه الآيات ؛ في سورة البقرة والآية رقم 23 ؛ 24 " وإن كنت في ريب مما نزلنا على عبدنا فآتوا بسورة من مثله وإدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا فأتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين "
أجمع المفسرون على أنه من إرتياب أو شك في القرآن الذي أنزله الله على رسوله فليأتي بمثله وإن لم يفعل وبكل تأكيد لن يفعل سيقذف في نار محماة وقودها الناس والحجارة ؛ وأيضا من يشك في القرآن يعتبر من الكافرين. لا يارب لا أريد أن أكون من الكافرين أستغفرك وأتوب إليك ؛ أرجوك إدخلني الجنة ولا تدخلني تلك النار ؛ شعرت برعب شديد من الله مع أني في أعماقي أحبه وأشعر أنه في قلبي ؛ أدعيه يستجيب وإذا سألته في أي شئ أريد أن أعرفه جاوبني في حلم ؛ فمثلا لا أسأله قبل نومي : " يارب أريد أن أعرف هل سأنجح في إمتحان نهاية العام " يجاوبني الله في حلم بعلامة واضحة ؛ لابد أن هناك شئ خطأ إن أبي صديقي نعم أخاف منه إذا أخطأت ولكني أشعر بحبه وحنانه ورعايته والمفروض أن يكون الله أب رحيم .. محب .. عطوف وليس إله مرعب.
إن القرآن زاد من خوفي من الموت ؛ وزاد من رعبي من يوم القيامة ؛ وجعلني لا أطيق أن أسمع عن عذاب القبر والأهوال التي سيمر بها من يكفر بآيات الله البينات.
رضخت وسلمت وقلت لنفسي لابد أن أفعل مثل أمي وأقول إرادتك ومشيئتك يارب وأقبل ما قسمه الله ليّ. واصلت مسيرتي في قرأة القرآن ؛ قرأت سورة الـ عمران أبهرتني شخصية سيدنا عيسى أبن مريم وشخصية أمه السيدة مريم بنت عمران ووجدت كم هائل من الأسئلة في داخلي يكاد أن يعصف بيّ ؛ من هو عيسى أبن مريم؟ إنها السيدة الوحيدة التي ذكر إسمها في القرآن ؛ وذكر ميلادها وسميت سورة آلـ عمران بإسم قومها ؛ ففي الآية رقم 35 من سورة آلـ عمران يقول القرآن " إذ قالت إمرأة عمران رب إني نذرت ما في بطني محررا فتقبل مني إنك السميع العليم "
يقول المفسرون أن أم السيدة مريم حينما حبلت بالسيدة مريم ؛ قدمت ما في بطنها للرب وهذا إن دل على شئ يدل على أن السيدة مريم من أسرة متدينة مؤمنة بالله وفي الآية رقم 36 " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى ؛ والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " وعندما بحثت في كتب المفسرين عن معنى إسم مريم وجدت أن معناه خادم الرب وعن معنى قوله تعالى " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " بعنى أن مريم والمولود منها عيسى أبن مريم ليس للشيطان عليهما من سلطان ؛ تعجبت كثيرا لأن أبي كان يقول لمن يفعل منا عمل يغضبه " أجاءك شيطانك " ثم يقول : " قال الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه : من منكم إلا وقد وكل به قرينه من الجن "بمعنى أن جميع الناس لهم قرين من الجن يدعوهم إلى فعل الشر إلا مريم وعيسى إبن مريم ؛ وهنا علامة إستفهام كبيرة ولغز لابد من حله ؛ لماذا مريم وإبنها فقط؟ وكنت أعلم أن للرسول أيضا قرين من الجن إلا أن الله أعانه عليه فأسلم وبدأت أسأل نفسي ؛ هل أسلم شيطان أبي؟ ما هو الدليل الذي يؤكد إسلام الشيطان؟ سألت أبي وقلت له " كيف أعرف إذا كان شيطاني أسلم أم لم يزل كافرا؟
قال ليّ " هذا موضوع صعب لا شأن لك به ولكن يجب أن تقوي على وسوسة الشيطان بالصلاة والصوم وقراءة القرآن وخصوصا المعوذتين" واصلت دراستي للقرآن الكريم والإستعانة بكتب المفسرين وأبي الحبيب الذي كان سعيدا وفخورا بيّ ؛ خصوصا وبعد أن بدأت أواظب على الصلاة ؛ قرأت في الآية رقم 37 من نفس السورة ؛ سورة آلـ عمران ما يلي : " فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ؛ وكفلها زكريا ؛ كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقها قال : يا مريم أنى لك هذا ؛ قالت هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب " تعجبت كثيرا وسألت نفسي ؛ كيف يرسل الله الرزق إلى مريم ؟ وبعد أن عرفت من كتب المفسرين أن زكريا كان يجد عندها فاكهة الشتاء بالصيف وفاكهة الحر في الشتاء!؟ ربما كان يرسله بيد ملاك من الملائكة ؛ ولكن لماذا؟ لماذا لم تأكل مريم أكل أهل الأرض العادي؟ لماذا تأكل طعاما سمائيا؟ وسؤال أخر لا يقل أهمية كيف عرفت إمرأة عمران أو أم مريم أن الله تقبل منها مولودتها مريم كنذر بقبول حسن؟ ربما أيضا أرسل لها ملاك يخبرها بذلك ؛ أو خاطبها في رؤية أو أي طريق آخر طرق الله كثيرة ولكن ما هذه الأسرة المباركة التي على إتصال بالله هكذا؟
وما زاد من دهشتي ما جاء في الآية رقم 42 ؛ 43 " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نساء العالمين . يا مريم أقنتي لربك وأسجدي وإركعي مع الراكعين " الله أرسل الملائكة إلى مريم ليبلغوها رسالة من الله ؛ السيدة مريم رأت الملائكة وتحدثت معهم !! ليتني أرى ملاك مثلها .. والأعجب الرسالة السيدة مريم مصطفاة مرتين ؛ أي خالية من الشوائب ونحن نقول فلان من صفوة القوم يعني من أفضلهم ؛ وأيضا مطهرة من الكفر وسائر الأدناس مثل الحيض والنفاس وما زاد من دهشتي ما وجدته في تفسير القرطبي واحد من كبار مفسري القرآن ؛ وجدته يقول : " قال علماؤنا أن الكمال المطلق إنما هو لله تعالى خاصة ؛ ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء ؛ ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين ؛ وقد قيل أن الكمال المذكور هنا يعني النبوة ؛ فيلزم أن تكون مريم نبية ؛ وقد قيل بذلك والصحيح أن مريم نبية ؛ لأن الله أوحى لها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر الأنبياء ؛ وقيل أيضا أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر إمرأة تقوم عليها الساعة"
تسمرت مكاني من ما قرأت على السيدة مريم ؛ نعم سيدتنا كلنا مريم ؛ قرأت بعيني ومن كتب لا خلاف عليها ومن تلك اللحظة وجدتني أحب السيدة مريم حب عجيب وأحببت حتى مجرد النطق بإسمها ؛ يا لها من سيدة عظيمة ؛ يا لها من نبية أفضل نساء العالم. وهنا ووجدت سؤال محير ملح ؛ كنت أعرف من حصص الدين ومدرسوا الدين أن السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه ؛ لم تكن مؤمنة ؛ وماتت قبل أن تأتي الرسالة النبوية ؛ لماذا كل هذا الفارق الهائل بيننا وبين أم عيسى أبن مريم النبية وأفضل نساء العالم؟ لماذا لم تكن أم خاتم الأنبياء والمرسلين ؛ أشرف الخلق أجمعين ؛ لماذا لم تكن هى النبية وأفضل إمرأة في العالم؟ رحت أسأل أبي عما يدور بذهني ؛ شاهدت علامات الغضب على وجهه وقال ليّ : " أنت هتعدلي على الله .. أنت هتكفري .. يبدوا أنك ستضيعين نفسك .. لا مقارنة " قلت له : " لا أستغفر الله .. من أنا حتى أسأل لماذا ؛ لن أسأل مرة أخرى ؛ لا أريد أن أكون من أهل الجحيم وأنال عذاب السعير ؛ أستغفرك يارب وأتوب إليك "
حاولت قدر إستطاعتي أن أطرد كل ما دار بداخلي ؛ تناسيت وقلت لنفسي أنا أقرأ القرآن لأقترب من الله أم لأكفر به ؟ حاشا لله مهما حدث لن أكفر بالله أبدا ؛ لن أسأل مرة أخرى. وقعت عيني على الآية رقم 45 والتي تقول " إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى أبن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " يا للعجب ؛ للمرة الثانية يرسل الله الملائكة إلى السيدة مريم لتبلغها رسالة أخرى وما هى الرسالة ؟ بشرى بكلمة من الله إسمه المسيح عيسى بن مريم ! ترى هل بشرت السيدة آمنة بنت وهب بميلاد سيد الخلق أجمعين؟ لا لم يحدث لم أسمع ذلك من مدرسوا الدين ولا من أمي ؛ ولكن لماذا؟ ربما كانت بشرت لكانت آمنت به ودخلت الجنة .. والسؤال الأكثر أهمية من هو هذا الذي يقول عنه القرآن أنه كلمة الله؟ وما معنى قول القرآن " وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " بحثت في كتب المفسرين ووجدت أن كلمة منه أي كن فيكون ؛ زاد هذا التفسير من حيرتي ؛ هل معنى ذلك أن المسيح أبن مريم هو أمر الله ؟ كلام غير منطقي هناك شئ مخفي عني ؛ ربما إن قرأت أكثر أصل إليه ؛ وفي معنى " وجيها " قال المفسرون : أي شريف وذا جاه وقدر إذا المسيح عيسى أبن مريم شريفا ذا حاه وقدر في الدنيا والآخرة وأيضا من المقربين إلى الله تعالى. زاد شوقي أن أعرف المزيد عن المسيح عيسى أبن مريم من هو وكيف يكون كلمة الله ؛ لم أسمع من قبل أنه عن أحد من الأنبياء أنه كلمة الله !!
كل الأنبياء أتوا بكلمة من عند الله ؛ لم يقل أحد منهم أنه هو الكلمة ؛ واصلت القرأة في القرآن في سورة آلـ عمران ورأيت بعيني العجب كل العجب في الآيات من 46 إلى 51 ؛ في الآية رقم 46 يقول القرآن " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " وعلى الفور تذكرت قصة ميلاد عيسى أبن مريم والتي سمعتها من أحد مدرسي الدين وكيف أن عيسى نطق وهو مولود لتوه وبرأ أمه من تهمة الزنى ؛ وزادت حيرتي وأيضا أسئلة كثيرة تدافعت إلى رأسي ؛ لماذا ولماذا .. ؛ وفي الآية رقم 47 " قالت مريم " رب أني يكون ليّ ولد ولم يمسسني بشر ؛ قال كذلك يخلق الله ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " إذا عيسى أبن مريم ليس كسائر البشر ؛ ولد بدون عملية تزاوج ؛ ولكن لماذا؟ لماذا بعد كل هذه السنوات يأتي عيسى أبن مريم بهذه الطريقة المعجزية؟ ويتكلم وهو في المهد ! لم أسمع من قبل شئ مثل هذا ! ؛ وفي الآية رقم 48 " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " الله بنفسه علم عيسى أبن مريم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. وفي الآية رقم 49 " ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " ولم أستطع أن أتمالك نفسي وأنطلقت مسرعة نحو أبي وقرأت عليه الآية السابقة ؛ إبتسم أبي ليخفف من إنفعالي وقال لي : " عيسى بن مريم نبي من الأنبياء أولي العزم ؛ وله عندنا مكانة كبيرة جدا ؛ ونحن نصدق بكل تأكيد كل كلمة كتبت عنه في المصحف الشريف ولكن العيب في النصارى أنفسهم لأنهم عبدوه وعملوا منه إله ولم يكتفوا بذلك بل حرفوا في الإنجيل ولذلك أرسل الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليصحح الخطأ ويأتي بالقرآن الكريم الكتاب الذي تعهد الله بحفظه في قوله تعالى " إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ولا تتعجبي هكذا كل ما صنع عيسى أبن مريم كان بإذن الله ؛ النصارى مشركون وكفرة يقولون أن عيسى أبن مريم أبن الله ؛ الله تزوج مريم وأنجب منها عيسى ويقول أنهم الثلاثة آلهه ؛ إنهم ضلوا هل تقبلين هذا؟ هل ترضي أن يشرك بالله؟ " قلت له " أستغفر الله وأتوب إليه من أن أشرك به أحدا ؛ ومن أن تكون له زوجة وولد ؛ لقد ضلوا سواء السبيل ؛ لعنة الله عليهم " وبذلك تمكن أبي أن يسكت ثورتي وأن يمحوا من داخلي كل الأسئلة نعم كرهت النصارى المشركين ؛ كيف يشركون بالله الذي أحبه من كل قلبي وأعماقي وكيف حرفوا الأنجيل وأيضا اليهود قبلهم حرفوا التوراة ؛ كنت أسمع أمي تقول وأنا صغيرة ولم أنس مقولتها ؛ عندما كانت تقسم " أخسر ديني على دين اليهود والنصارى " نعم اليهود والنصارى " نعم اليهود والنصارى خسروا دينهم ؛ أما نحن فالحمد لله ؛ نحن المسلمون على دين الحق ؛ لن أفكر في شئ يغضب الله حتى لا يدخلني نار جهنم ويكون مصيري مع اليهود والنصارى.
واصلت مسيرتي مع المصحف الشريف وقرأت في الآية رقم 50 ؛ 51 من سورة آلـ عمران " ومصدقا لما بين يديه من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فأتقوا الله وأطيعون ؛ إن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا صراط مستقيم " صدقت كل كلمة قالها أبي ونحيت جانبا كل الشكوك والأسئلة ؛ المسيح عيسى أبن مريم برئ من هؤلاء النصارى المشركين وخصوصا بعد ما سمعت أبي يقول أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال " أنا أولى بالمسيح عيسى أبن مريم من النصارى " وفي الآية رقم 55 يقول القرآن الكريم " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافك إلىّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين إتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون " فهمت من كتب المفسرين أن الله رفع عيسى أبن مريم إليه وجعل الذين يتبعون رسالته الحقيقية فوق الذين كفروا أي النصارى إلى يوم القيامة ثم في ذلك اليوم يحكم بيننا وأنه أيضا طهره من كفرهم وقولهم أنه إله.
وقع بصري على الآية رقم 85 ؛ يقول الله تعالى " ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " لا يارب ؛ أستغفرك وأتوب إليك لن أكون إلا مسلمة موحدة بالله الذي لا شريك له وحاشا أن تكون له صاحبة ولا ولد. كلما قرأت في القرآن الكريم أشعر بالخوف الشديد من الله الذي يسجل ليّ خطاياي ؛ من الله خير الماكرين والذي له المكر كله على حد تعبير القرآن في الآية رقم 54 من سورة آلـ عمران " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " أي إن كان هذا المكر ؛ المفسرون يقولون أنه مكر حميد ولكن على أي حال هو مكر ؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لن أستسلم للشيطان عدو الله الذي يزرع في داخلي الشكوك والوساوس وسأواصل مسيرتي مع المصحف الشريف الكتاب الوحيد الذي لم تمتد إليه يد إنسان كافر بالتحريف. وصلت إلى سورة النساء ؛ بدأت أقرأ بكل حماس ؛ إني أسمع الكثير والكثير عن تكريم المرأة في الإسلام ومنحها حقوقها التي سلبت منها في الجاهلية ؛ جلست في حجرتي والتي تشاركني فيها نادية وعصمت وأنتهزت فرصة خروجهم مع أمي وبدأت أقرأ ؛ قرأت في الآية رقم 3 ما يلي " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا " كانت تلك الآية بمثابة صدمة ليّ ؛ أسرعت إلى كتب المفسرين ؛ نعم أن ما فهمته صحيحا الله أعطى الرجل المسلم الحق في التزوج من أربع نسوة في وقت واحد ولكن لماذا ؟ أسرعت إلى أبي مرة أخرى ؛ سألته هل هذا صحيح؟ ؛ قال ليّ " نعم الله من رحمته على المرأة من أن تبقى بدون زواج أعطى الرجل هذا الحق ؛ خصوصا أنه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الحروب كثيرة وبكل تأكيد كان عدد الرجال أقل بكثير من عدد النساء بسبب الإستشهاد فصرح للرجل أن يجمع أكثر من زوجة إلى أربع زوجات " قلت له " ولكن الآن لا توجد حروب " قال " ها أنا أمامك لم أتزوج غير أمك وكل عائلتنا الكبيرة لا يوجد فيها من تزوج بأكثر من واحدة لا تقلقي هذا لا يحدث الآن إلا نادرا وبين الطبقات التي لم تنل قسطا وافرا من التعليم " كان كلام أبي الذي حاول يطمئنني كان صدمة شديدة ليّ وعدت أقول في نفسي هذا ظلم كيف يسمح الله بهذا الظلم الشديد للمرأة التي هى نصف المجتمع؟ إني أفضل أن أبقى بدون زواج من أن يتزوج زوجي بأخرى ويسقيني كأس مرارة الغيرة.
أنت ظالم للمرأة يا الله نعم أنت ظالم .. مع أنني أرتعب منك وأخشاك لكن هذه هى الحقيقة .. أنت ظالم للمرأة ؛ وهنا فهمت لماذا يفرحون بالمولود الذكر ؛ لماذا تغتم الأسرة وتحزن عندما ترزق ببنت؟ لماذا وضعوا أخي أحمد الذي يصغرني بعدة سنوات فوق أكتافي ؛ لابد أن أطيعه ؛ ولماذا قالت ليّ أمي " هذا شرع الله " شرع الله نعم لقد قرأت بنفسي ما جاء في المصحف الشريف واصلت القرأة في سورة النساء ؛ وجدت في الآية رقم 11 ظلم أشد ؛ يقول الله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " لماذ يرث الذكر ضعف الأنثى ؛ أليس لكل منهما نفس الجسد والإحتياجات ؛ بل ربما الأنثى وهى الأضعف تحتاج إلى المال أكثر؟ أكرر أنت ظالم يا الله ؛ وقبل أن أهذأ من روعتي وقعت عيني على الآية رقم 20 من نفس السورة ؛ سورة النساء التي تقول " وإن أردتم إستبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " أهكذا تحرض الرجل أو الزوج على تبديل الزوجات يا الله؟ إن أردتم إستبدال ... وكأن الزوجة قطعة أثاث في المنزل إذا سئم الزوج يلقي بها ويأتي بغيرها ؛ وتقول يا الله إذا آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ؛ ألا تعلم يا الله أن المرأة أو الزوجة على أتم إستعداد لبذل كل ثمين في سبيل إستمرار حياتها الزوجية؟ وتقول أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. إيهما البهتان والإثم؟ تدمير البيت والطلاق أم إسترداد ما وهب الزوج لزوجته؟ ولكن أنت الله تعطي أوامرك وما يتوافق مع رغبة الرجل ؛ يا للظلم البين.
كلما واصلت مسيرتي مع المصحف الشريف وسورة النساء ؛ كلما أصبحت أمامي الصورة أكثر وضوحا. وكانت الطامة الكبرى عندما قرأت الآية 34 " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع .. وأضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا " إذا قوامة الرجال على النساء بالإنفاق ؛ وإذا أنفقت المرأة إنتقلت إليها القوامة؟ أجبني يا الله؟ هذا بالنسبة للجزء الأول من الآية ؛ أمامي الجزء الثاني هل تشترط يا الله صلاح المرأة بقنوتها في البيت؟ أي بقائها في البيت عاطلة؟ المرأة نصف المجتمع هل تريد نصف المجتمع لا عمل له؟ أكرر يا الله لم تعرف أن المرأة ستخرج من خيمتها إلى ميدان العمل وبالتالي ستكون مثل الرجل تماما وأحيانا تتفوق عليه ؛ وأنتقل إلى الجزء الثالث والأهم ؛ هل يا الله ستكون راضي وسعيد عندما ترى الزوج يقتصر الطريق ويلجأ إلى ضرب زوجته إذا ما بدر منها ما لا يرضيه؟ وهناك شئ يحيرني ؛ لماذا لم يتزوج أبي بأخرى طالما هو شرع الله خصوصا وأن ظروفه المادية تسمح بذلك؟ حتى جدي لم يفعل ذلك وكل أفراد أسرتنا الكبيرة لم أسمع فيها من تزوج مرتين ؛ وأيضا لم أسمع كلمة طلاق في محيط الأسرة أو حتى بين الأصدقاء ؛ ولم أر أبي يضرب أمي أو حتى يعنفهالأنها لم تطيعه !!!
ربما كان ذلك لفئة معينة أو لفترة زمنية معينة ؛ لابد أن أكمل سورة النساء قبل إنتهاء الإجازة الصيفية ؛ ورغم لغة القرآن غير المألوفة وكلماته الصعبة إلا أنني لابد وأن أعرف مكاني عندك يا الله ؛ واصلت قراءتي حتى وصلت إلى الآية رقم 128 " وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " بحثت في كتب المفسرين فوجدت الحديث التالي لتفسير هذه الآية جاء في صحيح البخاري " عن عائشة أنها قالت " لما أسنت سوده عند رسول الله هم بطلاقها ؛ فقالت له لا تطلقني وأنت في حل مني وقد وهبت يومي لعائشة ؛ وإني لا أريد ما تريد النساء ؛ فأمسكها ؛ أي لم يطلقها " يا للذل والمهزلة ؛ الرجل أو الزوج أعطاه الله الحق في تقويم زوجته بشتى الطرق وصولا إلى الضرب والزوجة إذا سئم زوجها الحياة معها لأنها كبرت في السن وجب عليها تقديم التنازلات لتبقي على حياتها الزوجية ولو حتى على حساب كرامتها ومشاعرها كأنثى ! يا للعجب هذا إلى جانب ما وجدت في سورة البقرة بخصوص المرأة المكرمة في الإسلام ؛ وجدت في الآية رقم 282 " وإستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " بكل تأكيد لم أعتمد على فهمي للآية السابقة ولكن رجعت إلى كتب التفاسير ؛ وأيضا وجدت حديث هام من صحيح البخاري عن النبي قال " يا معشر النساء ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ؛ قلن وما نقصان عقولنا وديننا يا رسول الله؟ قال : أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ قلن : بلى ؛ قال فذلك من نقصان عقلها ؛ أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم؟ قلن بلى ؛ قال : فذلك من نقصان دينها " إنتابني شعور عجيب ؛ مزيج من الآلم والدهشة ؛ هل من المعقول أن الله الذي أحبه من كل قلبي وكياني ؛ وأحاول التقرب إليه بالصلاة والصوم وقراءة القرآن وبالعمل الصالح وبكل ما أستطيع أن أقدم وأفعل ؛ يكون ظالم ليّ أنا بالتحديد إلى هذه الدرجة؟ أليس أنت يا الله الذي خلقني بهذه الصورة؟ فكيف تتهمني بنقصان عقلي وديني وتجعلني نصف رجل وتعطي الرجل هذه المنزلة ؟ بالحقيقة أنت ظالم ؛ هذه المرة أقولها دون ما تردد أقولها بملئ الفم .. أنت ظالم .. أنا لا أصدق أنك أنت من خلق العالم بهذه الدقة وهذا النظام العجيب ؛ لابد وأن هناك خطأ ما .. فقدت ثقتي بالقرآن ؛ فقدت ثقتي في الإسلام ولكن ثقتي بأنه هناك خالق قدير لم ولن تتزعزع أبدا.
وعدت أسأل نفسي مرة ثانية من هو المسيح عيسى إبن مريم؟ ولماذا كل هذه الكرامة والمنزلة الرفيعة؟ ولماذا أيضا تمكن من أن يعمل كل هذه المعجزات ؛ الخلق .. إحياء الموتى فتح أعين العميان .. طهر البرص .. شفاء كل الإمراض حتى تلك التي يعجز عن شفائها الطب الحديث؟ ولماذا يعطي الله إذنه له فقط ليقوم بهذه الأعمال دون سواه؟ وما التفسير المنطقي لكون هو نفسه كلمة الله؟ .. لابد أن أغلق كل تلك الأسئلة حتى أنتهي من دراستي الجامعية لأثبت لك يا الله أني لست ناقصة عقل كما تدعي.
بدأ العام الدراسي الجديد وأنا كلي حماس على إتمام شهادتي وحصولي على البكلوريوس وبتقدير جيد على الأقل ؛ وفي نفس الوقت واصلت نادية أختي دراستها وهى الآن في الثانوية العامة ؛ كنت أشجع نادية على النجاح والتفوق لتتخلص من القيود المفروضة علينا ؛ كانت نادية قوية الشخصية لا تستسلم بسهولة مثلي ؛ حصلت نادية من أبي وأمي تصريح بزيارتي في الكلية ؛ وأيضا أن نذهب معا إلى نادي الشرطة لتناول وجبة الغذاء ؛ تكرر ذهابنا إلى النادي ؛ لاحظت أنه هناك من يراقبنا ؛ وينتظر حضورنا ؛ ونادية أيضا لاحظت نفس الشئ ؛ إنهما إثنين من شباب النادي ؛ سألت وعرفت أنهما أعضاء في النادي وأنهما صديقان يعملان معا في الجيش برتبة ملازم غمرتني سعادة شديدة ؛ لم أشعر بها من قبل ؛ حلمت بيوم زفافي ؛ وزواجي السعيد ولكن لن أسمح لزوجي أبدا أن يضربني .. وكذلك نادية لم تكن سعادتها أقل مني.
وفي يوم من الأيام الجميلة وجدت المشرف على قاعة الطعام يقول ليّ : هل تسمحوا لهذين الشابين تناول الغذاء معكما؟ أني أعرفهم جيدا ؛ وتأكدوا أن قصدهما شريف لأنهما سألوني عنكما وأخبرتهم من أنتما وأين تقيما ومن هو والدكما. فكرت للحظة وقلت لنادية " ما رأيك " قالت في لهفة " لا مانع البتة " أبديت موافقتي ؛ وعلى الفور حضرا وجلس أحدهما بجواري والآخر بجوار نادية ؛ ودارت بيننا حديث طويل ؛ قدم نفسه " أنا الملازم فاروق سعيد ؛ ضابط في الجيش وهذا زميلي الملازم محمد بكري ويشرفنا أن نتقدم لخطبتيكما إن لم يكن هناك مانع " كدت أذوب من الخجل وأطير من الفرحة سكت للحظة ؛ فكرت سريعا ماذا أقول ؛ قلت له " من الأفضل أن تكلم والدي " قاطعني قائلا " بكل تأكيد ولكن يجب أن نعرف رأيكما أولا " قلت له بصوت مختنق من الخجل " لا مانع " مرت ساعة الغذاء وكأنها دقيقة واحدة سلمنا عليهما وإنصرفنا ؛ قلت لنادية " لابد أن نخبر بابا بما حدث حتى لا يعلم من مصدر آخر وتقع مشكلة " قاطعتني نادية قائلة " لا بلاش بابا نقول لماما وهى أرحم شوية " وأفقتها ؛ وإنتظرت حتى يوم الخميس وأخبرت أمي بكل ما حدث ؛ كانت أمي متفهمة الموقف وقالت ليّ مقولة لم أنساها طوال عمري ؛ قالت " لا تتعجلي الأمور كل شئ سيحدث في وقته ؛ سارق الطعام لا يهنئ بطعمه ولكن من يقدم له الطعام أمام الله والناس يستمتع بما أخذ لأنه لم يخطفه بل هو من حقه ؛ أفهمتي ما أقصد؟ " قلت لها " نعم فهمت وأعدك أن لا أتصرف تصرف أخجل منه أمام الله والناس "
تكرر لقائنا أنا ونادية مع فاروق سعيد ومحمد بكري في النادي أمام الجميع أعضاء النادي والعاملين فيه ؛ وفي يوم من الأيام الجميلة ؛ وجدت فاروق يقول ليّ " حددي لنا موعد مع الأسرة لنأتي لزيارتكم " كدت أطير من الفرح ؛ أخبرت أمي التي قالت ليّ " ليس الآن أنت في الصف الثالث وفي نهاية العام ؛ أمامك عام واحد وتتخرجي وأخشى إن تمت الخطبة الآن يعطلك ذلك عن إتمام دراستك وأختك نادية في الثانوية العامة تنتظر حتى تحصل على شهادة الثانوية وتمضي ولو عام واحد في الكلية ثم نفكر في الخطوبة والزواج " وافقت أمي على كل كلمة قالتها ؛ لابد أن أكمل دراستي وأثبت لنفسي أولا أني ليست ناقصة عقل ولا قوامة للرجل عليّ ؛ مر عامي الثالث بسلام ونجحت بتفوق كالعادة.
بدأت الأجازة الصيفية ؛ حصل أخي أحمد على الشهادة الإعدادية بتفوق ؛ نجحت أختي نادية أيضا ؛ وإلتحقت بنفس الكلية التي أدرس فيها ولكن في الإسكندرية ؛ ستقضي هناك عامها الأول ثم تحول إلى القاهرة ؛ الجميع سعيد ؛ أختي الكبيرة قدرية أنجبت طفلها الأول أشرف وهى سعيدة مع زوجها أحمد رأفت ذلك الشاب الوسيم الجميل والطموح وكذلك أختي الرقيقة سهام مع زوجها محمد رمزي وهو أيضا طموح جدا وزكي للغاية ؛ تصلنا بصفة مستمرة رسائل من أخي محمد الذي أتم دراسته في كلية الهندسة بألمانيا وعمل مهندس سيارات في شركة جنرال موتور ؛ أخني الصغيرة عصمت نجحت في شهادة الإبتدائية ونقلت إلى المدرسة الأعدادية كل الأمور على ما يرام ؛ ولكني أريد مساحة من الحرية ؛ أذهب إلى النادي وقت ما أشاء أنا ونادية والتقي بفاروق سعيد الذي أحببته من كل قلبي وأنتظر تخرجي حتى يتم زواجي الذي أحلم به ؛ لا فائدة لن أذهب إلى النادي بمفردي أبدا ؛ وفي يوم من الأيام ذهبنا جميعا إلى النادي ؛ وكان فاروق ومحمد هناك ؛ قلت لأمي : " هل عندك مانع أن تتعرفي عليهما؟ " قالت " لا مانع بكل تأكيد ولكن كالأصدقاء ؛ كلام الخطوبة والزواج يكون مع والدك " وافقت على الفور وبعد أن سمحت أمي أن نجلس معا كأسرة ؛ كم كنت سعيدة ؛ نعم أمي محقة ؛ هكذا أسرة أفضل وأكرم ؛ تكررت لقاءنا في النادي كأسرة أنتهت الأجازة الصيفية وبدأ العام الجديد ؛ لابد أن أضاعف جهودي حتى أنتهي من دراستي وأبدأ الإستعداد لحياتي الزوجية السعيدة التي أحلم بها ؛ مرت الأيام ووصلت إلى نهاية العام ؛ وبدأت إمتحانات البكلوريوس ؛ كل شئ يمر بسهولة وذلك لأني مستعدة جيدا وفي أخر يوم من إمتحان البكلوريوس وكان يوافق يوم عيد ميلادي 15 يونيو عام 1963 عمري الآن واحد وعشرون عاما وبعد أن أنتهيت من الإمتحان وودعنا بعضنا بعضا لن نتقابل وزميلاتي إلا عند ظهور النتيجة وجدت فاروق ينتظرني على باب الكلية ومعه نادية أختي ومحمد بكري ؛ قالوا ليّ نحن رتبنا أن نحتفل بعيد ميلادك في النادي وجعلنا الإحتفال في سرية تامة حتى يكون مفاجأة لك وقال ليّ فاروق " وهدية عيد ميلادك هى خطوبتنا " لم أصدق نفسي ؛ أكاد أن أحلق في السماء يا له من يوم سعيد ؛ ذهبنا إلى النادي ؛ والبسني فاروق دبلة الخطوبة التي نقش عليها أسمه وتاريخ ميلادي والبسته دبلته وعليها إسمي وبعد قليل حضرت أمه وبحضورها بددت فرحتي وأحلامي وبكلماتها أشعرتني أنها غير موافقة على زواجنا بحجة أن فاروق لازال صغير السن ومرتبه لا يكفي فهو من عمري تقريبا ربما يكبرني بعدة أشهر وهو برتبة ملازم ويجب أن ينتظر إلى أن يرقى لرتبة أعلى ؛ خطفت مني فرحتي ؛ جرحتني جرح عميق ؛ ذبحت مشاعري قلت في نفسي " وإن كان فاروق آخر رجل على الأرض لن أتزوجه ولن أسمح أبدا لأي شخص مهما كان أن يعكر صفو حياتي ويكون مصدر إزعاج ليّ "
عدنا إلى المنزل ؛ جلست مع أبي وأمي نناقش ما حدث ؛ وقلت لهما : " أنا أخذت قرار ولن أتراجع فيه ؛ لن أتزوج فاروق ؛ وافقني أبي وقال ليّ : " يا ناهد الزواج ليس فستان فرح وحفل يفرح فيه الجميع ؛ الزواج يجب أن يكون على أساس قوي وأهم دعاماته موافقة الجميع ؛ أفراد أسرتك وأفراد أسرته ؛ وأنا أرى أن هذه السيدة متسلطة وستكون مصدر إزعاج لك ؛ وأنا لا أقبل ولا أسمح لأحد مهما كان أن يعكر صفو حياة إبنتي الغالية ؛ أنت جميلة ؛ من أسرة عريقة ؛ صغيرة السن ؛ وجامعية ؛ بكل تأكيد ستكون أمامك فرص كثيرة للزواج أفضل من ذلك بكثير " إحتضنني أبي الحبيب أشعرني بمقدار حبه وحنانه ؛ مسح دموعي بكلماته ؛ كم أحبك يا أبي ؛ وأثق في رأيك لن أسمح لأحد أن يؤذي مشاعري أبدا ولن أقف عند ما حدث اليوم ؛ سأطوي تلك الصفحة من حياتي ولن أنكسر أو أنهزم في أول معركة في حياتي ؛ سأواصل ولابد من أن أحقق آمالي وأعمل وأثبت أني لا أقل عن أي رجل شيئا ؛ بل بالعكس نماما ؛ أنا قوية بفضل نصائح أبي الحبيب ؛ قوية بتشجيع والدي على إتمام دراستي الجامعية أيام قليلة وتظهر نتيجة إمتحان البكلوريوس ؛ أثق من نجاحي لأنني بذلت كل ما في إستطاعتي ؛ والآن وإلى حين ظهور النتيجة أعود إلى دراستي في المصحف الشريف. كان كل قصدي من القراءة في المصحف أن أقترب إلى الله الذي أحبه أكثر من أي شئ أخر وأن أعمل صالحا لكي أفوز بالجنة ونعيمها ؛ قلت لنفسي المصحف كبير وسيأخذ مني وقتا طويلا ؛ وطالما أن هدفي الأول الأقتراب من الله ؛ إذا ما المانع من أن أجمع كل الآيات القرآنية التي تصف الله ؛ وبذلك تكتمل الصورة أمامي ؛ أمسكت المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ورحت أجمع الآيات التي تصف الله بالمكر وربما أكون قد أخطأت فهم الآية السابقة " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " من سورة آلـ عمران ؛ ووجدت التالي : في سورة الرعد رقم 13 والآية رقم 42 " وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا " وفي سورة النحل رقم 27 والآية 50 " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون " وفي سورة الأنفال رقم 8 والآية رقم 30 " يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وفي سورة الأعراف رقم 7 والآية رقم 99 " أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " وفي سورة يونس رقم 10 والآية رقم 21 " وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذ لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا " بعد أن قرأت تلك الآيات السابقة إنتابني شعور من الألم والضيق ورحت أسأل نفسي لماذا يمكر الله؟ من يلجأ إلى المكر يلجأ إليه لأنه هو الأضعف ؛ ولكن الله القوي الخالق القادر على كل شئ لماذا يمكر ؟ ويمكر على من على عبيده ! يا للعجب .. أنا لا أقبل أن يصفني أحد بالمكر ؛ مهما كان نوع المكر ؛ مكر حميد وجيد أو مكر خبيث وفاسد فكيف يقول الله عن نفسه أنه ماكر؟ لا .. لا أصدق أن يكون من قال هذه الآيات هو من خلق العالم الجميل بهذه القدرة والحكمة ؛ هناك خطأ ما لابد أن أعرفه وأصل إليه سأواصل دراستي في القرآن حتى أصل إلى ما أريد ؛ وسأعود إلى قراءة المصحف حسب ترتيبه ؛ لن أنتقي آيات من المنتصف ؛ ربما سياق السورة يحمل معنى أشمل وأكبر مما أظن ؛ لابد من أن أقرأ المصحف الشريف بأكمله مهما أن كلفني من مشقة وعناء.
كنت قد قرأت سورة الفاتحة والبقرة وتفسيرها وآلـ عمران وسورة النساء ؛ والآن أبدأ مع سورة المائدة ؛ وقفت كثيرا من الآية رقم 17 " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح إبن مريم " وقلت في نفسي : نعم المسيح عيسى بن مريم قام بأعمال ومعجزات لم يعملها من قبل أحدا ولن يعملها من بعد أحد هى أعمال خاصة بالله مثل الخلق وإحياء الموتى شفاء المرضى .. فتح أعين العمي وأيضا علم الغيب ولكن هل معنى هذا أنه هو الله كما يقول النصارى ؟ وهناك سؤال ملح سألته من قبل ولم أجد له الإجابة الشافية ؛ إذا كان المسيح عيسى أبن مريم قد قام بهذه الأعمال بإذن الله لماذا لم يعطي الله هذا الإذن لأي نبي غيره؟ لماذا لم يعطيه إلى النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلق أجمعين ؟ واصلت القراءة ؛ لا يجب أن أقف عند نقطة مهما كانت إهميتها وأعطل مسيرتي الهامة. صدمتني الآية رقم 38 " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " وقلت في نفسي كيف يكون الله بهذه الوحشية ؟ ربما فقير معدم كاد يموت جوعا سرق رغيف خبز يسد به جوعه أو جوع إبن له ؛ تقطع يده مثله مثل غني إعتاد السرقة؟ أو مثل من يريد المزيد من المال؟ لا يا الله أنت قاسي في هذا الحكم ؛ أسأله أولا لماذا سرقت ؛ ربما يرق قلبك وتنزل به عقوبة أرحم من قطع يده أو يدها ؛ أنت قاسي يا الله ومع المرأة طالم وتقول عن نفسك أنك ماكر ؛ والأعجب من ذلك ما وجدته في الآية رقم 41 " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " وتسمرت في مكاني ولم أحتمل السكوت على ما قرأت رحت أبحث في كتب المفسرين لعلي أجد مخرج من هذه الآية ولكن ؛ حاول المفسرون التخفيف من وطأة الآية بقولهم أن الله بسابق علمه يعرف من سيكفر ومن هو مؤمن ولذلك هو لا يريد أن يطهر قلوب الكافرين ؛ لا أيها المضلين ليس معنى الآية كما تدعون ؛إن الله يريد أن يفتن ؛ وهو القوي من يملك أن يغير إرادته؟! زاد خوفي وقلقي من الله وتمنيت أن لا أموت أبدا وأقع في يديه ؛ من يضمن ليّ الجنة مع هذا الإله الظالم. القاسي وعاد نفس السؤال المحير مرة أخرى ؛ هل من المعقول أن يكون الله الخالق القدير ؛ والذي تتجلى قدرته في كل شئ حولي يكون هو هو قائل ما في القرآن؟؟ لا .. لابد هناك شئ خطأ ما ؛ ليتني أصل إلى معرفته قبل فوات الأوان.
واصلت القراءة حتى الآية رقم 110 وفيها يؤكد القرآن كل المعجزات التي صنعها المسيح عيسى أبن مريم بإذن الله ؛ وفي الآية رقم 115 معجزة إنزال مائدة من السماء وعليها طعام وكيف أن نزول المائدة يكون يوم عيد ؛ ولذلك سميت سورة المائدة بهذا الإسم نسبة إلى المائدة المنزلة من السماء بناء على دعاء المسيح. وفي الآية رقم 116 تعجبت جدا من سؤال الله لعيسى أبن مريم وفي قوله " وإذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون الله " وقلت هل من المعقول أن يسأل الله بشر مثل عيسى أبن مريم هل قلت كذا وكذا؟ الله يعلم كل شئ ولا حاجة له بأن يسأل ؛ وكان رد عيسى أبن مريم " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم " بكل تأكيد شخص عظيم مثل المسيح أبن مريم لن يقول هذا الهراء. ووقعت عيني على الآية رقم 117 على كلمة قالها المسيح قلبت أمامي كل الموازين " فلما توفيتني " إذا المسيح مات ؛ لماذا يقول علماء الإسلام لم يمت ولكن رفعه الله إليه؟
بحثت في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن عن كلمة تدل على رفع المسيح إلى الله ووجدت أن هذه الآيات مرت في كل من سورة آلـ عمران والآية رقم 55 " إذ قال الله يا عيسى أني متوفيك ورافعك إليّ " بمعنى أن الوفاة حدثت قبل الرفع ثم يعود القرآن وينكر الوفاة بقوله في سورة النساء والآية رقم 157 " وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " وفي الآية رقم 158 " بل رفعه الله إليه " وهنا وشعرت كأن زلزالا يحرك الأرض من تحت قدمي ؛ لماذا ينكر القرآن موت المسيح وعدم صلبه في سورة النساء بعد أن أقر موته في سورة آلـ عمران والمائدة؟ هل أخطأ الله؟ هل نسي أنه قال في سورة آلـ عمران " إني متوفيك " وفي سورة المائدة " فلما توفيتني "؟ وهنا أصبح أمامي يقين أن القرآن فيه خطأ ما ؛ لابد أن أواصل بحثي في القرآن ؛ لابد أن أصل إلى الحقيقة أي ما كانت ؛ قرأت أكثر وأكثر وكلما تماديت في القراءة كلما زادت شكوكي ومخاوفي حتى أصبح القرآن أمامي كابوس مرعب والله في القرآن أكثر رعبا وكأنه شخص قاسي لا يعرف الرحمة ؛ ظالم لا يعدل بين الناس ؛ منتظر أي خطأ لينتقم مني ؛ وما زاد خوفي ورعبي من الله تلك النصيحة التي نصحني بها أبي عندما قال ليّ في يوم من الأيام التي لم ولن تمحى من ذاكرتي : " هناك حديث صحيح يقول أن لله 99 أسم والله تتمة المائة فمن أحصى أي حفظ هذه الأسماء دخل الجنة وبين هذه الأسماء إسم الله الاعظم وهو مخفي لا يعرفه إلا أولياء الله الصالحين أو من يكشف له الله عنه وهذا الاسم له من البركات العظيمة أن إذا دعوت الله به يستجاب لك الدعاء مهما طلبتي " كدت أطير من الفرح وقلت لابد وأن أحفظ أسماء الله الحسنى ؛ هذا أمر سهل الحمد لله الذي منحني ذاكرة قوية وسرعة في الحفظ ؛ جمعت أسماء الله الحسنى المائة أسم ورحت أكررها لأحفظها ؛ ما هذه الأسماء ؛ يا للعجب كيف يكون من أسماء الله الحسنى أسم المتكبر !! متكبر على من؟ المؤمن ... مؤمن بمن؟ مؤمن بنفسه؟ والمتعالي ؛ المعطي .. المانع ؛ الضار .. النافع ؛ المقيت .. الحسيب .. هل من المعقول أن يقبل الله هذه الأسماء أن تطلق عليه؟ ترى أي أسم من هذه الأسماء يستحق أن أقول أنه أسم الله الأعظم؟ لا يوجد أسم يليق بهذا ! ورغم ذلك حفظتها كلها ورحت أدعي الله بكل أسم منها أهدني الصراط المستقيم وأدخلني الجنة مع عبادك الصالحين وقني عذاب النار التي أعدت للكافرين. أحيانا كنت أسخر من نفسي ومن سذاجتي أن أصدق أن تكون هذه هى أسماء الله فعلا . وأحيانا كنت أضحك عندما أدعوا الله ببعض من هذه الأسما مثل الوارث من سيرث من؟ الله هو الوارث ! وأحيانا كنت أشعر بالرعب عندما أدعو الله بالمنتقم ! ولكن لماذا ينتقم الله ! الإنتقام صفة من الصفات السيئة ؛ كيف ينتقم الله مني؟ لا لا يمكن أن تكون هذه الأسماء أسماء الله ! الا يوجد فيها أسم الله المحب ؛ أبي يحبني وأشعر بحبه وحنانه ؛ كيف لا يكون الله الخالق محب؟ أني أبحث عن الله الذي يحبني أكثر من حب أبي ؛ وأجد في أعماقي حب شديد لله ؛ إذا كيف لا يحبني هو؟ وعدت أقول المعادلة غير مستقيمة ؛ هناك خطأ ما ؛ يا الله من أنت .. كيف أصل إليك .. هناك حاجز كبير بيني وبينك .. حاولت الوصول إليك عن طريق القرآن ؛ زادت الهوة بيني وبينك ؛ حاولت عن طريق الدعاء بأسمائك الحسنى ؛ كانت النتيجة أسوأ مما كنت أتصور ؛ أعني يا رب قربني منك.
مرت الأيام بطيئة وثقيلة وأنا أنتظر ظهور نتيجة البكلوريوس ؛ وخصوصا وأني قررت أن أكتب رغباتي في التعيين في محافظات بعيدة حتى أخلو مع نفسي وأبتعد عن كل شئ يذكرني بما حدث ؛ النسيان ليس بالامر الهين ولكن أعلم أن ليّ هدف في حياتي أن أثبت للجميع أني لا أقل عن الرجل شيئا وأيضا أثبت لنفسي أني قوية ولن أنكسر أمام أول عاصفة تهب في حياتي الهادئة ؛ وكان .. ظهرت النتيجة وحصلت على البكلوريوس بدرجة جيد ؛ فرحت وفرح الجميع خصوصا أبي الحبيب الذي شجعني كثيرا على إتمام دراستي الجامعية ؛ وأمي الحبيبة التي كانت تعاملني معاملة خاصة جدا ؛ بكل رقة وحنان ؛ ذهبت إلى الكلية لأكتب رغبات التعيين ؛ كتبت محافظة قنا الرغبة الأولى ومحافظة أسوان الرغبة الثانية وكررتها في الرغبة الثالثة ؛ وبعد حوالي عشرة أيام جاء ساعي البريد يحمل مظروفا أصفر ؛ مكتوب عليه وزارة التربية والتعليم ؛ عرفت على الفور أنه قرار تعيني ؛ فتحت المظروف بلهفة ؛ نعم أنه قرار التعين في محافظة قنا. رغم أني أنا التي كتبت رغبة تعيني في محافظة قنا ؛ إلا أني شعرت بالندم لن أتمكن من زيارة أسرتي إلا مرة واحدة كل شهر على أكثر تقدير ؛ رحلة السفر من القاهر إلى قنا طويلة وشاقة ومكلفة ؛ ولكن يجب أن أتماسك أمام الجميع وأبدو سعيدة حتى لا أحملهم فوق طاقتهم ؛ إبتسمت وبدأت إعداد أوراق التعين لتقديمها إلى مديرية قنا التعليمية ؛ كان قرار تعيني بتاريخ 5 أكتوبر عام 1963 ويجب أن أقدم نفسي هناك في مدة أقصاها خمسة عشر يوما وإلا يلغى قرار التعين ؛ خرجت مع أمي الحبيبة نشتري شنطة سفر جديدة وبعض لوازم السفر ؛ تظاهرت بالفرح والسعادة أمام أمي وكان قلبي يعتصر من الألم لفراقها ؛ كم أحب أسرتي وأخوتي ؛ نادية أختي الحبيبة صديقتي وشريكتي في كل شئ حتى في حبي الأول ؛ أحمد أخي المدلل صاحب الأمر والنهي ؛ عصمت أختي الصغيرة التي كبرت وأصبحت شابة مملوءة شبابا وحيوية فاقت الجميع بجمالها وزكائها وخفة ظلها وتعليقاتها الرائعة ؛ نعم لم أر أختي الكبيرة قدرية وزوجها أحمد رأفت وأبنهما أشرف الذي ورث لون أبيه مع جمال أمه وأبنتهما منى التي أنجباها مؤخرا ؛ لم أكن أراهم كل يوم ولكن كلما أتيحت الفرصة وأيضا أختي الرقيقة الحساسة سهام وزوجها محمد رمزي الشاب الزكي الطموح ؛ أما بالنسبة لأبي وصديقي الحميم ؛ كان مجرد التفكير أني سأبتعد عنه مؤلم للغاية ؛ هكذا كانت مشاعري من الداخل حزينة جدا ومن الخارج أتظاهر بالسعادة والرضا.
وجاءت لحظة السفر ؛ يا لها من لحظات مؤلمة حاولت أن أقتصر وقت الوداع بكل طاقتي ؛ هون عليّ السفر أبي الحبيب الذي رافقني إلى قنا ؛ أبي الحبيب كم أحبك ؛ أنا مدينة لك بالكثير ؛ جزاك الله خيرا على مواقفك الرائعة في حياتي ؛ وتشجيعك ليّ وغرس مخافة الله ويوم الحساب في داخلي ؛ وصلنا إلى قنا صباح اليوم التالي لسفرنا ؛ نزلنا في نفس الفندق الذي نزلنا فيه منذ أكثر من تسعة أعوام ؛ سألني أبي " أنا ذاهب أزور سيدي عبد الرحيم القناوي ؛ هل ستأتي معي؟ قلت له " لا أنا متعبة للغاية وأريد أن أنام " وتذكرت ما حدث ليّ وقلت لن أذهب هناك أبدا سأقرأ الفاتحة لسيدي عبد الرحيم القناوي من هنا وستصله إن شاء الله ؛ وفي صباح اليوم التالي ؛ ذهبت إلى مديرية التربية والتعليم بمحافظة قنا ووقعت على خطاب التعيين كمدرسة بمدرسة الأقصر الثانوية للبنات.
قضينا يومين في قنا ؛ ثم أخذنا القطار إلى الأقصر ؛ إتجهنا على الفور إلى مدرستي ؛ إنها مدرسة كبيرة حديثة الإنشاء ؛ قدمت أوراقي إلى ناظرة المدرسة وكانت سيدة لطيفة ؛ لاقتني بكل ترحاب ؛ حان موعد وداع أبي ؛ إنه أمر ليس بالهين ؛ مشيت مع أبي حتى باب المدرسة ونظرت إلى أبي الذي بدوره أمسك بيدي وقال ليّ " عاهديني أمام الله أن تحافظي على نقاء وطهارة ناهد أبنتي التي وثقت فيها " قبلت يده الممسكة بيميني وقلت له " أعاهدك يا أبي أني لن أخيّب ظنك فيّ ولن أجعلك تندم على ثقتك بيّ " أخرج أبي من حقيبته مصحف صغير وقال ليّ : " المصحف الشريف كلام الله تعالى ؛ إجعليه معك دائما وداومي على القراءة فيه وأيضا داومي على الصلاة ؛ وأنا أخذت من السيدة ناظرة المدرسة رقم تلفون المدرسة كي نتصل بك دائما وكتبت لك تصريح بالخروج من السكن الداخلي الملحق بالمدرسة مرتين في الأسبوع لشراء لوازمك على شرط أن تكوني برفقة زميلاتك المدرسات ؛ وعرفت منها أنه يوجد مجموعة من المدرسات حديثي التخرج مثلك " إحتضنني أبي بكل حب ودعىليّ بالستر والتوفيق في حياتي الجديدة ومضى عائدا إلى القاهرة. تعرفنا على بعضنا البعض ؛ الحمد لله كل شئ يسير على ما يرام ؛ أشعر بدعوات أبي وأمي من أجلي ؛ قررت أن أحفظ وعدي مع أبي ومن أول يوم قبل أن أنام فتحت المصحف الشريف وبدأت أقرأ ؛ قلت في نفسي لن أقف عند آية معينة أقرأ المصحف كله وبعد ذلك وعند عودتي إلى القاهرة أقرأ التفاسير ؛ حاولت قدر إستطاعتي أن لا أقف عند كلمة أو آية ولكن بدون قصد علق بذهني الآيات القرآنية التي تصف الله سبحانه وتعالى ؛ وخصوصا تلك التي تقول عن الله أنه مخادع ؛ وأخرى تقول أن الله مضل ؛ لو كان من كتب القرآن بشر لكنت حاكمته على الكلمات الغير لائقة ؛ ولكن أعلم جيدا أنه كلام الله نفسه ؛ وأن الملاك جبريل نزل به من اللوح المحفوظ إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ؛ ولكن كيف يصف الله نفسه بهذه الصفات؟ قلت لنفسي لابد من أن أختم المصحف الشريف قبل إنتهاء العام الدراسي كما وعدت أبي. واصلت مسيرتي مع القرآن وكان ذلك مهمة صعبة جدا ولكن من أجل وعدي لأبي وثانيا والأهم أن أقترب من الله الذي أحبه من كل قلبي وأيضا لكي أذيل الحاجز الذي أشعر أنه يبعدني ويفصل بيني وبين الله.
مرت الأيام بطيئة ومملة ؛ عانيت من غربتي ؛ حاولت أن أندمج مع مجموعة من المدرسات ولكن دون فائدة ؛ كنت أفرح في نهاية اليوم وأقول لنفسي مر يوم وسيليه يوم آخر ؛ وفي يوم من الأيام دعتني ناظرة المدرسة ؛ هناك من يريد أن يقابلني .. من؟ أسرعت إليها فوجدت أبي الحبيب جاء ليأخذني معه إلى القاهرة ؛ كدت أطير من الفرح ؛ لم يمر عليّ إلا ثلاثة أسابيع دون أن أسأل عن السبب ؛ ودون أن أستأذن الناظرة ؛ أسرعت إلى سكني الخاص وجمعت متعلقاتي وعدت إلى أبي ؛ الذي تعجب من تصرفي ؛ ثم أنطلقنا نحو محطة القطار بعد أن قدمت طلب اجازة لمدة أسبوع ؛ بدأ أبي يقول ليّ السبب في حضوره أن قدرية أختي الكبيرة وزوجها أحمد رأفت والذي يعمل في المخابرات الحربية تم تعيينه في مكتب الملحق العسكري في جاكارتا عاصمة أندونسيا ؛ وسيعمل كملحق إداري ويجب أن أودعهم قبل سفرهم ؛ سعدت جدا بالنباء السار وكانت سعادتي بعودتي إلى منزلنا العامر أكثر من أي شئ آخر.
أستقلينا قطار المساء والذي يصل القاهرة صباح اليوم التالي ؛ لم يغمض ليّ جفن طوال الليل ؛ سأودع قدرية وزوجها أحمد رأفت وأشرف وإبنتيهما منى الضيفة الجديدة ؛ لا أحب الوداع ؛ من قبل سافر أخي محمد ومرت سنوات كثيرة وطويلة لم أره ؛ أسمع أخبار فقط من أبي وأمي ؛ أحيانا يكتب ليّ سطر في خطابه ؛ محمد كان عطوف جدا علينا لم يشعرني في يوم من الأيام أنه الحاكم بأمره مثل أحمد ؛ بل على العكس تماما كان دائما في صفي ؛ ولكن يكفيني أنه نجح في حياته والتحق بالكلية التي كان يحلم بها وتخرّج منها بتفوق وعمل في واحدة من أكبر مصانع السيارات في العالم ؛ أدعو له من كل قلبي أن يوفق في كل عمل يقوم به ؛ وداع قدرية لن يكن بالأمر السهل ولكن الذي يهون ذلك أنها فرحة جدا بمنصب زوجها أحمد رأفت الرجل الطموح. مرت ساعات الليل الطويلة ؛ وصلنا القاهرة ؛ أكاد أن أطير للقاء أمي الحبيبة ؛ نادية أختي وصديقتي أحمد .. عصمت .. أفتقدت الجميع ؛ وصلنا بيتنا الجميل ؛ أجمل بيت في عينيّ ؛ سبقت أبي قرعت على الباب ؛ فتحت ليّ أمي التي كانت في إنتظاري ؛ القيت بنفسي في أحضانها ؛ نعم حضن أمي يشعرني بالدفء والأمان .. حضن أمي يفيض بالحنان ؛ سلمت على الجميع ؛ كم أحب أسرتي .. الجميع مبتسم وسعيد ؛ ستسافر قدرية وزوجها وأولادها بعد يومين ؛ جلسنا جميعا في غرفة المعيشة تتكلم كسابق عهدنا ؛ تركتنا أمي إلى المطبخ أيضا كما عودتنا لتعد لنا وليمة الغذاء ؛ إشتقت إلى طعامك يا أمي الحبيبة ؛ لم أذق مثل عمل يديك أبدا.
بعد قليل حضرت سهام وزوجها محمد رمزي وتجمعنا كلنا ؛ أحب الجميع ؛ عودتي إلى الأقصر ستكون أكثر صعوبة من أول مرة ؛ قلت لنفسي لن أفسد فرحتي بلقاء أسرتي بهذه الأفكار يجب أن أستمتع بهذا الوقت الرائع وأترك غدا للغد .. بعد أن تناولنا وجبة الغذاء وجدت أحمد رأفت يقول لقدرية " كلمتي ناهد في الموضوع الذي إتفقنا عليه " قالت له " لأ ... سأكلمها الآن " أخذتني قدرية من يدي وأدخلتني غرفة النوم وأغلقت الباب وقالت ليّ : " هناك زميل لزوجي يعمل معه في المخابرات الحربية ومرشح أيضا للسفر للخارج ولكن لم يتحدد المكان أو الوقت وهو كذلك من شبين القناطر والده يعمل ناظر مدرسة وأمه سيدة مؤمنة وطيبة جدا ؛ يريد أن يتقدم لخطبتك ؛ وأطمئني شكله وسيم جدا ؛ إلا لما كانوا وافقوا على سفره للخارج ما رأيك؟ شعرت بالخجل وكأن أصابتني صدمة ؛ خطوبة .. وزواج .. وحماة تعكر صفو الحياة ؛ لا زالت دبلة فاروق في إصبعي ؛ أخفيها بخاتم كبير ؛ لا زال ما حدث يؤلمني وكأنه أمس ؛ ولكن أنا وعدت أبي أن ما كان صفحة ولابد من طيها بكل ما تحمل من ذكريات سعيدة أو مؤلمة ؛ لم أفكر كثيرا وقلت لها " دعيه يتقدم لأبي وإذا وافق سأوافق دون تردد " ثم سألتها ما إسمه؟ قالت " محمود حسني لاشين " وأضافت " هو يعرفنا جيدا ويتذكرك ؛ ثم صدقيني أسرته أناس ممتازين ومعروف عنهم التقوى والورع " قلت في نفسي مؤمن يقرأ القرآن ويصلي " إذا : سيعاملني كما يقول القرآن ؛ هو قيّم عليّ .. هو الرجل ويجب أن يطاع .. إذا خالفت أمرا من أوامره ربما يضربني .. أو ربما يتزوج بأخرى ويسقيني كأس الغيرة ومرارتها .. أو ربما يطلّقني بكلمة .. أنت طالق .. إذهبي إلى بيت أبيك وأتركي كل شئ .. وعدت إلى السؤال المحير مرة أخرى ؛ كيف يكون هذا هو شرع الله؟ كيف يكون الله القدير الذي خلق العالم بكل هذه الدقة وكل شئ حولي يسبح إسمه كيف يكون ظالما ليّ أنا شخصيا لأني إمرأة أو أنثى؟
بكلمات قدرية وعرض الزواج ؛ تجمدت كل مشاعري ؛ لم أعد أشعر بالفرحة والسعادة التي كانت تغمرني ؛ لم أعد أخاف لحظة وداعها وكل أسرتها ؛ لا أعلم ماذا حدث ليّ؟ أهو الخوف من المجهول؟ الزوج الذي لا أذكره ولا أعرفه؟ أو لعله ذكريات تجربتي الأولى المريرة : ظننت للحظة أني نسيت .. ولكن الحقيقة إني تناسيت وعند أول كلمة عن الزواج عاد ما كان أمامي مرة ثانية ؛ ولكن لابد أن أكون أقوى من الحدث ؛ وأنفذ وعدي لأبي الحبيب ؛ لابد وأن أعيش حياتي ؛ أنا في سن الشباب والحيوية وعمري الآن 21 سنة ؛ عدت إلى الأقصر وفي داخلي صراع يكاد يمزقني ؛ ماذا أريد؟ أعرف جيدا ماذا يجب أن أفعل ولكن هناك مشاعر داخلي تمنعني أو تعطلني ؛ الأمانة تتطلب مني أني قبل أن أوافق على الخطبة أو الزواج يجب أن أكون تخلصت من الماضي وذكرياته السعيدة والمريرة معا ؛ لجأت إلى الصلاة وإلى المصحف الشريف ؛ أعرف جيدا أن مشاكلي مع القرآن ومع الله في القرآن ستغطي على كل مشكلة أخرى مهما كان حجمها ؛ وفي يوم من الأيام بينما أنا أصلي العشاء قرأت الفاتحة ثم سورة الشمس " والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها ؛ والسماء وما بناها. والارض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها " ثم توقفت وأعدت قراءة السورة مرة ثانية وقلت في نفسي ربما أخطأت أو ربما خانتني الذاكرة ؛ تركت الصلاة وسلمت وأمسكت بالمصحف للتأكد من صحة ما قلت في الآية رقم 7 ؛ 8 " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " نعم هى مكتوبة هكذا في المصحف أنا لم أخطأ ؛ أنا أحفظ السور القصيرة كلها عن ظهر قلب ولم تخونني ذاكرتي ؛ إنتابني شعور عجيب ؛ مزيج من الدهشة والتعجب ؛ الله يقول أنه سوى النفس البشرية وألهمها الفجور والتقوى !!! كيف يلهم الله الفجور؟ إذا لماذا يحاسبني؟ أليس هو الذي ألهمني؟ يا للعجب .. كيف يقول الله هذا الشئ المخجل الذي يبعد كل البعد عن الشرف؟ لا .. لايمكن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله الحقيقي ؛ وبدأت أشك في صحة القرآن وأنه كتاب منزل من عند الله ؛ وقلت في نفسي لابد وأن أواصل قراءة القرآن حتى أتأكد من شكوكي أهى مجرد شكوك أو حقيقة. لكن وللأسف كلما قرأت أكثر كلما تأكدت من عدم صحة القرآن ؛ إن مواجهة حقيقية كهذه ليست بالأمر السهل أو المحتمل لا أريد أن أفقد ثقتي بسرعة يجب أن أتروى في حكمي بكتب التفاسير ربما أكون قد أخطأت الفهم.
إستوقفتني آية في سورة النحل رقم 17 والآية رقم 16 " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " في الآية السابقة من سورة الشمس الله يلهم الفجور وفي الآية الثانية من سورة النحل الله يأمر بالفسق ! يا للعجب .. من أنت يا الله؟ أنت تلهم بالفجور وتأمر بالفسق ثم تحاسبني .. كيف؟ وشئ آخر لماذا تستخدم هذا الأسلوب الملتوي؟ إنه لا يليق بالأقوياء .. إذا أردت أن تدمر قرية .. دمرها بدون اللجوء إلى هذه الطرق التي لا تليق. .. أنا البشر الضعيف أرفض أن أستخدم هذه الطرق .. شعرت بمرارة شديدة .. كيف نأمن مكر الله ؛ أني أرتعب من ذكر إسمك .. سأترك المصحف .. لن أقرأ القرآن رغم أني قاربت على نهايته ولكن لابد أن أخافك أكثر من ذلك ولكن لا يمكن أن أنقطع عن الصلاة لأن أبي الحبيب غرس في داخلي حب الصلاة وقال ليّ كلمات لم ولن تمحى من ذاكرتي " الصلاة هى صلة بين الله وعبده إذا قطعها فقدت هذه الصلة. "
لا .. لا أريد أن أقطع صلتي بك يا الله ؛ ولذلك سأصلي دائما وأيضا أدعوك من قلبي إن كان الشيطان هو الذي يزرع داخلي بذور الشك أرجوك يا الله إمنعه ؛ إني أستعيذ بك من الشيطان الرجيم ؛ سامحني يا الله على كل كلمة قلتها في حقك ؛ أرجوك يا الله لا أريد أن أكون من أهل النار ؛ ولن أنسى أبدا أني عبدتك وواجب عليّ طاعتك ؛ سأكمل القرآن ولكن دون تذمر على أي كلمة ؛ يكفيني الأجر والثواب لقراءة المصحف كله ؛ حاولت قدر إستطاعتي أن أقرأ القرآن دون التركيز في كلماته ؛ إن حبي لله وخوفي من عذابه يجعلني أعود للصلاة وقراءة القرآن. الحمد لله إستطعت أن أختم المصحف في حوالي خمسة أشهر ؛ يا له من عمل شاق ؛ ولكن أنا سعيدة جدا بإنجاز هذا العمل ؛ سأحاول أن أنسى كل ما علق بذهني من إعتراضات وسأفكر في الآيات المريحة فقط ؛ جلست أتذكر أي الآيات القرآنية أشعرتني بالراحة ؛ لم أمكث طويلا .. إنها الآيات التي تتحدث عن مريم بنت عمران وعن المسيح عيسى أبن مريم ؛ ان مجرد ذكر إسمها يشعرني بفرح وسلام لم أعرفه من قبل .. ولكن كيف جرأ النصارى على تحريف الإنجيل ومن قبلهم اليهود الذين حرفوا التوراة؟ كيف يشركون بالله؟ الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به .. سبحان الله .. كيف يفكروا أن الله سبحانه وتعالى ويتزوج أو يقيم علاقة زوجية مع السيدة مريم وينجبا المسيح عيسى أبن مريم؟ لو أملك السلطان لأجبرت النصارى على الإسلام أو ترك بلدي الحبيب مصر ولحطمت كل الكنائس التي يعلوها الصليب وحولتها إلى مساجد يذكر فيها إسم الله.
الأقصر البلد السياحي الجميل به عدد كبير من الكنائس وأيضا طالبات المدرسة أن عدد كبير منهن نصارى ؛ إني أكرههم .. ولا أطيق مجرد سماع أصواتهن ؛ ولكن عملي يحتم عليّ التعامل معهم ويجب أن أعمل بالآية القرآنية من سورة المائدة رقم 5 ؛ والآية رقم 51 " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ؛ بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " لن تكون للنصارى ولاية عليّ أبدا ؛ والحمد لله ناظرة المدرسة مسلمة ؛ الموجهة مسلمة ؛ مدير الإدارة التعليمية مسلم ؛ نعم يوجد عدد كبير من مدرسي المدرسة نصارى ولكن ليس لهم أي سلطان. وإذا إضطرتني الظروف أن أعمل تحت رئاسة نصراني أو نصرانية ؛ سأعمل بالآية القرآنية من سورة آلـ عمران رقم 3 ؛ والآية رقم 28 " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ ؛ إلا تتقوا منهم تقاة ويخذركم الله نفسه ؛ وإلى الله المصير "
رغم شكوكي الكثيرة في آيات القرآن ورغم يقيني أن الله ظالم للمرأة ؛ ورغم تلك الصفات التي يصف بها القرآن الله والتي لا تليق ببشر ورغم ما قاله القرآن عن السيدة مريم والمسيح عيسى أبن مريم الذي مجرد ذكر أسمه يحرك داخلي مشاعر جميلة ؛ إلا أن خوفي من الله وعذاب النار التي لا تنطفئ ؛ النار التي وقودها الناس والحجارة ؛ يجعلني أعود إلى قراءة القرآن وتصديقه وأيضا بذل جهدي أن أعمل صالحا يدخلني الجنة وأفوز بنعيمها والتقي بجدي وخضرة وكل أفراد أسرتي الذين توفوا إلى رحمة الله. هكذا كان الصراع داخلي بين العقل والضمير ؛ الله الذي أحبه وله صورة في مخيلتي تختلف تماما عن تلك التي أجدها في القرآن ؛ العقل مضطر إلى تصديق القرآن والضمير يرفضه شكلا وموضوعا ؛ ليتني أجد ما يرضي عقلي وضميري.
زواج على سنة الله ورسوله
إنتهى عام 1963 ؛ عام تخرجي وحصولي على البكالوريوس وأيضا عام تعيني في مدرسة الأقصر الثانوية وإستقبلنا عام 1964 ولأول مرة في حياتي أستقبل عام جديد وأنا بعيدة عن أسرتي الحبيبة ؛ وقفت أصلي إلى الله وأطلب منه أن يجعل العام الجديد عام مبارك علينا جميعا ؛ وفي صباح اليوم التالي تلقيت مكالمة تلفونية من أبي الحبيب يخبرني بثلاثة أحداث هامة ؛ الحدث الأول أن سهام أختي حامل في طفلها الأول والجميع سعيد جدا وفي إنتظار هذا المولود خصوصا بعد سفر قدرية وأسرتها والفراغ الكبير التي تركه أشرف ومنى ؛ والحدث الثاني هو تقدم زميل أحمد رأفت إلى أبي لخطوبتي وأيضا تقدم محمد بكري لخطوبة نادية ؛ شعرت بسعادة غامرة وتمنيت أن تمر الأيام مسرعة وأعود إلى القاهرة ؛ وأضاف أبي الجميع هنا مسرور جدا ولا ينقصنا إلا وجودك في الوسط ؛ يا لك يا أبي من إنسان رائع ؛ كم أنا محظوظة بك ؛ ليت زوجي يكون في عطفك وحبك ليّ. مرت الأيام وجاء شهر يونيو عام 1964 ؛ ترى هل سيكون عيد ميلادي يوم سعيد ويمحي أثر ما حدث في العام السابق؟ أنا دعوت الله من كل قلبي وأثق أنه سمع دعائي ودعوات أبي وأمي ليّ التي أشعر بها دائما ؛ أسأل الله القدير أن يطيل عمرهما فأنا لا أتخيل الحياة بدونهما. إنتهى العام الدراسي ؛ حزمت أمتعتي وسافرت إلى القاهرة وكلي شوق إلى رؤية خطيبي والذي لا أعرفه ولا أذكره ؛ وصلت إلى بيتنا العامر ؛ فرح بوصولي الجميع ؛ أول شئ يجب أن أفعله هو زيارة سهام ؛ نحن جميعا في إنتظار مولودها الأول الذي حسب ما قال الطبيب سيكون في الأسبوع الأول من شهر يوليو.
إنفردت مع نادية أختى الحبيبة في حجرة نومنا كسابق عهدنا ؛ نادية وجهها مشرق من السعادة نجحت في عامها الأول في الكلية ونقلت إلى القاهرة ؛ وافق أبي وأمي على خطوبتها ولكن بعد إتمام زواجي ؛ كل الأمور تسير بأفضل ما يكون ؛ بعد لحظات جاءت أمي الحبيبة وقالت ليّ : " إستعدي لمقابلة من سيزورنا غدا " قلت لها بلهفة " من؟ " قالت : " عريسك " فرحت جدا ولم أستطع أن أخفي فرحتي وشعرت وكأن دقات قلبي عالية والصوت يسمعها جميع من حولي ؛ غدا سأراه سيكون أول لقاء بيني وبينه ؛ هل ستكون لدي الجرأة أن أتكلم معه أمام أبي وأمي وأسرته التي سترافقه؟ ولم لا .. إنه سيكون زوجي .. ترى هل سيكون زواج سعيد مثل قدرية وأحمد رأفت وكذلك سهام ومحمد رمزي؟ عشرات الأسئلة الملحة إحتضنتني أمي الحبيبة وقالت ليّ : " لا تفكري كثيرا والدك سأل عنه وعن أسرته والجميع أجمع على أنه إنسان ممتاز من أسرة طيبة ومتدينة ؛ زواج مبارك إن شاء الله " كان لكلمات أمي أثر كبير ؛ بدأت أهدأ وأشعر بالراحة. جاء أحمد أخي من الخارج وقبلني بكل فرح ثم همس في أذني قائلا : " أعتقد أنه ليس لائق أن تحتفظي بدبلة فاروق " نعم ليس من الأمانة أن أقدم على زواج وفي داخلي أي مشاعر أخرى ؛ خلعت الدبلة من أصبعي وأعطيتها لأحمد وقلت له : " تصرف بها كما تشاء " فرحت جدا من تصرف أخي الحبيب أحمد ؛ نعم أنه حقا رجل أحسن التصرف ؛ بلباقة وزكاء ؛ كم أنا فخورة به. إجتمعنا في غرفة المعيشة كعادتنا ثم وجدت أبي يوجه الحديث ليّ وقال " ما رأيك يا ناهد .. ماذا نقدم لضيوفنا غدا؟ أعتقد أننا يجب أن نقدم شربات الفرح " وددت أن أرفع صوتي وأعبر عن ما أشعر به ؛ ولكن إختنقت الكلمات على لساني ؛ تربينا على أنه ليس من اللائق أن تتكلم ألبنت في هذه المواقف ؛ وليّ أمرها فقط هو المسؤل ؛ ورغم حبي الشديد لأبي ؛ ورغم أني أعتبره صديقي ولكن ليس ليّ الشجاعة ؛ مر الوقت وذهبنا إلى غرفة نومنا أنا ونادية وعصمت ؛ أغلقنا الباب علينا وبدأنا نتكلم كسابق عهدنا بصوت منخفض ؛ تكلمنا عن أحلامنا الوردية ؛ فستان الزفاف ؛ حفل الزواج ؛ وصلنا إلى الفراق .. أني أكره أن أفارق مصر الحبيبة ؛ أسرتي .. ولكن هذا أمر لا مفر منه ؛ لأني عرفت من أبي محمود حسني لاشين أو زوج المستقبل عيّن ملحق إداري في مكتب الملحق العسكري في مدينة أديس أبابا عاصمة أثيوبيا ؛ وحتما سوف أرافقه ؛ لنا الحق في إجازة لمدة شهر كل عام بمعنى أنه سيمر عام كامل بعيدا عن أسرتي ؛ تحول حديثنا إلى بكاء ؛ لا أحب أودع أحدا أو حتى مجرد التفكير في الوداع تداركت المواقف وحولت مجرى الحديث إلى عش الزوجية السعيد وقلت : " وهل سأشعر بغربة وأنا في أحضان زوجي الحبيب " عدنا مرة أخرى إلى حديثنا عن الأحلام الوردية حتى غلبنا النعاس. إستيقظت صباح اليوم التالي على صوت أمي الحبيبة وهى تقول " إصحوا يا بنات .. لدينا الكثير لنفعله "
مرت ساعات اليوم وجاء موعد حضور زوج المستقبل وأسرته ؛ دق جرس الباب ؛ كان أبي في إستقبالهم ؛ بعد قليل جاءت أمي وقالت " إستعدي يا ناهد لتسلمي على الضيوف " أمسكتني أمي من يدي وأدخلتني غرفة الأستقبال ؛ سلمت على الجميع وأفسحوا إلى مكان بجواره ؛ نظرت إليه ؛ أنه كما وصفته ليّ أختي قدرية تماما ؛ شاب جميل وسيم .. متوسط الطول .. خمري اللون ؛ ثم وجدته يوجه حديثه ليّ وهو يقول " هل تعرفين شيئا عن أثيوبيا؟ " شعرت بالأرتباك والخجل ؛ قلت له " أعرف ما درسته في الجغرافيا فقط " قال ليّ : " أنه بلد جميل والعاصمة على قمم الجبال وبه مناظر طبيعية جميلة رائعة وإن شاء الله ستشعرين بالراحة هناك " شعرت بالراحة فعلا بعد كلماته ؛ تجاذبنا أطراف الحديث ؛ شاركنا والديه وأخوته ؛ شعرت وكأني أعرفهم منذ زمن طويل ؛ كانت جلسة عائلية رائعة يسودها روح التفاهم ؛ مر الوقت مسرعا ؛ خرجت من حجرة الأستقبال أنا وأمي ووالدته وأخوته وتركنا أبي ووالده معا ليتفقوا على إتمام الزفاف بسرعة إصطحبت أخوته اللاتي كن في مثل سني تقريبا إلى حجرتي أنا ونادية وعصمت وأخذنا نتحدث في مواضيع كثيرة ونضحك ؛ كان بالفعل وقت جميل ؛ إلى أن أنتهت الجلسة المغلقة بين الرجال ثم دعونا وقال أبي : " إتفقنا أن يكون الخميس القادم هو موعد الخطوبة وتقديم الشبكة ولبس الدبل وبعد أسبوعين أو ثلاثة يكون عقد القران ثم الزفاف " بهذه السرعة .. نعم أنه في عجلة ليس أمامه إلا شهر ونصف ليسافر ليتسلم عمله في أديس أبابا ؛ سلمت أمري لله وقلت له " يارب أنت وحدك تعرف الغيب إن كان هذا الزواج سيكون زواج مبارك وسعيد تممه وإن كان سيكون سبب شقاء ليّ قادر أن تعطله ؛ يارب أنت تعلم أني أحبك من كل قلبي وأود أن أعيش الباقي من عمري في مرضاتك وأن أكون زوجة مخلصة ومطيعة أترك كل شئ في يدك أنت نعم المولى والنصير " جاء يوم الخميس ؛ الخميس الأخير من شهر يونيو عام 1964 ؛ ياله من يوم مشرق وجميل ؛ كأن كل شئ حولي يرقص فرحا جاء الموعد ؛ حضر الجميع ؛ همس عريسي في أذني قائلا : " أدعيني حسني بدون تكليف " وأضاف : " لا داعي للخجل أنت ستكونين زوجتي بعد أيام قليلة " ما أجمل كلماته ويا لرقته .. أثرت كلماته في داخلي وجعلتني أشعر بسعادة غامرة وراحة. أنتهت حفلة الخطوبة ؛ يا له من يوم رائع مر مسرعا وهكذا دائما اللحظات السعيدة ؛ أنصرف الجميع على وعد بلقاء قريب تكرر لقائي مع حسني كلما أقتربت منه كلما أحببته ؛ أشعرني بحبه ورقته وحنانه لدرجة أنه أزال من داخلي خوفي من السفر والفراق. مرت الأيام وجاء موعد عقد قراني والذي كان بتاريخ 5 يوليو عام 1964. وفي صباح ذلك اليوم دق جرس الباب وإذ بزوج أختي سهام يقول : " سهام الآن في المستشفى ؛ حان موعد الوضع ولكن وعلى ما يبدو أن عملية الوضع متعسرة ولابد من تدخل جراحي " أسرعنا جميعا إلى المستشفى ؛ نسيت كل شئ ولم يبق في ذاكرتي إلا أن أدعوا الله أن يأتي هذا المولود بسلام وأن تمر العملية بخير ؛ مكثنا اليوم كله إلى الساعة الخامسة مساءا ؛ حتى وصل أيمن محمد رمزي ؛ طفل جميل ؛ كبير الحجم ولذلك كانت عملية الوضع متعسرة ؛ ولكن الحمد لله والشكر لله وصل بخير وسهام أيضا بخير ؛ ولكنها لا زالت في غيبوبة من أثر التخدير. بعد أن طمأننا الطبيب تركناها وعدنا إلى المنزل وجدنا حسني وأسرته ينتظروننا عند الجيران ؛ أسرعنا ودعوناهم ؛ شاهدت علامات الحيرة والقلق على وجه حسني وأسرته ؛ ولكن أبي بلباقته المعهودة وأسلوبه الجميل بدد تلك المشاعر وملئ الجو بمزاحه وخفة ظله بالسعادة ؛ بعد قليل حضر المأذون لعقد قراني ؛ وكالمعتاد حضر إلى غرفتي شخصان ليسألاني من وكيلي في عقد القران ؛ أحببت أبي الحبيب بكل تأكيد. وهكذا أصبحت زوجة حسني على سنة الله ورسوله ؛ بعد عقد القران إرتديت فستان زفافي الأبيض ؛ إستقبلني الحضور بالهتاف والتصفيق يا له من وقت رائع أمسكني أبي من يدي وأسلمني إلى حسني ؛ أسرعت أمي ووجهت كلامها إلى حسني وقالت " نحن زواجنا زواج نصارى ليس فيه طلاق ولا زوجة ثانية ... أتفهم ذلك " رد عليها حسني قائلا : " بكل تأكيد هى زوجة عمري ؛ إدعي لنا الله أن يرزقنا البنين والذرية الصالحة " كان لكلمات أمي أثر عظيم ؛ زواج نصارى؟! هل النصارى يتزوجون زوجة واحدة وليس من حق الزوج تطليق زوجته أو الزواج بأخرى؟ بذلك تكون الزوجة النصرانية هادئة مطمئنة لن تكتشف في يوم من الأيام أنه هناك زوجة أخرى في السر وربما أطفال وكذلك هى واثقة من إستمرار حياتها الزوجية ؛ لن يقول لها زوجها في مشاجرة أو في لحظة غضب : " إذهبي وأنت طالق " وتتحطم الأسرة ويتشرد الأطفال ؛ أو ربما يكون الزوج متهور في إستخدام حق الطلاق ويطلقها ثلاث مرات وتحتاج إلى محلل أي زوج آخر حتى تتمكن من جمع شمل الأسرة ؛ حقا الزوجة النصرانية محظوظة. ولكن لن أنسى أبدا ما قاله أبي عنهم أنهم مشركين أشركوا بالله الواحد وجعلوه يتزوج بالسيدة مريم وينجب المسيح عيسى أبن مريم .. أستغفر الله حاشا لله أن تكون له صاحبة ولا ولد ؛ كلما تذكرت ذلك كلما إزداد كرهي لهم ولكن لماذا قالت أمي ما قالت؟ ربما تكون هذه هى الحسنة الوحيدة عندهم ؛ لن أفكر في هذا الموضوع ؛ هم أقل من أن يشغلوا مساحة من تفكيري. تم زفافي بحمد الله .. كم كان يوما جميلا .. كل شئ حولي يكاد أن ينطق بالفرحة ؛ الزهور الجميلة ؛ باقات الورود تملئ أركان البيت ؛ كم كان حسني جميل ورقيق سلمني أبي له ؛ أنا الآن ملكة ؛ لأول مرة تتشابك أيدينا وتتعانق قلوبنا ؛ يا له من يوم سعيد.
وفي أول ليلة من زواجنا أحتضنني حسني بقوة وهمس في أذني قائلا : " ناهد أنا فتحت لك أبواب قلبي لتتربعي على عرشه وحدك ؛ هناك بعض الصور القديمة ؛ ليتك تتمكني من أن تزيليها بالكامل " كم تمنيت أن تكون ليّ نفس الشجاعة والحق في أن أقول كلماته ولكن تقاليد مجتمعنا الإسلامي حرمتني من أن أكون صادقة وأعبر عما في نفسي وإلا أكون قد تخطيت الحدود وأصبح ملامة ؛ ولكني قلتها في نفسي وعاهدت الله أن أكون له الزوجة الوفية الأمينة وأحفظه في نفسي وماله كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرت ثلاثة أسابيع وجاء موعد سفرنا إلى أثيوبيا ؛ كانت تلك الأيام من أسعد أيام حياتي ؛ حسني بحبه ورقة مشاعره هون عليّ الفراق ؛ ودعت الجميع ؛ إصطحبنا أبي الحبيب وصديقي إلى المطار وكذلك نادية الحبيبة والصديقة ووالده وأخوته ؛ سافرنا إلى أديس أبابا ؛ كان في إنتظارنا بعض العاملين في السفارة المصرية وزوجاتهن ؛ رحبوا بنا وأوصلونا إلى الفندق حتى يتم إعداد منزلنا ؛ كل الأمور تسير على أحسن ما يكون ؛ أنتقلنا إلى منزلنا الجديد العامر منزل جميل مستقل ؛ له حديقة بها شجرة خوخ مثمرة وكذلك طماطم وفول أخضر ويوجد أيضا في الحديقة مكان يصلح لتربية الدواجن ؛ هناك حجرة صغيرة في الحديقة بجوار الباب الرئيسي للحارس ويسمى بالأمهرية لغة أثيبيا " زابانيا " وحجرة ثانية للشغالة وتسمى " ما ميتا " كل شئ حولي جميل ؛ أشعر بالسعادة والراحة. مر شهر وكأنه يوم واحد وفي أحد الأيام أستيقظت من نومي مسرعة كالعادة لأعد لحسني وجبة الفطور ولكني لم أتمكن من القيام أشعر بدوخة شديدة ودوران في رأسي ؛ أخذني حسني إلى الطبيب على الفور الذي بدوره قام بعمل بعض الفحوصات وكانت المفاجأة السارة أني حامل .. يا لها من مفاجأة .. سأكون أم .. أرسلت خطاب إلى أسرتي الحبيبة أخبرهم وكذلك إلى أسرة حسني .. عم الفرح الجميع وبعد سبعة أشهر وصل مولودي الأول " محمد " سميته محمد على أسم الرسول الكريم ؛ محمد ملأ حياتي بالفرح والسعادة ؛ كان ميلاده في 24 من شهر مايو عام 1965 أي بعد زواجي بعشرة أشهر ؛ أكاد أن أحلق في السماء وأعود إلى أسرتي ليشاركونني فرحتي بأبني الحبيب. مر عام وسافرنا إلى مصر الحبيبة في إجازة. في خلال ذلك العام تزوجت أختي الحبيبة وصديقتي نادية وهى أيضا حامل وفي إنتظار مولودها الأول. مرت الإجازة وعدنا إلى أديس ابابا وأكتشفت أني حامل للمرة الثانية ؛ كم أنا سعيدة بذلك أني أحب أن يكون ليّ عدد كبير من الأطفال. وفي نفس الوقت عرفت من خطابات أختي الكبيرة قدرية أنها أنجبت طفلة ثالثة وأسمتها أميمة وأيضا سهام مولودتها الثانية وأسمتها سحر ؛ أصبحنا أسرة كبيرة ؛ رزقني الله بأبنة جميلة أسميتها منال وكان ذلك في الخامس من شهر يوليو 1966. كنت سعيدة جدا بميلاد منال ولكن الذي أحزنني أن حسني كان حزين عندما علم أنها أنثى!
حاولت أن أتكلم معه ما الفرق بين الولد والبنت؟ لماذا أنت حزين هكذا؟ ولكن لا فائدة ؛ ومازاد ألمي شعوري أنه يكره منال ؛ هذا الشعور كان يمزق أحشائي ؛ هل من المعقول أن يكره الأب أبنته؟ أين حسني الرقيق المشاعر الذي أحببته لرقته؟ أنه لا يطيق أن يسمع صوت بكائها ؛ يبدو أن رقته كانت قناع وبدأ القناع يسقط عن وجهه ؛ وظهر خلفه الوجه الحقيقي القاسي القلب حتى على أبنته ؛ نعم منال طفلة مزعجة ؛ كثيرة البكاء ؛ سريعة الحركة ؛ ولكنها لحمي ودمي وهذا يجعلني أحبها وهى كما هى وأحاول أن أعطيها المزيد من الحب والحنان لأعوضها عن معاملة أبيها القاسية لها. تحملت الكثير من أجل محمد ومنال ومن أجل إستقرار أسرتنا حتى أنتهت مدة الثلاث سنوات التي أنتدب فيها حسني للعمل كملحق إداري في مكتب الملحق العسكري وكان إنتدابه من قبل المخابرات الحربية ؛ عدنا إلى مصر الحبيبة في عام 1967 ومحمد أبني عمره سنتان ومنال عمرها سنة واحدة ؛ إستأجرنا شقة جميلة وكبيرة في ميدان حلمية الزيتون بالقاهرة وبالتحديد في 83 شارع سليم الأول شقة رقم 7. في أثناء سفري مع حسني نقلت إلى محافظة القاهرة فوجئت بأني نقلت إلى منطقة وسط القاهرة في مدرسة غمرة الثانوية للبنات ؛ وكانت تبعد عن سكني ؛ كنت أستقل القطار من محطة حلمية الزيتون إلى محطة رمسيس ثم أسير حوالي عشرة دقائق.
إكتشفت أني حامل في الطفل الثالث ؛ رغم أني لم أفكر في المزيد من الأطفال إلا أني رحبت بما أمر به الله ؛ ورغم معاناتي ما بين مسؤلية البيت والأطفال والعمل إلا أني لم أتذمر أو أفكر في التخلص من الحمل لأني أعرف جيدا أن في ذلك معصية لله. كنت في فترة القطار أجلس بجوار النافذة وأدعوا الله أن يقويني ويساعدني على المسؤلية التي أتحملها بمفردي دون أي مساعدة من حسني ؛ وقعت عيني على كنيسة إنجيلية وعلى واجهتها مرسوم رجل جميل جدا فاتح زراعيه ومكتوب أسفل الرسم " تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيل الأحمال وأنا أريحكم " وسألت نفسي من هو هذا الرجل الجميل؟ ربما يكون المسيح عيسى أبن مريم .. ولكن كيف يريح المتعبين؟ أنا متعبة وأحمل حمل ثقيل جدا .. هل تستطيع أن تريحني؟ ثم تذكرت كلمات أبي الحبيب أن النصارى جعلوا من المسيح عيسى أبن مريم إله وعبدوه من دون الله ؛ وأشركوا بالله ؛ هل سأكفر مثلهم وأقول لنبي أريحني وأترك الله الواحد أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ؛ لا إله إلا أنت سبحانك عما تشركون ؛ ورغم رفضي لهذه الكلمات إلا أني أجد نفسي دون ما أشعر أقرأها يوميا مرتين.
مر العام الدراسي وجاء موعد ميلاد طفلة جميلة ؛ فرحت بها جدا وبعد أسبوع عدت إلى المنزل ؛ حماتي سيدة طيبة جدا وكذلك والد حسني ؛ حضرت إلى منزلي لترعى محمد ومنال أثناء غيابي ؛ نعم إنها إنسانة فاضلة ؛ مؤمنة .. تصوم كثيرا .. تصلي كل الفروض والسنة .. رغم أنها لا تجيد القراءة والكتابة إلا أنها تحفظ الكثير من الآيات القرآنية ؛ وكانت تحفظّ أولادي رغم حداثة سنهم الفاتحة وبعض قصار السور ؛ وكانت عندما تصلي يقف محمد ومنال خلفها ويقلدون حركاتها وكانت تفرح بهم وتشجعهم. بعد أن أستعدت قوتي وصحتي تركتنا حماتي وعادت إلى شبين القناطر ؛ وعدت أتحمل عبء البيت والأولاد والعمل. قدمت طلب نقل إلى إدارة وسط القاهرة لنقلي إلى إدارة شرق القاهرة التعليمية ؛ وطلبت بالتحديد نقلي إلى مدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات والتي تقع في الحهة المقابلة لمنزلنا ؛ الحمد لله قبل طلب النقل وأيضا بمدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات كمدرسة للتربية الرياضية ؛ أدخلت أولادي حضانة تقع بجوار المدرسة وبدأت أشعر بالراحة وخصوصا بعدما دخل محمد مدرسة الزيتون الأبتدائية وبعده بعام أدخلت منال أيضا وبعد عامين نهال ؛ مرت الأيام ؛ كبر الأطفال وبدأوا الإعتماد على أنفسهم في كثير من الأمور.
في تلك الفترة فتحت جامعة الأزهر ونشرت إعلانات عن الحاجة إلى مدرسين للغة إنجليزية ؛ تقدم محمد رمزي زوج أختي الحبيبة سهام حيث أنه حاصل على ليسانس آداب قسم لغة إنجليزية ؛ إجتاز المقابلة وعين معيد في جامعة الأزهر ؛ تفوق كالعادة ؛ ثم تم ترشيحه للسفر إلى إنجلترا للحصول على شهادة الدكتوراة في آداب اللغة الإنجليزية ؛ وبالفعل سافرت سهام وأسرتها المكونة من محمد رمزي الشاب الزكي الطموح وسهام وإبنيهما أيمن وأبنتهما سحر وسلوى ؛ فرحت لفرحهم ودعوت الله أن يوفق محمد رمزي وأسرته في كل عمل يكلف به فهو إنسان يستحق كل خير ؛ مؤدب .. لطيف .. محب. وكذلك أحمد رأفت زوج أختي الحبيبة قدرية بعد عودته من جاكرتا عاصمة أندونسيا عين مدير مكتب وكيل وزارة الحكم المحلي ؛ هو يستحق بجدارة هذا المركز وأكثر لأسلوبه الراقي في التعامل ؛ أنا على يقين أن أحمد رأفت بتوفيق الله سيصل إلى أعلى المناصب ؛ الجميع يحبه ويثق فيه ؛ هو إنسان ممتاز في عمله وفي بيته مع قدرية ومع أولاده ؛ أشرف ومنى وأميمة ومولودتهما الجديدة مها ؛ باركه الله أكثر وأكثر.
أما بالنسبة لأخي الحبيب المدلل أحمد حصل على بكالوريوس تجارة خارجية وعين في الجهاز المركزي للتنظيم والأدارة ؛ وأيضا أتوقع له الوصول إلى أعلى المناصب لأدبه الشديد في التعامل مع رؤساءه وأيضا لأن أحمد رأفت يحبه ويهتم به كأبن تماما ويعطيه التعليمات لكي يكون موضع ثقة من الجميع. عاد أخي الحبيب محمد بعد غيبة طويلة ؛ عاد ليتزوج من بنت بلده ؛ مصرية .. مسلمة .. مؤمنة .. من أسرة طيبة ؛ ثم بعد أن وفقه الله إلى زوجة صالحة عاد مرة أخرى إلى كندا وعمله كمهندس في مصنع جنرال موتور. عصمت أختي الصغيرة والتي لم تعد بعد صغيرة ؛ بل هى شابة جميلة فاقت الجميع بجمالها وحيويتها ورشاقتها ؛ تخرجت من المعهد العالي للإدارة والسكرتارية وعينت في مكتبة كلية طب جامعة عين شمس وتزوجت من ضابط طيار أسمه عبد اللطيف مخلوف وكان يعمل في رئاسة الجمهورية.
أما نادية أختي وصديقتي الحبيبة وزوجها محمد بكري الذي ترقى وأصبح عقيد في الجيش رزقهما الله بطفلين الأول أحمد والثانية إيمان وهى سعيدة جدا في حياتها ؛ محمد بكري إنسان فاضل من أسرة طيبة ؛ ولكن للأسف ظهرت عليه أعراض مرضية خطيرة ؛ دخل المستشفى العسكري وبعد عمل فحوصات أكتشف أنه مريض بدوالي في المرئ وإستسقاء في البطن بسبب مرض بالكبد ؛ كان مرضه صدمة لنا جميعا فهو شاب جميل ؛ الجميع يحبه ويحترمه ؛ ساءت حالته وأصيب بنزيف حاد نقل على أثره إلى المستشفى ولكن وللأسف خطفه الموت من وسطنا ؛ مات محمد بكري وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره ؛ حزن الجميع حزنا شديدا على فراقه ؛ لن أنسى ذلك اليوم الكئيب الذي ودعنا فيه محمد بكري إلى مثواه الأخير ؛ جميعنا في حالة ذهول ؛ ولكنها الحقيقة ؛ تمنيت أن يكون حلم مزعج وأستيقظ منه ولكن لا فائدة من يأخذه الموت لا يعود إلى دنيانا مرة ثانية ؛ بموته المفاجئ والذي كان أسرع من أن نستعد لتلقي النباء ؛ فتح أمامي مرة أخرى باب كنت أظن أن زواجي ومسؤلياتي الكثيرة ما بين العمل والأسرة والأولاد أني أغلقته تماما ولكن بموت محمد بكري وهو في ريعان الشباب عدت أتساءل لماذا نموت؟ وأين سنذهب بعد الموت؟ هل إلى مكان الأبرار والصالحين أو إلى نار الجحيم؟ ولأول مرة أسأل نفسي .. إذا مت الآن أين سيكون مصيري ؟؟ لم أجد الإجابة عدت أكرر السؤال ؛ إذا مت الآن هل سأقابل الله بذنوبي فقط؟ أنا لا أعمل أي عمل صالح منذ أن تزوجت وأنجبت وأنا بعيدة كل البعد عن الله ؛ لا أصلي .. لا أقرأ القرآن .. لا أصوم .. إستيقظي يا نفسي وتوبي وعودي إلى الله ؛ رفعت وجهي إلى السماء وقلت : " سامحني يالله أعاهدك أن لا يفوتني فرض من الآن ؛ وأن أقرأ في المصحف الشريف يوميا وفي كل يوم جمعة سأصلي الجمعة جماعة في مسجد الشيخ بخيت الملاصق لمنزلنا ؛ وسوف أصوم وسأصطحب معي منال ونهال وحتى يتعلموا الدين الصحيح من الصغر .. هذا وعد مني لك يا الله "
جاء شهر رمضان المبارك قلت هذه فرصة رائعة أن أختم القرآن في شهر رمضان وأقوم الليل خصوصا ليلة القدر التي هى خير من ألف شهر حتى يغفر الله ليّ ذنوبي ويسامحني على تلك الأيام التي مرت وأنا بعيدة عنه. عدت مرة ثانية إلى القرآن ؛ وعادت أمامي شكوكي بصورة أكبر وأعمق حاولت قدر إستطاعتي أن أغمض عيني وأنا أقرأ ولكن كيف؟ وصلت إلى سورة النساء ؛ حاولت أن أفهم جيدا ؛ ربما قراءتي السابقة لم تكن بالطريقة المناسبة ؛ نعم ربما أيضا لأني كنت صغيرة السن أما الآن أنا أكثر نضوجا وبكل تأكيد سأفهم بطريقة أفضل وخصوصا وأن حسني نقل إلى وزارة الأزهر وعندما لاحظ أني مهتمة بالتعمق في الدين أحضر ليّ مجموعة ضخمة من كتب الأحاديث النبوية الشريفة وكذلك كتب كبار مفسري القرآن وكان حسني معجب جدا بكتب الإمام الغزالي وجمع معظمها ؛ وهكذا كل الظروف متاحة أمامي أولادي كبروا إلى حد ما ؛ أصبح عندي متسع من الوقت أن أتعمق في دراسة ديني الحنيف ؛ وأخيرا والأهم حسني يشجعني وأعد ليّ مكتبة إسلامية متكاملة في منزلي وتحت أمري في كل وقت.
لفت نظري كلمة " ملك اليمين " وإعطاء الحق للرجل في مجامعة ملك اليمين ؛ رحت أبحث في الكتب الكثيرة التي حولي عن من هم " ملك اليمين " وجدت أنه أجمع علماء المسلمين على أنهم الجواري والعبيد والسبايا التي كان المسلمون يغتنمونها في الحروب قلت في نفسي كيف يسمح الله بهذا الظلم ؛ بلد تحارب أخرى وينتصروا عليهم ؛ يقتلوا الرجال ويسبوا النساء كعبيد وجواري وتمتهن كرامتهن إلى هذه الدرجة ويكون من حق الرجل أو المالك مجامعتهن كيفما شاء ووقتما شاء ؛ تصورت نفسي في مكان تلك الجارية .. صرخت من أعماقي .. لا هذا حرام .. هذه جريمة يا الله .. كيف أن تكون نفس بشرية خلقها الله على أحسن تقويم ملك لبشر يفعل بها ما يحلوا له .. كيف؟ وعدت أكرر لا يمكن أن يكون الله الذي خلق هذا العالم بهذه الدقة أن يكون هو هو صاحب هذا التشريع .. رحت أسأل إمام جامع الشيخ بخيت عن ملك اليمين ؛ أكد ليّ ما قرأته وما فهمته ؛ وأضاف : " هن نساء الكفار ؛ زوجاتهن أو بناتهن أو أخواتهن وكلهم كفار ويستحقوا ذلك وأكثر من ذلك " تسمرت مكاني لا أصدق ما سمعت وكأن الشيطان بعينه يتكلم ؛ قلت له " عندي سؤال آخر ممكن؟ " قال بكل فرح : " إسألي " قلت له : " قرأت في سورة المؤمنون أن المؤمن يحفظ نفسه إلا على زوجته أو ملك يمينه ؛ فهل معنى ذلك أنه من حق المرأة أيضا مجامعة ملك يمينها مثل الرجل؟ " صرخ في وجهي قائلا : " لا يا سيدتي هذا للرجل فقط " قلت له : " لا تغضب هكذا التصريح وارد في سورة النور رقم 24 والآية رقم 31 وفيها الحديث موجه إلى المؤمنات أن يحفظن أنفسهن إلا ما ملكت أيمانهن " تلعثم فضيلة الإمام وحدق في وجهي وكأنه يريد أن يقذف بي خارج الجامع ؛ قلت له " لا تفكر كثيرا أنا عندي كتب كبار مفسري القرآن سأبحث عن التفسير ثم أعود لك وأخبرك بما توصلت إليه .. السلام عليكم "
وهكذا كان حالي كلما حاولت التقرب إلى الله عن طريق القراءة في المصحف الشريف ؛ أجد ما يصدمني ويبعدني عن الله ؛ ولكني لم أكف عن المحاولة لأني أحب الله من أعماقي وأريد الأقتراب منه ؛ وبالفعل ختمت المصحف الشريف في شهر رمضان ؛ واظبت على الصلاة والصوم ؛ ورغم ذلك أشعر بفراغ داخلي ؛ هناك شئ أفتقده وأنشده رغم أني لا أعلم ما هو !!
كنت أتردد على زيارة أبي الحبيب وأمي منبع الحب والحنان ؛ لقد تقدما في السن ويعيشان بفردهما مع أحمد الذي كان كثير الأسفار ؛ وفي يوم من الأيام قال ليّ أحمد : " أريد أن أتزوج هل ترشحين ليّ أحد " قلت له بكل فرح : " نعم عندي في المدرسة أربعة آلاف طالبة وأعرف أسر بعضهن والآن وقد أصبحت وكيلة شئون الطالبات بالمدرسة يمكنك أن تختار وأنا أبحث في ملفات من هى ومن هم أفراد أسرتها وهل تليق لك أم لا " قال ليّ : " أنا أريد بنت في السابعة أو الثامنة عشرة من عمرها بشرط أن تكون جميلة .. مؤدبة .. من أسرة طيبة " وعلى الفور رشحت له عزة إني أعرفها جيدا وأعرف أسرتها والدها متوفي ووالدتها ناظرة مدرسة وهى سيدة فاضلة وعزة طالبة مثالية وهكذا تزوج أخي الحبيب أحمد من عزة وأنتقلت عزة إلى بيتنا في عمارات ضباط الشرطة بالعباسية ؛ كل أفراد الأسرة كانوا راضين وسعداء بهذا الزواج المبارك وأن أبي وأمي تعيش معهم إنسانة رائعة مثل عزة ؛ لم يمر عام حتى أنجب أحمد عزة ريهام ثم محمد ثم رغدة وأخيرا رنا ؛ مرضت أمي ؛ أصيبت بنزيف حاد ؛ نقلت إلى المستشفى وبعد إجراء الفحوصات اللازمة تبين أنهامصابة بأورام سرطانية في الرحم ولابد من إجراء عملية جراحية لأستئصال الرحم ؛ أجريت الجراحة ومرت بسلام وعادت أمي إلى المنزل ولكن كان شبح الموت يخيم علينا وخصوصا وبعد أن سمعنا خبر وفاة شقيقتين لأمي بنفس المرض اللعين. كلما حاولت أن أنسى الموت أجده يفرض نفسه علينا ويخطف من وسطنا الأحباء ؛ نعم الموت يذكرني بذلك اليوم الذي سأقف فيه أمام الله ليحاسبني على كل ما فعلت ؛ ويجعلني أعمل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " ولمنه أمامي كابوس مرعب إسمه الموت لدرجة أنني إذا فكرت فيه ربما يسرق مني نومي الهادئ ؛ أين المفر؟ إليك يا الله ؛ إليك الملاذ لابد وأن أزيل تلك الحواجز التي تفصلني عنك ؛ وأخيرا وبعد تفكير عميق توصلت إلى الحل .. أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ شفيعي يوم القيامة ؛ أقرأ عنه وأتقرب إليه وأصلي عليه كما جاء في القرآن في سورة الأحزاب رقم 33 والآية رقم 56 " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " رغم أن كلمة الله يصلي على النبي كانت تزعجني حاولت التغاضي عنها ؛ فتحت المكتبة الإسلامية ؛ بحثت في الكتب وجدت كتاب " نساء النبي " لبنت الشاطئ أو الدكتورة عائشة عبد الرحمن أستاذ الدراسات القرآنية بكلية الشريعة ودار الحديث جامعة القرويين بالمغرب ؛ أمسكت بالكتاب وقلت في نفسي هذا هو الكتاب الذي يستحق أن يقرأ ؛ بدأت أقرأ بكل لهفة وشوق وخصوصا وأنه ومنذ نعومة أظافري وعبر أجهزة الإعلام وفي حصص الدين كنت أعرف وأسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج أبدا لشهوة النساء كما يحاول البعض تشويه صورته ؛ بل على العكس تماما فأغلب من أخذ من النساء كن أرامل يشفق عليهن ؛ واللاتي أصبحن بلا عائل ؛ كان زواجه بهن رحمة لهن والذي يؤكد ذلك الحديث النبوي الشريف القائل " ما تزوجت إمرأة من نسائي إلا بوحي جاءني به جبريل من ربي عز وجل " أمسكت الكتاب وبدأت أقرأ.
بدأت الكاتبة بأولى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:
الزوجة الأولى :
السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها والتي كانت تجاوزت الأربعين من عمرها وكانت قد تزوجت مرتين ولها أبنة من زوجها الأول أدركت سن الزواج ولها أبن من زوجها الثاني وكيف أن السيدة خديجة هى التي أرسلت خادمتها نفيسة لتطلب من الرسول أن يتزوجها وهو في بداية العشرينيات ؛ وكيف أنه وافق على الفور لأنه كان فقيرا ومعدم وكان يعمل لديها أجير ؛ تعجبت كثيرا لأنه لا يوجد أي توافق بين الزوجين وهى تكبره بأكثر من عشرون عاما ؛ هى من أغنى أغنياء قريش وهو يعمل لديها أجير وبكل تأكيد هى صاحبة المال والقوة والكلمة وما زاد من دهشتي أن أجد في تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن في تفسير سورة الصحى وفي قوله تعالى " ووجدك عائلا فأغنى " أي وجدك فقيرا فأغناك بزواجك من خديجة السيدة الغنية ذات المال ؛ ورغم أن الكاتبة حاولت قدر إستطاعتها أن يبدو الزواج سعيدا ولكن العقل والمنطق يرفض مثل هذا الوضع.
الزوجة الثانية :
وبعد أن قضى الرسول مع خديجة خمسة وعشرون عاما وبلغ الخمسين من عمره المبارك ؛ بمعنى أنه قضى زهرة شبابه يرسل في خطبة كل من سوده بنت زمعة وعائشة بنت أبي بكر بحجة أن تكون سوده لرعاية شئونه وبناته من السيدة خديجة ؛ زواجه عليه الصلاة والسلام من سوده بعد موت خديجة أمر منطقي لا خلاف عليه ؛ فسوده كما تقول الكاتبة هى أرملة كانت قد تزوجت من أبن عمها وهاجرا معا إلى الحبشة ؛ ثم مات عنها في الغربة ؛ هذا الزواج بكل تأكيد رحمة ومكافأة لسوده بعد ترملها ؛ ولكن الذي أحزنني عبارة ذكرتها الدكتورة عائشة عبد الرحمن تقول : " عرفت سوده من اللحظة الأولى التي جمعتها بزوجها ؛ أن المصطفى هو الذي تزوجها لا الرجل الذي لم تجرده النبوة من بشريته وأيقنت دون ريب أن حظها من الرسول بر ورحمة لاحب وتآلف وأمتزاج " وتضيف الكاتبة " أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأشفق على سوده من الحرمان العاطفي – بعد أن تزوج بالأخريات الجميلات – وكره لها قسوة الشعور بأنها ليست مثل الأخريات وحاول جهد طاقته أن يفتح لها قلبه لكن بشريته لم تطاوعه فهم بطلاقها " فما كان منها إلا أن تتنازل عن حقها كزوجة وتهب ليلتها لعائشة أحب نساء النبي إليه ؛ شعرت بمدى الألم والذل الذي عانته سوده للإبقاء على زواجها من رسول الله وكيف أنها إرتضت أن تعيش في بيت النبوة كمربية أو خادمة لا أكثر ...
الزوجة الثالثة :
عائشة بنت أبي بكر ؛ تقول الكاتبة نقلا عن حديث صحيح للبخاري عن عائشة أنها كانت في أرجوحة تلهو مع صديقاتها فأخذتها أمها من الأرجوحة إلى حجر رسول الله لتكون له زوجة وتضيف أن الرسول الكريم خطبها وهى بنت ست وبنى بها وهى بنت تسع وكانت الصدمة التي أفقدتني صوابي ؛ الرسول الذي تخطى الخمسين من عمره يخطب بنت الست سنوات ثم يجامعها كزوجة وهى في التاسعة ؛ كيف إستطاع أن يفعل ذلك مع طفلة بريئة؟
كانت إبنتاي منال ونهال حول هذا السن تقريبا ؛ نظرت إليهما هل يصلح ذلك الجسد الغض لعلاقة زوجية؟ شعرت وكأن سكين في صدري يخترق قلبي ؛ لابد وأنها تألمت كثيرا من تلك العلاقة .. وتذكرت تفسير القرطبي لسورة الواقعة والآية رقم 36 والتي تصف الجنة وحور عين الجنة " فجعلناهن أبكارا " يقول القرطبي : أي أنهن أبكارا وقال النبي " كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا ؛ فلما سمعت عائشة ذلك قالت : " واوجعاه " فقال لها النبي " ليس هناك وجع " أيتها المسكينة البائسة لم تنس آلام تلك الليلة التي بنى عليك فيها النبي طوال هذه السنوات ؛ بكل تأكيد تألمت كثيرا يا للقسوة والوحشية ؛ والله لو تقدم لخطبة أبنتي منال في ذلك السن ملاك قادم من السماء لقتلته .. وكان ما زاد دهشتي أن الله هو الذي أمر الرسول بالزواج من عائشة وورد ذلك في عدة أحاديث صحيحة سألت نفسي كيف إستطاع النبي بعد أن عاش خمسة وعشرين عاما زواجا لخديجة والتي تكبره بأكثر من عشرون عاما وبكل تأكيد عاش معها في وقار وتطبع بطباعها وسلوكها المناسب لعمرها كيف إستطاع أن يتعامل مع تلك الطفلة الصغيرة البريئة كزوجة وأي رحمة في هذه الزيجة ؛ عائشة ليست أرملة ؛ هى أبنة الصديق الحميم أبو بكر أول من آمن بالرسول من الرجال ؛ إذا لا يوجد أي مبرر لهذا الزواج سوى جمال عائشة التي ورثته عن أمها والتي قال عنها الرسول أنها مثل حور عين الجنة.
الزوجة الرابعة :
هى حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت أرملة ترملت في الثامنة عشر من عمرها ؛ حزن عمر بن الخطاب وحاول أن يجد لها زوج مسلم تأنس إلى صحبته ؛ وقع إختياره على أبي بكر الصديق ؛ لم يتردد عمر بل سعى إلى أبي بكر وعرض عليه الفكرة ولكن أبو بكر لك يجب ؛ تركه عمر وسار إلى عثمان بن عفان يعرض عليه إبنته ولكن عثمان أيضا رفض الزواج بها ؛ وتقول الكاتبة " فكاد عمر أن يتميز غيظا من قسوة الموقف ؛ ثم ثار به الغضب فأنطلق إلى رسول الله يشكو صاحبيه " فتبسم الرسول وقال : " يتزوج حفصة من هو خير من عثمان " فرح عمر بزواج أبنته من رسول الله وهكذا أصبحت حفصة بنت عمر بن الخطاب الزوجة الرابعة للرسول وكان زواجه بها إرضاء لوالدها.
الزوجة الخامسة :
فهى زينب بنت خزيمة ويقال أنها تزوجت مرتين قبل الرسول ؛ وماتت ولذلك لم يكتب عنها إلا جزء صغير في كتب السيرة النبوية.
الزوجة السادسة :
وتعنون الكاتبة الدكتورة عائشة عبد الرحمن الباب السابع والذي يحمل نبأ زوجة رسول الله السادسة بالعنوان التالي " العزة والجمال " وإسمها هند بنت أبي أمية ؛ وتقول الكاتبة " وأحدث دخولها في دور النبي ضجة ؛ وأشاع قلقا في الزوجتين الشابتين عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وذلك لجمالها الذي أشعل نار الغيرة في بيت النبوة.
الزوجة السابعة :
فهى زينب بنت جحش أو الشريفة الحسناء ؛ وكانت زوجة لأبن الرسول بالتبني ويسمى زيد بن حارثة وكان رسول الله قد زوجه إياها بأمر من الله جاء في سورة الأحزاب رقم 33 والآية رقم 36 ؛ وتقول الكاتبة القصة كما يلي " أن الرسول أفتقد زيدا فجاء منزله يطلبه ؛ فهرعت زينب تستقبله وقالت " ليس هو هنا يا رسول الله فأدخل بأبي أنت وأمي " وعلى باب زينب ستر من شعر ؛ فرفع الريح الستر فأنكشف عنها وهى في حجرتها حاسرة – أي شبه عارية – فوقع إعجابها في قلب النبي ؛ وولى وهو يهمهم بكلمات ميزت زينب فيها قوله : " سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب " وجاء زيد فأخبرته زينب بما حدث فأتى زيدا رسول الله وقال له : " يا رسول الله أتريدني أن أفارق زينب " فقال له الرسول : " لا أمسك عليك زوجك " فأنزل الله آيات قرآنية ؛ مرسلة بيد جبريل ؛ فيها عاتب الله الرسول أنه أخفى حبه لزينب وقال لزيد أمسك عليك زوجك ؛ وكان يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى لائمة الناس وأمر الله الرسول أن يطلق زيد زوجته زينب وأن يحرّم التبني في الإسلام ويتزوجها الرسول وهذه الآيات في سورة الأحزاب رقم 33 والآيات رقم 37 ؛ 38. لم أصدق نفسي أمسكت بالمصحف الشريف وتأكدت من الآيات القرآنية ؛ قرأت التفسير ؛ نعم أنه كما ذكرت بالضبط ؛ ولكن كيف تسمح يا الله أن تبارك هذه الزيجة التي بنيت على أنقاض زيجة سابقة؟ بكل تأكيد تحطم قلب زيد الذي كان أبن الرسول الكريم بالتبني عندما سمع الآيات البينات التي تحرمه من شرف النبوة ومن الزوجة الجميلة !!
يا للقسوة .. والسؤال الأهم أليس من الأجدر يا الله أن تعاتب رسولك كيف إشتهى وأحب زوجة أبنه بالتبني؟ ولكن العجب كل العجب أن أجدك تبارك ذلك الحب وتحطم القلوب من أجل إرضاء شهوات الرسول .. أنا غاضبة جدا .. أنا حزينة .. أبسط الأخلاقيات حتى بين الأصدقاء أن لا ينظر الصديق إلى زوجة صديقه نظرة غير بريئة وحتى الجيران هذا شئ معلوم لدى الجميع ؛ كيف إستطاع .. كيف جاريته .. أين الشرف والقداسة في هذا الموقف الذي يخلو من أبسط الأخلاقيات؟.
الزوجة الثامنة :
" الأسيرة الحسناء " هكذا ذكرتها عائشة عبد الرحمن وملخص قصة زواجه بها أنه بعد أن نصر الله رسوله على المشركين في غزوة الخندق وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته عند عائشة وإذ إمرأة تستأذن في لقاء الرسول بصوت شجي مؤثر ؛ كانت تلك المرأة هى جويرية بنت الحارث ؛ قامت عائشة إلى الباب لترى من تلك ؛ فإذا شابة حلوة ؛ مفرطة الملاحة ؛ لا يرها أحدا إلا أخذت بنفسه في نحو العشرين من عمرها ؛ ترتجف قلقا وذعرا ؛ كرهتها عائشة من النظرة الأولى ؛ دخلت جويرية إلى الرسول وقالت له : " يا رسول الله أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه " وأضافت أنها وقعت أسيرة في يد بعض الصحابة وطلبت من الرسول أن يفك أسرها ؛ تأثر الرسول وقال لها على الفور : " هل لك في خير من ذلك " وأضاف صلى الله عليه وسلم " أقضي عنك كتابك وأتزوجك " !!
أكاد أن أطلق صرخة مدوية .. هل ما قرأت صحيحا .. عدت إلى المراجع .. نعم جميعهم يؤكدون القصة سيدة شريفة في قومها ؛ لها مكانتها ووضعها الخاص ؛ يقتل قومها وتساق النساء كقطيع من الغنم سبايا وتقسم تلك السبايا على صحابة رسول الله !!
لا أستطع أن أحتمل .. بكيت من شدة الألم أهكذا تهان المرأة يا رسول الله؟ ويقولون لنا لم يتزوج لشهوة أو متعة النساء .. بماذا تعلل زواجك من جويرية؟ ألم تكتفي بما لديك من النساء؟ أهكذا تستغل ظروف المرأة القاسية وتعرض عليها الزواج وهى في وضع لا تحسد عليه وليس أمامها إلا الرضوخ لطلبك؟! يا للقسوة والوحشية.
الزوجة التاسعة :
خرج رسول الله للقتال في غزوة خيبر ؛ معقل اليهود ؛ إستسلم العدو ؛ فتحوا حصونهم ؛ قتل جميع الرجال وسبى النساء ؛ كان ضمن من قتل من الرجال رجل يدعى كنانة بن الربيع وكان له كنز كبير مخبأ ؛ أمر الرسول أن يعذب كنانة حتى يعترف أين خبأ الكنز ؛ عذب كنانة بالنار حتى إعترف عن مكان الكنز ثم ضربت عنقه فمات ؛ كانت له زوجة حسناء هى صفية بنت حيي والتي كان ينتهي نسبها إلى هارون أخي موسى وكانت في السابعة عشرة من عمرها ؛ وأيضا كانت زوجة حديثة ؛ سيقت صفية مع السبايا إلى رسول الله بعد أن مروا بساحة إمتلأت بالقتلي ؛ زوجها ربيعة .. أبيها .. أخيها .. قبيلتها ؛ القى الرسول عليها رداءه ؛ فكان ذلك إعلانا بأنه صلى الله عليه وسلم قد إصطفاها لنفسه !!
وتقول كتب السيرة أن الرسول الكريم تزوجها وبنى بها في نفس اليوم الذي قتل فيه زوجها وكل أفراد قبيلتها ؛ قالوا لنا أنه نبي الرحمة ؛ وقال القرآن " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " أين الرحمة يا رسول الله فيما تقدم ؟! أين مراعاة مشاعر الآخرين من حزن أو فرح حتى تستمتع بتلك السيدة الفاضلة في نفس اليوم الذي قتلت فيه كل أقاربها وزوجها؟ إن قلبي يعتصر من الألم .. أهكذا يا رسول الله .. يا أشرف خلق الله .. يا من كان سلوكك الحياء .. وكانت دموعك تفيض مع المتألمين .. أهكذا تقسوا على تلك السيدة الكريمة الشريفة ؛ تذبح مشاعرها بقتل الأحباء ثم تخنق حزنها داخل أحشائها ولم تعطها الفرصة تبكي فراق الأحباء؟! والله لو كان ما حدث حدث أمامي لعنفتك وواجهتك بكل قوة ؛ ولكن أين أنت يا الله من كل ما يحدث؟ هل أنت راض على ما يفعله رسولك الذي أرسلته رحمة للعالمين؟!!
الزوجة العاشرة :
هى رملة بنت أبي سفيان ؛ زعيم مكة وقائد المشركين ؛ تزوجت من أبن عمة الرسول عبيد الله بن جحش ؛ أخو السيدة زينب بنت جحش زوجة الرسول السابعة ؛ هاجرا معا إلى الحبشة وهى تحمل جنينها ؛ وتركت أباها بعد أن دخلا في الإسلام ؛ ولكن زوجها عبيد الله بن جحش إرتد عن الإسلام وأعتنق النصرانية ؛ ولدت إبنة لا تقل جمالا عن الأم وأسمتها حبيبة ؛ علم رسول الله بأمر زوجها ؛ فأرسل إلى النجاشي ملك الحبشة أن يخطب عليه رملة أو أم حبيبة ؛ وبذلك تزوجها رسول الله وكان زوجها لا زال على قيد الحياة ؛ وعادت أم حبيبة إلى دار النبوة زوجة له بعد أن أصدقها النجاشي ملك الحبشة أربع مائة دينار نيابة عن رسول الله وسكب الدنانير في حجرها وقدم إليها هدايا من عود وعنبر وطيب ؛ وتقبلت أم حبيبة الهدية شاكرة وحملتها معها إلى بيت النبوة. حاولت الكاتبة وبذلت كل جهد أن تجعل الأمر مألوفا وعاديا ويجب أن يتبع مع كل من تسول له نفسه بالإرتداد عن الإسلام ؛ ولكن الحقيقة واضحة وضوح شمس مكة في منتصف النهار ؛ ذلك الزواج ما هو إلا إنتقام وبتدبير شيطاني لإذلال الزوج وحرمانه من زوجته الجميلة وإبنتيهما الجميلة ؛ يا لقساوة القلب ؛ لن أجد الكلمات المناسبة لأعبر عن فظاعة ما قرأت ؛ كلما أنتقلت من زيجة لأخرى كلما إزداد عذابي وألمي ودهشتي من تصرفات رسول الله ؛ تلك التصرفات المشينة والمخزية.
الزواج الحادي عشر :
هى مارية القبطية ؛ وكما هو واضح من إسمها هى مصرية ؛ أرسلها المقوقس إلى رسول الله " هدية " وأختها " سرين " وعبد خصي وألف مثقال ذهبا ؛ وعشرون ثوبا لينا من نسيج مصر وبعض من العود الند والمسك ؛ وتقول الكاتبة عائشة عبد الرحمن ما يلي : " وأعجبته صلى الله عليه وسلم مارية ؛ فإكتفى بها ؛ ووهب أختها سيرين لشاعره حسان بن ثابت ؛ وطار النبأ إلى دور النبي ؛ أن شابة مصرية حلوة ؛ جعدة الشعر جذّابة الملامح ؛ قد جاءت من أرض النيل هدية للرسول ؛ فأنزلها صلى الله عليه وسلم بمنزل لحارثة بن النعمان قرب المسجد. وتكلفت عائشة ما إستطاعت من جهد لكي تعلل نفسها بالأخطر عليها من هذه الشابة الجديدة ؛ فما كانت سوى جارية قبطية غريبة أهداها سيد إلى سيد ؛ لكنها راحت ترقب في كثير من القلق ؛ مظاهر إهتمام زوجها بتلك المصرية ؛ وقد أثار جزعها أن تراه صلى الله عليه وسلم يكثر من التردد عليها ويمكث لديها طويلا .. " وتضيف الكاتبة أن مارية أحست بوادر حمل في عامها الثاني مع رسول الله ؛ وبعد قليل تأكدت بالفعل من حملها ؛ وولدت إبراهيم ؛ إتهمها البعض بالزنى ؛ وإدعوا أنه كان هناك قبطي يأوى إلى مارية ويأتيها بالماء والحطب ؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ علي إبن أبي طالب رضي الله عنه ليقتله ؛ فوجد القبطي على نخلة هناك فلما أخذ عليّ سيفه ؛ وقع من على القبطي الرداء الذي كان يستره فتعرى ؛ فإذا هو مجبوب ؛ فرجع عليّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى من القبطي ؛ ثم جاء جبريل وسلم على الرسول قائلا : " السلام عليك يا أبا إبراهيم ؛ فأطمأن رسول الله " ونقل رسول الله مارية إلى العالية بضواحي المدينة توفيرا لراحتها وسلامتها. ولكن لم يبلغ إبراهيم عامين من عمره حتى مرض ومات وحمل جثمان إبراهيم من منزل أمه على سرير صغير ؛ وسار وراءه أبوه وصحابته إلى البيقع ؛ فصلى عليه النبي ؛ وأضجعه بيده في القبر ؛ ثم سوى عليه التراب ونداه بالماء. رغم ما هو مشين ومؤلم. كل ما تحويه تلك القصة ؛ إلا أن أشد ما أزعجني أن يقدم لنبي الرحمة هدية نفس بشرية ؛ وتعجبه ويعاشرها معاشرة الأزواج !!!
كيف يا رسول الله ترسل عليّ بن أبي طالب ؛ ليقتل هذا الرجل الذي كان يتردد على مارية ؛ لمجرد أن بعض الأشرار لصقوا به تهمة الزنى دون أن تتأكد من صحة ما يدعون؟ ماذا يكون الحل إن لم يحدث ما حدث من سقوط الرداء عنه وإكتشاف أنه مجبوب؟! كنت قتلت نفس بريئة .. أين العدل والحق؟.
الزوجة الثانية عشرة :
هى وكما تقول عنها الكاتبة ؛ ميمونة بنت الحارث ؛ كانت إحدى أخوات أربع قال فيهن الرسول " الرسول " الأخوات المؤمنات " وكانوا يدعونها برة بنت الحارث ؛ ترملت برة وهى في السادسة والعشرين من عمرها ؛ وتقول الكاتبة أنه بعد ترملها هى التي أبدت رغبتها في الزواج بالرسول صلى الله عيه وسلم. وفي رواية أنها هى التي وهبت نفسها للنبي ؛ فأنزل الله تبارك وتعالى فيها " وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين " سورة الأحزاب رقم 33 والآية رقم 50. لم أتمالك نفسي ؛ أسرعت إلى المصحف الشريف لأتأكد بنفسي ؛ نعم الآية صحيحة وموجودة في المصحف ؛ أمسكت التفسير ؛ وللأسف تمنيت أن يكون التفسير يحمل معنى آخر ولكن الحقيقة واضحة أمامي ؛ الله أعطى رسوله الكريم الحق في أي إمرأة مؤمنة تهبه نفسها وهذا حق له وحده من دون المؤمنين ؛ ماذا أقول فيما سبق .. إذا قلت الحقيقة وما يمليه عليّ ضميري سأكفر ويكون نصيبي في نار جهنم ؛ وإن صدقت أن الله يصرح بهذا التصريح أكون بذلك خنت أمانة العقل والضمير .. أين الحقيقة؟قلت في نفسي من هى الدكتورة عائشة عبد الرحمن هى بشر ؛ ربما تكون قد أخطأت في نقل الحقائق ؛ مثلي مثلها ؛ أبحث بنفسي في المراجع التي ذكرتها حتى أكون على يقين ؛ قصة زواج الرسول من خديجة معروفة ودرسناها في حصص الدين وكيف أنها هى التي طلبت منه الزواج لأمانته ؛ وأيضا وجدت القصة مكتوبة في كل من : سيرة إبن هشام والسيرة الحلبية وأيضا في السمط الثمين للطبري ؛ باب زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد وأنها رضي الله عنها هى التي عرضت عليه الزواج ؛ إنتقلت إلى سوده بنت زمعة نعم قرأت القصة في تفسير القرطبي لسورة النساء وأيضا يوجد حديث لعائشة في صحيح البخاري والذي هو أصح كتاب بعد القرآن ؛ والقصة تماما كما أوردتها الكاتبة ؛ ثم زواج الرسول من عائشة هناك مجموعة أحاديث في صحيح البخاري ؛ باب تزويج الرجل لولده الصغار ؛ وجميع الأحاديث مطابقة تماما لما كتبته الكاتبة وأيضا القصة كاملة في كتب السيرة الحلبية وسيرة أبن هشام.
وكذلك زواجه بحفصة بنت عمر ؛ وما يؤكد صحة ما أوردت الكاتبة أن قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش موجودة في القرآن الكريم ؛ سورة الأحزاب رقم 33 والآيات رقم 37 ؛ 38 ومعظم كتب التفاسير تؤكد القصة وأخيرا زواجه بالسبايا الحسنوات موجودة في كل من : السير النبوية باب غزواته صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ الطبري وأيضا الطبقات الكبرى لأبن سعد ؛ كل كلمة مكتوبة في كتاب نساء النبي ؛ صحيحة وتأكدت من صحتها بنفسي .. ماذا أقول شعرت وكأن زلزالا يحرك الأرض التي أقف عليها ؛ أفقدني إتزاني ؛ توقف عقلي عن التفكير .. : رحت أسأل أحد مدرسي الدين في المدرسة وهو شيخ معمم وكان إسمه الشيخ أمين ؛ سألته عما قرأت ووجدت ؛ فوجدته يجيبني بكل فخر : " نعم كل ما ذكرته هو صحيح ومؤكد والمراجع لا خلاف عليها البتة ؛ والله صرح له بالزيادة في النساء مكافأة له صلى الله عليه وسلم لما يلاقي من المشركين والكفار ؛ وتشجيعا له بالإستمرار في الدعوة رغم ما يلاقيه " كان رده مخيبا للآمال الله يكافئ رسوله بالنساء .. يجمع الحميلات في بيت النبوة .. يا للعار.
رغم ما وجدت .. ورغم ما هو عار على أي شخص .. قلت في نفسي يجب أن لا أتسرع في الحكم ؛ الأمر ليس بهذه السهولة ؛ يجب أن أقرأ المزيد عنه صلى الله عليه وسلم ؛ ربما وجدت عيب واحد ونحن بشر ومن منا كامل ؛ الكمال لله وحده سبحانه وتعالى ؛ سأقرا عن جانب آخر من حياته ربما أجد ما يزيل أثر ما قرأت ؛ وجدت كتاب " حياة محمد " للدكتور محمد هيكل ؛ قلت هذا هو ضالتي المنشودة رحت أقرأ في الكتاب وأنا أكاد أن ألتهمه ؛ قراءة تلك الكتب لم يكن بالأمر السهل أبدا ؛ بل كان على حساب ساعات راحتي ونومي ؛ كنت أقرأ بعد أن أنتهي من عملي في المدرسة وبعد عودتي إلى المنزل وقيامي بمهامي كزوجة وأم ؛ كنت أنفرد بكتابي بالليل بعد أن ينام الجميع ؛ حاولت مرارا أن أشرك زوجي حسني معي ؛ ولكن ردوده القاسية والتي كانت تجرح مشاعري ؛ جعلتني أتقي شره وأنفرد بمفردي في بحثي.
فتحت الكتاب وكلي شوق لمعرفو جانب آخر من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأيضا رجاء في أن أجد ما أمسح ذلك الأثر السئ الذي تركه كتاب نساء النبي للدكتورة عائشة عبد الرحمن. قرأت عن ميلاده وموت أبويه ؛ عمه أبو طالب الذي تكفل به ؛ خروجه في عير خديجة بنت خويلد ثم زواجه بها ؛ وجملة أبو طالب الشهيرة " الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب والهم ". وحينما بلغ الرسول سن الأربعين من عمره المبارك ؛ بدأ يظهر له مخلوق لا يغلم هل هو ملاك أم شيطان لأنه أحيانا كان يخنقه عليه الصلاة والسلام حتى يكاد يقتله ؛ لكن خديجة أكدت له أن هذا المخلوق هو ملاك وليس بشيطان. ويضيف الكاتب وتحت عنوان " إمتحان خديجة وبرهان الوحي " يقول ما يلي : " قالت خديجة للرسول أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك متى جاءك ؛ فقال لها نعم ؛ فلما جاءه أخبرها ؛ فقالت : قم أجلس على فخذي اليسرى ففعل ؛ فقالت له هل تراه الآن؟ قال : نعم ؛ فقالت له تحول وأجلس على فخذي اليمنى ففعل ؛ فقالت له هل مازلت تراه؟ قال : نعم ؛ فتحسرت والقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها ؛ فقالت هل مازلت تراه؟ فقال : لا ؛ فقالت له إثبت وأبشر فوالله إنه ملاك وليس بشيطان ؛ ولو كان شيطانا لم يكن قد خجل. ويقول الكاتب أن الرسول كان يكاشف زوجته الحنون بهمومه ويشكوا لها إذ كان يظن بنفسه الجنون والمس وكان يرى أن سحرا مسؤوما قد أضره وألم به ولكن خديجة كانت تواسيه وتقول له : والله لن يخزيك الله أبدا بل أنك لتقوي الضغيف. ويستشهد الكاتب بالمراجع التالية :
1- السيرة النبوية لأبن هشام. 2- صحيح مسلم بشرح النووي 3- أبن كثير في البداية والنهاية. 4- الإصابة في تمييز الصحابة لأبن حجر العسقلاني. 5- الروض الآنف لإبن هشام والسهيلي. 6- السير والمغازي لأبن إسحق. هذا ما كتبه الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد " الطبعة رقم 17 والصفحة رقم 48 – 152 إصدار دار المعارف.
قصة عجيبة وفي منتهى الغرابة ؛ أول سؤال طرق على نفسي هو ؛ كيف إختلط الأمر على الرسول لهذه الدرجة ! لدرجة أنه لا يستطع أن يميز إن كان هذا المخلوق ملاك أم شيطان؟؟ وتذكرت على الفور أن القرآن يقول في سورة آلـ عمران رقم 3 والآية رقم 42 " وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نساء العالمين " لم نسمع أن السيدة مريم شكت في من يكلمها ؛ ولكنها تلقت رسالة الملائكة بكل هدوء ؛ وأيضا في الآية رقم 45 " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى إبن مريم وجيها في الدنيا والآخرة من المقربين " ثم يقول القرآن الكريم أن السيدة مريم قالت : رب أنى يكون ليّ ولد ولم يمسسني بشر .. الخ الآية " بمعنى أنها أولا :: كانت واثقة في الملائكة أنهم بالحقيقة ملائكة ؛ ثانيا : صدقت الرسالة التي تحملها الملائكة لها ؛ ثالثا : لم يعتريها أي خوف ولم يقل القرآن أو كتب المفسرين أن السيدة مريم إحتاجت لمن يؤكد لها صحة ما بشرت به ؛ إذا من ظهر للرسول مختلف عن من ظهر وكلم وبشر مريم ؛ وذلك بشهادة القرآن الكريم .. السؤال الثاني ؛ والذي لا يقل أهمية عن السؤال الأول : من هى خديجة حتى يلجأ إليها الرسول لتؤكد له أنه ملاك وليس شيطان؟ خديجة لم تكن نبية .. ولا من بيت أنبياء .. وهل بهذه الطريقة الساذجة أكدت أنه ملاك؟ نحن نعرف أن الشيطان مخادع .. كاذب .. ربما أصطنع الحياء كي يضلهما معا !!. وما أثار دهشتي ما قرأته في صفحة رقم 148 ؛ 149 من كتاب " حياة محمد " أنه قال : " قال أبن إسحق : قال رسول الله جاءني جبريل وقال ليّ : إقرأ ؛ فقلت له : ما أنا بقارئ؛ فخنقني !! حتى ظننت أنه الموت ثم أطلقني وكرر ذلك ثلاث مرات ؛ ثم قال ليّ إقرأ بإسم ربك .. إلخ " قصة عجيبة وغريبة أن الملاك العظيم جبريل لا يعرف ولا يريد أن يفهم أن الرسول ليس بقارئ !! حتى يخنقه ثلاث مرات .. وأخيرا يقتنع .. والمراجع التي إستند إليها الكاتب في ذكر هذه القصة هى :
1- صحيح البخاري 2- السيرة الحلبية 3- إبن الأثير في " الكامل في التاريخ ".
القيت بالكتاب بطول زراعي ؛ وقلت لنفسي لن أقرأ المزيد من الكتب ؛ ولن أترك الشيطان يفقدني إيماني ويقيني أن الدين عند الله الإسلام وأنه ينبغي أن لا أسأل في أمور أكبر مني كما يقول القرآن في سورة المائدة رقم 5 والآية رقم 101 " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدو لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور رحيم " أستغفر الله وأتوب إليه ؛ ولن أعود إلى ذلك الفكر الشيطاني مرة أخرى. مرت الأيام ؛ كلما تطرق إلى ذهني فكرة البحث عن الإله الحقيقي والتقرب إليه ؛ بذلت أقصى جهدي أن أبعد هذا الفكر الشيطاني.
كنت أداوم على زيارة أبي الحبيب وأمي الحنونة التي بدأت تزبل ؛ والتي كانت رؤيتها تذكرني دائما بالموت ؛ إن فقدان أمي لن يكون بالأمر السهل أبدا رغم أني زوجة وأم وليّ مشاغلي ولكن منزلة أبي وأمي في داخلي لم تتغير أبدا ولم يغنيني عنهما أحد أبدا ؛ وفي يوم من الأيام أصبت أنا أيضا بنزيف حاد ؛ ذهبت إلى المستشفى ؛ مستشفى عين شمس الجامعي ؛ حيث تعمل أختي عصمت هناك وهى على علاقة طيبة بكل الأطباء ؛ نلت إهتمام كبير من الجميع ؛ أخذ عينة من الرحم لتحليلها وبعد مدة كانت الصدمة القوية التي هزت كياني وكيان أسرتنا ؛ أني مريضة بنفس مرض أمي أني مصابة بأورام سرطانية في الغشاء الخارجي للرحم ؛ ولابد من إستئصال الرحم ؛ تملكني شعور بالرعب الشديد ؛ ماذا أفعل إذا مت أثناء العملية الجراحية؟ أين سأذهب؟ إلى مكان الأبرار والصالحين أم إلى نار الجحيم؟ يا ويلي أنا لا أعرف .. أنا لا أثق .. أين أنت يا الله؟ أرجوك لا تتركني أتعذب هكذا ؛ كان ذلك عام 1980 ؛ إبني محمد عمره الآن خمسة عشر عاما وهو في المرحلة الثانوية ؛ منال ونهال في المرحلة الإعدادية ؛ نعم هم كبروا ؛ يستطيعون الأعتماد على أنفسهم ولكن بكل تأكيد سوف يتألمون إذا فقدوني ؛ وأنا ومصيري .. عذاب القبر .. وأخيرا توصلت إلى الحل ؛ قلت في نفسي زوجي حج إلى بيت الله الحرام وعاد سعيد جدا وكان لزيارة البيت وقبر الرسول الأثر الواضح في إيمانه ؛ لماذا لا أذهب إلى أشرف بقاع الأرض في رحلة عمّرة؟ ؛ رحلة قصيرة ؛ غير شاقة ؛ ولن أندم أبدا إذا مت هناك ؛ لعل الله وبركة البيت المبارك أن يثبتني في الإيمان وإذا كان بيّ شيطان يحاول أن يشككني بكل تأكيد سوف أتخلص منه هناك وإلى أن يأتي موعد سفري للعمرة ؛ يجب أن أكمل ما بدأت ؛ واواصل القراءة في كتاب " حياة محمد " للدكتور هيكل. تطرق الكاتب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يضف جديد إلا قليلا فيقول في الصفحة رقم 450 تحت عنوان " ثورة نساء النبي " إنه يستنكر على عائشة بنت أبي بكر أكثر مما يقع بين رجل وزوجته أو بين رجل وما ملكت يمينه !!.
واصلت مسيرتي على مضض مع الكتاب إلى أن قرأت قصة تعذيب كنانة بن الربيع ؛ وكيف أن رسول الله سأله عن المال الذي معه لأنه كان يعرف أنه غني ؛ فأنكر كنانة وقال أن ماله نفذ ؛ فأمر رسول الله الزبير بن العوام وهو إبن عمة ؛ الرسول أن يعذب هذا الرجل كنانة حتى يعترف أين ماله ؛ فبدأ الزبير يضع النار فوق صدر كنانة حتى أشرف على الموت وذكر لهم مكان أمواله ؛ فأخذوها ثم قتلوه .. وكنت قد قرأت في الصفحة رقم 393 قصة ذبح قبيلة بني قريظة وأيضا قصة إبادة أخرى ليهود خيبر ويقول الكاتب معلقا " يجب أن لا يقوم لليهود قائمة في بلاد العرب " ماذا أقول عن هذه الحادثة؟ تعذيب رجل من أجل الحصول على ماله ؛ ثم قتله وأخذ زوجته الجميلة الشريفة النسب وتكون من نصيب الرسول كما سبق وأوضحت وبنى بها في نفس اليوم الذي قتل فيه كل رجال قبيلتها !! وماذا أقول عن عمليات الإبادة الجماعية !! وماذا أقول عن الدكتور هيكل الذي يروي هذه القصص بكل فخر !! وهذه القصص نجدها في المراجع التالية والتي ذكرها الكاتب :
1- السيرة الحلبية 2- سيرة إبن هشام 3- الروض الآنف للسهيلي. " دار الفكر 1971 " الكاتب في الصفحة رقم 488 .
ويضيف الدكتور هيكل في نفس الصفحة القصة التالية : " جماعة من نصارى نجران إحتفظوا بدينهم المسيحي فوجه النبي خالد بن الوليد يقول لهم إسلموا حتى تسلموا من الهجوم " وهذه القصة أيضا نجدها في نفس المصادر السابقة كما أشار لذلك الكاتب. ما هذا الإله الذي يسمح لرسوله أن يدخل الناس في الدين خوفا من السيف؟ وما هذا الدين الذي لم ينتشر إلا بالسيف وهذا مؤكد في كتب علماء الإسلام القدامى الكبار ؛ ولكن لماذا ينكر العلماء المعاصرين صحة أن الإسلام إنتشر بالسيف؟ هل إنكارهم لهذه الحقيقة سيلغيها أو يشكك في صحتها؟؟ ويضيف الكاتب في الصفحة رقم 459 القصة التالية : " قال أبن عباس : أن النبي قال لأصحابه إغزوا تغنموا بنات بني الأصفر ؛ أي بنات الروم الجميلات ؛ فقال أناس أن النبي يفتنكم بالنساء فأنزل الله الآية رقم 49 " ومنهم من يقول أأذن ليّ ولا تفتنني ألا في الفتنة سقطوا وأن جهنم لمحيطة بالكافرين " لجأت إلى القرطبي الجامع لأحكام القران ؛ حتى أعرف ما هو المقصود من الآية الكريمة ؛ فوجدت الآتي : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ للجد بن قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك " يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء " فقال الجد : قد عرف قومي أني مغرم بالنساء ؛ وإني أخشى إن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن ؛ فلا تفتنني وإذن ليّ في القعود وأعينك بمالي ؛ فأعرض عنه رسول الله ؛ وقال : " قد أذنت لك " فنزلت هذه الآية ... كيف يا رسول الله تقول للمسلمين هيا للغزو لتغنموا نساء جميلات؟ أليس هذه الغزوات من أجل نشر دين الله وإعلاء كلمته؟ وما زاد دهشتي رد الجد بن قيس " أتفتنني يا رسول الله ؟ " وأيضا جبريل الذي في حالة إستعداد دائمة بالآيات القرآنية المناسبة لكل حدث !!
تركت الكتاب وقلت سأسافر للعمرة بذهن صافي ؛ خالي من كل ما قرأت ؛ والله يرشدني إلى الحق الذي أرجوه.
زيارة بيت الله الحرام
لن أنسى تلك المشاعر الغامرة التي ملأت قلبي ونفسي وأنا أستعد للسفر إلى أطهر بقاع الأرض ؛ أعددت ملابس الإحرام البيضاء الجديدة ؛ أخذت أقرأ وأقرأ عن مناسك العمرة وزيارة بيت الله الحرام وقبر الرسول. رأسي ممتلئ بما يجب أن أفعله أثناء الطواف وعندما أصل إلى الحجر الأسود ؛ يمين الله على الأرض ؛ كيف أصافحه وأقبله وأنال منه أكبر بركة ممكنة ؛ ماذا سأقول أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة ؛ وأيضا يجب أن لا يفوتني أن أصلي ركعتين في مقام إبراهيم ؛ هذه التعليمات وغيرها أخذت أكررها مع نفسي شيئا منها. وكان يوم السفر ؛ أوصلني زوجي وأولادي إلى المطار ؛ حضرت أيضا حماتي لرعاية المنزل أثناء غيابي. وصلت مطار جدة وأستقليت سيارة الرحلات إلى مكة ؛ رغم طول الرحلة ومشقتها ؛ ورغم وصولي مكة في الواحدة صباح اليوم التالي إلا أنني لم أستطع أن أقاوم شوقي وأستريح قليلا ؛ وضعت حقيبتي في الفندق ؛ وأبدلت ملابسي بأخرى جديدة لم أرتدها من قبل ؛ كان الفندق قريب جدا من الحرم ؛ أكاد أن أطير شوقا إلى الكعبة لأكون أقرب ما يمكن من الله الذي أحبه بكل كياني ؛ وأشعر أنه بعيدا عني كل البعد .. وصلت .. ودخلت من باب السلام كما أوصوني أن أفعل ووجدتني وجها لوجه مع الكعبة ؛ إنها أصغر حجما مما تخيلت ؛ يمكنك إحتوائها من النظرة الأولى ؛ إنها عبارة عن حجر مكعب ؛ بحجم غرفة ؛ مكسوة بغطاء فاخر من القطيفة السوداء ؛ مكتوبا عليه بعضا من الآيات القرآنية الخاصة بالحج والبيت الحرام منسوجا بخيوط ذهبية اللون ؛ بدأت أطوف حول الكعبة وأتفحص كل ركن فيها ؛ وجدتني فجأة أمام الحجر الأسود ؛ إقتربت منه لأقبله ,اضع خدي الأيمن عليه كما كان يفعل رسول الله ؛ إنتابني إحساس بالقلق والشك ؛ حاولت أن أدفن تلك المشاعر داخلي ؛ وواصلت الطواف ؛ وبعد أن إنتهيت من الطواف سبع مرات توجهت إلى حجر إبراهيم وصليت ركتين ليّ ؛ وركعتين لكل فرد من أسرتي ؛ أخذت أحدق في كل ركن من أركان الكعبة ؛ إن مشاعر القلق والشك تكاد أن تقتلني ؛ ورحت أسأل نفسي ما هذا الذي أفعله ؟؟ إن كل شئ حولي حجر ؛ ومرة أخرى حاولت أن أنسى شكوكي ؛ ووقفت أدعو الله أن يلمسني وأن يخلصني من هذا الهاجس الشيطاني الذي سيطر على فكري ؛ صرخت إلى الله من أعماق قلبي وقلت يارب إذا كان هذا بحق بيتك ؛ وإذا كنت ساكنا هنا ؛ وهذا الحجر يمينك ساعدني أن أتخلص من هذا الفكر الشيطاني وأن أجد إجابة شافية لتلك التساؤلات التي أفقدتني سلامي .. ولكن للأسف لم أجد ما كنت أرجوه ؛ بل على العكس تماما وجدت تساؤلا بداخلي ملحا ؛ أين العقل والمنطق فيما أفعل؟؟
أكملت رحلتي في أشرف وأطهر بقاع المسكونة ؛ وفي اليوم الأخير جلست في الحرم أتأمل بعين فاحصة ؛ حاولت أن أتجرد من كل ما زرعوه في قلبي وعقلي عن الحج والعمرة والتخلص من الخطايا ؛ وجدت الحقيقة أمامي واضحة وضوح شمس مكة المحرقة ؛ لقد أتيت من بلدي إلى هنا وأنفقت ما أنفقت من جهد ومال لأسجد والتمس إلهي في كومة الأحجار التي لا حياة فيها .. هل هذا يعقل؟
زرت الكعبة بيت الله الحرام ؛ وزرت قبر الرسول بالمدينة المنورة .. عرفت من المشرف على الرحله وهو رجل سعودى ان المسافه بين مكه والمدينه تستغرق حوالى سبع ساعات ربما اكثر ,سالته لماذا نستقل سيارات ويضيع يوما كاملا فى السفر من رحلتنا القصيره الا توجد امكانيه السفربالطائره توفيرا للوقت والمجهود؟ وجدت المشرف يحدق فى وجهى وكانى سببته او تلفظت بالفاظ نابيه والشر فى عينيه ثم قال "الى هذا الحد جهلك بدينك ؟ شعرت وكانه يريد ان يلطمنى انتابنى شعور من الرعب والدهشه قلت له متلطفه "ما الخطأ فى سؤالى؟ قال لى بكل حده :"الا تعلمى ان كرسى عرش الله فوق الكعبه مباشرة وهناك انوار ما بين عرش الله والكعبه وايه طائرة تمر بينهما تحترق فى الحال" جمدت فى مكانى وانا لا اصدق ما سمعت هل ما سمعته حقيقه ام كابوس مزعج ! سكت تماما وادرت وجهى نحو النافذة بكلماته اصبحت الحقيقة واضحة امامى لابد ان اقرأ واعرف المزيد وكانت هذه الرحلة بحق هى نهاية مرحلة وبداية أخرى ؛ رجعت إلى بلدي وبدأت فجوة بيني وبين الإسلام تظهر وتتسع كلما قرأت المزيد من القرآن ومن كتب المفسرين والسيرة النبوية ولكن يجب أن أترك كل شئ الآن وألتفت إلى تلك الجراحة التي تنتظر عودتي.
دخلت مستشفى عين شمس الجامعي في 20- 4- 1980 وذلك لإجراء عملية إستئصال الرحم وكانت حالتي الصحية سيئة جدا من أثر النزيف ؛ وحالتي النفسية أكثر سوء من أثر رحلة العمرة ..
دخلت غرفة العمليات في الساعة التاسعة صباحا ؛ أستغرفت العملية ثلاث ساعات ؛ خرجت في الساعة الثانية عشرة ظهرا ؛ أفقت على ألم شديد ؛ أعطاني الطبيب مخدرا آخر وهكذا كلما أفقت من أثر المخدر تناولت أخر حتى الساعة العاشرة مساء ؛ أفقت لأجد نفسي وكأني أهبط ببطء في حفرة سوداء مظلمة ؛ رائحتها كريهة جدا ؛ وأصوات أنين وبكاء ؛ أريد أن أصرخ لأستنجد بمن حولي ؛ ولكني لم أقو على الكلام ؛ وأخيرا إستسلمت في غيبوبة ؛ وهنا قامت المستشفى بطرد أهلي وأقاربي وزوجي من المستشفى ؛ ونقلوني إلى حجرة العناية المركزة ؛ طلبوا من زوجي أن يترك رقم تيلفون ليتصلوا به في حالة وفاتي.
ويمد الله القدير يده وينتشلني من موت محقق ؛ فتحت عيناي على أول ضوء من صباح اليوم التالي وإذ حولي مجموعة من الأطباء وواحد منهم يضربني على مكان العملية ؛ حاولت أن أستجمع قواي لأصرخ وأخيرا سمع صوتي .. وجدت الواقفين حولي يتهللون ويحمدون الله فقد حسبوني في عداد الأموات ثم كانت إرادة الله أن ينقذني ويعيدني إلى الحياة مرة أخرى بعد أن رأيت الموت بعيني ؛ أنتظرت الصباح بفارغ الصبر .. أنا سعيدة .. أريد أن أخبر حسني زوجي الحبيب أنا على قيد الحياة ؛ نعم إنه زوجي الحبيب ... رغم قساوة قلبه .. حدة لسانه .. لكني أحبه ولا أتخيل الإبتعاد عنه .. إنه أبو أولادي الذين أحبهم أكثر من نفسي .. وأيضا أريد أن يطمئن الجميع أخوتي .. أبي .. أمي .. أصدقائي ؛ وفي حوالي الساعة الثامنة صباحا حضرت عصمت لن أنس أبدا وجهها عندما دخلت غرفتي ووجدتني بخير ؛ كان وجهها مشرق من الفرحة ؛ وأيضا بعد قليل حضرت نادية .. الأخت والصديقة وزوجها المقدم حسن خميس والذي يعمل في المخابرات العامة والتي تزوجت به بعد موت المرحوم محمد بكري .. جميع أقاربي وأصدقائي ومنهم من حضر بنفسه ومنهم من عرف عن طريق الإتصال التلفوني ؛ الجميع عرف إلا زوجي لم يحضر .. ولم يتصل .. شعرت بالقلق والحيرة من تصرفه ؛ وقلت لعل أصابه سوء من أثر ما كنت فيه ؛ أو لعل أحد من أولادي ؛ كدت أفقد عقلي ؛ أرسلت في طلبه أختي عصمت ؛ ولكنها لم تجده .. لقد ذهب إلى عمله !! كيف دون أن يطمئن عليّ ! كتمت الألم في نفسي .. إنه أشد من ألم العملية .. وفي حوالي الساعة الثالثة بعد منتصف اليوم حضر حسني .. وعرفت منه أن أعصابه تعبت من منظري بالأمس ؛ وخاف أن يأتي فيصدم بموتي ولذلك ذهب إلى عمله ليغير جو !! وقال ليّ : " أنت كنت في حالة موت محقق ؛ لم أتحمل .. ذهبت إلى عملي " لم أرد عليه .. ولم أنطق بكلمة واحدة .. شعرت وكأني فقدت القدرة على التعبير بما أحس وقلت في نفسي كيف إستطاع أن يتركني وأنا بين الموت والحياة ويذهب إلى عمله؟؟ نعم هو قاسي القلب ولكن لم أتخيل أن تكون قسوته إلى هذا الحد .. وهنا كانت النهاية بيني وبينه وبعد أن ذبح مشاعري بدون رحمة ؛ وقتل حبه في قلبي وقلت لن أكون لك زوجة كسابق عهدي بعد اليوم ... هذا قرار ولن أتنازل عنه مهما كلفني. خرجت من المستشفى محطمة من جميع النواحي ؛ حالتي الصحية سيئة جدا وحالتي النفسية أسوأ وكأن حسني بكلماته طعنني بحربة .. طعنة نافذة وجرح عميق يدمي ولن يستطع أحد من إيقاف نذيف جرحي ؛ بعد فترة بدأت في التحسن وأعانني الله أن ألملم جراحي ولكني أنفصلت تماما عن حسني وأنتقلت إلى غرفة إبنتاي منال ونهال ؛ لن أكون زوجة له ما حييت ولكن سأكون أم لأولادي وليس فقط أم بل سأضحي بكل شئ من أجلهم ومن أجل سعادتهم.
عاهدت الله أن أكون أم مثالية لأولادي وأشجعهم على إتمام دراستهم الجامعية ؛ كما فعل معي أبي الحبيب وأمي ينبوع الحنان ؛ وأيضا لابد أن أنسى حياتي الزوجية لأن حسني حكم عليها بالإعدام وأيضا يجب أن أثبت وجودي في مدرستي ؛ ومسؤلية منصبي كوكيلة لشؤون الطالبات ؛ طلبت منه الطلاق ووعدته أني لن أترك المنزل ولن أتخلى عن أولادي أبدا مهما كانت الظروف وسنعيش كأسرة أمام هذا المجتمع الظالم الذي يدين الزوجة المطلقة وكأنها هى المسؤلة الوحيدة عن تفتت الأسرة ويطالبها بأن تتحمل كل ظلم يقع عليها من أجل إستمرار الحياة الزوجية ؛ الححت في طلب الطلاق حتى إستجاب لطلبي وتم الطلاق في عام 1983 ؛ وطلقت منه طلقة بائنة ليس بمقدوره أن يعيدني زوجة له إلا بعقد جديد بموافقتي. إن حصولي على الطلاق بهذه الصورة يعتبر معجزة ؛ لا أدري من أين أتتني تلك القوة والشجاعة والإصرار حتى أنال الطلاق ! ولا أعرف كيف إستسلم حسني هكذا لطلبي والذي كنت أظنه من المستحيل أن أحصل عليه ؛ ولكن هذه إرادة الله ؛ إزدادت ثقتي بنفسي وقدرتي على أن أنال ما أطلبه وألح في طلبه ؛ وكأن طوقا حديدا في عنقي عانيت منه كثيرا ثم إنكسر .. ولكن لابد أن أحفظ عهدي لله الذي أحبه من كل قلبي وأخشاه ؛ وأيضا وعدي لحسني وأولادي. مرت الأيام وتوفيت أمي وتركت خلفها فراغا لا أظن أن أحدا في هذا العالم يستطيع أن يشغله ؛ ماتت أمي الحبيبة من أثر إنتشار الأورام السرطانية في جسدها ؛ وبقى الدور عليّ أنا ؛ فأنا مرضت بنفس مرض أمي ؛ ورغم أن المرض ظهر عندي في سن مبكر عنها ؛ ولكن من يدري ؛ ربما يكون أنتشر في جسمي وأنا لا أدري ؛ ماتت أمي الغالية وبموتها فتحت أمامي بابا كنت أضن أني أحكمت إغلاقه ونسيته ؛ ولكن الحقيقة غير ذلك تماما ؛ عاد إلى ذهني مرة أخرى سؤال يكاد يعصف بيّ ؛ أين سيكون مصيري بعد الموت؟ جنة النعيم أم نار الجحيم؟ لقد فقدت ثقتي تماما في القرآن وبالتالي في الإسلام ؛ خصوصا بعد صدمتي في رسول الله ولكني لم ولن أفقد ثقتي فيك يا الله ؛ هذه حقيقة مؤكدة ؛ المسها في كل شئ حولي ؛ أنت موجود ووجودك وقدرتك لا خلاف عليها ؛ ولكن أين السبيل إليك؟
الإسلام خدعة كبرى ؛ النصارى كفرة ومشركين ؛ اليهود والعياذ بالله أكثر كفرا وضلالة ؛ لا أستطع أن أعيش بعيدة عنك يا إلهي إن شعوري بأني بعيدة عنك يعذبني ؛ ولكنك أنت يا الله الخالق القدير ؛ القادر أن يعرفني الطريق إليه ؛ إلهي لن أقطع صلتي أبدا مهما حدث ؛ واثقة أنك تسمعني ؛ سأحدثك هكذا بطريقتي ولن أنس خوفك الذي زرعه أبي الحبيب في قلبي ؛ ولن أنس أنه في يوم القيامة سأقدم حساب عن كل ما فعلت ؛ ساعدني أن أعمل صالحا يدخلني الجنة ولكن بعيد عن القرآن والصلاة الإسلامية ؛ كرست وقتي أولا : لأبنائي بمساعدتهم في دروسهم وأيضا بالقيام بواجباتي المنزلية على أكمل وجه. ثانيا : لعملي الذي أتقنه وبرعت فيه ؛ كنت أقوم بطباعة إمتحانات نهاية العام للفرقة الأولى والثانية وإعداد إستمارات الثانوية العامة للفرقة الثالثة ؛ كما كنت أشرف على مجموعات التقوية ؛ وبذلك أصبح كل شئ هام وخطير في المدرسة تحت إشرافي ؛ كنت أكره النصارى لأنهم أشركوا بالله الذي أحبه ؛ فلذلك كان لابد أن أعاملهم معاملة سيئة للغاية ؛ لدرجة أنهم كانوا يتحاشون مواجهتي ولدرجة أنه لا تتجرأ طالبة أن تعلق الصليب على صدرها خوفا مني ومن ردة فعلي إذا رأيته ؛ كنت أنزعه بقوة وألقيه على الأرض ؛ وكنت أتفنن في إهانتهم .. إيذائهم .. والإيقاع بهم.
كنت أزور أبي الذي أصبح وحيدا بعد وفاة أمي ؛ ورغم أن أحمد وأسرته يعيشون مع أبي في شقتنا الجميلة التي تحمل أجمل ذكريات حياتي ؛ ولكنه كان يشعر بفراغ أمي الحبيبة بعد أن عاشا معا حوالي الخمسين عاما من عمرهما ؛ وجاء اليوم الذي كنت أخشاه ؛ إتصلت بي عزة زوجة أحمد وقالت أن أبي في حالة سيئة جدا وعلينا التوجه بأقصى سرعة إليه لنودعه ؛ لن أنسى أبدا ذلك اليوم الحزين ؛ أسرعت إلى شقتنا والتي كل ركن فيها كان يكاد ينطق بالسعادة وجدت كل شئ حزين باكي ؛ وصلت وإذ بصوت بكاء ونحيب ؛ عرفت أني تأخرت كثيرا ولم الحق وداع أبي الحبيب ؛ دخلت غرفته والتي كنت أحبها جدا ؛ ولكني كنت أتحاشى دخولها بعد وفاة أمي الحبيبة ؛ دخلت وإذ بأبي نائم ساكن .. لا حركة ومغطى بغطاء أبيض ؛ لم أتحمل رؤيته ؛ إنطلقت خارج الغرفة ؛ الجميع يعرف جيدا من هو أبي بالنسبة ليّ ؛ أحتضنتني أختي الحبيبة الرقيقة سهام ؛ أشعرتني بحضن أمي ؛ وأخذتني خارج المنزل حتى تنتهي الأجراءات الأخيرة ؛ عدنا بعد قليل وأوصلنا أبي ليرقد في مقبرة الأسرة. كان موت أبي سريع جدا لأنه لم يمرض إلا فترة قصيرة على عكس أمي التي عانت من صراعها مع المرض سنوات طويلة ؛ ذلك المرض اللعين الذي أحمله في جسدي ولا أدري متى سألحق بأبي الحبيب وأمي الحنونة.
كان لموت أبي أشد الأثر على حياتي ؛ التصقت بأولادي أكثر وأكثر بذلت كل جهد حتى أوصلهم إلى دراستهم ؛ وذلك لأن دخلي كبير من مرتبي وإشرافي على المجموعات المدرسية وأيضا لأني كنت مطلقة فكان من حقي معاش أبي الذي بصبر جاهد حتى حصل على حكم المحكمة لصالحه ورقي إلى رتبة لواء شرطة ولكنه لم يعش طويلا بعد حصوله على هذه الرتبة.
دفنت أحزاني داخلي ؛ نعم أنا حزينة رغم أن الله أعطاني كل شئ ؛ الأبناء .. المركز .. المال .. ولكن داخلي حزن عميق لبعدي عن الله والفراغ الذي أشعر به ؛ كان ليّ زميلة وكيلة مسيحية وكانت تكبرني في السن بعدة أعوام كنت أرى في عينيها شئ عجيب أفتقده ؛ كنت أقارن بيني وبينها دائما .. أنا أصغر منها سنا ورقيت وأصبحت وكيلة مثلها وربما أهم منها بكثير ؛ أنا أغنى منها أرتدي أفخر الثياب وأستخدم أغلى العطور .. مظهري جيد .. لبقة .. متحدثة جيدة .. أنا أتفوق عليها في كل شئ ولكن هناك في داخلها سلام عجيب يجعلها دائما هادئة .. مبتسمة .. مشرقة ؛ كان من يدخل مبنى إدارة المدرسة ؛ يسمع صوتي من بداية الدرج ؛ إما أضحك بصوت عالي ؛ وإما أتشاجر وأيضا بصوت عالي ؛ حاربت وبذلت كل جهد إلى أن وصلت إلى الآمر الناهي في المدرسة ؛ أشهر من نار على علم ؛ وصلت شهرتي ليس إلى الإدارة التعليمية فقط ولكن أيضا إلى الوزارة ؛ عندما يذكر أسم مدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات ؛ يقترن بأسم ناهد متولي ؛ ولكنني حزينة أشعر بفراغ داخلي ؛ رغم أني كوكيلة لشئون الطالبات يكاد لا يمر بيّ لحظة هدوء ؛ مكتبي دائما مشغول ؛ طلبات أولياء الأمور والطالبات لا تنتهي ؛ وكأم لثلاثة ومسئولة عن كل شئ من أعمال منزلية ومشاكل الأبناء ومتابعتهم ؛ أكاد لا أخلو لنفسي إلا بعد أن ينام الجميع ؛ ولكني أشعر بفراغ ؛ ينقصني شئ هام ؛ أفتقد السلام الذي حاولت أن أحصل عليه بكل الطرق ولكن لا فائدة ؛ حاولت مرارا أن أقنع نفسي أني سعيدة ولكنني دائما أصطدم بالحقيقة ؛ أنا لا أشعر بالسلام ولا بالسعادة.
إعدادي للقاء رب المجد
حدث خلاف بيني وبين سكرتيرة المدرسة المسلمة، وطلبت نقلها من المدرسة وإحضار سكرتيرة أخرى أمينة، فحضر الموجه المالي والإداري ووعدني بنقلها وأن تحل محلها سكرتيرة أخرى أمينة . . نشيطة . . مؤدبة: ولكن مسيحية. في بادئ الأمر لم أوافق على دخول سكرتيرة مسيحية، وذلك لأني سوف اضطر إلى التعامل معها، بظروف عملي. ولكني عدت ووافقت لأنه أقنعني انه من أهم شروط السكرتيرة الأمانة، وهذا الشرط موجود، وهو يثق فيها أكثر من نفسه "على حد قوله." جاءت السكرتيرة الجديدة "سامية" ودخلت مكتب المديرة، وكنت بالطبع جالسة لأوى من تكون. وكانت دهشتي عندما وجدتها تترك جميع من بالمكتب وتحييني بكل رقة . . وجدتني أبتسم لها باستنكار ولكنها لم تبال، ولاحظت أنها تعلق على صدرها صليباً جلدياً كبيراً، فقلت في نفسي إنها جديدة في المدرسة ولا تعرف من أنا وما أريد ولابد أن أحداً سوف يخبرها، وأنها لا محال سترضخ لأوامري.
وفي اليوم التالي أرسلت إليها لتأتي إلى مكتبي، وبعد لحظات قرعت الباب ودخلت فأشرت لها بالجلوس فجلست، ومكثت أحدق فيها وأنا في دهشة أنها مختلفة تماماً، قوية، شجاعة، وفي نفس الوقت مؤدبة لأقصى درجة، واثقة من نفسها لا تبالي بنظراتي لها. في داخلها ما افتقده أنا وأبحث عنه، ولأول مرة أشعر أني صغيرة، نعم أنا أصغر منها رغم أنها في الثلاثين من عمرها وأنا في الخامسة والأربعين من عمري . . بدأت أناقشها في طريقة تعاملنا، ويا للعجب أنها تريد أن تريحني أنا وتتحمل هي العبء الأكبر، إنها تشعرني أنها تحبني . . لماذا تحبني؟ رغم أني واثقة أن جميع مسيحيي المدرسة قد حذروها مني.
في داخلي كنت معجبة بها، وبدأت أميل إليها. طريقة كلامها مختلفة، صوتها رقيق، أسلوبها مؤدب، إنها مختلفة تماماً، لها نظرة عميقة وثابتة، كلها هدوء وسلام. لاحظت أنها لا تزال تعلق الصليب الجلدي الكبير، ولكني لم أجرؤ أن أكلمها كلمة واحدة. أنها أحسن مني رغم أني ملكة لكنني شعرت أنها أحسن مني. أحببت سامية . . وبدأت بيننا صداقة . . كنت أرغب الكلام معها لأعرف ما بداخلها . . وكنت أختلق الأسباب لأتستدعيها إلى مكتبي. كان ذلك في شهر 9 عام 1987. كنت أتحدث معها لمدى ساعات ولا أمل، بل أريد المزيد، وفي يوم قلت لها "تصدقي بالله يا سامية" ردت علي قائلة بكل ثقة "لا إله إلا الله" ولم أصدق ما سمعت . . كانت صدمة عنيفة وقوية، وقلت لها في دهشة "المسيحية تقول إله واحد" ردت بكل ثقة "نعم إله واحد آمين" فقلت لها "إن ما أعرفه أنكم تقولون أن الله هو المسيح وهو العذراء مريم." قالت في قوة "لا هذا شرك بالله ونحن غير مشركين، نحن نعبد إله واحد" وأضافت بهدوء "العذراء مريم والدة المسيح هي إنسانة عادية وليست إله" . . شعرت كأن هرماً كبيراً ينهار. المسيحية تقول إله واحد . .؛ ؛ هذا غير ما كنت أعرف لقد ظلمتهم بجهلي . . كلي شوق أن اسمع المزيد مع أني محطمة وأشعر بالخجل. وتذكرت كل ما فعلته بالمسيحيين . . يا لجريمتي الشنعاء . . ولم أقف عند هذا الحد كنت أريد أن أعرف المزيد وقلت لها "كلميني عن المسيحية." وعندما بدأت سامية الكلام . . عندما فتحت فمها فوجئت برائحة بخور زكية . . عجباً لم أشتم مثلها من قبل وشعرت أني في غيبوبة لا أعرف أهذا حلم أم حقيقة! حاولت أن أبدو متماسكة وأصغيت إليها بكل انتباه وهي تقول "نشأت القديسة العذراء مريم يتيمة الأبوين وتربت تربية دينية في الهيكل حتى بلغت سن الثانية عشر من عمرها، فخطبت إلى أحد الشيوخ ليتكفل بها، وقبل أن يتزوجها حملت بالسيد المسيح" قاطعتها قائلة "نعم هذا الكلام صحيح . . إنه مكتوب أيضاً في القرآن." ولم أقو على الاستمرار في الحديث . . إني متعبة . . ضعيفة . . منهارة. أنهيت الحديث معها . . تركتني وخرجت وهي لا تدر ما يدور بداخلي . . لقد أشعلت ناراً بداخلي لا أقوى عليها، وبدأت أسأل نفسي: من هو المسيح؟ إن مجرد ذكره يحرك بداخلي أحاسيساً عجيبة لم أشعر بها من قبل، إن اسمه فيه راحة. إني أحبه ولا أعرف القدر الكافي عنه . . لابد أن أعرفه جيداً، وبدأ شوقي إليه يأكلني ، زاد حبي لسامية لدرجة أني كنت انتظر الصباح لأذهب إلى المدرسة لأقابلها وأشعرتني هي أنها تحبني من اللحظة الأولى، وأكدت لي حبها في معاملتها معي، رغم تحذير جميع مسيحيي المدرسة لها، لكنها كانت مندفعة نحوي بقوة عجيبة.
مرت الأيام وأنا لا أستطع أن أشغل نفسي بموضوع آخر، أو حتى أن أكف عن التفكير في هذا الموضوع، وكنت من حين لآخر اطلب من سامية أن تكلمني عن المسيح، وعن تعاليمه، وكانت في كل مرة تبدأ فتح فمها أشم رائحة البخور، وراودني الشك لماذا هذه الرائحة مرتبطة بالحديث عن المسيح؟ ربما كانت سامية تخفي شيئاً ما في جيبها أو في يدها ثم تطلق هذه الرائحة لكي تقنعني بصدقها، وظللت أراقبها وهي تتكلم، وفكرت ربما كانت هذه الرائحة قوية لأننا في مكان مغلق، أخذتها لأكلمها في الشرفة ولكني وجدت نفس الرائحة وربما أقوى، قررت أن أكلمها في حديقة المدرسة ولكن الشيء العجيب أني أجد الرائحة أقوى من كل مرة، وتأكدت من أن سامية ليست مصدر الرائحة، ولكن الله يريد أن يؤيدها فيما تقول.
اختلت كل موازيني وشعرت أني تائهة، أين الحقيقة؟ إني أحب الله من كل قلبي وكياني ولكنني أشعر أني بعيدة عنه ويؤلمني هذا البعد، وهذا الفراغ الذي بداخلي يعذبني. هناك حاجز بيني وبين الله وكل ما أريده هو أن أعبر هذا الحاجز وأصل إلى الحبيب . . إني أحبه وفي نفس الوقت أخاف منه، وأعلم جيداً أنه سيأتي يوماً أقف بين يديه واقدم له كشف حساب عن حياتي، ولكن لا أرى في حياتي إلا ذنوبي . . لا . . لا بد أن أعرف الحقيقة مهما كلفني!!
وفي يوم 25 من نوفمبر 1987 تأخرت سامية عن الحضور إلى مكتبي، وشعرت أني من أشد الحاجة إليها فأرسلت في طلبها، وبعد لحظات دخلت إلى مكتبي وهي سعيدة متهللة فسألتها "لماذا أنت فرحة هكذا؟" قالت في هدوء "اليوم يبدأ صوم الميلاد المجيد" قلت لها وأنا ساخرة "صوم . . وهل في المسيحية صوم . . وهل تصومون فعلاً أم تأكلون وتشربون وتقولون صوم" فأجابت بكل ثقة "نعم نصوم وصوم حقيقي، وننقطع عن الطعام فترة طويلة ولكن كل فرد حسب مقدرته، ونصوم عن أشياء أخرى كثيرة لكي تكون فترة الصوم مقدسة."
ولم أجد شيئاً أسخر منه بعد أن سمعت ما قالته، ومكثت أحدق فيها وأنا صامتة حتى وقع نظري على شيء صغير يشع منه الضوء بجوار الصليب الجلد الكبير، سألتها "ما هذا" ردت "هذه أيقونة للعذراء القديسة مريم،" قلت في نفسي ولم أجرؤ أن أرفع صوتي "هل كان في عصر العذراء مريم مصور أو رسام أخذ لها صور أو رسمت لها صورة حتى يعرفوا ما إذا كانت هذه فعلاً صورتها أم لا!! يا لسذاجة المسيحيين!! إني أقسم أن هذه الصورة هي خيال أحد الفنانين رسمها وقال هذه هي العذراء مريم وصدقه جميع المسيحيين." وقبل أن أنتهي من حديثي مع نفس وإذ بالأضواء تختفي، وأرى أمامي من له ضوء أقوى ورائحة بخور قوية وكثيفة، وكأن عمود من دخان انتهى بسيدة رقيقة جميلة بيضاء، ناصعة البياض، رقيقة الملامح، واقفة أمامي ترتدي ثوباً سماوياً وعلى رأسها طرحة بنفس اللون ويديها ممدودتان لأسفل وتنظر إلي . . لم أحتمل هذا المنظر وصرخت صرخة مكتومة قائلة "العذراء مريم" وكأني في غيبوبة لم أصدق ما رأيت، ولكني رأيتها بنفسي وفي الحال اختفت.
أفقت لأجد سامية أمامي منهارة . . تبكي وأنا أيضاً أبكي. اكتشفت أني أنا الساذجة وأنها هي الحقيقة وشعرت لأول مرة في حياتي أني محطمة . . أنا لا شيء . . إني مثل قشة تتخبط . . ماذا أفعل ساعدني يا ربي أن أتحمل.
انصرفت من المدرسة عائدة إلى منزلي . . نظرت إلى أولادي الثلاثة وقلت ماذا سيكون موقفهم لو عرفوا أني أصبحت مسيحية وماذا سيكون وضع والدهم! إنه مدير عام بوزارة الأزهر . . صحيح أني مطلقة منذ عام 1983، ولكن حرصاً على مصلحة الأولاد وشكل الأسرة العام في المجتمع اتفقنا أن نعيش معاً في منزل واحد كأزواج، لكننا منفصلون تمام الانفصال.
تذكرت أسرتي والمراكز المرموقة التي يشغلونها، إني سوف أكون عاراً على الجميع، وأنا . . ومركزي الذي وصلت إليه بكفاح، هل أحطم كل هذا؟ أنا في حيرة . . وهل يتركوني وشأني . . لا إذا أخذتهم الشفقة سوف يضعوني في مصحة عقلية، وربما من تأخذه الحمية ويقتلني، ولن يعاقبه القانون لأنه ينفذ حد الردة.
ووجدت الحل . . لقد خلقني الله مسلمة في أسرة مسلمة، فما ذنبي؟ لن أفكر في هذا الموضوع مرة أخرى ولن أحطم كل شيء بنفسي، لابد أن امنع سامية هذه عن الحضور إلى مكتبي أو الكلام معي في أي موضوع خارج عن العمل. واستسلمت لما أنا فيه وقررت أن أصلي أكثر لعل الله يهديني، وأيضاً لابد أن أقرأ القرآن كثيراً ولا أدع لنفسي أي وقت فراغ للتفكير مرة أخرى. وفي أول يوم أمسكت المصحف وأخذت أقلب في صفحاته وقادني الله إلى سورة مريم إلى أن وصلت إلى:-
"واذكر في الكتب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً (16) فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً (17) قالت أني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً (18) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً (19) قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً (20) قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً (21) فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً (22)فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً (23) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً (24) وهزي إليك بجذع النخلة تسقط عليك رطباً جنياً (25) فكلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولي أني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً (26) فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً (28) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً (29) قال أني عبد الله آتاني الكتب وجعلني نبياً (30) وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصني بالصلوة والزكوة ما دمت حياً (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً (32) والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً (33).
وازدادت النار داخلي اشتعالاً . . لابد أن أعرف الحقيقة . . إن ما بداخلي أقوى من أن أسكته أو استسلم لوضعي . . لا . . وبدأت أسأل نفسي لماذا كل هذه الكرامة لهذه السيدة إذا كانت أم لبشر عادي؟ ولماذا يولد المسيح بهذه المعجزة الخارقة للطبيعة إذا كان بشراً أو نبياً؟ ولماذا خصه الله بصفاته شخصياً: يحيي الموتى . . يشفي المرضى . . يفتح أعين العميان . . يطهر البرص وأيضاً يقول عنه صحيح البخاري "لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم المسيح أبن مريم حكماً مقصفاً." جزء 2 صفحة 458.
وأين هو الآن؟ إنه حي في السماء منذ ألفي عام وإلى قيام الساعة . . لا . . إنه غير البشر . . إنه أعظم بكثير . . ولكن من هو؟ لا أستطيع أن أكتم ما بداخلي . . أريد الحقيقة ودار بداخلي صراع بين شعوري القوي بأن هناك حاجز بيني وبين الله يجعلني أسلك في طريق خاطئ، وبين إصراري العجيب أن أصل إلى الحقيقة.
مرت أيام طويلة وثقيلة حتى انتهى عام 1987 وبدأ عام 1988، وبدأ أقباط مصر يحتفلون بعيد الميلاد ورجعت أسأل نفسي، عيد الميلاد!! عيد ميلاد من؟ ميلاد المسيح . . من هو المسيح؟
رؤية رب المجد
وجاء اليوم السابع من يناير 1988 وكان يوم عطلة لجميع مسيحيي المدرسة. وعدت من المدرسة حزينة، خائفة، وكان الجو شديد البرودة وكنت أنام في غرفة ابنتاي، ونام الجميع إلا أنا. كنت قلقة!! . . لابد أن أكون صادقة مع نفسي!! لماذا أنا خائفة؟ أليس الله أحق أن أخاف منه . .! وكيف أقول أني أحب الله أكثر من نفسي وأنا لا أريد الحقيقة . .! ألا يستطيع الله أن يحميني وأن يدافع عني؟ وتوجهت إلى الله بكل صدق، وصرخت إليه وكأنه جالس أمامي: يا رب أنت تعلم كم أحبك، وأخاف منك، وكم أرجو لقياك بغير ذنوب . . أرجوك يا رب عرفني الحقيقة! كيف اصل إليك؟ ثم أعود أقول ما ذنبي يا ربي . . أنا ولدت في عائلة مسلمة، هل ستحاسبني . . أشعر بخوف شديد . . لا يا ربي أرجوك . . أنت وهبتني نعمة عظيمة منذ صغري، كلما سألتك أجبتني في رؤيا، أرجوك لا تحرمني من هذه الهبة العظيمة، أرجوك يا رب إذا كانت المسيحية هي الطريق إليك يكفيني أن أرى صليباً، أما إذا كان الإسلام هو الطريق أرني أية علامة وأعدك يا ربي أني سوف أنفذ كل ما تطلب مني، لا يهمني أحد غيرك . . لن أخاف من أحد . . ليفعلوا بي ما يفعلوا، المهم في النهاية هو أنت . . لا يهمني مركزي، المهم هو مركزي عندك . . لا يهم أولادي . . أنت أولاً . . أنت ترعاهم . . وإن قتلوني فإنهم يقصرون الطريق إليك . . لم أكن في حياتي كلها صادقة مثل ما كنت في تلك الليلة . . ولم أشعر أيضاً أني قريبة من الله مثل ما شعرت تلك الليلة، إني أشعر وكأني جالسة أمام الله أكلمه . . وكنت تارة أبكي . . وتارة أتذلل إليه . . وتارة أعاتبه بشدة. وظللت على هذه الحال حتى الثالثة صباحاً. شعرت إني متعبة ومرهقة ودارت رأسي فوضعت المنبه إلى جواري لاستيقظ في السادسة صباحاً، ومددت جسمي المنهك على السرير، وأغمضت عيني وشعرت بدوخة ولكني لم أنم!! وفجأة وجدتني أرتدي فستاناً لونه رمادي مغشى بالفضة، طويل إلى الأرض، وأكمامه طويلة، وفي وسطي حزام عريض بنفس اللون، وعلى رأسي طرحة بنفس اللون، وأنا سعيدة جداً بهذا الفستان، وأسأل نفسي من أين لي هذا الفستان الجميل، إني لم أره من قبل، لم أر مثله في حياتي، يا للعجب! ونظرت لأسفل وإذ بي حافية القدمين . .! كيف أكون بهذه الأناقة وحافية القدمين . . ولكني لم أبال . . قلت أن الفستان طويل للأرض وهو يغطي قدمي ووقعت قدمي ووقعت عيني على الأرض وكانت مفاجأة . . ما هذا اللون الجميل . . أنه أخضر حقيقي . . لم أر مثل هذا اللون العجيب من قبل، وما هذا الملمس الناعم، وظللت أحرك قدمي على الأرض لعلي أعرف ما هذا الملمس! نجيله ناعمة . . أم سجاد . . لا إنها حرير . . ورفعت رأسي لأرى ما يعجز اللسان عن وصفه، أنه يشبه القصور التي في الخيال . . لا إنه أعظم من الخيال . . إنه ما لا يصل إليه خيال . . إنه مكان واسع به أعمدة عالية لا تستطيع العين أن تصل إلى نهايتها . . ومبطنة بحرير لامع يضوي بأضواء عجيبة . . ورائحة البخور . . إني أعرف تلك الرائحة، إنها مثل الرائحة التي ظهرت مع سامية ولكن أزكى منها . . وإذ بنسمة هواء باردة منعشة تسري في جسدي وتشعرني براحة عجيبة، وكأن طيور ترفرف فوق رأسي ولكني لا أراها بل أشعر بها فقط . . هدوء وسعادة وراحة تسري بجسدي مع تلك النسمة . . رحت أتمشى وأتفقد المكان، وإذ بي أمام كرسي عال وعظيم، لا يجلس عليه أحد، ومن خلفه شبه قبة الكنيسة . . رحت أتمشى وأتمشى وأتمتع بكل ما في المكان، حتى رأيت رجالاً كبار السن واقفين على هيئة قوس، كأنهم في شرف استقبال . . وكانوا يرتدون ملابساً بيضاء ناصعة البياض وعلى رؤوسهم غطاء أبيض به أشياء تضوي، ولحيتهم البيضاء الناصعة تتدلى، . . وكانوا يهمسون وهم يقولون شيئاً، حاولت أن اقترب منهم لعلي أفهم ما يقولون . . لكني لم أفهم . . فتركتهم ورحت أتمتع بما أرى . . أن عيني تعجز عن احتواء المكان أو حتى الوصول إلى نهايته . .
فجأة دخل شخص، لا أعرف من أين دخل أو كيف دخل . . ووجدت هؤلاء الرجال يسجدون له وسار في اتجاه الكرسي العظيم العالي . . لم يسر بخطوات على الأرض . . لا إنه سار وكأنه محمول على السحاب أو كطيف، حتى وصل إلى الكرسي وجلس عليه . . ويا للعجب أني أسير خلفه . . دون أن أفكر ودون إرادتي . . إني أتبعه . . سجدت عند قدميه يغمرني شعور عجيب . . إنه مزيج من الفرح والخوف . . سعادة . . هدوء . . سلام عجيب، مع رعدة شديدة تسري في جسدي، وكأنها تيار كهرباء . . لا أستطيع السيطرة على جسدي . . إنه يرتعد بشدة . . سألت نفسي، ما هذا الشعور العجيب؟ ومن هذا الذي أسجد له أنا وكل هؤلاء الرجال؟ لابد أن أرفع رأسي وأنظر إليه . . لأرى من هو؟ وجاهدت حتى استجمعت قواي ونظرت إليه . . يا إلهي ما هذا الذي أراه؟ إن لساني يعجز عن وصفه!! لن أجد الكلمات المناسبة لوصفه . . ما هذا الوجه المضيء؟ وما هذه البشرة البلورية؟ ما هذا الجمال؟ إنه يبدو متعباً . . مرهقاً . . حزيناً . . يرتدي ثوباً لونه فاتح، وعلى كتفه الأيسر شال قرمزي داكن اللون، وبدى شعره الأصفر المنسدل حتى كتفيه كقطعة من القطيفة!!
وما كل هذا الحزن؟ إنه مغمض العينين ويضع كلتا يديه على ركبتيه ورأسه مطأطئ إلى أسفل، إن العين لا تمل النظر إليه . . إنه يبدو وكأنه كان يتفقد شيئاً ما، وهو غير راض . . بل بالعكس . . إنه حزين . . ورجعت أسأل نفسي مرة أخرى . . من يكون هذا العظيم؟ أهو ملك؟ لا لم أر ملكاً بهذا الجمال . .! ومن يستطيع أن يغضب هذا العظيم؟ ورحت أحدق في وجهه الجميل المضيء المريح . . وإلى رقبته . . إنها كعامود بلور نقي . . وإلى بشرته الناصعة البياض . . وإلى وجهه المضيء كلما نظرت إليه كلما ازددت تعلقاً به، وازددت شوقاً إلى معرفته أكثر وأكثر ومعرفة من هو؟ وفجأة فتح عينيه ونظر إلي . . لم أحتمل نظرة عينيه فسقطت على وجهي . . يا إلهي!! من أرى!! ما هذه العينين؟ إني أشعر أني سوف أموت أو يغشى علي مما رأيت . . إن عينيه واسعتين يخرج منهما شعاع قوي كأشعة الشمس وحدقتا عينيه كبيرتان وكأن الكرة الأرضية كلها في حدقتي عينيه ولونهما عجيب أزرق صافي، كالسماء الصافية أو المياه النقية، يميل إلى الخضار . . وما هذه الأشعة التي وقعت علي من عينيه، إنها تسري في جسدي مثل الكهرباء . . لم احتمل النظر إليه للحظة . . كلي شوق إليه . . لقد أحببته. أريد أن أنظر إليه . . وجمعت قوتي . . لابد أن أنظر إليه مرة أخرى . . نعم ورفعت رأسي ونظرت إليه . . يا للعجب أنه ينظر إلي . . أنه يقترب بوجهه مني . . لكن ما هذه النظرة . . كله حب وحنان ورقة . . قال وهو يستعطفني بصوت هادئ "خلاص يا ناهد" سقطت على وجهي . . لم أستطيع أن أتحمل كل هذا الحب وكل هذا الحنان وكل هذه الرقة!! لا لن أجد الكلمات المناسبة لوصف ما أرى . . ولكن من أنا حتى يستعطفني هذا العظيم بهذه الطريقة، إنه أشد حناناً من الأم الرؤوم على ابنها القاسي . . وهذا العظيم يعرف اسمي؟! ويناديني باسمي . . إنه يعرفني جيداً ولكن ماذا يقصد بكلمة خلاص أنا لا أفهم قصده؟ هل أسأله؟ لا هذا لا يسأل أنه يطاع فقط، دار هذا الحديث بسرعة بيني وبين نفسي ولكن علي الآن أن أجيبه بسرعة، فقلت وأنا لا أستطيع السيطرة على نفسي "أيوه خلاص . . خلاص" كلي شوق إليه، علي أن أجمع قوتي وأنظر إليه مرة ثانية، وبالفعل رفعت رأسي لأنظر إليه، أنه يقترب مني أكثر وينظر إلي . . بنفس الحب والحنان والرقة يستعطفني مرة ثانية ويقول "متأكدة يا ناهد" إن الأشعة الخارجة من عينيه تسري في جسدي وكأنه يرى أعماقي . . وللمرة الثانية أسقط بين قدميه، لم أرى في حياتي كلها مثل هذا الحب والحنان والطيبة، ولكن كل هذا لي أنا!! من أنا حتى يعطيني كل هذا؟ وأيضاً سألت نفسي . . متأكدة من ماذا؟ أنا لا أفهم ما يقصد ولكن علي أن أطيعه، لا أجرؤ أن أسأله أجبته دون أن أرفع رأسي "أيوه متأكدة . . متأكدة" أحبه لأني أشعر بحب لا مثيل له . . وللمرة الثالثة أستجمع قواي و أرفع رأسي لأنظر إليه، ورغم الخوف الذي يتملكني . . وجسدي الذي يرتعد بشدة ولا أستطيع السيطرة عليه، لكن هناك راحة وسلام وسعادة تغمرني. نظرت إليه، يا للعجب أنه يقترب مني أكثر وأكثر . . نفس النظرة ونفس الصوت الهادي ويقول "يعني أطمئن يا ناهد" يا إلهي هذا العظيم يريد أن يطمئن مني أنا؟ ولكن على أي شيء يريد أن يطمئن؟ لابد أن أطيعه وبنفس الطريقة جاوبته وأنا لا أفهم ما يقصد "أيوه أطمئن . . أطمئن" ثم أضاف "انظري ليّ " قلت له "موش قادرة" قال بكل تأكيد " لا تخافي . . انظري لي" وعندما سمعت كلمة لا تخافي زال مني الخوف في الحال . . رفعت رأسي ومكثت أحدق في وجهه الجميل الذي يعجز اللسان عن وصفه . . لاحظت أن الأشعة القوية الخارجة من عينيه أصبحت محتملة وكأن عيناه تضيئان بأنوار. ما هذا يا إلهي؟ حب . . حنان . . رقة . . طيبة . . نقاء . . براءة، لن أجد الكلمات المناسبة لأعبر بها عما أرى.
ومرت لحظات . . لا أمل من النظر إليه . . وكلما نظرت إليه ازددت شوقاً إليه، ثم قال في هدوء: "ماذا ترين" وشعرت أنه يريد أن يختبرني! فسكت لحظة أفكر ثم قلت له "أرى منظر طفل،" وفي الحال زالت علامات الحزن، لكنه لم يبتسم ثم رأيت الدموع تنهمر من عينيه وكأنها سيل. لا ليس سيل فقط إنما نهر يجري على خديه إلى ملابسه . . وبكيت بشدة معه، وظل جسدي يرتعش بقوة لدرجة كبيرة، مع أني في قرارة نفسي أشعر أني سعيدة وأن إجابتي صحيحة وأنه راض عني . . ومرت لحظات . . أفقت على جسدي يرتطم بالسرير . . فتحت عيني . . أين أنا؟ وأين هو؟ أين ما كنت أرتدي؟ ومرت فترة وكأني فاقدة الذاكرة . . أرفض الواقع . . أريد أن أعود إلى ما كنت فيه . . أشعر بمرارة . . أريد أن أعود إليه ساعدني يا ربي أن أحتمل غربتي على الأرض بعيدة عنك دون أن أراك، أحبك من كل كياني، أحبك من أعماق قلبي أشعرتني أنك تحبني حباً لم أر مثله في حياتي. إن الأشعة الخارجة من عينيه صهرت جسدي وأبدلته بآخر . . وكان في كل مرة يكلمني يهز رأسه في استعطاف، وعيناه المضيئتان ترسمان دوائر من نور . . إنها أمامي لا زلت أراها . . وأيضاً صوته الهادئ الحنون في أذني لا أستطيع أن احتمل!! إنه فوق كل عقل وخيال أو تصور، إنه مزيج عجيب رغم كل الرقة والحنان والحب والطيبة، بدى في منتهى القوة، إنه عجيب!! لا أستطيع وصفه،
مرت أيام وأنا أواصل الليل بالنهار، لا أرى غير عينيه المضيئتين، ولا اسمع غير صوته الحنون، يا لعظم محبتك لنا نحن الخطاة. وفي أحد الأيام كنت أكلم إلهي الحبيب وسألته "إلهي . . إني أخجل من نفسي . . لماذا كل هذه البركة والنعمة. لا أستطيع أن أرفع رأسي أمامك خجلاً من ذنوبي . . أرشدني يا رب ماذا أفعل؟ أكاد أن أذوب انسحاقاً واشتياقاً إليك . . أعن ضعفي . . ساعدني أن أتحمل، ولكن لماذا أنا . . من أنا حتى ألقاك وتنعم علي بكل هذا؟" وفي الحال جاء رد الحبيب "أنت لك رسالة" يا للعجب!! ولم أصدق ما سمعت وكررت مرة أخرى "لماذا" ورد علي مرة ثانية "أنت لك رسالة" صرخت "أنا يا ربي" وللمرة الثالثة "أنت لك رسالة . . اهدئي واطمئني . . ولا تستعجلي . . لكي لا تضيعي كل شيء."
وسادني سلام وهدوء وقلت للرب "إلهي أنا ملك لك، لتكن إرادتك لا إرادتي، سلمتك نفسي لتفعل بي ما تشاء، لا أريد غير وجهك الحبيب، عرفت من اللحظة الأولى كم يحبني، ليتني أستطيع أن أحبك بالقدر الكافي، أي شرف وعزة وكرامة أن يستخدمني الرب، ساعدني يا ربي وقوني أن أكون على الصورة التي ترضاها . . سامحني واغفر لي . . تفضل يا ربي وتربع على عرش قلبي بلا شريك . . أنا لك وسأظل لك ما دمت حية ولكن أرجوك احفظني فيك إلى النفس الأخير."
وهكذا أصبحت "ناهد" بعد لقاء رب المجد. كل العالم لا شيء . .
لا يوجد على الأرض شيء يساوي نقطة من دموع الحبيب . .
معه لا أريد شيئاً . . فيه الحب والسلام والأمان
فيه الشبع . . نعم كل الشبع
عمل الرب العجيب
مرت أيام كثيرة، لا أعرف كيف مرت؟ وكل يوم يمر يزداد شوقي إلى الحبيب . . وإلى معرفته جيداً ومعرفة ما هي المسيحية؟ وإلى قراءة الكتاب المقدس، أريد أن أذهب إلى الكنيسة لأصلي، أريد أن أقابل أب كاهن ولكن كيف، لابد أن جميع الأباء سوف يرفضون لقائي، لقد كنت بالأمس مصدر شكوى المسيحيين، طالبات ومدرسات ومدرسين، واليوم أنا مسيحية. وعدت أسأل سامية "أريد أن أقابل أبونا يا سامية، وأريد كتاب مقدس أقرأ فيه" أجابتني سامية في هدوء "لقد أخبرت "أبونا" بكل ما حدث وهو موافق أن يقابلك، ولكن أعطيه فرصة ليرتب هذا اللقاء، أما عن الكتاب المقدس فدعيني أسألك أولاً أين سوف تقرأينه؟ في المدرسة ومكتبك به حركة دائمة . . أم في منزل زوجك وأولادك؟ تذكرت في الحال شقتي . . نعم شقتي الخاصة، فهمت الآن لماذا استأجرت هذه الشقة؟ ورحت استرجع الأحداث، توفى والدي وكان لواء شرطة وكان يمتلك شقة كبيرة في عمارات ضباط الشرطة في العباسية، واختلفنا من يأخذ الشقة. واستقر الرأي على بيعها، وبالفعل بيعت الشقة وحصلت على نصيبي من ثمن بيعها، ووجدتني مندفعة لكي استأجر شقة خاصة بي، حاول أولادي منعي بحجة أن سيارتي صغيرة ويجب أن استبدلها بأخرى كبيرة، لكني رفضت وأصررت إصراراً عجيباً أن أستأجر شقة خاصة بي، كان المبلغ متواضعاً، سبعة آلاف جنيه، وبالتالي ستكون الشقة في منطقة متواضعة ولكني لم يهمني أين ستكون الشقة، المهم أن تكون لي شقتي الخاصة، وبالفعل استأجرت الشقة وكتبت العقد في نهاية عام 1986 واستلمتها في يناير 1987. ظلت الشقة خالية تماماً حتى اليوم وكنت من حين لآخر اشتري إحدى الأجهزة المنزلية الحديثة وأضعها في الشقة . . فمرة غسالة جديدة، ثم ثلاجة، بوتاجاز، سخان . . حتى استطعت أن أوفر كل الضروريات، والآن علي أن اتخذ قراراً هاماً، يجب أن انتقل إلى شقتي! ولكن كيف؟ إنه قرار صعب، ليساعدني الله ويقويني.
لقد حان الوقت لابد أن أنتقل إلى شقتي الخاصة اليوم التالي – الاثنين، لكي أكون اليوم اللاحق – الثلاثاء – مستعدة للذهاب إلى الدير مع "أبونا." ولكن كيف سأواجه أولادي؟ كيف أخبرهم؟ لم يبق على امتحانات ابني سوى أياماً قليلة، وهو في بكالوريوس هندسة عين شمس، لقد وفرت له كل راحة وهدوء طوال العام الدراسي، ولم أقصر في طلب له، إلهي ساعدني . . قوني في هذا الموقف الصعب . . هل سأتحمل بعد أولادي. ابني . . إنه ابن عمري لقد بلغ من العمر الثالثة والعشرين . . وابنتي الكبري وعمرها الآن اثني وعشرين عاماً . . وابنتي الصغرى عمرها الآن عشرون سنة. هذه أول مرة أفارق فيها أولادي، رغم إني مطلقة منذ عام 83، إلا إني لم استطع أن أتركهم. وهل سوف اتحمل لحظة وداعهم؟ وهل سيتركوني أرحل في هدوء؟ ساعدني يا رب سوف أكلمهم اليوم وأرحل غداً. انتهزت فرصة تجمع أولادي و والدهم أمام التلفزيون، قلت لهم في هدوء "على فكرة أنا ذاهبة غداً إلى شقتي الخاصة،" انتظرت رد الفعل، ولكن كانت المفاجأة! سكت الجميع! لم ينطق أحد بكلمة! وأخذوا يحدقوا فيّ! أضفت مسرعة "أظن إني لم أقصر في حقكم." تركتهم وذهبت إلى حجرتي أجمع حاجياتي دون أن أعطي أي أحد منهم الفرصة لمناقشتي لكي لا أضعف أمامهم أو أنهار، كم أنا سعيدة أشكرك يا رب وفي صباح الاثنين نزلت إلى المدرسة مبكرة، وبعد انتهاء اليوم الدراسي طلبت من اثنين من عمال المدرسة احضار سيارة نقل صغيرة. جاء العاملان ومعهما السيارة النقل . . بأت في إنزال حاجياتي إلى السيارة، يا للعجب . . كم أنا سعيدة . . سعادتي لا توصف! إن الموقف أسهل مما يتصور العقل، إني أشعر أني عروسة ذاهبة إلى بيت عرسها . . نعم أنا عروسة . . سوف انفرد بك يا حبيب، إن حبك يفوق كل حب . . وكل عاطفة. استسلم الجميع . . أعرف السر في استسلامهم . . إنه أنت يا قدير. رغم أن شقتي الجديدة متواضعة جداً ولا يوجد بها إلا الضروريات لكنها في عيني قصر مضاء بنور الحبيب، إن ما بداخلي أقوى من أي شيء آخر، إن لساني يعجز عن وصف مقدار شوقي إليك، عندما نعرف مدى حبك لنا . . نقع في حبك لأنك احببتنا أولاً. لا أريد معك شيئاً ملكت نفسي وتربعت على عرش قلبي بلا شريك . . فهنيئاً لي . . اسبحك . . أمجدك . . أشكرك لأنك جعلتني أعرفك وأحبك.
ركبت السيارة وانطلقت بنا إلى شقتي الجديدة، أكاد أطير من الفرح . . وصلنا . . اصعدوا حاجياتي . . انتهوا من عملهم وتركوني واصنرفوا. هذه أول ليلة قضيتها في عمري بمفردي . . لست بمفردي . . يداك الكريمتان تحيطاني . . قضيت الليل بطوله أنظف وأرتب شقتي حتى الفجر،
انتهى العام الدراسي بسلام، اسعدي يا نفسي بالحبيب، سوف أذهب كل يوم إلى الكنيسة وأصلي وأقرأ في الكتاب المقدس في العهد الجديد أولاً كما نصحني "أبونا." إن كلام الإنجيل سهل ومسلسل وبسيط، إنه يغزو القلب مباشرة . . لا أمل ولا أتعب لكني ازداد شوقاً وجوعاً، عرفت أهمية المعمودية، الجميع يتناول جسد ودم المسيح بعد القداس إلا أنا . . لابد أن اعتمد ساعدني يا ربي.
كنت أزور أولادي بصفة مستمرة وأطمئن على ابني في امتحاناته، كلما انتهى من امتحان، أشكر الله.
بدأت ألح على أبونا "أريد أن اعتمد" وفي كل مرة كان أبونا يقول "اصبري،" عرض علي أبونا الذهاب إلى سانت كاترين في رحلة مع الكنيسة فوافقت. رافقتني في الرحلة سيدة عرفت السيد المسيح، إنها سيدة مؤمنة فاضلة. قضيت أوقاتاً ممتعة زرت فيها دير سانت كاترين وجبل موسى ورأيت العليقة، جلست على الصخور مع تلك السيدة نتأمل عمل يدي الله، كان يدور بذهني نفس السؤال "متى سأعتمد؟ ومن سيقوم بهذه المهمة؟ افقت على صوت تلك السيدة تصرخ قائلة "أبونا بطرس،" تعجبت وسألتها "من هو أبونا بطرس؟" وإذ بسيارة رحلات تقف وينزل منها أحد الآباء. لم أكن أعرفه ولم أره من قبل، وجدت صديقتي تنطلق نحوه وهي تجري وأنا أجري خلفها بكل شوق وسلمنا عليه. ثم سألتها من هو؟ أجابت "كيف لا تعرفيه الجميع يعرف من هو" ثم عرفت منها بعد ذلك من هو، عرفت نعمة الله التي وهبها له وعرفت أيضاً أنه يقوم بعمل اجتماع كل يوم سبت، اتفقنا أن نحضر معاً اجتماعاته. من حسن ترتيب القدير أن هذه السيدة تسكن بجواري، كذلك أبونا بطرس، الذي يخدم في كنيسة في نفس المنطقة في شارع موازٍ للشارع الذي أسكن فيه على بعد مسيرة ربع ساعة، أشكرك يا إلهي الحنون.
عدت من رحلة سانت كاترين وكلي أمل أن أعتمد وأتناول جسد ودم السيد المسيح، لابد أن أحدد موقف "أبونا!" هل سيعمدني أم لا؟ قررت أن أذهب إلى "أبونا." وبينما كنت أسير في الشارع مسرعة كنت أسأل الله، إلهي إذا مت الآن هل ستقبلني أبنة لك، مسيحية؟ إلهي أنت تعلم شوق قلبي إليك وإلى المعمودية ولكن لا أستطيع أن أفعل شيئاً، أرجوك يا ربي ساعدني ورتب لي أمري، أنا أعرف أهمية المعمودية، أنت شاهد يا إلهي أني أحاول بكل جهدي، أرجوك يا ربي حقق لي طلبتي.
واصلت سيري حتى منزل "أبونا" وازددت اصراراً أن أعتمد وأن أكون فعلاً مسيحية، جلست أمام "أبونا" وسألته "هل ستعمدني أم لا؟" رد قائلاً "لا تسأليني مرة أخرى فلن يكون ذلك قبل سنة" كان رد أبونا صدمة كبيرة لي، لم أصدق ما سمعت . . ليست قبل سنة! هل يضمن أبونا عمري بعد سنة أو حتى لمدة ساعة واحدة أو يضمن عمره هو؟ لا . . لابد أن أجد طريقاً آخراً.
ذهبت إلى صديقتي كما اتفقنا لنحضر اجتماع أبونا بطرس، بكرنا في الذهاب وجلسنا في الصف الثالث من الأمام، كان موضوع العظة التوبة والرجوع إلى الله، كم كانت كلماته رائعة تغزو القلب وتوقظ الضمير، قررت أن أواظب على حضور الاجتماع. وبعد الاجتماع قابلنا "أبونا" بطرس واخبرته صديقتي أني من الحظيرة الأخرى، كم كانت فرحته بي لن أنسى ابداً تلك النظرة وتلك الابتسامة التي رسمت على وجهه وهو يحدق فيّ. وفي أحد الاجتماعات قابلت احدى زميلاتي بالمدرسة، وجدتها تكلم سكرتيرة "أبونا" بطرس، كانت المفاجأة أن سكرتيرة "أبونا" بطرس كانت طالبة بمدرستي منذ خمس سنوات، وتعرضت لموقف سيء مني وذلك لأنها مسيحية، إن لقائي بها في الكنيسة كان أكبر مفاجأة فلم تكن تتخيل ابداً أن تراني في الكنيسة ولكن إنها إرادة القدير، وحددت لنا موعد لقاء مع "أبونا" إنه يوم الأربعاء القادم بعد القداس.
جاء يوم الأربعاء وبعد القداس ذهبنا إلى مبنى ملحق بالكنيسة حيث مكتب "أبونا" بالدور الثاني، سارت أمامي وأنا اتبعها وإذ بي أمام حجرة مكتوب عليها "حجرة المعمودية،" وقفت أمام الباب اسأل الله متى سأدخل هذه الحجرة وإذ بباب الحجرة يفتح من الداخل ويخرج منها اثنان ومعهما طفلة كانا يعمداها، نظرت إلى داخل الحجرة . . يا للعجب أنها نفس الحجرة التي رأيتها في رؤيتي . . شعرت براحة وسلام وعرفت أني سوف اعتمد هنا . . شكراً لك يا رب أنت دائماً تطمئني. أسرعت وراء زميلتي، دخلنا لمقابلة "أبونا،" جلست امامه وبدأت أقص عليه رؤيتي وكأني أراها مرة أخرى. رحب "أبونا" بي وأعطاني موعداً آخراً لمقابلته في نهاية شهر يونيو 1988.
تجدد لقائي مع "أبونا" بطرس، وجدت فيه كل ما كنت افتقده، رعاية، عناية فائقة، حناناً أبوياً مع شخصية قوية حازمة، إني أشعر أمامه أني طفلة وهذا ما كنت أريده.
انتهت الإجازة الصيفية وبدأت عودة المدرسين للإعداد للعام الدراسي الجديد، ساعدني يا ربي أن أقوم بعملي كما كنت ولكي كيف لقد تغيرت تماماً . . أين صوتي العالي؟ كان صوتي يملأ الإدارة إما ضاحكة أو في مشاجرة مع آخرين، كنت أدخن بجنون . . إني أخجل من صورتي السابقة. كنت أستعمل جميع أنواع مساحيق التجميل وأقوى العطور وأفخر الثياب. الآن لا فرق عندي بل إني أبحث عن المتواضع والبسيط منها، أنا . . لست أنا!! لقد بدأ الجميع يلاحظون ويتسائلون ماذا حدث؟ أحب كل الناس أريد أن أخدم الجميع بلا تفرقة . . أشعر أني أريد أن أعانق كل من يحمل اسمك، إن قلبي مضئ بحبك . . لابد أن أطلب الصفح من كل من أسأت إليه، ساعدني يا إلهي الحبيب لقد ملكت على قلبي وعقلي وجميع حواسي، أريد أن اترك عملي، لن أكون أبداً كما كنت، أنا لك بجملتي، إن جميع مسيحيي المدرسة عرفوا، لقد رأوني في الكنيسة، نعم كانت مفاجأة ولكن غير المستطاع عند البشر مستطاع عندك أنت يا قدير.
مرت ايام وأنا اواظب على حضور اجتماع "أبونا" بطرس وأيضاً حضور القداس يومياً، شعرت أني أنمو بسرعة وازددت شوقاً إلى المعمودية، كنت كلما قابلت "أبونا" أكرر له طلبي "أريد أن اعتمد" وفي يوم الأربعاء الموافق 23/11/1988 كان موعد لقائي مع "أبونا" وكانت المفاجأة السارة أن أجد "أبونا" يقول في هدوء "هل أنت مستعدة للمعمودية؟" صرخت في لهفة "طبعاً مستعدة،" قال وهو يبتسم "سوف أعمدك يوم الأربعاء القادم الموافق 30/11/1988 أثناء القداس،" وأخرج من درج مكتبه ورقة صغيرة وكتب عليها "سوف تواجهين حرباً من الشيطان، ولكن لكي تقوى على المواجهة عليك بالمواظبة على الصلاة وقراءة الكتاب المقدس" أخذت الورقة وانطلقت من أمامه أجرى وهو يقول "لا تخبري أحداً البتة غير زميلتك لأنها ستكون اشبيتنك."
ظللت أعد الدقائق الباقية، أواصل الليل بالنهار أصلي إليك يا قدير "إلهي الحبيب أرجوك يا ربي ألا تسمح لعدو الخير أن يعطل أو يمنع عمادي، أرجوك يا ربي تمم لي طلبتي حتى وإن كانت هذه الطلبة هي آخر طلبة لي، فيها كفايتي، أموت معك في المعمودية واحيا معك، أعدك يا ربي أن أكون لك باقي عمري بكل كياني، أعدك أن أكرس نفسي لك، لن أكون إلا بك ومعك ولك."
ميـلادي الحقيقـي
مرت الأيام طويلة وثقيلة حتى فجر الأربعاء 30/11/1988، خرجت من منزلي في السادسة صباحاً، أكاد أن أطير، بعد لحظات وصلت إلى الكنيسة وأيضاً وصلت زميلتي، يا له من صباح مشرق جميل عظيم، إنه ميلادي الحقيقي، صعدنا بعد ذلك إلى مكتب "أبونا" بطرس ننتظر وصوله، كل شيء حولي سعيد يكاد أن ينطق، سمعت صوتاً . . إنه صوت وقع أقدام "أبونا" . . نعم . . بعد لحظات حضر "أبونا" إن وجهه مضئ مشرق، لن أنسى أبداً وجهه، صافحنا وهو ينظر إلي بكل حب وحنان وسعادة . . توجهنا إلى حجرة المعمودية ووقفنا ثلاثتنا جهة الغرب وجحدنا الشيطان، ثم واجهنا الشرق وأعلنت إيماني بربي وإلهي ومخلصي يسوع المسيح، ثم تركني "أبونا" وخرج من حجرة المعمودية. ارتديت قميص المعمودية، نزلت في جرن المعمودية، يا لها من لحظة عندما لمس الماء جسدي، إنه شيء مختلف تماماً لم اشعر به من قبل، ليتني أستطيع أن أصف . . كأنه تيار كهربائي يسري في جسدي ويشعرني بسلام لم أشعر به من قبل إلا وأنا بين قدمي الحبيب، كأني فعلاً بين قدميه، أتمنى أن أمكث هكذا أطول فترة ممكنة، دخل "أبونا" وسألني "هل هناك اسم معين تحبي أن يطلق عليك؟" قلت له "لا . . فليسميني أبونا." قال "يختار لك الله اسم . . ثم أضاف ما رأيك في فيبي" قلت "فيبي . . أوافق" وضع يده على رأسي وقال "عمدتك يا فيبي باسم الآب" وضغط على رأسي ونزلت تحت الماء، فتحت عيني يا له من منظر، إني في بلورة كريستال واسعة مضيئة أكاد أن اسمع أصواتاً عالية جميلة . . إنه منظر عجيب! تمنيت لو أمكنني البقاء تحت الماء فترة أطول ولكن . . صعدت وأخذت نفساً عميقاً ثم ضغط أبونا على رأسي وهو يقول "والابن" نزلت تحت الماء مرة ثانية . . إنه نفس المنظر الجميل ونفس الأصوات، حاولت أن أبقى فترة أطول . . ولكن صعدت، وقررت أن أبقى هذه المرة فترة أطول فأخذت نفس أعمق . . ثم ضغط أبونا على رأسي للمرة الثالثة وهو يقول "والروح القدس" حاولت أن أملأ عيني بهذا المنظر الجميل واستمتع بهذه الأصوات الرائعة حتى كدت أن اختنق تحت الماء . . ولكن صعدت . . قال "أبونا:" "أطلبي من الله أن يهبك عطية الروح القدس" وقفت في جرن المعمودية في الماء أصلي "إلهي الحبيب الحنون الرقيق . . امنحني يا رب روحك القدوس . . يا رب كما انعمت به على تلاميذك الاطهار ورسلك المكرمين ومنحتهم سلامك أنعم به علي" شعرت بلمسة الحبيب . . لك نفسي . . لك حياتي . . كل ما لي فهو لك، وعدتك أن أكرس نفسي لك وها أنا اسلمك حياتي وأيامي، وما فائدتي على الأرض إن لم أكن لك.
قام أبونا بعد ذلك بدهن وجهي وكفي بالميرون وخرج وتركني لأرتدي ملابسي. يا له من شعور يغمرني! نعم يا إلهي الحبيب لقد فهمت الآن وعرفت . . لمست بنفسي ما هي المعمودية، إنه سر عظيم يفوق كل وصف. من أنا الآن؟ كل شيء مختلف تماماً لقد مت معك وقمت معك وبك ولك، لقد مر عام على إيماني بك . . لكن اليوم شيء آخر!! والآن وبعد أن قرأت كثيراً في الإنجيل المقدس أصبح لكل كلمة عمق جديد، كلماتك الخالدة أعيشها الآن، كنت أفهمها ولكني الآن ألمس وأحس، ما أعظمك يا إلهي! ليت الجميع يعرفون . . ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . . جاء صوت الحبيب في صدري "الآن تستطيعين أن تتكلمي،" يا له من تصريح أشعر أنه كسر قيدي . . لا يهمني شيء لو قتلوني سأصل إليك بسرعة، ومعك لا أريد شيئاً، سوف أتكلم وأتكلم ولن أكف عن الكلام في كل مكان وفي وكق وقت كلما أتيحت لي فرصة.
خرجت من حجرة المعمودية، حجرة ميلادي الحقيقي توجهت إلى الكنيسة للتناول، يا له من يوم مشرق عظيم . . كم تمنيت تلك اللحظة! وأنا ذاهبة للتناول شعرت كأني عروس أزف إلى الحبيب، يمشي ورائي كثيرون في موكب عظيم لا أكاد أن أراهم ولكني أسمع صوت وقع أقدامهم، إنهم يرنمون بفرح، بصوت جميل، إن أقدامي لا تلمس الأرض، خطواتي في الهواء، إني أطير . . وقفت أمام "أبونا" للتناول . . حلماً جميلاً طالماً تمنيته. لكنه الآن حقيقة أعيشها، فتحت فمي وتلقيت المناولة . . يا للعجب! إنها قطعة لحم في فمي . . ماذا أفعل لابد أن أبتلعها . . وكان، ثم تناولت دمك العجيب . . إلهي يا لعظم محبتك! من منا يستحق أن يأكل جسدك وأن يشرب دمك! أي فم يستحق هذه الكرامة . . أن تستقر في داخلنا . . أنت تعطي حسب غنى مجدك، إلهي أسكن في أعماقي، لكي تضئ ظلماتي بنورك العجيب ولكي لا أكون أنا بل المسيح الساكن فيّ . . فهمت الآن معنى كلمة بولس الرسول "لبستم المسيح" ما أعذب الحديث عنك . . ما أجمل وأثمن الوقت الذي يقضى معك . . لا توجد قوة على الأرض تمنعني عنك . . لقد أصبح لحياتي معنى . . إن بداخلي نار تتأجج تزداد اشتعالاً، ليت الجميع يشعرون بما أشعر . . لن أخاف . . لن أكف . . لن أكتفي . . أنت معي . . تقويني وتساندني.
إنطلقت في كل مكان أتحدث عن الحبيب، قمت بتسجيل خمسة أشرطة كاسيت، آه لو عرف الناس ما أشعر به وأنت يا قدير تستخدم حقارتي لمجد اسمك، وكم مدى فرحتي عندما أجد استجابة ممن اكلمهم . ! فكم بالحري فرحتك أنت بخاطئ يعود إلى حضنك الرحيم. وأيضاً لا أستطيع أن أصف المرارة التي أشعر بها عندما التقى بقساة القلوب . . فكم بالحري ما تشعر أنت به ممن لا يلتفتون إليك وهم من صنع يديك ولا يعرفونك وأنت محصى شعور رؤوسهم، لا يريدونك وأنت تريد الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، لكن يا إلهي أنت أب للجميع . . أنت منبع الرحمة والحنان، ولابد أنه سيأتي يوم ويعرفك الجميع أنك أنت الرب الإله محب البشر.
أعن ضعفي يا إلهي واغفر لي خطاياي، احفظني في إيمانك إلى النفس الأخير، اشكرك يا من أبدلت قلبي الحجري بآخر أنت ساكن فيه، هذا هو عمل الرب العجيب في أنه صادق الوعد مع الذين يحبونه بكل قلوبهم.
رحلتي مع الصليب
ما أجمل الحياة معك، مرت أيام كثيرة ألقي فيها الرعاية والمحبة من "أبونا" بطرس، كنت أواظب على الصلاة والتناول يومياً، كلي اشتياق إليك . . لقد أصبح عملي عبء ثقيلاً أشعر أني أبذل مجهوداً كبيراً كي أبدو كما كنت، ولكن كيف؟ كيف أخفى ما بداخلي . .! لقد بدأ الجميع يسألوني ما بك؟ لقد تغيرت؟ نعم وكيف اخفي وأنت ساكن أعماقي تضيئها بنورك العجيب، لقد أبدلتني . . شكلي تغير . . صوتي . . حتى ملمسي . . ملكت قلبي وعقلي . . ساعدني يا ربي أن أتماسك حتى نهياة العام الدراسي.
انتهى عام 1988، عام ميلادي الجديد وجاء عام 1989. استقبلت العام الجديد في الكنيسة. وفي عيد الميلاد المجيد 7/1/1989 وقفت بين يديك الكريمتين أشكرك وأمجدك. لقد مر عام على رؤيتك الغالية . . أشعر بوحشة إليك . . أريد أن أراك مرة أخرى . . أغمضت عيني وأنا أقول يا رب أرحم، وإذ بك يا إلهي واقف أمامي . . صدرك عاري ويداك مسمرتان على الصليب وتنزف دماً . . على رأسك إكليل من شوك، وكأن الشوك قد دق في جبهتك وانغرس في وجنتيك والدم يسيل . . غطى وجهك الكريم . . شعرك أيضاً قد ابتل من الدماء وكذلك لحيتك . . أردت وجهك لليسار واليمين لكي أرى بوضوح جراح وجهك والدماء تغطيه، من شدة ألمك وانفعالك بدت الشعيرات الدموية واضحة وكأنها منفجرة . . كل هذا رأيته في لحظة . . كل شيء واضح تماماً . . الدماء تغطي وجهك، وعينيك غائرتين من شدة الألم والإعياء . . كاد قلبي أن يعتصر من شدة الألم . . لم أتحمل، صرخت صرخة مكتومة وفتحت عيناي . . لكن صورتك أمامي . . كل هذه الآلام من أجلنا نحن . . لقد رأيت بعيني، إن ما رأيته لا يوصف ولا يتحمله بشر . . أنت تحملته يا حبيب.
وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى "أبونا" وأخبرته بما رأيت . .! من نظرته إليّ عرفت معنى ما رأيت، لقد نظر إليّ بإشفاق الأب الحنون وقال "إن السيد المسيح يريدك أن تعرفي كم تألم من أجلك" فهمت أنه ينبغي أن أتألم أنا من أجله، لابد من حمل الصليب . . لكن ساعدني يا إلهي الرحيم . . قوني . . أعن ضعفي.
أوشك العام الدراسي أن ينتهي وتبدأ امتحانات نهاية العام. إني أبذل مجهوداً كبيراً وشاقاً لكي أبدو طبيعية . . أقوم بعملي ولكني أشعر بغربة في هذا العالم . . لا . . لن أستطيع أن احتمل، لابد أن أترك عملي. ولكن . . ساعدني يا إلهي إن الجميع ينظرون إلي بطريقة مختلفة ويتساءلون ما هذا التغيير العجيب والشامل، حتى مديرة المدرسة التي كانت صديقتي، صارت الآن بعيدة عني، كل شيء مختلف تمام الاختلاف.
وفي يوم دخلت إلي أخصائية اجتماعية وكانت تظن إني مريضة نفسياً . . أخذت تسألني ما بك؟ لا أحد يسمع صوتك . . أين ناهد التي نعرفها؟ وددت أن أجيبها لقد ماتت ناهد التي تعرفينها والتي أمامك الآن هي ابنة المسيح. أجبتها "لقد عرفت الله جيداً ولذلك تغيرت ويكفي ما مضى من عمري . . أريد حياة جديدة" . . بالطبع لم تعجبها إجابتي، أضافت قائلة "هل هناك مشكلة؟ أو أي شيء يضايقك! . . تكلمي ربما نجد الحل سوياً" قلت لها في هدوء "وهل هدوئي يدل على وجود مشكلة أو أي شيء يضايقني؟" فقالت وهي متعجبة "لا إن وجهك مضيء . . ويبدو أن صحتك تحسنت ولكن هناك سر غيرك تماماً" . . قلت لها "يكفي أنك تصفيني بهذا الوصف . . اطمئني، لا توجد مشكلة أو أي شيء يضايقني وأشكرك على شعورك" لن يفهم أحد ما بي . . إلا من اختبر حبك العجيب.
مرت الأيام طويلة وثقيلة . . ولكن أشكرك يا قدير . . انتهى العام الدراسي بسلام وبدأت الاجازة الصيفية . . سوف انطلق في كل مكان . . صباحاً . . ومساءً . . وقتي كله لك، بدأ أصدقائي المسيحيون يزوروني في منزلي . . قضينا أوقاتاً رائعة في دراسة الكتاب المقدس والترنيم والصلاة . . لم أكن أتوقع أبداً أنه هناك من يرصد تحركاتي . . من هم زواري! متى أخرج ومتى أعود ومع من؟ إنه صاحب البيت الذي أسكن فيه، وبدأ يتطاول بالكلام علي من يزوروني "أنا أعرفكم جيداً من انتم" . . "كثير منكم يزورها ويتردد عليها" . . "كثير من هذه النوعية يسأل عليها" لابد أن أترك هذه الشقة وانتقل إلى شقة أخرى . . ولكن كيف؟ هذا لا يتم بسهولة . . حاولت أن أنسى الموضوع واستمتع بحياتي مع الحبيب.
وفي صباح يوم السبت الموافق العاشر من يونية 1989 ذهبت مع بعض الأصدقاء في زيارة لدير الأنبا بيشوي . . طلب مني بعض الأباء الرهبان أن أسجل لهم شريط كاسيت، وأن اذكر لقائي الرائع برب المجد وعمل إلهنا القوي فيّ، وأن أذكر اسمي واسم كل من استخدمه الرب معي. وافقت وسجل الشريط ووعدني الجميع أن يكون هذا الشريط في سرية تامة ولن يخرج من الدير.
انتهت الإجازة الصيفية وبدأت عودة المدرسين إعدادا للعام الدراسي الجديد. في أول يوم ذهبت إلى المدرسة ومن أول لحظة عند دخولي من باب المدرسة انتابني شعور بالقلق . . كأن شيئاً يطبق على صدري لدرجة أني لا أستطيع التنفس . . وبعد لحظات قوبلت من الجميع بنظرات الاشمئزاز والسخرية . . تعجبت كيف يجرءون؟ انهم من كانوا يخافون الوقوف أمام باب مكتبي، يلاقوني بهذه النظرات!! . . أن بعضهم يوجه إلي كلمات لم أفهم معناها "خسرت الدنيا والآخرة" "ملعونة إلى يوم الدين" "إن قتلها رحمة" قلت في نفسي لابد أن أعرف السبب. ذهبت إلى حجرة وكيلة مسلمة لعلي أعرف ما حدث . . ولكنها عندما رأتني أدارت وجهها في غضب . .!! قلت لها "ما بك . . لماذا تقابليني بهذه الطريقة؟" ردت قائلة وهي تتعجب "ما بك . .! ألا تعرفين ما بي؟" قلت لها "صدقيني لا أعرف" قالت "أنا لا أصدقك، اقسمي أنك لا تعرفي" قلت لها "أنا لا اقسم ولا اعرض اسم الله للقسم" قالت "وهل تعرفين الله؟" قلت لها "طبعاً أعرف الله لا إله إلا الله" قالت وهي تصرخ في وجهي متحدية "أكمليها" حاولت أن أتظاهر أني لا أفهم ما تقصد وتظاهرت أني غاضبة وقلت "إلى هذا الحد يكون الكلام . . متأسفة لن يكون بيننا كلام مرة أخرى" انصرفت من أمامها مسرعة إلى مكتبي . . فهمت كل شيء . . ولكن كيف عرفوا . . كدت أن أفقد عقلي . . بعد لحظات حضرت إلى حجرة مكتبي زميلة مسيحية وأخبرتني أنه يوجد شريط من أشرطتي ذكرت فيه اسمي بالكامل واسم سامية ومفيد وغيرهم . . انتشر هذا الشريط واصبح متداولاً بين المسيحيين والمسلمين أيضاً ولذلك عرف الجميع . .! كيف انتشر هذا الشريط بهذه الطريقة ولم يمر على تسجيله إلا ثلاثة أسابيع، بالتحديد إحدى وعشرون يوماً . . وأين من عاهدني أنه سيكون في سرية تامة . . إني أكاد أن افقد توازني . . وكيف وصل إلى يد المسلمين؟ بدأت أنهار . . ماذا أفعل الآن؟ لم احتمل البقاء لحظة واحدة . . خرجت اجري إلى شقتي . . جرحي عميق . . أنا في حيرة . . ألقيت بنفسي بين يديك الكريمتين . . إلهي الحبيب ماذا أفعل؟ أنت تعلم أنهم في المدرسة يحاولون الاعتداء عليّ . . لا أستطيع أن أتحمل نظراتهم وكلماتهم التي يوجهونها إليّ . . أعن ضعفي يا سيدي. وجاء ردك يا قدير "قدمي استقالتك وغيري سكنك . . ولن يقوى أحد على أن يعتدي عليك أو يلمسك."
شكراً لك يا إلهي الحبيب أنت دائماً معي . . تجيبني . . لكن الاستقالة أمر سهل، وتغيير السكن؟!! لا لن أفكر . . أثق في تدبيرك . . بدأت أتماسك . . تذكرت . . اليوم يوجد اجتماع لابد أن أحضره، ربما أجد كلمة معزية أو رسالة من الرب. وكان أن التقيت بإحدى صديقاتي وإذ بها تقدم لي أحد أقربائها، إنه المهندس عيا . . إنسان مؤمن رقيق . . وجدته يسألني "هل أنت مرتاحة في سكنك؟" عرفت من قادني إلى الاجتماع؟ ولماذا؟ إنه الهي الطيب. أخبرته أني أريد أن أغير سكني وأن أسكن عند مسيحيين. رحب بالفكرة واخبرني أنه يعرف شقيقين مسيحيين يعملان في المقاولات ولديهم عمارة جديدة بها شقة صغيرة، وطلب مني أن أعطيه فرصة يومين. في صباح اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة وقدمت طلب استقالتي، وافقت عليه المديرة بسهولة عجيبة، توجهت إلى الإدارة التعليمية إلى مكتب المدير العام . . وافق عليه المدير العام أيضاً وأرسل الطلب إلى مكتب وكيل أول الوزارة في نفس اليوم، شعرت بيدك يا قدير تحرك كل شيء حسب إرادتك . . مجداً لك . . وقفت أصلي "إلهي أعن ضعفي . . قوني وساعدني كي لا أخاف منهم، اجعلهم هم يخافون مني، سد أفواههم وأعم عيونهم حتى لا يرونني، اجعلني اقف أمامهم بقوتك ومعونتك حتى تقبل استقالتي ويصلني رد الوزارة بالموافقة."
في مساء اليوم التالي اتصل بي المهندس عياد وقال: لقد وافق الشقيقان على أن اسكن عندهم في منزل ملك لهم مكون من خمس طوابق، وفي سطحه توجد شقة صغيرة عبارة عن حجرتين وصالة، وحدد لي موعداً للذهاب إلى منزلهم لكي أرى شقتي. كدت أن أطير من الفرح وجاء الموعد وذهبت . . إنها شقة جميلة ولكن لم يكتمل بناؤها . . وعدوني انهم سوف يكملونها في أقل من شهر . . وقفت أنظر وجدت أمامي كنيسة القديسة العذراء مريم . . أغمضت عيني لأصلي وإذ بي أشعر أن هناك شخصان كل منهما ممسك بذراعي ويحاولان إلقائي من أعلى. فتحت عيناي بسرعة لم أجد أحداً، يا له من رعب . . ماذا حدث لي؟ أهذا الشعور من شدة فرحتي؟ كتمت شعوري . . وانصرفت . . قررت أن أذهب إلى المنزل مرة أخرى بحجة أني أتابع العمل، وإذ بنفس الشعور ولكن بصورة أوضح وأقوى، لدرجة أني كدت أن أصرخ . . ولكن ماذا أفعل؟ انصرفت في هدوء وفي طريق عودتي صرخت إليك يا حبيب . . أنا لا أفهم معنى هذا الشعور؟ ماذا تقصد به؟ قلت في نفسي لابد أن أخبر أبونا بطرس ربما أجد عنده معنى لما حدث، ذهبت إلى الكنيسة . . أين "أبونا بطرس؟" لا أحد يعلم . . تضاربت الأقاويل . . بعضهم يقول أنه في إجازة والآخر يقول أنه مريض، لكني أشعر أن الأمر أكبر من ذلك. بعد لحظات حضرت إحدى الخادمات في الكنيسة وكانت الصدمة القاسية "أبونا بطرس" في أمن الدولة منذ يومين. بكيت بمرارة . . إنه بالنسبة لي حضن الأب، كنت أجد عنده الجواب لكل سؤال . . كنت ألقي بمشاكلي بين يديه الأمينة، أحببت المسيح الساكن في أعماق قلبه ونفسه . . لكن لا فائدة الآن يجب أن أصلي من أجله، إلهي الحنون الرقيق ساعده وقويه . . قدم له العون . . اعرف أنه بنعمتك قوي . . وساعدني أن أتحمل هذه الصدمة . . أن أحرم منه.
بدأت أتماسك عندما عرفت أن أبونا بطرس عاد إلى منزله وهو الآن يقيم في أحد الأديرة.
حان موعد انتقالي إلى الشقة الجديدة، كلما اقترب الموعد كلما ازداد داخلي شعور بالرعب . . لكن لا أستطيع التراجع ... . أخبرت صاحب المنزل الذي أسكن فيه أني سوف أترك السكن وبدأت بالفعل في جمع حاجياتي، وفي وسط هذه الحيرة اتصل بي المهندس عياد انه يريد أن يقابلني وبسرعة. خرجت لمقابلته وإذ به يقول "أصحاب المنزل الجديد يريدون أن يقابلوك" ذهبنا وقابلتهم وكانت الصدمة القاسية، قال لي أحدهم "اعتذر! لن أستطيع أن أؤجر لك الشقة" صرخت بكل أسى "لماذا؟" قال "كنت استشير صديقاً لنا في أمن الدولة أنك سوف تسكني عندنا ونصحني قائلاً إياك أن تقدم أي مساعدة لناهد . . لها مشكلة كبيرة في أمن الدولة، وكل من يقدم لها أي مساعدة سوف يعرض نفسه للمسؤولية."
كانت الصدمة قوية، تذكرت في الحال هذا الشعور الذي كان ينتابني في كل مرة اذهب لهذه الشقة، لكن إلقائي من أعلى المنزل أهون عندي من هذا العذاب. عدت إلى منزلي محطمة ضعيفة . . ألقيت بنفسي في حضنك الرحيم "إلهي إن جرحي أعمق من أن أتحمله . . إلهي أرسل لي عوناً سريعاً، قوني وساعدني أن أتحمل" جاء صوتك الحنون في قلبي "إن ما حدث لصالحك وسوف تعرفين هذا مؤخراً، والآن اهدأي وغداً ستجدي المنفذ في زيارتك للدير."
وفي صباح اليوم التالي ذهبت في رحلة لأديرة وادي النطرون، تقابلت مع المهندس سمير إنه إنسان مؤمن، رقيق، به نعمة المسيح وعندما عرف ما حدث لي وجدته يقول "لك عندي شقة في مدينة نصر، ملك لابن خالتي، انه يريد بيعها وقد أعلن ذلك في أحد الجرائد ولن تكون هناك أية مسؤولية" واتفقنا على موعد نلتقي فيه لأعرف رد صاحب الشقة.
عدت أمجدك يا حبيب . . إلهي أنت هو أنت كما عودتني، تمد يدك لتمسح دموعنا وتعصب جراحنا . . ما أعظم تدبيرك . . فهمت الآن تفسير هذا الشعور المرعب، إن الجميع يعرفون أني سوف انتقل إلى شقة جديدة ولذلك منعتني من الانتقال إليها ولكن لن يعرف أحد البتة عنواني الجديد. التقيت بسمير وتمت إجراءات شراء الشقة وكتبت عقد الشراء واستلمت المفاتيح. إنها عبارة عن حجرة واحدة وغرفة معيشة كبيرة، إسكان تعاوني في الحي العاشر من مدينة نصر، سعرها مناسب . . أشكرك يا ربي الحنون أنت دائماً تختار لنا الأفضل، دبرت لي ثمن الشقة، موقع الشقة بعيد جداً وفي منطقة تعتبر خالية من السكان تقريباً. وبدأ سمير في عمل الإصلاحات في الشقة وتركيب عداد نور حيث أن الشقة لم يسكن فيها أحد قبلي. طلبت منك يا حبيب أن يأتي رد الوزارة بالموافقة على استقالتي ونقلي إلى الشقة الجديدة في وقت واحد لكي لا اضطر للنزول من الحي العاشر إلى حلمية الزيتون، وكان ردك "سيكون ما طلبت في نهاية شهر أغسطس 1989."
قررت أن انتقل إلى شقتي الجديدة بعد أن ملأت قلبي بسلامك، جاء مفيد ومعه سيارة نقل وحضر أيضاً سمير وصديق ثالث . . باركه يا رب بكل بركة . . حافظ عليه من كل شر . . خرجت من منطقة عين شمس بسلام بعد أن قضيت فيها خمسة عشر شهراً. وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى الوزارة، وإذ بمدير مكتب وكيل أول الوزارة يقول "مبروك يا ناهد لقد وافق السيد وكيل أول الوزارة على استقالتك." لم يكن يخطر على بالي أبداً أنه سيأتي اليوم الذي أقدم فيه استقالتي بنفسي وأفرح كل هذا الفرح عندما تقبل استقالتي، ليس لي فرح إلا معك . . أخذت القرار وانطلقت إلى الإدارة التعليمية وكانت يداك يا حبيب تحركا كل شيء بمنتهى السرعة.
ذهبت إلى المدرسة يوم في التاسع من سبتمبر لأخلي طرفي من المدرسة ولا أعود أدخلها مرة ثانية، إن قلبي ينبض بسرعة عجيبة ولكن أنت معي تسير بوجهك أمامي لتنير لي الطريق، دخلت مكتب المديرة لتوقع على إخلاء طرفي وإذا بالمديرة تغلق الباب خلفي، وتستدعي إحدى الوكيلات المسلمات وتطلب من المشرفة أن تقف خلف الباب ولا تسمح لأحد بالدخول، قالت وعلامات الشر تعلو وجهها "قبل أن أوقع لك أريد أن أعرف حقيقة ما سمعته عنك" فقلت لها في هدوء "وما الذي تريدين أن تعرفي حقيقته" قالت "هل أنت الآن مسيحية؟" قلت لها "عليك أن تسألي من قال لك هذا الكلام" فرفعت الوكيلة صوتها قائلة "لا نريد مراوغة!! عليك بالإجابة بكل وضوح وصراحة" فرفعت صوتي أعلى من صوتها وقلت "أنا سيدة عمري 47 سنة ومتعلمة حاصلة على بكالوريوس تربية ولن أسمح لأحد التدخل في حياتي" وفوجئت بالوكيلة مندفعة نحوي وتجذبني بقوة آلمتني من ذراعي وهي تقول "أنت أختي في الإسلام والإسلام يقول أنه من رأى منكم منكراً لابد أن يقومه وأنا سوف أقومك بكل قوة" ورفعت قلبي إلى الله وقلت في نفسي "اللهم التفت إلى معونتي يا رب، أسرع وأعني" وقلت لها في هدوء "من أين لك هذا الكلام الذي تقوليه؟" فأسرعت المديرة نحوي وشعرت أنها تحاول تهدئة الموقف وقالت "هل أنت قلت أنك قمت بعمل مقارنة بين الدين الإسلامي والدين المسيحي ووجدت بعد الدراسة أن الدين المسيحي هو الدين المضبوط؟" فقلت لها بكل ثقة "لا . . أنا لم أقل هذا الكلام" ثم أضافت "هل أنت قلت أن السيدة مريم قالت لك كف يدك عن إيذاء المسيحيين؟" وأيضاً قلت بكل ثقة "لا . . أنا لم أقل هذا الكلام" ولكني خفت أن أكون بهذا الرد قد أنكرت السيد المسيح فقلت لها "إن ما قلته أني رأيت رؤية عبارة عن إنسان "ووصفته" جميل أبيض اللون، وشعره أصفر منسدل إلى كتفيه وعيناه زرقاء صافية كمياه البحر وكلمني وأخذ مني عهداً وأنا احترم ذلك العهد الذي عاهدته" فقالت لي "ومن هو يكون؟" فقلت "ملاك الرب" وهنا صرخ الاثنان معاً "لقد تأكدنا أن طريقة كلامك غير مريحة وردودك تثير الشك، إنك لا تستحقي الحياة ولا تستحقي أن تأخذي من الحكومة معاشاً وسوف تدفعين الثمن غالياً" وهنا وجدتني أصرخ في المديرة بقوة عجيبة "وقعي على الورق . . هيا وقعي" . . ووجدت المديرة تجلس على المكتب في هدوء وتوقع ورق إخلاء طرفي بسرعة غير عادية. وتمد يدها لتعطيني الورق فأخذته وجريت نحو الباب، وجدت كرسياً كبيراً موضوعاً خلف الباب لمنعي من الخروج ولكني طوحته إلى الأرض ولا أعرف من أين لي هذه القوة . . خرجت مسرعة إلى الباب الخارجي وحاولت المديرة والوكيلة أن يلحقا بي ولكنهما لم تتمكنا، وإذ بي أخرج من باب المدرسة إلى الشارع وسط ذهول الجميع وذهولي أنا أيضاً. كيف خرجت من وسطهم بسلام؟! وهنا التقطت أنفاسي، لا أستطيع أن أصدق نفسي! ما هذا الذي حدث؟ ولماذا؟ ومشيت في الشارع أبكي من شدة الألم واسترجع كل ما حدث ورفعت قلبي لك يا حبيب، سامحني يا قدير أعلم أني ضعيفة . . أرجوك يا إلهي أعن ضعفي وقوني واغفر لي، ذهبت بعد ذلك إلى الكنيسة . . إني أشعر وأنا في الكنيسة أني في حضنك الرحيم . . قابلت بعض الأصدقاء واخبروني أنه يوجد من حضر إلى الكنيسة يسأل عني، ومن طريقة كلامه عرفوا أنه غير مسيحي وأنه يتكلم كمن له سلطان وانه ينتظرني بالداخل، ولكني رفضت أن أقابله وانصرفت مسرعة إلى شقتي. إن جرحي من المديرة والوكيلة لا زال ينزف ولن أتحمل أي جرح آخر . . وجلست بيد يديك الكريمتين وسألتك ماذا أفعل الآن؟ وجاء ردك في صدري "لابد أن تسافري من هنا" شعرت أن قلبي يعتصر من شدة الألم، إنه لم يمر علي في شقتي الجديدة أسبوعان! وأين أذهب؟ ليس لي سواك فقد رفضني الجميع . . الجميع ابتعدوا عني انهم خائفون مني . . وفي صباح اليوم التالي خرجت لاتصل تليفونياً بمفيد، إنه قوي بنعمة المسيح، لابد أن سوف يمد لي يد المساعدة كما تعودت أن أجده دائماً وكانت الصدمة التي هزت كياني . . لقد تم القبض على مفيد وهو الآن في السجن . . مفيد في السجن! يا للعجب لماذا؟ وأي جريمة ارتكبها لكي يوضع في السجن . . رحمتك يا إلهي . . أنا أعرف جيداً أنه ابنك وأنت تحبه أكثر من حبه له، ولكن قلبي يتمزق من شدة الألم . . إنه في السجن بسببي . . لا إنها إرادتك . . ولتكن إرادتك لا إرادتي، بيدك كل شيء . . وعدت إلى شقتي وإذا بصوتك الحبيب يقول "لابد أن تسافري من هنا" وبينما أنا في حيرة حضرت إلي ابنتي وهي تقول "حضر أمس إلى منزلنا البوليس وهم يسألون عنك وأخبرناهم أننا لا نعرف عنوانك الجديد وذهبوا إلى المدرسة أيضاً وأخبرتهم المديرة أنك أخليت طرفك منذ يومين ولا أحد يعرف طريقك أو عنوانك" نعم يا إلهي إن عنايتك ورعايتك تحيط بي، إني أشعر بذراعك القوية تمسك بي، يحضر البوليس إلى المدرسة بعد إخلاء طرفي بيومين وأكون قد غيرت عنواني وانتقلت إلى شقة مدينة نصر ولا أحد يعرف طريقها . . الآن فهمت لماذا قلت لي عندما فقدت شقة الزيتون إن ما حدث لصالحي! نعم إن الجميع في المدرسة كانوا يعرفون أني سوف انتقل إلى شقة جديدة بالزيتون، ولكن أنها خطة القدير! يحافظ علي . . إنها الحقيقة، لقد لمستها بنفسي أن من يسلمك نفسه بصدق تكون أنت المدبر لكل حياته وتحركاته لك المجد الدائم، إن تدبيرك يفوق كل عقل، وتذكرت تلك الآية التي كتبها لي "أبونا بطرس" وطلب مني أن احفظها واضعها أمامي دائماً وهي واردة في مراثي أرميا 3: 37 "من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر."
قررت بعد أن سمعت صوتك الحبيب بكل وضوح أن أسافر إلى الإسكندرية، لكن ينبغي أن أنهي إجراءات المعاش أولاً في الإدارة التعليمية، وذهبت إلى الإدارة ولكني قبل أن أدخل مبنى الإدارة شعرت بعدم ارتياح وبقلق شديد . . تغلبت على مشاعري ودخلت وأنا أردد "اللهم إلى معونتي يا رب أسرع وأعني" وتم كل شيء بسرعة عجيبة، إن يديك الرحيمتين تحركا كل شيء، وباق أن استلم شيك مكافئة إنها خدمة، عبارة عن مرتب ثلاثة أشهر، ولكنه سوف يستغرق بعض الوقت ولا بد أن أعود مرة أخرى بعد أسبوع لاستلمه، لابد أن أسافر ثم أعود بعد أسبوع لاستلم الشيك أو أرسل ابنتي لتستلمه، إن الجميع يعرفون أنها ابنتي. عدت إلى شقتي لأعد للسفر إلى الإسكندرية ولم يخطر على بالي أبداً أني لن أعود إلى شقتي الجديدة مرة أخرى، لقد أنفقت كل ما أملك في شراء تلك الشقة وعمل الإصلاحات اللازمة والتركيبات الجديدة الضرورية. إن بها كل الأجهزة الكهربائية . . إنها بسيطة ومريحة ولكن لتكن إرادتك لا إرادتي، وفي السادسة من صباح اليوم التالي أخذني أحد الأصدقاء بسيارته الخاصة وانطلقنا إلى الإسكندرية، وفي الطريق طلبت منه أن نمر على دير الأنبا بيشوي وتوقفنا هناك، ورحت أسلم على الآباء الرهبان ووقفت أمام من وعدني أن يبقى الشريط الذي سجلته في الدير وألا يخرج خارج الدير أبداً، نظرت إليه عاتبة ليرى ماذا فعل بي! وأين مفيد الآن! وماذا سيجري لسامية ولكني أعلم جيداً أنها إرادتك أنت ولن أتدخل . . لقد سلمتك نفسي وحياتي وكل ما أملك، افعل بي ما تشاء وأنت أبي الحنون ولابد أن أترك كل شيء حتى أكون مستحقة أن احمل اسمك المبارك العظيم.
وصلت إلى الإسكندرية واستقبلنا بعض الأصدقاء وأوصلوني إلى فيلا العجمي، إنه مكان بعيد هادئ وجميع المصيفين قد عادوا ولا يوجد غيري في المكان. عاد الجميع إلى القاهرة وتركوني وحدي، طلبت من أبنتي أن تذهب إلى المنطقة لتستلم الشيك وتخبرني ماذا تم حتى أعود للقاهرة لأصرف الشيك حيث أنه الشيء الوحيد الذي امتلكه الآن.
انفردت بك يا حبيب وارتميت عند قدميك . . إلهي إني أتألم! إني أحمل حملاً ثقيلاً . . ساعدني أن ألقي بأحمالي عندك . . ضمني إلى صدرك الرحيم وامسح دمعي ودم جراحي . . مجداً لك أنك تجعل لنا دائماً في كل ضيقة تعزية، ولن أنسى أبداً ما رأيت في أول ليلة أقضيها معك في الإسكندرية، لقد رأيت وجهك الحبيب والدم يسيل منه ونظرت إلي بإشفاق، وأنت من تألمت من أجلي أشد الآلام، تذكرت آلامك! سامحني يا إلهي، إنه ينبغي أن أشعر كم تألمت من أجلي وينبغي أيضاً أن أتألم أنا أيضاً من أجلك، لكن أعن ضعفي . . قوني وساعدني كي أكون مستعدة أن أحمل صليبي وأتبعك.
ومرت أيام ثقيلة وطويلة حتى نهاية الأسبوع، حضرت ابنتي مع بعض الأصدقاء وقالت أنها عندما ذهبت لاستلام الشيك رفض الموظف المسؤول تسليمه لها وقال "أنه لابد من حضوري بنفسي" . . تركتهم وتوجهت لشقيقتي، إنها تعمل بالإدارة، مديرة العلاقات العامة، وطلبت منها أن تحاول هي استلام الشيك نيابة عني ولكن الموظف المسؤول رفض أيضاً تسليم الشيك لشقيقتي بناء على أوامر مدير عام الإدارة، لأني مطلوبة لأمن الدولة وبعد ذلك أرسلت لي شقيقتي رسالة مع ابنتي والرسالة عبارة عن أنه علي أن أختار واحدة من ثلاث:-
الاختيار الأول: أن أذهب إلى أمن الدولة مع شقيقتي وزوجها حيث أنه ضابط بالمخابرات العامة وأيضاً زوج شقيقتي الصغرى وهو ضابط طيار برئاسة الجمهورية وأقول لهم أن هذا الشريط كذب، وأني كذبت بتحريض من بعض الآباء الكهنة وعلى رأسهم "أبونا بطرس" وأنهم أغروني، وأسجل شريطاً آخراً بصوتي أكذب فيه الشريط الأول وبذلك أكون بر الأمان ولن أتعرض لأي متاعب.
الاختيار الثاني: إذا رفضت الاختيار الأول فسوف تقوم العائلة بوضعي في مستشفى للأمراض العقلية، وسوف يشهد جميع أفراد العائلة أني مجنونة من يوم ميلادي، وبالطبع سوف يصدقونهم وذلك للمراكز المرموقة التي يشغلها أفراد الأسرة حيث أن لي شقيقتين أخريين، زوج الكبرى وكيل أول ونائب وزير الحكم المحلي وزوج الأخرى أستاذ اللغة الإنجليزية في كلية اللغات والترجمة، إلى جانب الضابط بالمخابرات والطيار برئاسة الجمهورية وأخي المدير بالجهاز العام للتنظيم والإدارة.
الاختيار الثالث: إنه في استطاعتهم خطفي وقتلي ودفني دون أن يسأل أحد عني، وأنهم قاموا بالفعل بعمل بلاغ بأني مفقودة ويريدون البحث عني، كما أني لن أستطيع السفر إلى الخارج وذلك لأنهم قاموا بإبلاغ جميع المطارات والمواني أني مطلوبة وصورتي في كل مكان.
سألت نفسي لا . . لا يمكن أن تكون شقيقتي جادة . . هل هذا معقول؟ لابد أنها تهددني فقط . . قررت أن أتصل بها حتى أتأكد . . أتصل بها الآن. اتصلت بها . . ليتني لم أتصل بها . . إنها تقسم لي بكل قسم أنها ستنفذ ما قالته في الاختيار الثالث إذا لم أختار بين الأول والثاني أيضاً زوجها – إنه يعمل في المخابرات العامة – لقد أكد لي أنه سوف يقبض علي في ظرف يومين وسوف يرغمني أن أفعل ما يريد. أهكذا تتغير القلوب وتصبح حجرية . . إنها أشد قساوة من الحجر . . أشعر أن الدنيا كلها أضيق من ثقب إبرة . . ضاقت بي نفسي، اشتهي الموت . . ليتني أموت الآن. عندما سمع أصحاب الفيلا ما حدث طلبوا مني أن أخرج إلى مكان آخر لأنهم خائفين ولا يريدون التعرض للمسؤولية.
ولكنك يا قدير لا تدخلنا في تجربة وتتركنا، بل مع التجربة تعطي المنفذ. وتضيف ابنتي: لقد عرف المهندس سمير كل شيء وسوف يحضر بعد ساعتين تقريباً ليأخذك إلى شقة في المعمورة، إنها أيضاً شقة للمصيف في منزل ولا يوجد سكان وتستطيعين أن تقيمي هناك. جاء سمير وأخذني إلى شقته ثم عاد الجميع إلى القاهرة وتركوني وحدي، لكني لست وحدي! إلهي الحبيب أنت مؤنس وحدتي . . أنت أهلي وأقاربي . . يكفيني حبك وحنانك.
مرت ثلاثة أيام وإذا بصوتك الحبيب يوقظني قبل طلوع الشمس قائلاً "يجب أن أخرج من شقة سمير بأقصى سرعة" تعجبت وصرخت إليك يا حبيب . . أين أذهب؟ ولماذا أخرج؟ لم تمض إلا ساعات قليلة وإذا بإبنتي تتصل بي تليفونياً وتخبرني أن أمن الدولة قبض على سمير ويجب أن أترك شقته بأقصى سرعة، ألقيت بنفسي بين يديك الرحيمتين . . إلهي ماذا أفعل الآن؟ وإذا بصوتك الحنون يرشدني أن أذهب إلى الدير وسوف أجد الحل، وبالفعل ذهبت وإذ بأحد الآباء يستقبلني فرحاً قائلاً "كنت أصلي أن يرشدك الله للحضور" وأضاف قائلاً "يوجد صديق مؤمن عندما عرف ما حدث لك أعطانا مفتاح شقته الخاصة بالإسكندرية في وسط المدينة أمام البحر مباشرة في عمارة كبيرة، لكن لا يوجد هناك أحد بالعمارة لأنها مصيف وهو مستعد أن تقيمي هناك أطول فترة ممكنة."
إلهي الحبيب لو ظللت أمجدك وأشكرك وأسبحك مع كل نفس يخرج من صدري لن أوفيك، لو ظللت ساجدة بين قدميك الكريمتين حتى آخر لحظة من عمري لن يكفي . . لكن أنت هكذا دائماً تجرح وتعصب . . تسحق ويداك الحنونة تشفيان.
في نفس الوقت وجه إلي "أبونا" لقضاء يومين مع أسرته في قليوب، كنت قد اعتدت أن أتصل تليفونياً بأولادي من حين لآخر لكي اطمئن عليهم، وفي آخر مكالمة طلبت مني ابنتي الصغرى أن لا أتصل بها عند جيرانهم بحجة أنهم يخجلون، وطلبت أن اتصل بهم في شقة أختي الصغرى حيث أنها ستكون بجوار أولادي. شعرت بعدم الراحة من طلب ابنتي . . ولكن لماذا؟ إن جارتها سيدة فاضلة وكذلك أولادها في كل مرة كنت أكلمهم تسرع في طلب أولادي، سألت ابنتي "إياك أن تكون هناك مؤامرة؟" ردت مؤكدة أنه لا توجد مؤامرة وأني أصبحت أخاف أكثر من اللازم . . حددنا موعداً كي أجدهم عند خالتهم. جاء الموعد المحدد واتصلت بهم من منزل أسرة "أبونا،" لاحظت أن ابني يحاول إطالة المكالمة بحجة أنه يريد أن يطمئن علي . . وأيضاً أختي أنها تريد أن تساعدني . . ولكن كان هناك شعور قلق يكاد أن يقتلني. انتهت المكالمة التي استغرقت حوالي 15 – 20 دقيقة وجاء صوتك في صدري "لقد دبروا لك كمين استطاعوا أن يلتقطوا رقم تليفون أسرة أبونا" وبعد أقل من نصف ساعة رن جرس التليفون وإذ بمن يريد معرفة اسم وعنوان صاحب التليفون بحجة وصول طرد من الخارج ولا يوجد عليه اسم أو عنوان بل رقم تليفون فقط وفي الحال فهمت لماذا طلبت ابنتي أن أتصل بها في منزل شقيقتي فإن زوجها برئاسة الجمهورية، وبالطبع استطاع أن يلتقط رقم تليفون "أبونا" وهكذا أنت دائماً يا قدير تصيبهم بالغباء إلى هذا الحد، لم يستطيعوا أن يصبروا ساعات قليلة حتى يصلوا إلى الاسم والعنوان، وكان التحذير لي أن أهرب صادراً منهم . . يا للعجب. خرجت مسرعة، إن قلبي يكاد أن يتمزق من شدة الألم . . أختي وابني وابنتي يدبرون لي كميناً . . مع أمن الدولة، ابني الكبير . . ابن عمري . . وابنتي الصغرى الغالية وأختي . . أكاد أن أفقد عقلي. لا أستطيع أن أصدق ما حدث! لكن . . إنه مكتوب "وسيسلم الأخ أخيه إلى الموت والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص"
إلهي لي رجاء فيك، ساعدني أن اصبر حتى ألاقيك.
أشكرك يا إلهي أنت تقويني وتساندني، أجدك دائماً بجواري.
أشكرك يا إلهي أنك تجعلني بنعمتك المعطاة لي، أقوى من التجربة.
أشكرك يا إلهي أنك جعلتني مستأهلة، أن أتألم من أجل أسمك.
ذهبت إلى دير مار مينا لأقضي هناك ثلاثة أيام دون أن أخبر أحداً من أنا، كنت أستيقظ مبكرة لحضور القداس والتناول وأقضي بقية الوقت في الصلاة . . بدأت أتماسك وأشعر بالراحة والهدوء.
وفي اليوم الرابع فوجئت بشقيق أبونا الذي كنت أقيم عنده قادماً ليأخذني وسألته "هل عرف البوليس اسمك وعنوانك؟" قال "بكل تأكيد لا، لم يحضر البوليس، يبدو أنه من خوفك أصبحت تتوهمين أشياء لا وجود لها، هيا بنا نعود لنقضي معاً بعض الوقت" لكن شكله وطريقة كلامه غير مريحة بالمرة، ماذا أفعل الآن؟ ليس أمامي اختيار آخر، جمعت حاجياتي وفيما أنا ذاهبة معه لأركب السيارة جاء صوتك الحبيب في صدري "إن هذا الرجل قادم ليسلمك للبوليس" تملكني شعور بالرعب . . إلهي ماذا أفعل؟ أأتركه وأنصرف إلى الإسكندرية! ولكنه أيضاً يعرف عنواني في الإسكندرية . . أنا في حيرة . . ركبت معه السيارة ورفعت قلبي إليك يا حبيب "إلهي لا أريد أن أقع في أيديهم . . إنهم وحوش لن يرحموني . . هل ستتركني لهم؟" وجاء ردك يا قدير "لا تخاف سوف أنقذك في الوقت المناسب ليعرف الجميع ويمجدوني" قلت "إلهي أعن ضعفي، وسامحني . . إن كنت فعلاً سوف تنقذني أعطني علامة قوية لأني خائفة، إن السماء تمطر والسحب تحجب الشمس الآن، دع المطر ينقطع في الحال وتختفي السحب وتطلع الشمس." لم تمر إلا لحظة وإذ بالمطر ينقطع ويد القدير تبعد السحاب وتسطع الشمس، أشكرك يا إلهي ملأت قلبي بسلامك. لاحظت أنه يقود السيارة بسرعة تتراوح ما بين ستين وسبعين كيلومترات في الساعة في طريق مصر – الإسكندرية الصحراوي، وبين الحين والحين ينظر خلفه. تظاهرت أني لا أفهم شيئاً وسألته "لماذا تقود سيارتك بهذا البطء؟" رد قائلاً "إن في السيارة عيب فني ولا أريد أن أزيد السرعة لكي لا تعطل" وفي الطريق سمعت صوتك الرحيم قائلاً "توقفي هنا عند مزرعة دير الأنبا بيشوي وسوف تريد عملي" طلبت منه أن نمر على مزرعة الدير ولكنه رفض في بادئ الأمر ثم بعد لحظات وافق بعد إلحاحي عليه على شرط ألا نمكث هناك إلا دقائق نسلم على الأباء وننصرف في الحال. وكانت المفاجأة! أنهم يعرفون تفاصيل ما حدث وبدى الذهول على الجميع "أين أنت ألم تعرفي أن البوليس هجم على منزل أسرة "أبونا" بعد منتصف الليل؟ وقبضوا على الجميع! كانت الصدمة قوية وعنيفة رغم أني أعرف ولكن . . نظرت إلى شقيق "أبونا" عاتبة، قال "سامحيني لقد ضعفت عندما رأيتهم يضربون أبي الرجل المسن بكل وحشية." قلت له "لقد سامحتك وليسامحك الله ولكن الآن عليك أن تنصرف بمفردك" قال "لا . . أرجوك لابد أن تحضري معي" قلت له "هل أنا مجنونة . . اذهب إليهم بنفسي، بالأمس سجل لي شقيقك شريط كاسيت وطلب مني أن أذكر اسمي بالكامل واسم كل من استخدمهم الرب معي ووعدني أن يكون في سرية تامة ويكون هذا الشريط وثيقة خاصة بالدير . . ولكن فوجئت به يغطي مصر كلها، واليوم أجدك تحاول أن تسلمني للبوليس . .!" يا لعذابي! إني أشعر بالمرارة . . أكاد أن أتمزق، لقد عرفت الآن كيف يكون شعور الإنسان عندما يتعرض للخيانة، سامحني يا ربي أنا لا أدين أحداً . . نحن ضعفاء . . إن لم نلتمس منك العون لا نحتمل شيئاً. عرفت الآن يا حبيب مدى ألمك وعذابك عندما تعرضت لخيانة أحد تلاميذك، أشكرك يا إلهي الحبيب لقد جعلتني أعيش جزءاً صغيراً من آلامك، والآن ماذا أفعل؟ التف حولي رهبان مزرعة دير الأنبا بيشوى وقال أحدهم "لابد أن تسلمي نفسك للبوليس، لا فائدة من هروبك لقد ضاقت الحلقة حولك ولا مفر" وقال آخر "لقد رأيتك في رؤية وحول رقبتك دم وهذا معناه أنك سوف تقتلي" وقال ثالث "ألا تريدين أن تكوني شهيدة من أجل المسيح وينادي عليك ربنا يسوع المسيح ويقول لك: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم . ." شعرت كأن كل واحد منهم ممسك بسكين ويمزق في لحمي بدون رحمة أو شفقة، وقلت في نفسي ربما يكون كلامهم هو الحق ولابد أن أسلم نفسي، فتحت حقيبة يدي وأخرجت محتوياتها وسلمتها لهم وقررت أن أسلم نفسي ولكن لابد أن أذهب أولاً للإسكندرية وأجمع جميع حاجياتي حتى لا يجدها البوليس في هذه الشقة وأعرض صاحب الشقة للمسؤولية، وأيضاً ينبغي أن أسلم ابنتي لوالدها حتى لا تتعرض هي أيضاً لما سأتعرض أنا له وأنا أعرف جيداً ما ينتظرني في أمن الدولة، ولكني واثقة أنه الحبيب الذي كان مع الفتية الثلاث في أتون النار سيكون معي وسينقذني . . وكيف لا! وأنا أشعر أني ابنته المدللة. تركت شقيق "أبونا" ينصرف بمفرده ووقفت أنا وابنتي نوقف سيارة إلى الرست، ومن الرست نستقل الأتوبيس إلى الإسكندرية، وبالفعل وقفت لنا سيارة نقل بضائع صغيرة وركبت أنا وابنتي حتى الرست ووقفنا هناك نوقف أي سيارة أجرة متجهة إلى الإسكندرية ولكننا لم نجد، انتظرنا حوالي ساعة حتى جاء الأتوبيس . . ركبنا، وفي الطريق رفعت قلبي لك يا حبيب وقلت لك "هل هذه هي النهاية أن أسلم نفسي إلى أمن الدولة أنت تعرفهم وتعرف وحشيتهم وأنا ضعيفة، أعن ضعفي ربما لا احتمل تعذيبهم، أجبني ماذا أفعل؟" وجاء رد إلهي الحنون الطيب "لو كنت أريدك أن تقعي في أيديهم لما أخبرتك أنه قادم ليسلمك، وقلت لك "مري على مزرعة دير الأنبا بيشوي لتعرفي الحقيقة وأعطيتك علامة أنك لن تقعي في أيديهم؟" لا . . لا تسلمي نفسك، عودي إلى الإسكندرية واختبئ هناك" إلهي ما أعظمك! أنت إلهي الحي الحنون تشعرني وكأنه لا يوجد أحد على الأرض غيري تراقبه وتدافع عنه وتحافظ عليه، تشعرني وكأني وحدي موضع اهتمامك ورعايتك، يا لعظم محبتك أحبك يا إلهي لأنك فعلاً تستحق الحب لأنك أحببتني أولاً ثم جعلتني أحبك وأعرفك وأثق فيك.
وصلت إلى الإسكندرية متعبة منهكة القوى ولكن سلامك الذي يفوق كل عقل يملأ قلبي ونفسي، لابد أن أغير مسكني وأذهب إلى مكان آخر . . ربما يخبرهم هذا الصديق عنواني ويأتوا إليّ ولكن الوقت متأخر وبينما أنا في هذا الحوار مع نفسي أرى وجهك الحبيب الجميل يضئ الظلمة التي حولي ويشعرني بالأمان، قررت أن أبقى هذه الليلة وأذهب غداً إن شاء الله أبحث عن شقة أخرى، وفي صباح اليوم التالي قادني الحبيب إلى أسرة مسيحية مؤمنة عندهم شقة مفروشة صغيرة استأجرتها منهم وانتقلت إلى هذه الشقة أنا وابنتي ولم أخبر هذه الأسرة من أنا لكي أمكث أطول فترة ممكنة في هدوء. اتصلت تليفونياً بأصدقاء القاهرة ووجدت أحدهم من كان يكلمني لا يصدق أذنيه وقال "هل أنت فعلاً ناهد! لا أستطيع أن أصدق نفسي لقد سمعنا أن أمن الدولة القي القبض عليك وأنهم قتلوك بعد ذلك ابق في مكانك ولا تخرجي لمدة أسبوع حتى نحضر إليك ونعرف كل شيء" وحاولت أن أبقى بالمنزل ولا أخرج إلا للضرورة وفي أحد الأيام فوجئت بزوجة صاحب الشقة تدق جرس الباب وعندما استقبلتها وجدتها تقول "هل سمعت عن السيدة المسلمة التي آمنت بالسيد المسيح وأصبحت مسيحية واسمها ناهد" قلت لها وأنا ارتعد من شدة الخوف "نعم سمعت عنها" قالت في فرحة شديدة "لقد أحضرنا الشريط الكاسيت المسجل بصوتها تروي فيه كيف آمنت بعد أن رأت السيد المسيح في رؤيا وكلمها" قلت لها وهل تصدقيها؟" قالت: "نعم بكل تأكيد فما الذي يدعو سيدة في مركزها ومن أسرة كبيرة أن تعرض نفسها لهذا الخطر! إن لم يكن كل ما تقوله صدق وحقيقة" مجداً لك في هذا كفاية لي . . يكفيني انك اخترتني، وليس لبر في ذاتي ولكنك تعطي من غنى مجدك ولا تعير، أشكرك سأظل باقي عمري أشكرك مع كل نفس اتنفسه ولن أفي بشكرك. ذهبت معها وسمعت الشريط وكأني أسمعه لأول مرة وعشت معك لحظة بلحظة. ما أروعك يا إلهي! ما أعظمك! ما أحلاك! أنت أحلى ما في الوجود ولم أجد شيئاً أشبهك به فليس لك شبيه، وبعد أن سمعنا الشريط قالت "إن البوليس يعرف أنها في الإسكندرية ويقوم الآن بالبحث عنها." لابد أن أترك الإسكندرية وأذهب إلى مكان آخر ولكن يجب أن أنتظر حتى يحضر إلي من ينقلني إلى مكان آخر. بعد يومين حضر إلي صديق أثق فيه ولم يصدق نفسه حين رآني وقال "عرفنا أنك اتصلت تليفونياً بأولادك عن طريق شقيقتك وأنها كانت مدبرة هذا مع أولادك لإلتقاط رقم التليفون عن طريق الذي سوف تتصلي به ويعرفون طريقك، وتم بالفعل التقاط رقم التليفون عن طريق أمن الدولة وبعد ذلك عرفوا اسم وعنوان صاحب التليفون وذهب البوليس في منتصف الليل إلى العنوان وفتشوا المكان جيداً، وعندما لم يجدوك قبضوا على كل من في هذا العنوان وضربوهم بمنتهى القسوة وعذبوهم. اضطر هذا الصديق تحت الضغط والضرب والتعذيب أن يحاول أن يسلمك لهم، اتفق مع البوليس أن يذهب إليك في دير مار مينا ويسلمك لهم، كانت ترافقه سيارتان ملاكي من أمن الدولة وسارتا خلف السيارة التي ركبتيها أنت وابنتك وحين توقفت في مزرعة دير الأنبا بيشوي سبقتكم السيارتان إلى الرست وبعد ذلك انتظرت السيارتين حين جاءت سيارة هذا الصديق وظنوا أنك لا زلت داخل السيارة. ساروا خلف سيارته حتى مدخل القاهرة أي بعد ساعة ونصف ساعة واكتشفوا أنك غير موجودة بالسيارة فأوقفوا جميع السيارات المتجهة إلى القاهرة وفتشوها وعندما لم يجدوك، ذهبوا إلى مزرعة دير الأنبا بيشوي على أمل أن يجدونك هناك وبعد ذلك أشاعوا أنهم قتلوك وأنت تجري في الصحراء محاولة الهرب منهم وتركوك هناك، أما هذا الصديق فهو الآن في السجن يعذب. وأيضاً قبضوا على المهندس سمير لأنه ساعدك في الحصول على شقة، وكذلك شاب مسيحي كان يعمل في المكتبة الصوتية بأحد الكنائس، لأنه كان يطبع الشريط الخاص بك، كذلك المهندس رشاد لأن ابنتك كانت تعمل في مكتبه سكرتيرة وكان يساعدكم مادياً. وجهت إليهم تهمة التبشير بالمسيحية ومساعدتك على الارتداد واعتناق المسيحية والطعن في الإسلام، والآن بعد أن عرفوا أنك هربت منهم فإنهم يقومون الآن بالبحث عنك في الإسكندرية وعند مدخل القاهرة والإسكندرية."
مجداً لك يا رب للمرة الثانية يصاب أمن الدولة بالغباء وبالعمي ترافق سيارتنا سيارتان لأمن الدولة مسافة مائة كيلوا مترات أو أكثر دون أن يتعرضوا لي أو يتعجلوا القبض علي وحين نتوقف في مزرعة دير الأنبا بيشوي يسبقونا إلى الرست وعندما تمر السيارة التي كنت أركبها يظنون أني بداخلها وتمر ساعة ونصف ساعة دون أن يكتشفوا أني غير موجودة بالسيارة، تصيبهم يا ربي بالعمي لا يرون أني غير موجودة وأتمكن أنا من العودة إلى الإسكندرية في هذا الوقت وتصيبهم أيضاً بالغباء بحيث أنهم يبحثون عني في السيارات المتجهة إلى القاهرة ولا يفكرون أنني قد أكون في طريقي إلى الإسكندرية وعندما يتنبهوا إلى ذلك أكون قد غيرت شقتي التي كنت أقيم فيها واستأجر شقة مفروشة صغيرة لا يعرف أحد طريقها، كل هذا التدبير لي أنا؟ إنها خطة محكمة! لقد وعدتني ألا أقع في أيديهم، فكيف يستطيعون أن يصلوا إلي وأنا في حمايتك، اختبئ في حضنك الرحيم وتحيطني بذراعيك، نعم شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني، نعم حبيبي لي وأنا له. والآن يجب أن أترك الإسكندرية وأذهب إلى القاهرة . . لقد دبرت لي يا حبيب فقد دعتني إحدى الصديقات للإقامة في إحدى شقق عمارة تمتلكها، وهي شقة تؤجرها مفروشة. وجمعت حاجياتي وركبنا السيارة وتوجهنا إلى القاهرة وفي الطريق عند مدخل الإسكندرية وجدت لجنة توقف جميع السيارات الخارجة من الإسكندرية والمتهجة إليها، ولكن أجد سيارتنا تمر من أمام اللجنة دون أن يوقفها أحد بل بالعكس يلوح لنا أحد الضباط لكي نمر بسرعة، وكيف توقفنا لجنة وأنت يا حبيب تسير بوجهك أمامنا وتنير لنا الطريق.
وصلنا إلى القاهرة ثم إلى مصر الجديدة . . إن العمارة التي سوف اسكن فيها تقع بجوار قسم النزهة والجميع يعرفونني جيداً، ويجب ألا أفتح نافذة أو أخرج إلى الشارع أو يصدر من الشقة أي صوت أو حتى يفتح باب الشقة لكي لا يراني أحد، ولا أحد في العمارة يعرف أن هناك سكان بهذه الشقة . . انهم يعرفون أنها خالية ومغلقة ويجب الاستجابة لكل هذه الأوامر التي وجهت إلي . . ليس أمامي اختيار.
خروجي من مصر
مرت الأيام طويلة وثقيلة، وتعرضت لضغوط شديدة لدرجة أني كنت أشعر بالجوع أنا وابنتي، لكن ماذا نفعل! لا أستطيع أن أخالف هذه الأوامر، لابد أن انتظر إلى المساء حتى أجد من أرسله ليشتري لنا طعاماً. وأحياناً كانت هذه الصديقة تسافر أو تذهب لزيارة أصدقائها وتتركنا بدون طعام لمدة يوم أو يومين ولكن ليس أمامنا سوى الصبر. مرت أربعون يوماً على هذه الحال وقلت في نفسي لعلي أخطأت والرب يؤدبني ومن يحبه الرب يؤدبه، ووقفت أصلي "إلهي سامحني إن كنت قد أخطأت بقصد أو بغير قصد، إلى متى سأظل في هذا العذاب! إني أشعر أني سجينة في هذا البيت. ووعدني أحد الأصدقاء أنه سوف يدبر لنا جوازات للسفر للخارج ولم يتمكن من وعده، أرجوك يا إلهي لا أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك" وجاء صوتك الحبيب في صدري "أنت لم تفهمي ما قلته لك أول مرة عندما قلت لك أنظري إليّ، وقلت أني خائفة، قلت لك لا تخافي أنظري إلي، ورغم أني أنقذتك عدة مرات إلا أنك لا زلت تخافين وتنظرين إلى البشر، قومي واخرجي وسوف أدبر لك من يساعدك في استخراج بطاقات شخصية جديدة باسمك الجديد، إنه ذلك الشخص الذي كان قد وعدك من قبل ولكن عند انتشار الشريط الكاسيت واضطراب الموقف خاف منك وابتعد عنك، سوف أعطيه سلاماً ليقوم بهذه المهمة ولا تخافي . . سلامي يملأ قلبك" آه سامحني يا قدير . . أنا ضعيفة، أعن ضعفي وقوني. وفي صباح اليوم التالي خرجت إلى الشارع وأن في حمايتك ورعايتك واتصلت تليفونياً بهذا الشخص وأجده يرد علي قائلاً "كنت أفكر فيك بالأمس وتناقشت أنا وزوجتي وأمي وأختي وقررنا جميعاً بعد أن صلينا أن أستخرج لك ولابنتك بطاقتين شخصيتين جديدتين بأسماء جديدة، حاولي أن تحضري معك صور لك ولابنتك وحاولي أيضاً أن تغير في شكلك وأرجوك أن يتم هذا في أسرع وقت ممكن" كدت أطير من الفرح لقد قرروا بالأمس فقط أن يقوموا باستخراج البطاقات في نفس الوقت الذي كلمتني فيه، أمرتهم أن يوافقوا وكان، وكيف لا يكون وأنت يا حبيب صادق الوعد أمين، سجدت عند قدميك أشكرك وجاء صوتك الحبيب في صدري قائلاً "سوف أعطيه سلاماً وسوف يقوم باستخراج جوازات سفر لك ولابنتك."
سافرت إلى هذا الشخص أنه في بلدة صغيرة تبعد عن القاهرة حوالي مائة وعشرين كيلومترات، قابلني بكل ترحاب ووجدت فيه محبة المسيح الصادقة دون غش أو رياء وأعطيته الصور الخاصة بي وبابنتي ووعدني أن أعود إليه بعد يومين فقط أنا وابنتي لنستلم البطاقات الجديدة، وعدت إلى القاهرة. ما كل هذا! أنا أسير في الشارع وفي مصر الجديدة وأركب المواصلات لقد ذهب الخوف بعيداً عني وسلام الله يملأ قلبي.
ظللت أعد الساعات المتبقية بل الدقائق حتى حان موعد استلام البطاقات . . سافرنا أنا وابنتي ووصلنا وإذ به يقدم لنا بطاقتين، إنه صادق وفي بوعده وكيف لا والرب قد أمر، شكرت الحبيب وفوجئت بهذا الشخص يقول "هل تفكرين في السفر للخارج أم ستكتفي بهذه البطاقات وتحاولي الظهور في مكان آخر بشخصيتك الجديدة؟" قلت له "إني أفكر في السفر للخارج . . لكن لتكن إرادة الله لا إرادتي ولكن لماذا تسألني هذا السؤال؟" قال "مستعد أن استخرج لك ولأبنتك جوازات السفر ولكن من بلدة أخرى. ما رأيك؟" قلت له في لهفة "طبعاً موافقة" فقال "أعطيني فرصة عشرة أيام أو أسبوع حتى أجهز لك الأوراق المطلوبة." شكرته وانصرفنا وفي الطريق رفعت قلبي لك أشكرك أنت هو أنت ولا أحد سواك، سأظل أكرر ما دمت حية، أنت صادق الوعد وأمين، بيدك كل شيء ومعك لا نحتاج لشيء، ليت الجميع يعرفون كيف تدبر حياة من يسلمك بصدق حياته، بهذه السرعة وهذه البساطة بكلمة منك ملأت قلبه سلاماً، في لحظة تغير، بعد أن خاف مني ورفض مساعدتي أجده يعرض علي استخراج جوازات السفر، لك المجد الدائم، إلهي بارك هذا الرجل بكل بركة وحافظ عليه وثبته في إيمانك هو وأهل بيته ليتمجد اسمك القدوس الآن وكل أوان، أشكرك . . أسبحك . . أسجد لك لآخر لحظة في عمري. عدت إلى ذلك المنزل وقررت أن أتركه وأعود إلى الإسكندرية بمفردنا لا حاجة لنا لبشر أو سيارة خاصة، سافرنا في الأتوبيسات. وجهك الحبيب يسير أمامي ينير لي الطريق قدني يا إلهي أسير وراءك في أمان فرحة . . سعيدة . . مطمئنة.
وصلت إلى الإسكندرية وذهبت إلى تلك الشقة المفروشة أنها في مكان هادئ على البحر ونحن في شهر ديسمبر والجو بارد، لا يوجد أحد تقريباً. ولكنك أنت معي دائماً أنت ساكن في أعماق قلبي ونفسي أحبك يا إلهي. مضى أكثر من عشرة أيام، لابد أن أوراق جوازات السفر قد أعدت وقررت أن أسافر إلى هذا الشخص العزيز . . سافرت إليه ووجدته يقدم لي أوراق جوازات السفر مختومة وموقعة من شخصين آخرين وبعد ذلك سافرنا إلى بلد آخر وتم استخراج جوازات السفر بسرعة مذهلة، لقد تسلمناها في نفس اليوم. نعم أنه أنت المدبر فلا داعي للعجب . . إنه عملك العجيب وكيف لا يكون عجيباً وأنت عجيب! مبارك اسمك.
عدت إلى الإسكندرية ومعي البطاقات الجديدة وأيضاً جوازات السفر الجديدة ولكن هناك مشكلة كبيرة كيف سأحصل على تأشيرة دخول أي دولة؟ وأين أسافر؟ وتذكرت على الفور أنه في أحد الأيام "الخمسين يوم" التي قضيتها في القاهرة بمصر الجديدة قادني إلهي الحبيب إلى أحد الكنائس وسلمت على راعي الكنيسة، فوجئت به يقول لي "لابد أن تسلمي نفسك للبوليس لا مفر أمامك ولا داعي للهرب أكثر من ذلك أن هناك الكثيرون في السجن بسببك" قلت له في هدوء "إنها إرادة الرب وما ذنبي" فقال "لا تنسي أنهم مغتاظون بسبب عدم مقدرتهم القبض عليك ولذلك يقبضون على كل من له صلة بك أو حتى من يجدون شريط الكاسيت المسجل بصوتك معه، فلا داعي لإيذاء الناس أكثر من ذلك" فقلت له "ولكني أخذت وعد من ربي أني لا أقع في أيديهم وأنه بقي لي عمل آخر سيستخدمني فيه الله، لقد قال لي لا تخافي سوف أرتب لك كل شيء" فابتسم وكأني أهدني أمامه وقال "أظن أنه كلما أسرعت في تسليم نفسك للبوليس كان أفضل لك" فقلت له "ربما لو سلمت نفسي للبوليس وتعرضت للضرب والتعذيب أضعف وأضطر إلى الاعتراف بأسماء الأصدقاء الذين كانوا يساعدونني مادياً والذين كانوا يستضيفونني في منازلهم" فصرخ قائلاً "إياك أن تذكري اسم أي أحد منهم، الجميع يعرف أنك كنت تشغلين منصباً كبيراً وكنت تتقاضين مرتباً كبيراً وكان لك سيارة، قولي أنك كنت مدخرة ثمن بيع السيارة وجزء من مرتبك" قلت له "لقد أكد لي ربي أنه سيساعدني في الحصول على بطاقة شخصية جديدة باسم جديد وأيضاً جواز سفر لي ولابنتي وسوف يدبر لنا كل شيء وسوف نسافر إلى الخارج،" رد علي قائلاً "إن تمكنت من ذلك فأنا أستطيع أن أحضر لك تأشيرة دخول إحدى الدول الأوروبية" وسلمت عليه وانصرفت. لم يعلق في ذهني إلا كلمة واحدة أنه يستطيع أن يحضر لنا تأشيرة دخول إحدى الدول الأوروبية وفي الحال تذكرت كل هذا الحديث وجريت إلى التليفون أتصل به ووجدته يرد علي بنفسه وأعطاني موعد لأحضر إليه جوازات السفر. إلهي الحبيب السماء والأرض تزولان وحرف واحد من كلامك لا يزول. أشهد لك! لقد لمست بنفسي صدق كلامك وصدق وعدك . . أشكرك يا إلهي . . إنك جعلتني أعرفك وأحبك وأثق فيك كل الثقة . . ليتني عرفتك قبل ذلك ولكنك تختار دائماً انسب الأوقات. في صباح اليوم التالي ركبنا الأوتوبيس المتجه إلى القاهرة . . يا للعجب إنه توجد لجنة في بداية الطريق تفتش كل السيارات ولكنها لا تفتش الأوتوبيسات، انهم لا يعتقدون أن لي الجراءة أن أركب أوتوبيس، يظنونني أني لا زلت خائفة أهرب من مكان لآخر مختبئة في سيارة وربما في شنطة سيارة ولكن لا يعرفونك يا إلهي! لا يعرفون معنى أنه إذا كان الله معنا فمن علينا، لا يدركون عمق معناها ولكني بنعمتك عرفت وعشت وجربت بنفسي . . أريد أن أصرخ بكل قوتي في الجميع قائلة "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب."
وصلت إلى القاهرة وذهبت إلى الكنيسة في وضح النهار وسلمته الجوازات وكان علي أن أعود إلى الإسكندرية في نفس اليوم وليس أمامي سوى السيارات الأجرة، إنها لسبعة أشخاص فقط ولكن ليس يهم! أنت معي . . ركبت أنا وابنتي وجلسنا بجوار السائق ومكثت طول الطريق أشكرك يا حبيب . . فوجئنا بلجنة توقف السيارة ووقفت السيارة . . أنا وابنتي في أول السيارة! وادخل الضابط رأسه من النافذة ولكنه لم ينظر إلينا . . إنه لم يرانا، أنا واثقة أنه لم يرانا . . أشار للسائق "مر" وسارت السيارة. مجداً لك يا ربي وإلهي ومخلصي ورجاء العالم كله.
ودعنا عام 1989 واستقبلنا عام 1990 ووقفت بين يديك يا قدير أصلي لك وأشكرك، ومرت أمامي أحداث عام 1989، يا له من عام حافل . . كل هذه الأحداث ويمينك القوية تظللني وتحميني وتنقذني. مبارك اسمك القدوس . . أرجوك يا إلهي استخدمني لمجد اسمك . . ما فائدة أيامي وحياتي على الأرض إن لم تكن لك وبك ومعك، إلهي كلي اشتياق إليك، مشتاقة إلى رؤياك الحبيب، متى ترد غربتي! أنا غريبة على الأرض، إلهي ضمني إليك . . إلهي المعتني بي أكثر من اهتمام الأم برضيعها من أين لي ثمن تذاكر السفر للخارج؟ وكيف سأمر وصورتي في كل المطارات والمواني؟ نعم اسمي تغير إلى اسم جديد، ولكن صورتي؟ لكني أعلم جيداً أنه غير المستطاع عند البشر مستطاع عندك . . أنت كلي أملي . . وضعت كل أحمالي عند قدميك ولن أنسى القول المكتوب "سلمنا فصرنا نحمل."
ثم جاء صوتك الحنون في صدري قائلاً "لا تخافي، انظري إلي فقط" وشعرت بالراحة والسلام، إنك دائماً تملأ قلبي ونفس سلاماً. وفي تلك الليلة رأيت في نومي أن يدك الحنون تمد لي وتعطيني تذكرتي الطائرة للسفر للخارج وعندما استيقظت من نومي وقفت بين يديك الكريمتين أشكرك وأمجدك وأسبحك واستسمحك فأنا لا زلت ضعيفة، أفكر بعقلي البشري المحدود، سامحني يا إلهي الحبيب. ومرت الأيام وجاء موعد استلام جوازات السفر وسافرنا من الإسكندرية إلى القاهرة في الأوتوبيس وأيضاً لا زالت اللجنة في الطريق تبحث عن ولا يراني أحد، واستلمت الجوازات وبها تأشيرة دخول إحدى الدول الأوروبية وفوجئت "بأبونا" يقول "لك عندي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه من راعي كنيسة أخري كان يبحث عنك ليسلمك هذا المبلغ لأنه عرف أنك في حاجة إليه وأيضاً دبر لك مبلغ ألف دولار سوف تأخذيها عند سفرك." قلت له "لن آخذ هذا المبلغ لأنه ثمن تذاكر السفر وأنا رأيت في رؤية أن يد أبي السماوي تعطيني تذاكر السفر فأرجوك اشتر أنت لي تذاكر الطائرة بيدك وأعطها لي بعد ذلك" ووافق وصافحته وشكرته وانصرفنا وكان علينا أيضاً أن نعود في نفس اليوم إلى الإسكندرية وكذلك ليس أمامنا إلا السيارات الأجرة. وبنفس الطريقة نمر على لجنة عند مدخل القاهرة وأخرى عند مدخل الإسكندرية، ولكن أشكرك يا إلهي الحنون لقد ملأت قلبي سلاماً وساعدتني أن أطرح الخوف خارجاً، وقبل أن أعود إلى الإسكندرية شعرت بشوق إلى إحدى الصديقات، إنها صديقة مسيحية مؤمنة ملأ نور المسيح قلبها، أحبتني وفتحت لي قلبها وبيتها وفي الوقت الذي خاف مني الجميع وابتعد عني، اقتربت هي مني واستضافتني عندها أكثر من شهر، أحاطتني بحبها لدرجة أن أحسست أنها أمي وأحسست هي أيضاً كأني أمها وأصبح زوجها أخي وأولادها أولادي، باركها يا رب بكل بركة وحافظ عليها وسيج حولها وبارك في زوجها وأولادها . . صليت لك يا حبيب هل أذهب لزيارتها وجاء ردك في صدري "لا تخافي اذهبي" وذهبت وعندما فتحت الباب ووجدتني احتضنتني بكل حب وحنان وشعرنا أننا نحب بعضنا البعض في اسمك القدوس المبارك العظيم. أمضيت عندها حوالي ساعة لكني لم أشعر بالوقت وفوجئت بشقيقها يقول "ما رأيك في أن تسافري من ميناء آخر غير ميناء القاهرة وتسافري بوسيلة أخرى ولا تسافري إلى الدولة التي تقصديها مباشرة بل قسمي الطريق" ووجدت كلامه يملأ نفسي وعقلي وشعرت أنها رسالة منك أنت يا حبيب، وفهمت الآن لماذا شعرت بالحنين إليها ولماذا جاء ردك في صدري "لا تخافي اذهبي" لكي ترشدني إلى الطريقة التي أسافر بها. ما أعظمك يا إلهي! ما أحلاك! أحبك يا إلهي . . قلبي وروحي يهتفان بحبك وعقلي وفكري مشغولان بك . . آه يا ربي لو عرف الجميع حسن تدبيرك الذي يفوق العقل والخيال . . لا بل لا يستطيع خيال أن يصل إليك، أنت. يا من تطعم طيور السماء وسمك البحار وحتى دود الأرض دون أن يسألك! فكيف يكون مقدار عطائك لمن يسلمك حياته وأيامه ويعترف بك، إلهي أنت تشعرني دائماً أنك لا تهتم بأحد غيري على الأرض . . تشعرني أني ابنتك الوحيدة المدللة التي توليها كل الحب وكل الحنان وكل الرعاية . . مجداً لك.
وصلنا إلى الإسكندرية وما زال كلام شقيق صديقتي يرن في أذني. سجدت بين قدميك وشكرتك يا إلهي الحبيب الطيب، وطلبت منك إن كانت هذه الرسالة منك وبهذه الطريقة تريدني أن أسافر، أعط "أبونا" هذا الفكر وهذه الطريقة. أسبحك وأمجدك وأسجد لك لآخر نفس في صدري.
وبعد يومين . . اتصلت تليفونياً ووجدته يقول لي "احضري غداً واحضري معك كل حاجياتك لأني حجزت لك للسفر." في صباح اليوم التالي سافرت إلى القاهرة وفوجئت به يقول لي "لقد سمعت هاتفاً في أذني يقول ألا تسافري من مطار القاهرة ولكن من ميناء آخر وبوسيلة أخرى، وأن نقسم الطريق وليس إلى الدولة التي ستستضيفك بل إلى أخرى ثم إليها، وفي تلك اللحظة تأكدت أنه صوتك ولا عجب نعم أنت أقرب إلي من نفسي لأني أنا فيك وجزء منك، ألسنا كلنا أعضاء في جسدك الحبيب، إلهي ما أحلى الحياة معك! أنت تكفل لنا الراحة وتفكر لنا وتدبر لنا أمورنا. تسلمت التذاكر من يدك الكريمة بعد أن صلينا وودعت "أبونا" وأيضاً ودعت القاهرة. لا اعتقد أني سأراها مرة أخرى، كم أحببت بلدي وكم تمنيت أن أبقى فيها ولكن لتكن إرادتك لا إرادتي. أكثر من مرة صليت إليك يا إلهي الحبيب عندما ضاق بي الحال في مصر . . إليه كما أخرجت شعبك بني إسرائيل من مصر أخرجني أنا وابنتي من مصر . . والآن علي أن أستقل القطار إلى بلد آخر أسافر منه للخارج، سيكون السفر يوم الأحد القادم . . أنه اختيارك يا إلهي . . أن أسافر يوم الأحد وإلى هذه الدولة.
وصلت إلى هذه المدينة وعلي أن أبقى بها عدة أيام قبل موعد سفرنا، مر الوقت سريعاً ووقفت أصلي لك وأقول لك كما قال موسى عند خروجه مع شعبك بني إسرائيل من مصر "إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من هاهنا" وأيضاً جاء ردك في صدري "لا تخافي أنا حافظ خطواتك" قلت لك أرجوك يا إلهي سر بوجهك أمامي فتريحني.
أحضرنا سيارة أجرة ووضعنا حقائبنا وركبنا السيارة وانطلقت إلى الميناء، وصلت في الموعد المحدد وحلمت حقيبتي ودخلت إلى مكتب الجوازات وخلفي ابنتي وأنا أكاد أن أسقط على الأرض، سامحني يا ربي أنها لحظة حرجه وصعبة فقد رأيت صورتي أسفل مكتب ضابط الجوازات . . أخذ الضابط مني جواز السفر والتذكرة وتفحص الجواز للحظة ثم سألني لماذا سوف تسافري؟ قلت له وأنا أرتعد من الخوف "للعلاج، لي أقرباء هناك سوف أقيم عندهم" ثم ختم الجواز وقال لي "مري" وجاءت خلفي ابنتي ومرت من أمامه وانطلقنا إلى الداخل وأنا لا أصدق نفسي، لكن بعد دقيقة وجدت أحد الضباط ينادي على أسمي ويطلب جواز سفري لفحصه مرة أخرى . . شعرت أن صوت دقات قلبي أعلى من كل الأصوات . . جلست ولم أقو على الوقوف وناديتك يا حبيب "الهي لقد وعدتني أني لن أقع في أيديهم وأنا واثقة أنك صادق الوعد أمين . . اللهم التفت إلى معونتي يا رب . . أسرع وأعني" وفي الحال جاء صوتك الحبيب قائلاً "لا تخافي سوف تمرين بسلام" وبعد لحظات جاء الضابط في هدوء وأعطاني جواز سفري دون أن ينطق بكلمة واحدة.
مجداً لك يا قدير، وعندما سمعنا النداء بالصعود جرينا أنا وابنتي ونسينا حقائبنا وكان المهم عندنا في تلك اللحظة هو الخروج من الميناء. ركبنا وجلسنا وتنفست نفساً عميقاً وقبل أن يخرج من صدري سمعت في الميكروفون من ينادي علينا وشعرت بإنهيار كامل . . لم أقو على الوقوف أو الرد على من ينادي وذهبت ابنتي لترى ما حدث . . وعرفت السبب . . أننا نسينا حقائبنا . . فأحضرتها ومرت لحظات ثم انطلقنا، وابتعدنا . . وابتعدنا . . وابتعدنا .
الوصول إلى هولندا
أقلعت بنا الطائرة من مطار الأقصر الدولي ؛ جلست بجوار النافذة ونظرت إلى أرض مصر الحبيبة ؛ فراق الوطن ليس بالأمر الهين ؛ ولكن هم أضطروني ... دفعوني سدت أمامي كل السبل ... لا مفر ... لكن لي رجاء أن تعود مصر القبطية إلى المسيح كسابق عهدها ؛ حينئذ أعود إليك وطني الحبيب.
رغم ألمي وحزني لفراق بلدي الحبيب ؛ لكني شعرت بسلام الله الذي يفوق كل عقل ؛ أسندت رأسي وشكرت إلهي القدير على عمله العجيب ... على يده القديرة ... أخرجتني رغم كل أحتياطات الأمن لمنع سفري ... ولكن هو الرب الإله القادر على كل شئ.
أشكرك يا ربي من أعماق قلبي مرت الساعات مسرعة ووصلنا مطار هولندا الدولي ؛ كل الإجراءات تمت بسرعة ؛ أستلمنا حقائبنا وخرجنا فوجدت بالخارج شاب مسيحي وبجواره زوجته يحملان لافتة كتب عليها أسمي الأول ؛ لن أنسى ما حييت وجههما المشرق والأبتسامة الجميلة التي رسمت على شفاههما عندما توجهت إليهما وقلت لهما أنا صاحبة الإسم ؛ قابلوني بكل فرح وترحاب ؛ أستقلينا القطار إلى منزليهما ؛ جلست أحدق في كل شئ حولي ؛ هولندا بلد جميل الخضرة في كل مكان ؛ لفت أنتباهي النظام والنظافة من الوهلة الأولى لاحظت المعاملة الجيدة التي قابلني بها كل فرد منذ وصول الطائرة إلى وصولي لمنزل تلك الأسرة المباركة ؛ وصلت منهكة متعبة ... لا أصدق نفسي ... أحقا أنا خارج مصر أم أنه حلم جميل ..
بعد أن تناولنا وجبة العشاء ذهبت إلى الغرفة التي أعدها لنا الأبن الحبيب في المسيح ؛ ليباركه الرب هو وزوجته على حسن أستقبالنا ؛ ألقيت بنفسي على السرير ؛ منذ فترة طويلة لم أنم خلدت إلى نوم عميق ؛ في صباح اليوم التالي أيقظتني الأبنة الحبيبة لتناول الأفطار وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث ؛ عرفتهم بنفسي وبأسمي الحقيقي ناهد ؛ كانت المفاجأة أنهم يعرفون عني كل شئ ؛ قصة الشريط الذي أنتشر في مصر ؛ ووجدت الشريط عندهم ؛ وقصة هروبي وإختفائي ؛ وأنهم كانوا يتابعون أخباري بكل أهتمام مرت ساعات جميلة وأنا أحكي لهما عمل الله العجيب معي وقصة خروجي من مطار الأقصر بتدبير إلهنا الذي يفوق كل عقل ؛ مر اليوم الثاني لي في هولندا وأتفقنا على أن نذهب صباح اليوم الثالث إلى الشرطة وأطلب من هولندا حق اللجوء السياسي ؛ في صباح اليوم الثالث حضر لأصطحابنا أبن ثاني في المسيح متزوج وله طفل رضيع في الشهر الرابع من عمره ؛ أخذنا إلى معسكر أستقبال اللاجئين ؛ دخلنا المعسكر وبدأ معنا التحقيق ؛ من نحن؟ ولماذا هربنا من مصر؟ وكل المعلومات الخاصة بنا ؛ لاحظت وجود أناس في المعسكر من جميع الجنسيات ؛ شعرت بالقلق ؛ رفعت قلبي إلى الرب وقلت له : أنت تعلم كم أنا متعبة وكم قاسيت قبل خروجي من مصر ؛ أرجوك يارب لا تدعني أقيم في هذا المعسكر ليلة واحدة. شعرت بسلام ويقين أن إلهي الحبيب أستمع لصراخي وصلواتي ؛ بعد لحظات توجهنا إلى غرفة مدير المعسكر ؛ الذي طلب مني إثبات لقصتي حيث أن كل المستندات التي أحملها بأسم فيبي ؛ أرشدني الرب أن أطلب منه الأتصال بالسفارة الهولندية في مصر ويسألهم عن ناهد وموضوع ناهد وكيف أن أبونا هو الذي أحضر لي تأشيرة دخول هولندا دون حضوري وأفهمهم كل ظروفي ؛ وبالفعل تم الأتصال وتأكد الجميع أن فيبي هى ناهد.
وفجأة رفع مدير المعسكر صوته ووجه حديثه إلى الأبن المبارك الذي كان يصحبتنا وقال له " أنا لا أستطع تحمل مسؤلية هذه السيدة في المعسكر ولا أستطع أن أضمن سلامتها ؛ يوجد هنا في المعسكر مسلمين من دول عربية ؛ أنا لا يمكن أن أوفر لها الحماية الكافية" رفعت وجهي إلى السماء وشكرت الرب ؛ حاول الجميع أقناعه بأني لن أخبر أحدا من أنا ولماذا أنا هنا؟ وكلما ألحو عليه كلما صليت إلى الرب أطلب منه أن لا يدعه يتراجع ويرضخ لمن حوله ؛ أصر المدير على أن المعسكر ليس المكان المناسب لي ؛ ثم أقترح أن أمكث في بيت ذلك الأبن لفترة أسبوع أو عشرة أيام حتى يعدوا لنا منزل في مكان آمن على أن يدفعوا له مقابل مادي يناسب إقامتنا. وافق الأبن الحبيب وعدنا إلى منزله العامر بمحبة المسيح وكل واحد منا راض على الحل مرت الأيام هادئة جميلة ؛ أنعم فيها بنسيم الحرية وعبير زهور هولندا الجميلة. بدأت أسير في شوارع هولندا النظيفة المرتبة دون أدنى خوف أو قلق ؛ كلما شاهدت أكثر كلما أحببت هذا البلد العظيم أكثر ؛ لم أتوقع أبدا أن أجد أناس لديهم رقة مشاعر مثل الهولنديين ؛ ولديهم أمانة وأخلاص في العمل مثلهم ؛ بارك يارب في هذا البلد. مرت الأيام وجاء موعد أنتقالنا إلى سكني الخاص ؛ وقع الأختيار لنا في قرية صغيرة في جنوب هولندا ؛ شعرت بسلام وسعادة من اللحظة الأولى عند وصولي منزلنا ؛ أخيرا وبعد سنة ونصف السنة يكون لي مكان خاص بي ؛ إنه بيت صغير عبارة عن غرفة نوم بها سريرين وغرفة معيشة ومطبخ وحمام ؛ البيت متواضع الأثاث ولكنه في عيني قصر بمعنى الكلمة. كان ذلك في فبراير 1990 . أرشدني الرب أن أكتب كل شئ منذ بدأ الرب يعدني للقائه وإلى الخروج من مصر ؛ وبالفعل بدأت أكتب وأعيش الأحداث مرة أخرى بحلوها ومرها والحقيقة أن لقائي مع المسيح لا يقاس بشئ على الأرض ؛ ومكسب معرفة المسيح لا يقارن بأي خسارة ؛ حب المسيح الذي يفوق كل عقل فاق حب العالم والأبناء ... المركز ... الأسرة ... الوطن ... كل شئ يهون أمام غنى معرفة المسيح الحبيب . كنت في سباق مع الزمن ؛ وبنعمة الرب كتبت كتابي الأول والأهم تحت عنوان " لقائي مع المسيح " شكرا للرب الذي أعانني وقواني على إتمام هذا العمل ؛ ووقفت أصلي إلى إلهي أن يستخدم عمله في حياتي لمجد أسمه كمسرته ؛ بعد حوالي أسبوع أتصل بي الدكتور شوقي كراس رئيس هيئة الأقباط بالولايات المتحدة الأمريكية وقال لي " كنت أتابع بكل أهتمام أخبارك وشكرت الله أن أخرجك من مصر بزراع قوية ؛ ليتك تكتبي كل الأحداث التي عشتيها وترسليها لنا لنشرها " قلت له " أنا بالفعل كتبت كل شئ وسأرسله لك في أقرب وقت" وفي صباح اليوم التالي أرسلت له الكتاب وأنا أكاد أن أحلق في السماء من الفرح من عمل الرب وترتيبه في حياة أمته. كنت قد تعرفت على بعض الهولنديين من جيراننا الذين أصطحبوني إلى الكنيسة ؛ ورغم أنني لا أتكلم الهولندية ولكنني كنت أشعر بحضور الرب في كنيسته وكنت أنتظر صباح الأحد من كل أسبوع لأذهب إلى الكنيسة وأنال بركة الكنيسة والتناول من جسد الرب ودمه. سألوني في الكنيسة من أنا ولماذا أتيت إلى هولندا ؛ أخبرت الجميع قصتي وما حدث لي ؛ وكيف أفتقدني رب المجد وأظهر لي ذاته ؛ وكيف ساعدني وقواني أن أصمد بنعمته أمام كل طالبي نفسي ؛ وكيف تمجد أسمه في حياتي وأخرجني من مصر وأختار لي هولندا هذا البلد العظيم لألجاء إليه.
وفي مساء أحد الأيام دق جرس الباب وإذ بأحدى السيدات الافاضلات تطلب مني أن تتحدث معي ؛ رحبت بها وسمحت لها بالدخول ؛ وإذ بها تخرج من حقيبتها مجلة صغيرة وتفتح صفحة منها وهى تقول " هل أنني ناهد محمود متولي ؛ التي كانت تعمل بأحدى مدارس القاهرة وعرفتي المسيح وهربتي" قلت لها نعم. قالت كم أنا سعيدة بك ؛ هذه مجلة مسيحية وكان أحد العاملين بها في زيارة للقاهرة وسمع قصتك ونشر الخبر وفي نهاية الخبر يقول أن ناهد أختفت ولا أحد يعرف أين هى ونحن قلقون عليها ؛ ربما تكون قتلت برجاء من يعرف عنها أي شئ الأتصال بنا ؛ ما رأيك هل تسمحي لي أن أتصل بهم وأخبره أنك بخير؟ قلت لها على الفور : أتصلي به ؛ بكل تأكيد ؛ ليس لدي أي مانع. أضافت : وإذا طلب مني عنوانك وطلب مقابلتك ماذا أقول له؟ قلت لها : أعطيه عنواني ورقم تلفوني ؛ يتصل بي أولا ويحدد موعد لزيارتي. قبّلتني بكل حب وشكرتني وأنصرفت على أمل لقاء قريب. شعرت بسعادة تغمرني ؛ نعم أنا أسعد إنسانة على الأرض ؛ ولما لا ورب الأرباب وملك الملوك ؛ الخالق القدير ؛ يحيطني بحبه ورعايته وحسن ترتيبه ؛ في صباح اليوم التالي مباشرة أتصل بي المحرر الذي نشر الخبر وكان أسمه هيرمان تاكن Herman Takken وأتفقنا على أن يحضر إلى منزلي ليجري معي حوار وينشره ويطمئن القراء أنني بخير وموجودة في هولندا ؛ وبالفعل جاء في نفس اليوم وأجرى الحوار ؛ كانت لحظات رائعة وأنا أروي لهم ؟ كيف أخرجني الرب من مصر وأنقذني من أمن الدولة والبوليس المصري والجماعات الإسلامية وأيضا من أسرتي التي كانت تسابق الجميع للوصول إليّ ؛ مجدا للرب. دعاني لحضور مؤتمر في بلد قريب وأن أحكي للحاضرين عمل الرب وافقت وأتفقنا أن يمر علينا ويصطحبنا. وهكذا فتح الرب أمامي باب جديد لخدمة أسمه ولكي أخبر بما صنع بيّ الرب ورحمني. شعرت بحنين لأولادي محمد ونهال وكذلك منال أيضا أفتقدتهم ؛ قررت أن أتصل بهم تلفونيا ؛ إتصلت بهم وأخبرتهم أنني بخير ومنال وأننا نعيش في هولندا وكل أمورنا جيدة ؛ وعرفت منهم أنهم أيضا في أحسن حال ؛ محمد حصل على عمل كمدير مبيعات في توكيل سيارات فولفو ؛ ويتقاضى راتب شهري كبير ونهال بقى أمامها عام وتحصل على بكالوريوس كلية التربية الموسيقية ؛ ولكنهم يشعرون بالحزن الشديد لفراقنا ؛ وعدتهم أن أتصل بهم إسبوعيا وفي إحدى المكالمات وجدت محمد يقول لمنال : بابا يريد التحدث إليك ما رأيك؟ ... سألتني منال قلت لها كلميه ؛ هو أبوكي ومن حقه أن يطمئن عليكي ؛ وبعد المكالمة لاحظت تغيير في أسلوب منال ؛ سألتها عن السبب قالت ليّ : كلمات بابا أثرت فيّ جدا ؛ قلت لها ماذا قال لك قالت كان يبكي وهو يقول : يا منال أنت أبنتي وهذه العلاقة لن تنتهي أبدا ؛ أنا وأمك منفصلين منذ وقت طويل ولا يهمني تصرفاتها من قريب أو بعيد ؛ أما أنت أشعر بالعار من هروبك هكذا الناس يقولون أنك ربما تورطتي في خطأ ما وهربتي لتتحاشي الفضيحة ؛ أرجوكي يا أبنتي عودي إليّ وأنا سوف أقبلك على أية حال ؛ انت من لحمي ودمي لا يمكن أن أنساك أو أرفضك سواء أن كنتي مسلمة ... مسيحية ... أو حتى يهودية هذا لن يغير من حقيقة أنك أبنتي ... أرجوكي يا منال عودي وأرحمي أبوكي من العار الذي يلاحقه ؛ أنا رقيت إلى درجة وكيل وزارة وبأتصالاتي لن أسمح لأحد بالمساس بك أو تعريضك لأي خطر ؛ هالتني الصدمة أن منال تصدق والدها ومن نبرات صونها عرفت بل تأكدت أنها قررت العودة إلى مصر. حاولت قدر طاقتي أن أمنعها ولكني فشلت في إقناعها بأن كلام والدها تمثيليةأو مؤامرة لرجوعنا إلى مصر. قلت في نفسي سوف أتركها ربما تراجع نفسها وتعود إلى صوابها ؛ ولكن كانت تصر على العودة أكثر وأكثر ؛ حاولت أن أقنعها أن قضية اللجوء السياسي ستنظر قريبا وبكل تأكيد سنحصل على حق اللجوء السياسي وتتحسن أحوالنا ؛ ولكن من دون فائدة ؛ لاحظت أنها أصبحت شرسة وشعرت أنها تكرهني وتتهمني أنني جنيت عليها وعلى كل أفراد أسرتنا شعرت أيضا انه لا فائدة من منعها العودة ؛ وأخيرا أستسلمت ووافقت على عودتها وكان ذلك في شهر أكتوبر عام 1990. عادت منال إلى مصر بعد أن فقدت السبل في إقناعها بالبقاءوأضطررت أن أترك المنزل الذي عشنا فيه قرابة التسعة أشهر ؛ كنت قد أعتدت على القرية الجميلة الصغيرة ؛ والكنيسة وكل شئ حولي ولكن لدواعي الأمن كان لابد من تغيير محل إقامتي.
أستضافتني أسرة هولندية ؛ رب الأسرة راعي كنيسة ؛ رجل فاضل مملوء بنعمة المسيح ؛ وزوجته سيدة مباركة ؛ يسكنون في منزل مكون من ثلاثة طوابق ؛ أعطوني الطابق العلوي لأسكن فيه ؛ لن أنسى ما حييت الكرم وحسن الضيافة التي لاقيتها في منزلهم المبارك ؛ قضيت معهم ثلاثة أسابيع لم أشعر وسطهم بالغربة ؛ هونوا عليّ فراق منال والتي كانت سبب تعزية ليّ ؛ إلى أن أعدت ليّ الحكومة الهولندية منزل مؤقت في شمال هولندا بمدينة كبيرة بجوار العاصمة أمستردام ودعت الأسرة وشكرتهم على محبتهم الفائقة ؛ وذهبت إلى منزلي الجديد والذي يشاركني فيه سيدة من رومانيا ومعها طفلة في عامها الأول ؛ وأخرى من إيران مسيحية وهربت من الأضطهاد حيث أنه من النادر أن يوجد مسيحي في إيران ؛ هربت هى وشقيقتها بعد قتل جميع أفراد أسرتها. تعرفت على بعض الأسر المسيحية الذين يقطنون في نفس البلد ؛ أصطحبوني إلى الكنيسة القبطية المصرية ؛ شعرت أن ليّ أهل وأصدقاء وكانوا يزورونني بصفة مستمرة.
أتصلت بمنال لأطمئن عليها ؛ عرفت منها أن أمن الدولة كانوا في أنتظارها في مطار القاهرة الدولي وأنهم أتفقوا مع شقيقها أن يحضرها لهم صباح اليوم التالي وهددوها إذا تغيبت سيلقون القبض عليها. كنت قد أوصيتها قبل سفرها أن تقول أنها لا تعرف شئ و أنا التي قمت بعمل بطاقات جديدة بأسماء مسيحية بمساعدة أناس لا تعرفهم وأيضا جوازات السفر الجديدة وأنها لا تعرف أسم الكاهن الذي أحضر لنا تأشيرة دخول هولندا ؛ ولكني فوجئت أن منال تقول ليّ أن أمن الدولة يعرفون كل شئ وتم القبض على الرجل المبارك الذي أستخرج لنا البطاقات الجديدة وجوازات السفر وأنه تحت المحاكمة. داومت منال على الذهاب يوميا إلى أمن الدولة للتحقيق معها وكانت الأسئلة تدور حول من ساعدكم في الخروج من مصر؟ أين كانت والدتك طوال تلك الفترة حتى هروبكم ؛ من حماها وخبأها؟ من كان يساعدها في الأنتقال من مكان إلى آخر؟ من كان يمدكم بالمال من أشترى لكم تذاكر السفر؟ ومن ... ومن ... للوصول إلى الجميع وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم في سجون أمن الدولة. وأيضا وجهت لمنال تهمة أستخدام جواز سفر مزور يحمل أسم غير أسمها الحقيقي ؛ وبمعرفتي بالقانون أعلم أن العقوبة ثلاثة سنوات سجن ؛ أنتظرت حتى تمت المحاكمة وأشكر الله أن الحكم كان كالتالي : المتهمة الأولى ناهد محمود متولي حكم عليها بثلاث سنوات سجن وأيضا المتهم الثاني الذي قام بعمل البطاقات وجوازات السفر ثلاث سنوات سجن ؛ أما بالنسبة لمنال حكم عليها بستة أشهر مع إيقاف التنفيذ ؛ كم كنت سعيدة بهذا الحكم وأن منال لن تسجن ؛ أتصلت بهم مرة أخرى للتأكد أنها لن تسجن وبالفعل وجدتها بالمنزل ووجدت محمد يقول ليّ أنا وعدتك أن منال لن يصبها أذى وكذلك أبي أيضا وعدها وها هو الوعد قد تحقق ؛ إذا عدتي إلى مصر سوف نستأنف الحكم وسنحصل على حكم مثل منال مع إيقاف التنفيذ ؛ أنا أخذت وعد بذلك من أمن الدولة ؛ ليتك تفكري جيدا ؛ ولا داعي لغربتك بمفردك فهمت على الفور لماذا خفف الحكم على منال إلى هذه الدرجة ؛ وذلك لتشجيعي على العودة إلى مصر ؛ فهمت أيضا لماذا أتقن والد منال التمثيل عليها وجعلها تعود إلى مصر وذلك لأنه ظن بأن بعودة منال لن أتحمل الغربة بمفردي وسأعود أنا أيضا ؛ لم يفهموا أن الرب الإله الذي دعاني إلى نعمته هو يقودني ويعزيني ومعه لا أشعر بغربة أو وحدة ؛ أشكرك ياربي وإلهي. قررت أن يكون أتصالي بهم على فترات متباعدة لكي لا أعطي فرصة التلاعب بمشاعري أو الضغط عليّ ؛ قلت لهم أن ظروفي المادية لا تسمح ليّ أن أتصل بهم أكثر من مرة في الشهر لأني لم أحصل حتى الآن على حق اللجوء السياسي. كنت أذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد ؛ تعرفت على مجموعة كبيرة من الشباب ؛ كنت أعتبر نفسي أما لهم في الغربة ؛ وهم أيضا كانوا يعاملونني كأم لهم ؛شعرت أن الرب الإله يعوضني عن ترك أولادي حسب وعده ؛ نعم عوضني كثيرا وملئ قلبي بالفرح والسلام.
مرت أيام كثيرة وأنا أنتظر رد وزارة العدل الهولندية على طلبي حق اللجوء السياسي ؛ عرفت من المحامي الذي كان يقوم بمهمة الدفاع عني فقال ليّ " أنت معروفة لدى الجميع ؛ وسبق ونشرت الصحافة الهولندية قصتك ولكن رجوع أبنتك إلى مصر جعلهم يظنون أنك أنت أيضا ربما تفكري في العودة إلى بلدك ؛ أو ربما لا تتحملي البقاء بمفردك وتأخرهم في الرد عليكي لصالح جميع الأطراف " فقلت له " أرجوك بلغهم أنني لا يمكن بأي حال من الأحوال أعود إلى مصر لأنه معنى ذلك أن أعود للإسلام وهذا مستحيل الموت عندي أهون من أن أترك المسيح بعد أن عرفت النور" قال " أنا أثق في ذلك وتأكدي أني سأرفع لهم مذكرة في أقرب وقت وأبلغهم كلامك " في ذلك الوقت أتصل بي الدكتور شوقي كراس من أمريكا وأخبرني أن جمعية الأقباط سوف يطبعون الكتاب بعد أن تمت مراجعته ودعاني لزيارتهم ؛ ولكني لا أحمل جواز سفر ولا أستطع السفر قبل رد وزارة العدل على طلب اللجوء السياسي ؛ طلبت منه أن يؤجل موضوع الزيارة إلى حين حصولي على الرد وأستخراج جواز سفر جديد ؛ أو بمعنى أصح وثيقة سفر هولندية.
أتصلت بأولادي كالمعتاد ؛ ردت أبنتي الصغرى نهال ؛ سألتها أين منال؟ قالت منال الآن ببيت الزوجية السعيد ؛ تزوجت من شاب مسلم ؛ وهى الآن لا تريد أن يكون بينك وبينها أي علاقة أو أتصال حسب تعاليم زوجها ؛ كان حديث نهال كالصاعقة ؛ صدمت لدرجة أنني لم أصدق ما سمعت وظننت أني سمعت خطأ ؛ ولكن كررت نهال كلامها مرة أخرى ؛ تأكدت منها أن هذا رأي منال وزوجها ؛ قلت لها أبلغيها أنني سأحترم رغبتها ولن أفكر مجرد تفكير في الأتصال بها ؛ وأنتم عندكم رقم تلفوني ومن يريد أن يتصل بي سأقابله بكل الحب كما عودتكم ؛ وسأكون لكم جميعا أما بمعنى الكلمة ؛ في كل الأحوال ومهما بدى منكم من قسوة ؛ وأعدكم أنني لن أفرض نفسي على أحدا منكم أبدا ؛ ولا تظنوا للحظة أن ضغطكم هذا سيجعلني أعود ؛ أبدا لن يحدث وبنعمة المسيح سأكون معه مهما عانيت وتألمت.
مر عام 1990 بكل أحداثه ؛ ولازلت أنتظر رد وزارة العدل الهولندية ؛ أشرف عام 1991 على الأنتهاء ؛ وأخيرا وبعد طول أنتظار حصلت على حق اللجوء السياسي ؛ أتصلت بجميع الأحباء وأبلغتهم بالخبر السار ؛ أستخرجت وثيقة سفر ؛ الرب فتح أمامي باب السفر لخارج هولندا بعد مرور عامين تقريبا ؛ ذهبت إلى أمريكا ... كندا ... أنجلترا ... المانيا ؛ أشهد للرب في كل مكان وأخبر بما صنع بيّ الرب ورحمني ؛ وأمجد أسمه في كل مكان ؛ طبع كتابي الأول " لقائي مع المسيح " في فبراير 1992 ؛ ثم ترجم إلى الفرنسية بواسطة أب مبارك في مونتريال كندا وطبع أيضا هناك ؛ بدأت بنعمة المسيح مشوار خدمة الرب العالمية ؛ سجلت ليّ شرائط فديو ووزعت في كل مكان ؛ وجدت في الخدمة معنى لحياتي.
حاولت قدر أستطاعتي أن أنظر إلى الأمام وأترك كل أتعابي وآلامي عند قدميّ المسيح الحبيب ؛ وأشكر الرب الذي قواني وسندني بيمينه أن أواصل مسيرتي ...
في فبراير 1992 أستلمت شقتي الخاصة بيّ ؛ أشكر الرب ؛ إنها شقة جميلة ؛ تقع في حيّ راقي يسكن فيه الأغنياء ؛ ساعدني بعض الأحباء والذين معي في نفس المدينة على تأسيس شقتي بنعمة الرب تم كل العمل بسرعة عجيبة.
بدأت منال تتصل بيّ وتشكو معاناتها من قسوة زوجها وأنه بمناسبة وبدون مناسبة يعيرها بيّ وكأنني أرتكبت من الجرائم أبشعها ؛ وأيضا أبلغتني أنها حامل وأنها لا تريد أن تستمر زوجة لهذا الرجل وأنها تائبة ونادمة ؛ صدقتها على الفور ؛ وبنعمة المسيح دبرت لها تذكرة عودة إلى هولندا ؛ كما ساعدني بعض الأحباء في مصر لحصول منال على تأشيرة دخول هولندا ؛ ووصلت منال إلى هولندا في شهر يونيو 1992 وقبل أن تضع حفيدتي الأولى ماريا بثلاثة أسابيع ؛ كم كانت سعادتي بعودة منال وبمجئ ماريا.
حصلت منال على حق اللجوء السياسي وأستقلت عني في سكن خاص بها في نفس المدينة التي أعيش فيها وعلى بعد عشرة دقائق سيرا من سكني
تزوجت منال من شاب مسيحي ؛ وفي يوليو 1994 وضعت منال حفيدتي الثانية سارة ولم يستمر زواج منال طويلا ؛ أنفصلت عن زوجها ؛ والذي أضطرته منال أن يهرب من هولندا إلى إيطاليا وأبنته في أسبوعها الأول. حاولت أن أصلح بينهما لكن منال كعادتها عنيدة ... سليطة اللسان ... تركتها وشأنها تفعل ما تريد.
وفي أحد الأيام فوجئت بأبني الحبيب محمد يتصل بيّ ويقول " " أنا كما تعلمين مدير مبيعات توكيل سيارات فولفو والشركة الأم في السويد وبلجيكا وكلفتني الشركة بحضور تدريب في كلا من السويد وبلجيكا وأنني با أمي في هولندا فهل تقبلين أن أزورك ؛ أنت أمي وهذه حقيقة وأنا أفتقدتك كثيرا " جاوبته على الفور " أهلا بك ومرحبا في بيت ماما والذي هو بيتك وأسعد برؤيتك ؛ والله بعلم كم أنا مشتاقة إليك وإلى نهال " وكانت نهال قد تزوجت من شاب مسلم يعمل مهندس معماري وسافرت معه إلى السعودية للعمل هناك ومنذ زواجها أنقطعت كل الأتصالات بيني وبينها ؛ أسمع بعض الأخبار عنها من محمد ؛ وعرفت أن زوجها كان له شرط وحيد أن تنسى نهال تماما أن لها أم على قيد الحياة وأن تعتبرني قد مت منذ أن تركت الإسلام وأعتنقت المسيحية ؛ وبكل تأكيد رحبت منال بهذا الشرط ووافقت عليه بعد أن أقنعها بذلك والدها.
وجاء يوم وصول محمد إلى هولندا ؛ ذهبت منال ... ماريا ... سارة لإستقبال محمد ؛ ياله من يوم مشرق جميل ؛ أخيرا وبعد مرور خمسة أعوام ألتقي بأبني الحبيب ؛ كان مجئ محمد بمثابة فرح أو عيد ؛ أصطحبت محمد إلى شقتي ؛ تبادلنا الحديث ؛ عندي الكثير لأقوله وهو أيضا.
رغم فرحي الشديد والذي لا يوصف أشعر بشئ مريب في نظرات محمد ليّ ! إنها ليست تلك النظرات التي أعتدت عليها ؛ هناك شئ مخيف مرعب يخفيه محمد داخله حاولت أن أنسى وأكون طبيعية ولكن نظراته المرعبة كانت تلاحقني كلما نظرت إليه ؛ وفي مساء احد الأيام فوجئت به يقول ليّ " لماذا كل ما حدث؟ لماذا تركتي دين ابائك وأجدادك؟ قلت له بهدوء " هذا موضوع أنتهى الجدل فيه ؛ ليتك تتزوج وتنعم بحياتك ؛ انت الآن في مركز مرموق وتتقاضى راتب شهري كبير يكفل لك حياة جيدة وعندك أيضا شقة كبيرة تتسع لك ولوالدك وزوجتك وأيضا أطفالك القادمين ؛ قاطعني بحدة قائلا " لن أتزوج ولن أسعد بحياتي إلا بعد أن أعيدك إلى الإسلام وأمحو عاري " قلت له " وهل أنا عار يا محمد؟" قال ليّ نعم أنت عار وأنا أشعر بالخجل أنك أمي " شعرت وكأنه طعنني بخنجر في صدري ؛ ما هذه القسوة؟ وكيف يا أبني تحمل في داخلك هذا الكره والحقد على أمك التي تحبك؟ ولكنه ليس ذنبك هذا هو الميراث الإسلامي الذي تتوارثه الأجيال دون أدنى تفكير ؛ أنا في نظر الإسلام كافرة ومرتدة ومستحقة الموت ؛ حاولت أن أشرح له ؛ إليس من حقي أن أعبد الإله الذي أشعر بسلامي معه؟ وما هذا الإله الدكتاتور الذي يأمر بقتلي إذا تركته؟ ولماذا يقتلني بشر ؛ هل إله الإسلام غير قادر على قتلي فيأمر البشر بقتلي نيابة عنه؟ ولكن وللأسف شعرت أن أبني الحبيب قد أغلق كل المنافذ إليه وأبقى شئ واحد نصب عينيه وهو كيف يعيد أمه إلى الإسلام ويمحو عاره ؛ وكأن أبني قتل كل مشاعر الحب بيني وبينه ؛ وكأنه إنسان غريب عني لم أعرفه من قبل. مرت أيام زيارة محمد ثقيلة كئيبة ؛ حتى جاء يوم سفره ودعته على موعد بلقاء قريب.
بعد ستة أشهر أبلغني محمد أنه قادم مرة أخرى إلى السويد لحضور تدريب آخر وبعد أنتهاء التدريب سيأتي لزيارتي ؛ فرحت برؤية أبني كأم حرمت من أبنها الحبيب ولكن هناك في داخلي مشاعر قلق وخوف تكاد تقتلني ؛ حاولت التغلب على تلك المشاعر وذهبت لأستقبال محمد ؛ قابلته بكل الحب ؛ قابلني بتلك النظرات المريبة وياللعجب لم أشعر للحظة أنه فعلا أبني ولكن على العكس تماما شعرت أنه قادم لتنفيذ مهمة ما ؛ لم أفصح له عما أشعر به وحاولت أن أبدو طبيعية وكأم فرحة بلقاء أبنها والله يعلم إني كذلك بالحقيقة ؛ راقبت تصرفاته ؛ فوجئت به يقول ليّ " أنا الآن أعرف هذه المدينة جيدا ولا داعي أن تتواجدي معي ؛ دعيني أخرج بمفردي ولا تقلقي إذا تأخرت وإذا أردتي أن تنامي نامي وأعطيني نسخة من مفاتيح شقتك " قلت له لا لن أنام قبل حضورك ؛ هذه عادتي منذ زمن طويل ؛ سوف أنتظرك "
جلست أنتظر رجوعه بفارغ الصبر ؛ أشعر أنني في دوامة ؛ لا أعرف ما يدور بذهن أقرب الناس إليّ ؛ فلذة كبدي ... أبني الحبيب ... ماذا تدبر ليّ. أهكذا نزع الإسلام منك أجمل المشاعر. مشاعر الأبن نحو أمه. لقد كنت لك أم مثالية ؛ تحملت وحدي مسؤليتك أنت ومنال ونهال والله شاهد أنني لم أقصر في حق أحدكم ؛ بل بذلت أقصى ما في أستطاعتي لأوفر لك حياة هادئة ؛ لبيت لك كل طلباتك ؛ حتى أكملت دراستك الجامعية كمهندس ؛ شجعتك طوال سنين دراستك ؛ رغم مشاكل عملي لم أقصر في أي واجب من واجباتي نحوك ؛ أهكذا تكافئني ! أي دين هذا الذي يقتل المشاعر الإنسانية بين الأبن وأمه؟
بعد ساعات طوال دق جرس الباب ؛ جاء محمد نظرات الشر في عينيه تكاد أن تقتلني لاحظت أن معه شئ يحاول أن يخفيه عني ؛ لم أهتم دخلت حجرتي وتظاهرت أنني نائمة وفي صباح اليوم التالي قرعت باب غرفة محمد ودخلت دون أن يأذن ليّ وإذا به يحاول إخفاء بعض الأوراق ؛ سألته : " ما هذه الأوراق التي تحاول أن تخفيها " رد مسرعا : " إنها أوراق خاصة بالعمل ولا أريدها " وبدأ يمزق الأوراق بعصبية شديدة ؛ تركته وأنصرفت.
مرت الأيام بطيئة ... كئيبة مرعبة ... حتى سافر محمد وودعته شاكرة الرب على سفره ؛ دخلت الحجرة التي كان بها أبني محمد لأنظفها ؛ وإذا بيّ أجد مجموعة من القصاصات ؛ جمعت تلك القصاصات وقمت بترتيبها ولصقتها بجوار بعضها البعض حتى أكتملت وكانت المفاجأة ؛ إنها خريطة لموقع بيتي و الطريق الموصل إلى الطريق السريع ؛ قلت في نفسي ربما قام محمد برسم الطريق المحيط لبيتي لكي لا يفقد الطريق ؛ ولكن لماذا الطريق الموصل إلى الطريق السريع؟ شعرت بالقلق ؛ رحت أتمم على كل حاجياتي التي كانت بالغرفة ؛ أكتشفت إختفاء خطاب من مكتبة الكونجرس الأمريكي به رقم تسجيل كتابي " لقائي مع المسيح " في مكتبة الكونجرس ؛ وأيضا إختفاء مجموعة صور حديثة ليّ كان قد قام بالتقتطها محرر في أحد الجرائد الهولندية لعمل تحقيق صحفي معي والصور لوجهي بالحجم الكبير ؛ وأيضا أختفت نسخة من مفاتيح شقتي ؛ فهمت على الفور أن أبني محمد يخطط مع آخرين لا أعرفهم لخطفي وإعادتي إلى مصر ؛ هالتني الصدمة ... كدت أن أفقد صوابي ... تذكرت كلماته " لن أتزوج ولن أسعد بحياتي إلا بعد أن أعيدك إلى الإسلام وأمحو عاري " تذكرت نظراته القاتلة ... نعم هذا هو الإسلام ؛ لقد أستطاعوا أن يقنعوه بأن أمه التي تركت الإسلام وأعتنقت المسيحة عار ... عار عليه أن يتركها وشأنها ... لابد من إعادتها إلى الإسلام سواء برضاها أم برغم عن أنفها ؛ حية أو ميتة لا يهم ؛ المهم أن يمحو العار. ولكن قبل أن أحكم لابد من التأكد ؛ رغم كل ما سبق ولكنني تمنيت أن أكون مخطئة ؛ أتصلت بمحمد وسألته : " إلى هذا القدر تحب ماما لدرجة أنك تأخذ مجموعة صوري التي كانت في درج الكومود الذي بجوار سريرك؟" قاطعني قائلا " أنا لم آخذ شئ ؛ ربما ماريا وسارة مزقوا الصور " قلت له : ونسخة المفاتيح شقتي أيضا ماريا وسارة مزقوها؟" قال ليّ " أنت التي أعطيتيني إياها لكي أدخل الشقة في أي وقت" وهنا أنهيت معه المكالمة وتأكت من ردوده ومن أنفعاله وكذبه أنه خائن يرتب لخطفي وإعادتي إلى الإسلام ؛ لن أجد الكلمات التي تعبر عن ألمي وعذابي وصدمتي ؛ نعم الإسلام قتل مشاعر البنوة في داخل إبني وحوله إلى مجرم يخطط ويدبر لقتلي ؟؟؟ إن الموت أهون عندي من أن أجبر على ترك المسيح الحبيب ؛ نعم أثق في وعد المسيح بحفظي وحمايتي ؛ نعم وعد المسيح ليّ أصبح يقينا أعيشه.
أشكر ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أعانني وقواني لكي يعبر هذا الموقف المؤلم بسلام ؛ مرت أيام وبدأت أتمالك نفسي وإذ بمحمد يتصل بيّ ويقول أنه قادم في دورة تدريبية إلى السويد وسوف يأتي ليقضي معي يومين فقط لضيق الوقت ؛ قلت له بكل قوة : " وهل تظن يا محمد ... يا أبني أن يومين فيهم الوقت الكافي لتنفيذ المهمة " سكت تماما ولم ينطق بكلمة ... قلت له : " سامحني يا أبني لن أستطع أبدا أن أستقبلك في شقتي مرة أخرى بعد أن فقدت ثقتي فيك ... إدعو الله بدموعي أن ينير قلبك وعينيك وتعرف الإله الحقيقي الذي يدعو إلى المحبة ... الذي ليس عنده قتل ولا غش ولا كذب ولا خطف ... عنده الحب فقط أرجوك لا تفكر مرة أخرى في زيارتي أو حتى في الإتصال بيّ سلام " وكانت هذه آخر كلماتي إلى أبني الحبيب وأيضا أخر مرة سمعت فيها صوته ؛ أنتهت مكالمتي معه بدموعي ولكن أثق جيدا في من دعاني إلى نعمته أنه في يوم ما سيأتي بأولادي جميعا وأحبائي.
شكرا للرب الذي أعانني على أن أعبر فوق أحزاني وأواصل مسيرتي في خدمة أسمه القدوس. فتح الرب أمامي أبواب كثيرة للخدمة ؛ عاودت نشاطي وبدأت مرة أخرى أسافر إلى بلدان كثيرة.
لقاء الأحباء
في إحدى زياراتي للولايات المتحدة الأمريكية أخبرني أحد الأحباء إني سوف ألتقي بإبن مبارك في المسيح ؛ وهو واحد من الذين قبض عليهم من قبل أمن الدولة المصرية وبعد خروجي من مصر أنقطعت أخباره ؛ فرحت جدا بهذا اللقاء ؛ وفي مطار لوس أنجيلوس كانت المفاجأة وجدت المهندس نبيل أديب بسادة في أنتظاري بالمطار ؛ أستضافني نبيل في منزله ؛ سألته عن المجموعة التي كانت معه في السجن طمأنني أن جميعهم أطلق سراحهم بعد أن تأكد الجميع أني خارج مصر ؛ قص عليّ نبيل كيف عذبوه في أمن الدولة وأهينت كرامته ؛ وكيف كانوا ينتزعون منه الأعترافات بكل قسوة ووحشية ؛ وكان السؤال الموجه لكل المجموعة أين ناهد؟ وعندما يجيبون ينهالوا عليهم ضربا حتى يفقدوا الوعي وهكذا كل يوم ؛ وقال ليّ الذي أنقذهم من هذا العذاب الخطاب الذي أرسلته إلى أمن الدولة بعد وصولي إلى هولندا أخبرتهم فيه أني خارج مصر وكان عدد الذين قبض عليهم بسبب مساعدتهم ليّ سبعة رجال وأربعة نساء ؛ الرجال هم:
1-القمص زكريا بطرس وكانت تهمته التبشير بالمسيحية ؛ وتعميده للكثير من المسلمين وعلى رأس قائمة من عمدهم ناهد محمود متولي.
2-موريس رمزي : كان يعمل مدرس علوم في نفس المدرسة ؛ مدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات وكانت تهمته أنه بشرني بالمسيحية وساعدني وشجعني أن أغير ديني ؛ عذبوا موريس في سجن أمن الدولة المصرية ؛ لاقى أشد الآلام من الضرب والإهانة ؛ أطلق سراحه بعد حوالي تسعة أشهر ؛ جاء إلى هولندا هو وأسرته وحصل على حق اللجوء السياسي ؛ بعد قضى في سجون مصر فترة ما بين سبتمبر 1989 إلى أبريل 1990 وجاء إلى هولندا في شهر يوليو 1990.
3-جرجس نبيه منكاريوس ؛ وكانت تهمته إستضافتي في منزله وساعدني على الهروب وضلل العدالة بإنكاره مساعدتي ؛ عذبوه في سجن أمن الدولة وضربوه ضربا مبرحا لكي يعترف عن مكاني وهو لا يعرف أين أنا ! أطلقوا سراحه بعد حوالي ستة أشهر وهو يعيش الآن في مصر.
4-أشرف وهبه محارب ؛ كان يعمل في المكتبة الصوتية في إحدى كنائس مصر ؛ وتهمته أنه زعزع أمن الدولة لأنه كان يطبع الشريط الخاص بيّ الذي كنت قد سجلته في أحد الأديرة ومسجل عليه إختباري ؛ ولقائي برب المجد ؛ كان يسجله ويوزعه ؛ وبذلك يكون قد أرتكب جريمة زعزعت أمن الدولة ؛ تنكر أحد ضباط أمن الدولة وذهب إلى تلك الكنيسة على أساس أنه مسيحي ؛ وسأله عن شريطي وأنه يريد نسخة من هذا الشريط ؛ رحب أشرف وعلى الفور أحضر جهاز التسجيل وبدأ يسجل له شريط ؛ وفي تلك اللحظة قبض عليه وتم مصادرة الجهاز والشريط ؛ عذبوه في أمن الدولة ؛ ثم أطلق سراحه بعد حوالي خمسة أشهر وهو يعيش الآن في مصر.
5-رشدي نصيف ؛ كان وكيل وزارة سابق ؛ وكان يعمل مهندس معماري ؛ قام بفتح مكتب هندسي ؛ تهمته أنه أستضافني في منزله عدة مرات في لقاءات مع مجموعة كبيرة من أصدقائه وأقاربه ؛ وأيضا عملت أبنتي منال في مكتبه عدة شهور ؛ وبذلك يكون قد إرتكب جريمة لا تغتفر وهى مساعدتنا وتشجيعنا على إعتناق الدين المسيحي ؛ تم القبض عليه وهو رجل متقدم في السن حيث أنه بلغ سن المعاش ؛ وكان في مركز وكيل وزارة ؛ وضع في السجن كمجرم هارب من العدالة ؛ عذب وأهين وضرب ؛ ثم أطلق سراحه لظروف صحية حيث أنه لم يتحمل كل هذا العذاب بعد أن قضى في السجن حوالي أربعة أو خمسة أشهر ؛ توفي بعد خروجه من السجن بفترة قصيرة ؛ أضطرت زوجته وأولاده أن يتركوا مصر وهم الآن يعيشون في أستراليا بعد أن أهينوا في بلدهم.
6-يوحنا بيشوي عبد المسيح ؛ وهو من خلفية إسلامية ؛ عرف الحق والنور هو وزوجته وأبنهما الوحيد ؛ قبض عليه بتهمة أنه دعاني وبشرني وشجعني أن أعتنق المسيحية ؛ عذبوه في سجن أمن الدولة ؛ كتب كتابه " هكذا عرفت النور " إنه قبض عليه بسببي ؛ كانوا يضربونه ضربا مبرحا ويسألونه أين ناهد؟ وعندما يجيبهم لا أعرف ينهالوا عليه ضربا بالعصي حتى يفقد الوعي ثم يلقونه في زنزانة ؛ أستمر هذا الحال لمدة أسبوع حتى تأكدوا أنه بالفعل لا يعرف طريقي ؛ أطلقوا سراحه بعد حوالي تسعة أشهر ؛ خرج من السجن ومن أثر الضرب بالعصي على رأسه أصيب بفقدان بصره ؛ هرب هو وزوجته وأبنه إلى أستراليا.
7-نبيل أديب بسادة ؛ مهندس كان يملك مصنع للصناعات المعدنية الثقيلة ؛ من عائلة عريقة ؛ متزوج وله أبنة ؛ كانت تهمتة أنه ساعدني في التنقل من مكان إلى آخر وأيضا أنه أخفاني لفترة زمنية في شقته بالإسكندرية ؛ أرسل ليّ من يخبرني بذلك لكي أهرب ؛ وبالفعل هربت قبل وصول الشرطة بلحظات قليلة ؛ ساعدني في شراء شقة صغيرة بمدينة نصر بالقاهرة. رافقني فترة طويلة ؛ لن أنسى ما حييت محبته النابعة من محبة المسيح ؛ عذب وضرب بكل قسوة لكي يعترف عن مكاني ولكنه تحمل الضرب والإهانة رغم أنه كان يعلم أين أنا ؛ وبعد أن أكتشفوا أنه كان يخفيني في شقته بالإسكندرية وأنه كان يعرف مكاني ولم يعترف ؛ عذبوه أكثر وأكثر وتفننوا في إهانته ؛ كانوا يصعقونه بالكهرباء ويجردونه من ملابسه إمعانا في إذلاله ؛ يطفئون السجاير في جسده ؛ أطلقوا سراحه بعد أن أرسلت لهم خطاب من هولندا أخبرهم بأنني خارج مصر ولا أحد يعرف أين أقيم ؛ خرج من السجن بعد أن قضى حوالي سبعة أشهر ؛ لم يتحمل البقاء في مصر بعد أن خسر أهم شئ في حياته وهو الأمان في بلده ؛ خسر المصنع الذي كان يعد رقم 11 على مستوى العالم ؛ خسر كل أملاكه سافر إلى أمريكا هو وزوجته وأبنته ؛ ليبدأ كفاح من جديد ؛ ألتقيت به بعد رحلة عذاب طويلة لاقى فيها أشد أنواع العذاب وأمتهان الكرامة ؛ لاقاني بكل الحب ؛ قص عليّ كل ما حدث منذ أن أوصلني شقته في الإسكندرية إلى يومنا هذا ؛ ليباركه الرب هو وأسرته ويعوضه عن كل ما لاقى من أجل المسيح.
لا أستطع أن أصف مشاعر الفرح والسعادة التي غمرتني عندما أخبرني أحد الأحباء في المسيح أن أبي المبارك زكريا بطرس قد تم نقله من أستراليا التي كان يخدم في أحد الكنائس هناك إلى أنجلنرا وهو يخدم في كنيسة بمدينة بريتون والتي تبعد عن العاصمة لندن بحوالي ساعتين ؛ على الفور قررت أن أذهب إلى هناك ؛ بالفعل سافرت إلى أنجلترا وأسطحبني هذا الأبن المبارك إلى مدينة بريتون مكان إقامة أبونا زكريا بطرس ؛ لاقاني كعادته منذ ألتقيت به أول مرة بكل الحب وأيضا زوجته المباركة ؛ أستضافني أبونا في منزله العامر بنعمة المسيح ؛ سألت أبونا أن يخبرني ماذا حدث له ؟ قال " بعد أنتشار شريط الكاست الذي سجلته في أحد الأديرة ؛ ووصل الشريط إلى أمن الدولة والذي أعتبروه عمل يزعزع أمن البلاد قرر قداسة البابا شنودة أن يرسلني للخدمة في الخارج وذلك لأنك ذكرتي في الشريط إني أنا الذي عمدك ؛ وحرصا على سلامتي طلب مني أن أسافر بأقصى سرعة ؛ أختار ليّ قداسته أستراليا لأخدم هناك ؛ قمنا بعمل الترتيبات اللازمة للسفر بأقصى سرعة ممكنة ؛ وجاء يوم السفر وتوجهنا إلى مطار القاهرة الدولي أنا وزوجتي وإبني بطرس ؛ صعدنا إلى الطائرة وإذ بأحد الأفراد يسأل عني ويطلب مني النزول من الطائرة بمفردي ليسألني بعض الأسئلة ؛ رفضت أنا وزوجتي النزول من الطائرة بمفردنا وكذلك أبني بطرس ؛ نزلنا جميعا إلى حيث طلب مني وإذ بضباط أمن الدولة يلقون القبض عليّ ؛ حاولت زوجتي وإبني أن يأتوا معي أو حتى يعرفون إلى أين سيأخذونني لكنهم منعوهم بالقوة وبطريقة غير لائقة ؛ أخذوني إلى مبني أمن الدولة بالأظوغلي ؛ وضعوني في زنزانة حبس إنفرادي تحت مستوى الأرض ؛ مكثت هناك أربعة أيام لم يقدم ليّ فيها كسرة خبز ؛ قام قداسة البابا شنوده الثالث بعمل إتصال بوزير الداخلية لإطلاق سراحي ؛ وافق وزير الداخلية على إطلاق سراحي بشرط أن أخرج من باب الزنزانة إلى باب الطائرة وأغادر مصر الحبيبة دون عودة ؛ وأيضا ساعد في إطلاق سراحي أن أقباط أستراليا الذين كانوا ينتظرون وصولنا ؛ عندما علموا ما حدث توجهوا إلى السفارة المصرية هناك وطلبوا إيضاح لما حدث ليّ وما هى جريمتي حتى يلقوا القبض عليّ بهذه الطريقة ؛ وأشكر الله الذي نجاني وأنقذني وسمح ليّ بالخروج من مصر كي أخدم إسمه في الخارج ؛ لأننا حرمنا حرية الخدمة في بلدنا الحبيب مصر " بكيت من شدة الأسى والألم وكأني طعنت بسكين في صدري ... ما هذا الذي أسمعه ... تمنيت أن يكون كابوس أفيق منه بعد لحظات ... ولكن هى حقيقة مريرة ؛ أين الحرية التي يتغنون بها؟ أين حرية الرأي والعقيدة؟ إلى هذا الحد وصل الظلم والعبودية؟ إن مهمة أبونا زكريا بطرس ككاهن يخدم المسيح ؛ أن يبشر بإسمه وأن يعمد من يطلب منه ؛ فلماذا عاملوه كمجرم إرتكب من الجرائم أبشعها ؟ أشعروني أني أجرمت في حق الجميع بمجرد أن ذكرت مساعدتهم ليّ إلى هذا الحد يستعبدنا الإسلام ويحرمنا من أبسط حقوقنا أن نعبر عن رأينا؟ وما هو ذنب أبونا زكريا بطرس والباقين أن يسجنوا ويهانوا ويعذبوا بكل هذه القسوة والوحشية ويضطرونا أن نترك بلدنا الحبيبة مصر ونعيش في بلدان أخرى تكفل لنا الحرية والأمان الذي حرمنا منه في بلدنا ؛ هذه هى الحقيقة في كل البلدان الإسلامية أن من كان مسلم بالميلاد ويترك الإسلام ويتحول إلى المسيحية مجرم ومرتد ومستحق الموت هو وكل من يساعده.
كانت ليّ زميلة بالمدرسة تدعى بثينة جاويش وكانت تعمل مدرسة مواد إجتماعية عرفت الحق وأفتقدها رب المجد وأظهر لها ذاته ؛ عمدها أبونا المبارك أبونا زكريا بطرس بعد أن عمدني بحوالي شهر ؛ كنت قد ذكرتها في الشريط الذي سجلت عليه لقائي برب المجد وبعد أن أنتشر الشريط أصدر أمن الدولة قرارا بالقبض عليها وبالفعل تم القبض عليها وقدمت للمحاكمة ؛ حوكمت لأنها مارست حقها في العبادة ؛ سجنت وسط القتلة واللصوص ؛ أعتبرت مجرمة ؛ ربما جريمة القتل أو السرقة .. الرشوة .. التزوير .. تغتفر ولكن جريمة الأيمان بالسيد المسيح لمن هو مسلم بالميلاد لا تغتفر ؛ قضت في السجن حوالي ثلاثة أشهر ؛ ثم أطلق سراحها بعد أن فقدت عملها كمدرسة ثانوي وفقدت أمانها في بلدها وأيضا كرامتها ؛ ما هى جريمتها؟ خرجت من مصر وجاءت إلى هولندا هى وطفليها وحصلت على حق اللجوء السياسي. هولندا كفلت لها أن تعيش في سلام ؛ بعد أن حرمت منه في بلدها مصر ؛ وأيضا من حقها أن تعبر عن رأيها بكل حرية وأن تغير عقيدتها دون تدخل من أحد. التقيت بها وعرفت منها كم قاست من مشاعر الظلم أثناء وجودها في السجن ؛ وكيف حرمت من طفليها طوال تلك الفترة إلى أن تم الإفراج عنها ؛ أخبرتني أيضا كيف تم القبض عليها بواسطته أمن الدولة وكيف أنها في بداية التحقيق معها أمضت ثلاثة أيام متواصلة ليلا ونهارا جالسة على كرسي غير مريح ؛ ولم يسمحوا لها أن تنام أو تستريح ؛ وكيف عاملوها بكل قسوة ووحشية. كل هذا لمجرد أنها آمنت بالسيد المسيح وتركت الإسلام.
لم تكن بثينة هى السيدة الوحيدة التي ألقى القبض عليها ولكن هناك ثلاث سيدات أخريات
1- سلوى رمزي سكرتيرة المدرسة التي أستخدمها الرب معي لأعرف الحقيقة ؛ والتي كانت مثال لأمانة والإخلاص ؛ أخلاقها الجيدة .. محبتها .. بذلت أقصى ما عندها .. جعلتني أرى المسيح فيها. قبض عليها بقرار من أمن الدولة ؛ ووجهت لها تهمة التبشير بالمسيحية وتشجيعي على أعتناق الدين المسيحي ؛ ؛ قام بإستجوابها مجموعة من ضباط أمن الدولة ؛ دارت معظم الأسئلة حول ماذا قلتي لناهد حتى تقنعيها بالمسيحية؟ من ساعدك ومدك بالمعلومات لتوصيلها إلى ناهد؟ هل هذا عمل فردي أم أنتم شبكة لتنصير المسلمين؟ من يدعمكم ويمولكم؟ هل أغريتيها بالمال؟ أسئلة وأسئلةوالله شاهد أن جميعها كذب وأفتراء ؛ ولكن الرب الإله أعطاها حكمة في الرد حسب وعده ؛ عندما سألوها ماذا قلتي لناهد؟ قالت الجميع يعرف ناهد جيدا ويعرف أنها لا تسمح لأحد التحدث معها خارج مجال العمل ؛ ولكن هى التي كانت تسألني ولم يكن من الممكن أن لا أجيبها ؛ والله شاهد أنني كنت أجيبها على قدر السؤال"وعندما سألوها من يدعمكم ويمولكم ؟ قالت " أنا إنسانة بسيطة متوسطة التعليم ؛ أعيش مع زوجي وأبناي ؛ لا شأن ليّ بأحد ؛ وتستطيعوا أن تسألوا عني في الحي الذي أسكن فيه وأيضا في المدارس التي كنت أعمل بها قبل مدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات" وعندما سألوها هل أغريتيها بالمال ؟ قالت" وهل ناهد في حاجة إلى المال حتى تترك دينها وتعرض حياتها وحياتنا جميعا للخطر من أجل المال ؟ وكما سبق وذكرت أنا إنسانة بسيطة لا أملك غير مرتبي ومرتب زوجي وكل هدفي أن أربي أبناي في سلام حتى أوصلهم بر الأمان" أستمر التحقيق مع سلوى رمزي لمدة خمس ساعات متواصلة ؛ ولم يتمكن أحد المحققين إدانتها ؛ ثم صدر قرار بالإفراج عنها مقابل كفالة مقدارها خمسمائة جنيه ؛ دفعت لها الكفالة أو المبلغ المطلوب وأطلق سراحها من مبنى أمن الدولة وهى لا تصدق نفسها ؛ وعادت سلوى رمزي إلى بيتها وأولادها في نفس اليوم الذي تم إلقاء القبض عليها فيه ؛ ولكن بعد أن قضت خمس ساعات تحت ضغوط من هم أقسى من زبانية جهنم ؛ نقلت سلوى رمزي من المدرسة إلى إدارة شرق القاهرة التعليمية خوفا أن تكون سبب في أعتناق أحد غيري المسيحية ؛ زارها بعض الأحباء بناء على طلبي وأبلغوها سلامي وحبي وعرفاني بأنها كانت مثال للشخص المسيحي الحقيقي وأنها كانت سبب بركة كبيرة لي.
2 ؛ 3 - لوريس عزيز واوجيني يعقوب ؛ قبض عليهما في نفس الوقت ؛ أتى إليهما زوار الفجر يحملون البنادق والمدافع الرشاشة ؛ حيث أنهما تقيمان في نفس الحي ؛ قالت ليّ لوريس عزيز والتي تعيش الآن خارج مصر ؛ ألتقيت بها هى وزوجها وأولادها الثلاثة ؛ قالت ليّ : " بعد أنتشار الشريط الذي ذكرت فيه أسماء الجميع ؛ كنت أتوقع إستدعائي إلى أمن الدولة لأخذ أقوالي ولم أتوقع أن يقبض علينا بهذه الطريقة الوحشية ؛ دق الباب في حوالي الساعة الثالثة صباحا بعد منتصف الليل ؛ كنا نيام في تلك الساعة ؛ أيقظونا من شدة الطرقات على الباب ظننا أنهم سوف يكسرونه ؛ هرعنا لفتح الباب وإذ بعدد كبير من العسكر يوجهوا إلينا بنادقهم وكأنهم يهجمون على وكر لمجرمين مسلحين ؛ رفعنا أيدينا إلى أعلى حسب أوامرهم ؛ صاح أولادي من المنظر المرعب ؛ رفع الظابط صوته قائلا " إخرسوا ... إكتموا أصواتكم ولا تضطرونا إلى إسكاتكم بالقوة " ثم سأل أين المدعوة لوريس عزيز والتي تعمل مدرسة للغة الإنجليزية في مدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات ؟ " أجبته وأنا أكاد أسقط مغشيا عليّ من هول الصدمة " أنا " قال ليّ " تعالي معنا " قلت له " أرجوك أبدل ملابس النوم في لحظة " وافق على مضض ؛ حاول زوجي أن يصطحبني رفضوا بشدة ؛ حاول أن يعرف منهم ‘لى أين أنا ذاهبة لم يجبه أحد ؛ حاول زوجي أن يعطيني حقيبة يدي وبعض المال ؛ رفضوا ولم يسمحوا ليّ إلا بإثبات شخصيتي لا غير ؛ سحبني أحد العسكر إلى الخارج ؛ تعالى صوت صراخ أولادي ودن أن يحرك ساكنا لأحدهم ؛ حاول زوجي أن يتبعني ؛ دفعه أحد العسكر بوحشية ؛ دفعوني داخل سيارة الشرطة ؛ أمام الجيران الذين أستيقظوا من الأصوات العالية وكأنني مجرمة خطيرة محاطة بعدد كبير من العسكر خوفا من هروبي ؛ إنطلقت بنا السيارة إلى منزل أوجيني يعقوب وبنفس الطريقة أنزلوها وأجلسوها بجواري في السيارة وأنطلقوا بنا إلى أمن الدولة للتحقيق معنا ؛ إستغرق التحقيق ساعات طويلة ؛ لم يسمحوا لنا بتناول أي طعام أو شراب كنا نساق من مكان إلى مكان والأساور الحديدية في أيدينا ؛ أهانونا بشدة ؛ وجهت إلينا إتهامات عدة أهمها التبشير بالمسيحية والتشجيع على إعتناق الدين المسيحي ؛ ومساعدتك على التحول إلى المسيحية ؛ وإستضافتك أنت وبثينة جاويش في منزلنا ؛ قضينا يومنا الأول في إستجوابات ؛ طرحت علينا العديد من الأسئلة : هل أنتما تتبعان لشبكة للتنصير في مصر؟ من يساعدكم ويمولكم ويمدكم بالمال؟ ماذا قلتما لناهد حتى تتحول إلى الديانة المسيحية؟ لماذا إستقبلتم ناهد وبثينة في منزليكما؟ لماذا ولماذا حتى المساء ثم أمر وكيل النيابة بحبسنا أربعة أيام على زمة التحقيق. أخذونا إلى زنزانة صغيرة ووضعونا فيها. سمحوا لزوجي الذي أجرى بعض الإتصالات حتى أن توصل إلى مكاننا وأيضا لزوج أوجيني أن يدخلوا لنا بعض الأطعمة والأشربة والأغطية حيث أن الزنزانة لا يوجد فيها. في صباح اليوم التالي أخذونا مرة أخرى للتحقيق ؛ كرروا علينا نفس الأسئلة ؛ كررنا نفس الإجابات ؛ كان زوجي قد طلب من محامي أن يحضر التحقيق معي وأيضا أوجيني ؛ طلب المحامي الإفراج عنا حيث أنه لم توجه لنا تهمة أو جريمة ؛ لكنهم رفضوا بشدة قبل إستكمال التحقيق ؛ قضينا يومنا الثاني في السجن وفي المساء وقفت أنا وأوجيني نصلي ونطلب من الرب أن ينقذنا من هذا العذاب ؛ نشكر إلهنا أرسل لنا على الفور علامة أنه سمع صلاتنا وإستجاب لنا ؛ قضينا الليل نشكر الرب ونسبح لإسمه القدوس وفي الصباح كانت المفاجأة ؛ إستدعونا إلى مكتب وكيل النيابة الذي أمر بالإفراج عنا مقابل كفالة مادية قدرها خمسمائة جنيه لكل واحدة منا وسمحوا لنا بالإتصال بزوجي وزوج أوجيني وإخبارهم بقرار النيابة ؛ وبالفعل تم دفع الكفالة وأطلق سراحنا بعد أن قضينا ثلاثة أيام في السجن ونحن أبرياء لم نفعل أي شئ يعاقب عليه القانون. وفي أثناء توقيعنا على قرار الإفراج قال ليّ أحد ضباط أمن الدولة " بلغي ناهد أننا سوف نصل إلى مكانها وقريبا جدا إن شاء الله سنقبض عليها وسنقوم بتقطيعها إلى شرائح حتى تكون عبرة لغيرها ولمن تسول له نفسه أنه بإمكانه الهروب من أمن الدولة " قال لنا تلك الكلمات وعلامات الشر والحقد والوحشية تعلو وحهه. قلت في نفسي لن يحدث هذا أبدا والرب الذي وعدك بحمايته لن يسمح لهم أبدا بالمساس بك ؛ ونشكر الله الذي أنقذك وأخرجك بيمينة القوية خارج مصر رغم كل إحتياطات الأمن لمنعك من الهروب وصورك التي كانت في جميع المطارات والمواني ؛ لكن إلهنا القدير ساعدك وأخرجك ؛ نشكر الله.
لوريس عزيز واوجيني يعقوب حاصلتان على الشهادة الجامعية ؛ لوريس مدرسة لغة إنجليزية وأوجيني مدرسة فلسفة وبدرجة وكيل مدرسة ؛ كل منهما مثقفة وزوجة وأم كانتا تعيشان في سلام كل هدفهما تربية أولادهما ؛ زوجاهما يعملان في مراكز مرموقة ؛ ما هى الجريمة التي من أجلها هجم عليهم زوار الفجر وعدد كبير من العسكر الذين يحملون بنادقهم وكأنهما من أخطر المجرمين الفارين من العدالة ؛ وما ذنب الأولاد الذين كانوا نائمون في سلام ويستيقظون على هذه المناظر البشعة ؛ أي قانون هذا الذي يعتبر من يستقبل العابرين من الإسلام إلى المسيحية جريمة يعاقب عليها القانون. وأي دين هذا الذي لا يسمح ليّ أن أختار الطريقة التي أتعبد بها لله ؛ أكرر سؤالي هل ليس من حقي أن أغلق باب غرفتي وأصلي إلى الإله بالطريقة التي أجد فيها سلامي؟ لو كنت وجدت سلاما في الإسلام لما تركته ولا كنت عرّضت نفسي إلى كل هذه المشاكل التي ستوصلني إلى القتل أو كما قال ضابط أمن الدولة أنه سيقطعني إلى شرائح لكي أكون عبرة ؛ ليتني أجد من يجيبني ما هى جريمتي؟ ما هى جريمة كل من تم القبض عليهم وحبسهم وإهانتهم؟ أوجيني يعقوب لم تزل تعيش في مصر ؛ وبكل تأكيد في صدرها جرح عميق لم ولن يشفى ؛ بعد أن فقدت الأمان في بلدها أما لوريس عزيز لم تتحمل البقاء في مصر ؛ خرجت من مصر إلى أمريكا ؛ هاجرت إلى بلد غريب هى وزوجها وأولادها ليبدأوا جميعا من جديد من الصفر بعد أن خسروا كل شئ وأهم شئ الأمان في بلدهم.
بعد إنفصال منال عن زوجها الثاني وإضطرته إلى الهروب من هولندا إلى إطاليا قدمت طلب إلى وزارة الإسكان أن تنتقل من سكنها القديم إلى سكن جديد بحجة أنها لا تشعر بالأمان وتم بالفعل نقلها وحصولها على شقة قرب الحي الذي أسكن فيه ؛ على بعد مسيرة خمس عشرة دقيقة ؛ سعدت جدا بوجود منال وأبنتاها ماريا وسارة ؛ مرت الأيام وكبرت ماريا وأتمت عامها الرابع وحان موعد التحاقها بالمدرسة كنت قد لأحظت وجود مدرسة مسيحية بجوار سكني ؛ قدمنا طلب إلتحاق بهذه المدرسة وتم قبول الطلب والتحقت ماريا وبعد عامين التحقت سارة أيضا بنفس المدرسة ؛ كنت أقضي أسعد أوقاتي مع ماريا وسارة ولكون المدرسة بجوار منزلي كانوا يقضون فسحة الغذاء عندي ؛ كانتا تتسابقان لتقصا عليّ ما سمعناه في المدرسة من قصص الأنبياء في العهد القديم ؛ كنت أشجعهما وأسمعهما بكل إهتمام وكنا نصلي قبل تناول الغذاء ؛ وكنت أعد مكافأة لمن تتفوق في دراستها وغالبا ما كانت المكافأة أن نسافر جميعا لقضاء إجازة صيفية على شواطئ أسبانيا لنتمتع بالشمس التي نادرا ما تشرق في بلدنا الحبيب هولندا. بعد مجئ محمد وسفره وقراري أن أقطع كل إتصال به بعدما تأكدت أنه يدبر ويرتب لإرغامي على العودة إلى مصر لاحظت تغيير في أسلوب منال معي وفي طريقة كلامها ونظرتها ولكني لم أعطي الأمر أهمية وكنت أذكّرها بالخطة التي دبرها والدها مع أخيها محمد حتى تمكنوا من عودتها إلى مصر وكيف أن الله أعانني وأرسل ليّ من يساعدني لكي تعود إلى هولندا مرة ثانية ؛ وأيضا كنت أذكّرها بالمعاناة والضغوط التي تعرضت لها أثناء وجودها في مصر ؛ ورغم ذلك لم أكن أشعر بالإرتياح إلى نظراتها ليّ وشعرت أنها تخفي شيئا ما.
منال منذ طفولتها شديدة العصبية ... دائما متوترة ... لا تستقر على رأي ... وكانت أحيانا تجرح نفسها متعمدة لتلفت إنتباهي إليها ؛ وفي يوم لاحظت وجود قطع في زراع منال اليسرى وبعض الخياطات ؛ سألتها قالت أنها كانت ممسكة بكوب تعثرت وسقطت على الأرض ... أنكسر الكوب وسبب لها جرح عميق أضطرت للذهاب إلى المستشفى لعمل الإسعافات اللازمة وأيضا لإيقاف النزيف الدموي ؛ حاولت أن أصدقها ... لكن بداخلي شك في صحة روايتها ؛ قلت الأيام ستكشف ليّ الحقيقة. لم يمر وقت طويل وإذا بقطع أخر أعمق وأكبر ؛ وأخيرا إعترفت ليّ منال أنها هى التي تؤذي نفسها بهذه الطريقة الوحشية ؛ أبلغت المستشفى الطبيب بتكرار ما يحدث من منال ؛ حولها طبيب الأسرة إلى العيادة النفسية لمعرفة وعلاج السبب الذي يدفعها إلى ذلك ؛ قرر الطبيب إدخال منال المستشفى لمدة أسبوع لتبتعد عن أي شئ ربما يكون السبب في توترها ووصولها إلى هذه الحالة ؛ أخذت ماريا وسارة إلى منزلي لأوفر لها الراحة وهى تعلم جيدا مدى حبي لهما ومدى تعلقهما بيّ ؛ ولكي تطمئن منال عليهما طلبت من إدارة المستشفى إدخال تيلفون خاص في غرفة منال حتى يمكنها الإتصال بكل من ماريا وسارة وقت ما تشاء ؛ بذلت أقصى جهدي لأوفر لها كل سبل الراحة ؛ كنت أصطحب ماريا وسارة إلى المدرسة وبعد وقت المدرسة نذهب إلى المستشفى لزيارتها ؛ طلبت منها أن لا تتصل بنا إلا عند الضرورة وماريا وسارة سيتصلون بها في الصباح قبل الذهاب إلى المدرسة وعند فسحة الغذاء وأيضا في المساء قبل موعد نومهما ؛ مر الأسبوع ولم يحدث أي تحسن في حالة منال ؛ قرر الطبيب المعالج خروجها من المستشفى وذلك لأن بقائها لن يجدي وبالفعل عادت منال إلى منزلها وللأسف ساءت حالتها أكثر وأكثر لدرجة أن يدها اليسرى وساقيها كانتا مشوهة.
وكانت الصدمة عندما تلقيت فاتورة التيلفون الذي أدخلته في غرفة منال أثناء وجودها بالمستشفى مبلغ باهظ لم أتخيل أبدا أن يصل إلى هذا القدر ؛ سألتها قالت لا أعرف أنا لم أتصل بحدا غيركم عدت إلى إدارة المستشفى ؛ راجعوا حساب التيلفون ... قالوا ليّ كل هذه مكالمات دولية وبالتحديد مصر ... وهنا تأكدت أنني محقة في شكوكي أن منال تخفي شئ ما عني ؛ حاولت أن أعرف منها لماذا أخفت عني أنها تتصل بأبيها وأخيها محمد ؛ أنا لا أملك أن أمنعها عن الأتصال بهما ولكن طالما إتصالها بهما كان سرا إذا هناك شئ ما يدبر سرا ؛ الأيام كفيلة بكشف الأمر. زادت حالة منال سوء لدرجة أن الطبيب النفساني المعالج قرر إبعاد ماريا وسارة عن أمهما ... وبالفعل أرسلت ماريا وسارة إلى دار للأطفال من لهم ظروف مشابهة وهنا أنتبهت منال لما سيحدث بعد ذلك وهو إدخالها إلى مصحة للأمراض النفسية وتوقفت منال تماما عن ما كانت تفعل ونتيجة لذلك عادت ماريا وسارة إلى حضن منال ؛ وللأسف لم يستمر الحال طويلا بدأت منال تضطهد ماريا وتثير غيرتها بتدليل سارة ؛ وأخيرا حفاظا على سلامة كلا منهما أخذت ماريا إلى أسرة هولندية لرعايتها ؛ سعدت منال أنها تخلصت من ماريا على حساب ألم ماريا وعذابي أنا لفراق الحبيبة ماريا ... حفيدتي الأولى ... لن أسامح منال أبدا أنها حرمتني من ماريا وحرمت ماريا من الشعور بالأمان في حضن أمها. مرت الأيام ... ومع مرور الأيام تهدأ الآلام خصوصا أني كنت أتصل بماريا بصفة مستمرة وكانت أحيانا تأتي لزيارتي وأطمئن قلبي عليها إلى حد ما وكنت أجد تعزية في حضور سارة إلى منزلي وقضاء وقت طويل معها ؛ وكانت ماريا تحضر ونجتمع جميعا في عيد ميلادها لنحتفل به معا ؛ وكان عيد ميلادها العاشر هو أول عيد ميلاد نحتفل به بعد فصلها نهائيا عن أمها وبعد أن تبنتها أسرة هولندية وكان ذلك بالتحديد في التاسع عشر من شهر يوليو عام ألفين وأثنين.
تجنيد منال
وفي أحد الأيام وبالتحديد في شهر مايو ألفين وأربعة ؛ أتصلت بي منال تلفونيا وقالت لقد مر وقت طويل منذ خروج ماريا من المنزل لم نذهب معا إلى أسبانيا كالمعتاد ؛ ليتك يا أمي توافقي أن نذهب لمدة أسبوع نحن في أشد الحاجة إلى التغيير ؛ الحت منال في طلبها لدرجة أني وافقت ؛ قلت لها أتصلي بمكتب السياحة وإسأليهم عن الأسعار وإذا كان بمقدوري نذهب ؛ فرحت منال وقالت عشر دقائق ويكون عندك الرد. وبالفعل أتصلت بي منال وقالت : أن ثمن التذكرة إلى أسبانيا ثلاثمائة وخمسون للفرد ولمدة أسبوع ؛ قاطعتها قائلة : معنى هذا أنه مطلوب مني ألف وخمسون يورو إلى جانب مصاريف الإقامة هناك ... لا هذا مبلغ كبير وليس في إمكاني. قالت : ممكن أن نوفر حق الإقامة في الفندق أو شقة ونقيم في شقة نبيل أنه أبن لك في السيح وأثق أنه سيرحب قلت لها نعم هو سيرحب أثق في ذلك ولكني لا أملك ثمن التذاكر ؛ أرجوك أنسي الموضوع لم يمر نصف ساعة وإذ بمنال تتصل بيّ مرة أخرى وهى تقول : ماما وجدت تذاكر مخفضة في أحد المكاتب السياحية وهى بمبلغ مئتان يورو ! لم أصدق ما تقول منال وشممت رائحة الخيانة تفوح من حديثها ؛ قلت لها : كيف وجدتي تلك التذاكر المخفضة؟ قالت : قلت نجعلها خمسة أيام بدلا من أسبوع وهكذا وجدت الثمن أقل !!! قلت في نفسي لن أتسرع في الحكم عليها بالكذب قبل أن أتأكد بنفسي ؛ قلت لها لا مانع يا منال ولكن أعطيني فرصة أراجع حسابي في البنك هل يسمح بذلك أم لا. قالت بسرعة أرجوكي. قلت لها حاضر بأقصى سرعة. أتصلت بمكتب السياحة الذي أتعامل معه وسألت عن أسعار التذاكر لمدة أسبوع أو خمسة أيام وكانت المفاجأة. منال كذبت عليّ أن ثمن التذكرة إلى أسبانيا لمدة أسبوع هو هو نفس الثمن لمدة خمسة أيام أو حتى ثلاثة أيام ربما يرتفع إن لم يكن خلال نهاية الإسبوع أي يومي السبت والأحد ؛ كانت صدمتي قوية. وهناك سؤال محير ... لماذا كذبت منال؟ ولماذا تريدني أن أذهب إلى أسبانيا بالتحديد؟ قلت لابد أن أواجهها ؛ بذلت أقصى جهدي حتى أبدوا طبيعية متماسكة ؛ أتصلت بها وقلت لها في هدوء : لماذا يا منال كذبتي عليّ؟ لماذا خفضتي سعر التذكرة؟ أنا أتصلت بمكتب السياحة وتأكدت أنه لا فرق في ثمن التذكرة لمدة أسبوع أو خمسة أيام على العكس ربما يرتفع سعر التذكرة؟ قالت : نعم أنا كذبت عليكي ولم أجد تذاكر مخفضة أنه من أختلاقي والحقيقة أني أدخرت بعض المال وقلت أساهم معكي في التكلفة قاطعتها قائلة كان من الممكن أن تقولي الحقيقة دون أن تخفي شئ عني أو تضطري إلى الكذب ؛ ولكن أنا أعلم جيدا أنك لا يمكن أن تدخري أي مبلغ ! ودخلك لا يكفي وفي أواخر كل شهر تطلبي مني مساعدة ! إذا كيف تقولي أنك إدخرتي؟ وهنا تلعثمت منال وتخبطت وبدت ردودها كالهزيان ... وفرت عليها المزيد من الكذب والإختلاق وقلت لها : لن أذهب إلى أسبانيا أبدا أبدا إستريحي ولا تحاولي مرة أخرى إصطحابي خارج هولندا. ومرة ثانية تؤكد ليّ منال أن مشاعر القلق والشك فيها ليس وهم أو خيال ولكنها الحقيقة ؛ وفهمت على الفور أن والد منال وأخيها محمد وآخرين من حكومة مصر يدبرون خطفي والعودة إلى مصر ؛ وبكل تأكيد لم ولن يتمكنوا من ذلك وأنا في هولندا لأنه بلد عظيم والشرطة هنا يقظة فدبروا ذهابي إلى أسبانيا ولكن ربي وإلهي ومخلصي الذي وعد بحمايتي وحفظي كشف أمامي مؤامراتهم ... أشكرك يارب ... أثق في وعدك .. السماء والأرض تزولان وكلمة من كلام الرب لا تسقط أبدا.
بعد أن فقدت ثقتي في منال قررت أن لا نتزاور مطلقا ولكن نلتقي في الخارج لأني لا أحتمل أن أحرم من سارة أيضا كما حرمت من ماريا ؛ وقلت لمنال لا تحاولي أن تزوريني أبدا وأنا أيضا لن أحضر إلى منزلك مهما أن كانت الظروف ودعينا نلتقي في الأماكن العامة ؛ الله يعلم مدى ألمي وعذابي أن أفقد الثقة في أبنتي التي كنت أظن أنها دعامة ليّ في غربتي ؛ ولكن أشكر إلهي على كل حال وأشكره أنه قواني وساعدني أن أحتمل خيانة محمد وخيانة منال.
وفي يوم من الأيام دق جرس الباب الخارجي ؛ فتحت باب شقتي ؛ نظرت إلى الباب الخارجي رأيت سيدة أندونيسية صديقة لمنال ؛ كانت منال حدثتني عنها كثيرا ولكننا لم نلتقي وكنت قد رأيتها تسير مع منال في الطريق أثناء وجودي في سيارة أجرة ولذلك لم تكن تعرف منال أني أعرف شكل صديقتها ؛ لم أفتح لها الباب الخارجي ونزلت إليها وسألتها ماذا تريدين؟ تظاهرت أنها لا تعرفني وقالت أنها مندوبة من الإسكان وتريد أن تجري معي حوار عن أحتياج الأطفال الذين في الحي الذي أسكن فيه إلى حديقة كبيرة بها بعض اللعب ؛ قلت لها ليس عندي أطفال حتى أعبر عن رغبتهم وكما ترين أنا تجاوزت الستين من عمري وأعتقد أنني لن أفيدك حاولت أن أنصرف من أمامها ولكنها أستوقفتني قائلة : ولكنني كنت قد رأيت معك طفلتين !! تعجبت من كلامها ؛ حاولت أن أبدو أني لا أعرفها وقلت لها : نعم ولكنهما حفيدتاي وبأمكانك سؤال أمهما ؛ حاولت قدر إستطاعتها أن تقنعني أن تدخل شقتي وتجري معي الحوار ؛ فكرت بسرعة إذا أمسكت بها وأستغثت بالجيران وطلبت منهم إحضار الشرطة ؛ ستعترف أن منال هي التي أرسلتها في مهمة وسيكون مصير منال السجن ؛ قلت في نفسي يكفي أن الله كشف ليّ عن شخصيتها وأنقذني من المؤامرة ؛ وبكل تأكيد إلقاء القبض على منال وسجنها لن يكون أمرا سهلا ؛ بل سيكون عذاب ليّ وأيضا لكل من ماريا وسارة ؛ قلت لها ؛ هيا إذهبي من هنا وإلا ستندمي أشد الندم ودفعتها إلى خارج المنزل وأنا لا أصدق نفسي ؛ لا أستطع أن أصف ألم الخيانة من أقرب الناس إليّ ؛ وحتى أنت يا منال أستطاعوا أن ينزعوا منك مشاعر الأمومة ويحولوكي إلى مجرمة تدبر وتخطط للإيقاع بمن؟ أمها ... يا للقسوة ... ولكن لماذا تريد أن تنفرد بي في شقتي؟ وجاءت الإجابة ذكرني الرب بحديث جرى بيني وبين محمد في زيارته الثانية ليّ عندما قال ليّ : يجب أن تعودي معي إلى مصر وتعترفي أنك تائبة ونادمة على تركك الإسلام وأرجوا أن يكون بطريقة ودية ولا تضطرينا إلى إستخدام وسائل أخرى حديثة لا تخطر على بالك ؛ أبتسمت له وقلت له : ليتك تخبرني على هذه الوسائل ربما أخاف وأرضخ لطلبك ؛ قال : نحن نستطيع السيطرة عليكي بالكامل بواسطة العقاقير الطبية الحديثة ونجعلك تقولين ما نطلب منك وأيضا تنفذين كل أوامرنا دون تفكير أو جدال !!! تملكني شعور من الرعب... لذلك حاولت تلك السيدة الأندونيسية صديقة منال أن تدخل شقتي ؛ لأنه مجرد دخولها وإغلاق الباب سترش في وجهي سبراي وبمجرد أن أتنفسه ويدخل صدري يؤثر على الجهاز العصبي وأنام في الحال ثم يأتي بقية العصابة ويحقنونني بعقاقير وأكون تحت سيطرتهم ... أكاد أن أصرخ من شدة الألم ... لماذا كل هذا؟ ما هى جريمتي التي إرتكبتها والتي تجعلهم يدبرون كل هذه التدابير وينفقون كل هذه الأموال الطائلة لإعادتي إلى مصر وإجباري على العودة للإسلام؟ ولكن هناك دائما صوت الرب الأله في صدري يقول ليّ لا تخافي أنا معك ... نعم يارب صوتك في أذناي وفي كل كياني ... صوتك يشعرني بالسلام والفرح رغم كل ما يدور حولي ... أثق في وعدك ... أثق في كلماتك ... أثق أنك تمسكني بيمينك تدافع عني وتحميني ... أشكرك يارب. أتصلت بمنال وقلت في نفسي منال أبنتي وأنا أمها ولابد أنه لازال هناك بعض من مشاعر الأمومة داخلها ؛ وإذا قلت لها أني أعرف تلك السيدة الأندونيسية وأني رأيتهما معا في الطريق وأني أعرف جيدا أنها هى التي أرسلتها ليّ وأنه كان بإمكاني الإمساك بها والأستغاثة بالجيران وطلب الشرطة ولكن حبي لها الذي لن ينزع من قلبي وحرصي على سلامتها منعني من ذلك وأترجاها أن تعود إلى صوابها وأن لا تحاول الإيقاع بي مرة أخرى ؛ وبالفعل أتصلت بها وقلت لها كل ما دار بيني وبين نفسي ؛ وكانت الصدمة بدلا من أن تفيق منال وترجع عن الشر ؛ وجدتها توجه ليّ أقسى الكلمات وأعنفها وتتهمني بالكذب ؛ لن أنسى ما حييت صراخها في أذني وتطاولها عليّ بالسب واللعن ولم تقف إلى هذا الحد بل تطاولت على سيدي المسيح ... تمنيت أن أكون قد مت من زمان ولم أسمع تلك الكلمات من منال التي تعمدت بإسم المسيح ... كيف جرأت يا منال ... كيف طاوعك ضميرك ولسانك أن تقولي لأمك ما قلت؟ كيف إستطاعوا أن يحولوا منال الحبيبة إلى عدوة؟ كيف إستطاعوا أن ينزعوا منك كل المشاعر الجميلة والأخلاقيات الجيدة التي غرسها فيك منذ صغرك؟ كيف وكيف ... ولا إجابة ... تجمدت في مكاني ... لا أصدق ما يحدث حولي ... حاولت أن أتماسك ... وقلت لنفسي إذا ضعفت سأفقد كل شئ والموت عندي أهون آلاف المرات من أن أفقد الحياة مع المسيح لن أضعف ... لن أستسلم ... أنا قوية وأقوى من كل مؤامراتهم بنعمة المسيح ... ويكفيني أن إلهي الساكن في أعماقي بروحه القدوس يرشدني ويكشف لي كل حيلهم الشيطانية ؛ ويجب أن تفهم منال أن المسيح هو الأهم في حياتي أو بمعنى أصح هو حياتي كلها والبعد عنه هو الموت الحقيقي ومهما أن حاولت لن أتزعزع ومهما مارست من الضغوط عليّ لم ولن أستسلم أبدا. بدأت منال تضايقني وذلك عن طريق التيلفون ؛ تتصل بي في أوقات نومي ؛ تسجل ليّ رسائل بكلمات غير لائقة تهديدات بالقتل وفي 26- 4 – 2005 أستيقظت من نومي على صوت منال تسجل في جهاز الرد على التيلفون عبارات سيئة للغاية وتهديد واضح بكيفية إغتيالي ؛ سجلت ما قالت على شريط كاست وقررت أن أبلغ الشرطة وفي طريقي إلى البوليس وجدت في صندوق البوسطة خطاب منها فيه صورة ليّ كانت التقطت لنا جميعا أنا ومنال وماريا وسارة ؛ وجدت منال قصت صورتي من وسطهم ورسمت على وجهي الصليب المعكوف " هتلر " وكتبت ألفاظ تسبني وتشتمني ذهبت إلى قسم الشرطة وأبلغتهم بكل شئ وأن أبنتي تآمرت عليّ مع أشخاص آخرين لا أعرفهم ؛ سجلوا محضرا بأقوالي وطلبوا مني الأحتفاظ بكل ما لدى من أدلة تدين منال ؛ عدت إلى منزلي وأنا أتساءل كيف إستطاعوا أن يحولوا تلك العلاقة الإنسانية الرائعة بين أم وأبنتها إلى كل هذا الكره والعداء ؛ تمنيت أن ليتني كنت مت قبل أن يأتي اليوم الذي أضطر فيه أن أذهب إلى الشرطة لأقدم بلاغ ضد أبنتي ... قطعة من جسدي ... لحمي ودمي ... يا للقسوة ... لن أجد الكلمات التي تعبر عن المرارة والألم الذي أشعر به. قررت أن أغير رقم تلفوني وأن يكون رقم سري حتى أرحم نفسي من أبنتي التي تطاردني وتحاول أن تفقدني هدوئي وسلامي ؛ وبالفعل تم التغير لم تكن منال وحدها التي تضايقني بمكالماتها ولكن كنت من فترة أتلقى مكالمات من شقيقتي نادية ؛ وكانت هى الأخرى تسبني وتتهمني بالجنون ؛ وفي يوم من الأيام أتصلت بي نادية وقالت أختك الكبيرة قدرية مريضة جدا وهى الآن بالمستشفى بين الحياة والموت وتريد أن تراكي وهى دائما تردد أسمك وتقول أتمنى أن أرى ناهد قبل أن أموت ؛ ما رأيك؟ قلت لها أنت تعلمي جيدا أنه من المستحيل حضوري إلى مصر وتعلمي أيضا أنه فيه مجازفة كبيرة وخطورة على حياتي. قالت ليّ أنت تعلمي المراكز التي يشغلها أفراد أسرتك ونحن قادرين أن نحميكي ونحن الآن في عام 2005 أي انه مر على مشكلتك مع الحكومة حوالي خمسة عشر سنة وبذلك تسقط الأحكام التي حكمت عليك غيابيا ؛ قلت لها صحيح ولكن حكم أمن الدولة بالقبض عليّ وتوجيه تهمة زعزعة أمن الدولة لا يسقط بالتقادم ؛ لم أفرغ من تلك الكلمات ووجدت الشتائم والسباب تنهال عليّ ؛ أنهيت المكالمة على الفور وتأكدت أنها مؤامرة وبدت واضحة أمامي أطراف المؤامرة ؛ أسرتي المباركة ؛ أخوتي وزوجي السابق وأبني محمد وأيضا أشخاص آخرين من أمن دولة مصر وأستطاعوا أن يجندوا منال للإيقاع بي ؛ وهنا وجب عليّ أن أتخذ القرار مهما كان مؤلم وهو يجب أن أقطع علاقتي بالجميع ؛ نعم أنه صعب وصعب جدا ولكن ليس أمامي خيار ؛ غيرت رقم تلفوني وبذلك أنقطعت الإتصالات بيني وبينهم ولكي تزيد منال من عذابي طلبت من الأسرة التي تبنت ماريا أن لا يسمحوا ليّ برؤيتها أو الأتصال بها.
حرمتني منال من حفيدتي الأولى ماريا ... حرمتني من رؤيتها أو حتى سماع صوتها والأطمئنان عليها ؛ أعلم جيدا أنه لا يمكن أن تكون منال بهذه القسوة وهى تعلم منزلة ماريا عندي ؛ وتعرف كم أحبها ؛ كنت أرى في ماريا وسارة العزاء عن كل أسرتي التي فقدتها ؛ هذا الفكر الشرير مصدره هؤلاء الذين يتفننون في إيذاء الآخرين وجرح مشاعرهم وممارسة أقصى أنواع الضغوط للوصول إلى غايتهم. لكن هيهات .. العالم كله لا يغنيني عن المسيح الحبيب .. بل لا يوجد على الأرض ما يساومونني به لاترك المسيح بعد أن عرفت النور الحقيقي وتمتعت بالعشرة مع المسيح.
تجنيد جارتي
ظننت أني سأستريح من المؤامرات التي تدبر للإيقاع بي ؛ بعد قطع كل الإتصالات بيني وبين جميع أفراد أسرتي داخل مصر وخارجها ؛ لم أتوقع أن يصل الفكر الشيطاني إلى هذه الدرجة ؛ أقيم في شقتي منذ عام 1992 ؛ لم يحدث أني في يوم من الأيام فكرت في زيارة أحد جيراني وأيضا لم يأت أحد منهم لزيارتي ؛ علاقتنا لا تتعدى السلام ؛ السكن الذي أقيم فيه عبارة عن ستة شقق ومكون من ثلاثة طوابق ؛ في الدور الأرضي رجل أرمل في حوالي الثمانين ؛ وسيدة في السبعين وفي الدور الأوسط شقتي ؛ وتسكن في الشقة المقابلة ليّ سيدة متوسطة العمر ؛ غير هولندية أعتقد أنها من سيرناما ؛ وفي الطابق الثالث طالبان يدرسان في الجامعة ؛ وشابة وصديقها في المقابل. السيدة التي تسكن مقابل شقتي إسمها هيلين ؛ إنسانة مريضة نفسيا ؛ كنت أحيانا أسمعها تبكي بصوت عالي ؛ وأحيانا أسمع كصوت تحطيم أواني ؛ كنت أتحاشى لقائها على قدر إستطاعتي ؛ وذلك لأنها مهملة في مظهرها الخارجي ؛ وملابسها قذرة جدا ؛ كنت إذا إلتقيت بها في الطريق أو أي مكان آخر أحاول تجاهلها ؛ في يوم أستقليت سيارة النقل العام أنا ومنال ورأينا تلك السيدة ؛ سلمت عليها من بعيد ؛ غضبت منال وقالت ليّ : كيف تسلمي عليها أمام الجميع ويعلمون أنك على صلة بها؟ إن منظرها وملابسها مخجلة؟ هكذا كان رأي منال أنه لا يليق بنا أن نقيم علاقة أو حتى نظهر أمام الناس أننا نعرف هذه السيدة لأنه ينقص من قدرنا.
في يوم من الأيام وبالتحديد في يوم 16 يناير 2006 ؛ سمعت طرقات على باب شقتي ؛ معنى ذلك أن من يطرق على بابي هو داخل السكن ؛ لأنه يوجد باب خارجي للسكن لا يفتح من الخارج ؛ ذهبت لأرى من الطارق ؛ وإذ بها جارتي هذه التي تدعى هيلين ؛ سألتها ماذا تريد؟ قالت ليّ : أنه يوجد من يريد أن يرسل لها فاكس لأمر عاجل ؛ وهى لا تملك فاكس ؛ ثم أضافت هل من الممكن أن تعطيني رقم الفاكس الخاص بك أعطيه لهذا الشخص ليرسل لك تلك الرسالة؟ جمدت في مكاني للحظات ودارت بذهني عدة أسئلة ؛ كيف عرفت أني أمتلك فاكس وهى التي لم تدخل شقتي؟ لم يحدث أبدا أني تكلمت معها عن أسراري أو حياتي الشخصية حنى تعرف أني أمتلك فاكس! لا .... هناك من أخبرها ... قلت في نفسي لابد وأن يكون ردي قاطعا حتى لا تعاود هذا الطلب مرة أخرى ؛ قلت لها بكل عنف ؛ رقم الفاكس الخاص بي رقم سري ولا أريد أن أعطيه لأحد ؛ ثم قلت لها : هل لديك كمبيوتر؟ قالت : نعم ؛ قلت لها : إذا ما الحاجة إلى فاكس ؛ يمكن أن تتلقي رسالة عن طريق البريد الألكتروني عن طريق الكمبيوتر دون الحاجة إلى إزعاج جيرانك بهذا الطلب الغريب. لم أنتظر ردها وأغلقت باب شقتي بقوة في وجهها ؛ مئات الأسئلة دارت بذهني ؛ لماذا طلبت هيلين رقم الفاكس وهو في نفس الوقت رقم التليفون؟ السؤال الأهم الذي أثار الشكوك داخلي كيف عرفت أنني أمتلك فاكس وأستخدمه؟ هذه المعلومة لا يعرفها إلا منال وجريدة أخبار مصر التي تصدر في أستراليا ؛ والتي تنشر ليّ مقالاتي ... إذا لابد أن تكون عرفت من منال !!! ولكن كيف؟؟؟ كيف وصلت إلى منال أو كيف أقامت منال معها علاقة وهى التي كانت تلومني إذا سلمت عليها وتشعر بالخجل منها؟ شعرت أن رأسي سينفجر من كثرة الأسئلة الصعبة التي تبحث عن إجابة شافية ؛ أين الحقيقة؟ حاولت أن أهدأ ؛ وبدأت أفكر بهدوء ؛ توصلت أنه لا يوجد إجابة غير أن منال ومن حولها من أعوان الشيطان هم الذين أتصلوا بها ودبروا تلك الحيلة الشيطانية للوصول إلى رقم تيلفوني لكي يستمروا في إزعاجي حتى أفقد سلامي وأستسلم لهم ! ولكن أشكرالرب الذي أعطاني الحكمة وأرشدني أن لا أتسرع وأعطيها رقم تيلفوني وأعود مرة ثانية للإزعاج ؛ وقررت أن أغلق الباب تماما بيني وبين جارتي هيلين ولن أسلم عليها إذا إلتقينا. في مساء اليوم التالي سمعت نفس الطرقات على بابي ؛ فتحت الباب وأنا لا أصدق ما يحدث ؛ تمنيت أن يكون من بالباب شخص آخر ولكن وجدتها هى .. هيلين .. قلت لها وأنا غاضبة ماذا تريدين؟ وكانت مسكة بيدها أوراق ؛ قالت ليّ : أعتقد أنه هناك خطأ في حساب الغاز والكهرباء ؛ هل تسمحى ليّ أن أضطلع على حساباتك لأرى هل هناك خطأ أم لا؟ تفرست في وجهها الكئيب لحظة وأنا في زهول ... ثم قلت لها : ماذا؟ كررت نفس الكلمات ؛ شعرت أنها تريد الدخول إلى شقتي بأي طريقة وأنها تختلق الحجج لذلك ! قلت لها بأسلوب ساخر ؛ نحن في شقتين منفصلتين وحساباتي غير حساباتك ألم تلاحظي ذلك؟ وتأكدي أني لن أسمح لك مجرد النظر إلى خصوصيات حياتي ؛ وللمرة الثانية أغلق باب شقتي في وجهها بعصبية ؛ بدأت الشكوك تملئ رأسي ؛ ماذا تريد هيلين؟ لماذا إختلاق هذه الأسباب لتدخل شقتي؟ ماذا ستفعل بيّ؟ الكثير والكثير من الأسئلة المحيرة ؛ وبالفعل بدأت أفقد سلامي ؛ قلت في نفسي لا بد وأن أكون أكثر حزما معها لكي لا تحاول مرة أخرى مجرد الأقتراب من باب شقتي أنا أعلم جيدا أن الشرطة في هولندا في منتهى الحزم والقوة والجميع يعمل ألف حساب قبل التورط في أي موضوع يصل إلى الشرطة ؛ لذلك قررت أنها إذا حاولت مرة أخرى الدخول إلى شقتي سوف أهددها بإبلاغ الشرطة. لم يمض إلا يوم واحد وفي نفس الوقت سمعت طرقات على باب شقتي فتحت الباب وأنا أشتعل غضبا وإذ هى لليوم الثالث على التوالي ؛ قلت لها ماذا تريدين اليوم؟ قالت : عدت من الخارج ووجدت أنقطاع في التيار الكهربائي ؛ هل تسمحي ليّ أن أنظر إلى لوحة الكهرباء الخاصة بك لأرى كيف تعمل وأصلح الخاصة بي؟ وهنا لم أتمالك نفسي ؛ صرخت في وجهها قائلة : هل تظني أني بهذا الغباء؟ وما هذه الحجج الواهية الساذجة التي تقوليها وتظني أني سوف أسمح لك بدخول شقتي؟ إسمعي جيدا إني أحذرك لو وقفتي مجرد الوقوف أمام شقتي سوف أطلب الشرطة ؛ أرجو أن تفهمي جيدا ما أقول ؛ لاحظت علامات الدهشة تعلو وجهها وقالت ليّ في صوت ضعيف : كيف جرأت أن تقولي ليّ سأطلب لك الشرطة لمجرد أني أريد مساعدتك؟ قلت لها مقاطعة وبأعلى صوتي : أنا جادة في ما أقول وصدقيني إذا وقفتي مجرد الوقوف أمام باب شقتي سأطلب الشرطة أرجو أن يكون كلامي واضح ومفهوم وهذا أخر إنذار لك ؛ هيا من أمامي قبل أن أتهور وأصنع بك شئ آخر ؛ ووقفت أنظر إلى رد فعلها ووجدتها تجري من أمامي وتنزل السلم مسرعة ؛ دخلت شقتي وأغلقت الباب وتيقنت أن منال والعصابة التي حولها جندوا هذه السيدة لتدخل شقتي وتصنع بيّ شئ ما ؛ جلست أصلي وأطلب من الرب أن يوضح ليّ ما يحدث حولي ؛ وفي الحال ذكّرني الرب بحديث قد دار بيني وبين إبني محمد في زيارته الأخيرة ليّ ؛ قال ليّ محمد : ماما أرجوكي عودي معي إلى مصر وإلى الإسلام بطريقة سلمية ولا تضطرينا أن نستخدم معك طرق أخرى نحن في غنى عنها ؛ وسألته بصوت منخفض ؛ بعد أن جلست بجواره : ما هى الطرق الأخرى يا أبني؟ قال ليّ بلهجة الوعيد نحن نستطيع السيطرة عليك تماما بواسطة عقاقير معينة ونجعلك تنفذين كل ما يطلب منك دون تفكير !! قلت له نحن ... من أنتم؟ قاطعني قائلا : ليس مهم من نحن ولكن المهم النتيجة المضمونة مائة بالمائة. جمدت في مكاني بعد أن تذكرت هذا الحوار ؛ وفهمت لماذا يحاولون دخول شقتي بكل الطرق .. يريدون السيطرة عليّ .. يريدون إلغاء عقلي وتفكيري يريدون سلب حريتي .. لكي أعود إلى عبودية الإسلام .. تذكرت كلمات السيد المسيح التي قالها في إنجيل يوحنا ( 8 : 31- 32) فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم وفي الآية رقم 36 " فإن حرركم الأبن فبالحقيقة تكونون أحرارا" حررني الأبن .. ولكن أعوان الشيطان لا يعجبهم أن أتحرر .. يريدون ليّ القيد مرة أخرى ... ليّ ثقة ويقين أن من دعاني وأضاء الطريق أمامي لأعرفه وأتبعه لن يسمح لمؤامرات العالم أن تنال مني .. كيف ويمينه القوية ممسكة بيّ وتحميني .. ووعده يتردد في أذني .. " لا تخافي أنظري إليّ " آمين يا رب.
تأكدت وبدون أدنى شك أن عصابة الشيطان دبرت هذه الخطة الشيطانية للإيقاع بيّ عن طريق جارتي هيلين وتذكرت أيضا أنه عندما سألتني عن رقم الفاكس الخاص بيّ سألتني قائلة : أني ألاحظ أنك تسافرين كثيرا .. أين تذهبين؟ تجاهلت سؤالها تماما وكأني لم أسمعه ؛ ولكن عندما بدأت أسترجع كل ما دار بيني وبينها ؛ وتذكرت هذا السؤال أصبحت الصورة واضحة أمامي ؛ لا مجال للشك ورغم كل ما بدى منها قلت في نفسي لن أتسرع وأبلغ الشرطة ؛ سأنتظر حتى يوضح الرب أمامي من وراء هذه السيدة. أشكر الرب ؛ لم أنتظر طويلا ؛ في يوم من الأيام ذهبت لأستقل سيارة النقل العام ؛ لاحظت أني خرجت قبل موعد السيارة بحوالي عشرة دقائق ؛ قلت في نفسي بدلا من الوقوف على المحطة سأتمشى إلى المحطة التالية ؛ والمسير مفيد ليّ أكثر من الوقوف ؛ جاءت السيارة ؛ ركبت .. فوجئت بها جالسة في الخلف ؛ عندما رأتني أنحنت إلى أسفل لتختبئ مني ! تعجبت من تصرفها .. إنها سيارة نقل عام ومن حق الجميع إستخدامها .. لماذا حاولت الإختباء مني بهذه الطريقة الساذجة ؟! إنطلق بنا السائق وأنا في حيرة من أمرها .. وصلنا إلى محطة بجوار بيت منال .. وكانت المفاجأة .. نزلت من السيارة وهى تتحاشى النظر إليّ .. عرفت على الفور سبب تصرفها هذا ؛ وتأكدت أن منال والعصابة التي حولها هم الذين وراء تصرفات هيلين ومحاولاتها المستميتة للدخول إلى شقتي.
لاحظت أنها تخرج يوميا في موعد محدد وهى التي كانت يمر عليها الأيام دون أن يراها أحد تخرج ؛ قررت أن أخرج قبل موعد خروجها وأستقل سيارة النقل العام وأقف عند بيت منال حيث أنه يوجد أمام سكنها غابة كثيفة الأشجار ومقاعد ويمكنني الجلوس والأنتظار دون أن يراني أحد ؛ وبالفعل جلست بين الأشجار أراقب باب شقة منال حيث أنها تسكن في عمارة سكنية كبيرة وباب شقتها على ممر طويل والواقوف أمام البيت يرى بوضوح الداخل والخارج من باب شقتها ؛ لم أنتظر طويلا .. ووجدت هيلين جارتي تدخل باب شقة منال .. وشاهدت بعيني منال تفتح لها باب شقتها وترحب بها ثم تصحبها إلى الداخل .. رغم أني كنت في شبه يقين أن منال وعصابة الشيطان هم الذين وراء تصرفات هيلين المثيرة للشك ؛ إلا أنني صدمت .. تسمرت مكاني .. لا أقوى على الوقوف .. مرت لحظات لا أعرف مقدارها .. أفقت من صدمتي على صوت بعض المارة .. رجعت إلى منزلي وقررت أن أبلغ الشرطة بكل ما يدور حولي. أشكر الله أني وجدت إهتماما بالغ من الشرطة لكل ما ذكرت ؛ وبعد أن أنتهيت قالت ليّ الأخت المباركة التي كنت أتحدث معها " لا تقلقي ولا تهتمي بما يدور حولك ؛ سوف نستدعي جارتك هيلين ونقول لها أنك تقدمتي لنا بهذه الشكوى وسوف نطالبها أن لا تعود لإزعاجك مرة أخرى ؛ أما من جهة علاقتها بأبنتك منال هذه حرية شخصية لا يجرمها القانون ومن جهتنا سوف نزيد عدد سيارات الشرطة التي تمر من أمام سكنك وإذا شعرتي بأي شئ يثير الشك إتصلي بنا وفي دقائق قليلة سنكون عندك ! صافحتها شاكرة ؛ وعدت إلى منزلي وأنا لا أصدق ما يدور حولي ! لماذا كل هذه الخطط والتدبيرات؟ من أكون أنا حتى تدبر ليّ كل هذه المؤامرات؟ مختلسة .. سارقة .. قاتلة .. هاربة من العدالة .. ليتني أجد من يخبرني ما هى جريمتي التي جعلت الحكومة المصرية الفقيرة تنفق ملايين الدولارات للإيقاع بيّ؟ بكل تأكيد حصلت هيلين على المبلغ المالي الذي يجعلها تغامر وتقوم بهذا الدور لتمكينهم من الوصول إلىّ .. وأيضا بكل تأكيد حصلت منال على المبلغ المالي الذي يخدر ضميرها أو يقتله حتى تنسى أن من تطاردها هى أمها يا للعجب .. منال التي بذلت أقصى جهدي وكل ما في وسعي لكي أسعدها .. حاولت أن أكون الأم والأب وأن أعوضها عن قسوة أبيها وكرهه لها .. منال أبنتي الحبيبة المدللة تصبح عدوتي تحاول الإقاع بيّ وأيضا تشارك في تجنيد جارتي هيلين .. ماذا حدث؟ هل ما أعيشة حقيقة أم كابوس مزعج؟ّ.
نعم كفت جارتي هيلين عن إزعاجي بعد أن إستدعتها الشرطة وحذروها من ذلك ولكن أصبح لها مهمة أخرى ؛ مهمة مراقبتي ! كلما فتحت باب شقتي أسمع حركتها خلف باب شقتها ؛ تنظر من العين السحرية ؛ وبكل تأكيد تقدم تقرير يومي عن تحركاتي ؛ متى أخرج .. متى أعود .. من يزورني .. بأختصار أصبحت جاسوسة تراقب من خلف بابها ؛ لكن يبدو أن عصابة الشيطان لم تكتفي بذلك ؛ في يوم من الأيام كنت خارجة من باب شقتي حاملة معي حقيبة سفر كبيرة ؛ ذهبت إلى محطة سيارة النقل العام لأذهب إلى محطة القطار ؛ وبعد دقائق قليلة وجدت جارتي هيلين تهرول خلفي ورغم شدة البرد لم تكن قد إرتدت معطفها وغطاء رأسها وأكملت في الطريق إرتداءها وهى تجري خلفي خوفا من أن تفقد أثري .. قلت في نفسي ربما هى الأخرى ذاهبة إلى محطة القطار وذلك لأمر يخصها. لم أعيرها أي إهتمام وركبت السيارة ونزلت عند محطة القطار وإذ بها تسير خلفي ! صعدت إلى الرصيف وهى تتبعني .. ركبت القطار .. ولكنها توقفت عند هذا الحد بعد أن عرفت أين سيذهب القطار!!
حاولت أن أنسى الموضوع كله ؛ وقلت إذا تكرر منها هذا التصرف سأبلغ الشرطة ؛ عدت من رحلتي وفي يوم خرجت مبكرة وكنت أحمل حقيبة متوسطة الحجم ؛ وجدتها كالمرة السابقة ؛ تهرول خلفي وهى تجر معطفها وغطاء رأسها ؛ وأكملت إرتداء المعطف على محطة الأوتوبيس ؛ نظرت إليها نظرة سخرية حاولت أن تتجاهلني وتتجاهل نظراتي ؛ قلت في نفسي سأحاول إستفزازها ببعض الكلمات ؛ إذا ردت على كلماتي تكون بريئة من شكوكي وما حدث مجرد صدفة ولكن إذا صمدت وتجاهلت كلماتي فهى مأجورة بلا شك ؛ كنت أنا وهى بمفردنا على المحطة ؛ قلت بصوت عال : جاسوسة .. رخيصة باعت نفسها من أجل حفنة دولارات ... كررت تلك الكلمات .. ولكنها لم تتحرك وكلماتي لم تحرك لها ساكن ؛ تأكدت أنها مجندة لتوصيل كل تحركاتي للعصابة الشيطانية ومنال إبنتي عضو هام فيها.
إتصلت بالشرطة وأخبرتهم بكل ما حدث ؛ وأشكر الله وجدت الآنسة المسؤلة عن موضوعي ؛ وجدتها تسمعني بكل إهتمام ؛ وقالت ليّ " سوف نبلغها شكواك ونحذرها من تكرار ذلك "
أشكر ربي وإلهي ومخلصي يسوع المسيح أنه إختار ليّ هولندا هذه الدولة العظيمة لكي أعيش فيها ؛ عندما قال ليّ أبونا إختاري ما بين هولندا والمانيا قلت له " الرب يختار .." وعندما ذهبت لأستلم من أبونا جواز السفر قال ليّ " الرب وضع على قلبي أن أختار لك هولندا ؛ صليت عدة مرات وطلبت إرشاد الرب وفي كل مرة كان رد الرب في قلبي واضح وصريح : إرسلها إلى هولندا .. هذا إختيار الرب لك هل تقبليه؟ " قلت له مسرعة " بكل تأكيد أقبله ؛ أنا أمة الرب سلمته حياتي يصنع معي حسب مسرته " وكنت دائما أتساءل : لماذا إختار الرب ليّ هولندا؟ أنا لم أسمع عنها الكثير ! ولكن اليوم وبعد أن عشت في هولندا قرابة ثمانية عشر سنة ؛ أشكر الرب من كل قلبي على حسن إختيارة ليّ ؛ هذا البلد العظيم بشعبه العظيم الأصيل ؛ أشعرني أنني إنسانة ليّ كرامة .. أشعرني أني موضع إهتمام أشعرني بالأمان .. الأمان الذي فقدته في بلدي الحبيب مصر !! ليبارك الرب هذا البلد العظيم.
أنا أعلم جيدا أنني مصدر قلق وإزعاج لجميع البلدان الإسلامية ؛ وذلك لأن الرب فتح أمامي أبواب كثيرة لخدمة أسمه ؛ ففي عام 1999 إتصل بيّ إبن حبيب في المسيح وطلب مني أن أشارك معه في غرفة من غرف الحوار على الأنترنت وبالفعل ذهبت إلى منزله وشاركت في الحوار ؛ ورويت إختباري وكيف وجدني رب المجد وأظهر ليّ ذاته ؛ كانت تجربة رائعة ؛ وشعرت أن الرب يستخدم أحدث وسائل العلم والتكنولوجيا لمجد أسمه ؛ وفي عام 2000 أرسل ليّ أخ وصديق حبيب في المسيح مبلغ من المال لأشتري كمبيوتر وأواصل الخدمة ؛ وبالفعل صاحبني أبن حبيب لشراء الكمبيوتر ؛ وعلمني كيف أستخدمة ؛ وبدأت مجال خدمة رائعة لمجد إسم المسيح ؛ إلتقيت بأبناء آخرين ؛ خدمنا معا ؛ كل خدمتي تتلخص في كشف حقيقة الدين الإسلامي ؛ ومن خلال تجربتي القديمة ؛ أشكر الرب الخدمة ناجحة جدا ولازلت حتى يومنا هذا أخدم إسم الرب من خلال هذا الباب الذي فتحه الرب أمامي ؛ فليبارك الرب في الخدمة ويبارك كل من له تعب محبة في هذه الخدمة ؛ بارك يارب الإبن الحبيب الذي عرفني بهذه الخدمة ؛ بارك الإبن الحبيب الذي إشترى معي الكمبيونر وعلمني طريقة إستخدامه ؛ بارك يارب الأخ الحبيب الذي أرسل ليّ المال لأشتري الكمبيوتر وعوضه يارب من غنى مجدك لأنه أعطى كثير ؛ وأنت تعطي بسخاء ولا تعيّر ؛ لك المجد آمين.
وأيضا من خلال الخدمة تعرفت على أبن آخر حبيب في المسيح ؛ عرض عليّ فكرة الكتابة ؛ وخصوصا بعد إنتشار كتابي الأول " لقائي مع المسيح " وترجمته إلى سبع لغات بدأت بمساعدته كتابة سلسلة رحلتي من الظلمة إلى النور ؛ وبنعمة المسيح تم إصدار مجموعة كتبي :
1- الرحلة إلى الكعبة وفي هذا الكتاب أوضحت للقارئ فكرتي وإيماني وأنا في الإسلام عن الحج وزيارة الكعبة البيت الحرام ومسجد الرسول والأكاذيب التي كانوا يرددونها على مسامعنا وكيف توصلت إلى الحقيقة بعد عودتي من رحلتي إلى الكعبة ؛ وما رأيت بعيني ؛ وصدمتي البالغة لما حدث ليّ هناك ؛ قدمت للقارئ بالدليل والبرهان ومن المراجع الإسلامية حقيقة ما يدّعون ؛ وأثبت أيضا أن الحج والكعبة والحجر الأسود كلها عادات وثنية كانت تمارس بين العرب في الجاهلية وجاء الإسلام وأقر تلك العادات الوثنية ؛ وكل ما قدمت بالحجة والدليل من المراجع التي يقرها الجميع ولا خلاف على صحتها ؛ وإني أتحدى من له إعتراض على هذه الكتب ؛ أن يذكر جملة واحدة ليس لها مرجع معتمد ؛ ومستعدة للمناقشة والحوار.
2- الكتاب الثاني هو " القرآن في الشعر الجاهلي " وفي هذا الكتاب أقدم للقارئ حقيقة مؤكده وهى أن القرآن الذي يقال عنه أنه تنزيل من عند الله ؛ هو كتاب مؤلف ومأخوذ من الشعر الجاهلي وكثير من ما جاء في القرآن من قصص هى خرافات كانت منتشرة في شبه جزيرة العرب وتناولها الشعراء في أشعارهم قبل رسول الإسلام ؛ وقدمت أيضا بالدليل والبرهان صحة ما أقول ؛ وعرضت في الكتاب مقاطع من الأشعار القديمة وبعض آيات القرآن وأوضحت مدى التطابق في الأفكار والكلمات والمعاني.
3- الكتاب الثالث هو " الرقص على الأشلاء في الفلوجة " وقصة هذا الكتاب أنه عندما إختطفت جماعة الزرقاوي " القاعدة " في العراق إثنين من الأمريكان ؛ قتلوهم ثم حرقواهم ؛ ثم علقوهم وإحتفلوا بهذه الأعمال الوحشية ورقصوا حول الأشلاء ؛ وأيضا عندما إختطفوا شابا أمريكيا كان يعمل في العراق إسمه نيك برج وقاموا بذبحه أمام الكاميرا وفصلوا رأسه عن جسده وأختلط صوت صراخه مع صوت صراخهم " الله أكبر " ونشر هذا الشريط على شبكة الأنترنت وأيضا نشرت أجزاء منه بعض القنوات الفضائية ؛ والذي دفعني لكتابة هذا الكتاب أني أجد معظم رؤساء الدول الإسلامية ؛ والشيوخ ودعاة الإسلام ؛ يحاولون التضليل مما حدث وأيضا يبرءون الإسلام والرسول من هذه الأفعال الوحشية ويؤكدون أن الإسلام برئ من هذه الدموية ؛ هذا الكذب دفعني أن أكتب الحقيقة وأثبت للجميع أن هذه التصرفات الوحشية الدموية إنما هى سنة نبوية وشريعة إسلامية مأخوذة من آيات قرآنية ؛ وبكل تأكيد قدمت الحجة الدامغة والدليل من المصحف الشريف والأحاديث النبوية وكتب السيرة النبوية الصحيحة المؤكدة والتي لا خلاف عليها.
4- الكتاب الرابع هو " خرافة الإسراء والمعراج " وأيضا في هذا الكتاب أثبت للقارئ أن قصة الإسراء والمعراج التي يحتفل بليلتها المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي ؛ هى قصة خرافية إبتدعها رسول الإسلام ليؤكد لمن حوله أنه مرسل من عند الله والحقيقة أنها خدعة إقتبسها رسول الإسلام وكتبت قبله باللغة الفارسية قبل رسول الإسلام بمئات السنين وفيها تطابق لما رواه محمد عن نفسه وأيضا قدمت المراجع التي تؤكد صحة كلامي.
لم يتوقف نشاطي في الكتابة غلى تلك الكتب فقط ولكني أكتب في جريدتين ؛ إحداهما هى جريدة " أخبار مصر " وهى جريدة نصف شهرية وتصدر في أستراليا وليّ عمود في الصفحة الثانية تحت عنوان " أصدق الكلمات " وأكتب فيها منذ عام 1998 ؛ أكتب سلسلة مقالات أكشف فيها حقيقة الإسلام ؛ إعترض على مقالاتي " سماحة الشيخ سليم علوان الحسني " أمين عام دار الفتوى في إستراليا ؛ وأرسل ليّ خطابا طويلا من إحدى عشرة صفحة ؛ الصفحة الأولى والثانية خطبة عصماء يكرم فيها الأنبياء ؛ والصفحات من الثالثة إلى الخامسة سب ووصفي بالكذب والضغينة والظلم ومن الصفحة السادسة إلى الحادية عشرة تشكيك في صحة التوراة والإنجيل !! .
عرض عليه رئيس تحرير الجريدة أن يرسل له رد سماحته على مقالاتي وسوف ينشره بجوار مقالتي ؛ ولكنه للأسف لم يفعل ؛ حاول أن يستخدم طريقة الصوت العالي ؛ والسب والتشكيك ولكن هذه الطريقة لا تصلح مع الحقائق التي أقدمها بالدليل والبرهان. وهناك أيضا بعض الجرائد الإسلامية التي تنشر في أستراليا وجهت إليّ على صفحاتها بعض العبارات الغير لائقة ؛ تحديت الجميع أن يكذّب ما أكتب ؛ وخرست الألسنة.
الجريدة الثانية هى جريدة " صوت المهاجر " وهى من أقوى الجرائد التي تنشر في المهجر ؛ وتصدر شهريا أكتب فيها صفحة كاملة ؛ أكشف فيها حقيقة القرآن والدين الإسلامي وكله بالدليل والبرهان.
الجرائد المصرية وموقفها مني:
في عام 2003 قمت بعمل عشرين حلقة مع أبونا المبارك القمص زكريا بطرس ؛ وموضوع الحلقات كالتالي:
1- الله واحد أم ثلاثة. 2- هل هناك حتمية لعقيدة الثالوث. 3- شهادة الإسلام لعقيدة الثالوث. 4- الرد على قول القرآن كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة. 5- هل المسيح هو الله أم إبن الله. 6- ما معنى أن المسيح كلمة الله المتجسد. 7- القول أن المسيح إبن الله ألا يصيب المسلم بصدمة. 8- تقولون عن الله تعبيرات لا تليق بالله ! وفي الإسلام مثلها. 9- ماذا نقصد بأن الله تجسد الله هو فداء الإنسان. 10- صلب المسيح والخطة الإلهية. 11- رحمة الله وعدله ومنشأ فكرة الفداء. 12- مبدأ الفداء في الكتاب المقدس وفي القرآن. 13- شروط الفادي الذي يكفر عن خطايا البشر. 14- الرد على الإعتراضات ضد الصليب. 15- هل الكتاب المقدس محرف؟. 16- الرد على الآيات القرآنية التي تدعي تحريف التوراة. 17- الآيات القرآنية التي تشهد بصحة الكتاب المقدس. 18- شهادة علماء الإسلام لصحة الكتاب المقدس وعدم تحريفه. 19- هل نسخ القرآن الإنجيل؟. 20- الناسخ والمنسوخ في القرآن.
الحلقات كلها لتوضيح الحقيقة أمام المشاهد ؛ وكل كلمة قيلت كانت بالدليل والبرهان. قامت الدنيا ولم تقعد ؛ ووجهت إلينا أشد وأقصى الإتهامات ؛ تقولوا علينا بألفاظ غير لائقة ؛ لفقوا لنا تهم باطلة وأطلقوا علينا أننا عملاء تقاضينا أموالا لتشويه صورة الإسلام وإليكم بعض ما نشر على صفحات الجرائد المصرية بقلم الكتاب غير الشرفاء:
1- نشرت جريدة الأسبوع في العدد رقم 371 تحت عنوان " قصة القناة المشبوهة التي تهاجم الإسلام " تحقيق : أشرف أنور ؛ مصطفى سليمان ؛ يقول المقال : أما مقدمة البرنامج فالمعلومات التي جمعناها تؤكد أنها مصرية الأصل لكن إسمها أوديت وليس ناهد متولي ومن تقول أنها ناهد على قناة الحياة هى مسيحية بروتستانتية وليس أرثوذوكسية " وهنا تتهمني الجريدة بالكذب وتدعي أنه لا وجود لناهد ومن تقول أنها ناهد على قناة الحياة هى كاذبة وإسمها أوديت ؛ رفعت صوتي في غرف الإنترنت وهددت أني سوف ألجأ إلى القضاء على ما نسب إليّ كذبا وسوف أقاضي الجريدة ورئيس تحريرها الذي سمح بنشر الكذب وتشويه صورتي وهناك الآلاف من المصريين الذين يعرفونني جيدا وبهذا يفقدون الثقة في هذه الجريدة ؛ طالبات المدرسة التي كنت أعمل بها على مدى إثنين وعشرون سنة ؛ زملائي في العمل ؛ جيراني ؛ الحي الذي كنت أسكن فيه كل هؤلاء يعرفون جيدا من هى ناهد متولي.
2- فوجئت أن الجريدة نفسها ؛ جريدة الأسبوع والعدد رقم 404 ؛ تنشر مقال ؛ بلم رئيس التحرير " مصطفى بكري " تحت عنوان وقائع تنصير فتاة مسلمة " يقول الكاتب " ناهد متولي لمن لا يعرفها كانت مسلمة تعمل وكيلة لشئون الطالبات بمدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات ؛ تبلغ من العمر 62 عاما ؛ تنصرت ثم هربت من مصر بجواز سفر مزور ؛ وبدأت الحرب وعمليات التنصير للفتيات تحديدا " وفي هذه المقالة إعترف رئيس التحرير بحقيقة شخصيتي بعد أن هددت أن الجأ إلى القضاء ولكنه إتهمني أني أشن حرب وعمليات تنصير ؛ ويعلم الله أني أقدم الحقيقة ؛ الحقيقة فقط التي قادني الرب إليها وأنار أمامي الطريق.
3- مقالة ثالثة تنشر في نفس الجريدة " جريدة الأسبوع " والعدد رقم 408 ؛ كاتب المقال هو " د . نبيل لوقا بيباوي " تحت عنوان " قلة من أقباط المهجر يتاجرون بالقضية وعلاقة الأقباط بالمسلمين "
" ولكن الذي يحدث في أغلب الحالات أن المتعصبين المسيحيين يستغلون الحاجات المادية لبعض المسلمين مثل رغبتهم في إيجاد فرصة عمل في الخارج أو الداخل أو قضاء حاجات مادية مثل إيجاد شقة أو عمل أو عملية جراحية فهؤلاء تنصيرهم وتغيير ديانتهم عن الإسلام إلى المسيحية باطل باطل باطل لأنه ليس عن إقتناع بل لقضاء حاجة دنيوية وأنني أستطيع أن أؤكد أن المسيحيين المتعصبين والمسلمين المتعصبين الذين يقومون بتغيير الديانات من إسلام المسيحيين أو تنصير المسلمين لن يدخلوا الجنة لأن إسلام المسيحيين أو تنصير المسلمين يجلب من الضرر أكثر مما يجلب من النفع لأنه غالبا يكون تغيير ديانة لقضاء مصلحة دنيوية وليس عن إقتناع عقلي وبعد دراسة وتحليل وإختبار ... وغالبا المتعصبون المسلمون والمتعصبون المسيحيون الذين يحاولون أسلمة المسيحيين أو تنصير المسلمين يكون على إتصالات بجهات أجنبية تمول عمليات أسلمة المسيحيين أو تنصير المسلمين ويدفعون بسخاء شديد ؛ فعلى سبيل المثال الأستاذة ناهد التي كانت مسلمة وتم تنصيرها كانت مدرسة مرتبها مائة وخمسون جنيها تعمل الآن في كندا بمرتب خمسة عشرة ألف دولار ... أليس هذا إكراها معنويا يبطل مسيحيتها"
بماذا أصف إنسان خان أمانة الضمير والكلمة ولوث الكلمة ولوث قلمه بأكاذيب لإرضاء السلطة والحصول مراكز عليا في الحكومة؟ ! الجميع يعلم جيدا أنني لم أكن في حاجة إلى شقة أو العمل بالخارج ولم يكن مرتبي مائة وخمسون جنيها ؛ أنا جامعية حاصلة على بكالوريوس كلية التربية الرياضية عام 1963 تعينت في وزارة التربية والتعليم فور تخرجي وبالتحديد في 20 – 10- 1963 ؛ تدرجت حتى وصلت إلى الدرجة الأولى ؛ كنت أعمل بكل أمانة وإخلاص لكي أحصل على درجة مدير عام ؛ يوم قدمت إستقالتي كنت قد وصلت إلى وكيل شؤون الطالبات بمدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات وذلك في شهر سبتمبر 1989 ؛ خرجت من مصر هاربة عام 1990 ؛ توجهت إلى هولندا حيث أقيم الآن كلاجئة سياسية ؛ لم أذهب إلى كندا إلا لزيارة بعض الكنائس هناك والتبشير بأسم السيد المسيح.
أنا لست خبيرة في الذرة والتكنولوجيا حتى أعمل بهذا المرتب الخيالي ؛ وأيضا أنا لست عالمة أو باحثة أو مخترعة ؛ لماذا كذبت وحاولت طمس الحقيقة وتشويه صورتي إلى هذا الحد؟ ليتني أجد من يسأل هذا الرجل لماذا خنت أمانة الكلمة أين الضمير؟!
4- مقالة رابعة نشرت في نفس الجريدة ؛ الأسبوع ؛ في العدد رقم 407 ؛ تحت عنوان " المتنصرون خنجر في ظهر الإسلام والوطن " وسؤال " من يمولهم ويحميهم؟ " تحيق بقلم أحمد هاشم " على رأس هؤلاء المرتدين المدعوة ناهد " محمود متولي " أو كما تسمي نفسها حاليا " فيبي عبد المسيح " هذا الإسم يعرفه المترددين على شبكة الإنترنت ومن يشاهدون فضائية " الحياة المشبوهة " تقضي ليلها بغرف الدردشة التابعة لبرنامج دردشة شهير معروف عنه أنه غني بغرف المحادثات الجنسية المسموعة والمرئية ؛ لهذا يقبل عليه الشباب بنسبة كبيرة ؛ وهنا تجد هذه " الناهد " فرصتها وتصطاد الشباب والفتيات من المسلمين وتفتح معهم أحاديث ودية سرعان ما تتطرق للدين وبلغة أقرب إلى لغة الأفاعي تعبث في عقولهم وتهمس في آذانهم ليتركوا الإسلام ويعتنقوا المسيحية تحت إغراءات لا حدود لها. وعلى شاشة " الحياة " تظهر هذه الحرباء في برنامج يزاع لها إسبوعيا تكيل فيه الإتهامات للإسلام ؛ وتستهزئ بأسماء الله الحسنى وتشكك في آيات القرآن الكريم وتصف الرسول بأوصاف يخجل أعداء الإسلام من ذكرها. ويشاركها برنامجها الذي تسميه " أسئلة عن الإيمان " قس مصري يدعى زكريا بطرس ؛ وهو قس مطرود من مصر لا تعترف به الكنيسة المصرية ومعروف عنه أنه وثيق الصلة بأمريكا وإسرائيل وزيارته لهما لا تتوقف ؛ ومؤخرا ظهر على قناة " اموز " الإسرائيلية وفي برنامج خصصه للهجوم على القرآن الكريم والتشكيك في مدى صحته وردد أكاذيب حول الصحابي الجليل عثمان بن عفان متهما إياه بالتلاعب في القرآن. ومن تستضيفه القنوات الإسرائيلية لا نحتاج لأي دليل لوصفه بأنه مأجور هو وشريكته في برنامجه " ناهد متولي " الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ... فكلما زاد نشاطك إرتفع رصيدك من الورق الأخضر ؛ لهذا لا تتوقف هذه " الناهد " وعمرها 62 عاما عن نشر قصة حياتها المزعومة وحلقات صوتية لها بمواقع الإنترنت وسجلت فيلما تتحدث فيه عن رحلتها من الإسلام إلى المسيحية ؛ يبث على نفس الموقع لزعزعة إيمان الشباب. وفي هذه الحلقات تعرّف نفسها بأنها كانت وكيلة شئون الطالبات بمدرسة حلمية الزيتون الثانوية للبنات"
وهناك العديد من الجرائد التي تحمل مقالات عني وبكل تأكيد الهدف الوحيد هو طمس الحقيقة وتشويه صورتي ومحاولة إلصاق التهم الكاذبة بي. سؤالي أوجهه إلى الكتاب الذين خانوا ميثاق الصحافة والذي ينص على نشر الحقائق بكل أمانة دون نقص أو زيادة ؛ لماذا كل هذا الكم من الكلمات غير مهذبة ؛ ولماذا الكذب ؛ ولماذا خنتم القسم الذي رددتموه بأن تكونوا أمناء في كل كلمة تكتبونها؟! أنتم تنادون بحرية الصحافة وحرية التعبير ؛ لماذا تبذلون كل جهد لحرم الآخرين من أبسط حقوقهم حرية الرأي وحرية العقيدة؟ أكرر سؤالي ؛ ما هى جريمتي؟ لماذا كل هذا الهجوم الشرس؟ لماذا تلاحقونني بأقلامكم المسمومة بالكذب والأفتراء؟ ألا يوجد صحفي واحد شريف يقول الحقيقة ويدافع عني كإنسانة حرة وإن إختلفنا في الرأي؟!!
أنا أتحدى كل الكتاب الكذبة أن يقدموني للمحاكمة إن كنت قلت أو كتبت كلمة واحدة كذب أو إفتراء أو ليس لها أصل في المراجع الإسلامية الصحيحة والمعترف بها والتي لا يمكن التشكيك في صحتها ؛ أتحدى الجميع ومستعدة لمواجهة كل من يتهمني بالكذب ؛ ومن كتبكم أثبت صحة كلامي ؛ ليتني أجد من له الشجاعة الكافية لمواجهتي ؛ ليتني أجد ولو إنسان واحد صادق يريد أن يعرف الحقيقة ؛ ليتني أجد من له ضمير يحكم به وعقل يفكر به وصدق ينطق به.
وكان من نتيجة الشحن الإعلامي ضدي ومقالات جريدة الإسبوع وغيرها من الجرائد المصرية وإتهامي بأنني خنجر في ظهر الإسلام أن تزايد الطلب على قتلي وتصفيتي خارج مصر فظهرت على شبكة الإنترنت وتحت عنوان " قائمة الـ 31 " كتب عبد الرحمن مصطفى " هل يمكن أن تتخيل المشهد التالي : تفتح جهاز الكمبيوتر خاصتك لتجد رسالة في بريدك الألكتروني تتداولها الصحف ووكلات الأنباء تحوي بيانا من إحدى الجماعات الإسلامية التي أصدرت حكما ضدك بالإعدام ذبحا ... وتمهلك فقط ثلاث ليال كي تتوب وتعلن جهارا إنكار كل ما كتبت من قبل ...؟!
هذا هو حال واحد وثلاثون كاتبا جاء أسماؤهم في بيان الجماعة الإرهابية التي أطلقت على نفسها " جماعة المناصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم " والتي إتهمت هؤلاء الكتاب بالخروج على شريعة الإسلام " صدر هذا المقال على جريدة إيلاف بتاريخ الخميس 13 أبريل 2006 وإسمي مدرج في القائمة " أو كألمتنصرة ناهد متولي التي سبق أن هاجمت الإسلام في مواد صوتية لها موجود على الشبكة بغرض التبشير ومعها القمص المشلوح زكريا بطرس " والحقيقة أنني لم أهاجم الإسلام ولكني أقول حقائق عن الإسلام ربما تكون صدمة لمن يسمعها لأول مرة ؛ وأرجوا من هذه الجماعة التروي والتأكد من صحة ما ذكرت ؛ وكما سبق وذكرت أنني أتحدى الجميع إذا كان فيما قلت كذب أو إفتراء على الإسلام ؛ ومستعدة للمواجهة.
أما ما فات الكاتب السيد عبد الرحمن مصطفي أنني أقابل هذا التهديد كل يوم في الشوارع والمحال التجارية عند ذهابي للتسوق أو قضاء بعض مصالحي أو حتى للتنزة فبمجرد أن يراني أحد من الناس ذو الأصل الشرق أوسطي حتي ينظر لي شزرا والبعض منهم يحاول الإحتكاك بي وربما بدفعي ولم أتعرض لذلك من قبل الرجال فقط بل ومن النساء المحجبات مما جعلني أحاول قدر إستطاعتي أن أقل من عدد مرات خروجي وحتى عندما أريد النزهة أختار الأماكن المأهولة بالمارة أما الأماكن الهادئة فأصبحت محرمة عليّ ومن هنا أصبحت الرسالة تصلني كل يوم تقريبا مما أدى في النهاية إلى تحديد إقامتي.
مقال أخر نشر في إيلاف ؛ بتاريخ الأحد 9 أبريل 2006 ؛ تحت عنوان " جماعة تتهم بالردة وتهدد بقتلهم " كتب المقال " نبيل شرف الدين " يقول المقال : منحهم 3 أيام للإستتابة والبراءة من كتاباتهم "
كتب نبيل شرف الدين من القاهرة : ممهورا بتوقيع من يطلق على نفسه إسم كنية هو " أبو ذر المقديشي " ويعرف نفسه بأنه " أمير الإعلام بالجماعة " جاء بيان تهديد تلقاه عدد من الكتاب والباحثين ونشطاء حقوقيين ؛ معظمهم من مصر ؛ ويعيشون أما داخل مصر أو خارجها ؛ ويتضمن تهديدات صريحة بالقتل والإغتيال وسبي النساء وغيرها من الأدبيات الشائعة في أوساط جماعات الإرهاب الديني ؛ ما لم يعلن هؤلاء الكتاب والناشطون " توبتهم " و " براءتهم " من كتاباتهم وآرائهم في ذات الصحف التي ينشرون بها مقالاتهم وبحوثهم " وتستند هذه الجماعة في قرارها بالقتل والإغتيال على القرآن " فقد قال تعالى : " قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين " سورة الأنفال رقم 8 والآية رقم 38. وأيضا في سورة التوبة رقم 9 والآية رقم 73 " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وإغلظ عليهم مأواهم جهنم وبئس المصير " صدق الله العظيم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فإقتلوه ". قائمة من الأسماء وعددهم ثلاثة وثلاثون إسما ؛ وإسمي " ناهد متولي " ومكان إقامتي. هولندا وأيضا إسم القمص زكريا بطرس.
إلى جانب ذلك كم هائل من السايتات الإسلامية التي توجه ليّ السباب والشتائم والوعيد بالقتل ؛ وتلصق بي إتهامات بشعة في محاولة تشويه صورتي وتسفيه ما أكتب أو أقول.
هذا هو إسلوب الجواب والحوار الإسلامي ؛ إسكات الأصوات بكل الطرق وإن وصل إلى حد القتل والتصفية الجسدية ؛ لا يوجد أسلوب للحوار العقلاني والذي يتفق مع العصر الحالي ؛ للأسف لا زالوا سجناء السيف والقتل ؛ وما أسهل من إصدار الحكم بالتكفير وإهدار الدم لمجرد البحث أو التفكير وهنا أكرر أن ما أقوله أو أكتبه هو حقائق موجودة في القرآن والسنة النبوية والأحاديث وأستعين بكتب كبار مفسري القرآن الذين يقرّهم الجميع وفي كل مرة أذكر المراجع التي أكتب منها ؛ أنا لا أعتمد على فهمي الخاص ؛ سؤالي هل من يضع الحقيقة أمام الجميع ويلقي الضوء على الأكاذيب والغش والخداع يكون قد كفر ويستحق القتل وأن يهدر دمه؟! ولم يكتف أصحاب السيتات الإسلامية بإثارة المسلمين ضدي ؛ لكنهم نشروا صوري في مواقعهم مما جعل كل مسلم يزور هذه المواقع يعرفني عندما يراني ؛ حتى الشارع أصبح قلق ليّ ؛ جميع المسلمون المنتشرون في أنحاء العالم لديهم صوري ؛ وأصبحوا يحاصرونني بنظراتهم في كل مكان حتى في المطار ؛ أين أذهب؟ ألا يوجد شخص واحد يقول أنه من حقي أن أعبر عن رأي وليّ حرية العقيدة ؟! ألا يوجد شيخ واحد من المشايخ الذين يتغنون في المؤتمرات العالمية بسماحة الإسلام ؛ أن يقول دعوا هذه المرأة وشأنها؟ أم أنها شعارات تطلق أمام العالم والحقيقة مختلفة تماما. ضعوا أنفسكم مكاني ماذا أفعل؟ في كل مكان أذهب إليه أجد هذه الوجوه التي تنظر إليّ شزرا ... ماذا أفعل؟ ما هى جريمتي؟ أين من يقولون أن الإسلام دين يدعوا إلى حرية العقيدة؟ أم هذه المقولة للإعلام فقط؟!!
أغيثونا
أناشد الضمير العالمي ... أناشد القضاء العادل ... أناشد هيئات حقوق الإنسان في جميع أطراف المسكونة وكل من شارك في وضع البنود والنقاط الرئيسية في ميثاق حقوق الإنسان ... أناشدكم جميعا ... أغيثونا ؛ أنه في جميع البلدان الإسلامية والعربية تمتهن حقوق الإنسان وتهدر كرامة المواطنين ؛ أنا ليست الوحيدة التي تطارد من أجل أنني إستخدمت حقي كمواطنة حرة أعيش في دولة " مصر " والتي قعت بالموافقة على ميثاق حقوق الإنسان ؛ عبرت عن رأيي بأنني لم أجد سلامي في الإسلام وإعترفت بالسيد المسيح ربا وإلها ؛ إستخدمت حقي وإخترت الإله الذي أعبده وبالطريقة التي وجدت فيها سلامي ؛ هل هذه جريمة أستحق من أجلها القتل حسب شرائع الإسلام؟ هل هذه جريمة تستحق أن تطاردني من أجلها مباحث أمن الدولة في مصر ومخابراتها خارج مصر؟ هل هذه جريمة تجعل أي مسلم يحاول قتلي بدم بارد وهو مرتاح الضمير نتيجة للثقافة السائدة في الإعلام مناهج التعليم العربي والإسلامي؟ هل هذه جريمة تجعل أولادي يخجلون مني وتجعلني عارا على أسرتي ولا يمحو هذا العار إلا بأن يقتلونني بأيديهم؟
هناك المئات بل الآلاف الذين إستخدموا نفس الحق وتحولوا من الإسلام إلى المسيحية والحكومة المصرية تطاردهم وتقبض عليهم وهم الآن يتعرضون لأقصى أنواع العذاب وتهدر كرامتهم والتهمة جاهزة " إزدراء الأديان"
أنتم يامن قمتم بهذا العمل العظيم وأصدرتم ميثاق حقوق الإنسان ؛ أليس من الواجب عليكم متابعة ما إذا كانت الدول الموقعة على هذا الميثاق ملتزمة به أم أنه مجرد أحرف كتبت لمسايرة العالم المتقدم والتظاهر أمام العالم بالتطور الفكري ومواكبة العصر ؛ وهم في الحقيقة لازالوا سجناء فكر حجري عقيم يرفض الحوار والمناقشة وإسمه الإسلام؟
إسألوا حكومة مصر ما هى جريمتي؟ لماذا طاردوني وإضطروني أن أهرب خارج بلدي الحبيب مصر؟ تركت مصر وهربت إلى دولة هولندا العظيمة وظننت أنه بذلك يكون قد إنتهى الصراع والمطاردة ؛ ولكنني أطارد حتى اليوم ؛ لماذا؟ لماذا تقوم الحكومة المصرية بإنفاق المبالغ الطائلة للإيقاع بيّ وخطفي وإسكات صوتي؟ أليس الشعب المصري الفقير المعدم أولى بهذه الأموال؟ لماذا حولتم حضن أمي مصر إلى جحيم؟ لماذا سلبتمونني حقي كإنسانة لها حرية الرأي والعقيدة وأنتم يا من تتشدقون و وتنشدون الأشعار عن الحريات ؛ أين أبسط حقوقي؟ لماذا أفقدتموني الأمان وأضطررتموني أن أهرب من حضن أمي مصر وأنا في هذا العمر المتقدم؟ إن حقي على بلدي الذي خدمت فيه قرابة ستة وعشرين عاما بكل أمانة وإخلاص ؛ وتقاريري السرية تشهد بذلك ؛ خدمت بلدي وأنا في مقتبل العمر على أن يوفر ليّ الراحة والأمان والحياة الكريمة في شيخوختي ؛ سددت الضرائب وأيضا كل التأمينات ورسوم النقابة ؛ أين حقي عليك يا مصر؟ لماذا أعيش هذا الواقع المرير ... ضاعت كل حقوقي ... ولم يكتفوا بذلك ... بل إنهم يطاردوني .. ما هى جريمتي ؟؟ أنا مواطنة صالحة ... تعلمت حتى حصلت على شهادتي الجامعية .. عملت كمدرسة ثم كوكيلة مدرسة ثانوية ... راعيت أسرتي كزوجة وأم ... لم أقصر في واجباتي نحو عملي أو أسرتي أو بلدي ... عملت .. تعبت .. سهرت وربيت أولادي بكل حب وإخلاص ... الشجرة الجميلة التي غرستها وتعهدتها بالرعاية ووفرت لها كل السبل لتنموا وتكبر أمام عيني .. وعندما أزهرت وتفتحت وبدأت تعطي أثمارها ... حرموني من أن أفرح بالثمر بعد طول إنتظار وبعد عناء السنين الطوال ,,, ولم يكتفوا بذلك الحرمان لكنهم حولوا أجمل المشاعر الإنسانية التي يحملها الأبناء نحو أمهم التي ضحت بالكثير والكثير من أجلهم ؛ حولوها إلى مشاعر حيوانية عدوانية .. مشاعر كره وغضب ؛ جعلوني عارا على أولادي وأسرتي ؛ الجميع يتمنى موتي حتى يمحى إسمي وذكري من بين الأحياء وتطوى قصتي وكأنني لم أكن ... إبني الحبيب محمد .. إبن عمري .. الذي كنت أفتخر به ويفتخر بيّ يأتي اليوم الذي يتحالف فيه مع من يريدون إسكات صوتي ويضع يده في يدهم ليسلمني لهم؟!
ماذا قالوا له حتى يقنعوه بذلك؟ محمد الذي بذلت من أجله كل غالي وثمين حتى أراه مهندسا يعمل في مركز مرموق وعندما تحقق الحلم وأصبح حقيقة بدل من أن يشكرني على مساعدتي له ووقوفي بكل ما أملك من قوة ومن مال بجواره ؛ أصبح يطاردني ويعتبرني عارا عليه وعلى حد قوله لابد وأن يمحي عاره بنفسه ؛ ويحرم نفسه من أن يكّوّن أسرة رغم إمكانياته قبل أن يعيدني إلى الإسلام دين أجدادي. منال التي إحتضنتها منذ ميلادها وكنت لها الأم والأب ؛ وفرت لها كل شئ ؛ حققت لها كل طلب ؛ حتى بعد أن رفضتني وعادت إلى مصر ؛ بمجرد أنها قالت ليّ " أنا نادمة أريد العودة للمسيح وإلى حضنك الدافئ " لم أتوان .. لم أذكر لها تطاولها عليّ .. جندت نفسي لها وعملت المستحيل لكي أساعدها .. ساعدني الرب ودبر كل شئ لكي تعود إلى هولندا مرة أخرى ؛ وعندما حصلت على سكنها الخاص أعطيتها كل أثاث منزلي حتى تشعر بالأمان والإستقرار ؛ إستقطعت من المعونة الشهرية المتواضعة حتى أسدد كل إحتياجاتها ؛ قدمت لها كل ما أملك حتى تشعر بحبي لها وأني لم ولن أتغير بل سأظل أعطي ؛ كيف إستطاعوا أن يقّسوا قلبها عليّ لدرجة أن تنسى كل ما فعلت من أجلها وتنسى أني أمها وتتآمر معهم للإيقاع بي؟ أغروها بالمال .. أغدقوا عليها حتى تبيع أمها ؛ ترى يا أبنتي الغالية منال هل قبضي الثمن المناسب لخيانتك؟! لا أعتقد أن هناك شئ يساوي حب الأم وحضنها ..
نهال .. أبنتي الرقيقة .. الجميلة .. كيف إستطاعت أن تعد أمها من الأموات وأن تقولها بكل قسوة دون أن يتحرك لها ساكن " أنا أمي ماتت منذ أن تركت الإسلام وتحولت إلى المسيحية " أين مشاعر الإبنة نحو أمها؟ أين نهال الحساسة المرهفة الحس من أين لها بهذا القلب الحجري وهى التي كانت لا تتحمل مني حتى نظرة غضب؟ هل يعقل أن يتحول الأبناء الأحباء إلى الد الأعداء؟ ولماذا .. ما هى جريمتي؟! هل وعدوكم أنهم لن يمسوني بسوء؟ هل صدقتموهم؟ أنا أعرف جيدا هؤلاء الجبابرة .. المتوحشين .. أعلم ماذا سيفعلون بيّ إذا تمكنوا مني ؛ وأعلم كيف سينتقمون مني ؛ والطرق الشيطانية والغير إنسانية التي سيستخدمونها معي لإذلالي وإمتهان كرامتي كأنثى وخدش حيائي والعبث بشرفي وعفتي؟ نعم فتقاير حقوق الإنسان عن السجون العربية والإسلامية تشهد بذلك !
ورغم ذلك يا محمد .. منال .. ونهال لا شئ على الأرض يستطيع أن يقتل مشاعر الأمومة نحوكم .. قلب محب ؛ لا يعرف الكره أو الحقد .. قلب يسعكم جميعا .. قلب يغفر ويسامح أنا أنتظركم .. حضني الدافئ لازال كما هو مهما بدر منكم ؛ وسأظل هكذا إلى آخر يوم من عمري.
أناشد الضمير العالمي ؛ كيف يكون حال مجتمع تباع فيه المبادئ والأخلاقيات الأساسية؟ وأي مستقبل لتلك الدولة التي تعلم أبنائها ؛ الجيل القادم أن كل شئ يباع والخيانة مطلوبة ومباحة عند الضرورة ؛ خيانة الأبناء نحو أمهم ؛ كل المبادئ والقيم التي غرستها في أولادي منذ صغرهم ؛ نزعوها من جذورها .. قتلوها .. دمروها.
إلى القضاء العادل أقدم قائمة بأسماء بعض المفكرين والكتاب الذين عبروا عن رأيهم وموقف حكومة مصر:
1- الكاتب الكبير ؛ والأديب العالمي الحاصل على جائزة نوبل للسلام ؛ الدكتور نجيب محفوظ ؛ كفرته الجماعات الإسلامية على لسان كبار شيوخ مصر ومعروفون لدى الدولة وحرضوا على قتله لمجرد أنه عبر عن رأيه في بعض كتاباته وأعتبروه كافر يهاجم الإسلام ؛ وجزاء الكفر القتل ؛ قام عليه أحد الإسلاميين محاولا ذبحه على الشريعة الإسلامية " الجماعات الإسلامية التي تتبناها حكومة مصر ". نعم لم يحاكم أحدا من هؤلاء الشيوخ الذين حرضوا على قتله.
2- الدكتور فرج فودة الذي له العديد من الكتب القيمة التي تناقش القتل والعنف والإرهاب في الإسلام ودافع عن الأقليات ودافع عن حقوق المواطنة وخاطب الدولة عن تساهلها وتواطؤها مع الإرهابيين وحذر من كارثة قد تحيق بمصر أو العالم لهذا النهج الحكومي ؛ لمجرد أنه تطرق إلى مسألة زواج المتعة " بين السنة والشيعة " وفتح حوارا مع شيوخ الإسلام عن هذا الموضوع وعلى صفحات الجرائد ؛ وكان من نتيجة كل تلك الحوارات أن رفعت قضية أمام محاكم القاهرة وكان موضوعها العودة إلى بيع الجواري في ميادين الهرم والعتبة والعباسية كحل للكبت الجنسي للشباب في مصر وطبقا لآيات القران وسنة وشريعة نبي الإسلام ؛ وكان من بين الشيوخ الذين عارضوا فرج فودة شيخ الأزهر ... وكان من نتيجة تعبير الدكتور فرج فودة عن رأيه أن أمر وزير الداخلية عبد الحليم موسى بتكون لجنة من الشيوخ لمحاكمة ضمير فرج فودة الذي إتهموه بالكفر والردة والهجوم على الإسلام وإثارة الشبهات وبعد أسبوع من تكوين هذه اللجنة قتلوا الدكتور فرج فودة ولم يحاكم كل هؤلاء الذين كفروه وإتهموه وحرضوا على قتله بختم من حكومة مصر في عهد الرئيس مبارك.
نعم الدكتور فرج فودة هو الرجل الذي حذر مصر والعالم أجمع من الإرهاب والإرهابيين والمخاطر التي تنتظر العالم وخصوصا بعد تبني الدولة أطروحاتهم الإسلامية في الإعلام الرسمي المصري مناهج التعليم وكذلك تبنيها تطبيق الشريعة الإسلامية وتكفير غير المسلمين وتلك الفكرة بعينها يتبناها الأزهر في مناهجه التعليمية ومبعوثيه خارج مصر ؛ وأوضح الدكتور فودة ذلك في كتبه قبل السقوط ونكون ولا نكون والإرهاب والملعوب والحقيقة الغائبة وكل ذلك حدث قبل أحداث سبتمبر المفجعة في نيويورك ؛ وبأكثر من العشر سنوات.
3- الإستاذ الكبير والمفكر الدكتور سيد محمود القمني والذي له العديد من الأبحاث القيمة الرجل الشجاع الذي كتب بكل صدق ونذاهة وظهر في العديد من البرامج الحوارية على شاشات التلفاز وعبر عن رأيه بكل حرية ؛ تلقى العديد من التهديدات بالذبح وقتل الأبناء إن لم يكف عن كتاباته العقلانية الحضارية العلمانية ؛ وتحت ضغوطهم رضخ وترك مصر وبعد قرابة العام تقريبا عاد ليواجه هؤلاء بصدره العاري.
4- الأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي نقد الخطاب الديني ؛ إعتبروه كافرا ومرتد ؛ قدموه للمحاكمة ؛ أصدر القضاء المصري حكما بتطليقه من زوجته بإعتبار أنها مسلمة وهو كافر مرتد " لمجرد أنه عبر عن رأيه " ؛ هل سمعتم في العالم كله قضاء يدخل على البشر غرف نومهم ويصدر حكما بإنتزاع الزوجة من زوجها ويهدم أسرة سعيدة؟! هل توجد هذه المادة في أي دستور من دساتير العالم؟! كانت النتيجة أن زوجته رفضت حكم القضاء وهرب الزوج والزوجة معا إلى هولندا العظيمة وإختار المنفى حضنا له على الوطن الذي جعلوه له سجنا ونصبوا أنفسهما حرسا وجلاوزة وجلادين لكل من يعمل عقله ويفكر وهو الآن يعمل في إحدى جامعات هولندا ؛ أستاذا في إحدى جامعاتها.
5- طالب سابق بجامعة الأزهر وهو كريم نبيل عامر ؛ درس الإسلام عن قرب ؛ فكر وإستخدم عقله كإنسان حر له حق أسمه حرية التعبير ؛ كتب في مدونة له على شبكة الإنترنت بعض الإنتقادات للدين الإسلامي وللرئيس حسني مبارك وأيضا لأساتذة جامعة الأزهر ونظامه التعليمي ؛ تم القبض عليه ؛ حاكمه مشايخ الأزهر أولا وكان الحكم فصله من الجامعة ثم حاكمه القضاء المصري وكانت تهمته إزدراء الأديان والمقصود هنا نقد الدين الإسلامي لأن كثير من الكتاب المسلمين " ومنهم الدكتور محمد عمارة في كتابه فقه التكفير " والذي أساء إلى غير المسلمين وكفروهم " اليهود والمسيحيين " في كتابه وحرضوا المسلمين على قتل غير المسلمين ؛ ونشروا كتابه في مصر بمباركة الأزهر وطبع على نفقة وزارة الأوقاف المصرية بل ووزع عن طريق الصحف الرسمية في مصر ؛ لم توجه إليه تهمة إزدراء الأديان رغم أن هناك أكثر من جهة في مصر – ومنها منظمات حقوق الإنسان المصرية - أبلغت النائب العام وطالب برفع قضية ضده أمام القضاء المصري بتهمة إزدراء الأديان كما وجه الأزهر تلك التهمة لكريم عامر والتي حكم عليه فيها بسجنه أربع سنوات ؛ ثلاثة منها بتهمة إزدراء الأديان ؛ وسنة لنقده لسيادة رئيس الجمهورية ؛ أين منظمات حقوق الإنسان الدولية ؛ أين الأمم المتحدة؟ ما موقفهم من قضية عبد الكريم نبيل عامر؟ هل ستغمضوا أعينكم عنه وعن ما يحدث له خلف جدران السجن؟! صدقوني إذا قلت أنه هناك العشرات بل المئات من المسلمين الذي تركوا الإسلام يقبعون خلف جدران السجون بنفس التهمة. وفي المقابل سب المسيحية و المسيحيين والتحريض على قتلهم وتكفيرهم وحرق ممتلكاتهم لا يتهم أحدا من هؤلاء الكتاب والشيوخ بتهمة إزدراء الدين المسيحي أو التحريض على القتل والنهب والحرق ؛ هذا هو حال مصر في عصر سيطرة الفكر الديني الإسلامي في عصر مبارك.
6- الكاتبة والأديبة الأستاذة الدكتورة نوال السعداوي ؛ " من رواد الفكر المستنير " التي تبلغ من العمر السبعة والسبعون عاما ؛ والتي لها عشرات الكتب والتي ترجم الكثير منها إلى العديد من اللغات الأجنبية لأنها مفكرة مبدعة ؛ قالت أنها سترشح إلى جائزة نوبل ؛ وهى إستاذ زائر في جامعات أوروبا وأمريكا ؛ بمجرد أنها قالت رأيها الصريح أن الحج وتقبيل الحجر الأسود بأنه من العادات الوثنية قبل الإسلام ولا يليق أن تمارس هذه الشعائر الآن ؛ قامت الدنيا عليها ولم تقعد وإستغلوا كتابها الأخير"الإله يقدم استقالته " أعلن الدكتور محمد سيد طنطاوي ؛ شيخ الأزهر ؛ يوم الخميس الموافق الأول من شهر مارس عقب اجتماعه مع أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ؛ أنه سوف يتقدم ببلاغ للنائب العام ضد المفكرة الدكتورة نوال السعداوي بسبب مسرحيتها الأخيرة بعنوان "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة" وأعتبر الدكتور طنطاوي وأعضاء المجمع أن المسرحية تحمل أفكارا تسيء للذات الإلهية والقرآن والأديان السماوية وبعد طبع الكتاب وبضغط من الحكومة المصرية قام الناشر وهو صاحب مطبعة مدبولي بسحب الكتاب ثم قام الأزهر الذي يحكم مصر الآن بتكفيرها وبرفع قضية ضدها للتفريق بينها وبين زوجها بدعوى الحسبة " أسم القضية إسلاميا حسب الشريعة " وبالفعل تم إستدعائها من قبل النيابة المصرية وتم التحقيق معها تمهيدا لمحاكمتها بتهمة ازدراء الأديان ؛ وعلى أثر ذلك هربت من مصر وهى الآن في أمريكا ؛ وبكل تأكيد بلدان العالم الغربي ترحب بها أستاذة وكاتبة مبدعة ومفكرة ؛ لكن في العالم الإسلامي لا مكان للمواهب النادرة ؛ فالردة إلى الخلف وإستدعاء الخلافة الإسلامية الظلامية وشريعة الإسلام البدوية بكل قساوتها هى التي أصبحت سائدة الآن في مصر.
7- الإعلامية المتميزة " هالة سرحان " التي تقدم برنامجها الشهير "هالة شو " على قناة " روتانا " وبعد عرض إحدى حلقات البرنامج عن فتيات الليل ؛ وبعد إذاعة البرنامج فوجئت بتلك الفتيات اللاتي إشتركن معها في الحلقة ؛ يرفعن ضدها قضية بتهمة أنها قدمت لهن رشوة ليشاركن معها ووكلن عنهن محامي إسلامي " نبيل الوحش " وكانت هالة سرحان قد قدمت حلقة ناقشت فيها موضوع رضاعة الكبير ؛ ورضاعة الكبير هو تشريع إسلامي أوحى به رسول الإسلام في العديد من الأحاديث الصحيحة وذلك أن الإسلام ونبي الإسلام لا يسمح للمرأة المسلمة أن تخالط الرجال الغرباء أو تتعامل معهم في خلوة إلا بعد أن تخرج ثديها وترضع هؤلاء الرجال وبذلك يتسنى لها أن تتعامل معهم وأن تستقبلهم في غياب زوجها أو والدها وإستضافت في هذه الحلقة إثنين من علماء الدين الإسلامي وأقروا بوجود هذا التشريع. فكان رفع الدعوة ضدها هو بمثابة رد على جرأتها بفتح هذا الملف " رضاعة الكبير " ؛ قدمت هالة سرحان إلى القضاء وقرر النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود بفتح تحقيق قضائي تمهيدا لمحاكمتها. وطالب الأزهر بتطبيق حد الحرابة عليها لأنها أساءت إلى الإسلام وإلى الرسول ؛ وحد الحرابة هو عبارة عن قطع اليد اليمنى مع الساق اليسرى أو العكس إستنادا إلى القرآن والسنة النبوية ؛ وهذه الآية القرآنية موجودة في المصحف في سورة المائدة رقم 5 والآية رقم 33 " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " والرسول نفسه طبق هذه الآية القرآنية وقطع أيدي أناس يدعون عكل وعرينة والقصة مشهورة وموجودة في جميع كتب التفاسير وكتب السيرة النبوية. وعلى أثر ذلك هربت الإعلامية هالة سرحان من مصر وهى الآن تعيش في أمريكا بعد فرارها إلى لندن.
القائمة طويلة وطويلة جدا ولا يتسنى ليّ أن أكتب كل أسماء المفكرين والمبدعين والإعلاميين الذين قتلوا أو حكم عليهم بالقتل ويطاردون من قبل الإسلاميين والأزهر لتنفيذ الحكم فيهم. ولا يفوتني أن أذكر الأستاذة المفكرة الدكتورة وفاء سلطان صاحبة الفكر المتحرر والقلم الجرئ والتي أدرج أيضا إسمها ضمن أسماء الكتاب المرتدين والعلمانيين والذين حكم عليهم بالردة والقتل إن لم يتنازلوا عن كتاباتهم ضد الإسلام ويعلنوا توبتهم وهى الآن تعيش في أمريكا وتتلقى يوميا تهديدات بالقتل.
نداء إلى جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية ... إلى الحكومات والبرلمانات الغربية وإلى البرلمانيين ... إلى مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي
لقد دافع الكثيرون منكم عن الرئيس العراقي صدام حسين وعلى إعدامه رغم أنه دفن المئات من الأحياء ؛ ماذا سيكون موقفكم حيال المسلم المستنير الذي إستخدم نعمة العقل وفكر ثم عبر عن رأيه؟ ما هو موقفكم من المسلم المرتد عن الإسلام وكيف ستساعدونه؟ الحكومات الإسلامية ترفضه والشارع يرفضه ويحكم عليه بالقتل إستنادا إلى القرآن والسنة النبوية ؛ وأيضا نتيجة للمناخ الإعلامي العربي والإسلامي الذي لا يقبل الآخر بل يكفره ويحرض على قتله هذا الإعلام الذي ينكر على الإنسان المسلم حقه في أن يختار الدين الذي يلائمه ويقتنع به ويجد فيه سلامه ؛ لكن سؤالي الملح لكل إنسان في العالم كيف تساعدون المسلم الذي يطالب بحقه في إختيار دينه لا وراثته ؟ كيف يعيش مسلم مرتد عن الإسلام في دولة مثل مصر قانونها ؛ المادة الثانية من الدستور تقول أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع ؛ والشريعة الإسلامية والسنة النبوية تأمر بقطع الرقاب لكل من يتجرأ ويترك الإسلام البعض يطبقها حرفيا بقطع رقبته كما في السعودية والبعض يطبقها بالشحن الإعلامي ضده كما في مصر حيث أن إعلامها ومناهج تعليمها لا تعطي أي مساحة للأخر بل وتحرض على من ينتقد الإسلام أو سلوكيات رسول الإسلام ؛ وكتب السنة النبوية بها العديد من الذين قطعت رؤسهم لمجرد أنهم أخذوا موقف مخالف لرسول الإسلام أو لمن إرتد عن الإسلام؟ أمل أن تتخذوا مواقف واضحة وحازمة تجاه هذه المأساة الإنسانية وأن تعطوا درسا للعالم الإسلامي درس في أن العالم بأسره يرفض تلك القوانيين العتيقة التي إبتدعها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا وأنها لا تصلح اليوم لهذا العصر ؛ ليتني أجد تقارير عن المسلم المرتد وماذا يلاقي مع أن هذه أبسط حقوقه.
أن إنتزاع حقوقي في هذه القضية سيلقن الحكومة المصرية ؛ وسائر الحكومات الإسلامية درسا في كيفية إحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ؛ لأن مصر دولة محورية مما ينعكس بدوره على تعميم هذا الحق " حرية إختيار الدين وحرية التعبير " في جميع البلدان العربية والإسلامية وأيضا سيلقن الإرهابيين درسا رادعا بعد تغلغله في قطاعات الشرطة المصرية والقضاء المصري بأحكامه العنصرية ضد المفكرين والمرتدين عن الإسلام ؛ وأيضا درس للبرلمانات العربية ؛ بعد أن تحول البرلمان المصري إلى برلمان يأطر ويشرع للإرهاب وللإرهابيين من خلال مناقشاته التي تخصص لردع ومعاقبة كل من ينتقد التاريخ الإسلامي ورجالاته بل واصبحت تناقش تحت قبته فتاوى الشيوخ وكأنه أصبح هيئة موازية للأزهر أو مجمع البحوث الإسلامية.
نداء إلى كل المنظمات النسائية في العالم والمهتمة بشؤن المرأة العربية أو المسلمة ؛ أن تتخذ خطوات عملية لتحرير المرأة المسلمة سجينة الشريعة الإسلامية؟ نعم إنني أوجه نداء إستغاثة من المرأة المسلمة والعربية خاصة في الشرق الأوسط بل وفي جميع البلدان الإسلامية
أنا في إنتظار من يتبنى قضيتي ويساعدني في إسترداد حقوقي المادية لدى الحكومة المصرية وتعويضي عن الآلام النفسية التي حاقت بي نتيجة لقوانيين الشريعة الإسلامية الظالمة التي تحرم الإنسان من حرية إختيار دينه أو حرية التعبير عن رأيه ؛ نعم ‘نها ليست قضيتي فحسب بل هى قضية المئات أو الألوف ؛ نعم أنني أرجو أن تنصفونني وتساندوني وتشعرونني بأنني إنسانة تنتمي إلى البشرية وأنني ككل إمرأة في العالم المتحضر لها الحق في إختيار الدين ولها الحق في التعبير عن رأيها ؛ حسب ما جاء في ميثاق حقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية ؛ ساعدوني في إسترتداد جميع حقوقي من الحكومة المصرية التي إغتصبتها بعد أن عملت بكل أمانة وإخلاص ستة وعشرون عاما.
أنا في إنتظار ردكم ومساعدتكم ... أغيثوني وآمل أن لا أنتظر طويلا.
ناهد
الأثنين 30- 4-2007
الفهرس
إهداء ..........................................................2
مقدمة ..........................................................3
طفولة سعيدة .................................................4
دراستي الجامعية ...........................................17
زواج على سنة الله ورسوله ..................................36
زيارة بيت الله الحرام .........................................54
إعدادي للقاء رب المجد ......................................59
رؤية رب المجد ............................................63
عمل الرب العجيب .........................................67
ميـلادي الحقيقـي .......................................71
رحلتي مع الصليب .........................................73
خروجي من مصر ........................................86
الوصول إلى هولندا .........................................91
لقاء الأحباء ................................................100
تجنيد منال ..................................................107
تجنيد جارتي ...............................................111
الجرائد المصرية وموقفها مني ................................118
أغيثونا ....................................................123