في
" إن لَمْ تَقَع حَبَّةُ الحِنْطَة في الأرض وتَمُت فهِيَ تَبقَى وحدَها ..
ولكن إن ماتَت تَأْتِ بثَمَرٍ كثير "
يوحنا 12 : 24 ))
مقدمــة :
" كلمة الفداء " في أصل معناها اللغوي تدل على جعل شيء فدية لشيء ومقابلاً لتحقيقه .
ومادة الفداء في لغة العرب تدل على جعل شيء مكان شيء حِمىً له ، تقول : فديته أفديه
، كأنك تحميه بنفسك أو بشيء يعوّض عنه ، فيُقال : فَدَيتُه بمالي وفدَيتُه بأبي
وأمّي ، كأنه اشتراه بما قَدَّم ، ومن هنا جاءت كلمة " الفدية " وهي ما يقي
به الإنسان
نفسه ...
وهناك كلمات تُستعمل بمعنى كلمة " الفداء " مثل كلمة " البَذْل " .
وكذلك تُستعمل كلمة " التضحية " بمعنى الفِداء والضحِيَّة أو الأُضْحِيَة في الشرع
هي الذبيحة التي يقدمها الإنسان لمقصد ديني ، ولعل استعمال كلمة " التضحية " بمعنى
" الفِداء " كان على تشبيه الإنسان الذي يقدم روحه فداءاً لعقيدته ، بِمَن يَذبح
هذه الروح ويجعلها ضحية وفداء ، وعلى هذا جاء قوله تعالى في شأن الذَّبيح إسماعيل*
:
[ وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيْم ] أي جعلنا هذا المَذبوح فِداءً لَه ، وخلصناه به من الذَّبح ".
(فضيلة د. أحمد الشرباصي – الفداء في الإسلام – كتاب إقرأ 314 – فبراير 1969 – دار المعارف بمصر – ص 14 إلى 25 – طبعة ثانية – سبتمبر 1971م – رقم الإيداع 4995/1971)
وكلمة " الكفارة " ( في اللغة القبطية ) مشتقة من كلمة " الرحمة " ، وهي مأخوذة
ايضاً من كلمة covering
أي تغطية أو ستر ، وبذلك نقول كفّرها أي غفرها أو
غطّاها . والفعل " كفَر " ( بوجود فَتحَة على الفاء ) يراد به في اللغتين العبرية
والعربية معاً " سَتَر " . فنحن نقول كفَر الفلاح الحبوب ، أي " سترها " بالتراب ،
والفعل " كفَّر "
( بوجود شَدَّة على الفاء ) يراد به المبالغة في الستر مثل الفعلين : فتَّح وقَفَّل
.
أما إذا استعمل حرف الجر " عن " بعد الفعل الأخير " كَفّر " فيكون المراد به تقديم التعويض اللازم عن الخطيئة أو عن إنسان مُذْنِب .
فنحن نقول : " كفّر فلان عن ذنوبه " ، أي قدّم التعويض اللازم عنها حتى تُرفع عنه عقوبتها . ونقول " كفّر فلان عن المذنبين " أي قدم التعويض اللازم عنهم لكي لا يلحقهم أذى من جَرّاء ذنوبِهم ( لاويين 5 : 5-19 ، 16 : 30-34 ، 17 : 11 ).
(الفدية والكفارة – الأب متى المسكين – رقم (7) في سلسلة ألقاب المسيح – دير القديس أنبا مقار – برية شهيت – وانظر كفارة المسيح – عوض سمعان – كنيسة قصر الدوبارة – رقم الإيداع 4533/88 )
إذَاً بالتكفير يكون الغُفران !
1-
كان الإنسان الأول بسيطاً جداً ، في منتهى البراءة والنقاء . كان عُرياناً ولا يخجل
من ذلك ولا يشعر أنه عريان . فلما اخطأ بدأ يشعر بعُريِه ويخجَل . فغَطَّى نفسَه
بأوراق التِّين . ولكن الله لم تُعْجِبُه التغطية بأوراق الشجر . وهنا يقول الكتاب
:
" وصَنَع الرَّب لآدَم وامرَأَته أقمِصَة من جِلد وأَلبَسَهُما " ( تك 3 : 21 ) .
وقطعاً هذا الجِلد أتى من ذبيحة ، فما هو المعنى الذي يُفهَم من هذا ؟
إنه كان يعني أن الخطية تسبب العُري ، ولكن الذبيحة نتيجتها السَّتر والغَطاء .
2- وبالتقليد وصلت فكرة الذبيحة من آدم إلى ابنه هابيل .. حيث لم تكن هناك وصية مكتوبة تأمر بتقديم ذبيحة للرب . وهنا يقول الكتاب : " وقَدَّم هابيل من أبْكار غَنَمِه ومِن سِمانِها ، فنظَر الرب إلى هابيل وقُربانه " ( تك 4 : 4 ) . ومن هذا الأمر نخرج بمعنى آخر عن الذبيحة ، وهو : تقديم البِكر ذبيحة وتقديم الأفضل .
3-
في الأمر بتقديم إسحَاق مُحرَقَة ، قال الرب لإبراهيم : " خُذ إبنَك وحيدك الذِي
تُحِبُّه ، إسحاق ، وأَصْعِده مُحرَقة على الجبل الذي أُريك إياه " ( تك 22 : 2 ) .
وهنا أخذت البشرية مبدأً ثالثاً ، وهو : تقديم الابن الوحيد المحبوب .
4- وقد تتابَع تقديم الذَّبائِح في حياة الآباء الأُوَل ولم يَخْلُ جيل منها . وهذا واضح في حياة أبينا إبراهيم أَبِي الآباء والأنبياء : " فبنى مَذبحاً للرب الذي ظهر له " ( تك 12: 7 ) . " بنى مذبحاً للرب ودعا باسم الرب " ( تك 12 : 8 ) ( تك 13 : 4 ) . وفي بلوطات مَمْرا " بنى هناك مذبحاً للرب " ( تك 13 : 18 ) . واستمر ذلك معه . كذلك نرى إسحاق يبني مذبحاً للرب ( تك 26 : 25 ) . ويعقوب يبني أيضاً مذبحاً في بيت إيل ( تك 35 : 7 ) . وفي شكيم ( تك 33 : 20 ) . وفيما هو ذاهب إلى مصر لمقابلة يوسف نراه أيضاً يبني مذبحاً للرب . ( تك 46 : 1 ) . " وذبح ذبائح لإله أبيه " .
5- ثم نَظَّم الله الذبائح في شريعة موسى ، وأول هذه الذبائح كان خروف الفِصح الذي بدمه نجا الأبكار من ضربة الملاك المُهلِك . يقول الرب : " ولما أرَى الدَّم أعبر عنكم " ( خر 12 : 13 ) . وهنا اخذ العبرانيون درساً آخر ، وهو :
الدم وسيلة للخلاص من الموت . إذ قد سُفِك دم خروف الفِصح فداءً لهم .
وعملية الكفارة التي قدمها لنا كتاب العهد القديم ، وبخاصة في شرائع
موسى ( سفر اللاويين ) كانت تتضمّن ثلاثة عناصر أساسية ، وهي
:
1-
العنصر الأول هو التعويض أو الضحية ..
أي نفس تؤخذ عِوضاً عن نفس . نفس
طاهرة توضع مكان نفس نجسة . نفس لم تعرف الخطية ولم ترتكب إثماً عوضاً عن نفس خاطئة
تستحق الموت .
2- العنصر الثاني هو نقل الخطية .. نقلها من النفس الخاطئة إلى النفس الطاهرة – بحيث تحملها النفس البارة . لذلك كان الخاطئ يضع يده على الذبيحة ، إشارة إلى إنابتها عنه ، وانتقال خطاياه إليها. ولذلك فالذبيحة ليست خاطئة وإنما حاملة خطايا.
أما الخاطئ فقد صار بالذبيحة طاهراً ، إذ انتُزِعَت خطيته منه بانتقالها إلى الذبيحة ، لذلك كان يشعر بالمغفرة والاطمئنان .
3- العنصر الثالث هو الموت بإراقة الدم .. لماذا إراقة الدم ؟!
أهمية سفك الدم في الحصول على التكفير والحصول على المغفرة :
كان الموت هو عقوبة الخطية منذ آدم وحواء ( تك 2 : 17 ) ، ( تك 3 : 3 ) . لذلك كان لابد من موت حامل الخطية وإراقة دمه . وهكذا كان أهم شيء أمام الله في التكفير هو دم الذبيحة ، لأن الدم يعبر عن النفس .. قال الرب : " إن نفس الجسد هي في الدم . فأنا أعطيكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم . لأن الدم يُكَفِّر عن النفس " ( لا 17 : 11 ) . فدم الذبائح الذي كان يُسفَك في خيمة الاجتماع ، يعني الحياة التي أُخذَت بسبب الخطية .
وهكذا كانت الخطية تعني الموت وكانت نتيجة الذبائح هي الحياة .
شروط أضحية العهد القديم :
إن الذبائح بصفة عامة كان من الواجب أن تكون بلا عيب .. ومن الحيوانات
الطاهرة .. ( لا 22 : 21 – 25 )
.
المسيحية تؤمن بكل ما جاء في العهد القديم .
وتؤمن أن أُجْرَة الخطية هي موت ( رو 6 : 23 ) .
وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة ( عب 9 : 22 ) .
لكن المسيحية تعتبر أن كل الذبائح والمُحرَقات في العهد القديم كانت ترمُز إلى ذبيحة المسيح على الصليب، وذلك للأسباب الآتية :
أولاً : الأسباب التي اعتمدت على النَّقل ( اي ما جاء في الكتب المقدسة ) :
أ. شهادة أنبياء العهد القديم عن موت المسيح كفارة :
1- قال داود النبي بروح النبوة سنة 1000 ق.م على لسان المسيح : " أكثَرُ مِنْ شَعْرِ رأسي الذين يُبغِضونَني بلا سَبب ( مشيراً إلى كراهية اليهود له وصلبهم إياه ) ، حينئذٍ ردَدت الذي لم أخطفه " ( مزمور 69 : 4 ) قاصداً بذلك أن المسيح مع أنه لم يخطف شيئاً ( أو بالحرِيِّ لم يسلب الله حقاً من حقوقه ) لأن الذي فعل ذلك هُم البشر وحدهم ، غير أنه رد بنفسه لله ما خطفوه وسلبوه ، أو بمعنى آخر قام بإيفاء مطالب عدالة الله في نفسه نيابةً عنهم .
2- وقال إشعياء النبي بروح النبوة سنة 700 ق.م عن المسيح : " وهو مجروح لأجل معاصينا " ( وليس لأجل معاصي ارتكبها ) . " مسحوق لأجل آثامنا " ( وليس لأجل آثام اقترفها ) ، " تأديب سلامنا عليه " ( أي أن ما نستحقه من قصاص – حتى تتحقق عدالة الله من جهتنا ويصفو الجو بيننا وبينه – قد احتمله المسيح عِوضاً عنّا ) ، " وبِحَبرِه " ( أي جروحه ) " شُفينا " ( من مرض الخطية القَتَّال ) . " كلنا كغنم ضللنا ، مِلنا كل واحد إلى طريقه ، والرب وضع عليه إثم جميعنا " ( أش53 : 5 ، 6 ) عِوَضاً عن أن يُبقيه علينا ويحملنا مسئوليته وقصاصه .
" سبعون أسبوعاً ( أي 490 سنة ) قُضيت
على شعبك ( أي على اليهود ) وعلى مدينتك المقدسة ( أورشليم ) لتكميل المعصية وتتميم
الخطايا ( التي حدثت برفضهم للمسيح ) ولكفارة الاثم ( أي لإزالة معصيتهم والانتهاء
من أمر خطاياهم ) ، وليُؤتَى بالبر الأبدي
( الذي يَدُم إلى الأبد على أساس الكفارة المذكورة ) ولخَتم الرؤيا والنبوة ( أي
لإتمامهما وتحقيقهما ) ، ولمَسح قدوس القديسين ( أيضاً ) ، فاعلم وافهم أنه من
الأمر بتجديد أورشليم وبنائها – الذي حدث في عهد أرتحشستا الملك " ( نحميا 2 : 1 –
8 ) – إلى المسيح الرئيس ( في مجيئه الأول ) سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً ( أي
49 سنة +434 سنة = 483 سنة ) .
وبعد اثنين وستين أسبوعاً ( أي 434 ) ، يُقطَع المسيح ( أي يُرفَض ويُقتَل ) وليس
له ( أي ليس له المُلك الذي يحق له ) ( دانيال 9 : 24 – 26 ) .
والأسبوع هنا هو أسبوع السنين ، فقد قال الله لحزقيال النبي عن الأزمنة الخاصة بالنبوات التي أعلنها له ، أنه جعل له اليوم عِوضاً عن سنة ( حزقيال 4 : 5 ) . أما عندما يكون المراد بالأسبوع سبعة أيام عادية ، فإن الكتاب المقدس ينص على ذلك ، وقد ذُكِر في موضع آخر أن دانيال قال : " في تلك الأيام أنا دانيال كنت نائماً ثلاثة أسابيع أيام " ( دانيال 10 : 2 ) .
وقد أجمع علماء التاريخ أمثال " ياهين " ، " هنجسبرج " ، " سايس " ، " أنولد " ،
" كوبر " على أن صدور أمر أرتحشستا لتجديد أورشليم كان سنة 455 ق.م ، وبذلك يكون
الباقي بعد خصم هذا التاريخ من الـ 69 أسبوع السنين ( أي الـ 483 سنة ) هو ما يعادل
28 سنة بعد الميلاد بالنسبة إلى تاريخ روما .
وبعد إضافة سنة الفرق بين التاريخ القديم والحديث ( الذي رأى العلماء وجوب إضافته
لضبط التواريخ ) يكون التاريخ 29 سنة ميلادية ، وهذه هي السنة التي صُلِبَ المسيح
فيها ، لأن المؤرخين القدامى قَدَّروا تاريخ ميلاد المسيح بما اكتشف فيما بعد أنه
يوافق
سنة 4 ق.م ، وذلك عندما قورن بتاريخ روما الذي كان يسود العالم وقتئذٍ . وبإضافة 29
إلى 4 يكون الناتج 33 ، وهذا هو السِّن الذي صُلِب فيه المسيح .
ب. شهادة الإنجيل عن موت المسيح كفارة أو فِديَة :
1- شهادة ملاك الرب :
قال الملاك
ليوسف خطيب العذراء مريم – أنها : " ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يُخَلِّص
شعبَه من خطاياهم " ( متى 1 : 21 ) . ولا خلاص من الخطايا إلا بالتكفير
عنها ( كما وضحنا سابقاً ) ، فيكون المسيح هو الشخص الذي يُكَفِّر عن الخطايا .
2- شهادة زكريا الكاهن ( أبو يوحنا المعمدان ) مُتَنَبِّئاً عن فداء الله في المسيح :
قال : " مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه " ( لوقا 1 : 68 ) .
3- شهادة سمعان الشيخ :
قال سمعان الشيخ لله عندما حَمَلَ المسيحَ في طفولته : " الآن تُطلِق عَبدَك ياسيّد ( من العالم ) حسب قولك بسلام ، لأن عَيْنَي قد ابصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب " ( لوقا 2 : 29 – 31 ) . الأمر الذي يدل على أن هذا الشيخ قد اطمأن من جهة مستقبله الأبدي ، لأنه رأى في المسيح الخلاص الذي كان الله قد أعده للنجاة من شر الخطية وقصاصِها .
4- شهادة يوحنا المعمدان :
قال : " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم وذلك لما نظر يسوع مقبلاً
إليه " ( يوحنا 1 : 29 ) . وفي موضع آخر : " فنظر يسوع ماشياً فقال : هوذا حمل
الله " ( يوحنا 1 : 36 ) . فهنا يتجه لقب المسيح ( حمل الله ) اتجاهاً شديداً
ومباشراً نحو الصليب . فلا وظيفة للحمل في تدبير الله إلا أن يكون ذبيحة ،
وأساس الذبيحة في العهد
القديم – على وجهٍ عام هو تغطية الخطية . لذلك حرص المعمدان أن يعطيه صفة تحدد قوة
عمل الذبيحة في العهد الجديد فقال : " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " .
5- شهادة قيافا رئيس كهنة اليهود :
قال بروح النبوة أن يسوع مُزْمِعٌ أن يموت عن الأمة ، وليس عن الأمة فقط ، بل ليجمع ابناء الله المتفرقين ( في جميع أنحاء العالم ) إلى واحد ( يوحنا 11 : 49 – 52 ) .
6- شهادة المسيح نفسه عن موته كفارة :
قال المسيح عن نفسه قبل حادثة الصَّلب : " أنا هو الراعي الصالح ، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخِراف " ( يوحنا 10 : 11 ) قاصداً بالخراف المؤمنين الحقيقيين ، وأوجه الشبه بينهما أن الخِراف تكره القذارة وتطيع راعيها ، والمؤمنين الحقيقيين يكرهون الشر ويطيعون الله .
وقال : " كما رفع موسى الحية في البرية ، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان ( على الصليب ) لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " ( يوحنا 3 : 14–16 ).
وقال : " وأنا أضع نفسي عن الخِراف " ( يوحنا 10 : 15 ) .
وقال : " لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها منّي ، بل أنا أضعها من ذاتي . لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها " ( يوحنا 10 : 17 – 18 ) .
وقال : " إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم ، بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " أو بالحري عوضاً عنهم ( مرقس 10 : 45 ) ، ( متى 20 : 28 ) .
وقال : " لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يُخَلِّص ما قد هَلَك " ( متى 18 : 11 ) .
وعندما شَبَّه نفسه بحبة الحِنطة قال : " وإن لم تقع حبة الحِنطَة وتَمُت فهي تبقى وحدها ، ولكن إن ماتت تأتِ بثمر كثير " ( يوحنا 12 : 24 ) مشيراً بذلك إلى أنه على أساس موته ستكون لكثير من الناس حياة أبدية ، أو بالحري سيكون موته موتاً كفارياً .
وعندما تحدث عن نفسه كالخبز النازل من السماء ليهب حياة أبدية للذين يتناولون
منه قال : " والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي ، الذي أبذله من أجل حياة العالم " (
يوحنا 6 : 51 ) . كما قال لتلاميذه مرة أن جسده سيُبذَل وأن دمه سَيُسفَك عنهم وعن
كثيرين
( لوقا 22 : 19 ، 20 ) الأمر الذي يدل على أن موت المسيح لم يكن مجرد استشهاد – بل
كان أولاً كفارة عن الخطاة ، لذلك أخبر أنه قد أتى من أجل هذه الساعة ( يوحنا 12 :
27 ).
7- شهادة رُسُل المسيح ( الحواريين )* عن موت المسيح فدية وكفارة :
أ. الفدية عند القديس بطرس الرسول :
" عالمين أنكم
افتُدِيتُم لا بأشياء تفنَى ، بفِضَّةٍ أو ذهَب ، من سيرَتِكُم الباطِلَة الَّتِي
تَقَلَّدْتُمُوها من الآباء ، بل بِدَمٍ كَرِيْمٍ كما مِن حَمَلٍ بلا عَيْبٍ ولا
دَنَسٍ ، دَمِ المَسيح ، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالَم ، ولكن قد أُظهِر في
الأزمِنَة الأخيرة من أجلكم " ( 1بط1: 18-20 ) " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده
على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا
للبر " ( 1بط 2 : 24 ) .
ب- الفِديَة والكَفَّارة عند القِدِّيس يوحَنَّا الرَّسول :
" بهذا أُظهِرَت المحبَّة : أَنَّ ذاك ( الذي هو المسيح ) وضع نفسَه لأجلِنا " ( 1يو 3 : 16 ) ، وأيضاً : " في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله ، بل هو أحبَّنا وأرسل ابنه كفَّارة لخطايانا " ( 1يو 4 : 10 ) .
جـ- الفِديَة والكَفَّارَة عند القِدِّيس بولس الرسول :
قال بولس
الرسول لأهل كورنثوس عن المسيح أنَّه : " مات من أجل خطايانا حَسَب
الكُتُب ( النَّبَوِيَّة ) " .
وقال أيضاً عنه
: " وهو مات لأجل الجميع ، كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم
وقام " . وأيضاً : " إن الله جعل ( المسيح ) الذي لم يعرف
خطية ( ذبيحة ) خطية لأجلنا لنصير نحن بِرَّ الله فيه " ( 1كو 15 : 3 ) ، ( 2كو 5
:
15 – 21 ) .
فالمسيح لم يعرف خطية ، لكنه كان على الصَّليب حاملاً خطايا العالم .
وقال لأهل
رومية
: " فإنه
بالجهد يموت أحد لأجل بار ، ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت . ولكن الله
بَيَّن مَحَبَّتَه لَنا ، لأَنَّه ونَحْنُ بَعْدُ خُطاة ، مات المَسيح
لأَجْلِنا " ( رو5 : 7 ، 8 ) .
وقال أيضاً :
" مُتَبَرِّرين مَجَّاناً بنِعمَتِه بالفِداء الذي بيسوع المَسيح الذي قَدَّمَه
الله
كَفَّارة " ( رو 3 : 24 ، 25 ) .
وأيضاً : " لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة " ( رو 6 : 10 ) .
وقال لأهل
كولوسي عن المسيح : " لأنه فيه سُرَّ أَن يَحِلّ كُلّ المِلء ( أي اللاهوت
كله ) وأن يصالح به الكُلّ لنفسه عاملاً الصُّلح بدم صليبه بواسطته "(كولوسي1 : 19
،
20 ) .
كما قال لهم : " وإن كنتم أمواتاً ... أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا ، إذ محا الصَّك ( دَين الخطايا ) الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا . وقد رفعه من الوسط مُسَمِّراً إياه على الصَّليب " ( كولوسي 2 : 13 ، 14 ) .
وقال لأهل أفسس
عن المسيح :
" الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غِنَى نِعمَتِه " ( أفسس 1 : 7 ) ،
وأنه صالحنا " في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به "
( أفسس 2 : 16 ) . وأنه : " أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة " (
أفسس 5 : 2 ) .
وأنه : " أحب المؤمنين وأَسْلَمَ نفسه لأجلهم لكي يحضرهم لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غَضَن " ( أفسس 5 : 27 ) .
أما ( الغَضَن ) : هو التَّجَعُّد الذي يعلو الوجه عند الشيخوخة أو الإعياء . والمراد بالعبارة المذكورة أعلاه أن الله سيُحضِر المؤمنين الحقيقيين إليه كاملين كل الكمال ، بفضل كفارة المسيح الثمينة لأجلهم على الصليب ، وعمله الروحي في قلوبهم طوال وجودهم على الأرض .
وقال
للعبرانيين عن المسيح
: " لِكَي يذوق
بنِعمة الله الموت لأجل كل
واحد " ( عبرانيين 2 : 9 ) . لأن المسيح عندما كان على الصليب ، كان يُمَثِّل كل
إنسان في موقفه كمُذنِب أمام الله في الدينونة ، فحمل كل خطاياه من بداية حياته إلى
آخرها ، الأمر الذي يعطي كُلَّ مؤمنٍ حقيقي الاطمئنان الكامل من جهة قبوله أمام
الله على أساس كفارة المسيح . كما قال : " إنه أُظهِر مرة عند انقضاء الدهور
ليُبطِل الخطية بذبيحة نفسه " ( عب 9: 26 ) . كما قال عنه : " فبعدما قَدَّم عن
الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله "
( عب
10 : 12 ) .
وأنه : " لكي يقدس الشعب بدم نفسه تأَلَّم خارج الباب " ( عب 13 : 12 ) ، أو بالحَرِيّ خارج باب المدينة حيث كانت تُحرَق الذبائح الكفارية عوضاً عن الخُطاة في العهد القديم . واقرأ الأصحاح التاسع من الرسالة إلى العبرانيين .
وقال لتلميذه تيموثاوس عن المسيح : " إنه بذل نفسه فدية لأجل الجميع " ( 1تيموثاوس 2 : 6 ) لكي يفتدينا من كل إثم .
ويكفي أن بولس الرسول وهو اكبر لاهوتي في العالم - وبِآنٍ واحدٍ أكبر خاطيء – لما أدرك دقائق سِرّ الفِداء وفَهِم لغة الله وسمع دقات قلبه وشرح كل أعمال فدية الابن على الصليب ، أنه عبر عن الفداء بتسبحة أخذ يتغَنَّى بها طول حياته ( حتى استُشْهِد ) من ثلاث كلمات ونِصف ، تحوي كل سِرَّ اللاهوت : " أحَبَّنِي وأَسْلَمَ نَفْسَه لأجْلِي " ( غل 2 : 20 ) .
فالرسل ( الحواريون* ) بشهادتهم أن المسيح مات كفّارة عن البَشَر ، كانوا يُعلِنون لليَهود زوال فائدة الذَّبائح الحيوانية التي كانوا يقدمونها لله على أيدي كهنتهم ، مُؤكِّدين لهم أتها كانت مجرد رموز إلى كفارة المسيح . وبما أن هذه الشهادة كانت تثير هؤلاء الكهنة ضد الرُّسُل وتَدْفَعُهُم لشَنّ الاضطهاد عليهم ، لأن بامتناع اليهود عن تقديم الذبائح المذكورة يحرم الكهنة من موارد رزقهم .
وبما أنه لو لم يكن المسيح قد مات فعلاً كفارة عن البشر ، لَما كان قد خطر ببال الرُّسُل أن ينطقوا بمِثل هذه الشهادة ويُجمِعوا عليها ، لأنه ليس من المعقول أن يختلقوا ( وهم جماعة متباينة من الناس كما هو معروف ) موضوعاً لا حقيقة له ، وفي الوقت نفسه يتعرضون بسببه للاضطهاد والعذاب بل للموت . كما أنه على الرغم من تَهاطُل هذا وذاك عليهم يستَمِرُّون في إذاعته بكُل ما لديهم من قوة ونشاط ، لذلك لا بد أن شهادتهم عن موت المسيح كفارة شهادة صادقة .
جـ. الأدلة الكِتابية ( النَّقليَّة ) على تَفَرُّد الله بمهمة الفِداء :
1- شهادة التوراة :
أ- قال موسى النَّبي لله : " تُرشِد برَأفَتِك الشَّعب الذي فدَيته " ( خروج 15 : 13 ) . وقال موسى ايضاً لله : " اغفر لشعبك إسرائيل الذي فدَيت يا رب " ( تث 12 : 8 ) .
ب- وقال حزقيال الملك التَّقِيّ : " الرب صالح يُكَفِّر عن كُل مَن هَيَّأَ قَلبَه لطلب الله " ( 2أخبار أيام 30 : 18 ، 19 ) .
جـ- وقال أيوب
عن الله : " فَدَى نَفْسِي من العُبور إلى الحُفرَة ، فترى حياتي
النّور " ( أيوب 33 : 28 ) .
د- وقال داود النبي : " الرب فادي نفوس عبيده " . وقال أيضاً : " إنما الله يفدي نفسي من يَد الهاوية " ( مز 49 : 15 ) . كما خاطَب نفسَه قائلاً عن الله : " الذي يفدي من الحُفرَةِ حياتَكِ ، الذي يُكَلِّلُكِ بالرحمة والرأفة " ( مز 13 : 4 ) ، لأنه : " إله خلاصي " ( مز 25 : 5 ) .
ولذلك خاطب الله بالقول : " معاصينا أنتَ تُكَفِّر عنها " ( مز 65 : 3 ) .
هـ- وقال الله للشعب الخاطئ : " ارجِع إلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُك " ( إش 44 : 22 ) .
و- وقال إشعياء
النبي : " فادينا رب الجنود اسمه " (إش 47 : 4 ) . وقال
أيضاً : " الرب قد فدَى يعقوب " ( إش 44 : 23 ) . وقال الله عن نفسه : " إله
بار
ومُخَلِّص ، ليس سواي " ( إش 45 : 21 ) . والبار هو العادل ، والمُخَلِّص هو
الرَّحيم ،
ومِن
ثَمَّ لا سبيل إلى الجمع بينهما ، إلا إذا قَبِل المُخَلِّص تَحَمُّل نتائج خطايانا
عِوَضاً عَنّا تحقيقاً للعدالة . وإلا كان الخلاص رحمة لا سند لها من العدالة
، ومِن ثَمّ لا تكون ثابتة أو راسخة ، فرحمة الله لا تعني التنازل عن ثَمن خطايانا
، أو بمعنى آخر لا تعني تعطيل صفة العدل في الله .
2- شهادة الإنجيل :
أ- قالت العذراء مريم عن الله : " الله مُخَلِّصِي " ( لو1 : 47 ) ، قاصدة بذلك أنه المُخَلِّص لها من الخَطِيئة ، لأنه لم تكن لديها وقتئذٍ مشكلة دنيوية ترجو الخلاص منها .
ب- وقال زكريا عندما الهمه الله أن ابنه يوحنا سيعد الطريق أمام المسيح : " مبارك الرب لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه " ( لو 1 : 68 ) .
جـ- وقال بولس
الرسول عن الله أنه " يفدينا من كل إثم " ( تيطس 2 : 14 ) ،
وأنه : " افتدانا من لعنة النَّاموس " ( غلاطية 3 : 13 ) ، وأنه : "
يُكَفِّر الخطايا " ( عبرانيين 2 : 17 ) ، وأنه : " خَلَّصَنا ( من
خطايانا ) ودعانا دعوة مقدّسة " ( 2تيموثاوس 1 : 9 ) . وأنه بمقتضى رحمته
خَلَّصنا من خطايانا ( تيطس 3 : 5 ) .
د- وقال بطرس الرسول أن : " الذي مثاله يُخَلِّصنا " ( 1بط 3 : 21 ) .
هـ- وقال يوحنا الرسول عن الله أنه : " يُطَهِّرنا من كل إثم " ( 1يو 1 : 9 ) . والتطهير من كل إثم يتضمّن الخلاص منه .
و- وقال يهوذا عن الله أنه : " الإله الحكيم الوحيد مُخَلِّصنا " ( آية 25 ) .
ثانياً : لماذا الله ؟ ألا يصلح أى كائن آخر للقيام بعملية الفداء؟!
الأجابة : لقد أخطأ الإنسان الأول ، وكانت خطيته ضد الله وكانت البشرية في صُلب آدم في ذلك الوقت ( جزءاً منه ) ، فالحُكم الذي وقع على آدم : " يوم تأكل منها ( الشجرة ) موتاً تموت " ( تك 2 : 17 ) وقع على ذريته أيضاً ، بالإضافة إلى أن البشرية ورثت عن آدم الخطية* فالكل يخطئ ويتعَدَّى على وصايا الله** وهذا واقع ملموس ، فهذه كلها تعديات وعصيان من البشر ( آدم وذريته ) موجهة ضد الله ، والله غير محدود ، لذلك صارت خطايا البشر غير محدودة والخطايا غير المحدودة عقوبتها غير محدودة وإن قدمت عنها كفارة ينبغي أن تكون كفارة غير محدودة ...
عدل الله أن يموت الإنسان ( اي ينفصل عن الله ) " موتاً تموت " ( تك 2 : 17 ) ، ورحمة الله أن يحيا الإنسان ( الوجود مع الله ) لأنه ضحية الشيطان ( تك 3 : 1-6 ) ، كما قال القديس أثناسيوس . وصفات الله لا تنفصل ( فعدل الله مملوء رحمة ورحمة الله مملوءة عدلاً ) . إذا نظرنا لرحمة الله فقط نكون قد عطلنا صفة العدل ( حاشا ) لأن هذا لا يتفق وكمال الله ( حيث تتساوى الصفات ) .
ما الحل إذن ؟
كان لا بد لحكمة الله أن تتدخَّل لحل هذا الإشكال ...
وهكذا تدخل
أقنوم الابن لحل الإشكال . والابن هو ( حكمة الله وقوة الله ) ( 1كو : 1: 24 ) .
ويُسَمِّيه سفر الأمثال ( الحكمة ) ( أم 9 : 1 ) .. ويُسَمَّى الكلمة أو
اللوجوس ( العقل ) ( يو 1 : 1 ) .
كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال ؟
كان الحل هو الكفارة والفداء ، لا بد أن يموت أحد عن الإنسان - فيفديه - لإنقاذه ، ولم يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر ، غير الإنسان ذاته ... فلماذا ؟
لأن الحكم صدر ضد الإنسان , فيجب أن يموت الإنسان.
ولأن كل إنسان محدود، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة، توفي العقوبة غير المحدودة للخطية غير المحدودة..
كان الحل الوحيد هو التَّجَسُّد : أن ينزل أقنوم الكلمة إلى عالَمِنا مولوداً من امرأة ، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله ، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس ، في جميع الأجيال . وهو من حيث ناسوته يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه . ينوب عنه في دفع ثمن الخطية* .
من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمَّد أن يسَمِّي نفسه : " ابن الإنسان " في كثير من المجالات ... هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة المسيح من العذراء ومن الروح القدس حَتَّى لا يحمل في جسده خطية بل ليحمل خطِيَّتنا . ويموت عنها ، لينقذنا من عقوبتها
يقول فضيلة الشيخ د. أحمد الشرباصي* : " والقرآن الكريم هو أساس الإسلام ودستوره ، وهذا الكتاب الإلهي المجيد يلفت أبصارنا وبصائرنا إلى وجود التضحية والفداء منذ مطلع الخليقة ، فهو يحَدِّثنا في سورة ( المائدة /27 ) :
" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ "
وفي القربان هنا معنى التضحية والفداء ، لأن القربان هو ما يتقَرَّب به الإنسان إلى الله ، وصار في التعارف اسماً للنسيكة ، أي الذبيحة ، وجَمْعُه قرابين .
(الفداء في الإسلام للدكتور أحمد الشرباصي – ص 17 – مصدر سابق)
وجاء في تفسير
ابن كثير : ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قَرَّب الشاةَ هو
هابيل ، وأن الذي قَرَّب الطعام هو قابيل ، وأنه تُقُبِّل من هابيل شاته ، حتى قال
ابن عباس وغيره : إنه الكبش الذي فُدِيَ به الذَّبيح**
، وهو مناسب والله أعلم ( ولم يتقبل من قابيل ) .
كذلك نَصّ عليه غير واحد من السَّلَف والخَلَف ، وهو المشهور عن مجاهد أيضاً ، ..
(تفسير ابن كثير – سورة المائدة – المجلد الثالث – ص 79 – طبعة دار الشعب 8أجزاء (تحقيق عبد العزيز غنيم – محمد أحمد عاشور – محمد إبراهيم البنا)
وذكر السدي في تفسيره عن مشايِخِه بأسانيده ....
فَقَرَّبَ قابيل حِزمة من زرع وكان صاحب زرع ، وقَرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواشٍ ، فنزلت نارٌ فأكلت قربان هابيل دون قابيل ، وكان ذلك سبب الشَّر بينهما ، وهذا هو المشهور .
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري للعسقلاني – باب : خلق آدم وذريته – الجزء التاسع – العدد 90 – ص 597 – حديث 3335 – دار الغد العربي للنشر – توزيع الأهرام – 1994م)
فكان هابيل
أول إنسان من أولاد آدم تقرب إلى الله بذبيحة . فقَبِله تعالى ورضي
عنه . وأما قايين أخوه ، فلما أراد أن يتقرب بغير ذبيحة أي حِنطة ( زرع )
رفضه الله مع تقدِمَته . فكانت الذبيحة للإنسان البِدائي درس عملي فيه يعرف أنه
بدون سفك دَم لا تحصل مغفرة .
وجاء في ( الصافات /107 ) : " وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ*** عَظِيمٍ " .
يقول الإمام
البيضاوي في تفسيره لكلمة " عظيم " : عظيم الجُثّة سمين أو عظيم
القَدر ، لأن الله فدَى به نبياً .
(تفسير البيضاوي – سورة الصافات – تحقيق الشيخ عبد القادر عرفات – دار الفكر – بيروت)
ومن تفسير
المُنتَخَب للآية : وفديناه بمذبوح عظيم القَدْر لكونه بامر الله
تعالى . (تفسير
المنتخب – سورة الصافات – الطبعة 18 – مؤسسة الأهرام)
وقال الشيخ الشرباصي : أي جعلنا هذا المذبوح فداءً له ، وخَلَّصناه به من الذَّبح .
ويقول فضيلته : فقد رأى إبراهيم في نومه انه يذبح هذا الابن العزيز الغالي ، ورؤيا الأنبياء جزء من وحي الله تعالى إليهم .
(الفداء في الإسلام – فضيلة د. أحمد شرباصي – ص 16 ، 29 – مصدر سابق)
ثم يتكلم القرآن عن ذبيحة موسى ( البقرة / 67-73 ) ، وذبيحة إيليا ( آل عمران /183 ) ، وذبيحة الأضحى ( البقرة /195 ) ، ( الحِجّ/28 ، 36 ، 37 ) .
يقول فضيلة الشيخ مخلوف من ضمن ما قال عن الحكمة في مشروعية الأضحية :
" .. وتذكير المسلمين بالذِّبح العظيم " . (جريدة الأهرام – 15/8/1986م)
ويقول فضيلة د.
الشرباصي : " وكأن القرآن الكريم يريد بهذا الحديث المتعدد المواطن أن يشيع فينا جو
الفداء وذِكر الفِداء . وإذا كان القرآن لم يذكر مادة " التضحية " فإنه أشار إليها
بكامة " النَّحر " وهو الذَّبح ، ولا يتحقق الذبح إلا بذبيحة ، وتقديمها تضحية
وفداء ، فقال في سورة الكوثر/2 : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " ، وجاء في الحديث
الشريف : " إن على
كل أهل بيت اضحية كل عام " .
(الفداء في الإسلام – ص 18 – مصدر سابق)
وفي السُّنّة جاء الآتي :
روى البخاري
ومسلم عن أنس قال : " ضحّى رسول الله ( ص ) بكبشَين أملحَين أقرَنَين ، ذبحهما بيده
وسَمّى وكَبَّر ووضع رجله على صفحاتهما " . وبحديث أبي رملة بن مخنف قال : قال رسول
الله ( ص ) ونحن وقوف معه بعرفات " يا أيها الناس إن على
كل أهل
بيت في كل عام أضحية ... " [ رواه أبو داود والترمذي والنّسائي وغيرهم . وقال
الترمذي حديث حَسَن ] .
وجاء في صحيح
البخاري ومسلم أن النبي ( ص ) " ضَحّى في منى عن نسائه
بالبقر
" . وجاء عن النبي ( ص ) : " ضحى بكبشين
وقال
: اللهم تقبل من محمد وآل
محمد "
.
وعن عائشة قالت
: " أن النبي ( ص ) ضحى عن نسائه بمنى في حجة
الوداع " . [ رواه البخاري ومسلم ] .
(فقه المسلم والمسلمة – محمد حسين – ص 59 ، 60 ، 61 ، 73 – المدائن للنشر – طبعة أولى 1415هـ - 1994م – رقم الإيداع : 9769/1994م –ISBN: 977-5339-15-4 )
وعن أبي هريرة
قال : " أن رسول الله ( ص ) ذبح بقرة عن نسائه وكُنّ
متمتعات " [ رواه ابن مردويه ] .
(تفسير ابن كثير – سورة البقرة – المجلد الأول – ص339 – مصدر سابق)
وقال فضيلة الشيخ حسني أبو بكر المنشاوي* ( إمام جامع عمرو بن العاص – عام 1995م ) : إن الرسول ( ص ) ضَحَّى عن جميع الأمّة من غير القادرين من المسلمين لأنه عند ذبحه لأحد الكبشين قال : " اللهم هذا عَنِّي وعَمَّن لم يُضَحِّ من أمّتي " [ رواه أحمد وأبو داود والترمذي ] .
انظر ايضاً تفسير ابن كثير لسورة الحِج [ ابن كثير 5/423 ] حيث قال ( ص ) :
" اللهم هذا عن أمتي جميعها .. " .
وقيل عن علي بن
أبي طالب أنه كان " يضحي بكبشين عن النبي (ص) وبكبشين عن نفسه وقال : " إن رسول
الله ( ص ) أمرني أن أضحي عنه أبداً ، فأنا أضحي عنه
أبداً " . رواه الترمذي وأبو داود والبيهَقي .
(فقه المسلم والمسلمة – ص 66 – مصدر سابق)
وعن عمل الذبيحة وأهميتها وفاعليتها نورد الآتي : " جاء في ( الحِج/36 ) : ".. لَكُمْ فِيْهَا خَيْر .. " . روروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال لفاطمة رضي الله عنها : " قومي إلى أُضحِيَتِكِ فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يُغفَر لَكِ ما سَلَف من ذنبك " رواه البيهقي ورواه عن علِيّ .
(المصدر السابق – ص 67- أنظر أيضا جمع الجوامع الكبير للسيوطى – حديث رقم 28024- ج9 (15 مجلد) دار الكتب العلمية بيروت -الطبعة الأولى2000م)
وفى رواية قال النبى (ص) :"يا فاطمة! قومى إلى أضحيتك فأشهديها،فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها يُغفر لك ما سلف من ذنوبك، قالت : يا رسول الله! هذا لنا خاصة ؟ قال : بل لنا وللمسلمين عامة" (رواه الحاكم فى المستدرك عن ابى سعيد الخدرى).
(المصدر السابق – حديث رقم (28022))
وفى رواية قال النبى (ص) :"يا فاطمة! قومى إلى أضحيتك فأشهديها، فإنه يغفرُ لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه، وقولى : إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، قيل : يا رسول الله! هذا لك ولأهل بيتك خاصة؟ قال : بل للمسلمين عامة" (رواه الطبرانى فى المعجم الكبير والحاكم فى المستدرك والبيهقى فى السنن الكبرىعن عمران بن حصين).
(المصدر السابق- حديث رقم (28023))
لذلك قال الشيخ المنشاوى (إمام جامع عمرو بن العاص) : لقد جعل الله الأضحية من شعائره يذبحها المسلم ليتقرب بها إلى ربِّه لينال مغفرته ورضوانه ولتكون تكفيراً لِما جَنَته يداه من الذنوب والآثام .
وجاء في تفسير ابن كثير : إن النَّحر هو يوم الحج الأكبر . وقد ورد حديث في مُسنَد الإمام أحمد عن عبد الله بن قرط ( 4/350 ) أنه أفضل الأيام عند الله .
وعن عائشة أن رسول الله ( ص ) قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة دَم .. ، وإن الدم ليقع من الله بمكان ، قبل أن يقع على الأرض ، فطَيِّبوا بها نَفساً " . رواه بن ماجة ، والترمذي ، وحَسَّنَهُ .
(تفسير ابن كثير – المجلد الخامس – ص 411 ، 422 ، 423 – الطبعة السابقة)
وفى رواية عن النبى (ص) :"أعظم الأيام عند الله يوم النحر " رواه الإمام أحمد وابو داود والحاكم فى المستدرك وأمالى الشجرى وابن خزيمة فى صحيحه.
(جمع الجوامع الكبير للسيوطى – ج1- حديث رقم 3316- مصدر سابق)
وتحت عنوان الآية : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " جاء بالبُنط العريض ( الخط المشدد ) :
" احرِص على الأضحية ليغفر الله ذنوبك "
وذلك على لسان فضيلة د. أبو سريع عبد الهادي .
(جريدة الجمهورية – 21/6/1991م)
وفي أحكام الأضحية جاء :
- في شرح ( البقرة/71 ) : " أي أنها ليست مُذَلَّلَة للحِراثَة ، ولا مُعَدَّة لِلسَّقْي في السانية ( أداة السّقي ) بل هي مكرمة حسنة صحيحة ( مُسَلَّمَة ) صحيحة بلا عيب ( لا شِيَة فيها ) أي ليس فيها لون غير لونها .
وقال عبد الرازق عن معمر عن قتادة ( مُسَلَّمة ) يقول : لا عيب فيها .
(تفسير ابن كثير – سورة البقرة – المجلد الأول – ص 159 – الطبعة السابقة)
- وقال فضيلة الشيخ مخلوف مفتي مصر الأسبق : " ... ولا يجوز بيعها والتصدق بثمنها على الفقراء لأن المقصود شرعاً التقرب إلى الله والفداء بإراقة الدماء ، ولا يجوز استبدالها بالنقود ، كما لا يجوز شراء لحوم مذبوحة وتوزيعها على الفقراء كأضحية .
(جريدة الأهرام – 15/8/1986م)
- وقال فضيلة د. أبو سريع عبد الهادي في شروط الأضحية : " أن تكون الأضحية تامة الخلقة سليمة من كل عيب ينقص اللحم ... .
(جريدة الجمهورية – 21/6/1991م)
- وقال فضيلة الشيخ حسني أبو بكر المنشاوي إمام جامع عمرو بن العاص عام 1995م : ويجب ان تكون الأضحية سليمة من الأمراض والعيوب ، ...
(انظر صورة الحديث في نهاية البحث)
- ويُستَحَب أن يُنحر البعير قائماً على ثلاث قوائم معقول الرُّكبَة ... .
(فقه المسلم والمسلمة – ص 67 – مصدر سابق)
- والسُّنّة أيضاً أن يقسم المُضَحِّي الأضحية ثلاثاً ، ...
(جريدة الجمهورية – 21/6/1991م)
ونود أن نختم الكلام عن الفداء في الإسلام بهذه المقالة الرائعة لفضيلة د. محمد جلال سعاد تحت عنوان قرآن وسُنَّة :
قال ( ص ) : " ما عمل ابن آدم يوم النَّحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دَم ، وإنها لَتَأتي يوم القيامة بقرونِها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله – عز وجل – بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نَفساً " .
وشرح الحديث :
إن أحب طاعات
العبد التي يعملها يوم العيد إلى الله ، إنما هو إراقة دم الضحية
، وسِر ذلك أن إراقة الدم رمز لقصة استسلام العبد لله ، وإقراره على نفسه بكثرة
ذنوبه ، فكأن العبد يقول بلسان الضحية : " إنني عبد خَطَّاء أستحِق الذبح لكثرة
خطاياي وجرأتي على ربي بالمعصية ، فأنا أذبح هذه الضحية نائبة عنّي في تَلَقِّي
ماكنت أستحق من الإهلاك على كثرة ذنوبي رجاء مغفرة الله لي " . وبهذا
التفسير تكون عبودية المُسلِم لخالقه وطلب المغفرة
منه .
(جريدة
الجمهورية – 29/10/1978م)
تكلمنا عن الكفارة بالفداء في الأديان الثلاثة وخلصنا إلى الآتي :
لو نظرنا إلى الفداء في الإسلام يتضح لنا أنه متفِق مع اليهودية والمسيحية في عدة أمور هي :
1- أهمية سفك الدم في مغفرة الخطايا والآثام ، والتقرب إلى الله ، حيث أن الدم يقع من الله بمكان ، وإن النَّحر هو يوم الحِج الأكبر ، وأنه أفضل الأيام عند الله .
2- قبول قربان هابيل لأنه ذبيحة دموية ورفض قربان قايين ( قابيل ) لأنه ليس ذبيحة دموية .
3- مبدأ الفداء ، وهو موت نفس بلا ذنب لم تَرتَكِب إثماً عن نفس مُذنبة تستحق الموت ( ويمكن تسمية ذلك بمبدأ الإنابة أو التعويض ) ، وبذلك يكون دور الذبيح أو الفادي هو دور الوسيط أو الشفيع الذي يشفع بدمه في المذنب .
4- الذبيحة ليست خاطئة إنما حاملة خطايا ( لأنه لا يستطيع ان يشفع مذنب في مذنبين ) .
5- شعور الإنسان مُقَدِّم الذبيحة بأنه كان يستحق الذبح لكثرة خطاياه وجرأته على ربه بالمعصية ، وأن هذه الذبيحة التي يقدمها نائبة عنه في تلَقِّي ما كان يستحق من الهلاك على كثرة ذنوبه ولتكون تكفيراً لما جَنَته يداه من الذنوب والآثام .
6- الذبيح أو الفادي يجب أن يكون بلا عيب وأفضل الموجود .
7- فكرة ذبح الابن البكر الوحيد لأبيه … العزيز الغالي .
8- إن المناسك والطقوس وأعمال الطاعات والرحمة والتفوق في تنفيذ التكليف وترديد كلمات الاستغفار والتوبة والاتيان بالحسنات … إلخ . كلها أمور لا تغني عن وجوب الذّبح ( النّحر ) لمغفرة الخطايا والآثام :
اليهـــودية : " لأن الدم يُكَفر عن النفس " ( لاويين 17 : 11 ) .
المسيــحية : " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عبرانيين 9 : 22 ) .
الإســـلام : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحِرْ " ( الكوثر /2 ) .
وأن النبي نفسه كان يُقَدِّم أضحية عن نفسه ، وقبل وفاته أمر علي بن أبي طالب أن يُقَدِّم عنه أضحية أبداً . هذا رغم أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حسب قول القرآن ( الفتح/2 ) .
9- أخيراً .. اتفق الإسلام مع اليهودية والنصرانية على قصور الذبائح الحيوانية ككفارة عن الخطايا .
أولاً : الشواهِد :
أ. اليهودية : كانت الذبائح في اليهودية مرتبطة بهيكل سليمان ولا تُقدَّم في أي معبد يهودي آخر …
وقد تم خراب أورشليم سنة 70م على يد تيطُس الروماني فلم يَعُد هناك هيكلاً ولا مذبحاً … ومنذ ذلك الحين تعَطّل أهم طقس في اليهودية ( وهو تقديم ذبائح دموية كفارة عن الخُطاة ) .
أجيال كثيرة من اليهود مضت دون الانتفاع بهذا الطقس الحيوي الهام … أليس هذا دليلاً على قصور الذبائح الحيوانية التي كانت تُقَدَّم على المَذبح في الهيكل كل يوم !!
ب. المسيحية : 1- لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا " (عب 10 : 4).
2- كان تكرار سفك الدم كل يوم اعترافاً بعدم نفعه (عب 7: 18) وإشارة هامة إلى لزوم ذبيحة تبقى حية تُقَدَّم مرة واحدة ( عب 10 : 10 ) .
جـ. الإسلام : 1- كان النبي يضحِّي عن مَنْ لَم يُضَحِّ من أمته من غير القادرين .. فما موقف هؤلاء من التكفير بالأضحية بعد وفاة النبي ؟!
2- أمر النبي : " على كل أهل بيت أضحية كل عام " . هل لم يَزَل سارياً حتى الآن ؟ .. وهل يستطيع كل بيت تحقيق ذلك ؟!
أليس هناك مَن هو غير قادر ؟ .. بل إن هناك المُعدم !!
3- كان النبي يضحي عن نفسه ، وقبل وفاته أمر عليّ أن يضَحّي عنه أبداً . فما موقف النبي من التكفير بالأضحية بعد وفاته ووفاة عليّ ؟!
أليس كل ذلك دليلاً على قصور الذبائح الحيوانية ؟!!
ثانياً : المنطق العقلي :
المنطق الآتي يؤكد ما سبق من شواهد :
أ. الضحية تعتبر وسيط أو شفيع بين الإنسان والله ( لأنها أوفَت بالدَّين الذي كان عليه أن يدفعه جزاءَ ذنوبه ) . فهل يُعقَل أن يكون الشفيع أقل قدراً من المشفع فيه ؟!
وهل يُعقَل أن الحيوان يشفع عند الله ؟!
وهل يشفع حيوان
عند الله في بشر كرمهم الله ( الإسراء/70 ) وخلقهم في
أحسن تقويم ( التين/4 ) .. على صورته ( حديث قدسي ) وجعل الملائكة تسجد
لهم ( الأعراف/11 ).
لذلك كانت الذبيحة التي فَدَت ابن إبراهيم عظيمة القدر .. حية لا تموت .. وهذا يليق بالشفيع والمشفع فيه والمشفع له ( الله ) !
ب. من المنطق أن يعرف الوسيط الفادي الدور الذي سيقوم به ويتقدم تطوعاً وليس مجبراً .. والحيوان لم يعرف الدور ولم يتطوَّع !
جـ. لا يستطيع
كل البشر في كل العصور التكفير بالأضحية .. فهناك غير
القادرين .. بل هناك المُعدَمون ومَن يعيشون في مناطق يصيبها الجفاف والمجاعة !
د. أليس تكرار سفك دم الحيوان كل يوم ( في اليهودية ) أو كل سنة ( في الإسلام ) دليلاً على عدم نفعِه ؟!
كل ما سبق في هذه النقطة يشير إلى قصور الذبائح الحيوانية في إيفاء ما على البشرية من دَيْنٍ من جَرَّاء ارتكاب الذنوب والآثام والمعاصِي .
فما الحل إذَن ؟!
لابد من سفك دم للحصول على مغفرة .. وهذا ما اجمعت عليه الأديان الثلاثة وسبق توضيحه .. وفي نفس الوقت يوجد قصور في الذبائح الحيوانية .
كيف يُحَل هذا الإشكال ؟!
هل أعمال الطاعات تغني عن الكفارة بالفِداء ؟!
في صحيح البخاري قال النبي ( ص ) : " لا يدخل أحدكم الجنّة بعَمَلِه – قالوا .. حتى ولا أنت يا رسول الله .. قال .. حتى ولا أنا إلا أن يتغَمَّدَنِي الله برحمَتِه " .
(لبانة
القاري بشرح صحيح البخاري – مؤسسة الحلبي – طبعة 1969 – ص 196 – وانظر ابن
كثير ( 6/537 ) الطبعة السابقة – وكتاب الشفاعة د. مصطفى محمود – كتاب أخبار اليوم
– عدد يوليو 1999م – ص 86)
وجاء في الكتاب : " .. متى فعلتم كل ما أُمِرتُم به فقولوا أننا عبيد بَطَّالون لأننا عَمِلنا ما كان يجب علينا " ( لوقا 17 : 10 ) .
وجاء أيضاً : " ليس من أعمال كَي لا يَفتَخِر أحد " ( أفسس 2 : 9 ) .
" متبررين مجاناً بنعمته بالفداء … " أي أن التبرر بالفداء وليس بالأعمال - وإن كانت مطلوبة ! - لذلك كان الأنبياء يقدمون ذبائح كَفِدْيَة عِوَضاً عنهم واعترافاً منهم بأنهم خُطاة مهما عملوا من أعمال صالحة .
إذن فأعمال الطاعات لا تغنى عن حتمية الفداء ككفارة لمغفرة الخطايا .
لذلك جاء فى الحديث النبوى :" من نوقش الحساب عُذب " (رواه أبو داود فى الجنائز)
(جمع الجوامع الكبير للسيوطى وحديث رقم (4555) – ج2 (15 مجلد) - ص 147- دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الأولى 2000م)
وفى رواية أخرى :"من نوقش الحساب يومئذ هلك" رواه الإمام أحمد والحاكم فى المستدرك والبيهقى فى شعب الإيمان.
(المصدر السابق – حديث رقم (4380) – ص123)
هل شفاعة الأنبياء تُغنِي عن الكفارة بالفِداء ؟!
أكَّد القرآن مثل اليهودية والمسيحية أن الإنسان في حاجة إلى شفاعة كفارية ترفع عنه الخطايا والذنوب .. لكنه حَصَر هذه الشفاعة في الله وحدَه :
ففي الزُّمر/44 : " .. قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا .. " .
وفي السَّجْدَة/4 : " .. مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ .. " .
وقد حَسَم موضوع شفاعة الأنبياء في قوله :
" مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ .. " ( البقرة/254 )
" يوم لا تملك نفس لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذٍ لله " ( الانفطار/19 )
هذا بالإضافة إلى نصوص كثيرة تؤكِّد أن هذا اليوم لا تنفع فيه شفاعة – على سبيل المثال .. انظر ( النحل/111 ) ، ( غافر/16 ) ، ( الزمر/19 ) … إلخ .
كذلك جاء في ( آل عمران/128 ) : " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " .
لذلك يرى د.
مصطفى محمود أنَّ ( شفاعة الأنبياء أو الملائكة ) إنما هي لون من المُحاباة
والمَحسوبية والوساطة ، كما يتجلّى ذلك في أعرافنا ، وسلوكنا العام . وهذا
يُنافي ( العدل الإلهي ) المُطلَق ، الذي لا يعرف المُحاباة ويُعطِي
كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه ،..
(الشفاعة في الآخرة – بقلم فضيلة د. يوسف القرضاوي – نهضة مصر للطباعة – أغسطس 1999م – رقم الإيداع 11066/1999 - (ISBN: 977-14-1046-6 )
أضِف إلى ذلك :
1- الجميع أخطَأوا ولا يستطييع مُذنِب أن يشفع في مذنب ( فاقد الشيء لا يُعطِيه ) ودليل ذلك أن جميعهم كانوا يُقَدِّمون أضحية للتكفير عن خطاياهُم .
جاء في الصحيحين : " جحد آدَم فجحدت ذُرِّيَّتُه وخطأ آدَم فخَطِئَت ذُرِّيَّتُه " . كما رواه الترمذي في ثلاثة مواضع باب ( سورة الأعراف ) ج2 ص180 عن أبي هريرة . وقال حديث حَسَن صحيح* .
وجاء في الصحيحين أيضاً : " كل ابن آدم خَطَّاؤون " ( اللواء الإسلامي 9/6/1983 ) .
وقد ذكرنا أخطاء الأنبياء الكِبار أولي العَزم في بحث " المسيح في الإسلام " .
إذاً فجميعُهم كانوا في حاجة إلى وسيط أو شفيع .. فادي يموت عنهم وكانوا يعلمون أن أعمالهم الصالحة لا تُكَفِّر عنهم . ودليل ذلك أنَّهُم كانوا جميعهم يُقَدِّمون الذَّبائح كفِديَة عِوَضاً عنهم .
إذاً ، الغُفران ليس في الأعمال ولا في شفاعة الأنبياء ، ولابد من سفك دم للحصول على المغفرة ، ودم الحيوان قاصِر .
يبقَى السُّؤال .. " ما الحل إذن ؟ " ما زال قائماً . إذاً لا بد من ذبيحة ليس فيها قُصُور !! هل إشارت الأديان إلى ذبيحة أخرى غير حيوانية ؟!
الإجابة : نعم . فالأديان الثلاثة .. اشارت إلى ذبيحة عظيمة .. بل حَيَّة أيضاً وإِن ذُبِحَت ، فالحيوان ليس عظيماً ويموت بإهراق دَمِه ..
* هي عظيمة : .. حتى تكون لها قوة عمل شفاعة كفارية ترفع القصاص عن جميع البشر قادرين وغير قادرين .. في كل الأماكن .. وفي كل الأزمنة .. والحيوان ليس عظيماً !
* حية وإن ذُبِحَت : .. حتى تستطيع أن تشفع في المذنبين كل حين ! ألم يحتاج النبي للفداء بعد مماته ؟! والحيوان يموت بإهراق دمه أو ذبحه !!
الإشـــارات
· اليهوديـة :
- إشعياء ( 740ق.م ) : " .. ويصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن... يُبلع الموت إلى الأبد ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه.. " (إش25 : 6 ، 8 ) .
- وهذه الوليمة أوضحها حزقيال ( 597ق.م ) : " اجتمعوا وتعالوا واحتشدوا من كل جهة إلى ذبيحتي التي أنا ذابحها لكم .. ذبيحة عظيمة على جبال إسرائيل لتأكلوا لحماً وتشربوا دَماً " ( حزقيال 39 : 17 ) .
ذبيحة عظيمة لجميع الشعوب من كل جهة .. ليس معقولاً أن تكون حيواناً !!
· المسيحيـة :
- قال يوحنا المعمدان ( آخر أنبياء التوراة ) : هوذا " حمل الله " الذي يرفع خطية العالم ( يو 1 : 29 ) . فنسبة الحمل لله دليل على عظمته ( حمل الله ) كذلك لو لم يكُن حمل الله عظيم لَما استطاع يحيى النبي أن يقول أنه يرفع خطايا كل العالم !
- الحواري
بطرس : قال عن الفدية أنها لا تفنى كالفِضَّة والذَّهَب بل هي دم
كريم
كما مِن حَمَل بلا عَيب ولا دَنَس .. ( 1بط 1 : 18-20 ) .
أي أن بطرس أشار إلى ذبيحة عظيمة ! ومعنَى لا تفنَى .. أنها لا تموت .. حَيَّة !
- بولس ( رسول المسيح ) : لنا ثقة بالدخول إلى قدس الأقداس بدم يسوع طريقاً حيَّاً بالحجاب أي جسده " ( عب 10 : 19 ، 20 ) . يعني ذبيحة حية !
· الإســــلام :
- " وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيْمٍ " ( الصافات/107 ) .
- جاء في تفسير البيضاوي وتفسير المنتخب : أي عظيم القَدر .
والأكثر من ذلك أن ابن عباس ( أعلم الصحابة بالقرآن ) قال أن هذه الذبيحة العظيمة القدر هي حَيَّة رغم ذَبْحِها ! – انظر نقطة الفداء في الإسلام .
يلاحظ كذلك أن الآية لم تَقُل أنه حيوان فقالت : " وفديناه بذبح عظيم " ولم تقل : وفديناه بكبش عظيم – مثلاً !
وبعد هذا العرض لمفهوم الفداء في اليهودية والنصرانية والإسلام مع الأدلة المنطقية التي قدمناها .. نجد أن الذبيحة المطلوبة يجب أن تتوفر فيها الشروط الآتية على الأقل :
(1) العِلم بالدور الذي ستقوم به كوسيط وشفيع ، وأن تتقدم طوعاً غير مُرغَمَة .
(2) أنها ليست خاطئة ( بلا ذنب ) لكنها حاملة خطايا مَن ستموت عنه .
(3) أنها مُبرَأَة من العيوب .
(4)عظيمة القَدر .. حتى تكون لها قوة عمل شفاعة كفارية للتكفير عن خطايا البشر في كل مكان وزمان .. قادرين وغير قادرين .
(5)حَيَّة دائماً حتى تشفع في المذنبين كل حين ( أي لا تنقطع شفاعتها ) .
(6)إنسان .. لأن الذي أخطأ إلى الله هو الإنسان .
فهل تتوفر هذه الشروط في مخلوق حيوان كان أم إنسان ؟! إنها لا تتوفر .. إلا في " المسيح " .. كيف ؟!
(1)المسيح كان يعرف المهمة التي سيقوم بها وقال : إنه جاء من أجل هذه الساعة ( يو 12 : 28 ) .
وإنه قدم نفسه تطوعاً غير مُرغَم : " أنا أضع نفسي عن الخِراف " ( يو 10 : 15 )
" أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخِراف " (يو11:10 )
وغيرها كثير .....
(1) المسيح بلا ذَنب ( بلا خطية ) لكنه حمل خطايا البشر :
- اليهوديـة :
إنه قدوس القديسيين ( دانيال 9 : 24 )
مجروح لأجل معاصينا ( أي ليس لأجل معاص ارتكبها )
مسحوق لأجل آثامنا ( أي ليس لأجل آثام اقترفها )
كلنا كغنمٍ ضللنا مِلنا كل واحِدٍ إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعِنا (إش53 :5، 6 ) . " لم يعمل ظُلماً ولم يَكُن في فَمِه غِشٌ " ( إش 53 : 9 )
المسيحيـة :
" فإن المسيح أيضاً تألَّم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثَمَة لكَي يقربنـا
إلى الله " ( 1بط 3 : 18 )
" مَن مِنكُم يُبَكِّتُنِي على خَطِيَّة " ( يو 8 : 46 )
" لأنه كان
يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شَر ولا دَنَس قد انفصل عن الخُطاة وصار
أعلى من السماوات . الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح
أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدّم
نفسه " ( عب 7 : 26 ، 27 ) ، " أنتم أنكرتم القُدُّوس البار " ( أع 3 : 14 )
وهناك شواهد أخرى كثيرة في عصمة المسيح .. على سبيل المثال انظر :
( 2كو 5 : 21 ) ، ( 1بط 2 : 22 ) ، ( 1يو 3 : 5 )
الإســــلام :
المسيح مُبَرَّأٌ من الخطايا الفِعلِيَّة والموروثة عن آدَم .
( أوضحنا هذه النقطة في بحث المسيح في الإسلام )
(2) المسيح مبرأ من العيوب :
التـوراة : " أنت أبرع جمالاً من بني البَشَر .. انسكبَت النعمة على شفتَيْك . لذلك باركك الله إلى الأبد .. أحببت البِر وأبغضت الإثم " ( مز 45 )
الإنجيـل : " .. دم المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب .. يُطَهِّر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي " ( عب 9 : 14 )
القـرآن :" .. وجيهاً في الدنيا .. " ( آل عمران/45 )
في تفسير المنتخب : البراءة من العيوب .
(3) المسيح عظيم القَدْر :
اليهوديـة :
" طأطأ السماوات ونزل " ( مز 18 : 9 )
" ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل ( الله معنا ) " (إش 7 :14 )
" يولد لنا ولد ونُعطَى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعَى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام " ( إش 9 : 6 )
" قال الرب لربّي اجلس عن يميني حتّى أضع أعداءك موطئاً لقدمَيك " ( مز 110 : 1 ) . وقد استشهد بهذه الآية رسل المسيح ( مت 22 : 44 ) ، ( مر 22 : 36 ) ، لو 20 : 43 ) ، ( أع 2 : 34 ) ، ( عب 1 : 13 ) .
" مخارجه منذ القديم منذ الأزل " ( ميخا 5 : 2 ) .
" المسيح الرئيس – قدوس القديسين " ( دانيال 9 : 24 ، 25 ) .
المسيحيـة :
المسيح عظيم القدر بصفته " كلمة الله " ( يوحنا 1 : 1 ) ، و " حمل الله " ( يوحنا 1 : 29 ، 36 ) ، و " ابن الله " . قال الملاك للعذراء مريم : " الروح القدس يحل عليكِ وقوة العَلِي تظَلِّلُكِ فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعَى ابن الله " ( لو 1 : 35 ) . كما أن الآيات التالية تؤكد عظيم قَدرِه : " فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله " ( عب 10 :12). " جلس عن يمين الله " (مر 16 : 19)، ( أع 7 :55)." جلس عن يمين القوة"(مت64:26)، ( لو 22 : 69 ) ،(عب 1 : 3 ، 8 : 1 ، 12 :2).
وعندما سأله رئيس الكهنة قائلاً : " أأنت المسيح ابن المبارك ؟ قال المسيح : أنا هو . وسوف تُبصِرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء " ( مر14 : 61، 62 ) .
الإســــلام : فهو روح الله ( وذلك ثابت بالسُّنة النبوية ) ، روح منه (النساء/171) – كلمة الله ( النساء/171 ) .
ومعظم الفِرَق الإسلامية ( خاصة أهل السُّنّة ) يؤمنون أن كلام الله قديم أزلي كما قال بذلك الإمام أحمد بن حنبل ، وبذلك يكون المسيح قديم أزلي ( باعتباره كلمة الله ) .
وأكبر دليل على أنه الكلمة ( الصفة الأزلية ) أن الله اختار أشرف الصِّدِّيقات مرة بعد مرة وقام بذاته بتطهيرها وذلك قبل إلقاء كلمته إليها .. أما لو كانت كلمته التي ألقاها إلى مريم مخلوقة ( لفظة ) لَما كان هناك أي داعٍ لتطهير هذه العذراء خاصة وأنها كانت أفضل النساء في العالمين .
دليل آخر
:
وهو عندما كان الصحابة يتعجَّبون أن المسيح فاق لقب إبراهيم ( خليل
الله ) وموسى ( كليم الله ) فهو روح الله وكلمته .. وخرج النبي عليهم وهم كذلك ..
لم ينكر النبي ذلك عن المسيح ، ولم يقُل لهم أنه ليس ما يدعو للتعجُّب ، ولم يقل
لهم أن المسيح
" سُمّي
" كلمة الله لأنه صدر عن كلمة هي " كُن " كما قال المتحدث التليفزيوني ( انظر بحث
المسيح في الإسلام ) .
وإذا كان هذا هو التفسير للقب " كلمة الله " فما هو تفسير لقب " روح الله " ولقب " روح منه " ؟
ألم يَقُل القرآن : " ولا تَيأَسوا من روح الله .. إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ( يوسف/87 ) .
وجاء في تفسير بن كثير : أي لا يقطعوا رجاءهم وأملَهُم من الله .
كما أن هناك أدلة كثيرة تُثبت عظمة المسيح .. وأنه عمل جميع أعمال الله ( من خلق من الطّين وقيامة موتَى وعِلم غيب وإبراء لكل الأسقام ، كما اتصف بصفاته – كالعصمة المطلقة من الخطايا . ( انظر المسيح في الإسلام ) .
(4) المسيح حيّ دائماً رغم موته :
اليهوديـة :
" ولا رأى جسده فساداً " ( مز 16 : 10 )
" أنا أنا اضجعت ونمت ثم استيقظت " ( مز 3 : 5 )
وقد استشهد بالآية الأولى رسل المسيح ( أع 2 : 27 ، 31 ، 13 : 35 ) .
المسيحيـة :
" فمِن ثَمّ يقدر أن يخَلِّص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حَيٌّ في كل حين ليشفع فيهم " ( عب 7 : 25 ) .
" إنه دخل إلى
السماء عينها ليظهر
الآن
أمام وجه الله
لأجلنا … وكان قد أظهر
ليبطل الخطية بذبيحة نفسه " ( عب 9 : 25 ، 27 )
" أنا هو الأول والآخر والحَي وكُنتُ مَيتاً وها أنا حيٌ إلى أبد الآبدين ولي مفاتيح الهاوية والموت " ( رؤ 1 : 18 )
" لأن فيه سُرَّ أن يَحلّ كل المِلء ( ملء اللاهوت ) " ( كولوسي 1 : 19 ) .
الإســـلام : " إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيْسَىْ إِنِّيْ مُتَوَفِّيْكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وجَاعِلُ الَّذِيْنَ اتَّبَعُوْكَ فَوْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " ( آل عمران/55 ) .
قال وهب : ( أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعَه ) – انظر تفسير ابن كثير للآية .
" … ومَا قَتَلُوْهُ يَقِيْنَاً .. بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ .. " ( النساء/157 ، 158 ) .
وثابت في السُّنّة النبوية مجيئه الثاني ، أي أنه حي – حي رغم موته .
(5) ذبيحة الإنسان يسوع :
رغم أن المسيح كلمة الله – روح الله إلا أنه أخذ جسداً إنسانياً طاهراً من الطاهرة سيدة نساء العالمين ( انظر المسيح في الإسلام ) ، وصار في الهيئة كإنسان لكَي يفدي الإنسان الذي سقط بحيلة إبليس .
لذلك قال بولس الرسول :
" لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس .. الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع " ( 1تيمو 2 : 5 ) .
وبعد أن وضح أمامنا معنَى الشفاعة الكفارية وهي قيام الشفيع بدفع الدَّين عن المُدان وتنفيذ القَصاص في نفسه عِوَضاً عنه .. وبعد أن عرفنا شروط الذبيحة ( أو الفدية ) والتي لم تنطبق إلا على المسيح !!
هُنا فلا معنى لشفاعة المسيح التي ذكرها القرآن* ( وَجِيْهَاً فِي الآخِرَةِ .. ) ( آل عمران/45). إلا أنه قدم نفسه ذبيحة ( فدية ) لله عن البشر جميعاً تكفيراً عن خطاياهم ...
لذلك قال الكتاب : " يا أولادي أكتب هذا إليكم لكي لا تُخْطِئوا . وإن اخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا . ليس خطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً . ( 1يو 2 : 1-3 ) .
هنا أيضاً لا
معنى لاسم " بيعة " الذي أطلقه القرآن على الكنيسة ( انظر جميع التفاسير لـ
(الحج/40 ) سوى أن المسيح ابتاع الكنيسة واشتراها بدمه .. ولهذا سُمِّيَت
" بيعة " وهذا يذكرنا بما جاء في المقدمة لفضيلة الدكتور أحمد الشرباصي :
" تقول فدَيتُه أفدَيْتُه ، كأنك تحميه بنفسك .. فيُقال : فديته .. كأنه اشتراه بما قدّم .
والمسييح فدى الكنيسة واشتراها بما قدم وهو دمه الثمين . لذلك قال بولس الرسول : كنيسة الله التي اقتناها بدمه " ( أع 20 : 28 ) .
وقال يوحنا الرسول : " لأنك ذُبِحتَ واشتريتنا بدمك من كل قبيلة وشعب وأمّة " (رؤ5 : 9) .
* هنا أيضاً يمكن تفسير أن الذبح العظيم القدر الذي ذكره القرآن الحي دائماً رغم ذبحه إشارة إلى المسيح . فهو وحده الذي ينطبق عليه ذلك .
* هل بعد ذلك يمكن أن نقبل أن " آدم تشفع بالنبي ( ص ) عندما أخطأ وعصى ربه فتاب الله عليه " [ الخصائص النبوية الكبرى للسيوطي – توزيع مؤسسة الأهرام – عام 1996م ] .
لأن الوساطة أو الشفاعة الكفارية قد وضحت أمامنا وهي قيام الشفيع بدفع الدَّين عن المُدان وتنفيذ القَصاص في نفسه وهذا ما فعله المسيح بالضبط .
بهذه الشفاعة الكفارية يلتقي عدل الله ورحمته ، ويتحقق قول المزمور :
" الرحمة والحق التَقَيا .. البِر والسّلام تلاثَما " ( مز 85 : 10 ) . وكلمة الحق تعني العدل …
صحيح أن الله رحيم ، لكنه أيضاً عادل ولا نستطيع أن نفصل صفات الله . فعدل الله مملوء رحمة ، ورحمة الله مملوءة عدلاً .مَن يستطيع أن يعطل صفة العدل في الله ؟ حاشا !.. فعدل الله مع رحمته اقتضى أن ينزل المسيح الكلمة ويحمل القصاص عَنَّا . هنا يكون الله رحيم وعادل .. الأمر الذي يتفق مع كماله سبحانَه !
أسئلـة حـول البحث
1. لماذا لم يَأْتِ المسيح قبل ذلك الزّمن ؟
- كان لا بد من مدى زمني يدرك فيه الناس معنى الفداء وصفات الفِديَة .
2. هل من العَدل أن يتحَمَّل بريء لخطايا مُذنِب ؟
- مبدأ الإنابة مبدأ سليم ، طالما أن مَن سينوب يوافق على القيام بالمهمة . فمثلاً المَدين الذي يعجز عن سداد دَينِه يقوم الكفيل أو الضامن بسداده . المهم أن يحصل الدائن على دينه .. والله قد أجاز هذه الإنابة – بصفة مؤقتة ورمزية – بواسطة الذبائح الدموية والتي أمر الأنبياء وشعبه بني إسرائيل قديماً بتقديمها .. وفيها كان الحيوان البريء ينوب عن مُقَدِّمِه المُذنب .
3. ما موقف الذين ماتواقبل المسيح ؟!
- الذين آمنوا بالنبوات التي جاءت عن المسيح وعن موته الكفاري قال عنهم الكتاب : " ففي الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدَّقوها وحَيَّوْها وأقروا بأنهم غرباء ونُزلاء على الأرض " ( عب11 : 13 ) .
4. مَن هو الإنسان حتى يبذل الله الابن " الكلمة " من أجله ؟!
- للإنسان مكانة كبيرة عند الله وضحتها الأديان الثلاثة .. ولكنني سأكتفي بتوضيح مكانته عند الله في الإسلام :
فقد خلقه الله في أحسن تقويم ( التين/4 ) ، على صورته تعالى* .
(الأحاديث القدسية – المكتبة القيمة – مدينة نصر – ص.ب : 4045/11727 – ص 94)
وفي حديث قدسي عن الله : أنه إذا أحب عبداً كان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها .. إلخ . [ حديث قدسي رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي عن الله ] .
(حديث قدسي رقم 385 – ص179 – كتاب رياض الصالحين للنووي – طبعة أولى – 1993م – 1413هـ - الدار المصرية اللبنانية – ش عبد الخالق ثروت – القاهرة)
وفي السُّنة النبوية قال النبي ( ص ) : ما شيء أكرم على الله من ابن آدم " .
(جمع الجوامع ( الكبير ) للسيوطي – العدد 19 – الجزء 3 – طبعة أولى 1987م – ص 2308 – مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر)
لذلك اتخذ الله من بني آدم الخليل والكليم والحبيب كما ثبت في القرآن والأحاديث بل الأكثر من ذلك أَنَّ " عرش الرحمن اهتز لموت أحد أبناء آدم " .
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري – المجلد الحادي عشر – عدد 102 – دار الغد العربي للنشر – توزيع الأهرام – 1994م – باب مناقب سعد بن معاذ – حديث : 3803)
لكن
الإنسان عَصَى الله وأخطأ فطُرد من الجنة ورُدَّ إلى أسفل سافلين ( التين/4 ) ..
والله برحمته وعدله معاً هَيَّأَ له هذه الذبيحة الكفارية تحمل خطاياه وتموت
عِوَضَاً عنه أو
نيابةً عنه ، كما أقرت بذلك الأديان الثلاثة حتّى عندما يترك هذه الحياة يعود إلى
مكانته الأولى والتَّمَتُّع بالوجود مع الله .
الله قدوس .. فلا يتمتع بالحضرة الإلهية إلا قديس* .. حيث يقول الكتاب عن مدينة الله العظيمة السمائية: " ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً ... "(رؤ21 :27).
وكيف
يتقدس الإنسان ويتطهّر ويصبح مبرراً وهو ضعيف وبالخطايا ولدته
أمه ( مزمور 50 ) .. حيث ورث الطبيعة الفاسدة .
كيف ما
لم يقم الله بذاته بتطهيره .. وغسله من كل خطية .. وهذا ما فعله المسيح :
" الذي أحبَّنا وقد غسلنا من الخطايا بدمه " ( رؤ 1 : 5 ) .
ويقول الكتاب عن المُخَلَّصين:"وقد غسلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف "
(رؤ7 : 14)
" لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب " ( عب 13 : 12 ) .
" .. دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي " ( عب 9 : 14 ) .
" لأن دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " ( 1يو 1 : 7 ) .
أليس ما سبق دليلاً على محبة الله للبشر ؟!
لذلك قال النبي ( ص ) : " إنما يُفدَى الحبيب بالحبيب " .
(جمع الجوامع ( الكبير ) للسيوطي – العدد 22 – الجزء 1 – طبعة أولى 1975م – مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر)
وقد فدانا
المسيح الابن الوحيدالحبيب ( يوحنا 1 : 18 ) ، ( متى 3 : 17 ) لأن الله قد
أحبَّنا
. فقد قال الكتاب :
" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ( الحبيب** ) لكَي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ، 17 ) .
ختـــام
عندما أقرأ قول فضيلة الشيخ د. أحمد الشرباصي : " إن حياة الحرية والعِزَّة والكرامة لا بد لها من منهج البَذل والتضحية والفِداء " ( الفِداء في الإسلام ) ، أتذكر الفداء الذي نَقَلَنا من العبودية إلى الحرية .. من عبودية الخطية إلى الحرية التي في المسيح .. فبعد أن دفع المسيح الدَّين لم نَعُد عبيداً بل أحِبَّاءً . قال المسيح : " لا أعود أسميكم عبيداً .. لكنني أسميتكم أحباء ... " ( يو 15 : 15 ) .
وعندما أقرأ كلامه عن إبراهيم خليل الرحمن أنه لم يتردد في الإقدام على التضحية بابنه العزيز الغالي وأن ولده ( ابنه ) قبل مشيئة الله ، أتذكر قول المسيح : " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكَي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو 3 :16 ) .
وأتذكر قوله أيضاً قبل الصَّلب : " الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها " ( يو 18 : 11 ) .
شكراً للمسيح الذي :
" أَحَبَّنِي وأسْلَمَ نفسَه لأجْلِي "
( غلاطية 2 : 20 )
* القرآن لم يحدد مَن هو الذَّبيح ، والأحاديث بهذا الشأن ضعيفة او موضوعة ( فضيلة د. علي عبد الواحد وافي – جريدة الأخبار – 14/8/1987م ) .
* هكذا يُسَمِّيهم القرآن – ووصفهم بالإيمان وبأنهم أنصار الله ( الصَّف/14 ) ، ( آل عمران/52 ) ، ( المائدة/111 ) – قال البيضاوي في تفسيره لكلمة " الحواريون " ( آل عمران/52 ) : حواري الرجل خاصَّته من الحَوَر وهو البياض الخالص ، ... سُمِّيَ به أصحاب عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم . وفي الإسلام قيل عن بعض الصَّحابة المقربين المخلصين أنهم حواري النبي ( ص ) . وفي معاجِم اللغة " الحواري " هو النَّصير ( وقال محمد بن السَّائب أنه الخليل أو الحميم ... وهو ناصر الأنبياء ) . وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم ( الحواري الخالص المُنَقّى من كل شيء ، وشاع استعماله في الخُلَصاء للأنبياء ) .
[ انظر تفسير البيضاوي – وانظر أيضاً " محمد والصّحابة " – دار سينا للنشر . وقد أخذ عن القاموس المحيط للفيروز آبادي - معجم ألفاظ القرآن الكريم إعداد مجمع اللغة العربية ] .
*
قال الأستاذ العقاد ردّاً على الذين اتهموا
الرسل ( الحواريين ) بالكذب : " ... لكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يَأبَى
هذا الاتهام لأنه أصعب تصديقاً من القول بان أولئك الدُّعاة أبرياء من
تَعَمُّد الكَذِب والاختلاق ، فشتان عمل المؤمن الذي لا يبالي الموت
تصديقاً
لعقيدته ، وعمل المحتال الذي يكذب ويعلم أنه يكذب وأنه يدعو الناس إلى
الأكاذيب ، مثل هذا لا يُقدِم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة وهو أول مَن
يعلم زيفها وخِداعها ، وهَيهات أن يوجد بين الكَذَبَة العامدين مَن
يَستَبسِل في نشر دينه كما استبسل الرسل المسيحيون ( الحواريون ) . فإذا
كان المؤرخ الصادق يأخذ بأقرب القولين إلى التصديق ، فأقرب القولين إلى
التصديق أن الرُّسُل لم يكذبوا فيما رَوَوه وفيما قالوا أنهم رأوه أو سمعوا
مِمَّن رآه ... " . [ عبقرية المسيح – ص 157 ] .
* جاء في في جامع الترمذي , في ثلاثة مواضع باب (سورة الأعراف )- ج 2 – ص 180 عن ابي هريرة قال (ص) : ".. فجحد آدم فجحدت ذريته , ونسي فنسيت ذريته , وخطئ آدم فخطئت ذريته . وقال أبو عيسي الترمذي حديث حسن صحيح . وللحديث اصل في الصحيحين انظر الأتحافات السنية في الأحاديث القدسية - الشيخ العلامة محمد المدني حديث رقم (50) – المكتبة الأزهرية للتراث- دار الغد العربي القاهرة .
** جاء في الصحيح : " كل ابن آدم خَطّاءون " ( اللواء الإسلامي 9/6/1983 ) .
* قد يقول البعض : هل خطية آدم تستلزم تجسد الكلمة وإهانته وصًلبُه ؟ ألم يكن الله قادراً أن يتوب عليه دون كل ذلك ؟
أولاً : نرُد بقول الدكتور عبد المتعال الجبري : " المعصية لله كبيرة مهما كان ما عُصِيَ فيه من القيمة المادية " ، وكما قال الإمام الغزالي :" لا تنظر إلى عظمة أونوع المعصية ولكن إلى قيمة مَن تعصاه وعظمته " . [ كتاب شطحات مصطفى محمود في التفسيرات العصرية للقرآن الكريم – ص 112 ، 208 – دار الاعتصام – رقم الإيداع 5580/1976 – الترقيم الدولي ISBN 7065-59-0 ] .
وبناءاً على هذا الكلام تكون خطية آدم عظيمة ( غير محدودة ) لأن عظمة الله غير محدودة – فإذا قدمت كفارة يجب أن تكون غير محدودة ، وهذا الأمر هو الذي استلزم تجسد الكلمة وقيامه بالفداء .
ثانياً : لابد من إيفاء عدل الله كما أوضحنا – فالله رحيم وعادل في نفس الوقت ، وليس رحيماً فقط .
* المرحوم فضيلة د. احمد الشرباصي كان أستاذاً بجامعة الأزهر .
** قال بذلك أيضاً السيوطي حيث قال في تفسير ( الصافات/107 ) : ( بذبح ) هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه . أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس . [ مفحمات الأقران في مبهمات القرآن للسيوطي – ص174 – تحقيق آباد خالد الطباع – مؤسسة الرسالة – بيروت – ص.ب : 7460 – الطبعة الثانية 1409هـ - 1988م ] .
*** يلاحظ أنه لم يذكر أن الذبيحة حيوان – فلم يقل مثلاً وفديناه بكبشٍ عظيم .
* مُرفَق في نهاية البحث صورة من حديث الشيخ المنشاوي ( عام 1995م ) .
* ( انظر الأحاديث القُدسية طبعة المكتبة القَيِّمَة – مدينة نصر ) .
* انظر تفسير الجلالين .
* يتفق هذا مع ما جاء في سفر ( التكوين 1 : 27 ) : " فخلق الله الإنسان على صورته .. على صورة الله خلقه " .
* في السيرة النبوية لابن هشام : قبل أن يصعد النبي ( ص ) إلى الحضرة المقدسة جاء مَلَك وشق صدره لينقيه من مغمز الشيطان وليطهر ويقدس من كل خلق ذميم لأن الحضرة المقدسة لا يصعد إليها إلا مقدَّس .. [ السيرة النبوية لابن هشام ( 1/153 ) – طبعة دار الجيل – بيروت ] .
** ( متى 3 : 17 ) .