الخطيّة والكفّارة في الإسلام والمسيحية
Copyright © 2008 All rights reserved Good Way
وردت في نصوص القرآن طائفة من الكلمات التي تعبر عن الخطيّة أشهرها
- الذنب: وقد خصص القرآن لها 39 آية، أكثرها تداولاً ما جاء في سورة الفتح 48: 1 - 2: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ».
- الفحشاء: وهي تستعمل بالأكثر للتعبير عن خطية الزنا، وقد نهى القرآن عنها بقوله: «وَلاَ تَقْرَبُوا ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (سورة الأنعام 6: 151).
- الوزر: إذ
يقول: «أَلَمْ
نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» (سورة
الشرح 94: 1 - 3).
قال الفخر الرازي في شرح هذه الآية إنّ الملاك جبريل أتى محمداً وشق صدره وأخرج قلبه وغسله ونقّاه من المعاصي، ثم ملأه علماً وإيماناً.
وأخرج ابن هشام عن محمد بن إسحاق قال: إن نفراً من أصحاب محمد سألوه: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، فقال: استعرضت في بني سعد. فبينما أنا مع أخ لي، خلف بيوتنا، نرعى بَهْماً لنا، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، بطست من ذهب، مملوءاً ثلجاً. ثم أخذاني فشقا بطني واستخرجا قلبي، فشقّاه فاستخرجا منه علقة سوداء، فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج. ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم، فوزنتهم. ثم قال زنه بماية من أمَّته، فوزنني، فوزنتهم. ثم قال زنه بألف من أمَّته، فوزنني فوزنتهم. فقال دعه عنك، فوالله لو وزنته بأمَّته لوزنها.
- الضلال، كقوله: «وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى» (سورة
الضحى 93: 5 - 8).
وقد فسَّر الكلبي الضلال بالكفر.
- الكفر، كقول
القرآن للمؤمنين: «كَرَّهَ
إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ» (سورة
الحجرات 49: 7).
قال الزمخشري في تفسير هذه العبارة: أنها أمور ثلاثة: الكفر وهو نكران الله. والفسوق وهو الكذب، والعصيان وهو التمرد.
- الظلم، كقوله: «وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ» (سورة الشعراء 26: 10).
- الإثم، كقوله: «وَذَرُوا ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ» (سورة الأنعام 6: 120).
- الفجور، كقوله: « وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ» (سورة الانفطار 82: 14 - 16).
- الخطيئة، كقوله: «وَمَنْ
يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً» (سورة
النساء 4: 112).
في هذه الآية ثلاثة أسماء للخطية: الخطيّة والإثم والبهتان، وقد ميز بينها الإمام الرازي بالتفسير التالي:
- الخطيّة هي الصغيرة، والإثم هو الكبيرة.
- الخطيّة هي الذنب القاصر على فاعلها، والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير، كالظلم والقتل.
- الخطيّة ما لا ينبغي فعله، سواء كان بالعمد أو بالخطأ، والإثم ما يحصل بسبب العمد.
أما البهتان، فهو أن ترمي أخاك بأمر منكر وهو بريء منه. واعلم أن صاحب البهت مذموم في الدنيا أشد الذم ومعاقب في الآخرة أشد العقاب.
- الشر، كقوله: «وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ» (سورة
الزلزلة 99: 8).
أخرج أبو الجعفر الطبري عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: قال أنزلت هذه السورة وأبو بكر الصديق قاعد، فبكى حين أنزلت. فقال رسول الله: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال تبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله: لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر الله لهم.
- السيِّئة، كقوله: «وَمَنْ
جَاءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ» (سورة
النمل 27: 90).
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية شقَّت على المؤمنين مشقَّة شديدة، فقالوا لمحمد: وأي منا لم يعمل سوءاً، فكيف الجزاء؟ فقال أن الله وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة. فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة، وتبقى له تسع حسنات.
- السوء، كقوله: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً» (سورة النساء 4: 123).
- الفساد، كقوله: «لَيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ» (سورة البقرة 2: 205).
- الفسق، كقوله: «وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ» (سورة البقرة 2: 99).
- البهتان، كقوله: «مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ» (سورة النور 24: 16).
وهناك كلمات أخرى كثيرة تعبّر عن الخطيّة، يضيق بنا المجال لذكرها مع قرائنها كما وردت في القرآن.
ولكن قبل أن أنهي الحديث عن الخطيّة يجب أن أذكر أن القرآن يعلّم بوجود الخطيّة الأصلية، ويقر بأنها كانت سبباً لسقوط آدم وحواء، وذريتهما. وقد أفرد لها آيات كثيرة نكتفي بذكر أوضحها وأسهلها تناولاً على أفهامنا: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ ْعَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ» (سورة البقرة 2: 35 - 38).
اختلف علماء المسلمين في المكان الذي كان فيه آدم وحواء قبل السقوط. قال أبو قاسم البلخي، وأبو مسلم الأصفهاني إن الجنة كانت في الأرض. وفسرا الإهباط بالانتقال من بقعة إلى بقعة، كما في قول القرآن اهبطوا مصر.
أما الجبائي فقال إن تلك الجنة كانت في السماء السابعة والدليل قوله «اهبطا منها».
ويتفق القرآن مع نص سفر التكوين، من حيث أن معصية آدم كانت أكل ثمر الشجرة التي في وسط الجنة. إلا أن العلماء اختلفوا في نوعية الشجرة، ولهم في ذلك عدة روايات مدعمة كلها بالأسانيد، منها:
عن إسحاق، عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة وابن المبارك عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة.
وعن ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول: هي البر، ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وروي أن أبا بكر الصديق، سأل رسول الله عن الشجرة فقال: هي الشجرة المباركة السنبلة.
وعن سلمة، قال حدَّثني محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، أنه حدَّث أنها الشجرة، التي كانت تحتكّ بها الملائكة للخلد.
وعن ابن وقيع، قال: حدَّثني عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدَّثه، عن ابن عباس قال هي الكرمة.
وعن مجاهد، وعن قتادة أنها شجرة التين.
وقال الربيع ابن أنس: كانت شجرة من أكل أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث.
ويتفق القرآن أيضاً مع سفر التكوين في أن آدم وحواء أقدما على الأكل بغواية الشيطان، إذ يقول: «فأزلَّهما الشيطان».
وقال ابن جريج، عن ابن عباس، أنه قال في تأويل كلمة «فأزلهما الشيطان» أنه أغواهما.
ولما كان آدم في نظر القرآن نبياً، والأنبياء حسب تعليم الإسلام معصومون عن الخطأ، فقد قام إشكال في حادث سقوط آدم. فقام المفسرون بمهمة الخروج من الإشكال، فقالوا: إن آدم حالما صدرت عنه تلك الزَّلّة ما كان نبياً، ثم بعد ذلك صار نبياً. ولكن هذا الرأي لم يحصل على الإجماع، فقد قال فريق من المفسرين إن آدم كان نبياً منذ البدء. وإنما وقع في زلَّته، وهو ناسٍ. ومثَّلوه بالصائم الذي يشتغل بأمر ما يستغرقه ويغلب عليه. فيسهو عن الصوم، ويأكل في أثناء ذلك السهو لا عن قصد. وجاء في إحدى الروايات إنّ حواء سقته خمراً، حتى سكر ففعل ذلك أثناء السكر.
ولست أدري كيف يمكن أن يقبل مثل هذا التفسير، والقرآن يقول في الآية التالية: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ» (سورة البقرة 2: 37). فكلمة تاب هنا تدل على أنه وقع في الخطيّة فعلاً باختياره، وإن يكن حاول إلقاء المسؤولية على حواء، كما يخبرنا الكتاب المقدس.
وقد جاء في آراء لفيف من العلماء ما يؤكد أن آدم تعمَّد الأكل من الشجرة، فقد أخرج أبو جعفر الطبري عن يونس بن عبد الأعلى، عن وهب، عن ابن زيد في تفسير: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات...» فقال: لقَّاهما هذه الآية: «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ» (سورة الأعراف 7: 23).
وحدَّث موسى بن هرون، قال: حدَّثنا عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي، في تفسير «فتلقّى آدم من ربه كلمات» قال: «رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. قال: ونفخت فيَّ من روحك؟ قيل له: بلى. قال: وسبقت رحمتُك غضبَك؟ قيل له: بلى. قال: رب، هل كنتَ كتبت هذا عليّ؟ قيل له: نعم. قال: رب وإن تبتُ وأصلحت هل أنت راجعني إلى الجنة؟ قيل له: نعم. قال الله تعالى: ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى».
وفي رواية أخرى عن محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي. قال حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع. قال: حدّثني من سمع عبيد بن عمير يقول: قال آدم: يا رب خطيئتي التي أخطأتها، أشيء كتبتَه عليَّ، قبل أن تخلقني؟ أو شيء ابتدعتُه من قِبَل نفسي؟ قال: بلى شيء كتبتُه عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبتَه عليَّ فاغفره لي. قال: فهو قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات.
ولكن هذه التفاسير كلها لا يمكنها نفي الحقيقة التي يقرّها المنطق، وهي أن آدم أخطأ باختياره. وهذا ما ذهب إليه الفخر الرازي بقوله: أما الآيات التي تمسكوا بها في الأفعال فكثيرة: أولها قصة آدم عليه السلام. تمسكوا بها من سبعة أوجه:
- إنه كان عاصياً، والعاصي لا بد وأن يكون صاحب الكبيرة لوجهين: الأول أن النص يقتضي كونه معاقَباً لقوله تعالى: «ومن يعصى الله ورسوله فإن له نار جهنم». الوجه الثاني أن العاصي اسم ذم، فيجب أن لا يتناول إلا صاحب الكبيرة.
- في التمسك بقصة آدم أنه كان غاوياً، كقول القرآن فغوى، والغي ضد الرشد.
- إنه تاب والتائب مذنب. والتائب هو النادم على فعل الذنب، والنادم على فعل الذنب، مخبر عن كونه فاعلاً للذنب. فإن كذب في ذلك الإخبار فهو مذنب في الكذب، وإن صدق فيه فهو المطلوب.
- إنه ارتكب المنهيَّ عنه، في قوله «ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، ولا تقربا هذه الشجرة» وارتكاب المنهي عنه عين الذنب.
- سُمي ظالماً، في قوله «فتكونا من الظالمين». وهو سمّى نفسه ظالماً في قوله: «ربنا ظلمنا أنفسنا» والظالم ملعون لقوله «ألا لعنة الله على الظالمين». ومن استحق اللعن كان صاحب الكبيرة.
- اعترف بأنه لولا مغفرة الله له وإلا لكان من الخاسرين في قوله «وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وذلك يقتضي كونه صاحب الكبيرة.
- إنه أُخرج من الجنة بسبب وسوسة الشيطان، وإذلاله جزاء على ما أقدم عليه من طاعة الشيطان، وذلك يدل على كونه صاحب الكبيرة.
وهناك خلاف بين العلماء، حول الكيفية، التي دخل بها الشيطان إلى الجنة وتمكن من وسوسة آدم.
قال القصاص، عن وهب بن منبه والسدي وابن عباس أن الشيطان لما أراد أن يدخل الجنة منعته الخَزَنة. فأتى الحية، وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البختة، وهي كأحسن الدواب. بعدما عرض نفسه على سائر الحيوانات، فما قبله واحد منها إطلاقاً. فابتلعته الحية، وأدخلته خفية. فلما دخلت الحية الجنة، خرج إبليس من فمها واشتغل بالوسوسة. فلا جرم إن لعنت الحية وسقطت قوائمها، وصارت تمشي على بطنها، وجُعل رزقها في التراب، وصارت عدواً لبني آدم.
وجاء في جامع البيان للطبري عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمرو بن عبد الرحمن بن مهرب، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وذريته، ونهاه عن الشجرة. وكانت شجرة غصونها متشعبة بعضها في بعض. وكان ثمر تأكله الملائكة لخلدهم. وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلما أراد إبليس أن يستذلها دخل في جوف الحية، وكان للحية أربع قوائم، كأنه بختة، من أحسن دابة خلقها الله. فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته. فجاء به إلى حواء: فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها! وأطيب طعمها وأحسن لونها!! فأكل منها آدم فبدت لهما سوءاتهما. فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم، أين أنت؟ قال أنا هنا يا رب. قال ألا تخرج؟ قال أستحي منك يا رب. قال ملعونة الأرض التي خلقت منها، لعنة تحوّل ثمرها شوكاً. قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض مثله كان أفضل من الطلح والسدر، ثم قال: يا حواء أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً، إلا حملته كرهاً. فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك، أشرفت على الموت مراراً. وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غرَّ عبدي. ملعونة أنت لعنة، تتحول قوائمك في بطنك. ولا يكون لك رزق إلا التراب. أنت عدوة بني آدم، وهم أعداؤك. حيث لقيت أحداً منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك.
وقال آخرون من أهل الأصول: إن آدم وحواء، كانا يخرجان إلى باب الجنة، وإبليس كان يقرب الباب.. ومن هناك كان يوسوس إليهما.
على أي حال، فهناك نص قرآني يحسم الموضوع في كون آدم مذنباً، وهو قوله: «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى» (سورة طه 20: 120 - 121).
فهذه الكلمة «غوى» هي من الغواية، وقد قال الرازي في تفسيرها: الغواية والضلالة إسمان مترادفان، والغي ضد الرشد. ومثل هذا الإثم، لا يتناول إلا الفاسق المنهمك في فسقه.
وقال أبو إمام الباهلي... إن واقعة آدم عجيبة، لأن الله تعالى رغَّبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله: «فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى» (سورة طه 20: 117 و119). ورغَّبه إبليس في دوام الراحة، بقول: «هل أدلك على شجرة الخلد» وفي انتظام المعيشة بقوله: «وملك لا يبلى» فكان الشي الذي رغَّب الله به آدم هو الشي الذي رغَّبه فيه إبليس، إلا أن الله وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها.
ثم أن آدم مع كمال عقله وعلمه بأن الله مولاه ومربّيه وناصره، أعلمه أن إبليس عدوه، فكيف قبل قول إبليس، مع علمه بكمال عداوته له وأعرض عن قول الله؟
في الحقيقة إن المفسرين لعاجزون عن طمس ذنب آدم، لأن القرآن طرح ذنبه بقوله: «فعصى آدم ربه وغوى» وقد أجمع المفسرون بالاستناد إلى آيات القرآن، أن العصيان ذنب، وأن العاصي اسم للذم، فلا يطلق إلا على صاحب الكبيرة. ولا معنى لصاحب الكبيرة، إلا من فعل فعلاً يعاقب عليه.
الخطيّة ظاهرة في تاريخ البشر، يقرّ بها كل إنسان يفحص قلبه، أو ينظر إلى سيرة أبناء جنسه، لأن جميع بني البشر، حتى الذين لم يتلقّوا نور إعلانات السماء يشعرون بخطاياهم، ويقرون بنقصهم وعجزهم عن القيام بما كُلفوا به أدبياً.
والخطيّة ليست هي الشر الفاضح فقط، كما يظن قسم كبير من الناس، بل هي أيضاً الانحراف عن الله، بوصفه خالقنا والهدف الوحيد لنا. وهذا الانحراف لا يكون بالنزوع إلى الشر فحسب، بل هو أيضاً الانفصال عن الخير.
وقد عُرف بالاختبار أن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يميز قوة الخطيّة وشدة فعلها في البشر، كما يميزها المؤمن الذي قامت الشريعة الإلهية لديه بعمل المؤدِّب فاقتادته إلى المسيح. والمسيح أعطاه النعمة فعرف حقيقة الخطيّة وأثرها في جذب الإنسان إلى حال الفساد. وتبعاً لذلك صار يشعر بالحاجة إلى معونة النعمة الإلهية، وإلى دم الكفّارة لأجل تبريره.
والخطيّة في وجهها العام هي التعدي (1 يوحنا 3: 4) على شريعة الله، بحيث تصبح جرماً بحق الله، مهما كان عذر مرتكبها، وأياً كان حجمها.
دخول الخطيّة إلى العالم
نقرأ في رسالة رومية 5: 12 : «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ». وقول الرسول هنا يعني أن علة كون جميع الناس خطاة هو آدم أبو البشر. وقد اعتبر بولس في قوله «بإنسان واحد» أن آدم وحواء شخص واحد، كما ذكر في تكوين 5: 2. ولم يذكر الرسول تجربة الحية، ولا معصية حواء أولاً، لأن غايته أن يبيّن أن آدم كان في ما فعله نائباً عن كل نسله.
يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها وتسربت إليه الخطيّة. قد تساعد البيئة الفاسدة على نمو الخطيّة، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز، التي وإن كانت لها غايات خاصة، فهي تحمل نزوات شريرة.
الخطيّة إرث
نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايراً له. فالثور لا يمكن أن يلد حملاً، وكما قال المسيح: «لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ عِنَباً» (متى 7: 16). وهذا القانون ينطبق على الإنسان. فآدم أبو البشر، كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة. وقصاصاً له طُرد من فردوس الطهر إلى أرض لُعنت بسبب خطيته. وعلى الأرض أنجب نسلاً. وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً، فاقداً ميراثه بالفردوس. والكتاب المقدس يقر هذه الحقيقة، إذ يقول بفم داود: «هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5) وقال بفم بولس: «... لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ ٱللّٰهَ. ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية 3: 10 - 12).
وقد شرح أغسطينوس تعليم الكتاب المقدس عن السقوط وإرث الخطيّة، فقال:
- خلق الله الإنسان أصلاً على صورته تعالى، في المعرفة والبر والقداسة، مختاراً خالداً. وخوّلَه سلطاناً على الخلائق مع القدرة على اختيار الخير والشر، وإثبات طبيعته الأدبية.
- إذ آدم تُرك لحرية إرادته، أخطأ إلى الله باختياره حين جرَّبه إبليس، فسقط من الحال التي خُلق عليها.
- نشأ عن معصيته ضياع الصورة الإلهية وفساد طبيعته كلها، حتى صار ميتاً روحياً، لا يميل إلى الخير الروحي وعاجزاً عنه ومضاداً له، وصار أيضاً قابلاً للموت جسدياً، وعرضة لكل سيئات هذه الحياة والموت الأبدي.
- الاتحاد النيابي بين آدم ونسله، هو علّة ما حل بهم من نفس نتائج المعصية التي حلت عليه. فإنهم يولدون في حال الدينونة، خالين من صورة الله وفاسدين أدبياً.
- هذا الفساد الذاتي الموروث، هو في الحقيقة من طبيعة الخطيّة، غير أنه ليس من الخطيّة الفعلية.
- ضياع البر الأصلي وفساد الطبيعة، اللذين نتجا من سقوط آدم، هما عقاب لخطيته الأولى.
- التجديد أو الدعوة الفعّالة، هو عمل الروح القدس العجيب، الذي تكون فيه النفس مفعولاً لا فاعلاً. وهو متعلق بإرادة الله وحدها. فيلزم عن ذلك أن الخلاص هو من النعمة فقط.
تأثير الخطيّة على الإنسان
قال العالم الانكليزي هاكسلي: «لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الانسانية. فمن وراء ظلام التاريخ، تبين أن الإنسان خاضع لعنصر، وُضع فيه، يسيطر عليه بقوة هائلة.. إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب، وضحية لأوهام لانهائية جعلت كيانه العقلي همّاً ثقيلاً، وأفنت جسده بالغموم والمتاعب. ومنذ آلاف السنين لا يزال هو هو. يقاتل ويضطهد، ويعود ليبكي ضحاياه، ويبني قبورهم».
وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة، الآتية عبر التاريخ، لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه، ويتحسس ميوله ونزواته، ليعلم أن ناموس الخطيّة ساكن فيه؟
يكفي أن نلقي نظرة على المجتمع البشري لنلمس في كل إنسان هذه الحقيقة، وهي أنّ الجميع فسدوا ورجسوا في أفعالهم (مزمور 14: 1) الجميع خلوا من صورة الله، التي كانت لآدم قبل السقوط «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6).
إن وجود الخطيّة في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد، لأن فساد الطبيعة البشرية ظاهر للحس، في عجز الإنسان عن حفظ الشريعة الأدبية والفشل، إن كانت لا تتلقى معونة الله بالروح القدس. مما يؤكد لنا خلو نفس المرء من البر الأصلي، الذي كان للإنسان الأول قبل السقوط.
يكفي أن نلقي نظرة عابرة على تاريخ الجريمة عبر الأجيال، لكي نجد الدليل الحاسم على فقدان الإنسان طبيعة الصلاح، وأخذه طبيعة الفساد. وأول ما ظهرت طبيعة الفساد الموروثة، كان في الجريمة الأولى التي اقترفها قايين حين قتل أخاه هابيل. ولماذا قتله؟ أليس لأنه كان شريراً؟ ولماذا يخاصم أحدنا الآخر؟ أليس لأن طبيعة الشر متأصلة فينا؟ لماذا تحارب أمّة أمّة، أليس بفعل شر الأفراد حينما يتكَّتلون؟
أجرة الخطيّة
قال الله لآدم: «وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تكوين 2: 17). ونقرأ أيضاً في حزقيال 18: 20 «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» ونقرأ في الرسالة إلى رومية 6: 23 «لأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ». وقد مات آدم وحواء روحياً، حين سقطا وانفصلا عن الله، وفقدا تلك الشركة الروحية المقدسة مع الرب الإله. وتبعاً لذلك، فقدا الشوق للمثول في حضرته عند هبوب ريح النهار، فاختبأا من وجهه في وسط أشجار الجنة (تكوين 3: 8) ولعلهما شعرا بالوهن الجسدي والمرض والانحلال، فتذكرا إنذار الرب«يوم تأكل منها موتاً تموت!».
وإنه لأمر مروع حقاً أن يرتسم عقاب عصيانه أمام عينيه! ولكن هل خسرت العائلة الأولى امتيازاتها، كل امتيازاتها؟ وهل ضاع الرجاء في عودة الإنسان إلى الفردوس الذي أضاعه بسبب الخطيّة؟ وهل انتزعت منه طهارته إلى الأبد؟... كلا! لأن الله مُحب، إنه هو ذاته محبة. ومحبته غنية في الرحمة، وعنده غفران كثير. فالمحبة تحركت في قلبه، وحركت معها الحنان، الذي لا يسرّ بموت الخاطئ. فأخذ الرب الإله دور المنقذ الفادي في شخص يسوع المسيح، الكلمة الذي كان في البدء عند الله. وأول ما صنعته محبة الله هو ستر عري آدم وحواء، فصنع لهما أقمصة من جلد وألبسهما (تكوين 3: 21) وبذلك كرّس الرب الإله عهد الكفّارة.
في القرآن أربع عشرة آية في موضوع الكفّارة وبحسب ترتيب السور، نرى أن أول نص قرآني في الكفّارة هو قوله: «إِنْ تُبْدُوا ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ» (سورة البقرة 2: 271).
وقد فسّر الفقهاء التكفير، بمعنى التغطية والستر. وهذا التفسير قريب من الفكر التوراتي. والواقع أن الأعمال الذاتية في الإسلام كما في اليهودية تلعب دوراً هاماً في أمر التكفير عن الخطايا. وفي مقدمة الأعمال الصلاة، إذ يقول: «وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ ٱللَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّئَاتِ» (سورة هود 11: 114).
روى الترمذي عن أبي اليد، قال: أتتني امرأة تبتاع تمراً، فأهويت إليها فقبلتها، ثم ذهبت إلى محمد وأخبرته بما كان، فأطرق طويلاً ثم قال: «وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ ٱللَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّئَاتِ» بمعنى أن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ويكفّرن عنها.
فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصة، أم للناس عامة، فقال للناس عامة.
وروى مسلم، عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي وقال: يا رسول الله، إني عالجت امرأة من أقصى المدينة، وإني أصبت ماء دون أن أمسها. فها أنذا فاقْضِ فيَّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. فلم يرد رسول الله شيئاً. فقام الرجل فانطلق، فدعاه النبي وتلا عليه هذه الآية وأقم الصلاة...
وروى مسلم، عن أبي بكر، قال: سمعت رسول الله يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور (الوضوء)، ثم يقوم فيصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر له. ثم قرأ سورة آل عمران 3: 135: «وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».
ولا أدل على فاعلية الأعمال في أمر الكفّارة من قوله: «وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ» (سورة الأعراف 7: 8 - 9).
قال الإمام الرازي: في تفسير وزن الأعمال قولان:
القول الأول: في الخبر أنه تعالى ينصب ميزاناً له لسان وكفّتان يوم القيامة، يزن بهما أعمال العباد: أما المؤمن فيؤتى عمله في أحسن صورة، فتوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته.
أما كيفية وزن الأعمال على هذا القول ففيه وجوه: أحدهما أن أعمال المؤمن تتصور بصورة حسنة، وأعمال الكافر بصورة قبيحة، فتوزن تلك الصورة. والثاني، أن الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها أعمال العباد مكتوبة.
القول الثاني: عن مجاهد والضحاك والأعمش أن المراد بالميزان العدل والقضاء. وسئل محمد عما يوزن يوم القيامة فقال: الصحف.
وهناك رواية مدهشة عن طول لسان الميزان واتساع كفتيه. فقد قال عبد الله بن سلام: لو وُضعت الأرض والسماء في إحدى كفتيه لوسعهن، وجبريل آخذ بعموده ينظر إلى لسانه.
أما كيفية الوزن، فقد روي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله، يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلاً. كل سجل منها على مدّ البصر. فيها خطاياه وذنوبه، فتوضع في كفة الميزان. ثم يخرج له قرطاس كالأنملة، فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويوضع في الكفة الأخرى فترجح على سيئاته.
وهناك نص قرآني يشير إلى موازين لا إلى ميزان واحد إذ يقول: «وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ» (سورة الأنبياء 21: 47).
ويقول المفسرون: لا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان، ولأفعال الجوارح ميزان.
وينقل لنا الفخر الرازي رواية متداولة ومفادها أن داود سأل ربه أن يريه الميزان. فلما رآه غشي عليه. فلما أفاق قال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بثمرة.
وعن بلال بن يحيى، عن حذيفة، قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام. والله يقول يا جبريل زن بينهم، فرُدّ على المظلوم، وإن لم يكن له حسنات، حمِّل عليه من سيئات صاحبه، فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال.
أخرج أبو جعفر عن محمد أنه قال: ما وُضع في الميزان شيء أثقل من حسن الخلق.
وأخيراً يمكن تلخيص التفسير بما أتى به محمد بن سعد، عن ابن عباس: «من أحاطت حسناته بسيئاته، ثقلت موازينه فأذهبت حسناته سيئاته. ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفَّت موازينه وأمه هاوية». أي أَذهبَتْ سيئاته حسناته.
التقوى تكفّر عن الخطايا، كقوله: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا ٱللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ» (سورة الأنفال 8: 29).
نلاحظ هنا أن جزاء التقوى ثلاثة أشياء:
- يجعل لكم فرقاناً، وكلمة فرقان فسرّها الفقهاء أن الله يفرّق بين الأتقياء والكفّار. أي أن الله يخص الأتقياء بالهداية والمعرفة. وأنه يخص قلوبهم وصدورهم بالانشراح. وأنه يزيل الغل والحقد من قلوبهم.
- يكفّر عنكم سيئاتكم، جميع السيئات التي اقترفتموها.
- ويغفر لكم.
حين نتأمل في نصوص القرآن بعمق، نجد أن هناك فرقاً بين الكفّارة والغفران. وقال المفسرون إن التكفير عن السيئات يعني سترها في الدنيا، وإن المغفرة تعني إزالتها في يوم القيامة، لئلا يلزم التكرار.
الأعمال والغفران: تخبرنا تعاليم الإسلام أن غفران الخطايا يرتكز على الأعمال الصالحة بدليل قول القرآن: «وَيَدْرَأُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى ٱلدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ» (سورة الرعد 13: 22 - 23).
روي عن محمد أنه قال لمعاذ بن جبل إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها.
وعن الحسن في وصف هؤلاء، أنه قال: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا.
وقال الزجاج: بيَّن الله تعالى أن الأنساب لا تنفع، إذا لم يحصل معها أعمال صالحة.
وقال الواحدي والبخاري عن ابن عباس: إن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة. وذلك يدل على أنهم يدخلونها إكراماً للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة. ولو دخلوها بأعماله الصالحة، لم يكن في ذلك كرامة للمطيع... إذ كل من كان مصلحاً في عمله يدخل الجنة.
الصوم والغفران: جاء في سورة الأحزاب 33: 35 «إِنَّ ٱلصَّائِمِينَ وَٱلصَّائِمَاتِ... أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً».
وقد جاء في القرآن أن الصوم لمدة شهرين يحصل على غفران خطية القتل. فقد جاء في سورة النساء 4: 92: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً».
ذكروا في سبب نزول هذه الآية، قالوا: روى عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان، كان مع رسول الله يوم أُحُد، فأخطأ المسلمون وظنوا أن أباه اليمان واحد من الكفّار. فأخذوه وضربوه بأسيافهم وحذيفة يقول إنه أبي، فلم يفهموا قوله إلا بعد أن قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فلما سمع الرسول ذلك ازداد حذيفة عنده، فنزلت الآية.
وفي رواية أخرى أن الآية نزلت في أبي الدرداء، لأنه كان في سَرِيَّة، فعدل إلى عُشب لحاجة، فوجد فيه رجلاً في غنم له، فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل لا إله إلا الله، فقتله وساق غنمه، ثم وجد في نفسه شيئاً، فذكر الواقعة للرسول، فقال: هلاَّ شققتَ عن قلبه؟ وندم أبو الدرداء فنزلت الآية.
وجاء أيضاً في القرآن أن الصوم ثلاثة أيام يحصل الغفران عن خطية الحلف الكاذب كقوله في سورة المائدة 5: 89: «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
ذكر الفخر الرازي أن سبب نزول الآية، هو أن قوماً من الصحابة حرموا على أنفسهم المطاعم والملابس، واختاروا الرهبانية. وحلفوا على ذلك. فلما نهاهم الله عنها، قالوا: يا رسول الله، فكيف نصنع بأَيماننا؟ فأُنزلت الآية.
الحج والغفران: جاء في سورة البقرة 2: 158: « إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ ٱللَّهِ فمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»
قال ابن عباس: كان على الصفا صنم وعلى المروة صنم وكان أهل الجاهلية يطوفون بهما ويتمسحون بهما. فلما جاء الإسلام، كره المسلمون الطواف بهما بسبب الصنمين فأُنزلت هذه الآية:
وكلمة لا جناح هنا تعني لا إثم، وأن من تطوع للحج فالله يثيبه بالغفران.
الزكاة والغفران: كقوله: «إِنَّ ٱلَّذِينَ ... أَقَامُوا ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُا ٱلّزَكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (سورة البقرة 2: 277).
جاء في التفسير عن ابن عباس قوله: لا خوف عليهم فيما يستقبلهم من أحوال القيامة ولا يحزنون على ما تركوه في الدنيا.
وقال الأصم: لا خوف عليهم من عذاب يومئذ، ولا يحزنون بسبب أنه فاتهم النعيم الزائد، الذي حصل عليه غيرهم من السعداء. لأن لا منافسة في الآخرة.
الجهاد في سبيل الله والغفران: جاء في سورة البقرة 2: 218: «وَٱلَّذِينَ هَاَجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
روي أن عبد الله بن جحش سأل محمداً: يا رسول الله، هب أن لا عقاب فيما فعلنا، فهل نطمع منه أجراً وثواباً؟ فنزلت هذه الآية لأن عبد الله كان مهاجراً ومجاهداً.
القرآن والغفران (1) تلاوته: جاء في سورة الأعراف 7: 204: «وَإِذَا قُرِيءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
قال المفسرون إن الله جزم قبل هذه الآية بكون القرآن رحمة للعالمين.
وجاء في الحديث أن أبا ذر الغفاري، قال لمحمد: يا رسول الله إني أخاف أن أتعلم القرآن ولا أعمل به. فقال محمد: لا تخف يا أبا ذر، فإن الله لا يعذب قلباً سكنه القرآن.
وعن أنس بن مالك، قال: حدثني رسول الله فقال: من سمع القرآن يدفع عنه بلاء الدنيا، ومن قرأه يدفع عنه بلاء الآخرة.
وعن ابن مسعود: قال رسول الله: من قرأ القرآن حتى استظهره وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهله وجبت عليهم النار.
الشهادتان والغفران: قال أبو هريرة: سأل أبو ذر الغفاري محمداً: يا رسول الله كيف يخلص المسلم؟ فقال محمد إنه يخلص بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
مشيئة الله والغفران: ورد في سورة آل عمران 3: 129: «وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ».
قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: إن أصحابنا يحتجّون بهذه الآية، على أنه سبحانه له أن يُدخل الجنة بحكم ألوهيته جميع الكفّار والمردة. وله أن يُدخل النار بحكم ألوهيته جميع المقربين والصديقين. وأنه لا اعتراض عليه في فعل هذه الأشياء.
ولا يعترض الرازي على هذا الفكر بل لعله يؤيده، إذ يقول: إن دلالة الآية على هذا المعنى ظاهرة. والبرهان العقلي يؤيد ذلك أيضاً، لأن فعل العبد يتوقف على الإرادة. وتلك الإرادة مخلوقة لله. فإذا خلق الله تلك الإرادة أطاع. وإذا خلف النوع الآخر من الإرادة عصى. فطاعة العبد من الله ومعصيته أيضاً من الله. وفعل الله، لا يوجب على الله شيئاً البتة. فلا الطاعة توجب الثواب، ولا المعصية توجب العقاب. بل الكل من الله بحكم ألوهيته وقهره وقدرته.
هذا الفكر يتعارض مع فكر الكتاب المقدس، الذي يحتّم ذبيحة كفّارة للغفران. وقد عرف هذا الوجوب منذ البدء. إذ نرى خيطاً قرمزياً في كل الكتاب المقدس يقطر دماً، لأنه «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ» (عبرانيين 9: 22).
الواقع أن الله لكونه كاملاً، لا يصح لمشيئته أن تغفر لإنسان ذنبه على حساب حقه وعدله، الذي قال: «النفس التي تخطئ هي تموت» وإذا غفر لنفس خاطئة، وجب أن يكون هناك سبب للغفران، يكون فيه ترضية للعدل. وهذه الترضية كانت في العهد القديم تقدم بذبائح حيوانية: تيوس وعجول وخراف، وكان الله يقبلها لأنها كانت ترمز إلى ذبيحة المسيح، التي قدمها في عهد النعمة، فوفت العدل الإلهي إلى الأبد وأكملت كل المقدسين. فتم ما قيل في المزامير: «ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْحَقُّ ٱلْتَقَيَا. ٱلْبِرُّ وَٱلسَّلاَمُ تَلاَثَمَا» (مزمور 85: 10).
الخطايا التي لا تُغفر في الإسلام:
- الشرك
بالله، بدليل
قول القرآن: «إِنَّ
ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ» (سورة
النساء 4: 116).
يقولون في التفسير إن المشرك محروم قطعاً من رحمة الله، لأن الشرك ضلال بعيد.
وقال بعضهم إن هذه الآية نزلت في حق أناس كانوا يعبدون الملائكة، وكانوا يقولون إن الملائكة بنات الله.
ويقول الرازي إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى.
وقال مفسرون آخرون إن الآية نزلت في حق قوم كانوا يعبدون الأصنام. وكان في كل واحد منها شيطان يكلّمهم.
- قتل نفس
مؤمنة، كقول
القرآن: «وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» (سورة
النساء 4: 93).
قال أبو حنيفة: العمد لا يوجب الكفّارة. وقال ابن عباس: توبة من أقدم على القتل العمد غير مقبولة.
- الارتداد، كقوله: «إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ»(سورة آل عمران 3: 90).
قالوا في التفسير: إن المُرتدّ يكون فاعلاً الزيادة. أو أن يقيم ويصر والإصرار كالزيادة. وقد يكون فاعلاً للزيادة بأن يضم إلى ذلك الكفر كفراً آخر.
وقال القفال وابن الأنباري: إن من كفر مرة أخرى بعد تلك التوبة فإن التوبة الأولى تصير غير مقبولة وتصير كأنها لم تكن.
الكفّارة كلمة تعني الستر أو التغطية، وهي في المسيحية تعني عمل المسيح بطاعته الكاملة، لأجل خلاص البشر من لعنة الشريعة ومصالحتهم مع الله بدم صليبه. وفي هذا يقول الرسول: «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (1 بطرس 3: 18). وقيمة كفّارة المسيح مبنية على كونه ابن الله الأزلي.
ويصح أن ننظر إلى كفّارة المسيح من أوجه مختلفة، باعتبار نسبتها إلى الله، من جهة محبته وقداسته وعدله. وباعتبار نسبتها إلى الإنسان، من جهة فعلها فيه، ولأجله. لذلك قيل إن كفّارة المسيح تكفير عن خطية الإنسان، وإنها تعبير واضح عن مفعول ذبيحة المسيح في خلاص الخاطي من لعنة الشريعة، ورفع الدينونة عنه، وقيل أيضاً إن كفّارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله، أي واسطة إرضائه واستعطافه. وهذا تعبير عن مفعول ذبيحة المسيح في إزالة غضب الله وعن رضاه بقبول الخاطي للمصالحة.
وقيل إن الكفّارة، هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح، حتى لا يُطالب المذنب بالقصاص. لأن القصاص رُفع عنه بوضعه على المسيح، الذي مات لأجله. وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (1 يوحنا 4: 10).
وقيل إن الكفّارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان بدون إهانة شريعة الله المقدسة. وهذا ما عناه بولس بقوله: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ» (2 كورنثوس 5: 19).
لقد تفلسف البشر كثيراً في طبيعة الله ونسبته إلى خلائقه الخطاة، ولم يصلوا البتة إلى نتيجة مرضية. ولكن ما عجزت فلسفات العالم عن تبيانه، أوضحه الكتاب المقدس، إذ يقول إن الله عادل، وعدله يطلب قصاص المذنب، فلا يمكن أن تكون مصالحة بدون تكفير. وانطلاقاً من هذه الحقيقة قام عهد الذبائح لستر الخطيّة. وقد بدأ في الفردوس، حين صنع الله أقمصة الجلد لآدم وحواء. لأن تحضير الجلد للستر استلزم ذبح بعض حيوانات الجنة.
ونعلم من الكتاب العزيز أن ذبيحة هابيل التي تقبّلها الله وتنسّم منها رائحة الرضى، لم تكن إلا ظلاً للفداء العتيد الذي يتفق مع فكر الله. بل إنها كانت من وحيه وإلهامه (تكوين 4: 4).
وكذلك الكبش الذي أرسله الله لإبراهيم، ليفدي به ابنه، لم يكن إلا رسماً لذبيحة الكفّارة، التي أعدها الله منذ الأزل، بيسوع المسيح (تكوين 22: 1 - 14).
وأيضاً خروف الفصح، الذي أمر الله الشعب أن يقدموه في مصر (خروج 12: 1 - 42) لم يكن إلا رمزاً بارزاً لفصح العهد الجديد، الذي ذُبح فيه حمل الله، بدليل شهادة بولس القائلة: «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلإِخْلاَصِ وَٱلْحَقِّ» (1 كورنثوس 5: 7، 8).
وفي العهد الجديد تمثلت الكفّارة بالفداء، الذي أكمله يسوع بموته على الصليب، لكي يوفي مطاليب شريعة الله عوضاً عن الإنسان الخاطي ولأجل خلاصه. فكان في آلامه وموته البديلي كفّارة، لإتمام جميع الغايات المقصودة بقصاص البشر على خطاياهم. فهو قد وفى العدل الإلهي حقه، وجعل الخاطي الذي يؤمن بالفداء ويتوب مبرراً.
ويُعبَّر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة نعمة، لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً لأن يقدّم ذبيحة عن البشر الخطاة. وكذلك الابن، لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويقوم بوظيفة الفادي. وإنما اللاهوت الكامل، الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الكلمة المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطي.
وقد أعلن الفادي الرب هذه الحقيقة، حين قال: «وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ» (يوحنا 10: 15) وحين نقابل هذه العبارة بقوله له المجد: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 15: 13). ندرك السبب الذي من أجله ارتضى القدوس الحق أن يخلي نفسه، ويصير جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب.
وقد أوضح الرسول الكريم بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى أهل رومية 8: 3، 4، إذ قال: «لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا ويُنفّذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وذلك تتمة للنبوة القائلة في إشعياء 53: 5: «تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا».
السبب الأول: أنه وعد به المؤمنين، جزاء لطاعة المسيح وآلامه. هكذا نقرأ في الكلمة الرسولية: «فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلْوَاحِدِ جُعِلَ ٱلْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هٰكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ ٱلْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ ٱلْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً» (رومية 5: 18 - 19).
السبب الثاني: لأن الفداء وفّى مطاليب عدل الله، لأنه بني على العهد الأزلي القائم بين الآب والابن لأجل فداء الإنسان، وقد سجلّه الوحي الإلهي قطعاً لكل ريبة ممكنة لدى الإنسان: «لِذٰلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى ٱلْعَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلٰكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ ٱلْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّٰهُ» (عبرانيين 10: 5 - 7، مزمور 40: 6). فيسوع له المجد تجسّد لينوب عن الخاطي بتحمل قصاص الدينونة، إنفاذاً للعهد المقطوع. وقد شرح الرسول بولس هذا الموضوع بقوله: «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِٱلأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ ٱلآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ ٱلْغَضَبِ» (رومية 5: 8 - 9).
لزوم الفداء:
- الحاجة
إلى الخلاص: مما
جعل الفداء، ليس مجرد حاجة جماعية، بل هو حاجة كل إنسان
على حدة، لأن الإنسان هالك. وقد تساءل المسيح: «مَاذَا
يُعْطِي ٱلإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟» (متى
16: 26) أي أن ليس لديه ما يستطيع فداء هذه النفس. وكذلك
لا يستطيع أن يفدي أخاه، فقد قال الله بفم داود: «ٱلأَخُ
لَنْ يَفْدِيَ ٱلإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ
ٱللّٰهَ كَفَّارَةً عَنْهُ» (مزمور
49: 7).
أما من جهة التوبة، ففي قلب كل إنسان شعور طبيعي بديهي بأنها لا تستطيع رفع خطاياه السالفة، ولا بد من وسيلة أخرى لنوال الصفح. وهذه الوسيلة هي الفداء. وإلا فبماذا نعلل وجود الذبائح، منذ القديم القديم، وانتشارها بين معظم أديان العالم؟ أليس لأن مبدأها موافق لما يشعر به قلب الخاطي من الحاجة إلى الفداء؟
ويقيناً أن طبيعتنا الأدبية، لتحملنا على احترام ما تطلبه القداسة حتى ولو كانت سيرتنا مخالفة لها، ويحس كل منا بأن ضميره لا يطمئن بالنجاة من عقاب خطاياه السالفة بأي طريق غير التبرير بواسطة الفداء.
- البرهان العقلي: وصورة هذا البرهان أن الله قدوس والإنسان خاطئ، وأن خطية الإنسان ضد القداسة الإلهية. فهي تستحق الدينونة، ولا يصح أن تُغفر إلا إذا أُزيل حكم الدينونة، في أن يحمل عن الخاطي جرمه. لأنه لو صار صالحاً بالتوبة، لا يزيل صلاحه الحكم عن الخطايا السالفة. ولو غفر الله له بدون فداء، لا يبقى عنده إكرام لشريعته، ولا اعتبار لقداسته. لذلك كان الفداء أمراً محتماً لرفع دينونة الخطيّة، وبالتالي إظهار صفات الله في كمالها المطلق.
- موافقته لاحتياج الإنسان الأدبي: فالإنسان له طبيعة أدبية، وضميره يعلّمه سموَّ العدل والقداسة. وإذا اقتنع بالخطيّة ولم يعرف كفّارة انزعج ضميره. أما الغفران بواسطة الفداء فيوافق ضمير الإنسان، ويسد له احتياجاته الأدبية.
- موافقته لمقتضى الشريعة: لأن الشريعة تطلب قصاص المذنب. والشريعة التي بدون قصاص ليست بشريعة صالحة. وبديهي أن القصاص ضروري في إزاء شرف مطاليب الشريعة. وواضح أن الغفران بدون فداء معناه إهلاك الشريعة وملاشاتها. وهذا مغاير لقول المسيح: «فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ» (متى 5: 18). وهناك حقيقة يجب ذكرها، وهي أن الغفران بدون كفّارة بمثابة القول إن الخطيّة لا تستحق العقاب، مع العلم أنها إهانة لقداسة الله وعدله.
- ذكره في الديانة الإلهية: فلو كان لا لزوم للفداء لما أدرجه الله في كلمته المقدسة، إذ قال بفم المسيح: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 14، 15).
- مقتضى الحكم الأدبي: فالله باعتبار كونه حاكماً أدبياً، وجب أن يراعي نظام حكمه، فلا يقر العصيان والتشويش في الكون الأدبي الذي يحكمه. ولا يرتضي بأن يُهان بكسر وصاياه دون أن يحاسب المعتدين ويحكم عليهم بالقصاص للخطية وغضبه على الإثم. وإنما لكي يكرم شريعته فتح باب المصالحة للمذنبين.
- وجوده في الديانات: مما يبين أنّ ضمير كل إنسان يطلب الفداء، ولا يكتفي بمجرد التوبة عن الخطيّة. بل يطلب كفّارة وطريق التكفير سفك الدم المذبوح عن المذنب. وكل ذلك دليل على لزوم الفداء.
الأعمال الصالحة والغفران
- بما أن الأعمال الصالحة واجبات ضرورية يجب القيام بها، فهي لا تعطينا أي حق في التعويض عن الخطايا التي ارتكبناها. وفي تعبير آخر لا يصح أن تكون وسيلة للصفح عن الذنوب السالفة. والمسيح أشار إلى هذه الحقيقة بقوله: «مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا» (لوقا 17: 10). وقد قال الرسول بولس: «لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 9، 10).
- بما أن المال الذي في حوزتنا، والصحة
التي نتمتع بها هما من الله وله، ولسنا سوى وكلاء عليهما،
فحين نجود بصدقة أو نؤدي خدمة، لا نكون قد بذلنا شيئاً من
عندنا، أو أسدينا معروفاً يستحق الجزاء.
هذه الحقيقة أعلنها داود بعد أن قدم مبالغ ضخمة من المال لأجل بناء الهيكل، إذ قال: «مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هٰكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ ٱلْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ... أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، كُلُّ هٰذِهِ ٱلثَّرْوَةِ ٱلَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتاً لٱِسْمِ قُدْسِكَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ ٱلْكُلُّ» (1 أخبار 29: 14 و16).
- إنَّ الأعمال الصالحة التي نقوم بها نحن الخطاة لا يمكن أن تمحو الإهانة التي ألحقناها بالله الذي لا حدَّ لقداسته وبره وحقه. لذلك فهي لا تستطيع أن تحصل لنا على أي صفح.
- إنَّ الوجود في حضرة الله يقتضينا القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب. ولما كانت الأعمال الصالحة في حد ذاتها لا تستطيع أن تصيّرنا قديسين، لأن القداسة تعطى للمؤمن المولود من روح الله. هكذا قال المسيح: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» (يوحنا 3: 5 - 6).
الصلاة والغفران
من المعلوم أن الصلاة هي الصلة بالله والتحدث إليه والتأمل في شخصه. وبما أن الخاطي منفصل عن الله، فلا يمكن لصلاته أن تجد قبولاً لدى الله، وبالتالي لا تنال استجابة. هكذا قال الله بفم إشعياء النبي: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. لأَنَّ أَيْدِيكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِٱلدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِٱلإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِٱلْكَذِبِ وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِٱلشَّرِّ» (إشعياء 59: 2، 3) وقد عرف داود هذه الحقيقة، فقال بروح النبوة، «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ» (مزمور 66: 18).
الصوم والغفران
الصلاة هي جناح العبادة الأول، والصوم هو الجناح الثاني. وهو مظهر من مظاهر التذلل والانكسار أمام الرب. إلاّ أنّه لا يستطيع إعادة الإنسان إلى حالة البر التي كان عليها قبل السقوط. وهو مثل الصلاة لا قدرة له على التعويض عن الإهانة التي ألحقتها خطية الإنسان بجلال الله الأقدس. لذلك لا يمكن أن يكون وسيلة للصفح.
وقد قال الله بفم زكريا النبي: «لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلْخَامِسِ وَٱلشَّهْرِ ٱلسَّابِعِ، وَذَلِكَ هَذِهِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْماً لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ ٱلآكِلِينَ وَأَنْتُمُ ٱلشَّارِبِينَ؟» (زكريا 7: 5 - 6).
خلاصة ما تقدم
- يقوم خلاص الإنسان على الفداء، الذي ليس هو مجرد فلسفة نظرية، بل هو حقيقة عملية لا بد منها لرفع الخطيّة عن الإنسان الساقط كدَيْن وكفساد .
- كلنا نسلّم بأن آدم سقط، وأن سقوطه لحق الجنس البشري بأكمله، لأن آدم كان نائباً عنه وممثله في الامتحان الإلهي. لهذا دبّرت محبة الله أن ترفع الخطيّة عن الإنسان، الذي خلقه الله على صورته كشبهه بواسطة نائب عن الجنس البشري. وكان من الضروري أن يعّبر هذا النائب عن قدرة الله ومحبته الكاملة، لخلاص الجنس البشري. ومثل هذا التعبير الكامل لا يمكن أن يصدر إلا عن الله نفسه. والله في محبته الكاملة للبشر شاء في المسيح أن يشارك البشر في اللحم والدم، لكي ينوب عنهم نيابة كاملة، ليصبح كما قال الرسول «آدم الثاني». وكما ناب آدم الأول عن الجنس البشري في السقوط، ناب عنه آدم الثاني في الكفّارة والفداء. فصار القول إنه بخطية آدم الأول دخلت الخطيّة إلى العالم، وإنه بفداء آدم الثاني، رفعت الخطيّة عن العالم.
- يتحتم على النائب، أن يدفع الثمن كاملاً لرفع الخطيّة عن العالم. وقد دفعه المسيح فعلاً بموته الكفّاري على الصليب، حيث حمل في جسده خطايانا. والذي يؤكد لنا لزوم الكفّارة على الصليب، هو أن الذبائح الدموية القديمة قِدَم الإنسان، كانت ترمز إلى يسوع حمل الله.
ومن خصائص ذبيحة المسيح إنها ليس فقط ترفع الخطيّة عن الإنسان، بل هي تشفيه من الخطيّة كمرض أدبي. لأن كل من يقبل يسوع المصلوب تتجدد حياته ويصير فيه كره للخطية. وخصوصاً لأن الصليب فتح عيني ذهنه ليرى فعل الخطيّة الرهيب وعقوبتها المخيفة. ولهذا قال الرسول : «إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يوحنا 1: 7).
عزيزنا القارئ،
بدراستك لهذا الكتيب ستطرأ على فكرك عدة أسئلة يطرحها عليك موضوعه. وقد استنبطنا لك منها عشرين سؤالاً. الرجاء نسخ هذه الأسئلة إلى الصفحة الخاصة بالاتصال بنا في الموقع، ثم ضع اجاباتك هناك تحت كل سؤال.
- كم اسم للخطيئة في القرآن؟
- هل يعتبر القرآن آدم وحواء مذنبين؟
- قدّم أحد الشواهد القرآنية على خطيئة أبوينا الأولين.
- فسِّر الآية القرآنية التالية: «فعصى آدم ربه وغوى».
- ما هو تعريف الخطيئة في المسيحية؟
- كيف دخلت الخطيئة إلى العالم؟
- الخطيئة موروثة. أهذا يقين؟ برهن على ذلك.
- ما هو تأثير الخطيئة على الإنسان؟
- ما هي أجرة الخطيئة؟
- كم آية قرآنية تشير إلى الكفّارة؟
- ما معنى الكفّارة حسب الإسلام؟
- كيف تم التكفير عن الخطايا في الإسلام؟
- ما الفرق بين الكفّارة والغفران في القرآن؟
- ما هي وسائل الغفران؟ وكم هي في الإسلام؟
- ماذا تعني الكفّارة في المسيحية؟
- كيف تمت الكفّارة في العهد الجديد؟
- هل من لزوم للفداء؟ أعط دليلاً كتابياً.
- لماذا يحتاج الإنسان للخلاص؟
- برهن عن حاجة الإنسان للخلاص عقلياً وشرعياً وأدبياً.
- حاول تلخيص موضوع هذا الكتيب بآية من الإنجيل.
الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:
www.the-good-way.com/ar/contact
او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:
The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland