سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان
لنيافة الأنبا بيشوى
مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى ورئيس دير القديسة دميانة وسكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر
3- مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه
الكتاب المقدس كتاب واحد
إن وحدة الكتاب المقدس يستطيع أن يشعر بها كل إنسان تعمل نعمة الله فى حياته، ويعمل الروح القدس فى قلبه. وقد قال القديس بولس الرسول "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر لكى يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تى3: 16، 17).
إن عبارة "كل الكتاب هو موحى به من الله" تؤكد وحدة أسفار الكتاب المقدس. وكذلك قال معلمنا بطرس الرسول "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 20-21). إن الكتاب المقدس يمثل ذخيرة أو كنزاً، وأمانة قد تسلمناها لابد أن نحافظ عليها. فكيف نجعل الكتاب المقدس يعيش فى داخلنا، وكيف نحافظ عليه كوديعة مقدسة تسلمناها؟
قال القديس بولس الرسول "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بى أنا أسيره بل اشترك فى احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 8-10).
فكما أن السيد المسيح قد داس الموت بالموت، وانتصر عليه وقام من بين الأموات. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم لكى يبشروا بالقيامة. وهذا هو سر قوة المسيحية لذلك يـقول "الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". ويقول معلمنا بولس الرسول "الذى جُعِلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكننى لست أخجل لأننى عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتى إلى ذلك اليوم" (2تى1: 11-12). فهو يقول إذا وضعت فى السجن لا أخجل لأننى عالم بمن آمنت وأيضاً يقول "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو8: 28).
كلمة الله لا تقيد
وكذلك وهــو فى الســجن يقـول "إن أمـورى قد آلت إلى تقدم الإنجيل حتى أن وثقى صارت ظاهرة فى المسيح فى كل دار الولاية وفى باقى الأماكن أجمع" (فى1: 12، 13). أى أنه عندما وضعونى فى السجن، وذهبوا بى إلى دار الولاية كانت هذه فرصة أن يسمع جميع الشعب الذى فى دار الولاية أخبار الإنجيل. وبذلك تقدم الإنجيل ولم يتأخر.
فمن الممكن أن بولس الرسول يُسجن ويُقيد. ولكن كلمة الله لا تُسجن أو تُقيد، ويقول لتلميذه تيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى1: 13-14).
وهنا يطالبنا بولس الرسول. أن نتمسك بصورة الكلام الصحيح فى التعليم، وبحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا. فهناك وديعة صالحة قد تسلمت على مدى الأجيال من جيل إلى جيل.. من الأنبياء.. من الرسل.. وتسلمت للكنيسة.
الروح القدس حارس للكتاب المقدس
إن هناك حارس للكتاب المقدس وهو الروح القدس. فنلاحظ أنه لم يقل "الروح القدس الساكن فيك" بل قال "الروح القدس الساكن فينا" أى أن الروح القدس يعمل فى الجماعة، من أجل حراسة التعليم الصحيح، وحراسة الإنجيل. ولكن هذا يحدث فى جماعة القديسين وليس جماعة الهراطقة.
إن ذلك يذكرنا بعهد الله الذى قاله على فم أرميا النبى عن وضع الكتاب المقدس فى العهد الجديد. "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً" (أر31: 31-33). فالمقصود بالعهد القديم هنا؛ هو موقف الإنسان فى العهد مع الله. وليس كتاب العهد القديم.
أجعل شريعتى فى داخلهم
قديماً كانت الشريعة مكتوبة على ألواح من حجارة، وعندما أخذ موسى النبى الوصايا العشـرة كانت مكتوبة بإصبع الله على لوحين؛ أربعة على اللوح الأول، وستة على اللوح الثانى. ولكن الله وعد فى هذه المرة بأن تكون مكتوبة على قلوبنا.
إن الكتاب المقدس مكتوب على قلوبنا. وقد وعد السيد المسيح وقال "أما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). وأيضاً "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو16: 13).
وقد تحقق هذا الوعد عندما بدأ التلاميذ فى كتابة الأناجيل. فقد تذكروا كلام السيد المسيح. ومثال لذلك عندما كتب معلمنا متى البشير الموعظة على الجبل. فالروح القدس هو الذى أوحى إليه بهذه الكلمات وذكره بها. فعندما نقرأ الكتاب المقدس ونحن مصلون وخاشعون، وفى حالة اتصال حقيقى مع الله. نشعر أن ما نقرأه موجود فى داخلنا، وليس غريباً عنا. كما إننا نعيش فيه، والله ينطق به فى داخلنا بقوة الروح القدس الساكن فينا. لذلك نستطيع أن نميز إن كان ما نقرأه هو كلام الله، أم كلام شخص آخر. ولذلك إذا فُرض أن شخصاً إدّعى أن لديه إنجيلاً، أو سفراً من أسفار الكتاب المقدس، وقال إن هذا السـفر ينسب إلى أسفار العهد الجديد أو أسفار العهد القديم. فإذا قرأنا هذا الكتاب بالروح نستطيع أن نكتشف إن كان هذا إنجيلاً حقيقياً أم لا بدون أن نشعر بالاحتياج إلى الدراسة أو التعمق فى التاريخ واللغات والعلوم.
إن الصغير مثل الكبير يستطيع أن يميّز كلام الله كما قال الكتاب "ولا يعلِّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر31: 34).
ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون
إن إسرائيل بالمعنى الروحى هو شعب الله، ونحن ككنيسة الذين آمنّا بالسيد المسيح أصبحنا شعب الله، أما إسرائيل من ناحية الجسد فليس لأنهم من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب هم إسرائيل. لأن إسرائيل الحقيقى هو الذى يؤمن بصلب وقيامة السيد المسيح من بين الأموات.
لذلك يقول الكتاب "لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعاً أولاد. بل بإسحق يدعى لك نسل، أى ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلاً لأن كلمة الموعد هى هذه؛ أنا آتى نحو هذا الوقت ويكون لسارة ابن" (رو9: 6-9).
إن الوعد الذى قاله الله لإبراهيم "ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك22: 18) المقصود هنا؛ هو شخص الرب يسوع المسيح.. كما قال الرب فى الكتاب المقدس "التفتوا إلىَّ واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض" (أش45: 22).. فالخلاص هو للجميع.. فالإسرائيلى الذى يؤمن بالسيد المسيح يُحسب من شعب الله، أما الإسرئيلى الذى يرفض المسيح لا يُحسب من شــعب الله، والأممى الـذى يـقبل المسـيح يُحسـب من أولاد الموعد، ويكون هو الإسرائيلى الحقيقى.
كان يوجد شابة من أسرة مسيحية. عاشت فى مدينة الإسكندرية فى القرون الأولى للمسيحية. وكانت تدعى مريم، وقد توفى والديها وكان عمرها حوالى اثنتى عشرة سنة، وقد سيطر الشيطان عليها وانحرفت وهى فى مرحلة المراهقة والشباب. وعاشت حياة خطية محزنة جداً.
وكان فى أيام الفصح يذهب عدد كبير من المسيحيين إلى القدس لحضور الأسبوع المقدس (أسبوع الآلام) وعيد القيامة هناك. وكانوا يأخذون السفن من ميناء الإسكندرية إلى ميناء حيفا، ثم يكملون إلى مدينة أورشليم. فجاءت لمريم فكرة الذهاب لممارسة الخطية فى هذه الأماكن السياحية، وعندما وصلت إلى أورشليم حيث كنيسة القيامة هناك حاولت الدخول ولكنها لم تستطع، وبدأت تبكى لأنها شعرت بغضب الله عليها. وذهبت إلى أيقونة السيدة العذراء وبدأت تبكى. فسمعت صوتاً من الأيقونة يقول لها }إن أردت أن تخلصى فاخرجى إلى البرية{ فذهبت إلى الصحراء المحيطة بنهر الأردن، القريبة من جبل التجربة الذى خرج إليه السيد المسيح بعد عماده من نهر الأردن.
وبعد أن عاشت القديسة مريم ما يقرب من خمسين سنة فى البرية، قابلها القديس زوسيما فى الأربعين المقدسة. رآها من بعيد فظن فى البداية أنها خيال، فقالت له لا تقترب لأنى امرأة عارية وكانت الشمس قد لوحت جسمها فاسمر لون جلدها. فطرح لها العباءة الخاصة به، ثم بدأت تتحدث معه، وحكت له قصتها واعترفت بخطاياها. وقد كانت أثناء حديثها معه تتكلم من الكتاب المقدس. فقال لها كيف وأنت فى البرية منذ شبابك المبكر عرفت كل هذه الآيات، وأنا لم أرَ معك أى كتاب؟!! فقالت له إن الروح القدس الذى أوحى للأنبيـاء والـرسـل ما كتبوه فى الكتـاب المقـدس هـو الـذى علمنى ما فى الكتاب المقدس.
ثم طلبت منه أن يأتى إليها فى العام القادم عندما يخرج إلى البرية فى الصوم الأربعينى، وأن يحضر معه الجســد المقدس لكى تتناول من الأسرار المقدسة. وفعلاً فى العام التالى ذهب إليها وناولها من الأسرار المقدسة، ثم انفصلت عنه بعض خطوات وبدأت تصلى. وقد وجدها وهى تصلى مرتفعة عن الأرض مسافة حوالى متر. وهذا يعنى أنها قد وصلت إلى درجة روحية عالية جداً. ثم ركعت وأسلمت الروح. فقام بدفن جسدها وكتب سيرتها.
وقد دعيت القديسة "مريم المصرية" لأنها كانت من مصر ولكنها لم تعش فى مصر فترة سياحتها فى البرية، بل قضتها فى برارى الأردن. وهذا يوضح لنا أنه لا يجب أن نشعر أن الكتاب المقدس خارج عنا أو غريب عنا. ولا نسـتطيع أن نقبل أى دعاوى تقول بتحريف الكتاب المقدس.
إن الكتاب المقدس هو كلام الله مثال لذلك "كـلام أرميا بن حلقيا من الكهنة الذين فى عناثوث فى أرض بنيامين الذى كانت كلمة الرب إليه فى أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا فى السنة الثالثة عشرة من ملكه.. فكانت كلمة الرب إلىَّ قائلاً قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب" (أر1: 1-5).
فقد قال له الله "جعلتك نبياً للشعوب" هذه أذهـلت النبى فقال "آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد فقال الرب لى لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك" (أر1: 6-9) جعلت كلامى فى فمك بمعنى أن ما سيقوله أرميا هو كلام الرب.. "انظر قد وكَّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتـهلك وتنقض وتبنى وتغرس" (أر1: 10) لا يهدم ويهلك ويبنى ويغرس أرميا النبى بيده، بل يفعل هذا بالكلمة التى يقولها. فإذا قال ستنهدم المدينة، تنهدم بالفعل. وإذا قال سيذهب هذا الشعب للسبى، يذهب الشعب للسبى.. فالكلمة تخرج من فمه وكأنه يأمر المدينة بالانهدام أو يأمر الشعب بالذهاب إلى السبى.. "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً ماذا أنت راءٍ يا أرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (أر1: 11-12).
إن الكتاب المقدس هو كلام الله. فعندما يتعامل الإنسان مع الكتاب المقدس، يجب أن يتعامل معه بكل الاحترام. فلا يليق أن يحاول الإنسان أن ينتقد الكتاب المقدس كما هو موجود فى العالم الغربى الآن علماء يسمون }علماء نقد الكتاب المقدس{ فمن يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟!! كلام الله ينير لنا الطريق كقول المرنم "مصباح لرجلىّ كلامك ونور لسبيلى" (مز118: 105).
وقد قال الله لموسى النبى ولشعب إسرائيل "ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلـبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس فى بيتك، وحين تمشى فى الطريق، وحين تنام وحين تقوم، وأربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث6: 6-9). وعندما يقول ضعها على قلبك أى احفظها عن ظهر قلب، لذلك فإن هذه وصية إلهية بحفظ الأسفار المقدسة. وقداسة البابا شنودة الثالث دائماً يقول {احفظوا المزامير تحفظكم المزامير}.
الكتاب المقدس أساس الديانة المسيحية
إن الكتاب المقدس بعهديه يمثل أساساً راسخاً للديانة المسيحية. فالمسيحية لم تأتِ من فراغ ولكن توجد نبوات كثيرة ورموز عن السيد المسيح، وعن أمور أخرى كثيرة. فمثلاً تنبأ الكتاب المقدس عن ميلاد السيد المسيح "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش7: 14). وتنـبـأ عن ميـلاده فى بيت لحـم "أما أنت يا بيت لحـم إفـراتة وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يـهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا5: 2). وأيضاً تنبأ أشعياء وقال بفم الرب "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام" (أش9: 6).
وكذلك عن هروب السيد المسيح إلى مصر "لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى" (هو11: 1). وعن دخول السيد المسيح إلى أورشـليم "ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك9: 9).
وكذلك عن آلام السيد المسيح "ظُلِم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). وكذلك من مزامير داود النبى "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18).
سألنا مرة أحد المحامين اليهود (قابلناه خارج مصر بشأن قضية دير السلطان) كيف تنال الغفران؟ فقال نطلب الغفران من الله. فقلنا إن الكتاب المقدس يقول إن الغفران بالذبيحة، وأنتم لا يوجد لديكم ذبيحة. لأن الهيكل قد هُدم منذ ألفى عام تقريباً، ولا يوجد الآن ذبيحة لغفران الخطايا حسب الطقس اليهودى القديم لأن الذبيحة الحقيقية هى ذبيحة الصليب.. ثار وقال لا؛ لا يوجد شئ يسمى ذبيحة بشرية، والله لا يقبل ذبائح بشرية.
قدمنا له المزمور (22) ليقرأه إلى أن وصل إلى الآيات التى تقول "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسـمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18) سألناه هل داود النبى كان يتكلم عن نفسه؟!! أى هل قد ثُقبت يداه ورجلاه؟ فقال لا، لأنه مات على فراشه. وهذا مكتوب فى أسفار الكتاب المقدس. فقلنا له متسائلين: إذن عمن يتحدث هذا المزمور الذى يقول "يبست مثل شقفة قوتى ولصق لسانى بحنكى وإلى تراب الموت تضعنى لأنه قد أحاطت بى كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون. أما أنت يا رب فلا تبعد. يا قوتى أسرع إلى نصرتى. أنقذ من السيف نفسى. من يد الكلب وحيدتى. خلصنى من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لى. أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك" (مز22: 15-22)؟!. وفى النهاية اعترف المحامى اليهودى وقال {هذا وصف دقيق لصلب السيد المسيح}!!
فالمسيحية لم تأتِ من فراغ، ولكنها بُنيت على أساس نبوات سبق فأنبأ بها أنبياء قديسون قبل مجيء السيد المسيح بآلاف السنين.. وقد قال السيد المسيح لليهود؛ موسى كتب عنى "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو5: 46).. وقال أيضاً "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح" (يو8: 56).
وقد امتلأ زكريا من الروح القدس فى يوم ميلاد يوحنا المعمدان "امتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا" (لو1: 67-75).
المسيحية بُنيت على أساس النبوات
قد بُنيت المسيحية على أساس نبوات كثيرة، فمنذ آلاف السنين والله يعد البشرية لمجيء المخلّص..
من أمثلة النبوات التى قيلت عن آلامه وصلبه "وعظماً لا تكسروا منه" (خر12: 46). وكذلك "رجل أوجاع ومختبر الحزن.. كشاة تساق إلى الذبح.. وجُعل مع الأشـرار قبره ومع غنىّ عـند مـوته على أنه لم يـعمل ظلـماً ولم يكن فى فمه غش" (أش53: 3، 7، 9).. "مع الأشرار قبره" حيث صُلب مع اللصوص وكان سيُوضع فى مقبرتهم، ولكن أسرع يوسف الرامى وأخذ الجسد من بيلاطس وتحققت النبوة "مع غنىّ عند موته".. "سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).
وكذلك قيل "لأنك لا تترك نفسى فى الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز15: 10). لأن جسده لم يفسد وقام منتصراً فى اليوم الثالث كقول المزمور "أنا اضطجعت ونمت؛ ثم استيقظت لأن الرب ناصرى" (مز3: 5).
وأيضاً نبوة عن قيامة السيد المسيح فى اليوم الثالث "فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو6: 2).
وعن التجسد "طأطأ السماوات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار وهفَّ على أجنحة الرياح" (مز18: 9-10).
وعن صعوده "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز46: 5).
وعن حلول الروح القدس "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام" (يؤ2: 28-29)..
كل ما حدث فى العهد الجديد؛ سبق وتنبأ عنه الأنبياء فى العهد القديم. وهذه مجرد أمثلة أى قليل من كثير جداً من النبوات التى وردت فى الكتب المقدسة.
من هم الذين يتممون النبوات؟
إن المهم فى إتمام هذه النبوات؛ أن بعضها لم يقم بإتمامها أصدقاء للسيد المسيح، ولكن تممها الذين قتلوه وليس أصدقاؤه!! فقد تنبأ عن تلميذه الذى خانه "أيضاً رجل سلامتى الذى وثقت به آكِلُ خبزى رفع علىَّ عقبه" (مز41: 9). وأيضاً "فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذى ثمنونى به فأخـذت الثلاثـين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب" (زك11: 13) وهذا ما حدث بالفعل، فقد أخذوا الثلاثين من الفضة واشتروا بها حقل الفخارى..
إن رؤسـاء الكـهنة.. يهـوذا الإسخريـوطى.. بيلاطـس البنطى.. هيرودس الملك.. كل هؤلاء قد تمموا النــبوات مع أنهم كانوا أعداءً للسيد المسيح.
فقد تنبأ الكتاب عن قتل أطفال بيت لحم "هكذا قال الرب: صوت سمع فى الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين" (أر31: 15) فعندما أرسل هيرودس وقتل كل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون، هرب السيد المسيح إلى أرض مصر لكى يتمم لنا الفداء ويُصلب عنا.. لم يهرب من الخوف، بل من أجل أن يبدأ رسالته ويُعلِّم تعاليم العهد الجديد، ثم يقدّم نفسه ذبيحة فداءً عن حياة العالم كله.
حقاً "من الآكل خرج أكل ومن الجافى خرجت حلاوة" (قض14: 14). لأن أعداء المسيح قد حققوا جزءًا هاماً مـن النبوات التى كُتبت عنه.
يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر
تنبأ الكتاب المقدس بأمور لم يكن اليهود أنفسهم من الممكن أن يقبلوها. وبالرغم من ذلك فهى موجودة فى كتبهم إلى هذا اليوم مثل ما ورد فى سفر أشعياء النبى "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (أش19: 19). فاليهود يرفضون تماماً إقامة أى مذبح خارج أورشليم. وأيضاً مكتوب "فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصاً ومحامياً وينقذهم فيُعرَف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذراً ويوفون به" (أش19: 20-21) هذا هو مذبح الرب الذى للعهد الجديد.. فمَن الذى يقبل مِن اليهود أن يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر؟!! فهم مشتتين فى العالم كله إلى اليوم، ومع ذلك لم يقيموا أى مذبح خارج أورشليم، فهم يحاولون إعادة المذبح مكان هيكل سليمان مرة أخرى، ولكنهم لم يستطيعوا أن يعملوا هذا..
وتنبأ أيضاً عن مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (أش19: 1).
لا يمكن تحريف الكتاب المقدس لا فى العـهد القديم، ولا فى العهد الجديد. لأنه لو قمنا بتحريف أى آيات فى العهد القديم فحتمياً كــان اليهود سيحتجون ويهيجون علينا، ويقولون إننا نؤلف آيات لكى نثبت بها مسيحيتنا.. ولكن هذا بالطبع لم يحدث على الإطلاق ولم يحتج اليهود علينا ولم يقولوا إننا أضفنا آيات إلى سفر أشعياء أو إلى غيره من الأسفار.
الاكتشافات التى تمت للكتب المقدسة
لقد تم اكتشاف نسختين كاملتين من سفر أشعياء فى وادى قمران. يرجع تاريخ نسخهم إلى القرن الثانى قبل الميلاد، وهما بنفس النصوص الموجودة بين أيدينا الآن.
لقد كان لليهود عادات وقوانين صارمة فى كتابة الأسفار الخاصة بالعهد القديم. مثل غسـل الجسد، وارتداء الثياب العبرانية، وأن تكون الرقوق من جلود الحيوانات الطاهرة، ويكون الحبر أسود نقى من العسل والكربون، ولا تكتب كلمة واحدة من الذاكرة. والكاتب يقرأ الكلمة بصوت مسموع أثناء الكتابة.
وعند كتابة اسم من أسماء الله. لابد أن يذهب الكاتب للاغتسال، ثم يكتب بريشة خاصة، وحبر خاص. وإذا وجد فى نسخة ثلاثة أخطاء أو أكثر تُعدم هذه النسخة كلها. ولذلك كانوا يستطيعون أن يحفظوا كل سفر وأجزاءه وسطوره وآياته وكلماته وحروفه. فمثلاً كان معروفاً عندهم أن حرف الألف ورد فى التوراة العبرية (أى أسفار موسى الخمسة) 42377 مرة لأنهم قاموا بإحصائه فى كل التوراة، وحرف الباء 38218 مرة. فهم يقومون بإحصاء الحرف الواحد ورد كم مرة فى كل التوراة، فإن نقص مجرد حرف واحد فقط يتم اكتشافه.
السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول
قال السيد المسيح "فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 18). وأيضاً "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" (مر13: 31).. وقال القديس يوحنا الرسول فى كتابته لسفر الرؤيا آخر أسفار العهد الجديد "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحـد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ22: 18-19).
وقد حاول مجموعة من العلماء بحث نتيجة افتراض فقد كتاب العهد الجديد بأكمله؟ فاستطاعوا أن يجمعوا من خلال كتابات الآباء القديسين فى القرنين الثانى والثالث الميلادى آيات العهد الجديد بأكمله ماعدا 11 آية فقط. وذلك حسب ما ورد فى مرجع }نورمان جسلر ووليم نكس{ وأحصيت كتابات الآباء السابقين لمجمع نيقية فوجدوا أن الاقتباسات التى اقتبسوها من العهد الجديد 36289 اقتباس، ومن الأناجيل 19368، ومن سفر الأعمال 1352، ومن رسائل القديس بولس الرسول 14035، ومن الرسائل الجامعة 870، ومن سفر الرؤيا 664 اقتباس.
فكيف بعد أن كُتبت الأناجيل كلها وانتشرت فى العالم كله، يستطيع أحد بعد ذلك أن يحرّف فيها؟!! كيف يستطيع أن يُجمِّع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم أجمع ليُحرِّف فيها؟!!
لقد كانت عادة المسيحيين عند دفن موتاهم. إنهم يضعون نسخة من الكتاب المقدس تحت رأس المتوفى. وقد وجدوا فى حفريات نجع حمادى فى مصر فتاة قبطية وتحت رأسها نسخة من سفر المزامير بأكمله باللغة القبطية من القرون الأولى للمسيحية.. كيف يستطيع أحد بعد ذلك أن يجمع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم ليحرّف فيها؟!
إلى جانب وجود بعض الهراطقة الذين جادلوا ضد القديسين. مثل الحوار الذى بين القديس أثناسيوس الرسولى وبين أريوس فى أوائل القرن الرابع الميلادى. فأريوس كان ينكر ألوهية السيد المسيح، والقديس أثناسيوس كان يدافع عن ألوهية السيد المسيح. فلم يحدث أن قال أريوس للقديس أثناسيوس إن الآيات التى قمت باستخدامها لإثبات ألوهية السيد المسيح ليس لها وجود فى الكتاب المقدس. لكنه كان يحاول إثبات هرطقته بالتحوير فى تفسير الآيات أو يستخدم آيات أخرى يسئ هو فهمها وتفسيرها. ولا زالت الآيات التى استخدمها أريوس موجودة فى العهد الجديد كما هى.
ومن المعروف أن المسيحية قامت ضدها هرطقات منذ القرن الأول الميلادى، ولم يحدث إطلاقاً أن اليهود أو الوثنيين أو الهراطقة اتهموا المسيحيين بتحريف الكتاب المقدس.
إن المسيحيين قد استشهدوا من أجل الإنجيل، وقد دفـعوا الثمن غالياً. فكيف أن شخصاً يحرّف الحقيقة وفى نفس الوقت يضحى بحياته فى سبيل حقيقة محرّفة؟!! فمن جيل إلى جيل لم توجد ديانة فى العالم كله احتملت الاضطهاد وقدمت شهداء مثل المسيحية. منذ فجر المسيحية الأول وإلى ملء التاريخ.
"فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر1: 12). فهل الله لم يستطع أن يحفظ ولو نسخة واحدة من الكتاب المقدس؟!! إنه يـوجد نسخ من الكتب المقدسة موجودة فى المتاحف، بعضها أجزاء من الكتاب المقدس وبعضها كتب مقدسة كاملة تشمل العهدين القديم والجديد موجودة مثل النسخة الفاتيكانية، والنسخة السينائية، والنسخة الاسكندرية.
فالنسخة الفاتيكانية خطت سنة 328م بأمر الملك قسطنطين، وهى محفوظة الآن فى الفاتيكان وكتبت فى مصر، وتتضمن العهدين القديم والجديد باللغة اليونانية. والنسخة السينائية خطت فى أواخر القرن الرابع الميلادى على رقوق مرهفة من أربعة أعمدة فى الصفحة الواحدة وقد عثر عليها العالِم شندروم فى دير سانت كاترين عند سفح جبل سيناء وهى موجودة الآن فى المتحف البريطانى. والنسخة الاسكندرية خطت فى القرن الخامس الميلادى، وظلت فى حفظ بطاركة الإسكندرية حتى 1828م حيث أهداها البطريرك لوكارس الكريدى (الملكانى) إلى ملك بريطانية شارل الأول وهى الآن محفوظة فى المتحف البريطانى فى إنجلترا.
إلى جانب أنه وُجدت قصاصات متناثرة من الأناجيل فى أماكن متعددة فى العالم موجودة بالمتاحف، ولم يحدث إطلاقاً أن وجدت قصاصة من صفحة من صفحات الإنجيل، ووُجدت مختلفة عن الأناجيل الذى بين أيدينا الآن. مهما كان عمرها، إن رجعت إلى القرن الأول الميلادى أو الثانى أو ما بعد ذلك.. لذلك لا يمكن أن نقبل إطلاقاً إدّعاء تحريف الكتاب المقدس.
أحياناً يرى بعض الأشخاص اختلافات فى الكتاب المقدس بين أجزاء وأجزاء. مثال لذلك إنجيل يوحنا يقول عن المريمات "جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق" (يو20: 1). وإنجيل آخر هو إنجيل مرقس يقول إنهن "أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس" (مر16: 2). لكن فى الحقيقة إن هذا ليس اختلافاً ولكنه سوء فهم من القارئ لأنه عندما يقول "إذ طلعت الشمس" يقصد نور الشمس وليس قرص الشمس. وعند طلوع الشمس من ناحية الشرق يكون الظلام باق من ناحية الغرب. فليس هناك أى تناقض. وأى تناقض يراه القارئ يكون نتيجة عدم فهم وسرعة فى الحكم على الآية.
فـمن الطبيعى أننا نـقرأ الكتـاب المقـدس فى خشــوع، وفى احترام، ونسأل الآباء ومعلمى البيعة ونستشير أقوال وكتابات الآباء القديسين إذا اُغلق علينا فهم أى جزء من أجزاء الكتاب المقدس لأن الكتاب كله هو موحى به من الله "كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 20،21).
إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة
يجب أن نعلم أطفالنا ونحفّظهم الكتاب المقدس، فقد قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى3: 15) مقصود بعبارة "الكتب المقدسة" هنا العهد القديم لأنه فى وقت طفولية القديس تيموثاوس لم تكن أناجيل العهد الجديد والرسائل قد كُتبت بعد.. فلابد أن نُحفِّظ أطفالنا أكبر كمية ممكنة من الكتب المقدسة وهذه مسئولية خطيرة جداً لأن المثل الشائع يقول إن }التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر{. وإذا قصّرنا فى ذلك فإننا نُقصّر فى حفظ الوديعة.
ففى العصر المسيحى الأول؛ كـان المؤمنـون يحفظون الأسفار المقدسة.. فكانت تُكتب وتُحفظ فى قلـوب وعقــول المؤمنين فى آنٍ واحد. وإنه لشئ جميل جداً أن كلام الله يكون على الورق مكتوباً، وفى القلب محفوظاً. فالكتاب المقدس ليس هو فقط مخطوطات تنسخ ولكنه قديسين يحيوْن بكلام الله. لذلك قال السيد المسيح "الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63).
الكنيسة شاهدة للكتاب المقدس
إن الكنيسة هى شاهدة للكتاب المقدس.. شاهدة لصحته.. شاهدة لعصمته، والكتاب المقدس شاهد للكنيسة. فالكتاب المقدس هو جزء من التقليد الرسولى الذى استلمته الكنيسة وأيضاً هو حارس التقليد، لأنه هو الذى يحمي التقليد من أى شئ يندس فيه ويتعارض مع فكر الله ومشيئته. فالكتاب المقدس هو فى التقليد وهو أيضاً حارس للتقليد، وهو صاحب السلطة العليا عليه.. فالكنيسة تحرس الكتاب المقدس، والكـتاب يحرس الكنيسـة، والروح القدس هو الذى يقود هذا وتلك. "لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21).
فالروح القدس هو الذى يسوق الكنيسة ويقودها ويعمل فيها. ولذلك تحترم الكنيسة الكتاب المقدس جداً وتقرأ فصول كثيرة من العهد القديم والعهد الجديد فى كل المناسبات. وحينما يُقرأ الإنجيل يقف الجميع بخوف وخشوع، ويقول الشماس }قفوا بخوف أمام الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس{. وتنار الشموع حول الإنجيل لأن الإنجيل هو نور العالم. لهذا قال القديس بولس الرسول "لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل المـوت وأنـار الحيـاة والخلـود بواسطة الإنجيـل" (2تى1: 9،10).
وفى كل قداس وكل معمودية وكل سر من أسرار الكنيسة السبعة تُقرأ فصول من الكتب المقدسة. ويقرأ فصل من الإنجيل، وتصلى صلاة خاصة تسمى "أوشية الإنجيل" وهى طلبة خاصة يقال فيها }فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك{ ويقول الشماس }صلوا من أجل الإنجيل المقدس{.
ونتذكر فى هذه الصلاة كلمات السيد المسيح التى قالها لرسله "ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 16). فنشعر إننا مغبوطين لأننا قد نلنا هذا الشرف العظيم أن نستمع إلى كلمات الإنجيل. فالقديس أنطونيوس عندما دخل الكنيسة، وكانت الأذن مستعدة للسمع، والقلب مستعد للطاعة، وسمع كلمات الإنجيل "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى" (مت19: 21). ذهب وصنع ما سمعه فى فصل الإنجيل المقدس وهكذا خرج أبو الرهبان ليبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الرهبنة المسيحية. لذلك فإن السيد المسيح قد شبه كلامه بالزارع الذى خرج ليزرع. فالذى وقع على الأرض الجيدة أعطى ثمراً ثلاثين وستين ومائة.
الربط بين العهد القديم والعهد الجديد
فى كلام معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى3: 15)، ربط عجيب جداً بين العهد القديم والجديد. لأن المقصود بالكتب المقدسة التى عرفها منذ الطفولية هى العهد القديم وعند قوله "القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" فهى انطلاقة من القديـم إلى الجـديد.. فهـى التـى تحكمك للخلاص، وهى التى تعـطيك الحـكمـة والاستـنـارة والفهم فيما يخص الإيمان الذى بالمسيح يسوع.
لذلك قال السيد المسيح لليهود "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لى" (يو5: 39). وقال أيضاً "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو5: 46)، وفى حديثه مع تلميذى عمواس سجل القديس لوقا الإنجيلى عنه "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب" (لو24: 27). وكذلك عند ظهوره للرسل مجتمعين بعد القيامة "قال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو24: 44) عبارة "وأنا بعد معكم" بمعنى أن هذا الكلام قاله السيد المسيح لهم قبل الصلب، ثم عاد وقاله لهم بعد القيامة، فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.. أى أن السيد المسيح قد شهد لجميع أسفار العهد القديم التى كانت موجودة فى أيامه وسُجِل ذلك فى العهد الجديد.
صلوا من أجل الإنجيل
نحتاج أن نصلى صلوات خاصة لكى يفتح الله أذهاننا لنفهم الكتب. وأوشية الإنجيل هى إحدى هذه الصلوات وأهمها. وأيضاً فى صلواتنا الخاصة يجب أن نصلى لكى يعطينا الله فهماً للأسفار المقدسة. هناك أشخاص يقرأون الكتب المقدسة وهم راكعون أو وهم وقوف فى وضع صلاة لأن الإنجيل هو كلام الله.
يقول المرنم فى المزمور "إنى أسمع ما يتكلم به الرب الإله لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه" (مز84: 8). لذلك عندما نقرأ الإنجيل نكون فى وضع المتلقى لرسالة سماوية تمس حياتنا الخاصة، وأيضاً لكى نفهم أعماق الأسرار المذخّرة وراء هذه الكلمات "وُجد كلامـك فأكلته فكان كلامـك لى للفـرح" (أر15: 16).
إن الإنسـان الروحى يتغذى بكلام الكتـب المقدسـة، وهـذا ما قال عنه السيد المسيح "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4: 4). هناك أشخاص يهملون دراسة الكتاب المقدس فى العهد القديم. ولكن بولس الرسول يحذرنا بقولـه "الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص" (2تى3: 15).
فعندما نقرأ فى سفر أرميا "ها أيام تـأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقاً وعدلاً فى الأرض. فى أيامه يُخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هـو اسمه الذى يدعونه به الرب برنا" (أر23: 5-6). فنجد أن هذه الكلمات لها نغمة خاصة فى أذهان المنتظرين الفداء فى إسرائيل لأنها تشير بوضوح إلى السيد المسيح البار القـدوس ابن داود الذى أعطى الأمـان لمؤمنيه بمصالحتهم مـع أبيه السماوى.
اعتزاز شعب إسرائيل بالكتاب المقدس
العجيب أن شعب إسرائيل بالرغم من عداوته للسيد المسيح، لكن اعتزازه بالكتاب المقدس والأسفار المقدسة جعله لا يحذف النبوات التى تكلمت عن السيد المسيح فى الكتب المقدسة التى شملتها قوانينهم مثل نبوة أشعياء "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (أش53: 4-5) كلام محرج جداً لليهود.. لكن هذا يوضح لنا مدى حرص شعب إسرائيل على المحافظة على الأسفار بدون تحريف على الرغم من أن كلامها فيه إحراج لهم.
ففى قول الكتاب "ثم قال الرب لى وإن وقف موسى وصموئيل أمامى لا تكون نفسى نحو هذا الشعب" (أر15: 1)، فهذه الكلمات تعتبر تجريحاً لشعب إسرائيل. فلو أراد اليهود تحريف هذه الأسفار لكانوا قد حذفوا هذه العبارة مثلاً، ولكنهم لا يقدرون أن يحذفوا ولا حرف واحد ولا كلمة واحدة من توراتهم، لأنهم وقت كتابتهم صفحة فى الكتاب المقدس يحصون عدد الأحرف فى السطر أفقى، وعدد الأسطر فى الصفحة كلها.. فكيف يُحذف بعد حتى ولو كلمة واحدة إن كان من المحال أن يتغير عدد الأحرف.
وأيضاً "وقد صار عقاب بنت شعبى أعظم من قصاص خطية سدوم التى انقلبت كأنه فى لحظة ولم تلق عليها أياد. كان نذرها أنقى من الثلج وأكثر بياضاً من اللبن.. لم يُعرفوا فى الشوارع لصق جلدهم بعظمهم .. أيادى النساء الحنائن طبخت أولادهن. صاروا طعاماً لهن فى سحق بنت شعبى. أتم الرب غيظه، سكب حمو غضبه وأشعل ناراً فى صهيون فأكلت أسسها. لم تصدق ملوك الأرض وكل سكان المسكونة أن العدو والمبغض يدخلان أبواب أورشليم. من أجل خطايا أنبيائها وآثام كهنتها السافكين فى وسطها دم الصديقين. تاهوا كعُمىٍ فى الشوارع وتلطخوا بالدم حتى لم يستطع أحد أن يمس ملابسهم" (مراثى4: 6-14) عبارة "من أجل خطايا أنبيائها" يقصد بها الأنبياء الكذبة الذين كانوا يتملقون الملوك ويكذبون عليهم.
فإن أراد اليهود تحريف الكتـاب المقـدس لكانـوا قد حذفوا هــذه الاتهامات التى ضدهم، واللعنات الموجهه إليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا قد حذفوا النبوات الواضحة عن السيد المسيح. وإن كان المسيحيون حرّفوا الكتاب المقدس، لما سكت اليهود إطلاقاً، لأن الكتاب المقدس العهد القديم هو كتابهم.
إن مجرد تفسير بولس الرسول بأن الختان كان رمـزاً للمعمودية، قام عليه اليهود. ونذر أربعون شخصاً أن لا يأكلوا إلا بعد قتله لأنهم اعتبروه ناقضاً للناموس. وكذلك السيد المسيح عندما شفى مرضى فى يوم السبت قام عليه اليهود وحُكم عليه بالموت. فإن كان من يغيرّ فى تفسير الشريعة فقط، وليس فى نصها، كان يُحكم عليه بالموت، فماذا سوف يكون الموقف إذا قام أحد بتغيير النص؟!!
فالسيد المسيح لم يغير فى النص على الإطلاق، لكن قال لهم "السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت، إذاً ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مر2: 27، 28). وسألهم "ألا يحل كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضى ويسقيه، وهذه هى ابنة ابراهيم قد ربطها الشيطان ثمانى عشرة سنة، أما كان ينبغى أن تُحل من هذا الرباط فى يوم السبت" (لو13: 15، 16) كانت المسألة مجرد حوار حول التفسير فقط، لكن لم يحدث إطلاقاً صراع حول النص. بل على العكس لقد شهد السيد المسيح للعهد القديم فى مواقف كثيرة كما أوضحنا سابقاً، وقد سألهم أيضاً "ماذا تظنون فى المسيح، ابن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مت22: 42-45) شهد الرب أن ما قاله داود هو بالروح.
يذكر عهده المقدس
يـوجد اقتباسـات كثـيرة جداً من العـهد القـديـم موجودة فى العـهد الجديـد وكذلك أقوال كثيرة للســيد المســيح فى العهد الجديد مأخوذة من العهد القديم "فأجابه يســوع قائلاً: مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله" (لو4: 4). وكذلك قولـه لتلاميذه "إنه لا بد أن يـتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو24: 44). فلا يستطيع أحد أن يدّعى تحريف العهد القديــم.
ولكن أحياناً يقول البعض إن العهد الجديد هو الذى يجب أن نتبعه، لأن العهد القديم به وصايا قد انتهت بمجيء السيد المسيح، لدرجة أن يقولون إن إله العهد القديم ليس هو إله العهد الجديد.. هذا كلام خاطئ جداً، لأن الذى تغير هو الإنسان وليس الله. لأن عهد الخلاص الذى أعطاه الله لإبراهيم فى العهد القديم هو نفسه الذى تحقق فى العهد الجديد "وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه.. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس، القسم الذى حلف لابراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر جميع أيام حياتنا" (لو1: 69-75).
يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد
تحمل عبارة "العهد القديم" أكثر من معنى؛ فعندما نقول "كتب العهد القديم" نقصد الأسفار التى كتبت قبل مجيء السيد المسيح، وعندما نقول "العهد بين الله وشعبه" الذى نقضه الشعب فهذا معنى آخر لكلمة العهد.. والعهد الذى بين الله وإبراهيم هو عهد خلاص، لذلك هو هو نفسه العهد الذى تكلم عنه زكريا أبو يوحنا المعمدان.. وهو العهد الذى تكلمت عنه السيدة العذراء فى تسبحتها "تبتهج روحى بالله مخلصى.. كما كلم آباءنا لابراهيم ونسله إلى الأبد" (لو1: 47، 55).
لا يوجد شئ يسمى إله العهد القديم، وإله العهد الجديد. ويقول معلمنا بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). وكذلك يقول الكتاب عن الله "الـذى ليـس عنـده تغيـير ولا ظـل دوران" (يع1: 17). فالإنسان هو الذى يتغير وليس الله.
لذلك عندما سُئل السـيد المسيح عن الطلاق "قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق" (مت19: 7).
قال: "من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم" (مت19: 8). فليس التغير فى الله معطى الوصية، ولكن فى الإنسان الذى ينفّذ الوصية.
الإنسان قبل وبعد النعمة
فما الفرق بين الإنسان قبل النعمة والإنسان بعد النعمة؟ قد جاء السيد المسيح ليحرر الإنسـان من الخطية والعبودية، ويعبر بالبشر من الموت الأبدى إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور. فكيف تكون وصايا العهد القديم هى نفسها وصايا العهد الجديد؟!! كيف أن الله يُطالب الإنسان قبل الخـلاص بنفس الوصـايا التى يطـالبه بها بعـد إتمام الخلاص؟!! فأين التجديد؟!!
يقول الكتاب "إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). فالإنسان الذى أخذ النعمة والبنوة والتجديد، مطالَب بوصايا سامية ومقدسة جداً. لأن الإنسان الذى ورث خطية آدم ويعيش تحت لعنة الناموس كيف يُطلب منه وصايا العهد الجديد؟!! وكيف يستطيع تنفيذها بدون أين يأخذ إمكانية تنفيذها؟!! ولكى نستطيع تنفيذ وصايا السيد المسيح، أعطانا الرب نعمة التجديد والتبنى، وصالحنا مع الآب السماوى، وأعطانا سكنى الروح القدس فى داخلنا. وبذلك نستطيع أن ننفذ وصايا الكمال.
ما جئت لأنقض بل لأكمل
نحن نرفض تماماً الإدعاء بأن هناك إله يسمى "إله العهد القديم" وإله يسمى "إله العهد الجديد". فيقولون قديماً كان الله يوصى شعبه أن يخرجوا للحرب، وفى العهد الجديد قال "أحبوا أعداءكم" (مت5: 44).. فنحن نقول إن الله قد أوصى أيضاً فى العهد الجديد أن نحارب الشيطان.
ففى العهد القديم كان يحارب الإنسان الوثنية، لكى يستطع أن يحافظ على كيانه، لأنه ليس له سيف الروح القدس وكلمة الله. لذلك كان يحارب بالسيف، لكى يستطيع كشعب خاص، ومملكة كهنة أن يحافظ على كيانه من عبادة الأوثان. لكن فى العهد الجديد قال "ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت10: 16). فإنسان العهد الجديد له إمكانيات تختلف تماماً عن إنسان العهد القديم. وهو قال أيضاً "لأنى أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15).
لقـد خـرجت المسيحية تـهز العـالم كلـه "وهذه الآيـات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسـنة جديدة" (مر16: 17). فمن كان يستطيع أن يخرج شيطاناً فى العهد القديم؟!! لقد اهتزت مملكة الشيطان أمام قوة الكرازة بالإنجيل بواسطة رسل المسيح الذين "إلى كل الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصى المسكونة أقوالهم" (رو10: 18).
ففى العهد القديم كان الله يحافظ على شعبه، ويحوطه فى مساحة ضيقة، وأقصى شئ كان هو منع تسلل الوثنيين فى وسطهم. أما فى العهد الجديد فقد قال لهم "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر16: 15)، وهنا أصبحت الكنيسة تنطلق إلى العالم أجمع. لأنها تحمل قوة الشهادة للمسيح، ومعها ما هو أقوى من الموت. لأنها تشهد للحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا، لم تعد تخشى الموت..
فلهذا علينا أن نشهد دائماً بقيامة ربنا يسوع المسيح من بين الأموات. وكما نقول فى القداس الإلهى }آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف{. هذه هى رسالتنا فى هذا العالم؛ ننشر السلام.. ننشر الحب.. نكرز بالحياة.. نكرز بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات. ليجعلنا يسوع المسيح شهود حقيقيين للقيامة وبشارة الإنجيل.
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين