"القرآن" هل هو مُتَوَاتر – قَطعي الثبوت عن النبي؟ مسألة جمعه وتدوينه
"ولما كان الرسول هو خاتم الرُّسُل ولن يأتي رسول من بعده.. كان لابد وأن تكون عملية الجمع والتدوين تامة وكاملة تحت إشراف الرسول في حياته وقبل مماته.. "
صالح الورداني
(دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمُحَدّتين – ص222 – تريدنكو للطباعة والنشر – الطبعة الأولى 1997م – بيروت – لبنان – ص.ب: 5316/14)
" فالقرآن لا يثبت إلا بالتواتر .. وأن النبي مسؤولاً أمام الوحي عن جمع القرآن وتدوينه كمسئوليته عن نشره وتبليغه .. "
أ.د/ محمد حسين علي الصغير
(أ.د/ محمد حسين علي الصغير – أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الكوفة – كتاب تأريخ القرآن – ص86 – دار المؤرخ العربي – بيروت – لبنان – ص.ب: 124/24 – الطبعة الأولى 1999م)
الفهـــــرس
الموضوع |
الصفحة |
مدخل .. |
3 |
تمهيد .. |
4 |
حقيقة جمع القرآن وتدوينه .. |
5 |
أ. جمع أبي بكر للقرآن |
5 |
ب. جمع عمر للقرآن |
11 |
جـ. جمع علي للقرآن |
11 |
- لماذا لم يُظهر علي قرآنه أثناء خلافته ؟ |
13 |
د. جمع سالم للقرآن |
13 |
- هل القرآن كان مجموعاً في عهد النبي – وهل يوجد أدلة .. |
14 |
- تعليق أ.د/ محمد حسين الصغير على روايات الجمع السابقة .. |
14 |
- القرآن في عهد عثمان وحرق المصاحف .. |
18 |
- مصير النُّسَخ العثمانية .. |
20 |
- رأي طه حسين فيما فعله عثمان .. |
20 |
- رأي د. محمد حسين الصغير.. |
21 |
- رأي طيب تيزيني .. |
21 |
- رأي صالح الورداني .. |
21 |
- رأي الشيخ خليل عبد الكريم .. |
22 |
- موقف عبد الله بن مسعود والصحابة من فعل عثمان .. |
24 |
- موقف الشيعة.. |
27 |
- الثورة على عثمان ومقتله كرد فعل لما فعل من تحريقه للمصاحف .. |
28 |
- مصير المصحف (الأصل) المعروف بمصحف حفصة .. |
30 |
- بعض آراء في النقاط السابقة |
31 |
مدخل ..
ليس خفياً ولا يحتاج إلى أدلة أن الخطاب الديني وضع في عقول عامة المسلمين أن الكتاب المقدس المُنزَل من عند الله والمتقدم على القرآن قد تعَرَّض للتغيير والتحريف – رغم أنه يحمل صفات تتعارض مع إهمال الله له حتى يُبَدَّل .. منها:
1. أنه كتاب منير (آل عمران : 184)
2. الفرقان (البقرة : 53) ، (الأنبياء : 48)
3. الكتاب الحكيم (يونس : 1)
4. الكتاب المستبين (الصافات :117)
5. الهُدَى (غافر : 53)
6. ضياء وذكرى للمتقين (الأنبياء : 48)
7. نوراً وهدىً للناس (الأنعام : 91)
8. هدىً ورحمة (الأنعام : 154)
9. إماماً ورحمة (هود : 17) ، (الأحقاف : 12)
10. بصائر للناس وهدى ورحمة (القصص : 43)
11. هدىً وذكرى لأولي الألباب (غافر : 54)
12. فيه حكم الله (المائدة : 43)
13. فيه هدى ونور (المائدة : 44، 46)
14. فيه من كل شيء موعظة وتفصيل لكل شيء (الأعراف : 145)
15. تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء (الأنعام: 154)
كذلك يُطلق عليه لقب (القرآن) أيضاً كما جاء في حديث البخاري
(انظر تفسير ابن كثير – ( سورة الرعد: 31، الإسراء: 55)
فعلى الرغم من وجود كتاب مُنزَل من السماء من عند الله هذه صفاته .. إلا أن الخطاب الديني أوحَى إلى الناس إن هذا الكتاب أهمله الله فلحقه التحريف وأوَّلوا الآية (9) من سورة الحِجْر أن الله تعَهَّد القرآن فقط بالحِفظ دون غيره من الكتب السماوية.
وهذا التَوَجُّه من الخطاب الديني الإسلامي قد يكون الغرض منه الغطرشة على ما أُثير من تعَرُّض النَّص القرآني لأحداث تُشَكِّك في تواتره وأنه قَطعِيّ الثبوت.
وفي هذا البحث نعرض لمسألة جمع القرآن وتدوينه .. مُؤَجِّلين بقية ما أُثير من شبهات إلى بحث آخر إن شاء الله ...
تمهيد..
يقول أ.د/ محمد حسين علي الصغير
* :لجمع القرآن في الروايات تأريخ متناقض عجيب، ..
( تأريخ القرآن – ص65– مصدر سابق)
ويقول الخوئي: "القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر، فلابد من طرح هذه الروايات لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر، .."
(المصدر السابق – ص67)
ويقول صالح الورداني
**: "لقد تتبعت تأريخ القرآن فلم أجد جواباً بل زدت شكّاً وحيرة بسبب الطريقة التي تم بها جمع القرآن، والخلافات التي وقعت بين الصحابة حول جَمعِه وتفسيره..".(الخدعة – رحلتي من السّنّة إلى الشيعة – ص46 – تريدنكو للنشر – بيروت – لبنان – ص.ب: 5316/14 – الطبعة الثالثة 1418هـ - 1997م)
ويقول محمد عزة دروزة: " أما تدوين القرآن وجمعه وترتيبه فإن الناظر في كتب علماء القرآن ورواة الحديث عنهما يجد أقوالاً وروايات كثيرة حول هذا الموضوع مختلفة اختلافاً غير يسير، ومتعارضة أحياناً ".
(تدوين القرآن المجيد – ص36 – دار الشعاع للنشر – 25 ش الأشبولي شبرا – الطبعة الأولى 2004م)
ويقول د. طيب تيزيني:" فنحن يمكن أن ننظر إلى المسألة المعنية بمنظار واسع يشمل اتجاهات الاختلاف الكبرى، التي ظهرت في سياق الجهود التي أفضت إلى جمع آيات القرآن".
( النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة – ج5 – دار الينابيع للنشر – دمشق – ص.ب: 6348 – طبعة 1997م)
وتقول فريدة النّقاش: " وقصة جمع القرآن الكريم وصولاً إلى تعميم مصحف عثمان، مشهورة وهي موضوع بحث المتخصصين في علوم القرآن، لكن الحديث عنها يكاد يكون مُحَرَّماً في بلادنا نتيجة للخوف من النقد وروح البحث الحُرّ ونتائجه".
( جريدة الأهالي – العدد ] [762 – 24/4/1996م – ص15)
من ناحية أخرى نجد مفتي القدس – الشيخ عكرمة سعيد صبري يُبَسِّط الموضوع بحيث يبدو أنه ليس هناك أي مُشكل في جمع القرآن وتدوينه فيقول تحت عنوان "سلامة القرآن من التحريف": "إنّ جمع القرآن – بمعنى كتابته – اتخذ ثلاث كيفيات متعاقبة:
أ. في عهد الرسول (ص)
ب. في عهد أبي بكر (رض)
جـ. في عهد عثمان (رض)
ففي عهد الرسول (ص) تم تدوين جميع القرآن خلال ثلاثة وعشرين سنة (أي فترة نزول الوحي). وكان تدوينه أولاً بأول.
وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق (رض)، تم جمع القرآن في مصحف واحد في مكان واحد،..
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض) تم نسخ القرآن على عدة نُسَخ لتُوَزَّع على الأقاليم والأقطار الإسلامية المفتوحة، .. ".
(أضواء على إعجاز القرآن – ص(36-38) – مركز الأهرام للنشر – الطبعة الأولى 1996م – رقم الإيداع : 13005/1996)
إذن فما هي الحقيقة – حقيقة جمع القرآن وتدوينه ؟
حقيقة جمع القرآن وتدوينه ..
أ. جمع أبي بكر للقرآن ..
فلنتأمل في الروايات الآتية :
1- يقول ابن كثير إن عمر هوَّله قتل الحُفّاظ في اليمامة (حروب الرّدّة) ويفزعه تناقص الرعيل الذي انتقشت آيات القرآن في قلبه، وانطبعت في فؤاده فيذهب إلى أبي بكر وما يزال به يحاوره ويجادله حتى تتفق الكلمة على جمع القرآن في مصحف واحد، وإيداعه دار حفصة زوجة النبي (ص).
(تفسير بن كثير – (1/4) – طبعة دار الشعب – 8 مجلدات – (تحقيق: محمد إبراهيم البنّا – محمد أحمد عاشور – عبد العزيز غنيم)
والسؤال: إذا كان القرآن قد تم تدوينه في عهد النبي كما قال فضيلة الشيخ مُفتي القدس، فلماذا هول عمر وفزعه تناقص الرّعيل (حَفَظَة القرآن) فيذهب إلى أبي بكر يحاوره ويجادله حتى يجمعا القرآن؟
2- روى البخاري في صحيحه أن زيد بن ثابت (رض) قال:
" أرسل إلَيَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو
بكر (رض): إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استَحَرّ (أي اشتد) يوم اليمامة بالناس،
وإنّي أخشَى أن يستحر القتل بالقُرَّاء (حفظة القرآن) في المواطن فيذهب
كثير من القرآن إلاّ أن يجمعوه، وإنّي لأرى أن تجمع القرآن.
قال أبو بكر، قلت لعُمَر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ فقال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعنده عمر جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتّهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) فتَتَبَّع القرآن فاجمَعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علَيَّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (ص)؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمَر. فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرّقاع (الورق والكاغد) والأكتاف (عظام وأضلاع) والعُسب (جريد النّخل) وصدور الرّجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره (التوبة: 128، 129) فلما نسخنا الصحف في المصاحف فُقدَت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله (ص) يقرؤها لم أجدها إلا مع أبي خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين (الأحزاب: 23). فألحقتها في سورتها فكانت الصُّحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتّى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر".
( علوم القرآن – د. عبد الله محمود شحاته – أستاذ ورئيس قسم الشريعة - كلية دار العلوم جامعة القاهرة – ص30، 31- مكتبة نهضة الشرق للنشر جامعة القاهرة – الطبعة الثالثة 1985 – دار الاعتصام – رقم الإيداع : 5219/1985. انظر أيضاً حديث الزهري في صحيح البخاري رقم 4679 – الناشر مكتبة الإيمان بالمنصورة – طبعة 1423/2003.)
ملحوظة: من الحديث أنه بمقتل القُرّاء يذهب قرآن كثير، وأن الرسول لم يجمع القرآن ولا أمر بجمعه، وأن سلامة القرآن تتوقف على أمانة زيد ابن ثابت وما في صدور الرجال من آيات قرآنية، كما أن عملية الجمع هذه كانت شديدة الصعوبة على زيد حتى أنه تمنى نقل جبل أيسر من جمع القرآن وأن ما جُمع استقر في بيت حفصة.
3- روى ابن شهاب حديثاً آخر جاء فيه : إنه لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما معهم حتى جُمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول مَن جمع القرآن.
(تدوين القرآن المجيد – ص37 – مصدر سابق)
لاحِظ أيضاً عبارة (فزع وخاف) والتي تعني أنه لم يكُن مجموعاً في عهد النبي.
4- أخرج أبو داود حديثاً عن عليّ جاء فيه: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر رحمة الله على أبي بكر .. هو أول مَن جمع كتاب الله. (المصدر السابق – ص38)
وهذه الروية تعني أيضاً أنه لم يكن مجموعاً في عهد النبي.
5- عن الليث بن سعد، قال: "أول مَن جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد.. وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها إلا وحده".
(النص القرآني – طيب تيزيني – ص406 – مصدر سابق – نقلاً عن الإتقان في علوم القرآن للسيوطي)
يلاحظ أن الآية التي كانت مع عمَر لم تُكتَب لأنه لم يكن معه شاهد آخر رغم قول النبي عنه: ] – إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه
- لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب
- والحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان
- عمر بن الخطاب معي حيث أُحب وأنا معه حيث أحَب [.
(عبقرية عمر – عباس محمود العقاد – ص129 – نهضة مصر للطباعة والنشر بالفجالة – رقم الإيداع: 2389/1994 – الترقيم الدولي: 977-14-0180-7 ISBN:. انظر أيضاً : الفاروق عمر بن الخطاب لعبد الرحمن الشرقاوي – دار غريب لطباعة والنشر – رقم إيداع: 4368/95.)
كذلك يقول د. رشيد الخيون: ] ولا ندري كيف وازن المؤرخون، من أصحاب الحديث، روايتهم في عجز عُمَر من تثبيت نَصّ قرآني وبين موافقة القرآن له في كثير من النصوص، منها روايتهم للحديث: " ما قال الناس في شيء وقال عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول". ومثل ذلك ورد في رواية : "كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن" [.
(جدل التنزيل – منشورات الجمل – ص51 – طبعة 2000 – كولونيا – ألمانيا.)
وتقول د. عائشة عبد الرحمن (بنت لشاطئ)* تحت عنوان التقويم الإسلامي للهجرة:
استُشهد في موقعة اليمامة وحدها خمسمائة (500) أو أكثر من حفَظَة القرآن وكان محفوظاً في الصدور. (جريدة الأهرام – 13/7/1995م)
وتحت عنوان قتل أكثر القُرّاء في واقعة اليمامة، يقول بن الخطيب:
" في واقعة اليمامة، مات من المؤمنين خلق كثير، منهم سبعمائة (700) من القُرّاء. فلما رأى عمربن الخطاب (رض) ما وقع بأكثر القراء، خشي على مَن بقي منهم"
(الفرقان لابن الخطيب – ص34 – دار الباز للنشر والتوزيع – عباس أحمد الباز – مكة المكرمة – دار الكتب العلمية – بيروت لبنان)
ويقول عبد الرحمن الشرقاوي : "وقُتل في معركة اليمامة من المسلمين نحو الف ومائتين! فيهم عدد كبير من الصحابة حُفّاظ القرآن".
(الصِّدِّيق أول الخلفاء – ص108 – مكتبة غريب للنشر – رقم الإيداع : 8614/87 – الترقيم الدولي : 977-172-195-x)
وفي موضع آخر يقول: "وقليل من قراء القرآن بقوا أحياء".
(الفاروق عمر بن الخطاب – ص41 – مصدر سابق)
ويقول د. عبد الهادي عبد الرحمن: " تطاحنت الجيوش تطاحناً رهيباً في موقعة اليمامة الشهيرة والتي أودت بحياة معظم حفظة القرآن، وكانت سبباً من أسباب جمعه أيام أبي بكر، ومن كثرة القتلى من الجانبين أُطلق عليها حديقة الموت"
(جذور القوة الإسلامية – ص185- دار الطليعة للنشر – ص.ب: 1813/11 – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى أبريل 1988م)
وفي رواية : " .. فإذا شهد رجلان على آية كتبها (زيد) وإذا لم يشهد عليها غير واحد أرجأها فلم يكتب فقال عمر: وأنا أسمع أنه قُتِل يوم اليمامة قوم كانوا يقرأون قرآناً لا يقرؤه غيرهم فقد ذهب".
(آراء حول القرآن – سماحة آية الله العُظمَى السيد علي العلامة القاني الأصفهاني – ص100 – دار الهادي للنشر – ص.ب: 286/25 – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى 1991م)
لذلك يقول د. محمد حسين هيكل : " وظفرت جهود زيد المتصلة خلال سنتين أو ثلاث بجمع هذه المادة كلها .. ".
(حياة محمد – ص51 – الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة 2001- رقم الإيداع: 9363/2001– ISBN: 977-01-7234-0)
ويقول د. رشيد الخيون : " ولا ندري كيف كان التعامل مع عدم وجود شاهدين كما هو مقرر، وهل النصوص كافة كانت مؤيَّدَة بشاهدَين؟ .. "
(جدل التنزيل – ص31 – مصدر سابق)
صالح الورداني وروايات جمع القرآن ..
يقول : "لا شك أن مثل هذه الطريقة في جمع القرآن تثير الشك من حوله وتدفع إلى القول بتحريفه وهي لابد أن ينتج عنها نسيان شيء من آياته أو تبديل آية مكان آية. فإنما المتصدي للجمع هو بشر. وقد دفعهم هذا إلى ضرورة وجود شاهدين لإثبات صحة الآية..". (الخدعة – ص144 – مصدر سابق)
ومن الروايات خرج الورداني بالملاحظات التالية:
] – إن الرسول ترك الأمة والقرآن في صدور الرجال ..
- إن القرآن مهدد بالضياع بسبب معركة اليمامة ..
- إن أبا بكر لم يكن يعنيه هذا الأمر ..
- إن عمر ذكره باهميته وضرورته ..
- إن أبا بكر احتج بأن الرسول لم يفعل ذلك ..
- إن عمر أكثر من الإلحاح عليه في هذا الأمر ..
- إن متتبع القرآن هو زيد وحده .. [ . (المصدر السابق – ص142)
وأمام هذه الملاحظات يطرح الورداني التساؤلات التالية:
] - هل يكفي زيد وحده للقيام بمهمة جمع القرآن؟*
- هل يعني تواجد آخر آيات التوبة بحوزة خزيمة وحده أن القرآن كانت توزع آياته على الصحابة بحيث تكون هناك آية عند صحابي لا توجد عند آخر؟
**- وأين ما حفظ أبو بكر وعمر من هذا القرآن؟
- ولماذا احتفظ أبو بكر بالقرآن عنده بعد جمعه ولم ينشره في الأمة؟
- ولماذا سار عُمَر علَى نفس السياسة؟
- وما قيمة أن يستقر المصحف في النهاية عند حفصة
* ؟ [ (المصدر السابق)
ونرى أن نضيف سؤالاً: جاء في الحديث : " استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، فبدأ به، وسالم مَولَى أبي حذيفة، وأُبَيّ بن كعب، ومُعاذ بن جبل" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي.
(أحاديث الصادقة – حديث رقم 101 – ص129 – تحقيق وتوثيق محمد سيف الدين عليش – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995م – رقم الإيداع: 4778/1995 – ISBN: 977-01-4381-2)
فأين دور هؤلاء في عملية الجمع هذه؟
ويقول الشيخ خليل عبد الكريم
**: ] الأمر الثابت أن الاعتماد كلياً على الحفظ في الذاكرة والجمع في الصدور استَمَرّا دون غيرهما حتى منتصف خلافة التيمي أبي بكر؛ أي منذ واقعة غار حرى حتى سنة 12هـ أي ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً.
والحجة على ذلك أنه عندما شرع زيد بن ثابت في جمعه تمهيداً لكتابته توكّأ على محفوظات الرجال، بل أن عدداً من الآيات لم يجدها مكتوبة على اللخاف والرقاع والعُسب والأكتاف، بل عثر عليها عند بعض الصحاب مثل خزيمة بن ثابت وأُبَي بن كعب.
وإبان ذلك طفق العدوي بن الخطاب – صاحب فكرة الجمع – ينادي بصوته الجهوري في الناس (مَن كان تلَقّى عن رسول الله – ص – شيئاً من القرآن فليأتنا به).
ولنلاحظ أنه لم يقل : "مَن كتب شيئاً من القرآن فليأتنا به" [
(النص المؤسس ومجتمعه – ص369، 370- السِّفر الثاني – دار مصر المحروسة – الطبعة الأولى القاهرة 2002م – رقم الإيداع: 2035/2002 – نقلاً عن كتاب المصاحف للسجستاني.)
يؤكد ذلك أن عمر هوله وفزعه مقتل القراء (حفاظ القرآن) في حروب الرّدة
***.
ب. جمع عمر (الخليفة الثاني) للقرآن ..
رغم ما ذُكر من روايات متعددة في أن القرآن جُمع في عهد أبي بكر (الخليفة الأول للمسلمين)، إلا أن هناك روايات تقول إن عمر هو أول مَن جمع القرآن في مصحف .. فيقول د. عبد الله شحاته (أستاذ ورئيس قسم الشريعة – كلية دار العلوم) :
" تذهب رواية إلى أن عمر بن الخطاب أول مَن جمع القرآن في المصحف، وذلك أنه سأل يوماً عن آية من كتاب الله، فقيل كانت مع فلان فقُتل يوم اليمامة. فقال إنّا لله، وأمر بالقرآن فجُمع، .. ".
(علوم القرآن – ص32 – مصدر سابق. نقلاً عن الإتقان للسيوطي، المصاحف لابن أبي داود)
لذلك يقول د. محمد حسين علي الصغير (أستاذ الدرسات القرآنية – جامعة الكوفة): " ولا يفوتنا أن جملة من الرواة يعتبرون الجمع إنما تم في عهد عمر لا أبي بكر ومنهم ما أخرجه ابن أبي داود عن طريق الحُسَين، أن عمر سأل عن آية من كتاب الله ....، فكان أول مَن جمعه في المصحف "
(تأريخ القرآن – ص83- مصدر سابق – نقلاً عن الإتقان للسيوطي (1/166) والمصاحف لابن أبي داود:10 . انظر أيضاً النص القرآني – ص412 – مصدر سابق)
ج. جمع علي (الخليفة الرابع) للقرآن ..
يقول د. عبد الله شحاته : " وتذهب بعض الروايات إلى أن علي بن أبي طالب أول مَن جمع القرآن بعد وفاة الرسول". (علوم القرآن – ص33 – مصدر سابق)
لكن د. شحاتة يرى أن عمل علي كان فردياً شخصياً ولم يكن للمسلمين عامة .
والسؤال: هل مصحف أبي بكر وعُمَر كان للمسلمين عامة؟ أم حُفظ عند عمر بعد وفاة أبي بكر وعند حفصة بعد وفاة عمر؟!
ويقول د. عبد الله شحاته : " ونسبة جمع القرآن إلى ( عليّ ) ذُكرت من عدة روايات في الإتقان وغيره " (المصدر السابق)
"وروي عن عكرمة أن عليّ بن أبي طالب قعد في بيته بعد بيعة أبي بكر فقيل لأبي بكر كره بيعتك. فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي ، قال : لا والله ، قال: ما أقعدك عنّي. قال : رأيت كتاب الله يُزاد فيه فحدّثت نفسي، أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتّى أجمعه. قال له أبو بكر: نعْمَ ما رأيت". (تدوين القرآن المجيد – ص37- مصدر سابق)
وأخرج بن سيرين حديثاً جاء فيه أن علياً لمّا مات النبي قال: "آليت أن لا آخذ علَيَّ ردائي حتّى أجمع القرآن". فجمعه وإنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ.
(المصدر السابق – ص38)
ويقول عبد الرحمن الشرقاوي: " أما علي بن أبي طالب فجلس في بيته أياماً فأتاه عمر فقال له : تخلفت عن بيعة أبي بكر. فقال: أقسمت حين قُبض رسول الله (ص) أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة حتّى أجمع القرآن، فإني خشيت أن ينفلت ".
(علِيّ إمام امتقين للأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي – ص57 ج1 – دار غريب للنشر – رقم الإيداع 5914- الترقيم الدولي : 977-172-080-5)
من ناحية أخرى تعتقد الشيعة بأن عليّاً هو أول مَن جمع القرآن وجاء به إلى الصحابة فرفضوه، فيقول أكرم بركات العاملي :
" فالصَّدوق يحدثنا في اعتقاداته أن أمير المؤمنين (ع) لما جمع القرآن جاء به وقال : "هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيكم، لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف، فقالوا : لا حاجة لنا فيه عندنا مثل الذي عندك. فعاد بعد أن ألزمهم الحُجّة".
(حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة – أكرم بركات العاملي – ص155- دار الصفوة – بيروت – ص.ب: 97/25 – الطبعة الأولى 1997م . انظر أيضاً آراء حول القرآن - ص112- مصدر سابق)
وفي رواية : أن علياً (ع) قال لهم: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان علَيَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه".
(حقيقة مصحف فاطمة – ص156 – مصدر سابق. انظر أيضاً: الشيعة وتحريف القرآن – ص91 – تأليف محمد مال الله – دار الوعي الإسلامي للنشر – بيروت – طبعة 1982 – رقم الإيداع : 2987/82)
ويقول د. رشيد الخَيُّونْ : " هناك رواية صريحة، تشير إلى جمع علي للقرآن، أوردها الذهبي بقوله : وكان عليّ قد جمع القرآن بعد وفاة النبي (ص)". (جدل التنزيل – ص30- مصدر سابق)
ويقول محمد رضا الجلالي: قال المعتزلي (في شرح نهج البلاغة 172) : "اتفق الكل على أنه (علي) كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (ص) ولم يكن غيره يحفظه، ثم هو أول مَن جمعه".
(دفاع عن القرآن الكريم – ص56 – دار الهدف للإعلام والنشر – الطبعة الأولى 2003م – رقم الإيداع: 13872/2003- الترقيم الدولي: 977-5751-48-9)
وروى السدي عن عبد خير عن الإمام علي: " إنه رأى من الناس طيرة عند وفاة رسول الله (صلعم) فأقسم ألا يضع عن ظهره رداء حتّى يجمع القرآن، قال : فجلس في بيته حتّى جمع القرآن، فهو أول مصحف جُمع فيه القرآن، جمعه من قبله، وكان عند آل جعفر" .
(تأريخ القرآن – ص166- مصدر سابق. انظر أيضاً رواية ابن النديم – ص102 – كتاب الشيعة الإمامية لـ د. علاء الدين القزويني – الطبعة الأولى 1986م- رقم الإيداع: 2558/1986م)
عموماً، تُجمع فرَق الشيعة على أن علي بن ابي طالب هو أول مَن جمع القرآن في مصحف.
(انظر الشيعة هم أهل السُّنّة للتيجاني، الشيعة والسنة، والشيعة والتصحيح، مع الشيعة الإثنى عشرية في الأصول والفروع – وآراء حول القرآن والتفسير بالمأثور، نقد منهج التفسير (وكلها مصادر شيعية وسُنّيّة)
إذن، فروايات جمع (علي) للقرآن جاءت في مصادر سُنّية وشيعية.
لذلك يقول د. رشيد الخيّون: "أما الشيعة وبعض السّنّة فرأيهم أن عليّ بن أبي طالب هو الذي جمع القرآن". (جدل التنزيل – ص29 – مصدر سابق)
ويرُدّ د. رشيد الخيون على مَن قال إن جمع علي للقرآن المراد منه حفظه في صدره فيقول: إن الصحابة وعلي كان أقربهم من الرسول، ما كانوا يعتزلون الناس لحفظ القرآن، بل كانوا يحفظون مباشرة عن الرسول، فكيف كان علي يعتكف في بيته لحفظ القرآن إذا لم يكن مجموعاً في مصحف؟ (المصدر السابق – ص 29، 30)
لماذا لم يُظهر عليّ قرآنه أثناء خلافته؟! ..
قالوا: خشية من الناس. (الشيعة وتحريف القرآن ص92 – محمد مال الله – مصدر سابق)
وقالوا: "إذا كان لم يتمكن من رفع بدعهم الحقيرة، كصلاة الضحَى وتحريم المتعتين وعزل شريح عن القضاء ومعاوية عن إمارة الشام، فكيف بهذا الأمر العظيم لتغليط الأعرابيين بل تكفيرهم ... " (آراء حول القرآن – ص95 – مصدر سابق)
د. جمع سالم (مولى أبي حذيفة) للقرآن ..
يقول د. عبد الله شحاتة : " كما نُسب إلى سالم مولى أبي حذيفة أنه أول مَن جمع القرآن في مصحف ". (الإتقان للسيوطي (1/59)). (علوم القرآن – ص33 – مصدر سابق)
ويقول محمد دروزة : " أورد بن أستة في كتاب المصاحف حديثاًَ جاء فيه أن أول مَن جمع مصحفاً هو سالم مولى أبي حذيفة ". (تدوين القرآن المجيد – ص38 – مصدر سابق)
ملحوظة: وبغض النظر عن التضارب في روايات مَن هو أول مَن جمع القرآن في مصحف، فطريقة الجمع بهذه الكيفية تستلزم نسيان بعض القرآن؛ إما بموت مَن معه شيء من القرآن فضاع وإما على سبيل السهو والخطأ وعدم الضبط شأنه في ذلك شأن المجاميع الأخرى التي تتعرض للطوارئ، فالذين قاموا بالجمع هم بشر سواء فرد واحد مثل زيد بن ثابت أو حتى مجموعة تولت ذلك الجمع.
ويعلق صالح الورداني على ما سبق من روايات بقوله : إن الروايات نصت على أن القرآن كان غير مُدَوّن وغير معروف للجميع.
(أهل السُّنَّة شعب الله المختار – صالح الورداني – ص97 – مدبولي الصغير للنشر – الطبعة الأولى 1996م – الترقيم الدولي: 977-285-007-4)
هل القرآن كان مجموعاً في عهد النبي ..
إلا أنه من ناحية أخرى هناك بعض الروايات التي تشير إلى أن القرآن كان مجموعاً في
عهد النبي، وبالتالي تصطدم هذه الروايات مع كل ما سبق من روايات، فيقول صالح
الورداني: " إذ كيف يُعقل أن يترك الرسول (ص) القرآن ُمَشَّتتاً هنا وهناك في صدور
الرجال. إن ذلك يتنافَى مع دوره ومهمته كرسول خاتم.
(دفاع عن الرسول – صالح الورداني – ص49 – تريدنكو للطباعة والنشر – الطبعة الأولى 1997م – ص.ب: 5316/4 – بيروت – لبنان)
الروايات التي تشير إلى أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي :
1- عن زيد بن ثابت قال: " كنا عند رسول الله (ص) نؤلف القرآن من الرّقاع " (أخرجه
الحاكم في المستدرك بسند على شرط الشيخين، ونؤلف القرآن: أي نجمعه، لترتيب
آياته).
(مباحث في علوم القرآن – ص119 – د. منّاع القطان - الأستاذ والمشرف على الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – مكتبة وهبة للنشر – الطبعة الثانية عشر – رقم الإيداع: 2784/1995 – الترقيم الدولي: 977-225-069-1)
2- ويقول منّاع القطان (الأستاذ والمشرف على الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية): "وقد نقل العلماء أن نفراً منهم علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود – قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله (ص)، وذكر العلماء أن زيد بن ثابت كان عرضه متأخراً عن الجميع".
(المصدر السابق)
ويذكر د. يوسف خليف (رئيس قسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة القاهرة) بعض الروايات تحت عنوان (جمع القرآن في عهد النبي (ص)) ثم يقول : على هذا النحو تم جمع القرآن في حياة النبي (ص). (دراسات في القرآن والحديث – ص44- مكتبة غريب للطباعة والنشر)
ويقول محمد رضا الجلالي: "فحديث الثَّقَلَين (سيأتي سرده) المتواتر بين المسلمين والمتفق عليه بين الفرق الإسلامية، دليل واضح على وجود القرآن مجموعاً في كتاب خلفه النبي (ص)". (دفاع عن القرآن الكريم – ص29 – مصدر سابق)
] ويروي صالح الورداني حديثً للبخاري: "سُئل بن عباس : أترك النبي (ص) من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدّفتَين. وسُئل محمد بن الحنفية فقال : ما ترك إلا ما بين الدفتين"
ويعلق بن حجر على هذه الرواية بقوله: وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعاً بين الدفتين لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان. وهذه الترجمة للرد على مَن زعم أن كثيراً من القرآن ذهب لذهاب حملته .. [.
(الخدعة – ص149، 150 – مصدر سابق)
أما الشيعة فعندهم روايات تقول أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي، وذلك يتناقض مع قولهم إن علياً هو أول مَن جمع القرآن، فمن روايات الشيعة:
يقول د. محمد حسين الصغير (سبق تعريفه): ] روى زيد بن ثابت: " كنّا حول رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع ". ودلالة التأليف تعني الجمع والتدوين، وضم شيء إلى شيء ليصح أن يُطلق عليه اسم التأليف. ولا دليل على ادعاء الزركشي : بأن بعض القرآن جُمع بحضرة النبي (ص). فلمَ لا يكون كل القرآن جمع في حضرة النبي (ص) علماً بأنه قد سبقه مَن صرح بجمع القرآن كله لا بعضه في عهد النبي (ص) بما نصه: أنه لم يكن يجمع القرآن كله إلا نفر يسير من أصحاب رسول الله (ص) [.
(تأريخ القرآن – ص72- مصدر سابق)
كذلك يستشهد الشيعة بحديث الثقلين على أن النبي ترك القرآن مجموعاً :
" إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " .
(آراء حول القرآن – ص143 - مصدر سابق. انظر أيضاً المصدر السابق – ص78.)
] أما دليل الشيخ خليل عبد الكريم في كون القرآن كان مجموعاً في أيام النبي فهو طلب وفد ثقيف (في عام الوفود) وعلى رأسهم عثمان بن أبي العاص الثقفي مصحفاً فأعطاهم النبي ما طلبوا.. خاصة وأن الثقفيين قدموا بعد الفتح أي بعد أن اكتمل القرآن أو كاد.
ويسرد الشيخ خليل بعض ما يرى من أدلته ثم يقول:
بيد أن هناك اعتراض ينتصب بشدة أمام هذا الفرض الذي يصل إلى مشارف الحقيقة وهو أن كتب السير وتاريخ القرآن تخبرنا أن جمعاً حدث بأمر من أبي بكر ومشورة من عمر وتدويناً تم في خلافة عثمان وبأمره أيضاً والذي انتهى إلى نسخ المصحف الذي بين أيدي جميع المسلمين اليوم، فلو كان هناك مصحف تم جمعه وتدوينه في العهد المحمدي فما الذي دفع هؤلاء (بن أبي قحافة وبن الخطاب وبن العفان) إلى الإقدام على ما فعلوه، وهو لا شك اعتراض وجيه أشد ما تكون الوجاهة ولكن الرد عليه تنسجه عدة خيوط متشابكة ياتي كل واحد منها من فج (طريق واضح) :
1- هناك بواعث قوية دفعتهم إلى الجمع والتدوين وهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى إبانة أو كشف، ولدينا واقعة ثابتة أطبقت عليها أمهات المصنفات التراثية التي تلقتها الأمة بالقبول – وهي أن محمد في أيامه الأخيرة من مرض موته أراد أن يكتب كتاباً بَيد أن بن الخطاب حال دون ذلك، نخرج منها بمعطى على قدر وفير من الخطر، وهي أن المدونات التي كُتِبَت على عهد محمد أو حتى تلك التي كان يرغب في كتابتها كان بعض كبار الصحابة يمنح نفسه الحق لاعتبارات أو لحسابات خاصة في النظر فيها ووزنها من بعده.
2- هناك مناطق في التاريخ الإسلامي المبكر تعتليها العتمة ويلفها الضباب، منها ... ، ومنها عملية جمع القرآن على يد أبي بكر بإيحاء من عمر أو كتابته في مصاحف بأمر من عثمان.
3- ما ذكر عن دافع أبي بكر إلى جمع القرآن وباعث عثمان لتدوينه أو نسخه لا يبلغ حد الإقناعية، فالرواية التي موجزها أن فكرة الجمع طرأت على عمر فنقلها إلى أبي بكر ففي مثل هذا العمل البالغ الخطورة يصعب أن نصدق انفرادهما بالتفكير في التنفيذ دون مشورة كبار الصحبة إلا إذا كان(هناك) ما يدعوهما – بل يدفعهما دفعاً – لهذا الانفراد والتكتم والسرية والتعتيم..
4- تثور علامات استفهام كثيرة في هذا الموضوع منها :
أ. لماذا كلف أبو بكر زيد بن ثابت بالذات لجمع نصوص القرآن من الرقاع والعسب وصدور الرجال. مع وجود صحابة أقدر منه على ذلك ويفوقونه فقهاً وعلماً وحفظاً للقرآن. ولماذا يُكتَفَى بجهد رجل واحد مهما كانت كفايته ولم يُعين نفراً (مجموعة) من القراء والحُفّاظ ومَن اشتهروا بأنهم (علماء الصحابة) لتتولّى ذلك .
ب. إن التعليل الذي قيل إنه (شاب جلد) غير مُقنِع، لأن تلك المسألة البالغة الخطورة (جمع القرآن) لا تحتاج إلى قوة جسمانية وشدة بدنية ، وحتى إذا ادُّعي أنها تحتاج إلى (جري ورَمح) ولا يقدر عليها إلا الشاب الجلد – جاء دفع هذا الاعتراض بأنه كان من الميسور إلحاق زيد بلجنة تُختار من علماء الصحابة لجمع القرآن. وما يتطلب حركة ونشاطاً مثل إحضار عسيب النخل من فلان أو رقعة من مكان معين فيُعهَد به إليه. وكَم شاب جلد كان في أثرب المدينة آنذاك خلاف بن ثابت ؟
الإجابة تأتي أنهم عشرات بل مئات . فلمَ زيد حصراً وتحديداً ؟
هذا السؤال سوف يتردد لأن المصنفات التراثية في هذه الخصوصية لا تعطي ما يساعد على إجابته [.
(دولة يثرب – بصائر في عام الوفود – خليل عبد الكريم – ص102 وما بعدها – دار سينا للنشر – القاهرة ودار لانتشار العربي – بيروت – الطبعة الأولى 1999م – ص.ب: 5752/113 – بيروت – ISBN: 1 841170 410)
تعليق أ.د/ محمد حسين الصغير (أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الكوفة) على روايات الجمع السابقة ..
يقول: ] من خلال ما تقدم نظفر بحصيلتين متعارضتَين:
الأولى: أن النبي (ص) مات والقرآن لم يُجمع في مُصحَف.
الثانية: أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي (ص) في مصحف.
ولسنا نحاول تفنيد روايات الحصيلة الأولى بقدر ما يهمنا إثبات حقيقة الحصيلة الثانية. لقد تتبع السيد الخوئي – فكفانا مؤونة الخوض في ذلك – روايات الجمع بناءً على الحصيلة الأولى في كل من صحيح البخاري، ومُسند أحمد، وكنز العُمّال، ومُنتخب كنز العمال، والإتقان للسيوطي، وكان أهم هذه الروايات من خلال تعقيبه عليها – غَثّها وسمينها- اثنتان وعشرون رواية
*.
وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جُمِع فيه القرآن متردداً بين عهود ... هل هو أبو بكر، أو عمر، أو زيد بن ثابت؟ وهل بقي من الآيات ما لم يُدَوَّن إلى زمن عثمان؟ ومَن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟ ومتى أُلحِقَت بعض الآيات في القرآن، وبماذا ثبت ذلك، وهل يكفي ذلك لتواتر القرآن؟
وقد عارض الخوئي هذه الروايات بروايات أخرى تدل على جمع القرآن في عهد رسول الله (ص) مستنداً فيها إلى منتخب كنز العمال، وصحيح البخاري، وإتقان السيوطي، وقد اعتبر التمحل بأن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين، دعوى لا شاهد عليها، لأن الحُفّاظ اكثر من أن يُعَدّوا.
وقد ثبت لديه جمع القرآن بعهد رسول الله (ص) واعتبر ما سوى هذا معارضاً لكتاب الله، ومخالفاً لحكم العقل، ومناهضة صريحة للإجماع الذي عليه المسلمون كافة بأن القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر، فلا بد من طرح هذه الروايات لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر، ..
واعتبر القول بروايات الجمع على أساس الحقيقة الأولى يستلزم فتح القول بالتحريف، باعتبار الجمع على تلك الطرق يكون قابلاً للزيادة والنقصان. [
(تأريخ القرآن – ص66، 67 – مصدر سابق)
القرآن في عهد عثمان (الخليفة الثالث) ..
سبق ذكر ما قاله فضيلة الشيخ عكرمة (مفتي القدس) وهو أن كل ما فعله عثمان، نسخ القرآن عدة نسخ لتوزع على الأقاليم والأقطار الإسلامية المفتوحة (ارجع لمصدر رقم 10).
فهل الموضوع بهذه البساطة؟
يقول ابن كثير : " وعثمان بن عفان يروعه اختلاف المسلمين في الأمصار حول القرآن، فيجمعهم جميعاً على مصحف واحد، ويحرق ما عداه درءا للفتنة وجمعاً للكلمة، ودفعاً للخلاف والفُرقة". (تفسير بن كثير (1/4) – مصدر سابق)
ويقول ابن أشته: " مات أبو بكر ولم يجمع القرآن، وقُتل عُمر ولم يجمع القرآن".
(تأريخ القرآن – ص84- مصدر سابق)
والعبارة تدل على أن القرآن لم يتم جمعه إلا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. فما الذي فعله عثمان؟!
رواية البخاري:
" روى البخاري في صحيحه بسنده عن بن شهاب أن أنس بن مالك حدّثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان – وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق – فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان لرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم، ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخه، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق".
(علوم القرآن – د. عبد الله شحاتة – أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية – كلية دار العلوم – ص41، 42 – مصدر سابق)
رواية بن أبي داود:
" روى بن أبي داود في المصاحف أنه لما كانت خلافة عثمان جعل الرجل يعلم قراءة الرجل، والرجل يعلم قراءة الرجل، فجُعل الغلمان يلتفون فيختلفون حتّى ارتفع الأمر إلى المسلمين وكفّر بعضهم بعضاً، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال : أنتم عندي تختلفون ، فمَن نأى عنّي من الأمصار أشد اختلافاً". (المصدر السابق – ص40)
لذلك يقول د. يوسف خليف: إن الاختلاف بين المسلمين حول قراءة القرآن كان شديداً، وإنه بلغ درجة عالية حتّى راح بعضهم يُكَفِّر بعضاً، وإنه لم يكن محصوراً في تلك الدائرة المحدودة، دائرة حذيفة وفتوح أرمينية وأذربيجان، وإنما كان على نطاق واسع في البلاد المختلفة، بل كان في مدينة الرسول نفسها".
(دراسات في القرآن والحديث – ص48- مصدر سابق)
وفي موضع آخر يقول : "جمع عثمان المسلمين على مصحف واحد – وتخلص من المصاحف الفردية التي نشأ عنها الاختلاف". (المصدر السابق – ص47)
ويقول د. عبد الله شحاتة: " اختلف الناس في القراءة، وعظُم اختلافهم وتشتتهم حتّى أن الرجل لَيقول لصاحبه: إن قراءتي خير من قراءتك، وأفضل من قراءتك. وبلغ الأمر من ذلك حتّى كاد أن يكون فتنة: اختلفوا وتنازعوا وأظهر بعضهم تكفير بعض والبراءة منه وتلاعنوا". (علوم القرآن – ص39)
عدد النسخ التي استنسخها عثمان ..
يقول د. محمد حسين الصغير: " واختُلِف في عِدَّة هذه المصاحف، فقيل أربعة والمشهور أنها خمسة. وأخرج أبو داود عن أبي حاتم السجستاني: أنها سبعة مصاحف .. ".
(تأريخ القرآن – ص89- مصدر سابق)
مصير النُّسخ العثمانية ..
يقول د. يوسف خليف (رئيس قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة القاهرة) :
"ومع الأسف ضاعت نُسخ المصاحف العثمانية عَبر التاريخ ولم يصل إلينا منها شيء".
(دراسات في القرآن والحديث – ص53- مصدر سابق)
رأي طه حسين
* في ما فعله عثمان ..يقول العميد : " وقد يمكن أن يُعتَرض عليه (على عثمان) في أنه كَلَّف كتابة المصحف نفراً قليلاً من أصحاب النبي . وترك جماعة من القُرّاء الذين سمعوا من النبي وحفظوا عنه وعَلَّموا الناس في الأمصار، وكان خليقاً أن يجمع هؤلاء القُرّاء جميعاً ويجعل إليهم كتابة المصحف. ومن هنا نفهم غضب بن مسعود، فقد كان ابن مسعود من أحفظ الناس للقرآن
** ، وهو فيما كان يقول ، قد أخذ من فم النبي نفسه سبعين سورة من القرآن، ولم يكن زيد بن ثابت قد بلغ الحُلُم بعد. فإيثار عثمان لزيد بن ثابت وأصحابه وتركه لابن مسعود وغيره من الذين سبقوا إلى استماع القرآن من النبي وحفظه عنه، قد أثار عليه بعض الاعتراض. وهذا شيء يُفهَم من غير مشقة ولا عُسر. وربما تحَرَّج بعضُ المسلمين من تحريق ما حرّق عثمان من المصحف ولم يقبلوا اعتذاره بحسم الفتنة وقطع الخلاف.. لأنه إن لم يكن أضاع على المسلمين شيئاً من دينهم فقد أضاع على العلماء والباحثين كثيراً من العلم بلغات العرب ولهجاتها، على أن الأمر أعظم خطراً وأرفع شأناً من علم العلماء وبحث الباحثين عن اللغات واللهجات".(الفتنة الكبرى ]1 [– عثمان – ص (181-184))
رأي أ.د/محمد حسين على الصغير (أستاذ الدراسات القرآنية) ..
يقول سيادته: "وكان هذا العمل مدعاة للنقد حيناً ومجالاً للتشهير به حيناً آخر، حتّى قال الخوئي:
ولكن الأمر الذي انتُقِد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتّى سمّوه بـ(حَرّاق المصاحف) ". (تأريخ القرآن – ص90 – مصدر سابق)
رأي طيب تيزيني (مفكر سوري) ..
يقول سيادته: "والآن، إذا كان عبد الله بن مسعود، بشهادة الرسول، واحد من أربعة خبراء كبار في شئون المتن القرآني، وإذا كان اسم زيد بن ثابت لم يَرِد ضمن هؤلاء وكان – إضافة إلى ذلك – صبياً حين كان بن مسعود قد أخذ عن الرسول سبعين سورة، فلماذا أُهمِل ابن مسعود ورأيه إبان عملية جمع القرآن بأمر من عثمان، بل أُهين وضُرِب وشُهِّر به من قِبَل هذا الأخير، في حين أن زيد بن ثابت هو الكل بالكل لدَى عثمان ؟".
(النص القرآني – ج5 – ص398 – مصدر سابق)
رأي صالح الورداني ..
يقول سيادته: ] " يروي فقهاء القوم أن عثمان لمّا أراد جمع القرآن أرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان..
وفي رواية: فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها حتّى عاهدها ليردنها إليها..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا أرسل عثمان بأخذ مصحف حفصة. هل هذا يعني أنه لا توجد مصاحف سواه بالمدينة ؟ وإذا كان هو المصحف الوحيد، فمن أين جاءت المصاحف الأخرى التي انتشرت في الأمصار ؟ ولماذا رفضت حفصة أن تدفعه إليه إلا بميثاق؟
إن وجود مصاحف الأمصار يدل على وجود مصاحف أخرى بالمدينة فهي التي خرجت منها المصاحف للأمصار. وهذا يشير إلى أن الصحابة كنت لديهم مصاحفهم الخاصة بهم والتي أخذوها عن الرسول (صلعم) ..
ومن هنا تبين لنا أن هناك مصاحف أخرى غير المصحف الذي بحوزة حفصة لم يتجه إليها عثمان واتجه إلى مصحف حفصة خاصة ..
ثم لما أتم عثمان نسخ صورة من مصحف حفصة رد المصحف إليها وأرسل إلى كل أفق بمصحفٍ مما نسخ رجاله وامر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحفٍ أن يُحرَق ..
وبهذا يكون ما أقدم عليه عثمان هو جمع الأمة على مصحف حفصة الذي قام بجمعه أبو بكر والتخلص من المصاحف الأخرى التي بحوزة الصحابة ..
وهنا يُطرح سؤال .. ماذا كان من مصاحف الصحابة استفز عثمان ودفعه إلى إحراقها؟
(الخدعة – ص145، 146 – مصدر سابق)
رأي الشيخ خليل عبد الكريم ..
يعلق سيادته على حديث البخاري في جمع القرآن في عهد عثمان قائلاً:
]- وإذ أن تلك النازلة حدثت سنة ثلاثين هجرية فإن مدلولها أن المسلمين ظلوا يقرأون القرآن
بقراءات مختلفة متباينة تدعو للتعارك قرابة عشرين عاماً (وفاة محمد كانت في 12 ربيع
أول سنة 11 هجرياً)* ورغم ذلك لم يتنبه لها أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وأكــابر
الأصحاب حتّى فطن إليها حذيفة بن اليمان وهو أمر من العسير استساغته ودعك مــن
هضمه.
إذن الدوافع التي ذُكر أنها حركت الخليفتين الأول والثالث لجمع الآيات والسور وكتابتها أو تدوينها أو نسخها في مصحف واحد (عثمان) ليست مقنعة.
- وبالنسبة للجنة التي كوّنها عثمان يقول الشيخ خليل:
والأوعر من ذلك أنهم كانوا شباباً فعبد الله بن الزبير وُلِد بعد الهجرة بعشرين شهراً أي عندما أُلحِق بتلك اللجنة كان له من العمر اثنان وعشرون عاماً، أما عبد الرحمن بن الحارث المخزومي فلم يكن قد بلغ العشرين لأنه حينما قُبِض محمد كان ابن عشر سنين، ويرى البعض أنه لم يكن صحابياً بل كان من التابعين، وسعيد بن العاص الأموي وُلِد في السنة الأولى من الهجرة أي وقت ضمه لعضوية اللجنة كان في التاسعة والعشرين من عمره. أليس أمراً مثيراً للانتباه تفضيل عثمان لهم في شأن يستوجب اختيار مَن هُم أعلم وأفقه وأحفظ وأثبت منهم – وعلى أقصَى درجة من الخطر والأهمية إذ يتعلق بأقدس شيء لدى المسلمين !!!
لو أن عثمان ندبهم لإنجاز عملية عسكرية لبدا ذلك طبيعياً ومعقولاً.
- ونختم بـ رئيس اللجنة وهو زيد بن ثابت الخزرجي الأنصاري فقد كان عمره لمّا قدم محمد المدينة إحدَى عشرة سنة أي عندما كلّفه أبو بكر بجمع القرآن (سنة 12 هـ) كان في الثالثة والعشرين من عمره فكيف أقدم أبو بكر (بموافقة عمر) على تكليف ذاك الشاب الغَضّ بتلك المهمة الخطيرة وتركا شيوخ الصحابة من العلماء والأثبات.
- ونواصل مسيرتنا مع رئيس اللجنة زيد بن ثابت :لماذا عندما فرغ من عمله الخطير على الوجه المُرضي : ( جعله عثمان على بيت المال ) أي وزيراً للخزانة بالتعبير الحديث ثم ما لبث يسيراً حتّى نقده من بيت مال المسلمين : مائة ألف دينار أو درهم .
- لماذا أصر عثمان على حرق جميع المصاحف ما عدا المصحف الذي جمعته ودونته ونسخت منه النسخ لجنة زيد بن ثابت بما فيها مصاحف علماء الصحابة وقد ذكرنا منهم ثلاثة على سبيل المثال لا الحصر : عليّاً وأُبَيّاً وبن مسعود، هل يُعقل أن هؤلاء وهُم مَن هُم يزيدون أو ينقصون من القرآن أو يرتبون آياته وسوره بخلاف ما وقفهم عليه محمد وكانوا من أقرب الناس إليه وكان يُقَدِّر فضلهم وعلمهم ومات وهو عنهم راضٍ ولا يجرؤ مُكابر أن يدّعي أن أي واحد منهم كان أقل علماً وأخف فقهاً من بن ثابت والشُّبّان أعضاء لجنته ؟
- عصلب (اشتد غضبه) عبد الله بن مسعود عندما طلب منه الخليفة الثالث أن يُسَلِّم مصحفه الخاص ليقوم بحرقه مثل ما فعل مع مصاحف الأصحاب – وكأنما حدّثته نفسه أن بن عفان لم يكتَفِ باستبعاده حتّى من عضوية اللجنة وعَيَّن فيها أحداثاً في مثل سن أولاده .. بل هو يريد أن يسلبه أعز ما يملك : مصحفه الخاص الأثير لديه الذي لا يفرط فيه طائعاً مختاراً مقابل الدنيا بحذافيرها، فرفض رفضاً باتّاً وقاوم فأمر به عثمان فجُلِد وجُرّ برجله حتّى كُسِر له ضِلعان وانتُزِعَ منه مصحفه عنوة واقتداراً وحرقه مثل غيره ثم كافأه على تلك المقاومة بأن حرمه من عطائه فغاضبه بن مسعود حتّى وفاته.
والذي يقرأ هذه النازلة يتساءل على الفور: لماذا عامَل عثمان – رغم ما عُرِف عنه من رقة طبع ودماثة خُلُق وحياء شهد له به محمد ، عبد الله بن مسعود أحد السابقين الأولين ومن أبرز علماء الصُحبة تلك المعاملة القاسية الشديدة وما الذي كان مُدَوَّناً في مصحفه حتّى دفع عثمان إلى اغتصابه منه بتلك الطريقة التي لم يُراعَى فيها لا سن بن مسعود، ولا سابقته، ولا فضله، ولا عمله (أو عِلمه)، ولا رضاء محمد عنه، حتّى انتقاله إلى جوار ربه ؟ [.
(دولة يثرب – بصائر في عام الوفود – ص (110-115) – دار سينا للنشر بالقاهرة – دار الانتشار العربي – بيروت –الطبعة الأولى 1999م – ISBN:1 841170 410)
موقف عبد الله بن مسعود والصحابة من فعل عثمان بالمصاحف ..
جاء في مُسنَد الإمام أحمد : أُمِر بالمصاحف أن تُغَيَّر فقال ابن مسعود: مَن استطاع منكم أن يغُلّ
* مصحفاً فليَغُلّه، فإنه مَن غَل شيئاً جاء به يوم القيامة ثم قال : قرأت من فم رسول الله (صلعم) سبعين سورة أفأترك ما أخذت من فِي رسول الله (صلعم)؟(تفسير بن كثير (2/136) – مصدر سابق)
وروى وكيع في تفسيره: "لمّا أُمر بتحريق المصاحف قال عبد الله : يا أيها الناس غلوا المصاحف ، فإنه مَن غَلّ يأتِ بما غَلّ يوم القيامة، ونِعم الغل المصحف. يأتي به أحدكم يوم القيامة ". (المصدر السابق)
يقول مُحَقِّقوا تفسير بن كثير: "قول بن مسعود هذا فلعله إنما كان من أجل موقفه من أمر عثمان بإحراق ما عدا مصحفه من المصاحف، وقد كان لابن مسعود مصحف وكان هذا المصحف مما أُمِر بتحريقه". (المصدر السابق)
ويقول د. يوسف خليف : "وقف بعض الصحابة من هذا العمل (حرق المصاحف) موقف الإنكار، وعلى رأس هؤلاء عبد الله بن مسعود الذي أبَى أن يُحرَق مصحفه ومضى يقول للناس : مَن استطاع منكم أن يغُلّ ... إلى آخره. يريد بذلك أن يحرض المعارضين على ألا يحرقوا مصاحفهم". (درسات في القرآن والحديث – ص51، 52 – مصدر سابق)
ويقول صالح الورداني: "وإذا كان هدف عثمان من حرق المصاحف هو وحدة المسلمين ونبذ الخلاف، فإن الهدف لم يتحقق بإلزام الأمه بمصحفه، فقد ثار على عثمان كثير من الصحابة على رأسهم ابن مسعود الذي رفض الاعتراف بمصحف عثمان وأنكره". (فتح الباري – ص48 – باب القُرّاء من أصحاب النبي – وقد سَمّى القوم عثمان "حَرّاق المصاحف").
(الخدعة – مصدر سابق – ص147)
وفي موضع آخر يقول : "وإذا كانت مسألة القراءات هي الدافع لعمل عثمان هذا كما يُصَوِّر المؤرخون وفقهاء القوم فقد كان من الممكن لعثمان أن يُلزِم الأمة بقراءة واحدة دون أن يحرق المصاحف..
لو كانت المسألة مسألة قراءات ما تصَدّى له الصحابة ولا اصطدم به ابن مسعود".
(السيف والسياسة – ص165 – دار الرأي للنشر – بيروت – الطبعة الأولى 1999م – رقم الإيداع 11767/95 – الترقيم الدولي: 977-56590-8-6)
وفي موضع ثالث يقول: " ومن الطبيعي ألا يُظهِر القوم أية صورة من صور الخلاف بين الإمام علي وعثمان حول المصحف فإن ظهور مثل هذا الأمر ليس في صالح عثمان ولا في صالح مصحفه ..". (الخدعة مصدر سابق – ص153)
ويقول طيب تيزيني: " لما رفض ابن مسعود تقديم مصحفه إلى عثمان ليُحرَق مع باقي المصاحف، أمر عثمان بضربه وإذلاله. وقد ظهر الأمر رهيباً مروعً لجموع كبيرة من المسلمين، ومن ضمنهم أولئك أصحاب المصاحف، حين حُرِقت المصاحف بأمر عثمان".
(النص القرآني – ج5 – مصدر سابق – ص 402)
ويقول الشيخ خليل عبد الكريم: " .. وعبد الله ابن مسعود معدود بين علماء الصحابة وخاصة في مجال القرآن وعلومه، ولذا كان مُغضَباً لاستبعاده من اللجنة التي كوّنها عثمان لنسخ (المصحف الإمام) والتي ضمت زيد بن ثابت وكان بن مسعود يصيح متوجّعاً أو يتوجع صائحاً (يا معشر المسلمين أُعزَل عن نسخ المصاحف ويتولاّه رجل والله لقد أسلمتُ وإنه لفي صُلب رجلٍ كافر)".
(مجتمع يثرب – ص22، 23 – دار سينا للنشر بالقاهرة – دار الانتشار العربي – بيروت- ص.ب: 5752/113 – الطبعة الأولى 1997م)
وفي موضع آخر يقول الشيخ خليل : " .. ولكن عبد الله بن مسعود رفض تسليم مصحفه وقاوم وعصلج. فأمر به عثمان فجُلِد وجُرّ برجله حتّى كُسِر له ضلعان ومنعه عطاءَه فظل (بن مسعود) مغاضباً للخليفة حتّى توفّى".
(النص المؤسس ومجتمعه – ص30 – السِّفر الثاني – مصدر سابق – وقد نقل عن تاريخ اليعقوبي)
ويستطرد خليل عبد الكريم: ولكن السؤال الذي لابد أنه ثار في ذهن كل قارئ : ما الذي كان في مصحف بن مسعود ودفع الخليفة الثالث إلى إحراقه ولو أدّى إلى جلد صحابي في وزن بن مسعود وكسر ضلعين من ضلوعه وحرمانه من عطائه؟ (المصدر السابق)
وفي موضع ثالث يقول: " ولم تحظَ تلك اللجنة برضا بعض الصحابة فهذا عبد الله ابن مسعود أحد السابقين للإسلام وأحد علماء الصُّحبة ورأس مدرسة العراق الفقهية (فيما بعد) والتي تفرع منها المذهب الحنفي أكبر مذاهب أهل السّنّة بإجماع كان يعالن بغضبه لعدم اختياره حتّى عضواً في تلك اللجنة وتفضيل زيد بن ثابت عليه ويقول (يا معشر المسلمين أُعزَل من نسخ المصاحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه (زيد) في صُلب رجل كافر)".
(دولة يثرب – بصائر في عام الوفود – مصدر سابق – ص113)
ويقول د. سيد محمود القمني(أستاذ الفلسفة الاسلامية – جامعة عين شمس ) :" .. ثم جاءت قمة الأحداث عند جمع المصحف وإبقاء صُحُف وإحراق أُخرَى، مما أدى إلى معارضة الصحابي الجليل حبيب رسول الله (عبد الله ابن مسعود)، وتنديده بما يفعل عثمان بآيات الله، حتّى أمر عثمان بإخراجه من المسجد وضربه حتّى كُسِرَت أضلاعه، ثم حدد إقامته بالمدينة، حتّى حصب عثمان من الحاصبين من ثوار مصر وأهل المدينة وهو على المنبر".
(رب الزمان – ص109، 110- مدبولي الصغير للنشر – الطبعة الأولى 1996م – رقم الإيداع 9350/95)
ويقول صالح الورداني : " وردت حادثة الاعتداء على بن مسعود في عدة مراجع تاريخية مثل (الطبري ج5) ، (تاريخ بن عساكر ج7).
(-
المناظرات – ص32 – دار الهدف – الطبعة الأولى مايو 1999م – رقم الإيداع 10286/9 –
ISBN: 977-5751-05-5)
يقول طه حسين : " وكذلك انتقل بن مسعود بمعارضته من الكوفة إلى المدينة، وأقام فيها مذيعاً لمعارضته هذه عامين أو ثلاثة ثم حضرته الوفاة، ... ويقول بعض الرواة إن عثمان عادَه وإن بن مسعود لم يُحسِن لقاء عثمان حين عادَه، وسأله ما تشكو ؟ قال : ذنوبي. قال عثمان : فما تشتهي؟ قال بن مسعود: رحمة ربي. قال عثمان : أألتمس لك طبيباً؟ قال بن مسعود: الطبيب أمرَضَني. قال عثمان: أرد عليك عطاءَك . قال بن مسعود: حبسته عنّي حين احتجت إليه، وتردّه إلَيَّ حين لا حاجة لي به ، قال عثمان: يكون لأهلك. قال بن مسعود: رزقهم على الله . قال عثمان: فاستغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال بن مسعود: أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي. قالوا: وخرج عثمان ، فأوصَى بن مسعود ألاّ يصلي عليه. ومات فلم يؤذِن أحد عثمان بموته، وإنما صلّى عليه عمّار بن ياسر ثم دُفِن. ومَرّ عثمان من الغد بقبرٍ جديد، فسأل عنه فقيل إنه قبر بن مسعود، فغضب عثمان وقال: سبقتموني به. قال عمّار : فإنه أوصَى ألا تصلي عليه فأسَرّها عثمان في نفسه، وكانت من أسباب غضبه على عمّار".
(الفتنة الكبرى ]1[– عثمان – ص 161، 162- دار المعارف – الطبعة العاشرة – رقم الإيداع 2580/1984 – الترقيم الدولي : ISBN: 977-02-0795-0)
ويقول صالح الورداني: " وقد صرحت كتب السنن والتاريخ مخالفة بن مسعود لعثمان في قضية جمع القرآن وحرق المصاحف التي في حوزة الصحابة. ورفضه الاعتراف بمصحفه وتحريضه الصحابة والمسلمين ضد عثمان ومصحفه".
(المناظرات – ص32- مصدر سابق)
موقف الشيعة..
يروي صدوق الشيعة ابن بابويه القمّي في كتابه (الخصال): "عن جابر قال : سمعت رسول الله (صلعم) يقول: يجيئ يوم القيامة ثلاثة يشكون، المصحف والمسجد والعِترَة، يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، .... إلخ".
(الشيعة والسنة – ص74 – إحسان إلهي ظهير – دار الأنصار – عابدين – طبعة 1979 – رقم الإيداع 3269/79 – الترقيم الدولي: ISBN: 7308-62)
ورغم الروايات السابقة إلا أن علماء الأزهر كعادتهم في الخطاب الديني يروون أن بن مسعود كان موافقاً عثمان في ما فعله في المصاحف ..
يقول د. عبد العظيم المطعَني - من علماء الأزهر : " وقد أجمع عليه (مصحف عثمان) جميع أصحاب رسول الله (صلعم) ولم يعارض عثمان منهم أحد، حتّى عبد الله بن مسعود..".
(حقائق الإسلام – ص21- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – إشراف وتقديم أ.د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف – القاهرة 2002م – رقم الإيداع 9153/2002 –ISBN: 977-205-128-1)
الثورة على عثمان وقتله كرد فعل يبين مدى خطورة حرق المصاحف وأنه لم يكن عبد الله بن مسعود وحده المعارض ..
- يشير الشهرستاني إلى أن الخوارج من الذين قتلوا عثمان – والخوارج معلوم أنهم القراء حفظة القرآن.
(الملل والنِّحَل للشهرستاني – ص106 – (1-3) – دار الكتب العلمية – بيروت – ص.ب: 9424/11).
لذلك يقول د. محمد عمارة (عضو مجمع البحوث الإسلامية): وكان للقراء ، الذين بدأت
بهم فرقة الخوارج، دور ملحوظ في أحداث الثورة التي شبت ضد حكم عثمان بن عفان.
(تيارات الفكر الإسلامي – ص 16- كتاب الهلال – العدد 376 – أبريل 1982 – رقم
الإيداع 262/82 -
ISBN: 977-7353-12)
- وفي موضع آخر يقول د. عمارة: "وعندما أحدث عثمان الأحداث التي أغضبت منه غالبية الناس كانت هذه الهيئة (التي انتخبته خليفة) في مقدمة المُحَرّضين على الخروج عليه، وابن قتيبة يذكر أن الرسالة التي خرجت من المدينة إلى الأمصار تدعو الثوار للقدوم والخروج على عثمان قد خرجت باسم هذه الهيئة، ونَصُّها:
" بسم الله الرحمن الرحيم . من المهاجرين الأولين وبقية الشورى إلى مَن بمصر من الصحابة والتابعين .. أما بعد. أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فإن كتاب الله قد بُدِّل، وسُنّة رسوله قد غُيّرَت، وأحكام الخليفتين قد بُدِّلَت، ...".
(الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية – ص55 – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – الطبعة الأولى أغسطس 1977- بيروت – ص.ب: 195119- انظر أيضاً :علي إمام المتقين – ج1- ص183- دار غريب للنشر– رقم الإيداع 5914 – الترقيم الدولي : 977-172-080-5)
- ويقول طه حسين : "والشيء الذي لا يمكن أن يتعرض للشك هو أن المسلمين قد اختلفوا على عثمان، وأن هذا الاختلاف قد أدى إلى ثورة قُتِل فيها عثمان..
وعاب خصوم عثمان عليه أنه حَمَل الناس على مصحف واحد، ثم لم يحظر غير ما جاء في هذا المصحف من القراءة فحسب، لكنه حسم الأمر حسماً فحرّق ما عدا هذا المصحف من الصحف التي كُتب فيها القرآن".
(الفتنة الكبرى ]1[– عثمان - ص172، 181 – مصدر سابق)
- ويقول محمد حسين هيكل (صاحب السيرة المشهورة - حياة محمد):
"صحيح إن الثائرين قد جعلوا من أسباب انتفاضهم أن عثمان جمع القرآن وأمر بإهلاك ما سوى مصحفه من المصاحف".
(حياة محمد – ص53 – مصدر سابق)
- ويقول د. عبد الهادي عبد الرحمن : " الكتاب يحكم كل شيء. صار عثمان خليفة ، لكنه لم يحترم الكتاب فسفكوا دمَه، .. ".
(سلطة النص – ص70، 71 – دار سينا للنشر – دار الانتشار العربي – الطبعة الثانية –ISBN: 184110178)
- ويقول الشيخ خليل عبد الكريم: " ألَم يكن نسخ القرآن في مصحف واحد وحرق بقية المصاحف أحد أكبر المآخِذ التي حُسِبَت على عثمان وأحد أسباب نقمة عدد كبير من مشاهير الصحاب عليه وأحد دوافع الثورة عليه التي انتهت بمصرعه الدامي والذي شارك فيه عدد من الصحابة أحدهم شهد بيعة الرضوان التي ورد ذكرها في القرآن؟". (دولة يثرب – بصائر في عام الوفود – ص115 – مصدر سابق)
- ويقول صالح الورداني: " ثم جاء عثمان وأحرق المصاحف التي كانت في حوزة الصحابة وجمع الناس بالقوة على مصحفه وقد حاربه بن مسعود ورفض الاعتراف بمصحفه وحرّض الصحابة على التمسك بمصاحفهم التي نقلوها عن رسول الله، وكان ذلك من سباب الفتنة والثورة على عثمان".
(المناظرات للورداني – ص19- مصدر سابق)
- ويقول د. رشيد الخيون: " لم يمر حرق المصاحف دون معارضة، وأكثر مَن عارضه المسلمون العراقيون عندما وقفوا مع عبد الله بن مسعود، وذهبوا يبحثون عن مصحف أُبَيّ بن كعب ، كما سبقت الإشارة. وعارضه المسلمون المصريون أيضاً، عندما قدموا ناقمين على عثمان بن عفان قائلين : " إنه محا كتاب الله عز وجل وحمى الحمى واستعمل أقرباءه". (جدل التنزيل – ص37- مصدر سابق)
ويقول المستشار محمد سعيد العشماوي: " لقد كان اعتماد عثمان بن عفان لقراءة واحدة
من قراءات القرآن – دون غيرها – عملاً خطيراً بلا رَيب. وقد أحس بهذه الخطورة
بعض المسلمين ممَّن عاصروه، فكان عمله هذا من أسباب الثورة عليه ثم مقتله".
(حصاد العقل – ص72، 73 – دار سينا للنشر – الطبعة الثانية 1992م – رقم الإيداع :
3466/92 -
ISBN: 977-5140-23-4)
مصير المصحف الأصل المعروف بمصحف حفصة..
يقول السجستاني في كتاب المصاحف: " في المسألة المعروفة بـ (جمع القرآن)، الذي بدأ في خلافة الصديق – رضي الله عنه – وانتهى في عهد إمارة مروان بن الحكَم ، على المدينة المنورة . لما توفيت حفصة ، أرسل إلى عبد الله بن عمر أخيها ليرسلن بها ، أي بالصُّحُف التي لديها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة، أرسل بها عبد الله بن عمر ففشاها وحرقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان – رحمة الله عليه.
(قريش – ص6 – سينا للنشر – الطبعة الأولى 1993 – رقم الإيداع 9795/92 - ISBN: 977-5140-34-x)
ويقول د. يوسف خليف : " وقد حاول مروان بن الحكم الخليفة الأموي المتوفي سنة 65 للهجرة أن يأخذها منها (حفصة) ليحرقها فأبَت، فلما توفيت أخذ مروان الصحف وأحرقها، وقال مدافعاً عن عمله هذا: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كُتِب وحُفِظ بالمصحف الإمام، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب".
(دراسات في القرآن والحديث – ص51 – مصدر سابق)
ويقول د. رشيد الخيون: ]أما مصير المصحف الأصل، مصحف حفصة، فأخذه بعد وفاتها مروان بن الحكم وأتلفه. ورد في الرواية "أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كُتِب منها القرآن، فتأبَى حفصة أن تعطيه إياها، قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشُقِّقَت”.
وبرر مروان إتلافه للمصحف الأصل بقوله : " إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كُتِب وحُفِظ بالمصحف الإمام، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان شيء منها لم يُكتَب”.
يقول د. الخيون : "تشير الرواية المذكورة إلى اختلاف ما بين مصحف حفصة الذي حافظت عليه حتّى وفاتها، رغم طلب مروان المتكرر له، وبين ما نسخه الكُتّاب بطلب من عثمان، وإلاّ لماذا يتلف ذلك المصحف؟" [. (جدل التنزيل – ص33- مصدر سابق)
بعض آراء في النقاط السابقة ..
يقول د. محمد حسين على الصغير: " لجمع القرآن في الروايات تأريخ متناقض عجيب، ألقى بتبعته على القرآن الكريم، ...
هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض الآخر تسفر عن هذه النتائج المتضاربة.
أ. مات النبي (صلعم) والقرآن كله على العسب واللخاف والرقاع والأكتاف
*، لكنه لم يُجمَع في مصحف، وقد راع أبا بكر (رض) كثرة القتل في القُرّاء بعد واقعة اليمامة في السنة الثانية عشرة للهجرة، فاستشار عمر في الأمر فأقرّا معاً جمع القرآن.. ، وكلّفا بالمهمة زيد بن ثابت.ب. أن عمر بن الخطاب كان أول مَن جمع القرآن بعد النبي (صلعم) بعد أن سأل عن آية فلَم يُجَب إليها، ونهض بالمهمة زيد بن ثابت.
ويقول صالح الورداني: "عقيدة الفقهاء والسّلَف من أهل السُّنّة أن الرسول (ص) مات وترك القرآن متفرقاً في صدور الصحابة وأن أول محاولات الجمع كانت على يد أبي بكر بتوجيه من عُمَر. ثم جاء عثمان ، وأحرق المصاحف التي كانت في حوزة الصحابة وجمع الناس بالقوة على مصحفه... إلخ". (المناظرات للورداني – ص19 – مصدر سابق)
ويقول د. رشيد الخيون: " وقد يطرح السؤال نفسه، لماذا لم يفكر عمر بحرق المصحف، والمصاحف التي كانت موجودة في عهده، كمصحف عبد الله بن مسعود وأُبَيّ بن كعب ؟ ولماذا ظهر الخلاف مفاجئاً بعد قتل عُمَر؟ وهل كان عُمَر غافلاً عن وجود تلك المصاحف؟ أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات، ابتعَد عن إثارتها الباحثون، وقبلوا بواقع الحال".
(جدل التنزيل – ص37- مصدر سابق)
يجيب د. رشيد الخيون قائلاً: " مع ان التعامل هنا مع نصوص مقدسة، فسرعان ما ظهر الخلاف بين مصاحف الأمصار، المنسوخة من مصحف واحد وأن هناك مَن تذَكَّر عدداً من الآيات، ولكن لا شهود معه لهذا لم يؤخَذ بها".
(المصدر السابق – ص33، 42)
من ناحية أخرى ظهر في وقت لاحق ما يُسَمّى – القراءات – أي قراءات متعددة للقرآن.
ويقول د. محمد حسين علي الصغير (سبق تعريفه) : وكما اختُلِف في مصادر القراءات ومنابعها، فقد اختُلِف في القُرّاء وعددهم، وتضاربت الآراء في منزلتهم وشهرتهم، فكان منهم السبعة، والعشرة، والأربعة عشر
* "(تأريخ القرآن – د. محمد حسين على الصغير – ص107- مصدر سابق)
وموضوع القراءات سوف نتناوله بشيء من التفصيل في بحث منفرد إن شاء الله.
* أستاذ الدراسات القرآنية – جامعة الكوفة – انظر المصدر.
** كان مرشداً لشباب الجامعات الإسلامية ثم اعتنق مذهب الشيعة الإثناعشرية.
* هي أستاذ التفسير والدراسات العليا بكليات الشريعة – جريدة الأهرام – 13/5/1986م
* في رواية البخاري (سابقة) اعترف زيد بصعوبة هذا الموضوع وقال إنه أصعب من نقل جبل.
** لو كان الأمر كذلك يكون قد ضاع كثير من القرآن بسبب مقتل معظم القراء في موقعة اليمامة.
* واضح من الروايات أن القرآن الذي جُمع استقر في بيت أم المؤمنين حفصة. وجدير بالذكر أن حفصة كانت تتعرض للسحر أحياناً، فيقول ابن كثير: " وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقُتلت. (ابن كثير 1/207 – مصدر سابق)
** بدأ عضوا في جماعة الإخوان المسلمين ثم تركها وانضم لحزب التجمع.
*** ارجع لروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر والتي سبق ذكرها.
* البيان للخوئي: 240-246 . والخوئي من علماء الشيعة المعتدلين عند اهل السنّة.
* يُلَقّب بـ "عميد الأدب العربي".
** جاء في الحديث الصحيح: " استقرءوا القرآن من أربعة، وبدأ بعبد الله بن مسعود" – ارجع للمصدر رقم 29.
* يقول هاشم صالح: والمسافة الزمنية التي تفصل بين التلفظ بالآيات القرآنية لأول مرة في زمن النبي، وبين تثبيتها كتابة في عهد عثمان (ما بين 645-656 ميلادية) هي ذات أهمية ، ولا يُستهان بها. ولكن المؤمن التقليدي لا يأبه لكل ذلك وإنما يعتبره ثانوياً ..
والناس لا يعيشون على الحقيقة في حياتهم اليومية ،
وإنما يعيشون على الخطأ والوهم. انظر كتاب (الفكر الإسلامي-نقد واجتهاد –
د.محمد أركون – ترجمة هاشم صالح – ص206-الطبعة الثالثة 98-دار الساقي
للنشر- بيروت – ص.ب: 5342/113-
ISDN:1 85516 095 1) .
ويقول خليل عبد الكريم إن هذه الفترة الزمنية بلغت أربعين عاماً. انظر "النص المؤسِّس ومجتمعه" – السِّفر الأول – ص20- دار مصر المحروسة – الطبعة الأولى القاهرة 2002 – رقم الإيداع : 2034/2002.
* غَلّ = خان في المغنم وغيره – حسب المعجم الوجيز – والمقصود هنا: "مَن استطاع أن يُخَبِّئ مصحفاً فليُخَبِّئه كي لا يحرقه عثمان".
* نسي الكاتب أو تناسَى أن يضيف "وصدور الرجال" . والدليل العبارة: "وقد راعَ أبا بكر (رض) كثرة القتل في القراء".
* وهي القراءات التي اعتمدتها الأمة من عشرات القراءات واعتبرت بقية القراءات قراءات شاذة.