حد الردة ... لماذا ؟؟
بقلم : شهاب الدمشقي

من الحقائق المعروفة في علم الاجتماع دور الوسط الاجتماعي في اعتناق الانسان لفكرة ورفضه اخرى ، فمن ينشأ في بيئة لا تعرف عقيدة بعينها يصعب عليه ان يعتنق تلك العقيدة ، وان من ينشأ في بيئة تحكمها بقوة عقيدة معينة يصعب عليه ايضا ان يحيد عن حدود تلك العقيدة .

اذا سلمنا بهذه الحقيقة جاز لنا ان نسأل :

لماذا ُيكرَه الانسان على وضعية لم يكن له الخيار فيها اصلا ؟؟؟

لماذا يُحرم الانسان من حقه في اختيار دينه ؟؟؟

لطالما تساءلت عن الحكمة من حد الردة في منظوره الفقهي الاسلامي ؟؟

كيف يجيز الفقهاء قتل المرتد وكل جريمته انه مارس حريته الدينية وحقه الطبيعي في اختيار دينه ؟؟

كيف يمكن التوفيق بين حد الردة وبين مبدأ حرية الاعتقاد الديني الذي كرسه الاسلام ذاته في قاعدة ( لا اكراه في الدين ) ؟؟؟

يجيب الدكتور تيسير خميس العمر في كتابه (حرية الاعتقاد في ظل الاسلام) : (ان الهدف من مبدأ ( لا اكراه في الدين ) يتمثل حقيقة في ارقى انواع ممارسة الحرية وافضل اكرام للانسان ، فهو يحذر من اراد الدخول في الاسلام من الدخول فيه الا اذا كان على تمام القناعة والرضا ، لانه اذا دخل عن طواعية وقناعة تامتين ومعرفة راسخة فانه عندها لا يستطيع الخروج منه .... ومن هنا نرى ان عقوبة الردة جاءت لتقطع على اهل الاهواء هدفهم وتبطل مسعاهم بعيدة عن زيغ المبطلين واصحاب النفوس الضعيفة التي تحب ان تلهو وتبتعد عن جادة الصواب فالاسلام لا يسوغ لذوي الاهواء ان يعبثوا بالاديان ? فيدخل في الاسلام لغاية ثم يخرج منه لغاية ، بل اعتبر ذلك لعبا بالدين وتضليلا للمتدينين ) ( حرية الاعتقاد في ظل الاسلام : 496 وما بعدها )

قد يكون هذا الكلام منطقيا ومعقولا بالنسبة الى من يترك دينه الاصلي الى الاسلام ( أي من كان كافرا كفرا اصليا ثم اعتنق الاسلام ) ولكن ماذا عن المسلم الذي ولد ونشأ في بيئة اسلامية ؟؟

الواقع ان 90 % على الاقل من المسلمين قد اُكرهوا على الاسلام اكراها اجتماعيا، فلم يكن اسلامهم وليد قناعات فكرية وعقلية بل اكتسابا من البيئة وارثا من الاجداد !! اذن بأي حق يعاقبون على ترك دين لم يختاروه اصلا ؟؟؟

لماذا يجبرون على البقاء في دين لم يكن لهم ارادة في اختياره منذ البداية ؟؟؟

اليس هذا تناقضا مع حرية الاعتقاد الديني ؟؟؟

يتابع الدكتور العمر قائلا : ( تهدف عقوبة الردة الى الحفاظ على المجتمع وصيانة اركانه ..واقامة هيبة للدين وسلطانه على النفوس حتى لا يتطاول اصحاب العقول السقيمة والنفوس المريضة على الدين ، وتنال من قدسيته وهيبته في النفوس ) ( نفس المصدر : 498 )

هل صحيح ان هيبة الدين يمكن ان تهتز بردة شخص او شخصين او حتى مئة شخص ؟؟؟

هل صحيح ان المجتمع الاسلامي بهذه الهشاشة بحيث يمكن لبعض المرتدين ان يحطموا اسسه ويزعزعوا اركانه ؟؟؟

هل صحيح ان تدين ملايين المسلمين بهذا الضعف يحيث يمكن لنفر من المرتدين ان يشوشوا عليهم افكارهم ويبثوا الشكوك في عقولهم ؟؟

هل صحيح ان المرتديين يشكلون خطرا حقيقا على الاسلام و المسلمين ومستقبل الدعوة ؟؟؟

يجيب الدكتور العمر بمنتهى الثقة : نعم !!! ( المرتدون اخطر من الاعداء على الاسلام واهله ، ويزداد هذا الامر جلاء ووضوحا لمّا نعلم ان المرتد سيشوه صورة الاسلام ويدس على الدين ، وهذا ما لا يقدر عليه غير المسلمين ، وعندئذ سيخدع الكثير ممن لا معرفة له بالاسلام ) ( نفس لمصدر : 292 )

ويزيد الدكتور حسن الشاذلي المسألة توضيحا فيقول : ( الفرق كبير بين مسلم يرتد ثم يهاجم الاسلام ، وبين غير مسلم يهاجم الاسلام ، اذ الاول يدس سمومه تحت شعار علمه بالحقيقة الدين ، وينفث احقاده تحت ظلال خبرته المدعاة بتعاليم الدين واحكامه ، مما يجعل مستمعه اقرب الى تصديقه من شخص غير مسلم ? ولما كانت خطورة المرتد بهذه المثابة كانت عقوبة المرتد بقدر جنايته ) ( اثر تطبيق الحدود في المجتمع : 15 )


من الواضح ان هذا المنطق يفترض منذ البداية ان المرتد هو انسان سيء الطوية ، مشبوه النوايا ، ينطلق من مخطط تآمري مدروس هدفه تشويه
صورة الدين !!! ولذلك لا بد من الحزم والشدة معه !!!

فهل هذا التصور واقعي وصحيح ؟؟؟ وهل هذا هو حال اي مرتد فعلا ؟؟ وهل يعقل ان كل من ينتقد عقائد الاسلام ومبادئه هو انسان حاقد موتور او عميل مأجور ؟؟؟

اليست هذا تصورا احاديا يصادر حق الاخر في التفكير والاختيار والاختلاف ؟؟

اليس هذا منطقا قمعيا اقصائيا يشبه اسلوب الانظمة القمعية في التعامل مع المعارضة ؟؟ ( فالمعارض السياسي عميل ، حاقد ، عدو للشعب والثورة والقائد المحبوب ) ولذلك لا مكان له بين افراد الشعب ( الملتفين حول الثورة والقائد ) !!!!

وحتى اذا سلمنا بهذا المنطق ، فان من حقنا ان نسأل :

لماذا يكون المرتد عن الاسلام عميلا مأجورا ينفذ مخططا لتدمير الاسلام ويهدف من ردته بث سمومه وزعزعة عقائد المسلمين وكلامه عن الاسلام اكاذيب واوهام ، في حين ان المسيحي او اليهودي الذي يرتد عن دينه ويعتنق الاسلام هو رجل صادق جريء باحث عن الحقيقة ذو عقل منفتح وناضج ، ونقده لديانته السابقة حقائق علمية ينبغي دراستها والاستفادة منها ؟؟؟

اليس هذا اسلوبا مزدوجا في التعامل مع قضية الردة ؟؟؟

ما مبرر التفريق بين المسلم وغير المسلم رغم ان القضية واحدة ؟؟؟

ثم ..... هل قمع المرتد منعه من الكلام او قتله ( لا فرق ) يعني تحصين مجتمعاتنا وتقديم صورة مشرقة للاسلام ؟؟؟؟

هل صيحيح ان منع المرتد من الكلام سيقطع الطرق على من يريد ان يصطاد في الماء العكر لتشويه صورة الاسلام ؟؟؟

وهل صحيح ان العالم سيصدق كل ما يقوله اي شخص عن الاسلام ؟؟

ان من يقرأ كلام الاستاذين العمر والشاذلي يخيل له ان العالم يعيش في حالة تخلف اعلامي خطير !! وان المسلمين يعيشون في بقعة منعزلة ، ولا يدري العالم شيئا من امر دينهم الا من احاديث المجالس واخبار الصحف !! وبالتالي ما ايسر ان تلتبس عليهم الامور عندما يسمعوا عن مسلم ارتد عن دينه فيصدقوه في كل ما يقول !!!!

والواقع ان المعلومة ( مهما كان نوعها ) لم تعد محجوبة عن المتلقي ، فثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم فتحت الباب على مصراعيه امام صاحب كل فكرة كي يوصل فكرته الى العالم باسره ، ومن المعلوم ان المسلمين يوظفون ثورة الاتصالات بشكل جيد ، اذ يمتلكون شبكة ضخمة من الصحف والمجلات والمحطات المسموعة والمرئية ، فضلا عن ملايين المواقع على شبكة الانترنت وبكافة اللغات الحية ..

وبالمقابل من اليسير على خصوم الاسلام ان يوصلوا رسالتهم المضادة الى العالم باسره حتى وان كانوا يعيشون في عقر دار الاسلام !! ( ولعل شبكة الانترنت دليل على هذا ، فهي بوابة على العالم لا تعرف معنى للرقابة او الحدود الجغرافية )

اذن ......

ما جدوى قمع المرتد ومنعه من الكلام ؟؟ الن يستطيع ايصال صوته الى العالم باسره اذا شاء ؟؟

وما مبرر الخوف مما سيقوله المرتد او يتقوله على الاسلام ؟؟؟ الن يكون بوسع المسلمين ان يدحضوا كلامه بما يملكونه من وسائل اعلامية ضخمة ؟؟؟

اليست هذه العقلية التي عبر عنها الدكتورين العمر والشاذلي هي صورة حرفية مستنسخة عن عقلية التعتيم الاعلامي التي تمارسها الحكومات الاستبدادية ؟؟؟

الا يفكر القائمون على الاجهزة الاعلامية العربية بذات الاسلوب : منع المعارضين من التعبير عن رأيهم حتى لا يشوهوا صورة ( الثورة ) و ( التجربة الاشتراكية ) و ( الحركة القومية ) في العالم وحتى لا يضربوا اسس المجتمع ويزعزعوا استقراره ؟؟؟

وتناقضات حد الردة لا تنتهي ...ولعل احدها اسلوب الكيل بمكيالين الذي يستخدمه الاسلاميون في التعامل مع حق الانسان في تغيير دينه ، فعندما يتعلق الامر باعتناق المسيحي للاسلام يكون هذا المبدأ حق من حقوق الانسان جدير بالحماية والرعاية ، ولكن عندما يدخل الامر ضمن الدائرة الاسلامية ويطال المسلم وتغيير دينه تتعالى الاصوات فجأة منددة بهذا المبدأ مشددة على تعارضه مع مبادئ الشريعة !!!!

في اعتقادي ان هذا الموقف هو من المفارقات التنظيرية الغريبة ، فالخطاب الاسلامي يرفض الاعتراف بحق الانسان في اختيار دينه عندما يكون الانسان مسلما ، ولكنه يرحب بهذا الحق ويدافع عنه ، وينعي على الآخرين مصادرته ، بل ويعلن الجهاد دفاعا عنه !!!! كل ذلك عندما ينصب هذا الحق على غير المسلم !!!!

اليس هذا تناقضا وازدواجية في المعايير ؟؟؟؟؟

ترى ....... لو كان الغرب يعتنق عقيدة الاكراه الديني كما يمثلها حد الردة هل كان سيظهر في الغرب مسلم واحد ؟؟؟؟

لولا احترام الغرب لحق الانسان في اختيار دينه لما اعتنق الاسلام غربي واحد !!!

ولقد تنبه عدد من المفكرين الاسلاميين المعاصرين الى تناقض حد الردة مع حقوق الانسان ، ومن ثم بتنا نسمع اجتهادات وافكار اسلامية تعلن رفضها لحد الردة صراحة ، ولعل خير من يمثل هذا الاتجاه : جمال البنا ، و حسن الترابي ، وجودت السعيد .

باختصار .....

ان حرية الاعتقاد الديني التي كرسها الاسلام ضمن مبادئه تقتضي بداهة حق الانسان في اختيار دينه ، وحق الردة تناقض صارخ مع حق الانسان في اختيار دينه .

 شهاب الدمشقي .

shahabx@gawab.com

http://www.ladeeni.net/islam/islam12.htm

الصفحة الرئيسية