: الأدلة الداخلية على أن إنجيل برنابا كتب في أوربا في العصور الوسطى
إن المجرم لا يستطيع أن يخفي جريمته بالكامل، فهو دائماً يترك ما يدل على جريمته وهكذا المخادع الكاذب مهما حاول خداعنا فهناك دائماً أمور تدل عليه وتكشف خداعه وأكاذيبه لأنه لم توجد بعد الجريمة الكاملة .
وكاتب إنجيل برنابا ترك لنا في ثنايا كتابه ما يؤكد أنه عاش في العصور الوسطى في أوربا وفيما يلى بعض الأدلة التي تؤكد هذه الحقيقة:
1- صوفية العصور الوسطى :
أ - الدموع والبكاء
ب- صلاة منتصف الليل
جـ- الخطايا الرئيسية
2- اليوبيل
3- الاقتباس من الكوميديا الإلهية
4- النظام السياسي :
أ- الحكم الجمهوري
ب- النظام الاقطاعي
5- النظام المالي :
1- الرطل كوحدة أوزان
2- الدينار الذهبي
3- استخدام المعيار للنقود
6- فلسفة وتعاليم العصور الوسطي :
أ- الله
ب- النفس
7- أدلة أخرى :
1- الحقول في الصيف
2- حفظ الخمر في براميل
3- عقوبة الشنق
4- مقاطع الأحجار
5- تعريف المُرائي
6- ولادة المسيح
7- عصمة العذراء
8- عدد الصلوات اليهودية
1- صوفية العصور الوسطى
(1) الدموع والبكاء
كان للدموع والبكاء دور هام في روحانية (صوفية) العصور الوسطى وخاصة في دوائر الرهبنة المسيحية ، وفي حياة قديسي تلك الفترة كان لعطية الدموع أهمية خاصة وإذ نرجع إلى إنجيل برنابا نجد هناك تركيزاً واضحاً على الدموع والبكاء، ففي مواضع عديدة نقرأ بكاء يسوع وتلاميذه والشعب عامة ومن أسباب هذا البكاء :
أ- بكاء على الخطايا
برنابا 12: 25-26 ، 47: 8-11، 70: 11، 16 ،103: 1-16 ، 105: 16-19،116: 5-8 ، 117: 1-8 ، 195: 9-10.
"إن بكاء الخاطئ يجب أن يكون كبكاء أب على ابن مشرف على الموت ، ما أعظم جنون الإنسان الذي يبكي على الجسد الذي فارقه ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطية .. إن الإنسان يخطئ في البكاء على أي شئ إلا خطيئته فقط .. فلو وهب الله النادم الصادق دموعاً قدر ما في البحر من ماء لتمنى أكثر من ذلك بكثير .. الذين يفيضون بكاء بسهولة فكالفرس الذي تزيد سرعة عدوه كلما خف حمله" برنابا 103: 1-16
وهذه العبارات السابقة التي تبدو في نظر الكثيرين اليوم مبالغاً فيها ، لم تكن كذلك في العصور الوسطي، بل وكانت تتكرر كثيراً على ألسنة الوعاظ في ذلك الوقت (1)
ب - بكاء بسبب العقاب الإلهي
بكاء آدم عند طرده من الفردوس ( برنابا 41: 31) ، بكاء مدينة أورشليم (برنابا 203: 3 ، 204 :5-6 ) .
جـ - بكاء بسبب شقاء وتعاسة هذه الحياة ( برنابا 27: 2-4)
د- بكاء بسبب الرغبة في الفردوس (برنابا 112: 5-13)
هـ- البكاء لأجل الأخرين (برنابا 188: 11-20 ، 193: 14-20)
وهكذا نجد أن النغمة السائدة هي الدموع والبكاء، وتلك كانت إحدى مميزات صوفية العصور الوسطي
(1) إنجيل برنابا : قيمته الحقيقية . وليم كامبل . ص 35-36 .
2- الخطايا الرئيسية
إن نظرية إنجيل برنابا في الخطايا الرئيسية وعددها وافتتاحها بالكبرياء والحسد واعتبار الخطايا الرئيسية من الكبائر لم تعم إلا في العصور الوسطى (2) ، فهو يذكر في أصحاح 135 أن هناك سبعة أنواع للخطية يقابلها سبعة أنواع من العذاب وهذه الخطايا السبع هي الكبرياء، الحسد، الطمع، الشهوة ، الكسل ، النهم ، الغضب .
"وتعليم الخطايا السبع الرئيسية وُلد في مراكز الرهبنة المسيحية وهدفه هو تحذير الرهبان ضد أخطر الخطايا على أرواحهم وخاصة الخطايا غير المباشرة والتي تقود إلى خطايا أردأ . ونحن نجد هذا الفكر في كتابات المسيحيين الشرقيين مثل كاسيان Cassien ( توفي سنة 432م) . ولكن في هذا الوقت كان الحديث يدور حول ثمانية خطايا رئيسية، ثم بعد ذلك - سواء في الشرق أو الغرب - اختزل العدد إلى سبعة خطايا . ولقد كان القديس جورج الكبير أول شخص في الغرب ذكر الخطايا السبعة الرئيسية مبتدأً بالكبرياء ، وأصبح العدد ثابتاً ولكن ترتيب الخطايا هو الذي اختلف ماعدا الكبرياء فقد وُضعت على رأس القائمة .
ومنذ بداية القرن الثالث عشر ، أصبح للحسد المكانة الثانية . وهذا ما نجده في إنجيل برنابا. وفي العصور الوسطى اعتبرت هذه الخطايا هي الأكثر خطورة ، وهي التي تهدد الحياة الروحية ، ولكن لم يتحدث أحد عن علاقتها بالجحيم وفكرة أن هذه الخطايا هي خطايا مميتة ولها مكان معين في الجحيم هي فكرة متأخرة بعد أن كتب دانتي (1265 - 1321) الكوميديا الإلهية . مما يؤكد أن إنجيل برنابا كُتب في القرن الرابع عشر(3).
(2) إنجيل برنابا شهادة زور على القرآن . ص 29
(3) إنجيل برنابا : قيمته الحقيقة . ص 41-42
3- صلاة منتصف الليل
لم تكن هذه الصلاة معروفة في زمن المسيح ولكنها عُرفت في العصور الوسطى وخاصة في دوائر الرهبنة وكون أن الكاتب يذكر أن المسيح وتلاميذه قد مارسوها فهذا دليل على أن إنجيل برنابا يعود للعصور الوسطي (برنابا 83: 24)
2- اليوبيل
في حديث المسيح مع السامرية أخبرها عن مجيء المسيا ثم قال : "وحينئذ يُسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة حتى أن سنة اليوبيل التي تجئ الآن كل مئة سنة سيجعلها مسيا كل سنة في كل مكان"(برنابا 82: 18) .
ومرة أخرى بعد يومين من الحديث السابق - قضاها المسيح في السامرة -"وبعد صلاة نصف الليل اقترب التلاميذ من يسوع . فقال لهم: ستكون هذه الليلة في زمن مسيا رسول الله اليوبيل السنوي الذي يجيء الآن كل مئة سنة . لذلك لا أريد أن ننام بل نصلي محنيين رأسنا مئة مرة ساجدين لإلهنا القدير الرحيم المبارك إلى الأبد" ( برنابا 83: 24-26 )
وفيما يلي سوف نوضح :
1- ما هو المقصود باليوبيل؟
2- موعد الاحتفال باليوبيل؟
3- اليوبيل المئوي والدليل على أن إنجيل برنابا كتب في القرن الرابع عشر
4- الاعتراضات المثارة حول هذا الموضوع والرد عليها
* اليوبيل
هو أحد الأعياد اليهودية طويلة المدى والتي جاء الحديث عنها في سفر اللاويين أصحاح 25 " ومعنى كلمة "يوبيل" في الأصل صوت البوق أو هتاف الفرح، وتطلق مجازاً أيضاً على البوق نفسه أو قرن الكبش الذي كان يبوق فيه . وقد دُعيت السنة الخمسون "يوبيلا" لأنهم كانوا يعلنون عنها بالنفخ في الأبواق في جميع أنحاء البلاد ، وذلك في اليوم العاشر من الشهر السابع ( تشرين الأول ) أي في عيد الكفارة بعد الانتهاء من مراسيم العيد ومع أن عام اليوبيل كان يبدأ في اليوم العاشر ، إلا أن اليهود كانوا يستعدون من أول شهر تشرين لاستقبال اليوبيل . فكانوا يقضون العشرة أيام السابقة لليوبيل في فرح.
وقد ذُكر هذا العيد في عدة مواضع أخرى فى الكتاب المقدس ، منها خر 34: 23، لا 27: 17 ، عدد 36: 4 ، وقد دُعى في حز46: 17 سنة العتق.
- وفي اليوبيل كان كل شئ يرد إلى أصله ، فالذين غبنوا أصحابهم في البيع والشراء كانوا يعوضونهم ، وأصحاب الديون كانوا يتركون الديون التي لهم . والعبيد كانوا يعتقون والحقول المباعة والمرهونة ترد إلى أصحابها الأصليين ، وكذلك البيوت إلا ما كان مبنياً داخل المدن التي لها أسوار . والأرض لا تزرع ولا تحصد في سنة اليوبيل (لا 25: 11).
* الاعلان عن اليوبيل
- وبمجرد الانتهاء من مراسيم الكفارة كان الكهنة ينفخون تسع مرات في البوق من خيمة الاجتماع اعلاناً عن حلول سنة اليوبيل مساء اليوم العاشر . وفي نفس الوقت يهتف المكلفون بذلك في كل البلاد . ولأهمية العيد وشدة الفرحة بقدومه كان كل أفراد الشعب تقريباً يهتفون في الأبواق ، يهتف كل واحد تسع مرات بشارة بقدوم اليوبيل الذي يعني التحرير والإبراء ( التحرير من العبودية والإبراء من الديون) .
وكان يُعلن عنه بعد الانتهاء من مراسيم عيد الكفارة . وهو الذي تذلل فيه الشعب وأعلن عن توبته وفيه كفَّر رئيس الكهنة عنهم - وتبدأ الاحتفالات(4) ويتم الاحتفال باليوبيل كل خمسين سنة، "ثم تُعبّر بوق الهتاف في الشهر السابع، في عاشر الشهر في يوم الكفارة تُعبّرون البوق في جميع أرضكم وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها. تكون لكم يوبيلاً " (لا 25: 9-10)
أي أن اليوبيل اليهودي كان يتم كل خمسين سنة . وقد أخذت بهذا النظام الكنيسة الكاثوليكية، ثم في سنة 1300 أصدر البابا بونيفاس الثامن قراراً بأن يكون الاحتفال باليوبيل كل 100 عام . وهذه هي المناسبة الوحيدة في كل التاريخ التي كانت فيها سنة اليوبيل مرة كل مائة سنة . وبعد موت البابا بونيفاس جاء البابا كليمنت السادس وأصدر أمراً في عام 1343 أن يكون اليوبيل مرة كل 50 عاماً (5) ثم أمر البابا أريان السادس في سنة 1389 أن يُحتفل باليوبيل مرة كل ثلاث وثلاثين سنة تذكاراً لعمر المسيح. ثم جعله البابا بولس الثاني كل خمسة وعشرين سنة، وكان الاحتفال الأخير سنة 1975. إذن عندما يقول كاتب إنجيل برنابا أن اليوبيل الذي يأتي الآن - أي وقت كتابة هذا الإنجيل - كل مائة سنة فهذا يعني أنه كتب إنجيله بعد سنة 1300 م التي صدر فيها الأمر البابوي بالاحتفال باليوبيل كل 100عام.
(4) تفسير سفر اللاويين نجيب جرجس . ط1 سنة 1980 . ص 427 - 429
(5) أصول ومصادر إنجيل برنابا. جون جلكرست. ص 7
وأيضا The Christian Witness. pp. 380-381
* الاعتراضات المثارة
كتب محمد رشيد رضا "قد كانت مسألة اليوبيل أقوى الشبهات عندي على كون كاتبه من أهل القرون المتوسطة، لا من قرن المسيح ، حتى بين الدكتور سعادة ضعفها بدقة نظره، فلم يبق للباحثين دليل يعول عليه في هذا المقام" (6)
فماذا كتب د. خليل سعادة - مترجم الإنجيل - ورأى فيه رشيد رضا ما يؤيد قوله :
"إن الثقات مجمعون على أن إنجيل برنابا كُتب في القرون الوسطى، غير أن هناك دليلاً أكيداً يتمكن معه الجزم بشأن الزمن الذي كتب فيه ، فقد ورد فيه ما نصه " إن سنة اليوبيل التي تجئ الآن مرة كل مائة سنة " والمعروف أن اليوبيل لم يحدث إلا مرة كل خمسين سنة . وليس من ذكر في التاريخ ليوبيل يقع كل مئة سنة إلا في الكنيسة الرومانية وكان أول من احتفل به البابا بونيفاس الثامن سنة 1300 وقال بلزوم تكراره في فجر كل قرن جديد ... غير أنك إذا أعملت النظر في ما كان عليه الكاتب من سعة الاطلاع على أسفار العهد القديم تعذر عليك أن تفقه كيفيقع مثله في غلط لا يخفى على البسطاء ، ولعل الصواب أن هنالك خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض حروف من كلمة خمسين الإيطالية فصارت تُقرأ مئة، لأن ما فى رسم الكلمتين فيما يسهل الوقوع في مثل هذا الخطأ "(7)
التعليق
1- رغم ما كان عليه الكاتب من سعة الاطلاع على أسفار العهد القديم ، فهناك الكثير من الأخطاء في الاقتباس من العهد القديم ، بل أيضاً كثير من الأشياء التي يتعارض فيها مع العهد القديم وذلك لأنه ليس هناك ما يُسمي بالجريمة الكاملة ، فدائماً هناك ما يدل عليها. إذن هذه المعرفة دليل على صحة معرفته بتواريخ اليوبيل، وصحة ما كتبه حول ميعاده .
2- لقد ذكره الكاتب مرتين ( 82: 18 ، 83: 24-26) فإذا كان هذا خطأ من الناسخ ، فكيف حدث هذا الخطأ مرتين ؟
3- ليس هناك أي برهان من خلال المخطوطة يثبت أن الناسخ قد وقع في مثل هذا الخطأ أثناء عملية النسخ، وليس هناك مخطوطات أخرى بها خلاف ما جاء في المخطوطتين الأسبانية والإيطالية حتى يمكن القول إن هذا خطأ من الناسخ، حيث أن هذه الأخطاء يمكن اكتشافها بالمقارنة بين المخطوطات المختلفة .
4 - إن الكاتب يستخدم كلمة "الآن" ، لتعبر عن الزمن الحاضر الذي كتب فيه هذا الكتاب والكاتب يعرف أنه قبل هذا الوقت ، كان اليوبيل كل خمسين سنة ، ولكن " الآن " كل مائة سنة . وهذا يؤكد أن اليوبيل كل 50 سنة والاستثناء هو عند كتابة هذا الإنجيل .
5- أما القول بأن الناسخ قد اسقط حروفاً فهذا غير صحيح ، وليس هذا اسقاط بعض حروف من كلمة ، بل استعاضة كلمة بكلمة أخرى، فلفظ خمسين بالإيطالية Cinquento، ولا يمكن تحريفه بالاسقاط إلى لفظه مئة Cento لأنه يقتضي اسقاط نصف الكلمة ، وتحريفها كلها فالنص مئة Cento صحيح غير مُحرف وهو دليل مادي أثرى من إنجيل برنابا المنحول على زمن واضعه"(8)
(6) إنجيل برنابا. مقدمه محمد رشيد رضا. ص 19
(7) المرجع السابق. ص 12-13
وانظر أيضاً 1- دراسات في الكتاب المقدس د. محمود علي حماية. ط 1 سنة 1989. ص 123-124
(8) إنجيل برنابا : شهادة زور على القرآن. الحداد. ص 36
* الاعتراض الثاني
كتب أحدهم " وأما موضوع "اليوبيل" فإن هذه الكلمة بعد الرجوع إلى دوائر المعارف والقواميس فهي تعني الاحتفال والاحتفاء بالمغفرة ، ولقد درج اليهود على ذلك قديماً ، فأقاموها كل مائة سنة ، ثم خفضت إلى الخمسين ، ثم تبنتها الكنيسة ، وخفضها أحد البابوات إلى ثلاثين عاماً، وهي عمر السيد المسيح . أما الإسلام . فإن فريضة الحج كل عام . تعني هذا المفهوم المهرجاني في الكبير ، للتوبة والمغفرة .. فأي يوبيل يعدل ذلك "
التعليق :
1- إن اليوبيل احتفال بالعتق والإبراء ويبدأ بعد عيد الكفارة ، فهو لا يعني الاحتفال والاحتفاء بالمغفرة ، ولست أدري ما هي دوائر المعارف والقواميس التي رجع إليها الكاتب .
2- إن اليهود كانوا يحتفلون بالعيد كل خمسين سنة
3- أول من جعل اليوبيل كل مئة سنة هو البابا بونيفاس الثامن سنة 1300 على غرار الاحتفالات التي كانت تقام في روما في نهاية كل قرن ، وفي اليوم الأول من شهر يناير من عام 1300 ازدحمت كنيسة القديس بطرس بالمؤمنين . وأكد مؤرخ محقق اشترك في الطقوس أنه لا يقل على الاطلاق عدد من زاروا روما عن مائتي ألف من الأجانب، وعندما جاء البابا كليمنت السادس رأى أن فترة القرن طويلة المدى ولذلك تم انقاص المدة على التوالي إلى خمسين سنة ، ثلاث وثلاثين ، وخمس وعشرين(9) سنة 1450م وقد كان آخر يوبيل سنة 1975م.
4- أما القول بأن اليوبيل هو فريضة الحج فهو تعسف غير مقبول
ملاحظة على النص:
برنابا82 سنة اليوبيل ستكون في زمن المسيا كل سنة
برنابا 83 هذه الليلة ستكون اليوبيل السنوي . أي ليلة هذه؟ وما المقصود بها ؟ فهل اليوبيل كل السنة ، أم هو ليلة واحدة في السنة .
(9) اضمحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها . إدوارد جيبون . ترجمة محمد سليم سالم. ط3 سنة 1969. ص 397- 399
3- الاقتباسات من الكوميديا الإلهية
الكوميديا الإلهية عبارة عن موسوعة علمية احتوت معارف القرون الوسطى، وفيها عبّر الشاعرالإيطالي دانتي عن أرائه في الإنسانية عموماً، وعن أحوال إيطاليا في القرن الثالث عشر الميلادي ، وعلى الأخص فلورنسا، وعن الأدب والفنون الأخرى ، ولم يعرض دانتي هذا كله في قصيدته بطريقة تجريدية أو موضوعية ، وإنما عرضه كما تصور في عقله تحت تأثر مزاجه الشاعري (10)
عاش دانتي في إيطاليا (1265-1321) وكتب الكوميديا الإلهية ، وهي عبارة عن رحلة خيالية إلى الدار الآخرة قام بها دانتي نفسه متخذاً دليلاً له هوالشاعر الروماني الخالد " فرجيل " الذي عاش ومات قبل الميلاد حيث اصطحبه في هذه الرحلة مبتدئاً بالجحيم، وإبان ذلك يناقش دانتي صاحبه فرجيل في جوانب كثيرة في الفكر والحياة والناس متفنناً في وصف الجنة والأعراف والجحيم ووصف ما فيها من النعيم والحساب والعذاب وتخيل المشاهير من الأدباء والمفكرين ممن سبقوه أو عاصروه وفي مقدمتهم سقراط وأفلاطون وبابوات روما في أماكن مختلفة هنا أو هناك يحادثهم ويسألهم على ما أدى بهم إلى هذه الأماكن ... وجاءت الكوميديا الإلهية شعراً .. وقد اتخذ دانتي رسالته سبيلاً إلى إظهار مقدرته الأدبية واللغوية ومعرفته بالتعبير عن فلسفته وعقيدته الدينية " (11)
وبدراسة إنجيل برنابا خاصة في لغته الإيطالية ، وبالمقارنة بالكوميديا الإلهية نجد أن هناك بعض الأمور التي يتشابهان فيها ، مما يؤكد أن كاتب إنجيل برنابا كان معاصراً أو عاش بعد أن كتب دانتي "الكوميديا الإلهية " وأنه اطلع عليها واقتبس منها.. ولا يمكن أن يكون الاتفاق الموجود بين ماجاء في إنجيل برنابا والكوميديا الإلهية من قبيل المصادفة
أو- توارد الخواطر-لأن اتفاقهما ليس في أمر واحد، بل في أمور كثيرة، كما أن هذه الأمور ليست أموراً منطقية أو علمية، مما يتفق عليه بعض الناس على اختلاف أجناسهم، والعصور التي يعيشون فيها، بل إنها أمور خيالية إن خطرت ببال شخص لا تخطر ببال غيره"(12)
(10) أثر الاسلام في الكوميديا الإلهية. الآب ميجيل أسين بلاسيوس. ترجمة جلال مظهر. مكتبة الخانجي. ط1 سنة 1980 . ص 74
(11) كتب غيرت الفكر الإنساني . أحمد محمد الشنوانى. الهيئة المصرية العامة للكتاب . سنة 1997 (مكتبة الأسرة ) . ص 98.
(12) إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين . عوض سمعان . ط3 ص 67
الاقتباسات
1- عبارة "الآلهة الباطلة الكاذبة "
جاءت هذه العبارة في إنجيل برنابا أربع مرات
* برنابا 23: 26-28 قول يسوع : "إن كل القديسين والأنبياء كانوا أعداء جسدهم لخدمة الله ، لذلك جروا بطيب خاطر إلى حتفهم ، لكي لا يتعدوا شريعة الله المعطاة لموسى عبده ، ويخدموا الآلهة الباطلة الكاذبة" go to serve the false and lying gods
* برنابا 78: 15-17 قول يسوع لتلاميذه : "الحق أقول لكم إن إلهنا لما خلق الإنسان لم يخلقه باراً فقط ، بل وضع في قلبه نوراً يريه أنه خليق به خدمة الله . فلئن أظلم هذا النور بعد الخطيئة فهو لا ينطفئ لأنه لكل أمة هذه الرغبة في خدمة الله مع أنهم قد فقدوا الله وعبدوا آلهة باطلة كاذبة" They have lost God and serve false and lying gods.
*برنابا 128: 2-3: "أقول أيها الإخوة إن الشيطان ضللكم بواسطة الجنود الرومانية عندما قلتم إنني أنا الله ، فأحذروا من أن تصدقوهم لأنهم واقعون تحت لعنة الله وعابدون الآلهة الباطلة الكاذبة"Serving the false and lying gods
* برنابا 217 : 59-61 : "فقادوا يهوذا إلى هيرودس الذي طالما تمنى أن يذهب يسوع إلى بيته. ولكن يسوع لم يرد قط أن يذهب إلى بيته لأن هيرودس كان من الأمم وعبد الآلهة الباطلة الكاذبة وعائشاً بحسب عوائد الأمم النجسة " Herod was a Gentile and adored the false and lying gods
وهذا التعبير "الآلهة الباطلة الكاذبة ، لم يُذكر في الكتاب المقدس ، ولكنه جاء حرفيا في الكوميديا الإلهية في Inferno 1: 72 وباللغة الإيطالية ومنها اقتبسه كاتب إنجيل برنابا
(13) die falsie lugiardi
(13) المراجع
1- Origins and Sources of the Gospel of Barnabas, John Gilchrist. England, 1982. PP. 18-20
2- The Christian Witness to Muslim, John Gilchrist vol ,2 1988. South Africa. PP. 382-383
3- The Islam Debate, Josh McDowell and John Gilchrist U.S.A. P. 100
2- تعبير الجوع في جهنم عند الحديث عن عقاب الخطاة في الجحيم:
برنابا 60: 8 "ما أشد ما يسقمهم الجوع واللهب اللذاعة والجمر المحرق والعذاب مع البكاء المر الشديد."how sick shall make them raging hunger
إن هذا الجوع وُصف كما جاء في الترجمة الإنجليزية بأنه جوع ثائر raging hunger وبالإيطالية rabbiasa fame وهذا التعبير أيضاً جاء في الكوميديا الإلهية (14) في القطعة الثالثة من "الجحيم "
(14) المراجع السابقة
بالإضافة إلى إنجيل برنابا. وليم تمبل جاردنر. مطبعة النيل المسيحية. ط 3. سنة 1924 ص 29-30
3- عدد السموات
برنابا 105: 3 "فأقول لكم إذاً إن السموات تسع وأنها بعضها يبعد عن بعض كما تبعد السماء الأولى عن الأرض
(I tell you, then, that the heavens are nine)”
إن عدد السموات حسب الفكر المسيحي ثلاث، سماء الطيور أو الغلاف الجوي (تك 1: 2) ، سماء النجوم ( أي 22: 12-14) سماء السموات أو السماء الثالثة (2كو 12: 2-4)
وحسب النص القرآني سبع سموات (الاسراء 17 ، المؤمنين 23 ، فُصِّلت 41 الطلاق 65، نوح 71...)
فمن أين جاء كاتب إنجيل برنابا بأن عدد السموات تسع ؟
هذا ما جاء في الكوميديا الإلهية حيث أن عدد السموات تسع وعاشرها الفردوس.
4- درجات المجد المتفاوته في الجنة
برنابا 176: 8-16 " قال برتولوماوس (برثلماوس) : يا معلم أيكون مجد الجنة لكل واحد على السواء ؟ فإذا كان على السواء فهو ليس من العدل . وإذا لم يكن على السواء فالأصغر يحسد الأعظم .
أجاب يسوع : لا يكون على السواء لأن الله عادل وسيكون كل واحد قنوعاً إذ لا حسد هناك. قل لي يا برتولوماوس : يوجد سيد عنده كثيرون من الخدم ويُلبس جميع خدمه هؤلاء لباساًواحداً . أيحزن إذاً الغلمان اللابسون لباس الغلمان لأنه ليس لهم ثياب البالغين . بل على العكس لو أراد البالغون أن يلبسوهم ثيابهم الكبيرة لتغيظوا لأنه لما لم تكن الأثواب موافقة لحجمهم يزعمون أنهم سخرية . فارفع إذا يا برتولوماوس قلبك لله في الجنة فترى أن للجميع مجداً واحداً، ومع أنه يكون كثيراً لواحد وقليلاً للآخر فهو لا يُولد شيئاً من الحسد".
إن وصف درجات المجد بأنها متفاوتة ورغم ذلك لا يوجد بين الحائزين لها حـــدُُ مأخوذ من الكوميديا الإلهية.
الجسد في الجنة
برنابا 174: 2-11 قول المسيح "فأي شئ يأكل إذاً أطعمة الجنة إذا كان الجسد لا يذهب إلى هناك ؟ هل النفس؟ لا البتة ، لأنها روح، فأجاب بطرس : أياكل إذا المباركون في الفردوس؟ ولكن كيف يبرز الطعام دون نجاسة؟ " أجاب يسوع : أي بركة ينالها الجسم إذا لم يأكل ولم يشرب ؟ من المؤكد أنه من اللائق أن يكون التمجيد بالنسبة إلى الشيء الممجد ، ولكنك تخطئ يا بطرس في ظنك أن طعاماً كهذا يبرز نجاسة . لأن هذا الجسم في الوقت الحاضر يأكل أطعمة قابلة للفساد ، لهذا يحصل الفساد . ولكن الجسم يكون في الجنة غير قابل للفساد وغير قابل للألم وخالداً وخالياً من كل شقاء، والأطعمة التي لا عيب فيها لا تحدث أدني فساد "(15)
)the meats, which are without any defect , shall not generate any putrefaction ).
برنابا 175: 1 مع 176: 1-6:
"هكذا يقول الله على لسان إشعياء النبي ... "يجلس خدمي على مائدتي في بيتي ويتلذذون بابتهاج مع حبور .. قال يسوع لتلاميذه : ماذا يجدي نفعاً قوله يتلذذون . حقا إن الله يتكلم جلياً . ولكن ما فائدة الأنهر الأربعة من السائل الثمين (16) في الجنة مع ثمار وافرة جداً . فمن المؤكد أن الله لا يأكل والملائكة لا تأكل والنفس لا تأكل والحس لا يأكل ، بل الجسد الذي هو جسمنا فمجد الجنة هو طعام الجسد . أما النفس والحس فلهما الله ومحادثة الملائكة والأرواح المباركة
(What purpose are the four rivers of precious liquor in paradise).
التعليق
إن ما يقوله إنجيل برنابا عن التغذية في ملكوت السموات قضية ما عرفها الفكر المسيحي وبحثها قبل العصور الوسط، وهو يخالف ما جاء على لسان المسيح نفسه (مت 22: 30 ، لو 20: 27-36 ، رو 14: 17، رؤ 7: 16)
مت 22: 30 "في القيامة لا يُزوجون ولا يتزوجون ، بل يكونون كملائكة الله في السماء "
رو 14: 17 "لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً " بل هو بر وسلام وفرح ".
ففي السماء لا أكل ولا شرب ، لا زواج ولا تزاوج بل يكونون كملائكة الله.
(15) قال الربيع بن أنس في حديثه عن الشجرة التي حُذرا من الاقتراب منها بأنها "كانت شجرة من أكل من أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث " تفسير الرازى. مجلد 2 . ص 6
(16) جاء في سورة 47: 15 إن الأربعة أنهار هي : "أنهار من ماء غير أسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفي ولهم فيها كل الثمرات " وما كتبه إنجيل برنابا هو ترجمة حرفية لهذا النص القرآني مما يؤكد أنه كتب بعده.
5- المطهر
يتحدث كاتب إنجيل برنابا عن المطهر قائلاً:" أما المؤمنون فسيكون لهم تعزية لأن لعذابهم نهاية ، فذعر التلاميذ لما سمعوا هذا . وقالوا: أيذهب إذاً المؤمنون إلى الجحيم . أجاب يسوع : يتحتم على كل أحد أيا كان أن يذهب إلى الجحيم ، بيد أن ما لا مشاحة فيه أن الأطهار وأنبياء الله إنما يذهبون إلى هناك ليشاهدوا لا ليكابدوا عقاباً ... أما ما يختص بالمؤمنين الذين لهم اثنان وسبعون درجة مع أصحاب الدرجتين الآخرين الذين كان لهم إيمان بدون أعمال صالحة ، إذ كان الفريق الأول حزيناً على الأعمال الصالحة ، والآخر مسروراً بالشر ، فسيمكثون جميعاً في الجحيم سبعين ألف سنة " برنابا 136: 5-7 ، 17
وهنا نرى تأثيراً واضحاً للكوميديا الإلهية
الأول : هو ذهاب المؤمنين إلى الجحيم لا لكي يعاقبوا ، بل لمشاهدة عقاب الأشرار .
الثاني : هو العقاب المؤقت في جهنم وهو ما يسمي المطهر، وسوف نلقى بعض الضوء على عقيدة المطهر.
* ما هو المطهر
"قد حدد مجمع ليون ومجمع فلورنس "إن الذين يخرجون من هذه الحياة وهم نادمون حقيقة ، وفي محبة الله ، لكن قبل أن يكفروا عن خطاياهم واهمالاتهم بأعمال توبة وافية ، تتطهر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهرة "(17)
(17) لماذ نرفض المطهر ؟ البابا شنودة الثالث . ط 1 سنة 1988. ص 10 عن مختصر في علم اللاهوت العقائدي. ط2 ص 448
وقد جاء في كتاب" التعليم المسيحي " الصادر عن المطبعة الكاثوليكية . بيروت . 1964 ص 13 ما يلي :
س : هل تدخل النفس البارة السماء حالاً بعد الدينونة ؟
جـ- إن النفس البارة بعد الدينونة الخاصة ، غالباً تدخل المطهر ، وهو عذاب أليم به تفي النفس ما تبقى عليها من عذاب زمني .
* تاريخ ظهور عقيدة المطهر
لقد عُرفت عقيدة المطهر في أوربا في العصور الوسطي عند الكاثوليك "وهذه العقيدة حددها كل من مجمع" لاتران المسكوني (1215م)، ومجمع ليون المسكوني ( 1274) ، ومجمع فلورنس المسكوني(1431)(18)، ومجمع ترنت المسكوني ( 1545- 1563)(19)
وأيدّها تأييداً كاملاً آخر مجمع مسكوني، ألا وهو مجمع فاتيكان الثاني، بقوله :
"إن هذا المجمع المقدس يتقبل بعميق التقوى إيمان أجدادنا المبجل ، الخاص بهذه الشركة الحيوية مع إخوتنا الذين وصلوا إلى المجد السماوي أو لا يزالون يُطهرون بعد موتهم ، ويعلن من جديد القرارات التي صدرت من المجامع المقدسة ، نيقية الثاني ، وفلورنسا ، وترنت ، ويستحث في الوقت عينه بما له من غيرة رعوية جميع من يعنيهم الأمر ، على أن يسعوا إلى استئصال أو اصلاح ما شذ أو مازاد أو نقص ، هنا أو هناك في هذا الموضوع ، وأن يضعوا الأمور في نصابها حتى يتمجد المسيح والله تمجيداً أكمل "(20)
- وأما الذي قرر بأن يُسمى "مكان تطهير النفوس باسم "المطهر" وذلك بناء على التقليد الشائع آنذاك وسلطة الآباء القديسين ، فهو البابا اينوشنسيوس الرابع ، في خطاب له لأسقف توسكولو (مدينة بجوار روما) بتاريخ 6 مارس 1254 "(21)
من هنا نرى أن عقيدة المطهر لم تتقرر عند الكاثوليك في أوربا إلا في القرن الثالث عشر وظهرت واضحة في الكوميديا الإلهية ، فسواء اقتبس كاتب إنجيل برنابا هذا من الكوميديا الإلهية ، أو من الفكر الكاثوليكي الذي قد انتشر في الغرب فهذا يؤكد أن هذا الكتاب المزيف كتب في أوربا في العصور الوسطى.
(18) مجمع فلورنس . قرار من أجل اليونانيين 693
(19) المجمع التريدانتيني . الدورة 25
الابتهال إلى ذخائر القديسين والصور المقدسة واكرامها 984-988(1821-1824)
الدورة 25: قرار عن المطهر 983 (1820)
الدورة 6: قرار في التبرير 840
وهذا هو قرار الدورة 25 "لما كانت الكنيسة الكاثوليكية ، التي يرشدها الروح القدس قد علّمت في مجامعها المقدسة ، وحديثاً في هذا المجمع المسكوني بأن ثمة " مطهراً" وبأن النفس المعتقله فيه تُساعد بصلوات المؤمنين ، ولا سيما بذبيحة المذبح الكفارية ، فإن هذا المجمع المقدس يوصي الأساقفة بأن يهتموا الاهتمام كله بأن يؤمن المؤمنون بهذا التعليم الصادق عن المطهر الذي تسلمناه من الآباء القديسين ، ومن المجامع المقدسة إيماناً ثابتاً، وُيبشر به في كل مكان"
6- الجحيم
إن التطابق بين جحيم دانتي وما جاء في إنجيل برنابا واضح ولا يستطيع أن ينكره إلا مكابر معاند. وقد ظهر هذا التطابق في عدة أمور مثل:
أ- تكوين الجحيم من طبقات (دركات)
جاء في برنابا 59: 1-2 "إن الجحيم واحدة وفيها يعذب الملعونون إلي الأبد ، إلا أن لها سبع طبقات أو دركات ، الواحدة منها أعمق من الأخرى. ومن يذهب إلى أبعدها عمقاً يناله عقاب أشد".
"إن الجحيم هي واحدة ومع ذلك فإن لها سبع دركات الواحدة منها دون الأخرى، فكما أن للخطية سبعة أنواع إذا أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب الجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب".
(Hell is one, yet hath seven centres one below another . Hence, even as sin is of seven kinds, for as seven gates of hell.)
ثم يذكر ترتيب الخطأة في الدركات
السابعة : المتكبر ، السادسة : الحسود ، الخامسة: الطماع ، الرابعة: الشهوانيون ، الثالثة : الكسلان ، الثانية : النهم ، الأولى : الغضبان.
ثم يختم الأصحاح بالعقاب العام الذى يشمل كل الدركات
هذا الوصف من حيث عدد دركات الجحيم ، وأنواع الخطايا السبعة وأنواع العقاب السبعة هو ما جاء في الكوميديا الإلهية (الجحيم) في:
Fifth and sixth cantos of Dante’s inferno
(20) المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني : وثائق .جـ1. دار العالم العربي . سنة 1966 ص 125
وانظر المجمع المسكوني "فاتيكان الثاني. الأنبا إسحق غطاس. سنة 1966. ص 41
(21) المطهر . الآب لويس برسوم . المعهد الأكليركي الفرنسسكاني القبطي. الجيزة. سنة 1984 . ص 39.
في برنابا 135: 1-44
ب- العقوبة في الجحيم
جاء في إنجيل برنابا( 60: 8، 17) "ما أشد ما يسقمهم الجوع واللهب اللذاعة والجمر المحرق والعذاب الأليم مع البكاء المر الشديد.. ما أشد البرد القارس الذي لا يخفف لهبهم".
برنابا 105: 17-18 "كيف يبكي من يحضر مجالس الطرب والولائم . إنه يبكي كما يعطي الثلج ناراً "
برنابا 106: 15 "الحق أقول لكم أن الله لما خلقه (الحس) حكم عليه بالجحيم والثلج والجليد اللذين لا يطاقان"
برنابا 135: 43-44 "ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منها رغيف ، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منهما"
"إن وصف الجحيم على هذه الصورة كان شائعاً في أوربا في العصور الوسطى في الكتابات الرؤية التي كانت منتشرة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر (22) .
وقد جاء أيضاً ذكر العقوبة بالنار والجليد معاً في كثير من كتب الشعر التي كُتبت في أواخر العصور الوسطى.
فذكر ذلك الشاعر الإنجليزي وليم شيكسبير (1604) في مسرحيته (عين بعين )، (23) فقال على لسان كلاوديو : "والروح الناعمة يجرفها عباب يتلظى ، أو تستقر في صقع مروع من صقيع ، تتكثف طبقات فوق طبقات(24) .
- والشاعر الإنجليزي جون ميلتون في "الفردوس المفقود" (1667)، قال : "وبعد هذا النهر تقع قارة متجمدة ، برية ، تنهال عليها عواصف لا تنقطع من دوامات الريح ولافع البرد يسقط على اليابسة .. وليس حوله إلا الثلج والجليد"
ويعلق المترجم " محمد عناني بقوله :"كان الاعتقاد بأن عذاب الجحيم يتضمن البرودة إلى حد التجمد إلى جانب الحريق سائداً في العصور الوسطي"
ولنأتى إلى ماكتبه دانتي:
-"أنا في الحلقة الثالثة ، حلقة المطر الأبدي، اللعين البارد، الثقيل.. برد كثير ومياه مسودة، ثلج يهطل خلال الهواء المظلم" (أنشودة 6: 7-10).
- "عندما استدرت ورأيت أمامي وتحت القدمين بحيرة كان لها من التجمد صورة الزجاج لا الماء .. كان الشبحان المعذبان منغمسين في الثلج.. وقد أزرق لونهما " (أنشودة 32: 22-26).
"وبينما كنا نسير في الوسط ، الذي يتجمع عنده كل ثقل ، كنت ارتعد في الزمهرير الأبدي "(أنشودة 32 : 73 - 74 ). (25)
(22) قال الأستاذ حسن عثمان في مقدمة ترجمته للكوميديا الإلهية جـ1 . ص 57 "وجد في إيطاليا في القرنين 11، 12 جماعة من كُتاب الرؤى وصفوا الحياة في عالم ما بعد الحياة مثل الراهب يواكيمو... وتكلم الراهب البريجو عن عذاب الجليد والأفاعي.
(23) ترجمة د. زاخر غبريال
(24) الفردوس المفقودة . جون ميلتون . ترجمة د. محمد عناني . جـ1 هامش ص 197. وانظر أيضاً "كتب غيرت الفكر الإنساني" أحمد محمود الشنواني . ص 169-186.
7 - عدم مغفرة خطايا الخاطئ لأنه فكر في خطايا جديدة .
برنابا 36: 38-40 "فإذا أساء إليك أحد وقال لك بشفتيه اغفر لي وضربك ضربة بيديه فكيف تغفر له. هكذا لا يرحم الله الذين يقولون بشفاههم يا رب ارحمنا، ويحبون بقلوبهم الإثم ويهمون بخطايا جديدة". وهذا أيضاً جاء في الكوميديا الإلهية "الجحيم" 27 (26)
ملحوظة :
الأثر الإسلامي في الكوميديا الإلهية .
يرى كثير من الدارسين أن هناك تأثيرات إسلامية واضحة في الكوميديا الإلهية ، ولقد أثار هذا الموضوع الأب ميجيل أسين
بلاثيوس(27) وأثبت أن دانتي تأثر بـ :
1- قصة الأسراء والمعراج
2- الفتوحات المكية لابن عربي
3- رسالة الغفران لأبى العلاء المعري
وسواء أخذ برنابا من الفكر الإسلامي مباشرة أو من الكوميديا الإلهية لدانتي ، فهذا يؤكد أنه لم يكتب في القرن الأول الميلادي بل بعد ذلك بقرون عديدة.
(25) إنجيل برنابا : هل هو الإنجيل الصحيح ؟ القس عبد المسيح بسيط. ص 146-148
(26) إنجيل برنابا . وليم جاردنر . ص 31-32
(27) الأب ميجيل أسين ، وُلد في سرقسطة بأسبانيا 1871 شغل كرسي اللغة العربية في كلية الآداب بمدريد سنة 1930 وأصبح رئيس مدرسة الدراسات العربية في مدريد وغرناطة سنة 1932 ثم مدير مجمع اللغة الأسبانية سنة 1943.
ألقى بحثه عن ":الأصول الاسلامية للكوميديا الإلهية أمام المجمع الملكي الأسباني ثم نشره في كتاب . وقد ترجمه إلى اللغة العربية جلال مظهر "أثر الاسلام في الكوميديا الإلهية " مكتبة الخانجي . طسنة 1980
ولمزيد من الدراسة حول هذا الموضوع ارجع إلي :
1- أثر الإسلام في الكوميديا الإلهية " لميجبل بلاثيوس
2- تراث الإسلام . جـ1 . ط2 سنة 1988 . عالم المعرفة .
الفصل الثالث : الإسلام في عالم البحر المتوسط . فرانشيسكو غابريلي ترجمة د. محمد زهير
3- الفكر العربي : مجلة الإنماء العربي للعلوم الإنسانية . عدد 32. أبريل - يونيو سنة 1983 مقالة تحت عنوان " صورة الإسلام في أوربا في العصور الوسطي " ريتشارد سودرن ترجمة رضوان السيد.
4- العلاقات بين الشرق والغرب . د. عزيز سوريال عطية . ترجمة د. فيليب صابر سيف دار الثقافة . ط1. سنة 1972 . ص 207-252
5- آراء غربية في مسائل شرقية . عمر فاخوري . دار الكتاب العربي. بيروت. لبنان.ط2. سنة 1955 ص 37 وما بعدها.
6- مجلة الهلال . يناير سنة 1976 . مقالة تحت عنوان " أسين بلاثيوس، دفاع عن الفلسفة الإسلامية " د. الطاهر أحمد مكي . ص 40-49
7- المستشرقون . نجيب عقيقي . جـ 2 . ط4 سنة 1981 . ص 194