من هو

كاتب إنجيل برنابا

مؤيدو إنجيل برنابا على أن كاتبه هو برنابا المذكور في الكتاب المقدس .

فيقول الشيخ أبو زهرة :"إن برنابا كان من الدعاة الأولين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقل عن عمل بولس ، فلابد أن تكون له رسالة أو إنجيل. وهذه بيانات تشهد بأن الإنجيل الذي كُشف وعُرف صحيح النسبة ، ليس للمسلمين يد فيه ، وأن من ينحله للمسلمين ، كمن يحمل في يده شيئاً يظن في حمله اتهاماً له، فيسند ملكيته إلى غيره نفياً للتهمة عن نفسه ، فهل يقبل منه ذلك النفي من غير حجة ولا دليل سوى أن فيه اتهاماً له"(1)

فمن هو برنابا ؟

لقد جاء اسم برنابا 14 مرة في إنجيل برنابا ، وأشير إلى أنه كاتب هذا الإنجيل 27 مرة . وهو واحد من الاثني عشر (برنابا 14: 11-17) وأن المسيح كان يناديه بهذا الإسم (برنابا 19: 6) ، ومن المسيح نفسه قد أخذ الأمر بكتابة هذا الإنجيل ، وهو يأخذ دور بطرس في الأناجيل القانونية ( أي أنه مقدامهم) ، وهو الشخص الرابع الموجود مع المسيح أثناء حادثة التجلي ( 42: 19-30) وإذ نرجع إلى الكتاب المقدس ، نجد أن برنابا قد ذُكر في سفر أعمال الرسل ورسالة غلاطية(2: 1-9) وكولوسي (4: 10) واكو(9: 6) وبدراسة النصوص المذكورة نجد أنه لا يمكن أن يكون هذا الشخص هو كاتب إنجيل برنابا والأدلة على ذلك ما يلي :

1- إن برنابا المذكور في الكتاب المقدس لم يكن اسمه برنابا ، بل يوسف ، والذي دعاه بهذا الاسم هم التلاميذ ، وذلك بعد صعود المسيح "ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يُترجم ابن الواعظ وهو لاوي قبرسي الجنس ، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم . ووضعها عند أرجل الرسل " أع 4: 36-37.

2 - إن كاتب إنجيل برنابا يسجل في مقدمته وفي الإصحاح الأخير إنكاره للتعاليم التي نادى بها بولس ( ومنها أن يسوع هو ابن الله ، موت وقيامة المسيح ، عدم ضرورة الختان للخلاص) وهذا القول يوضح أن كاتبه لا يمكن أن يكون برنابا لما يلي :

أ- عندما آمن شاول بالمسيح " حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ، فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع ، فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع " أع 9: 26 - 28.

وإذ نقرأ ما جاء في هذا الإصحاح نرى أن " شاول كان مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً ، وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله " أع 9: 19-20 أي أن برنابا يقدم بولس الذي كان يكرز بأن يسوع ابن الله للتلاميذ ، بينما كاتب هذا الإنجيل يهاجم بشدة هذا التعليم.

ب- عندما نمت الكنيسة في إنطاكية قرر الرسل أن يرسلوا برنابا إلى إنطاكية ليعلَّم ويشجع المؤمنين الجدد، وعندما ذهب برنابا إلى هناك ورأى أنه لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل بمفرده قرر أن يختار مساعداً له وبدون تردد " خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول ولما وجده جاء به إلى إنطاكية ، فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلَّما جمعاً غفيراً ودُعي التلاميذ مسيحيين في إنطاكية أولاً " (أع 11: 25- 26).

وبعد رجوعهما من أورشليم (أع 11: 27-30) ذهبا إلى إنطاكية (أع12: 25) ، ثم كرزا معاً في غلاطية ( أع 13) بأن يسوع هو ابن الله وأن الله أقامه من الموت ( أع 13: 33-35)


(1) محاضرات في النصرانية . ص 70

وانظر أيضاً 1- الاختلاف والاتفاق بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة. ص 33، 48

2- الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 73

3- المسيحية. د. أحمد شلبي. ص 216

4- يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء . ص 172-175

5- أضواء على المسيحية . ص 61

 

جـ- مشكلة الختان

"وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الإخوة إنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا ، فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلى الرسل والمشايخ في أورشليم من أجل هذه المسئلة" أع15: 1-2.

وقد استغل بعض الكتَّاب هذا النص وقالوا إن هناك خلاف عقائدي (عقيدي) قد برز بين بولس وبرنابا عقب مقالة الختان (2) وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة فهنا نرى أن بعض اليهود في الكنيسة الأولي قالوا إن الختان ضرورياً للخلاص فحدثت مشاجرة بينهم وبين بولس وبرنابا معاً ، أي أن بولس وبرنابا معاً طرف أول يناديان بأن الختان غير مُلزم للأمم وليس ضرورياً للخلاص ، وبعض اليهود طرف ثان ينادون بأهمية الختان.

وموقف برنابا هنا يناقض ما ذكره كاتب إنجيل برنابا على لسان المسيح عن أهمية وضروة الختان للخلاص ، وأن الكلب أفضل من رجل غير مختون (برنابا22 : 2) ، وأن غير المختون محروم من دخول الفردوس (برنابا23: 16).


(2) ارجع إلى :

أ- دراسات في الكتاب المقدس . د. محمود علي حماية . ص 109

ب- الاختلاف والاتفاق بين الأناجيل وإنجيل برنابا. ص 33

د- الخلاف بين بولس وبرنابا

استغل بعض الكتَّاب ما جاء في سفر أعمال الرسل عن المشاجرة بين بولس وبرنابا ووظفوها بحيث تخدم غرضهم وتؤيد ما جاء في المقدمة والأصحاح الأخير من إنجيل برنابا ، وبعد إخفاء سبب المشاجرة الحقيقية صالوا وجالوا وبنوا على أوهام خاطئة استنتاجات غير صحيحة.

"ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا لنرجع ونفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب ، كيف هم ، فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضاً يوحنا الذي يُدعى مرقس. وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل أن لا يأخذانه معهما . فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الأخر . وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص وأما بولس فاختار سيلا ... فاجتاز في سوريا وكيليكية يشدد الكنائس " أع 15: 36-41 . أي أن الخلاف هنا لم يكن خلافاً فكرياً أو عقائدياً أو تعليمياً حول أي ركن من أركان الإيمان المسيحي ولكنه كان خلافاً شخصياً حول اصطحاب يوحنا مرقس معهما في الرحلة الثانية، فبولس كان يرى أن الذي لم يستطع أن يكمل الرحلة الأولى لا يصح أن يذهب معهما مرة أخرى وبرنابا - ربما لصلة القرابة التي تربطه بمرقس - رأى أن يعطيه فرصة أخرى . ونتج عن هذا افتراقهما (أع 15: 37-40).

أما الخلاف الثاني الذي استغله البعض هو ما جاء في رسالة غلاطية "ولكن لما أتى بطرس إلى إنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً . لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفاً من الذين هم من الختان . وراءي معه باقي اليهود أيضاً حتى أن برنابا أيضاً انقاد إلى ريائهم لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا " غل2: 11-14 . وهنا نرى بولس يلوم بطرس وأيضاً برنابا ولكن الخلاف واللوم هنا لم يكن بسبب موضوع عقائدي ولكن بسبب التمييز بين المسيحيين من أصل يهودي والمسيحيين من الأمم وعدم الأكل معهم فهو عن الشركة بين المسيحيين دون اعتبار لخلفيتهم.

فلم يكن لهذه الاختلافات البسيطة أي تأثير على العقائد الأساسية التي نادى بها برنابا وبولس معاً ، والوحدة في ارساليتهما ورسالتهما واضحة في سفر الأعمال (أع 13: 15)، (أقرأ أع 4: 36، أع 9: 26-27، أع 11: 22-15، أع 12: 24، أع 13: 1-5، أع 14: 14-16 ، أع 15: 36-41)

ومن هنا نستنتج أن إنجيل برنابا لم يُكتب بواسطة برنابا ، بل بواسطة شخص آخر ارتكب أعظم خطأ باختياره برنابا - شريك الرسول بولس- ليكون كاتب هذا الكتاب .

وما جاء في المقدمة خير برهان على هذا :

حيث أنه ينكر أن يسوع هو المسيا ، وأي شخص له معرفة باللغة اليونانية يعرف أن "Christos " هي الترجمة اليونانية لكلمة مسيا"Messiah" وأن يسوع المسيح هي ترجمة للصيغة اليونانية "Iesous Christos" ، والتي تعني يسوع المسيا "Jesus the Messiah" وهذا يؤكد أن الكاتب لا يمكن أن يكون برنابا الذي أتى من قبرص حيث كانت اللغة اليونانية هي السائدة . ولذلك لا يمكن أن يقع في هذا الخطأ ويجعل يسوع ينكر أن هو المسيح (2)

مما سبق نري أن برنابا المذكور في الكتاب المقدس ، ليس هو كاتب هذا الكاتب المزور وفيما يلي سوف تناقش من هو كاتب إنجيل برنابا.


(3)Origins and Sources of the Gospel of Barnabas. John Gilchrist . England. 1982. pp.5-15

- The Islam Debate Josh Mc Dowell and John Gilchrist .U.S.A. pp. 94- 98.

من هو كاتب إنجيل برنابا؟

كثر الجدل حول كاتب هذا السفر المزور، وفيما يلي نوجز هذه الآراء:

1- الرأي الأول : مسيحي مرتد

وهذا الرأي قال به لونسدال ولورا راج مترجما الكتاب من الإيطالية إلى الإنجليزية ، فقد كتبا "يمكننا الجزم بأن كتاب برنابا الإيطالي إنما هو كتاب إنشائي وسواء قام به كاهن أو علماني أو راهب أو أحد العامة ، فهو بقلم رجل له المام عجيب بالتوراة اللاتينية ، يقرب من المام دانتي وأنه نظير دانتي متضلع فى الزبور ، وهو من صنع رجل معرفته للأسفار المسيحية تفوق كثيراً اطلاعه على الكتب الإسلامية فيرجح إذاً أنه مرتد عن النصرانية "(4)

ويؤيد هذا الرأي المستشرق جاردنر فيقول :"إن الكاتب كان واسع الإطلاع على تعاليم الديانة المسيحية ، وعلي الإنجيل الصحيح ، قد حذا في أوائل فصوله حذو البشيرين متى ولوقا ولكنه يدل على أنه لم يكن مسلماً في الأصل ، وأن معرفته بالديانة الإسلامية كانت حاصل ما سمعه من أقوال الشراح والمفسرين وما علمه من الأحاديث والتقاليد ، مما يدل على أن الكاتب نصراني من العصور الوسطى، أسلم وأخذ يقدح في النصرانية وينصر الإسلام "(5)

وقد أيد هذا الرأي أيضاً الأب الحداد ، فقال :"لاشك عندي أن واضع إنجيل برنابا هو الراهب الإيطالي الأخ مارينو المسلم الذي تذكره مقدمة الترجمة الأسبانية التي قام بها مصطفي العرندي الأندلسى كما نقلتها الترجمة العربية .. إن الأخ مارينو الراهب الذي أسلم هو واضع إنجيل برنابا المنحول بمساعدة مصطفي العرندي الأندلسى مترجمه إلى الأسبانية، لا مكتشفه في مكتبة البابا في أواخر القرن السادس عشر ، وقصته الملفقة تدل عليه "(6)


(4) مقدمة ترجمةإنجيل برنابا . ص 8

(5) إنجيل برنابا . وليم تمبل جاردنر. ص 58-59

(6) إنجيل برنابا شهادة زور على القرآن . ص 41-42

2- الرأي الثاني : يهودي اعتنق الإسلام بعد تنصره

وقال بهذا الرأي خليل سعادة مترجم الإنجيل إلى اللغة العربية

"الذي أذهب إليه أن الكاتب يهودي أندلسى اعتنق الدين الإسلامي بعد تنصره واطلاعه على أناجيل النصارى ، وعندي أن هذا الحل هو أقرب إلى الصواب من غيره ، لأنك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه إلماماً عجيباً بأسفار العهد القديم لاتكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصارى... ومما يؤيد هذاالمذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان والكلام الجارح الذي جاء فيه من أن الكلاب أفضل من الغلف ، فإن مثل هذا القول لا يصدر من نصراني الأصل... ومما يقرر هذا الرأي أن هذا الإنجيل يتضمن كثيراً من التقاليد التلمودية التي يتعذر على غير يهودي معرفتها وفيه أيضاً شئ من معاني الأحاديث والأقاصيص الإسلامية الشائعة على ألسنة العامة ... فالرأي الذي أذهب إليه أن الكاتب الأصلي يهودي أندلسي اعتنق الإسلام "(7) وقد أخذ بهذا الرأي الأستاذ عوض سمعان(8) ، وقدم الأدلة التالية على أن الكاتب يهودي اعتنق الإسلام:

1-اراؤه الدينية والمامه بموضوعات لايعرفها إلا اليهود

- أشار إلى قصة سوسنة والشيخين (50: 25) التي لا ترد إلا في أحد كتب الأبوكريفا (ملحق سفر دانيال)

- أسند قبض الأرواح إلى ملاك يُدعى روفائيل (25: 4-5)، وهذا جاء في سفر أخنوخ الأبوكريفي

-ركز على أهمية الختان ، وأن الكلب أفضل من رجل غير مختون (22: 2) ، وأن غير المختون محروم من دخول الفردوس (23: 17)

2- الأدلة على اعتناقه الإسلام

- تجريد المسيح من خصائصه الإلهية ومناقضته لكل ما ورد في الإنجيل بشأنه (برنابا 19: 14 - 18 ، 47: 8-13 ، 13: 15 ، 42: 28 ، 52: 10-12 ... وغيرها)

- تفضيله لنبى الاسلام

فالله خلق العالم لأجله وهو مخلوق قبل الخليقة بـ 60 ألف عام (39: 20 ، 82: 17-18 ، 212: 17 )

- إلمامه بكثير من العقائد والمصطلحات الإسلامية مثل قوله :

لا اله إلا الله محمد رسول الله (39: 14-28)

- غضب الشيطان عندما علم أن الله سيخلق آدم ( 35: 9)

- إبراهيم ومعرفته لله وكسر أصنام أبيه (برنابا 28-29)

- صلب يهوذا (برنابا 217)

ويضيف القس صفاء داود "أغلب الظن أن الكاتب لم يكن مسيحياً ، بل يهودياً ، وأنه عاش في القرن الخامس عشر في أسبانيا (الأندلس) ، وأنه كان يجيد اللغات الأوربية ، ويتصف بالطموح وسعة الخيال ، ومن ثم كانت له الفرصة للاتصال ببعض علماء المسلمين في الأندلس أثناء حكم العرب لها (811- 1472م) فاعتنق الإسلام على أيديهم ودرس اللغة العربية وبعض علوم القرآن والحديث والعلوم الصوفية والفلسفة الإسلامية، ثم سولت له نفسه أن يعمل إنجيلاً جديداً يلغي به - حسب ظنه - إنجيل المسيحيين ، فدرس إنجيلهم والكتب المتعلقة بديانتهم ، ثم أضاف إليه وحذف منه وغّير وبدل فيه ، حتى أخرج منه إنجيلاً يحقق أهدافه ، ولكي تكون لهذا الإنجيل أهميته نسبه بخبث إلى برنابا رفيق الرسول بولس وشريك خدمته . ويرى المؤرخون أن الكاتب قد قام بهذا العمل لعدة أسباب نذكر منها :

1- رغبته في الانتقام من المسيحيين لاضطهادهم الشديد لليهود قبل فتح العرب للأندلس

2- رغبته في الحصول على مركز مرموق في دولة الأندلس "(9)

ويرى جان سلومب ما لخصه:

إن كثيراً من اليهود في أسبانيا أجبروا على اعتناق المسيحية في القرن 16 ، أثناء محاكم التفتيش وقد بلغ هذا الاضطهاد ذروته في فينيسيا في الفترة من 1558-1568 ، عندما كان الآب فيلس بيير دي مونتلو Fra Felice Peretti de Montalto هو المسئول عن محاكم التفتيش وهو الذي أصبح فيما بعد البابا سكسيتوس الخامس Pope Sextus v الذي جاء اسمه في مقدمة المخطوطة الأسبانية .

- وقد ذكر المؤرخ جويجوريولي Gregorio leti كاتب سيرة البابا سكستيوس الخامس أنه بينما كان هذا البابا مسئولاً عن محاكم التفتيش فى فينيسيا كان له نشاط غير عادي في منع الكتب اليهودية (لأن فينيسيا كانت مركزاً هاماً لنشر الكتب اليهودية ) وهو الذي بني مكتبة الفاتيكان الموجودة حتى الآن ، ويوجد بها صورته محاطاً برجال الأكليروس .

ويعتقد سلومب أن الراهب الفرنسسكاني فارماينو ( يهودي قد أجبر على اعتناق المسيحية ) أراد الانتقام من هذا البابا باختراع قصة وجود إنجيل برنابا في مكتبته ، وذلك بعد اعتناقه للإسلام .

ولسوء حظ كاتب إنجيل برنابا أن إنجيله لم يُكتشف وقت البابا سكسيتوس Sixtus v ، ولكنه ‘نقل إلى أمستردام وقد ترك مكتبة المؤرخ لي بعد وفاته سنة 1701 إلى فيينا وليس إلى فينيسيا ، ولم يُكتشف حتى سنة 1907 عندما تمت ترجمته إلى الإنجليزية "(10)


(7) مقدمة ترجمة إنجيل برنابا. ص 10-11

(8) إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين . ط9 .ص 72-76

(9) إنجيل برنابا المزور . القس صفاء داود . ص 14 ، إنجيل برنابا ، عوض سمعان ص 148

 

الرأي الثالث : مسلم أسباني

يرى الآب دي ابلزا M.de Epalza(11)

أن البيئة الأندلسية - حيث عاش المسلمون الذين أرغموا على التنصر في بداية القرن السادس عشر - هي الوسط الذي كتب فيه إنجيل 

برنابا، ويؤكد ذلك أنه قد أشير إلى إنجيل برنابا في خطاب كُتب بواسطة شخص أندلسى استبعد من أسبانيا ( موجود بالمكتبة القومية بمدريد بأسبانيا) ، وفيه يشير الكاتب إلى إنجيل برنابا الذي يبشر بمجئ محمد .

وهذا الخطاب يرجع إلى سنة 1634 ، بينما أقدم إشارة للمخطوطة الإيطالية تعود لسنة 1715 تقريباً ، وأقدم إشارة للمخطوطة الأسبانية تعود إلى سنة 1734م وهذا الفرض ليس بجديد ، فمع بداية القرن 18 أشار بعض المؤلفين إلى ما جاء في مقدمة المخطوطة الأسبانية عن الراهب فارامارينو وعن احتمال كونه من أصل أسباني وأنه هو الذي قام بترجمة إنجيل برنابا من الأسبانية إلى الإيطالية .

وبدراسة النص الإيطالي وجد كثير من الباحثين أن هناك أوجه تشابه كثيرة في اللغة والمفردات الأسبانية ( وقد أجمع الباحثون على أسبقية النص الأسباني على النص الإيطالى)، وقد كتب الأب دي ابلزا مقالة تحت عنوان " كاتب أسباني محتمل لإنجيل برنابا "(12) وصل فيها إلى أن إنجيل برنابا كتب في غرناطة في الأندلس .

ويرى الأب دي ابلزا أنه في القرن السادس عشر تعرض المسلمون لضغوط ثقافية ودينية قوية وذلك في محاولة للقضاء على الإسلام في أسبانيا بواسطة محاكم التفتيش ، وقد قاوموا هذه الضغوط ولكنهم فىالنهاية اضطروا للتخلي عن كل شئ إلا شخصيتهم الإسلامية، ونتيجة لهذا أصبح انتماؤهم للمجتمع الإسلامي عبر البحار. وفي وسط هذه المعاناة وفي محاولة منهم للاحتفاظ بتقاليدهم قاموا بترجمة الأعمال الدينية العربية إلى الأسبانية وابدعوا في المزيفات الإسلامية - المسيحية ليعطوا لمعتقداتهم الخاصة والهامة بالنسبة لهم مكانة في المجتمع الأسباني وقد جاء إنجيل برنابا كجزء من هذه المزيفات التي تحتوي على ثقافة مزدوجة (إسلامية - مسيحية) لادخالها في المجتمع الأسباني .

إن إنجيل برنابا هو محاولة مزيفة لنقض الإيمان المسيحي ، وجعل الحقائق الإسلامية ذات قيمة ، تحت غطاء ذكر الحقائق المسيحية التي لا تتعارض مع الإسلام وكما يراها الأندلسيون .

ويرى الأب دي ابلزا أنه في غرناطة ظهر كثير من الكتب المسيحية المزيفة مثل رسائل القديس يعقوب ، وأعمال سيدنا يسوع والعذراء مريم ، وكتاب حقيقة الإنجيل برواية العذراء مريم عن القديس يعقوب وفيه تجيب عن أسئلة تلاميذ المسيح ، وبالأخص في موضوع الإنجيل الحقيقي الذي سوف ينطلق من أسبانيا ، وهذه النصوص كانت تعد لظهور الإنجيل الحقيقي، وقد انتقلت هذه المزيفات إلى شمال أفريقيا بواسطة أندلسى من غرناطة ( كان يعرف العربية والأسبانية وله علاقات مع الأندلسيين في المنفي بالمغرب ومصر وتونس واستانبول ) اسمه أحمد الهاجري.

وقد ظهر في أرغوان كثير من الأعمال الإسلامية كتبت بواسطة إبراهيم الطبيلي Ibrahim al- Taybili ويسمي بالأسبانية جون بيرية Juan Perez وهو أول من أشار إلى إنجيل برنابا، ومحمد روبيو Muhammad Rubio ، ومصطفي العرندي الذي عُرف كمترجم إنجيل برنابا للغة الأسبانية

وبعد دراسة موسعة يرى الأب دي ابلزا أن إبراهيم الطبيلي (جون بيريه ) (الأندلسى - التونسى) كان له دور هام في كتابة إنجيل برنابا .

وقد أثار بعض الكتَّاب اعتراضات على أن كاتب إنجيل برنابا يهودي أسلم ومثال لذلك ماكتبه د. محمود حماية (13) :

إن الكتاب يتضمن أموراً عديدة تنفي كونه من تأليف رجل مسلم

1- ذكر اسم محمد في أكثر من عشرة مواضع مثل (36: 6 ، 39: 14، 42: 15 ، 44: 19-30 ، 54: 9، 96: 14-18، 97: 11، 136: 18، 163: 8، 176 :7 ، 220: 20 ) ومما يجدر بالملاحظة أن رجلاً بلغ من

ذكائه إلى أن يؤلف كتاباً وينحله إلى برنابا ، هل يفوته أن يدرك أن أبسط أمر وهو أن هذا الاكثار من ذكر اسم محمد قد يريب الناس.. وكان الأجدر به أن يقتصر على التعرض له في موضع أو موضعين.. وأن طبيعة المختلقين والناحلين أنهم يتجنبون جهد الطاقة ما يريب.

2- إذا كان مؤلف هذا الإنجيل رجلاً مسلماً ؟ فإن الغرض من ذكر محمد هو تأكيد النص القرآني ( الصف 6) فكان واجباً عليه أن يذكر في تأليفه اسم أحمد وليس محمد.

3- جاء في الكتاب على لسان عيسى أن التبشير بالمسيح أو المسيا الذي تضمنه العهد القديم ليس المراد منه شخصه ، وإنما محمد . ولو كان المؤلف مسلماً ، لما كان به حاجة إلى هذا القول ، لأن ذلك ليس من عقيدة المسلمين في شئ ، بل أن هذا القول يثير شكوكاً لا محالة .

4- الكتاب يشتمل على كثير مما يضاد التصورات الإسلامية ، ولا يحتمل تأويلاً ، مثل :

أ- عودة المسيح إلى الدنيا لمدة قصيرة ليودع أمه وتلاميذه (برنابا219-220)

ب- الفصل بين الدين والسياسة ( أعطوا إذا مالقيصر لقيصر ومالله لله ) نظرية غير اسلامية

جـ- السموات تسع ، والقول المشهور بين المسلمين وماصرح به القرآن أنهن سبعاً

وكما أوضحت أن هذا كتاب مزيف جمع بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية ليجد قبولاً وليثبت عقيدة ، ونتيجة لعدم المعرفة الكاملة تظهر كثير من الثغرات في الفكر وما كتب في القرن السادس عشر يصعب مناقشته بفكر القرن العشرين .

ونقول - أيا كان كاتب إنجيل برنابا - إنه كتاب مزيف كتب في القرن السادس عشر لنقض أسس الإيمان المسيحي .


(10)Islamochristiana. 4. 1978 . Roma. pp 106-108

(11) Mikel de Epaliza, “le Milieu Hispano-Moresque de L’Evangile Islamisant de Barnabe”. Islamochristiana .8. Roma .1982. pp. 159-183

(12) M.de Epaliza, Sobre un posible outor espanol de L'evangelia de Barnabe . Al Andolus, Madred , XXV111, 1963, 479-491

(13) دراسات في الكتاب المقدس . ص 118 - 121

وانظر أيضاً 1- محاضرات في النصرانية . ص70-71

2- يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء . ص 181

الصفحة الرئيسية