الموضوع التاسع : الجبال
أخبرني العديد من الأصدقاء من
الأصدقاء غير ما مرة بأن القرآن في وصفه للجبال قد حوى حقائق علمية مدهشة لم يتوصل
إليها علماء الجيولوجيا إلا في العصور الأخيرة ، فأردت أن أتتبع الموضوع بنفسي
معتمدا على آيات قرآنية تتحدث عنه ، ومعانيها عند مفسري القرآن المشهورين ، وأقوال
بعض علماء العصر عن الجبال ، وفيما يلي ما توصلت إليه :
ـ أهم الآيات
القرآنية التي تتكلم عن الجبال :
* "وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد
بكم ، وأنهارا وسبلا
لعلكم تهتدون" النحل 15.
*"وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ،
وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم
يهتدون " الأنبياء 31.
*" وألقى في الأرض رواسي ،
أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة "
لقمان 10.
*" ألم نجعل الأرض مهادا والجبال
أوتادا ..." النبأ 6ـ7.
*" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف
خُلِقَت ، وإلى السماء كيف رُفِعَت ، وإلى
الجبال كيف نُصِبَتْ " الغاشية 17ـ19.
لعل القارئ لاحظ التشابه الواضح
بين كل هذه الآيات ، ولهذا السبب أردت تلخيصها في قولين :
1ـ الجبال
بمثابة رواسي للأرض كي لا تميد بالناس : يقول ابن كثير في تفسيره للأنبياء 31
:" أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس ؛ أي تضطرب
وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع فإنه
باد للهواء والشمس " (1).
وقال محمد علي
الصابوني في تفسيره للنحل 15:" أي نصب فيها جبالا ثوابت راسيات لئلا تضطرب
بكم وتميل " (2) . وقال أبو السعود :" إن الأرض كانت بَكَرَةً
خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال ، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب ،
فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها " (3).
2ـ الجبال هي
أوتاد نُصِبَت : يقول ابن كثير في تفسير النبأ 7 :"أي جعلها لها أوتادا
أرساها ( يقصد الأرض ) بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها "(4).
ويفسر الغاشية 19 قائلا :"أي جُعِلَتْ منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا
تميد بأهلها "(5).أما الشيخ محمد علي الصابوني فإنه يفسر النبأ7 كالتالي
:" أي وجعلنا الجبال كالأوتاد(6) ، قال في التسهيل شبهها بالأوتاد لأنها
تُمسك الأرض أن تميد "(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: ابن كثير
2: صفوة التفاسير
3: أبو
السعود
4: ابن كثير
5: ابن كثير
6: صفوة التفاسير
7: التسهيل لعلوم
التنزيل
الإعتراضات :
1ـ يقول زيد بن
عمرو بن نفيل في شعر له :
وأسلمت وجهي لمن
أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت على الماء أرسى
عليها الجبالا (1)
لقد سبق إدراج
هذا البيت في ذكر كروية الأرض ، ومن المعلوم أن هذا الشاعر قد توفي قبل ظهور محمد
حتى لا يقول قائل أنه استمد شعره من القرآن ، ولعل القارئ لاحظ التشابه الغريب بين
هذين البيتين وبين الآيات القرآنية السابقة ، فالشاعر استعمل فعل (أرسى) كما قال
القرآن بالضبط (رواسي) . وهناك أيضا تشابه بين قول الشاعر (فلما رآها استوت على
الماء) وبين تفسير ابن كثير للآية القرآنية ال31 من سورة الأنبياء.
فماذا نقول؟ هل
في شعر ابن عمرو هو الآخر إعجاز علمي؟؟
إننا نستخلص وبكل
بساطة أن المصطلحات التي استعملها القرآن والمعاني التي تضمنتها كانت شائعة عند
العرب آنذاك ، والقرآن كان موجها بالأخص إلى القريشيين ، فمن الطبيعي أن يستعمل ما
يفهمونه من معاني وإلا فإنهم لن يفهموا شيئا !
فأين هو الإعجاز
الذي يدعون ؟
ـ لقد قالوا بأن
الإعجاز هو تصريح القرآن بأن الجبال تمنع الأرض من أن تميد ، وعلميا ـ يقول
المسلمون ـ تساهم الجبال في استقرار القشرة الأرضية ، وتمنع تحركها ، وهذا ما قاله
أحد الدكاترة المسلمين أيضا(2) . لكن قولهم مردود وخاطئ علميا بإجماع خبراء
الجيولوجيا :
يخبرنا الدكتور
ويليام كامبال (نقلا عن أحد أساتذة الجيولوجيا) قائلا:" إن كان حقا أن العديد
من السلاسل الجبلية تكونت من ثنايا صخرية ـ ومن المؤكد أن هذه الثنايا يمكن أن
تشمل مساحات عديدة ـ فليس من الحق أن نقول بأن الثنايا تجعل القشرة الأرضية مستقرة
، إذ أن وجود هذه الثنايا نفسها دليل على عدم استقرار القشرة الأرضية ، بكلمات
أخرى ـ يقول الدكتور ويليام ـ الجبال لا تمنع بثاثا الأرض من أن تتزلزل ،
تَكَوُّنُ الجبال أدى ولا زال يؤدي
إلى زلازل أرضية (3). تخبرنا النظريات الجيولوجية الحديثة أن القشرة الأرضية
متكونة من صفائح مختلفة ، ينزلق البعض بالنسبة للآخر بسرعة تقارب نسبة تصاعد
الزاوية ، وفي بعض المرات تنفصل هذه الصفائح ، لذلك يعتقد أغلبية الجيولوجيين بأن
هذا ما يفسر انفصال شمال أمريكا عن أوربا وجنوبها عن إفريقيا ، وعند التقاء هذه
الصفائح واصطدام بعضها ببعض تتكون الجبال محدثة في غالب الأحيان الزلازل
والإهتزازات ، وبعض ما نراه حاليا من زلازل هو ناتج عن استمرارية تكون الجبال ،
وبالنتيجة نخلص إلى القول بأن الجبال في تكونها تحدث اهتزازا للأرض بعكس ما صرح به
القرآن من أنها تمنع تحرك الأرض أو تزلزلها .
وعند عودتنا
للآيات القرآنية نراه يستعمل كلمة " ألقى " أي بمعنى آخر
أن الجبال ألقاها
الله في الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1:
سيرة ابن هشام تحقيق محمد محيي الدين 1/249
3: Lecoran et la bible sous la lumiere de l'histoire et la
science " Dr W Campel " page 187
2: الدكتور بوكاي في كتابه القرآن والإنجيل تحت ضوء العلم
ورماها ودقها فيها كي تثبتها ، والكلمة صريحة وواضحة إلا لمن أراد التأويل
، وبالتالي نجد القرآن يخطئ مرة أخرى في تخمينه لأن الجبال هي من الأرض وتكونها
ناتج عن الأرض نفسها ولم يأت بها الله من الخارج ولا رمى بها ولا ألقاها لكي تثقل
الأرض كما يعتقد .
وفي النهاية بدلا
من أن أتوصل إلى رؤية الإعجاز في القرآن توصلت إلى رؤية عجزه وارتكابه لأخطاء جمة
إما في وصفه أو في معطياته وتفسيراته لهذه الظاهرة الطبيعية .
الصانع العجائب
العظام وحده مزمور4:136