الموضوع الحادي عشر:الإرتفاعات ونقص الأوكسجين

   عن هذه الظاهرة التي توصل إليها العلم منذ سنين عديدة ، عندما استطاع الإنسان الطيران ، يخبرنا أحد علماء المسلمين ـ في إطار تعليقه على الآية 125من سورة الأنعام والتي تقول:"فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يَصَّعَّدُ في السماء " ـ يخبرنا قائلا :"...فمنذ ارتياد الطبقات الجوية العليا بفضل الطيران والبالونات ، استطعنا أن ندرك ظاهرة طبيعية تنتج عن نقص الأوكسجين في تلك الطبقات ، إذ يشعر الصاعد في هذا العلو ببعض الصعوبة في التنفس ويحس بالضيق : والآية القرآنية تصرح بأن من يرتفع في السماء يشعر بعوارض الضيق ، ولقد لفتت هذه الظاهرة نظر هواة التسلق حتى قبل ارتياد الطبقات الجوية العليا ، فضلا عن أن الآية لم تعبر عن لفظ الصعود في (الجبال) بل عبرت عن الصعود (في السماء) ، ونضيف أن بلاد العرب ذات سطح منبسط وجبالها قليلة الإرتفاع ، لا يأخذ الساكن فيها فكرة عن تسلق الجبال العالية و ما يشعر المتسلق فيها من الضيق ، وهنا نسجل اتفاقا رائعا للآية القرآنية مع الواقع العلمي" (1).

ـ ويقول محمد علي الصابوني في تفسيره لهذه الآية :" (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) أي من شاء الله هدايته قذف في قلبه نورا فينفسح له وينشرح ، وذاك علامة الهداية للإسلام ، قال ابن عباس: معناه يوسع قلبه للتوحيد والإيمان ...(فمن يرد أن يُضِله) أي ومن يرد شقاوته وإضلاله (يجعل صدره ضيقا حرجا) أي يجعل صدره ضيقا شديد الضيق لا يتسع لشيء من الهدى ، ولا يخلص إليه شيء من الإيمان ، قال عطاء ليس للخير فيه منفد (كأنما يَصَّعَّدُ في السماء) أي كأنما يحاول الصعود إلى السماء ويزاول أمرا غير ممكن ، قال ابن جرير: وهذا مثل ضربه الله لقلب الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأنه ليس في وسعه(2) " (3).

 

 

                            الإعتراضات:

1ـ يحاول مؤيدو الإعجاز أن يفهمونا بأن القرآن يذكر صعود الإنسان في السماء وضيق صدره بسبب نقص الأوكسجين ، لكن عند قراءة الآية قراءة صحيحة والإطلاع على التفاسير يظهر لها وجه آخر.

وحتى أوضح هذا التأويل الشنيع الذي يقوم به هواة الإعجاز أقول بأن هناك اختلاف كبير بين فعل " يَصْعَدُ " وبين " يَصَّعَّدُ " (يَصْعَدُ تعني أنه يمارس الصعود ، يَصَّعَّدُ تعني يحاول الصعود) إذن فالقرآن لا يذكر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص55         

2: الطبري

   3: صفوة التفاسير

 

الصعود وإنما محاولة الصعود ، وهذا التفسير يؤيده ابن جرير و عطاء . وبالتالي يكون الشطر الأول من الإدعاء قد سقط .

فما هو إذن وجه الشبه بين الضيق ومحاولة الصعود؟

الصعود في السماء هو أمر غير ممكن بالنسبة للإنسان (دون وجود الآلة) لذلك لو طلبنا مثلا من شخص أن يصعد في السماء وأن يحاول ذلك لضاق صدره عند المحاولة لأنه يعلم علم اليقين أنه لا يمكنه ذلك وهذا هو وجه الشبه بينه وبين الشخص الذي يُطلب منه دخول الإسلام أو يُطْلَبَ منه محاولة ذلك ، لأن صدره هو الآخر يضيق أيضا لعلمه بأن هذا مستحيل عليه كصعود السماء . وهذا ما قصدته الآية في تمثيلها للإنسان الذي أضله الله (حسب الآية) ، فما علاقة هذا بالأوكسجين والإرتفاعات؟؟

2ـ نعود مرة أخرى إلى وجه الشبه ، فالضيق الذي يتكلم عنه القرآن هو ضيق نفسي [سواء عند الشخص الذي يحاول الصعود إلى السماء بدون آلة ، أو عند الضال في موقفه من الإسلام (كما تقول الآية)] .

أما الضيق الناتج عن نقص الأوكسجين فهو ضيق جسدي بسبب صعوبة التنفس ، فأي صلة للأمور الروحية بالأمور المادية؟ وأي علاقة للضيق النفسي بالضيق الجسدي؟؟ إننا وبكل احترام نقول إنها محاولة دنيئة لكل من أراد أن يجمع بين هذا وذاك ، وأن يخلط الحق بالباطل ، أو أن يوهم الصورة لبسطاء الفهم من الناس.

وبالتالي نخلص إلى القول بأن هذه الآية هي الأخرى ، ما حوت قط أي شيء من الإعجاز ولو قيد شعرة ، بل وأكثر من هذا فإنها تحمل معضلة لاهوتية تتمثل في قوله أن الله "يهدي" وفي نفس الوقت " يُضِلُّ " ، يعني من أراد له الله الخير يهديه ومن أراد له الشر يُضِلُّه ، ويقشعر جسمي عندما أنسب لله القيام بإضلال الناس ، إذ لم أقرأ قط أن اسمه "المُضِلُّ "، فهو منبع الرحمة والهداية ، وأرسل أنبياءه لهداية الناس ، فكيف ننسب له إضلال الناس؟ وكيف يمكن أن أثق بإله من الممكن أن يُضِلَّني؟ وأتذكر هنا قول الكتاب المقدس :" كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " يعقوب17:1 وأشير إلى أن الكتاب ينسب الضلال للشيطان حيث يقول الرسول بولس:" في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مُضِلَّةً وتعاليم شياطين " 1تيموثاوس1:4.

إذن فالشيطان هو منبع كل ضلال وهو المُضِلُّ أما الله جل جلاله فهو منبع كل الفضائل والنعم ، وحاشا أن يكون هو المُضِلُّ بل هو الهادي ، وإلا فلماذا سيعاقب أناسا أضلهم هو بنفسه؟؟

 

" طوبى للحافظين الحق " .   مزمور 3:105

عودة