الموضوع الثاني عشر: الدورة المائية

  يدعي العديد من المفسرين المسلمين أن القرآن سبق وتنبأ عن الدورة المائية بكل مراحلها ، وهذه الأخيرة لم يتم اكتشافها والتوصل إلى أسرارها إلا في السنوات الحديثة. لذا سنبحث حقيقة هذا الإدعاء تحت ضوء الآيات القرآنية والعلم الحديث :

ـ كلنا نعرف أن الدورة المائية تتكون من أربع مراحل أساسية :

1ـ تتبخر كل المياه الأرضية وتصعد إلى الأجواء العليا.

2ـ تتكون السحب (على إثر هذا التبخر).

3ـ تسقط على شكل أمطار وثلوج.

4ـ ثم تروي الأرض وما عليها .

   فلنر إذن إن كان القرآن قد ذكر هذه المراحل كلها أم لا :

ـ بالنسبة للمراحل 2،3و4 نجد الآيات التالية:

*" ونزلنا من السماء ماء مباركا(المرحلة3). فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا(المرحلة الرابعة). كذلك الخروج " ق 9ـ11 .

*" وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا(المرحلة2)سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء(المرحلة3)فأخرجنا به من كل الثمرات(المرحلة4)كذلك يخرج الموتى لعلكم تذكرون" الأعراف57.

بالإضافة إلى هاته الآيات توجد آيات أخرى ، لكن للإختصار سنوردها بالأرقام لمن أراد البحث(فاطر9،الروم48،الفرقان48و49،الجاثية5، المؤمنون18و19،الحجر22)وعند النظر في كل هذه الآيات يتبين أن القرآن يشير بكل وضوح إلى المراحل(‌‌‌‌‌‌2،3،4)لكنه لايتطرق إلى المرحلة الأولى وهي الأصعب لأن بقية المراحل تظهر فقط بالملاحظة لكل شخص عادي، وهذا ليس بالإعجاز. لكي يحصل على الإعجاز قام أحد المسلمين بالإستدلال من سورة النبأ وسنورد الآيات التي اقتبسها ضمن سياقها ، تقول هاته الآيات :" ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا " النبأ 6ـ‌‍‍‍‍11.

أشار الدكتور بوكاي إلى الآيات ‍13و14 والتي وضعنا تحتها خطا، وقال بأنها تحوي ذكرالمرحلة الأولى أي تبخر الماء.

ماذا تقول الآيات 13و14؟ تقول : "وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا " قال هذا الدكتور بأن ذكر الشمس ـ سراجا ـ قبل الماء يدل على أنه أشار إلى تبخر الماء بواسطة الشمس!!

 

                         الإعتراضات:

   هذا القول مجرد تأويل واستنتاج لم يصرح به القرآن قط ، بل هو تلفيق وإضافة للآيات القرآنية ، إذ لست أقبل أن مجرد تتابع ذكر الشمس والماء هو دليل على تنبأ القرآن عن تبخر المياه بواسطة الشمس ، ولست أقبل ذلك لأسباب كثيرة منها أن ترتيب الآيات القرآنية الذي عندنا اليوم ليس هو الترتيب الأصلي لها إذ لم ترتب السور والآيات على هذا الشكل الذي عندنا اليوم إلا في عهد عثمان ، ثانيا أن ذلك ليس من مبادئ تفسير القرآن ، مثلا تقول سورة الشمس:"...والأرض وما طحاها ونفس وما سواها "الشمس6ـ7، فهل تتابع ذكر الأرض والنفس في هذه الآية دليل على أن مصدر النفس هو الأرض؟؟

  ولكي نعطي السبب المعقول لهذا التتابع نقول إن الآيات كانت بصدد ذكر نعم الله على العباد ، فأشارت إلى " الأرض والجبال، والأزواج والنوم، الليل والنهار، السماء والشمس، الماء والنبات " ونلاحظ هنا ذكر عشر نعم من نعم الله ، فإذا اقتضى الحال أن تكون هناك ثنائيات فستكون عى الشكل الآتي:(الأرض والجبال)+(الأزواج والنوم)+(الليل والنهار)+(السماء والشمس)+(الماء والنبات).

وبهذا التقسيم المعقول ، تظهر العلاقة واضحة بين الشمس والسماء وبين الماء والنبات وليس كما يدعون بأنها بين الشمس والماء.

إذن فالقرآن قد أثبت عجزه تماما أمام المرحلة الأولى من مراحل الدورة المائية وتطرق فقط للمراحل التي تبدو بمجرد الملاحظة والتي عرفها جميع الناس.

                    

                      في الكتاب المقدس:

  ولكن هل تطرق الكتاب المقدس  إلى المرحلة الأولى أم أنه هو الآخر اكتفى بذكر ما هو معروف ومعلوم عند العامة من الناس؟

ـ نقرأ في كتاب النبي عاموس (حوالي 700 سنة ق.م) :" الذي صنع الثريا والجبار ويحول ظل الموت صبحا ويظلم النهار كالليل ، الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض(هنا ذكرت المرحلة‍‍1) يهوه اسمه " عاموس 8:5.

هنا نلاحظ المرحلة الأولى من الدورة المائية واضحة وجلية ، فالله يدعو المياه من البحار (بالتبخر) ثم يصبها على وجه الأرض ، ولا يمكن صب الماء على الأرض إلا من السماء ! وأيضا توجد إشارة واضحة إلى هذه المرحلة  في كتاب النبي إشعياء(حوالي 700قم) "..لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء( هنا المرحلة 3) ولا يرجعان إلى هناك (بدون فائدة) (هنا تُذكر المرحلة الأولى) بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبث وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل(المرحلة4) هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إلي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح بما أرسلتها به " إشعياء 9:55ـ11.

ونفس المرحلة يشار إليها في كتاب النبي أيوب (حوالي 400قم) "هوذا الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يُفحص ، لأنه يجذب قطار الماء (المرحلة1)، تسح مطرا من ضبابها الذي تهطله السحب (المرحلة2) وتقطره على أناس كثيرين(المرحلة3)" أيوب26:36ـ28.

من أين يجذب الله قطار الماء؟ إنه يجذبها من الأرض بتبخرها!!

أما في إرميا16:51، فنجده تعالى يقول :" يُصعِد السحاب من أقاصي الأرض ".

وفي سفر الجامعة يقول رب العزة :" كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن ، إلى المكان الذي جرت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة " الجامعة 7:1. هنا نرى تلخيصا رائعا للدورة المائية.

وفي سفر التكوين نجد أروع الآيات التي تصف الدورة المائية حيث تقول :

" ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض " تكوين 6:2 .

إذن فالكتاب يذكر بوضوح جلي أن المياه تدور وتعود من حيث أتت وتطرق للمرحلة الأولى من الدورة المائية بكل جلاء ، الشيء الذي أتبتنا للقرآن عجزا واضحا في التطرق أو الإشارة إليه .

ومن هنا نرى عظمة الله الذي أرسل وحيه لكل من عاموس وإشعياء وأيوب و سليمان (كاتب سفر الجامعة) وكلهم أناس عاشوا قبل الميلاد بمئات السنين ولم يدرسوا العلم قط .

فما أعظم الله وما أعظم عجائبه وما أوضح إعجازه الحق!!

 

"أنت الإله الصانع العجائب" .  مزمور14:77

عودة