الموضوع
الثامن عشر: الزوجية في كل شيء
لفت انتباهي ما قاله الأستاذ عبد
الفتاح طبارة معلقا على الآية 49 من سورة الذاريات والتي تقول "ومن كل شيء
خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " حيث قال :" لا نقول إن الكهرباء التي اكتشفت
بعد مجيء القرآن بقرون كثيرة تحتوي على سالب وموجب وباتحادهما يتولد التيار
الكهربائي ولكن ننتقل إلى الذرة أصغر جزء في عنصر ما ، فقد اكتشف العلماء بأنها
تحوي قلبا صغيرا يسمى "النواة الذرية " يحيط بها عدد من الجسيمات
الخفيفة جدا تسمى " الإلكترونات " وهذه تحمل شحنة كهربائية سالبة أم
النوى فتحمل فتحمل شحنة كهربائية موجبة ولكن هناك أبعد من هذا فقد استنتج رجال
الطبيعة من تجارب أجروها في معاملهم : أن النواة الذرية نفسها مؤلفة من أجزاء أصغر
فوجدوا وحدتين أساسيتين من وحدات البناء في نواة الذرة إحداهما نواة ذرة
الهيدروجين وقد أطلق عليها رجال الطبيعة اسما خاصا هو البروتون ، يقابله وحدة
البناء التي اكتشفها في عام 1932 العالم الطبيعي الأنجليزي السير جيمس تشادويك
وتسمى النوترون . " (1)
في الحقيقة ليس
هناك شيء يعارض الحقائق العلمية فيما ذكره هذا المؤلف إلا أنني أتساءل : هل يوجد
فعلا من كل شيء خلقه الله زوجين ؟؟
وما نوع هذه الزوجية التي يتحدث عنها القرآن ؟ نعود إلى القرآن نفسه نجده يصرح
بوجود الزوجية في كل شيء ، ويؤيدنا الأستاذ السابق ذكره في هذا الإستنتاج قائلا
:"..ولكن القرآن لا يقتصر على هذا بل يطلق اسم الزوجية على كل شيء " (2)
وقبل الإجابة على
السؤالين المطروحين لنر تفسير علمائهم لهذه الآية من سورة الذاريات :
ـ يقول الأستاذ
محمد علي الصابوني :" أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ، ذكرا وأنثى
، حلوا وحامضا ونحو ذلك " (3)
ـ وقال مجاهد :
يعني به المتقابلات " كالذكر والأنثى والسماء والأرض والشمس والقمر والليل
والنهار والنور والظلام والخير والشر وأمثال ذلك " (4) .
ـ ويقول ابن كثير
:" أي جميع المخلوقات أزواج : سماء وأرض وليل ونهار وشمس وقمر وبر وبحر وضياء
وظلام وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار ، حتى الحيونات والنباتات
" (5)
الإعتراضات
ـ إننا لا نسلم
بأن الزوجية توجد في كل شيء ، وحتى نثبت ذلك سنتطرق لأنواع الزوجية ونبين سبب
اعتراضاتنا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: روح الدين
الإسلامي ص 56
4:صفوة التفاسير
2: نفس
المصدر
5: ابن كثير في تفسير الذاريات
3: صفوة التفاسير
في تفسير الذاريات
أ ـ الزوجية في
الجنس : لا تشمل كل شيء فليست جميع المخلوقات ذكر وأنثى وخير مثال على ذلك
الملائكة ، فلا يوجد ملاك أنثى والمسلمون يتفقون معي في هذه النقطة ، ولا يوجد
شيطان أنثى ولا توجد أرض أنثى وأرض ذكر ، وبعض الكائنات تكون خنثوية ليست ذكرا ولا
أنثى والأمثلة عديدة على ذلك ، مع العلم بأن كل ماذكرته هو مما خلقه الله .
ب ـ الزوجية في
النوع : لا تشمل هي الأخرى كل شيء وأعطي مثالا على ذلك في الكمياء ، فمثلا يوجد
محلول حامضي وضده قاعدي لكن يوجد أيضا محلول محايد ليس بالحامضي ولا بالقاعدي
ويوجد الماء الساخن والبارد وأيضا الدافئ وهناك الإنسان المقتر ثم المسرف وأيضا
المتوسط بين ذلك ، والمادة مثلا توجد في ثلاث حالات وليس حالتين : غازية سائلة
وصلبة ، وهناك عدد زوجي وعدد فردي وعدد زوجي وفردي في نفس الوقت وهو الصفر ونجد
أيضا العدد السالب والموجب ثم العدد السالب الموجب وهو الصفر أيضا والكهرباء التي
استدل بها ع الفتاح طبارة ليست مجرد قطبين كما قال بل هي ثلاثة ، سالب وموجب
ومحايد .
أعتقد أن هذا كاف
ليبين عدم وجود الزوجية النوعية في العديد من الأشياء .
ج ـ الزوجية من
ناحية العدد : لا توجد زوجية عددية في كل شيء ، فالأرض باعتبارها كوكبا ليست
اثنتين إذ يوجد العديدمن الكواكب الأخرى ، والإنسان ليس اثنين بل يوجد الملايين من
الناس ، وكذلك الحيوان والنبات ...إلخ .
وهذه الثلاثة هي
أنواع الزوجية الموجودة ولا يوجد رابع لها ، إذن فالزوجية بجميع أنواعها لا تشمل
كل شيء بل تقتصر على عدد محدود جدا من مخلوقات الله ، وبالتالي يمكننا القول بأن
الآية القرآنية إن كان معناها كما رآه مفسرو القرآن ، فهو إذن خطأ علمي فادح فكيف
يمكنه أن يصل إلى درجة الإعجاز؟؟
أم أن الأخطاء هي
الأخرى صارت إعجازا لدى المدعين ؟؟