الأصل الواحد للكون
يقول علماء العصر أن الكون
من أصل واحد ( أصل غازي ) انقسم إلى سدائم بعد تطورات عديدة وعالمنا الشمسي هو من
بين النتائج التي أسفرتها هاته الإنقسامات ، واستدلوا بوجود العديد من العناصر
الكيماوية المشتركة بين النجوم والكواكب تأكيدا لنظريتهم ، لكن علماء المسلمين(1)
أخرجوا آية قرآنية في سورة الأنبياء ليفاجئونا بكون القرآن سبق علماء العصر إلى
هذه النظرية ، ليثبتوا في الأخير بأنه وحي إلهي !!
لكن كما تتفحص المحكمة أدلة القضية ،
سنتفحص نحن أيضا هاته الآية القرآنية على ضوء تفاسير وأقوال الأئمة وآيات قرآنية
أخرى لكي نخلص إلى نتيجة حتمية إما الإقرار بصحة ادعائهم أو نفيه تماما.
* تقول الآية 30
من سورة الأنبياء " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا
ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون".
ـ قال ابن
كثير:"كان الجميع(أي السموات والأرض) متصلا بعضه ببعض(2) "
ـ قال الحسن
وقتادة :"كانت السموات والأرض ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء."(3)
ـ قال مجاهد
:"لم تكن السماء والأرض متماستين" (4)
ـ قال ابن عباس
:" فتق هذه (أي السماء) بالمطر وفتق هذه(أي الأرض)بالنبات".(5)
ـ قال إسماعيل بن
أبي خالد:" سألت أبا صالح الحنفي عن قوله ( أن السموات والأرض كانتا رتقا
ففتقناهما) قال : كانت السماء واحدة ففتق منها سبع سموات ، وكانت الأرض واحدة ففتق
منها سبع أرضين".(6)
الإعتراضات
ـ الملاحظ أن
هناك أولا اختلاف بين المفسرين حول هذه الآية وآراؤهم تتلخص فيما يلي:
1ـ السموات والأرض كانتا متلاحمتين
(رتقا) ثم بعد ذلك فصل الله بينهما.
2ـ السموات والأرض لم تكونا ملتزقتين، بل
المقصود هو أن السماء كانت ملتحمة ففتقها الله بإنزال المطر وكذا الأرض كانت
ملتحمة ففتقها الله بإخراج النبات.
1:من
بينهم الأستاذ عفيف ع الفتاح طبارة في كتابه "روح الدين الإسلامي" ص49
2:ابن كثير في
تفسير ه لسورة الأنبياء.
3:نفس المرجع
4:نفس المرجع
5:نفس المرجع
6:نفس المرجع
3ـ السماء كانت
سماء ملتحمة واحدة ففتقها الله إلى سبع سموات وكذلك الأرض.
بالنسبة للرأيين
الأخيرين لو كانا صحيحين لكانت إذن الآية المذكورة لا تحوي أي إعجاز تؤيده نظرية
"وحدة الكون " وتجدر الإشارة إلى كون ابن عباس هو حبر الأمة الإسلامية
فإذا اعتمدنا تفسيره تكون الآية خالية الوفاض لا تحمل بين طياتها شيئا من الإعجاز
الذي يدعيه الآخرون . لكن رغبة منا في استكمال البحث نفترض أن الرأي الأول هو الصحيح
أي أن (السموات والأرض كانتا شيئا واحدا وبعد ذلك فصل الله بينهما بالهواء) لكن هذا الرأي يناقض العديد من الآيات
القرآنية نذكر من بينها ما ورد في سورة فصلت من 9إلى11 حيث تقول " قل أئنكم
لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها
رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم
استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
".
ولتأييد أقوالنا
لنر ما قاله المفسرون المسلمون عن هذه الآية :
1ـ يقول ابن كثير
:" ذَكَرَ أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس ، والأصل أن يبدأ بالأساس ثم
بعده في السقف كما قال ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء
فسواهن سبع سموات)".(1)
2ـ وقال أيضا
:"..فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص".(2)
3ـ وزاد بعد ذلك
قائلا :"..فَخَلَقَ الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السموات في
يومين ".(3)
4ـ أما ابن عباس
فإنه يقول :".. وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء".(4)
الخلاصة : من هاته الأقوال نستنتج أن خلق
الأرض كان قبل خلق السماء بحسب الآيات القرآنية وهذا ثابت بالنص الصريح كما يقول
ابن كثير ، ويتضح أن خلق الأرض كان في أربعة ايام وخلق السماء كان في يومين،
وبالتالي يظهر أن القرآن يصرح بأن السماء والأرض لم يكونا شيئا واحدا بل كل واحد
منهما خلق منفصلا عن الآخر . إذاً فالرأي الذي يعتقد بأن القرآن سبق وأشار إلى هذه
الحقيقة العلمية ( أي الأصل الواحد للكون) هو رأي خاطىء واستنباط غير صائب البتة
كما اتضح.
في الكتاب المقدس :
أما في أسفار موسى الخمسة
فإنه يوجد سفر رائع وهو سفر التكوين ، فيه ذُكِرت أطوار الخلق بكيفية مفصلة وواضحة
كل الوضوح لا تحتاج إلى تأويلات ولا تتعارض أو تتناقض فيما بينها . لكن لنر إن كان
قد سبق وتطرق لهذه الحقيقة العلمية الحديثة الإكتشاف :
1:ابن كثير في
تفسيره لسورة فصلت .
2:نفس المرجع
3:نفس المرجع
4:نفس المرجع
جاء في الآيات الأولى
من سفر التكوين :" في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية
وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله ليكن نور فكان نور
ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة ودعا الله النور نهارا
والظلمة دعاها ليلا وكان مساء وكان صباح يوما واحدا .وقال الله ليكن جلد في وسط
المياه وليكن فاصلا بين مياه ومياه ، فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت
الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك ودعى الله الجلد سماء وكان مساء وكان صباح
يوما ثانيا ". تك1:1ـ8.
يظهر جليا في الآية الأولى أن السماء
والأرض كانا شيئا واحدا إذ تقول الآية ( السموات والأرض ) وتؤكد أنهما خلقا متصلين
ولم تذكر أن أحدهما خلق قبل الآخر ولم تصرح بأن أحدهما خلق منفصلا عن الآخرإذ لم
يتم عزل السماء عن الأرض إلا في اليوم الثاني حيث تقول الآية السادسة :" ليكن
جلد يفصل بين مياه ومياه " هنا تم الفصل بين السماء والأرض بين المياه
الأرضية والمياه السماوية ، وبعد ذلك دعى الله السماء سماء بعدما انفصلت عن الأرض
إذ يقول في الآية الثامنة :" ودعى الله الجلد سماء " .
إذا فالله خلق
أولا شيئا واحدا سماه ( السموات والأرض ) ثم بعد ذلك فصل بينهما فخلق من المادة
المنفصلة عن الأرض جلدا دعاه سماء ليفصل بين مياه ومياه .
كانت هذه مجرد لمحة بسيطة ألقيناها على
بعض آيات الكتاب المقدس لم ندخل في أعمق تفاصيلها حتى لانحيد عن مقصودنا وموضوعنا
الأساسي لكن حتى في هذه النظرة البسيطة اتضح لنا إعجازا عظيما مطروحا بكل بساطة
وبترتيب عجيب للأحداث لم نعثر على نظيره في الآيات القرآنية والتي خيبت أقوال
الذين ادعوا إعجازها كما اتضح لنا فيما سبق .
في البدء خلق
الله السموات و الأرض . تك1:1