الموضوع الحادي والعشرون : النـــــحل

  

     تقول الآية القرآنية ال69 من سورة النحل " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك دللا ، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " .

في هذه الآية يرى أحد الكتاب " الدكتور بنيوسف إدريس " أن هناك إعجازا عظيما في كل شطر بل في كل كلمة من كلماتها ، فلنبحث جميعا عن هذا افعجاز وموقعه من الآية على ضوء أقوال هذا الدكتور وأقوال المفسرين والآيات القرآنية والأحاديث :

1ـ أقوال مؤيد الإعجاز :

أ ـ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون :" يتخذ النحل كبيت له كل تجويف طبيعي أو ما يعرش له الإنسان من بيوت مجهزة Ruches وهي التي أشار القرآن إليها في الآية ( ومما يعرشون ) " (1)

ب ـ " ثم كلي من كل الثمرات " إن هذا الشطر من الآية الكريمة ـ يقول د.بنيوسف ـ يكون وحده آية من آيات الله وإعجازا لقوم يتفكرون ... ولربما تساءل الأعرابي لما قُرأت عليه هذه الآية :" كيف تأكل النحلة من الثمرات ؟ أو ماذا تأكل منها ؟ ...إن الأعرابي لربما يعرف كيف تأكل الدودة أوراق الشجر ، لكن هذا الأثر لا تخلفه النحلة في النباتات " (2) " وها نحن اليوم وصلنا بفضل تقدمنا العلمي ووسائلنا العلمية أن نثبت أن النحلة تأكل فعلا من الثمرات ... تماما كما جاء في القرآن قبل زمننا بعدة قرون ، تأكل حبوب اللقاح Polleur ورحيق الأزهارNectar " (3)

ج ـ فاسلكي سبل ربك دللا  " كيف تتمكن النحلة من العودة بسهولة إلى البيت بعد أن قطعت عدة كيلومترات في الخلاء وبين الأشجار والنباتات المتشابهة وبعد التوقفات العديدة المتعددة عند كل زهرة  والتنقل بين النباتات يمينا وشمالا وخلفا وأماما ؟ كيف بعد قطع عشرات الكيلومترات في اتجاهات مختلفة لا يشغلها سوى البحث عن مصدر الغذاء تتمكن النحلة من معرفة طريقها والعودة إلى الخلية في وقت وجيز ...إنها تسلك سبل ربها دُلُلا " (4)

د ـ يخرج من بطونها " يقول القرآن " يخرج من بطونها شراب ، ولم يقل يخرج من بطنها ...أو يخرج من بطن النحل ...أو يخرج من بطن النحلة شراب ...إنه قال :" بطونها " (5) ..." يُقَدَّمُ إلى نحلة عاملة معينة غذاء سكري يحتوي على مادة إشعاعية Element Radio-Actif بعد ذلك لاحظ الباحثون وجود تلك المادة الإشعاعية في بطن عدد من العاملات في الخلية ، هذا يبرهن أن الرحيق لا يعامل في بطن نحلة واحدة ، بل إن إنضاجه يتطلب المرور من عدة بطون! فالله الله عباد الله لقد جاء في القرآن قبل عصرنا ب14قرنا :"يخرج من بطونها شراب " وجاء هذا على فم النبي الأمي محمد ...فمن أخبه أن الشراب لا يخرج إلا من بطون متعددة ؟! أيمكن أن يكون قد قام ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1،2،3،4،5: مقتبسات من كتاب ( الشفاء الصحة القوة من بطون النحل) لمؤلفه الدكتور بنيوسف إدريس

بالتجربة العلمية وقدم لنحلة رحيقا فيه مادة إشعاعية ثم صنع آلة ( التقاط الأشعة ) واكتشف تنقل المادة الإشعاعية تدريجيا من بطن الأولى إلى الأخريات ؟!(1)

هـ ـ شراب مختلف ألوانه :"إن الشراب المختلف ألوانه يمكن أن يكون العسل والعسل يختلف لونه نتيجة مكونات من أصل نباتي ذائبة في الرحيق ويتوقف وجود هذه المكونات على نوع النباتات . ويمكن أن يكون الشراب المختلف ألوانه إشارة إلى المواد المختلفة التي يصنعها النحل وتخرج منه  وهي مختلفة في لونها وشكلها وتركيبها . وهذه المواد هي : العسل ، الغذاء الملكي ، البروبوليس وأخيرا سم النحل وكل منها شراب ولكل منها لون خاص به مختلف عن الآخر " (2)

وـ فيه شفاء للناس " فيما يخرج من بطونها شفاء للناس وفي البروبوليس شفاء للناس وحتى في سم النحل شفاء للناس فتعالى الله أحكم الحاكمين " (3)

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال :قال محمد (ص) : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور ، فعليكم بالشفائين القرآن والعسل " رواه ابن ماجة .

2: أقوال المفسرين :

    ـ المراد من الوحي : الإلهام والهداية أي ألهمها مصالحها وأرشدها إلى بناء بيوتها المسدسة العجيبة تأوي إليها في ثلاثة أمكنة : الجبال والشجر والأكوار التي يبنيها الناس (ثم كلي من كل الثمرات ) أي كلي من كل الأزهار والثمار التي تشتهينها من الحلو والمر والحامض ، فإن الله بقدرته يحيلها إلى عسل (فاسلكي سبل ربك دللا ) أي ادخلي الطرق في طلب المرعى حالا كونها مسخرة لك لا تضلين في الذهاب أو الإياب ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) أي يخرج من بطون النحل عسل متنوع منه أحمر وأبيض وأصفر ، فيه شفاء للناس من كثير من الأمراض قال الرازي :" فإن قالوا : كيف يكون شفاء للناس وهو يضر بالصفراء ؟ فالجواب أنه لم يقل : إنه شفاء لكل الناس ، ولكل داء ، وفي كل حال بل لما كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء صلح بأن يوصف بأن فيه شفاء " (4)

   ـ وجاء بحاشية الصاوي على الجلالين " (قوله من الجبال بيوتا ) أي أماكن و"من" بمعنى "في" أي: اتخذي في الجبال أماكن تأوين إليها (قوله ومما يعرشون) أي وفيما يبنون لك فالنحل تارة تبني بيوتها التي هي من الشمع والماء تارة في الجبال وتارة في الأشجار وذلك في النحل الوحشي وتارة تبنيه في الخلايا وهذا في النحل الأهلي " (قوله من كل الثمرات ) أي حلوها ومرها طيبها ورديئها " (قوله شراب مختلف ألوانه ) أي مابين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من ألوان العسل واختلف في سبب اختلاف ألوانه فقيل بسبب اختلاف المرعى وقيل بسبب اختلاف سن النحل فالأبيض لصغيرها والأصفر لكبراها والأحمر لمسنها ، ورَدُّ هذا بأنه لا دليل عليه " (5)  وأيضا قال " (فيه شفاء للناس) قيل لبعضها أو لكلها"(6) " وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي فقال إن أخي استطلق بطنه فقال النبي اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال له ثلاث مرات ثم جاءه الرابعة فقال : اسقه عسلا فقال سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال النبي صدق الله وكذب بطن اخيك فسقاه فبرأ " (7)

 

                                       الإعتراضات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1،2،3: الشفاء الصحة القوة من بطون النحل         5،6،7: حاشية الصاوي على الجلالين في تفسير سورة النحل          

4: صفوة التفاسير في تفسيره لسورة النحل

 

أ ـ " وأوحى ربك إلى النحل " نحن لا نعترض على هذا الشطر من الآية لأن كل من يؤمن بالله إلا ويسلم بأن الله له سلطة كاملة على خلقه ويوحي حتى للحيوانات بأن يلهمها مواقع أرزاقها ومكان سكناها ، لأنه ظاهر من تصرفات الحيونات أن الغريزة التي أُعطيت منه عز وجل لها تهديها دائما إلى حيث أراد هو .

فهذا إذن شيء مسلم به لدى كل المؤمنين بالله ، ومن المعروف أيضا منذ القديم أن النحل يتخذ إما الجبال أو الأشجار أو أماكن اصطناعية مما عبر عنه القرآن بقوله "ومما يعرشون " كمكان لسكناه ، فهل هذا إعجاز أم أشياء عادية تبدو بمجرد الملاحظة ؟؟

ب ـ " ثم كلي من كل الثمرات " يرى الدكتور بنيوسف أن في هذا الشطر قمة الإعجاز لأن الأعرابي لم يكن يعلم كيف تأكل النحلة !! إننا نتفق معه في استنتاجه بأن الأعرابي لم يكن يعلم الكيفية التي يأكل بها النحل لكن هذا لا ينفي كونه يعلم أن النحلة تأكل ، فكل منا أتيحت له فرصة بأن يرى نحلة تنتقل من زهرة إلى أخرى ، فماذا يدور بذهن الإنسان عندما يرى ذلك ؟ إنه بلا شك يستنتج أن النحلة تنتقل لتأكل من كل زهرة وهذا ما يمكن للأعرابي هو الآخر أن يستنتجه ، خصوصا وأنهم عرفوا أسرارا كثيرة في تربية النحل . وكثيرون هم اليوم الذين لا يعرفون كيف يأكل النحل ـ خصوصا القرويون ـ لكنهم يعلمون أن النحل يأكل من الأزهار والأعشاب فهل ذكر القرآن لما هو عادي يعد إعجازا ؟؟

ج ـ "فاسلكي سبل ربك ذللا " هذا أيضا مما يمكن رؤيته دوما بأن النحلة تدور وتنتقل دون تيهان أو ضلال عن الطريق بل ترجع إلى خليتها دون أدنى صعوبة وما هذه البديهية بالإعجاز !!

د ـ " يخرج من بطونها " في نظر الدكتور بنيوسف أن هذا الشطر من الآية يحوي هو الآخر أروع إعجاز فهو يرى بأن قول القرآن " بطونها " يعني أن النحلة تأخذ الرحيق وتحوله إلى سائل آخر ثم تأخذه نحلة أخرى وهكذا دواليك إلى أن يصير عسلا ، أي أنه يمر من بطون متعددة قاطعا مراحل شتى ليخلص إلى نتيجته النهائية وهي العسل ، فهل فعلا هذا ما عناه القرآن ؟؟

إن الأمر الوارد في أول السورة جاء بصيغة المؤنث " اتخذي " ، والنحل أيضا هو جمع لنحلات وكل نحلة لها بطن ( بطن+بطن+بطن....+بطن = بطون ) ، وهذه البطون تنتج عسلا أي أن كل بطن تنتج عسلا لذلك قال بطونها ( أي بطون النحل ) ويعتبر خطأ إن قال بطن النحل لأن النحل هو مجموع والمجموع ليس له بطن واحد !! ولنا مثال جميل يؤيد استنتاجنا تأييدا تاما وواضحا :

ورد بنفس السورة سورة النحل الآية 66 قوله " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم  لبنا خالصا سائغا للشاربين "  فهل كلمة " بطون " الواردة هنا تعني هي الأخرى أن اللبن يمر في عدة بطون أي من بطن بقرة لأخرى حتى يصير على هيئته النهائية ؟؟ فإن كان الجواب "لا " وهو لا محالة كذلك ، فإننا نقول إن كلمة " بطونها " تعني نفس الشيء الذي قصده بقوله "بطونه" وبالتالي تكون

الآية خاوية على عروشها من أي إعجاز يُذكر لكون كل الناس يعلمون أن النحل يُخرج عسلا من بطنه .

هـ ـ (شراب مختلف ألوانه) يحاول صديقنا أن يؤول معنى هذا الشطر أيضا فيقول ربما المقصود ليس هو العسل فحسب بل يمكن أن يكون هو البروبوليس أو الغذاء الملكي أو سم النحل ونحن نتساءل هل سم النحل يخرج من البطون؟ لأن الآية تقول (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) ونحن لا ننكر أن يكون المعنى قد حوى البروبوليس والغذاء الملكي لأنها أشياء تخرج مباشرة من البطون ، لكن بإجماع المفسرين كما رأينا فإن المقصود هو العسل ، ثانيا أن الشراب هو (ما يشربه الإنسان ، في حين أن البربوليس كان يستعمل للتحنيط وضد التسوس وأيضا كدواء للجروح والإلتهابات ، فهل هو إذن شراب؟؟

ثالثا أن القرآن قال ذلك معمما ولم يذكر ولو بإشارة لا بربوليس ولا سم النحل ولا غيره ونحن نعلم أن الإعجاز ينبغي أن يتوفر فيه عنصر الوضوح حتى نستطيع تسميته إعجازا ، وبالتالي فالمقصود بكل وضوح هو العسل بحيث نجد أن الحديث لم يذكر أي شراب آخر غير العسل ، وذكر القرآن للعسل واختلاف ألوانه ماهو بالإعجاز لأن ذلك بين وواضح لكل إنسان .

وـ (فيه شفاء للناس ) لقد علمنا أن في العسل شفاء لبعض الأمراض ( كالسعال والتشنج وديدان الأمعاء...إلخ ) لكن هل هو شفاء لكل الأمراض كما قال الحديث؟؟

هل يشفي البرص ، العمى ، السرطان ، السيدا ...إلخ ؟؟ يذكرنا الرازي بأن العسل يضر بالصفراء فهل هو شفاء لكل داء؟؟ أم سيقولون كما قال صاحبهم :" كذبت بطن أخيك " ؟؟ هل سنكذب الأمراض ونصدق محمدا ؟ لا أظن هذا بالمنطق السليم .

وفي ختام هذا الموضوع نرى بأن القرآن لم يذكر أي جديد ولم يتطرق لأي موضوع علمي يمت للنحل بصلة بل تكلم كأي كتاب وكأي أعرابي بكلام جد عادي ، رغم أن الكثيرين يحاولون دفع القرآن ليلحق بالعلم ويحاولون أن يخلقو من كل كلمة عادية شيئا معجزيا ، لكن آيات القرآن ستظل مخلصة لبساطتها ومحافظة على سذاجتها العلمية لذلك فإنها تفضح كل من حاول تغيير صبغتها .

عودة