الموضوع الرابع والعشرون: العلــــــــــقة   

 

 

  جاء بسورة القيامة (37ـ39) " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " وأيضا ورد بسورة العلق الآيات 1و2 " إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق ".

وفي سورة المؤمنون 12ـ14 " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ، ثم أنشاناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين " ومثل ذلك ماجاء في سورة غافر 67 " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يُخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا "

وكذلك تقول سورة الحج الآية 5 " فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم " .

فهذه الآيات كلها المذكورة على سبيل المثال لا الحصر ، تتطرق جميعها إلى مرحلة يكون فيها الجنين على شكل معين محدود أشارت إليه الآيات القرآنية بكلمة " العلقة " أو " العلق " وفي هذه الكلمة ما فيها من الإلتباس ، لكن العديد من علماء الإسلام يرن أن هذاه الكلمة إعجاز في حد ذاته ، ومما قالوه نذكر تصريحا لأحدهم حيث قال : " أثبت الطب أن مني الإنسان هو سائل يحوي حيوانات صغيرة لا ترى بالعين المجردة ، وترى بالمكروسكوب ، وكل حيوان منها له رأس ورقبة وذيل يشبه دودة العلق في شكلها ورسمها فيقول (خلق الإنسان من علق ) أي أنه خلقه من هذه الحيوانات التي تُشبه العلق شكلا وليقربها إلى عقول البشر بهذا التشبيه ، وهذه الآية معجزة بليغة من معجزات القرآن لم تظهر وقت نزولها ولا بعده بمئات السنين إلى أن اكتشف المكروسكوب وعرف كيف يتكون الإنسان من هذه الحيوانات " (1)

وفي موضع آخر يقول عن العلقة ( هي مجموعة الخلايا التي تنقسم إليها البويضة بعد تلقيحها وقد نتأت على سطحها نتوءات تصلها بحائط الرحم وقد سميت علقة لأنها تعلق بالرحم " (2).

ـ (بالرغم من تناقض أقواله عن العلقة وبالرغم من اختلاف المسلمين حول نوعية هذا الإعجاز إذ كل واحد يراه في صورة ما أراد ، لن نرد قبل أن نتفحص أقوال مفسري القرآن حتى نتعرف على المعنى الأدق لهذه الكلمة " علقة " وماذا قصد بها القرآن في الأصل) .

ـ يقول الأستاذ محمد علي الصابوني :" علق: جمع علقة وهي الدم الجامد ، سميت علقة لأنها تعلق بالرحم" (3) " علقة هي الدم الغليظ " (4) .

ـ قال القرطبي :" العلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه " (5)

ـ يقول ابن كثير " إذا استقرت النطفة في رحم المرأة مكثت أربعين يوما ، كذلك يضاف إليه ما يجتمع إليها ثم تنقلب علقة حمراء " (6) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص63                               5: القرطبي 19/119

2: روح الدين الإسلامي ص 61                              6:ابن كثير في تفسيره لسورة المؤمنون

3:صفوة التفاسير في تفسيره لسورة العلق                       

4: صفوة التفاسيرفي تفسيره لسورة المؤمنون

ـ يقول الحديث :" إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ، فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح " (1) .

 

                                             الإعتراضات

 

1ـ ليس المقصود بالعلقة هو الحيوان المنوي لأن المفسرين قالوا بأنها قطعة دم حمراء ، بخلا ف الحيوانات المنوية ، إذ انها ليست دما متجمدا ولا بالحمراء ، ثانيا لأن الحديث وكذا الآيات صرحت بأن العلقة تكون في مرحلة ثانية بعد استقرار الحيوان المنوي في رحم المرأة ، وبالتالي نخلص إلى القول بأن العلقة يقصد بها القرآن شيئا آخر ، غير ما يذكره العلم ، وبالنتيجة يسقط الإعجاز الذي يتوهمه البعض (عن كون الحيوانات المنوية تشبه العلقة ) .

2ـ يقول أحد الأطباء الدكتور ويليام كامبال :" أي قارئ تأقلم مع الأسئلة المتعلقة بالتوالد الإنساني يعلم أنه لا توجد أي مرحلة يكون فيها الجنين عبارة عن علقة أثناء تطوره " (2)

3ـ أما عن الحديث الذي أوردناه سابقا فإنه يتضمن أخطاء عديدة يحدثنا عنها الدكتور ويليام كامبال قائلا:" الحديث يقول بأن نقطة المني تبقى أربعين ليلة وفي نهايتها تصير علقة ثم تلبت أربعين يوما ، المجموع ثمانين يوما تكملها الأربعين يوما لمرحلة المضغة ، إذن مائة وعشرون يوما ! دراسات علم الأجنة العصرية أظهرت أن مدة حياة الحيوان المنوي في رحم المرأة لا تتجاوز أسبوعا ، وابتداء من اليوم السبعين يظهر اختلاف الأعضاء باستثناء الدماغ والعظام ، إذن تصريح الحديث الذي بحسبه لا يصير الجنين (مضغة) إلا بعد ثمانين يوما لا محالة خطأعلمي " (3)

4ـ ليست العلقة هي مجموعة الخلايا التي تنقسم إليها البويضة بعد تلقيحها لأن البويضة تنقسم إلى خلايا بعد أسبوع أما العلقة فإنها لا تكون إلا بعد مضي أربعين يوما بحسب الحديث وأقوال المفسرين .

5ـ لم تُسم العلقة بالعلقة لأنها تعلق بالرحم (كما يقولون ) ، وذلك لأن الجنين يظل طيلة التسعة أشهر حتى الوضع ، معلقا بالرحم لكن العلقة لم يطلقها لا الحديث ولا القرآن على الجنين في جميع مراحله بل على المرحلة الثانية من تطوره .

6ـ ولتأييد أقوالنا بأن العلقة تعني الدم الجامد يلزم ان نبحث في النصوص العربية القديمة حتى نعرف معناها عند العرب آنذاك ، خصوصا في أيام محمد ، وأثناء البحث وجدت بعض الأبيات الشعرية التي تؤكد أقوالنا لحد بعيد ، ومما شجعني على الإستشهاد بهذه الأبيات الشعرية قول ابن عباس :" الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه " (4)  . وقال أيضا " إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب"(5) . فإذن مانفعله هو عين العقل عندما نلتمس معنى الكلمة في الأشعار العربية القديمة ، وما وجدته كان كالتالي :

ـ قال ضرار بن الخطاب الفهري في يوم معركة أحد :

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1:ابن كثير في تفسيره للمؤمنون            4: مفهوم النص (د حامد أبو زيد) ص141                 

2 :     Le Coran et la Bible P19 9        5: نفس المصدر

3:  Le Coran et la Bible P203

أكرهت مُهْري حتى خاض غمرتهم               وبله من نجيع عانك علق (1)

( العلق : اسم من أسماء الدم ، العانك : الأحمر ، نجيع : الدم )

ـ وقال قائل من هوازن في غزوة حنين :

  وفاتنا عمر الفاروق إذ هُزموا        بطعنة بل منها سرجه العلق (2)

ـ وقال عبد الله بن وهب في شعره ليوم حنين ردا على أبي ثواب :

وكنا يا هوازن حين نلقى       نبل الهام من علق عبيط (3)

( الهام : رؤوس ، العلق : الدم ، العبيط : الطري )

 

إذن من سياق هذه الأشعار والتي كلها تتحدث عن الحرب التي لا بد من أن تتطاير أثناءها الدماء وكل هؤلاء الشعراء ذكروا العلق في سياق واضح يظهر منه أن معنى العلق بكل تأكيد هو الدم ! بل حتى تلك الشروحات التي اوردتها عن العلق هي موجودة في كتب السيرة . ويالها من فضيحة لأولئك الذين حرفوا معناها ، وادعوا ان العلقة أو العلق هو ذلك الحيوان المنوي الذي يشبه دودة العلق ! إن المعنى العربي الأصلي والذي عناه مصنف القرآن وفهمه السامعون العرب آنذاك هو ان العلقة تعني الدم .

وهنا يظهر عجز القرآن لا إعجازه ، لأن الطب يؤكد لنا أن الجنين لا يشبه قطعة الدم الجامد في أي مرحلة من مراحله . فهل فعلا خلق الله الإنسان من علق ؟ هل خلقت أنا وأنت من قطعة دم ؟؟

هل هذا هو القرآن الذي حوى كل العلوم ؟؟ ها هو يعلمنا أخطاء علمية فظيعة ، مفادها أن الإنسان خُلق من دم جامد ! هل ندرس هذه النظرية الجديدة لطلبتنا في كليات الطب ؟؟ إني أتعجب لأولئك الذين يُظهرون زلات القرآن في شكل آيات إعجازية يكاد أي كتاب لا يخلو من ذكرها والتباهي بها .

أخيرا نترك الحكم لأرباب اللغة العربية والذين أثبتوا لنا جميعا أن العلق معناه الدم ولو كره الكارهون !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: سيرة ابن هشام في حديثه عن معركة أحد

2: سيرة النبي لابن هشام في حديثه عن غزوة حنين

3: نفس المصدر

عودة