الموضوع السادس والعشرون: مراحل تطور الجنين

 

   كل هذه المواضيع التي نوردها الآن هي متعلقة بعضها ببعض لذلك سنكون مضطرين لإعادة سرد بعض الآيات والأحاديث من وقت لآخر . ومن ضمن هذه الآيات ماورد بسورة (المؤمنون) 12ـ14القائلة:" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين" وعن الإعجاز الذي يعتقده جل المسلمين في هذه الآيات والذي ملأوا به الصحف والمجلات والأشرطة ، يلخصه لنا مرة أخرى الأستاذ عفيف طبارة قائلا :" إذا أمعنا النظر في هذه الآيات وجدنا أنها دلت بوضوح على مادل العلم عليه بعد ذلك من ان الإنسان خلق من طين ، فإن النطفة في كل من الذكر والأنثى التي يتكون منها الجنين هي وليدة عملية التغذية التي تيغذى بها الإنسان وأصل هذه التغذية ومنشؤها التراب.." ثم يضيف"..ثم يخبرنا تعالى بأنه يصير علقة ...على ان الجني يصير بعد ذلك مستديرا بغير انتظام ومكورا ويبقى كذلك بعد بضعة أسابيع وقد سماه الله (مضغة) لكثرة الشبه بينه وبين قطعة اللحم الممضوغة ، وهي في الإصطلاح الطبي عبارة عن نمو العلقة وتنوع خلاياها وتميز بعض أجزائها عن البعض الآخر ، وهنا يبدأ طور التكوين وتظهر آثار العظام في المضغة . وبعد أن تتكون العظام يبدأ اللحم في التكون بظهور العضلات وذلك بتنوع الخلايا التي تحيط بالعظام ، وبينما تظهر العظام والعضلات تتكون بقية أعضاء الجسم ، وفي قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر ) معجزة دقيقة من معجزات القرآن ، فقد ثبت أن الجنين في بداية الشهر الثاني بعيد الشبه بالإنسان فهو أقرب في شكله إلى الضفدعة في دور التكوين ، وفي خلال الشهر الثاني تطرأ على الجنين تغيرات تشريحية تنقله من طبقة الحيوانات المائية إلى اتلصورة الإنسانية ، فهذا التحول هو إنشاؤه خلقا آخر . ومن هذا كله يتبين لنا بوضوح أن أطوار الجني المذكورة في القرآن هي نفس الحقائق التي نقب عنها العلم الحديث حتى اكتشفها ، أيكون ذلك في مقدور أمي في جزيرة العرب منذ أربعة عشر قرنا أن يأتي بها من عنده ؟ إلا أن تكون وحيا أوحاه الله إليه ." (1)

ـ يفسر ابن كثير الآيات المذكورة آنفا بما يلي :" (سلالة من طين ) وهو آدم خلقه الله من صلصال من حمإ مسنون ...(ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) يعني الرحم ( ثم خلقنا النطفة علقة ) أي ثم صيرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها مابين الترقوة إلى السرة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة (فخلقنا العلقة مضغة ) وهي قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط  (فخلقنا المضغة عظاما ) يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها ، وقرأ آخرون (فخلقنا المضغة عظما ) قال ابن عباس وهو عظم الصلب (فكسونا العظام لحما ) أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه (ثم أنشاناه خلقا آخر ) أي ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك زحركة واضطراب " (2)

ـ عن علي ابن أبي طالب قال :" إذا أتت على النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فنفخ فيها الروح في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص61

2: ابن كثير في تفسيره لسورة المؤمنون

ظلمات ثلاث فذلك قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر) يعني نفخنا فيه الروح ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح ، قال ابن عباس (ثم أنشاناه خلقا آخر ) يعني نفخنا فيه الروح ، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبوالعالية والضحاك والربيع بن أنس والسدي ...وغيرهم " (1)

ـ وعن عبد الله قال :" مر يهودي برسول الله وهو يحدث أصحابه فقالت قريش يايهودي إن هذا يزهم أنه نبي ، فقال لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي قال فجاءه حتى جلس فقال : يامحمد مم يُخلق الإنسان؟ فقال: يا يهودي من كل من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم ، فقال : هكذا كان يقول من قبلك " (2)

ـ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله " إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وهل هو شقي أو سعيد " (3)

ـ قال الرازي في تفسيره لقول الآية (ثم انشاناه خلقا آخر) :"أي جعلناه مخالفا للخلق الأول حيث صار إنسانا وكان جمادا وناطقا وكان أبكما ، وسميعا وكان أصما وبصيرا وكان أكمها وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين"(4)

 

                                         الإعتراضات

 

ـ المرحلة الأولى : (أصل الإنسان من طين ) : هذه الحقيقة معروفة عند الناس والعديد من العلماء وقد سبق الكتاب أن نبه إليها قبل محمد بمئات السنين (تكوين 7:2) وبالتالي كانت شائعة حتى في شبه الجزيرة العربية بتواجد أهل الكتاب الذين يعرفون ذلك من كتابهم حق المعرفة ، وبالتالي ذكر القرآن لهذه الحقيقة ليس إعجازا بل إعادة لما سبقت معرفته .

ـ المرحلة الثانية : (نطفة مني ) هذه الظاهرة معروفة ويمكن التوصل إليها بمجرد الملاحظة ، وذكر القرآن لها ليس بالغريب العجيب ولا بالشيء المعجزي ، وأكثر من ذلك نجد خطأ علميا ارتكبه الحديث حيث لا يحد هذه المرحلة حتى اليوم الأربعين في حين أن النطفة لا تمكث ـ حسب علم الأجنة ـ أكثر من أسبوع !!

ـ المرحلة الثالثة : ( العلقة ) درسناها فيما سبق دراسة وافية وأثبتنا ـ بتصريح من أحد الأطباء ـ أنه لا وجود لأي مرحلة يكون فيها الجنين عبارة عن قطعة دم متجمد ، وهذا خطأ علمي فادح ، فكيف يكون إعجازا ؟؟

ـ المرحلة الرابعة : (المضغة) في هذه المرحلة هناك العديد من الصعوبات التي تواجهنا أثناء دراستها لذلك سنتتبعها بالترتيب لمزيد من الفهم :

    أ ـ مرحلة المضغة يذكرنا الحديث بأنها تكون مابين اليوم الثمانين واليوم المائة والعشرين ، والنفاسير تذكر بأنه لا شكل فيها ولا تخطيط والآية تصرح بأن مرحلة المضغة لا تحوي عظاما ولا لحما لأن هذه المراحل تأتي في ما بعد المضغة وهذا كله مخالف للحقائق العلمية تماما ، إذ ان الأطباء أثبتوا أن الجنين في نهاية الأسبوع الثامن أي (بعد 56 يوما من تلقيح البويضة) يكون قد  أصبح   متوفرا  على عضلات ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1و2و3: تفسير ابن كثير لسورة المؤمنون

4: الفخر الرازي 23/85

وتبدأ العظام في التكون ويكون الجنين في هذه المرحلة قد أصبح قادرا على القيام ببعض الحركات العضلية وهذه المرحلة التي يتكلم عنها الطب تبدأ ابتداء من اليوم السادس والخمسون وهي في نظر القرآن والحديث ليست سوى مرحلة العلقة ( الدم الجامد ) !!

   ب ـ المرحلة التي يحددها الحديث للمضغة هي مابين اليوم الثمانين واليوم المائة والعشرين وهي في الطب مرحلة تكون معظم الأعضاء قد ظهرت فيها وأصبحت متميزة ، وتكونت العديد من العظام أيضا ، في حين أن المضغة في نظر القرآن والمفسرين والحديث لا تحوي لا عظاما ولا عضلات ولا شيء من هذا القبيل إذ لا تخطيط ولا شكل فيها ( كما قالوا ) ، ومادامت هذه المرحلة تخالف الحقائق العلمية فسنتجاوزها هي الأخرى ونعتبرها من باب الهفوات والأخطاء التي وقع فيها " إعجاز القرآن" وبالتالي فإن هذه المرحلة بدورها تخلو من عنصر الإعجاز .

ـ المرحلة الخامسة : (مرحلة العظام ) (فخلقنا المضغة عظاما ) من هذه الآية والتفاسير نستنتج أن الهيكل العظمي يوجد أولا لوحده لا لحم له ولا أي شيء آخر يكسوه ، في حين نجد الطب قد أثبت أن ظهور العظام يكون مرفوقا بتكون العضلات في نفس الوقت ، بل قبل أن تتكون العظام يكون الجنين قادرا على القايم ببعض الحركات بفضل توفره على العضلات ، وبالتالي نثبت خطأ علميا آخر في التصوير القرآني لتطورات الجنين ، وبالنظر إلى الحديث نرى أن هذه المرحلة تقع مابين اليوم المائة والعشرين واليوم المائة والستين بينما في المعطيات الطبية نجد أن العظام تبدأ في التكون ابتداء من نهاية الأسبوع الثامن أي بعد 56 يوما من تلقيح البويضة (على الأكثر) وهذا خطأ آخر نضيفه إلى ما سبق إثباته من عجز الآية القرآنية والحديث .

ـ المرحلة السادسة : مرحلة تكون اللحم (فكسونا العظام لحما ) لقد أثبتنا أن اللحم وبالضبط العضلات تبدأ في الظهور مع ظهور العظام ، وفي نفس الوقت ، وبالتالي هناك خطأ كرونولوجي يرتكبه الحديث والآية ، حيث يقولان أن العظام تظهر أولا منفصلة ثم بعد ذلك يكسوها اللحم ، والخطأ الأعظم هو تصريح الحديث بأن هذه المرحلة توجد بين اليوم المائة والستين واليوم المائتين ، بعكس ماأثبت الطب تماما إذ من المسلم به طبيا أن اللحم والعضلات تظهر ابتداء من الأسبوع الثامن على الأكثر ، وهذا فرق زمني شاسع لا يمكننا تجاوزه على أساس الأخطاء البسيطة بل لا يمكننا اعتباره ضربا من الإعجاز.

ـ المرحلة السابعة والأخيرة : نفخ الروح (ثم أنشاناه خلقا آخر ) في تعليق الأستاذ عفيف طبارة على هذا الشطر من الآية يقول أن هذا يعني أن الجنين يتحول من صورة حيوان مائي (ضفدعة) إلى صورة إنسان لكننا نرفض استنتاجه لثلاث أسباب :

               أ ـ لأنه ولا واحد من المفسرين يوافق هذا التفسير لأنه بإجماعهم ذكروا أن الآية تعني نفخ الروح ومن بينهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس حبر الأمة الأسلامية كما سماه محمد .

                ب ـ لأن الحديث هو الآخر لا يوافق تفسير هذا الأستاذ لأنه يذكر نفخ الروح كآخر مرحلة                               وبالتالي فإنه يوافق الآية ويجعل مرحلة إنشاء الجنين خلقا آخر ، هي نفخ الروح ، والحديث أحق بالأسبقية من الإجتهاد كما علمتنا التشريعات الإسلامية .

              ج ـ لأن المرحلة التي يتكلم عنها الأستاذ ع الفتاح طبارة تبدأ من بداية الشهر الثاني أي بعد 30 يوما أما ما ذكره القرآن والحديث فهو يبدأ من اليوم المائتين !!

ـ أما عن الأخطاء التي في هذه المرحلة فهي فظيعة جدا فهو يذكر نفخ الروح ( أي الحياة ) بعد جميع أطوار التكوين للجنين لكننا نعلم ان الجنين هو حي ابتداء من تلقيح البويضة بل إن حياته هي في الحيوان المنوي حتى قبل التلقيح . فهل كان الجنين ميتا طيلة أطوار تكونه ثم أصبح حيا بعد مضي مائتي يوم ؟؟ إني أكاد لا أعرف حتى أدنى سبب يجعلنا نخفي الحقائق ونظهرها في حلة الإعجاز !! فهل بعد كل هذه الأخطاء يمكن اعتبار ماذكره القرآن إعجازا ؟ إني أقول بعد هذه النظرة الملقاة على وصف القرآن لمراحل تطور الجنين ، أن القرآن لا يذكر إلا مجرد اعتقادات كانت سائدة في ذلك العصر عند العامة من الناس حول مراحل نمو الجنين وهي بعيدة كل البعد عن كونها حقائق علمية حديثة .

قد يتساءل أحد القراء عن الحديث المروي عن عبد الله وسبب تواجده في هذا الموضوع لكني هدفت بتواجده أن أظهر مدى بعد فكر محمد عن الإكتشافات العلمية المعاصرة ويكفيني عن التعليق أن أتساءل هل حقا إن مني الرجل غليظ تتكون منه العظام والأعصاب وبويضة المرأة رقيقة يتكون منها اللحم والدم ؟

هل أخطاء بمثل هذه الجسامة تصدر عن نبي من أنبياء الله ؟؟ هل الله لا يعلم مراحل نمو أحد خلقه حتى يُخطئ في وصفه ؟؟ إن هذه الأسئلة هي في حد ذاتها إجابة واضحة وجلية لمن أراد الحق وحكم بكل موضوعية بعيدا عن التعصب والتحيز .

 

عودة