الموضوع التاسع والعشرون : الصفات الوراثية

 

 

   في العديد من الثقافات يعتقد الناس أن ما تراه المرأة في أشهرها الأولى للحمل يؤثر على الجنين ويورثه بعض صفات ما رأته هذه الحبلى ونجد حتى في هذه الأيام بين العامة من الناس في العديد من البلدان نفس الإعتقادات ما تزال راسخة في الأذهان .

وإلى جانب هذا نجد البعض يعتقدون أن مجرد الحليب الذي يرضعه الطفل من امرأة أخرى يقيم علاقة أمومة وبنوة بينه وبينها ، بل إن القرآن نفسه يحمل مركز هذه الإعتقادات حيث جاء بسورة النساء الآية 23 " حُرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ، إن الله كان غفورا رحيما " .

وفي التفسير نجد :" نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى تُسمى المرضعة أما للرضيع ، أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك كذلك يحرم عليك التي أرضعتك ، وكذلك أختك من الرضاع ، ولم تذكر الآية المحرمات بالرضاع سوى (الأمهات والأخوات ) وقد وضحت السنة النبوية أن المحرمات بالرضاع سبع كما هو الحال في النسب لقوله ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) أخرجه البخاري ومسلم (1) .

 

                                        الإعتراضات

 

كلنا يعلم أن الإخوة والأخوات والآباء والأمهات ...إلخ إنما حُرموا في اليهودية والمسيحية (أي في الكتاب المقدس ) لاعتبارات وجيهة من بينها ، الصفات الوراثية فبين الأم وابنها مثلا خصائص وراثية مشتركة أي هناك علاقة تمنع زواجهم ، وأيضا لسبب آخر وهو سبب أخلاقي .

فلماذا يُحرم القرآن الزواج بأم مرضعة ؟ أو بأخت من الرضاعة ( أن جازت تسميتها بالأخت ) ؟

أ ـ إن كان يعتقد بأن الحليب يجعل العلاقة بين الطفل والمرأة أو بين الإنسان وأخيه من الرضاعة فهذا خطأ علمي فظيع ، لأنه لا علاقة للأكل بالخصائص الوراثية ، فهل أصير أخا لطفل آخر بمجرد تناولنا نفس الحليب ؟؟ إن كان كذلك ، فلربما حرم على الكثيرين التزاوج بينهم لأنهم لطالما تقاسموا الحليب بينهم !! فهل هناك أي علاقة بين الرضاعة والصفات الوراثية ؟ يجيبنا الطب الحديث بالنفي تماما إذ لا سبيل لأي نوع من الخصائص الوراثية إلينا إلا من الأب والأم .

ب ـ أما إن كان هذا لأسباب أخلاقية واجتماعية فإننا نسأل لماذا لم يحترم القرآن نفس المقاييس الإجتماعية عندما أحل الزواج بأزواج الأدعياء ( أي يحل للمرء أن يتزوج بزوجة ابنه بالتبني إن هو طلقها ) ؟؟ ونقرأ هذا واضحا في سورة الأحزاب 37 "...لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا " وقد تزوج محمد بزينب بنت جحش زوجة ابنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: صفوة التفاسير في تفسيره لسورة النساء

بالتبني زيد ابن حارثة ، رغم أن كل العرب عيبوا عليه لأنه خالف التقاليد الإجتماعية والضوابط الأخلاقية وللمزيد من المعرفة يمكن لأي شخص الإطلاع على السيرة النبوية أو تفسير سورة الأحزاب .

فلماذا إذن قرن الرضاعة بالنسب كما في الحديث السابق ؟؟ فهل الرضاعة هي بمثابة نسب ؟ إني متأكد بأن علم الوراثة لا يؤيدنا في جواب إيجابي لهذا السؤال .

 

نظرة سريعة للكتاب المقدس حول الصفات الوراثية :

 

نقرأ في سفر التكوين من الأصحاح 30 الآيات 31ـ42 " ...فقال يعقوب لا تعطيني شيئا إن صنعت لي هذا الأمر أعود أرعى غنمك وأحفظها ، أجتاز بين غنمك كلها اليوم ، واعزل أنت منها كل شاة رقطاء وبلقاء وكل شاة سوداء بين الخرفان وبلقاء ورقطاء بين المعزى ، فيكون مثل ذلك أجرتي ، ويشهد في بري يوم غد إذا جئت من أجل أجرتي قدامك ، كل ماليس أرقط أو أبلق بين المعزى وأسود بين الخرفان فهو مسروق عندي ، فقال لابان هوذا ليكن بحسب كلامك ، فعزل في ذلك اليوم التيوس المخططة والبلقاء وكل العناز الرقطاء والبلقاء ، كل مافيه بياض وكل أسود بين الخرفان ، ودفعها إلى أيدي بنيه وجعل مسيرة ثلاثة أيام بينه وبين يعقوب ، وكان يعقوب يرعى غنم لابان الباقية ، فأخذ يعقوب لنفسه قضبانا خضرا من لبنى ولوز ودلب وقشر فيها خطوطا بيضا كاشطا عن البياض الذي على القضبان ، وأوقف القضبان التي قشرها في الأجران في مساقي الماء حيث كانت الغنم تجيء لتشرب تجاه الغنم . لتتوحم عند مجيئها لتشرب ، فتوحمت الغنم عند القضبان وولدت الغنم مخططات ورقطا وبلقا ، وأفرز يعقوب الخرفان وجعل وجوه الغنم إلى المخطط وكل كل أسود بين غنم لابان . وجعل له قطعانا وحده ولم يجعلها مع غنم لابان ، وحدث كلما توحمت الغنم القوية أن يعقوب وضع القضبان أمام عيون الغنم في الأجران لتتوحم بين القضبان ، وحين استضعفت الغنم لم يضعها ، فصارت الضعيفة للابان والقوية ليعقوب ، فاتسع الرجل كثيرا جدا وكان له غنم كثير وجوار وعبيد وجمال وحمير " .

..كان يعقوب يعمل بمثابة أجير عند حميه لابان ، واقترح أن يأخذ أجرته كل الغنم والمعز المرقط من بين ما تلده الغنم لكن لابان أخذ كل الذكور والإناث المخططة ولم يترك ليعقوب سوى التي لها لون واحد ، ولما كان يعقوب كغيره من الناس له خلفية ثقافية خاطئة ، أراد أن يؤثر على الغنم بوضع قضبان مرقطة أمامها حتى تتوحم عندها وبالتالي تلد له غنما مرقطة ، لكن هذا التصرف لا محل له من الصواب علميا ، لأنه لا تأثير لما تراه العين على الصفات الوراثية .

وما دامت الفكرة خاطئة فإن الله أراد أن يصحح اعتقاد يعقوب ويوضح له ولنا حقيقة علمية لم يتوصل العلم لها إلا حديثا فأراه حلما يوجه انتباهه إلى السبب الحقيقي الذي كان وراء ولادة الخرفان المرقطة والمخططة ، نقرأ في تكوين 10:31ـ13 قول يعقوب لزوجتيه " ..وحدث في وقت توحم الغنم أني رفعت عيني ونظرت في حلم وإذا الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومنمرة وقال لي ملاك الله في الحلم يايعقوب فقلت هأنذا فقال ارفع عينيك وانظر جميع الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومنمرة لأني قد رأيت كل مايصنع بك لابان ، أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودا حيث ندرت لي ندرا . الآن قم اخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك " .

إنها حقيقة رائعة ومدهشة عندما نرى الله يصحح فكرة خاطئة لأحد رجاله ودون أن يوضح له السبب إنما لم يتركه في ضلاله ، لقد جعل الله له فحولا مرقطة تصعد على الإناث لتلد له غنما مرقطة ، ولم يكن للقضبان أدنى تأثير على هذه الصفات الوراثية لعلمه تعالى بأن الوراثة حتى للألوان هي من الأب والأم وليس من أي تأثير خارجي .

ونلفت انتباه القارئ أن هذا النص قد دون بحوالي 1700سنة قبل الميلاد ليعلن لنا بفضل الوحي الإلهي الأعتقادات الخاطئة عن خصائص الوراثة ويعطينا اعتقادا بديلا يؤيده العلم الحديث كل التأييد دون أدنى خطأ أو التباس . فالمجد وكل المجد لله تعالى الذي يرينا عجائبه في آياته وفي خلقه .

 

عودة