الموضوع الثاني : نشأة الكون
يرجح العلماء أن الحالة
الغازية هي الحالة الأصلية التي خلقت منها كل الموجودات أي أنها أصل الكون بكل
مافيه ، وحتى علماء الإسلام يسلمون بهذا بل وأكثر من ذلك يقولون أن القرآن سبق
وأشار إلى هذه الحقيقة وخصوصا الآيات المذكورة آنفا وهي من سورة فصلت إذ تقول
:" قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب
العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام
سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين ". فصلت9ـ11( الشاهد في قوله : دخان) .
ـ يقول أحد المسلمين بخصوص هذا الموضوع
:"..فالقرآن يصرح بأن السماء كانت في بدء خلق الكون دخانا والعلماء اليوم لهم
تفسيرات شتى في بدء تكون هذا الكون ، فالعالم سير جيمس جينز يقول الراجح أن مادة
الكون بدأت غازا منتشرا خلال الفضاء بانتظام وأن السدائم ( ج سديم : أي سحابة من
النجوم) خلقت من تكاثف هذا الغاز" (1)
ـ وأما ابن كثير في تفسيره لهذه الآية
فإنه يقول :" المراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض".
(2)
الإعتراضات:
1ـ إن العلماء
اتفقوا على أن أصل الكون قد يكون غازيا ، وعندما قالوا الكون فهذا يعني كل
الموجودات، أما القرآن فإنه يعزو كون السماء دخانا إلى ما بعد خلق الأرض وكل ما
عليها ، أي أن السماء وحدهاهي التي
من دخان وليس الكون كله وهذا يعارض النظرية العلمية المعتمدة إضافة
إلى أنه خطأ علمي واضح.
2ـ إن كلمة
" دخان " لا تعني غازا لأن الدخان يحمل في محتوياته موادا عضوية ، وهذه
هفوة أخرى لأن الحالة الغازية الأولى للكون ( حسب تصريحات العلماء ) لا يمكن أن
تحوي موادا عضوية ، أما التفسير الذي اعتمده ابن كثير فهو مغلوط تماما لأن
الكلمتين العربيتين "دخان"و"بخار" مختلفتين تماما وليس لهما
نفس المعنى ولو كان المقصود هو البخار لاستعمل الكلمة نفسها دون غيرها .
3ـ هذا يتعارض مع
الآية القائلة "وجعلنا من الماء كل شيء حي" الأنبياء 30. حيث يقول
الحديث مفسرا إياها:" عن أبي هريرة أنه قال : يانبي الله إذا رأيتك قرت عيني
وطابت نفسي فأخبرنا عن كل شيء. قال: كل شيء خلق من ماء "(3).
إذن فهل من ماء
أم من دخان ؟؟
على العموم في
كلتي الحالتين هناك أخطاء لا حصر لها!!
إذاً فالإعجاز من هذه الناحية ساقط أيضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: روح الدين
الإسلامي ص51
3:ابن كثير في تفسيره لسورة الأنبياء
2: ابن كثير في
تفسيره لسورة فصلت
في الكتاب
المقدس:
ونحب أن نلقي نظرة سريعة على
الكتاب المقدس لنرى ماذا قال هو الآخر عن هذا الموضوع وغايتنا سنجدها بالطبع في
سفر التكوين الذي يتطرق إلى كيفية تكون العالم كما ذكرنا سابقا وهو مترجم من اللغة
العبرية ، حيث نقرأ:
"في البدء
خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله
يرف على وجه المياه ".
تطرقنا لهذه الآيات فيما سبق بأقل تفصيل
فالآية الأولى تدل على أن الله خلق شيئا واحدا متصلا سماه الكتاب "السموات
والأرض" لكن الملفت للإنتباه هو أن هذه الأرض التي تكلم عنها الكتاب ههنا لم
تكن هي اليابسة التي نعرفها اليوم ، أقول هذا لأن اليابسة كما يقول الكتاب لم
تُخلَق إلا بعد مدة وهذا ما نقرأه في الآية التاسعة حيث تقول :"وقال الله
لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة ". وهذا مايدل على أن
هذا الأصل الواحد ( السموات والأرض ) انفصل وصار سماء (جلدا) وأرضا (يابسة)
وبالتالي فهو كان شيئا آخر ، فما هو ياترى؟؟
يقول الكتاب في الآية الثانية "وعلى
وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه " إذاً الأصل كان مياها
لكن الكلمة العبرية (مييم) التي ترجمت في هذا الموضع إلى مياه ، لا تعني الماء في
الحالة السائلة فقط، والدليل على ذلك ورود نفس الكلمة بمعاني مختلفة في مواضع شتى:
ففي أيوب10:37
نقرأ "من نسمة الله يجعل الجمد وتتضيق سعة المياه " وردت ههنا بمعنى
الماء في الحالة الصلبة (الجمد).
أيوب 30:38
" كحجر صارت المياه " هنا أيضا وردت بمعنى الماء في الحالة الصلبة .
أيوب 8:26"
يصر المياه في سحبه " هنا وردت بمعنى بخار الماء أي الماء في الحالة الغازية
. وكذلك نجد نفس المعنى في إرميا 16:51" تكون كثرة مياه في السموات "
...الخ من الشواهد . إذاً يتضح أن معنى الكلمة العبرية (مييم) المترجمة مياها ليس
معنى واحدا لأنه يحمل أيضا معنى بخار الماء أو بالأحرى مكوناته.
إذاً فالكتاب يؤيد إلى حد كبير هذه النظرية أي أن أصل الكون غازي ، ولا توجد أي آية في كل الكتاب تناقض هذه الأقوال ، ونترك للقارئ أن يرى بنفسه أين هو الإعجاز الحق ، أفي الكتاب أم في القرآن