لموضوع الثلاثون : اختلاف البصمات

 

  ظل علماء القرآن يسرحون بخيالاتهم ، حتى أرادوا أن يدخلوا فيه كل صغيرة وكبيرة مما توصل إليه العلم ، وحملوا القرآن ما لا طاقة له على حمله ، وفي هذا الإطار أراهم يقولون أنه تنبه إلى اختلاف بصمات الإنسان ، قلت أين ؟ قالوا في سورة القيامة !! قلت سبحان الله .

فماذا تقول الآية التي يعولون عليها؟ وبماذا يشرحها المفسرون؟ ثم ماذا يقول عنها هواة الإعجاز؟

هذه الأسئلة تجاوب عنها السطور الآتية :

ـ تقول الآيات الخمس الأولى من سورة القيامة :" لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ، أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ، بلى قادرين على أن نسوي بنانه "

ـ علق الأستاذ طبارة عنها بقوله :" أيظن الإنسان أننا لن نجمع عظامه بل نحن قادرون على أن نرتب أصابعه يوم القيامة ونرجعها إلى ماكانت عليه في الدنيا ، هنا المعجزة وبيت القصيد ، فلماذا اختار الله سبحانه بنان الإنسان ، ولم يختر عضوا آخر من أعضاء الجسم الكثيرة ؟ والسبب أن أعضاء لجسم كالعين والأنف والأذن وغيرها تتشابه بين إنسان وآخر ، ولكن الأصابع لها ميزات خاصة فهي لا تتشابه ولا تتقارب ، وهذه المميزات لم تعرف لأول مرة إلا في القرن الماضي ، أي بعد نزول القرآن باثني عشر قرنا ونصف القرن تقريبا " (1)

ـ وقال سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس في تفسيره للشطر القائل (قادرين على أن نسوي بنانه):"أن نجعله خفا أو حافرا " (2)

ـ وقال ابن كثير :" أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بل سنجمعها (قادرين على أن نسوي بنانه) أي قدرتنا صالحة لجمعها ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان عليه فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية "(3)

ـ ويقول الأستاذ محمد علي الصابوني :" أي بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نعيد أطراف أصابعه التي هي أصغر أعضائه وأدقها أجزاء وألطفها التئاما فكيف بكبار العظام ؟" (4)

 

                                         الإعتراضات

 

1ـ بنانه :من البنان : وهي أطراف الأصابع أو الأصابع نفسها (ج بنانة ) (5)

لماذا ذكرت هذا الشرح؟ لأنبه القارئ إلى كون القرآن لم يذكر لا بصمات ولا جلد ولا أي شيء آخر غير العظام التي تتكون منها أطراف الأصابع والأصابع نفسها .

ربما يقول قائل كلا إن الآية تطرقت إلى الأصابع معممة . لكن كي نتفادى مثل هذه الإعتراضات نأتي إلى سبب كتابة هذه الآيات بالضبط من سورة القيامة مما قاله علماؤهم في أسباب النزول : قالوا :" نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة جاء إلى محمد فقال يامحمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون ؟ وكيف يكون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص64                      4:صفوة التفاسير في تفسيره لسورة القيامة

2: ابن كثير في تفسيره لسورة القيامة                 5: نفس المصدر

3: نفس المصدر

أمره؟ فأخبره محمد ، فقال(عدي) : لو عاينت ذلك اليوم لأم أصدقك يامحمد ولم أومن بك ، كيف يجمع الله العظام ؟ فنزلت الآية " (1) إذن أين ذكر البصمات واختلافها ؟؟ إن السائل أتى ليستنكر يوم البعث وكان تعجبه ملخصا في السؤال الآتي ، كيف يجمع الله العظام ؟ وبالتالي لزم على محمد أن يجيب على تساؤله والجواب جاء في سورة القيامة ، إذن فالأمر يتعلق بالعظام لاغير.

2ـ معنى نسوي : قال ابن عباس كما رأينا " نجعلها خفا أو حافرا " أي قادرين على جعل الإنسان يوم بعثه قصير الأصابع مثل الحافر ( كحافر الحمار ) . وأنا شخصيا أعتبر ابن عباس أكثر الناس دراية بالقرآن بعد محمد لأنه كان من المعاصرين له آنذاك ونال إعجاب محمد بتفسيره للقرآن ، فإذا تبنينا قوله نجد الآية بعيدة كل البعد عما نسبوه لها من إعجاز .

3ـ لماذا اختار الأصابع؟ أولا لأنها تلائم السجع القرآني ، فالكلمات المتوالية ( القيامة ، اللوامة ، عظامه ، بنانه ) متناسقة في السجع ، ولو قال أذنه أو أنفه أو رجله مكان بنانه لما حصلنا على تلك الرنة في اللحن والتي هي لب القرآن بحيث إذا ذهبت الرنة ذهب القرآن !! ثانيا لأنه كان بصدد الحديث عن العظام حيث قال " أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه " ثم أردفها بقوله " بلى قادرين على أن نسوي بنانه " أي أصغر العظام (كأطراف الأصابع ) يستطيع الله جمعها ، ولم يعط صنفا آخر من العظام لأن أطراف الأصابع كان الجميع يعتقد آنذاك أنها أصغر العظام .

إذن نستنتج أن الآية المذكورة كدليل على علم القرآن السابق للمعطيات العلمية هي بريئة تماما مما نسبوه لها من الإعجاز بل إنها مجرد آية بسيطة تحمل كلاما عاديا يمكن لأي بشر أن يقوله وأن يميزه بمجرد الملاحظة ، لأننا كلنا نعلم أن الله قادر على جمع حتى أصغر العظام عندما يقيمنا من الموت .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: صفوة التفاسير في تفسيره لسورة القيامة ، أو تفسير الخازن 4/182 

عودة