الموضوع الخامس: تحركات الشمس والقمر والأرض
يستنتج بعض علماء
المسلمين(1) أن القرآن قد سبق أيضا وأشار إلى دوران الشمس والقمر والأرض بمئات
السنين قبل أن يتوصل العلماء المعاصرين إلى هذه الحقيقة.ويستندون في قولهم هذا على
الآية التالية : "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر
قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل
سابق النهار وكل في فلك يسبحون " يس38ـ40
ـ يقول سيد قطب
بخصوص هذه الآيات في تفسيره الظلال :" والشمس تدور حول نفسها ، وكان المظنون
أنها تابثة في موضعها الذي تدور فيه ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها
إنما هي تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل يسرعة حسبها الفلكيون
باثني عشر ميلا في الثانية "(2).
ـ ويقول ابن كثير
في تفسيره لقول القرآن " لمستقر لها " قولين أحدهما : " أن المراد مستقرها المكاني وهو
تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع
المخلوقات ، لأنه سقفها "
..." فالشمس ـ يقول ابن كثيرـ إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب
ما تكون إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت
نصف الليل صارت أبعد ما تكون من العرش فحينئذ تسجد ( يعني الشمس ) وتستأذن في
الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث : قال البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال : كنت مع
النبي ( ص) في المسجد عند غروب الشمس فقال (ص) : يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟
قلت الله ورسوله أعلم قال(ص) : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله : (
والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) " (3).
ـ وأورد ابن كثير
حديثين آخرين بنفس المعنى حيث قال : "عن أبي ذر قال سألت رسول الله عن قوله
(والشمس تجري لمستقر لها) قال : مستقرها تحت العرش" وعن أبي ذر أيضا قال كنت
مع رسول الله في المسجد حين غربت الشمس فقال (ص) " يا أبا ذر أتدري أين تذهب
الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم قال (ص): فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل
فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها
وذلك مستقرها ، ثم قرأ :(والشمس تجري لمستقر لها)(4).
والقول الثاني
الذي أورده ابن كثير في سياق حديثه عن هذه الآيات هو كالتالي : "المراد
بمستقرها هو منتهى سيرها يوم القيامة ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود ( والشمس تجري لا
مستقر لها ) أي لا قرار لها ولا سكون بل هي سائرة ليلا ونهارا لا تفتر ولا تقف
" (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: كالأستاذ ع
الفتاح طبارة في "روح الدين الإسلامي"ص52
2: في ظلال
القرآن لسيد قطب
3:ابن كثير
4: ابن كثير
5:نفس المرجع
ـ على العموم
خلاصة الأحاديث وأقوال المفسرين هي كالتالي :
أولا: المراد
بالجريان هو مدار الشمس من المشرق إلى المغرب (كما قال ابن كثير وأبو ذر نقلا عن
محمد) وهذا خطأ علمي لا يجبر لأن الأرض هي التي تدور وليس الشمس .
ثانيا: عبر عن الجريان في الحديث بالذهاب ، أي أن الشمس
تنتقل وتمشي من المشرق إلى المغرب!!
ثالثا: المقصود
بالمستقر هو " تحت العرش " وهذا ما اعتقده محمد (كما رأينا في الأحاديث)
إذ ظن أن الشمس حين تغرب فهي تذهب لتسجد لله فيرسلها الله كي تعود من حيث طلعت أول
مرة ، وليس أنها حين تختفي فهي تضيء لأناس آخرين من نصف الكرة الأرضية !!
رابعا: المقصود
بمستقرها أيضا هو مطلعها وهو المشرق.
خامسا: المراد بمستقرها هو يوم القيامة( مستقر زماني) .
سادسا: قرأ ابن
عباس وابن مسعود (لا مستقر لها) أي دائمة الجريان .
أما أحد مؤيدي
الإعجاز فقد قال معلقا على هذه الآيات :" يصرح القرآن بأن الشمس تجري باتجاه
معين وهذا ما يطابق العلم فالشمس تتحرك مع مجموعتها في اتجاه كوكب نير من مجموعة
كوكبة الجاثي"(1).
الإعتراضات:
ـ لا أعتقد أن
هذا الأستاذ يعرف ما يعنيه القرآن أحسن من محمد نفسه الذي فسر الجريان بالذهاب من
المشرق إلى المغرب ومن ثم لتحت عرش الله! بالإضافة إلى أن الإتجاه المعين الذي
تكلم عنه وفسره بكوكب من الجاثي هو مفسر بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري ، فقال
إن المراد به هو تحت عرش الله فهل عرش الله يوجد في مجموعة كوكبة الجاثي؟
ـ وكما ذكرنا من
قبل فإن سيد قطب يقول إن الجريان يقصد به القرآن دوران الشمس وبالتالي سيرها في
الفضاء باتجاه واحد ، ولكن سيد قطب يجعل الآية تنطق بما لا تحتمل وأنا متأكد من
أنه لو لم يعلم أن الشمس تسير في الفضاء لما استنتجها بنفسه من القرآن ، إضافة إلى
أن قوله يعارض حديث محمد عن هذه الآية كل المعارضة فهو لم يتكلم عن جريانها في
الفضاء بل عن ذهابها من المشرق إلى المغرب وعودتها إلى المكان الذي تطلع منه هذا
هو المستقر والجريان اللذان اعتقدهما محمد فهل مفسرو العصر أفضل من نبيهم في تفسير
القرآن وفهمه ؟؟
ـ نعود إلى الشطر
الثاني من الآية والذي يقول : " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل
سابق النهار وكل في فلك يسبحون" .
يقول عفيف ع
الفتاح طبارة في كتابه "روح الدين الإسلامي" : "ودوران الأرض أشار
إليه القرآن بقوله (ولا الليل سابق النهار) فدوران الأرض حول نفسها هو الذي يسبب
الليل والنهار بانتظام "(2).
الرد : ماذا
سيفهم أعرابي في القرن السابع من الميلاد من العبارة "ولا الليل سابق
النهار" ؟؟ إنه سيفهم أن النهار يأتي في وقته والليل يأتي في وقته دون أن
يكون الليل مكررا ودون أن يستغرق أكثر من الوقت المخصص له ، وهذا قول معقول لا
يحتاج إلى فطنة أو ذكاء! فأين هو الإعجاز وأين هي الإشارة إلى الأرض ودورانها؟
إنها فقط إضافات وتأويلات نطق بها المسلمون وليس القرآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: روح الدين
الإسلامي ص52
2: روح الدين
الإسلامي ص53
ـ ثانيا: إن
الجملة عند فحصها بتدقيق يظهر فيها خطأ تعبيري فعندما يقول (ولا الليل سابق
النهار) فهو يعني أن الليل لا يسبق النهار! فماذا يسبق النهار إذن؟ هل يسبقه نهار
آخر؟؟.
ـ ثالثا: إن
العبارة (ولا الليل سابق النهار) أتت لتجنب التكرار فعندما قال "لا الشمس
ينبغي لها أن تدرك القمر" لم يرد التكرار الذي يظهر جليا لو قال " لا
الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس" لذلك عوض
الجملة الأخيرة بقوله ( ولا الليل سابق النهار).
ـ رابعا: إن قول
هذا الأستاذ يناقض ما جاء بسورة الشمس التي تقول في آياتها الأولى (والشمس وضحاها
والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها) أي أن النهار يُظهر الشمس
ويجليها والليل يغطي الشمس ويخفيها (يغشاها) وهذا ما قاله ابن جرير في تفسيره
لهاته الآيات (1). وليس كما قال ع الفتاح طبارة بأن القرآن عنى بأن دوران الأرض
يسبب إظلام الليل وإشراق النهار بسبب دورانها حول الشمس .
وإني أتساءل
لماذا يحاول الآخرون توليد المعاني من آيات قرآنية لم تحبل بها أبدا ؟؟؟..
إضافة للموضوع:
تقول الآيات
87ـ88 من سورة النمل "..ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض
إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ،
صنع الله الذي أتقن كل شيء".
حول هذه الآية
انقسم هواة الإعجاز إلى فرقتين فبعضهم يرى أنها تذكر دوران الأرض وتحركها الذي لا
نراه فنحسبها جامدة لكنها في الحقيقة تدور والفريق الآخر استنتج بأنها تتكلم عن
تحركات صفائح القشرة الأرضية.لكننا سنفحص الإدعائين معا ونرى مدى صحتهما بنظرة
سريعة وخاطفة.
ـ جاء في التفسير
عن الآية 88 : " أي وترى أيها المخاطب الجبال وقت النفخة الأولى تظنها ثابتة
في مكانها وواقفة (وهي تمر مر السحاب) أي وهي تسير سيرا سريعا كالسحاب" (2)
الإعتراضات:
1ـ الآية تتكلم
عن اليوم الأخير حيث سينفخ في الصور ويفزع الكل من في السماء ومن على الأرض وهذا
واضح من السياق وبإجماع المفسرين أيضا إذ قالوا بأنه في ذلك اليوم ستزول الجبال
وهي تسير كالسحاب.
2ـ جاء بآيات
قرآنية أخرى نفس الحدث مذكورا في نطاق ما سيحدث في اليوم الأخير مثل الآية القائلة
"يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا " وأيضا " يوم نسير
الجبال وترى الأرض بارزة " .
3ـ أما
بخصوص الذين اعتقدوا بأنها تتكلم عن
تحركات القشرة الأرضية فإني أقول لهم رغم أن الآية تتحدث عن شيء بعيد الصلة عما
يعتقدون فإن السحاب يسير بسرعة أكثر بكثير من سرعة تحركات القشرة الأرضية التي لا
تتجاوز بعض السنتمترات في العام !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: انظر تفسير
ابن كثير لسورة الشمس
2: صفوة التفاسير