الموضوع السابع : كروية الأرض .
مما تعلمناه وتلقناه منذ صغرنا أن العلم اكتشف في
السنين المتأخرة أن الأرض ذات شكل كروي وبالأدق شكل بيضاوي أي شبيه بالبيضة .
ولكن في عصر محمد
لم يكن أي أحد يعرف هذه المعلومات
ولم يكن هذا الإعتقاد سائدا آنذاك ، فإذا ثبث أن القرآن أشار إلى هذه الحقيقة يكون
وحيا من عند الله والمسلمون يؤكدون لنا بأن القرآن أشار إلى هذه الحقيقة ببالغ
الوضوح فأحببنا أن نقف عند هذا الإدعاء لنعرف مكانته من الصحة وإليك البيان :
ـ يستند أغلبهم
على الكلمة " دحاها "(يعني الأرض) الواردة بسورة النازعات الآية 30
" والأرض بعد ذلك دحاها " ولكن أردنا أن نتفحص هذه الآية مع أخريات
أمثالها تتكلم عن الأرض وذلك حتى نوفي البحث حقه .
ـ ورد في سورة
البقرة 22" الذي جعل لكم الأرض فراشا " قال محمد علي الصابوني في تفسيره
لها:" أي جعلها مهادا وقرارا تستقرون عليها وتفترشونها كالبساط المفروش مع
كرويتها وإلا ما أمكنكم العيش والإستقرار عليها ، قال البيضاوي: جعلها مهيأة لأن
يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط وذلك لا يستدعي كونها مسطحة لأن كروية شكلها
مع عظم حجمها لا يأبى الإفتراش عليها " (1) .
ـ وجاء بسورة
الشمس الآية 6 " والأرض وما طحاها " يقول أيضا الأستاذ محمد علي
الصابوني في تفسيره " أي وأقسم بالأرض وبمن بسطها من كل جانب وجعلها
ممتدة ممهدة صالحة لسكنى الإنسان والحيوان " (2) .
ـ ويقول ابن كثير
مفسرا أيضا هذه الآية : " طحاها " أي بسطها ، وهذا أشهر الأقوال
وعليه الأكثر من المفسرين وهو المعروف عند أهل اللغة قال الجوهري طحوته مثل دحوته
أي بسطته . (3)
أما الآية
الواردة بسورة النازعات 3 والتي تقول " والأرض بعد ذلك دحاها " فإن محمد
علي الصابوني يفسرها بقوله :" أي والأرض بعد خلق السماء بسطها ومهدها
لسكن أهلها " (4) .
ـ ويفسر سورة
الغاشية الآية 20 بقوله : " (وإلى الأرض كيف سطحت) أي وإلى الأرض التي يعيشون
عليها كيف بسطت ومهدت حتى صارت شاسعة يستقرون عليها ويزرعون فيها أنواع
المزروعات ، قال الألوسي: ولا ينافي هذا القول بأنها كرة أو قريبة من الكرة لمكان
عظمها " (5) .
ويفسرها ابن كثير
بقوله: " أي كيف بسطت ومدت ومهدت "(6).
ـ وجاء أيضا
بسورة النبأ الآية 6:" ألم نجعل الأرض مهادا " فسرها م.ع. الصابوني
بقوله:"أي ألم نجعل هذه الأرض التي تسكنونها ممهدة للإستقرار عليها والتقلب
في أنحائها؟ جعلناها لكم كالفراش والبساط لتستقروا على ظهرها وتستفيدوا من
سهولها الواسعة بأنواع المزروعات "(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: صفوة
التفاسير
2: نفس
المرجع
3: ابن كثير
4: صفوة التفاسير
5:صفوة التفاسير
6: ابن كثير
7: صفوة التفاسير
الإعتراضات:
الخلاصة:
نستخلص مما سبق أن :
ـ الآيات
القرآنية لم تصرح ولو مرة بأن الأرض كروية الشكل .
ـ بل إن النص
القرآني يجزم بأن الأرض مبسوطة (سواء أكان هذا يتعارض مع كرويتها أم لا) المهم هو
أنه قال غير ما مرة بأنها مبسوطة .
ـ أقوال المفسرين
وعلماء اللغة جزمت بأن معنى "طحاها " و" دحاها " هو بسطها ،
وليس كما يقول البعض بأن الدحية هي البيضة ، ودحاها تعني جعلها مثل البيضة! .
ـ ومادام القرآن
لا يصرح إلا بكون الأرض مبسوطة فإننا نقول بأن هذه الحقيقة يقدر على قولها أي شخص
عادي ، فأين هو الإعجاز في ذلك؟؟
ـ وللإشارة فإن
زيد بن عمرو بن نفيل (مات قبل ظهور محمد) قال في أحد أشعاره :
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ
أَسْلَمَتْ
لَهُ الأرضُ تَحْمِلُ
صَخْرًا ثِقَالا
دَحَاهَا
فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ عَلَى الْمَاءِ أَرْسَى عَلَيْهَا
الْجِبَال (1)
فهل تنبأ زيد بن
عمرو هو الآخر عن كروية الأرض عندما قال (دحاها) ؟؟
من هنا يتضح أن
هذا المصطلح كان شائعا عند كل العرب آنذاك وما قاله القرآن هو ما كان بإمكان أي
عربي أن ينطق به .
ـ وبالإضافة إلى
هذا يعترضنا مشكل أكبر لو سلمنا بأن القرآن قد أشار إلى كروية الأرض وأن محمدا قد
علم بهذا الأمر، هذا المشكل سيتضح من المثال الآتي : سكان القطب الشمالي مثلا لا
يستطيعون صيام رمضان إن أخذوا بشروطه كما يوضحها الإسلام . لماذا؟ لأنه طيلة الصيف
لا يتم غروب الشمس إلا بعد أسابيع ، وصيام رمضان يعني لهم الموت جوعا لأن صيام يوم
يعني الصيام من الشروق إلى الغروب أي لمدة أسابيع بالنسبة لسكان القطب . ربما يقول
قائل : بالنسبة للحالات الخاصة كهاته يجب عليهم ألا ينتظروا غروب الشمس بل عليهم
أن يصوموا حسب عدد الساعات التي يصومها سكان مكة مثلا . لذا سأجيب قائلا بأن هذا
سيكون مجرد اجتهاد على النص القرآني وعلى السنة اللذين بحسبهما يجب على الإنسان أن
يمسك شهواته جميعها من طلوع الشمس إلى غروبها . إذن لو كان القرآن قد علم بكروية
الأرض لأعطى حينذاك حلولا مسبقة للمشاكل التي سيتعرض لها مسلمي القطب مثلا .
وبالنتيجة نخلص
إلى القول بأن الآيات القرآنية فارغة من هذه الناحية وليس فيها ماينسبه لها البعض
من إعجاز .
في الكتاب المقدس:
بعدما تفحصنا
أغلب الآيات القرآنية وأعطينا أقوال بعض المفسرين نلقي الآن نظرة على الكتاب
المقدس وبعض ما أعلنه بهذا الخصوص .
ورد بسفر إشعياء
النبي (حوالي 700ق.م) "..ألم تفهموا من أساسات الأرض؟ الجالس على كرة
الأرض وسكانها كالجندب ، الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن "
إشعياء21:40ـ22.
ـ إن هذه الآيات
لا تحتاج إلى أدنى تعليق عن الإعجاز الذي يظهر بكل جلاء في كلماتها ، فلا نرى
بأنها ذكرت أن الأرض مبسوطة الشكل الشيء الذي يمكن لأي شخص التصريح به بل تعلن بكل
جلاء ووضوح أن الأرض كروية " الجالس على كرة الأرض "! بالرغم من أن هذا
الأمر لم يكن معروفا في زمن النبي إشعياء ، لكن الوحي المقدس أعلنه على فم نبيه
ليؤمن به الناس حينذاك ولندرك نحن صحته اليوم ، وأكثر من هذا نجد في سفر أيوب
حقيقة أخرى أثبت العلم صحتها وهي مذكورة في الآية 7 من الأصحاح 26 إذ تقول "
يمد الشمال على الخلاء ، ويعلق الأرض على لا شيء "!! وهو ما معناه : أن الأرض
ليست منبسطة فوق شيء معين بل معلقة كالكرة على الخلاء على لا شيء .
أتمنى أن يكون
القارئ قد لاحظ قوة ووضوح التصريحات الكتابية وتميزها عن نظائرها من الآيات
القرآنية التي كثيرا مايؤولها المسلمون بعيدا عن معانيها الأصلية والتي أكثر ما
تحويه هو مجرد أفكار بدو شبه الجزيرة العربية آنذاك ، وهذه التأويلات المبالغ فيها
هي التي كثيرا ما سببت ولا زالت تسبب الإختلافات العقيمة حتى في أبسط المواضيع !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: سيرة النبي لابن هشام في كلامه عن زيد بن عمرو