الموضوع الثامن: أدنى الأرض
من الآيات الشائعة
والتي يفتخر بها كل المسلمين ، ما ورد بسورة الروم في بدايتها حيث تقول :"
الم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ".
سنتطرق لهذه الآيات مرة أخرى عندما نتحدث عن "الإعجاز النبوي" لكن ما
يهمنا في هذا المقام هو ما أثاره بعض علمائهم من شبهات حول هاتين الكلمتين (أدنى
الأرض) حيث ذهب بهم الأمر إلى أن قالوا بأنها تحمل بين طياتها إعجازا علميا عظيما
يتلخص في كون أرض بلا د الشام هي أخفض منطقة في كل الكرة الأرضية، وفي دراستنا
هاته لن نناقش صحة هذه المعطيات الجغرافية والجيولوجية، لأن ما يهمنا هو التأويل
الفظيع الذي يستدل به بعض المسلمين على إعجاز هاته الآيات ، وفي تحليلنا لهاتين
الكلمتين لن أقحم أي تفسير غير تفسير علماء الإسلام أنفسهم ليكون اعتراضي منطقيا
وأكثر موضوعية .
ـ قال الشيخ محمد
علي الصابوني في تفسيره لهذه الآية :" (غُلِبَتِ الروم في أدنى الأرض ) أي
هُزِمَ جيش الروم في أقرب أرضهم إلى فارس" (1)
ـ وقال ابن كثير
:" كانت الوقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى على
ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز، وقال
مجاهد : كان ذلك في الجزيرة وهي أقرب بلاد الروم من فارس" (2).
ـ وقال ابن كثير
أيضا :"قال عطاء الخرساني حدثني يحيى بن يعمر أن قيصر بعث رجلا يُدعى (قطمة)
بجيش من الروم وبعث كسرى ( شهريراز) فالتقيا بين أذرعات وبصرى وهي أدنى
الشام إليكم " (3).
الإعتراضات
كلمة (أدنى) هي اسم تفضيل
على وزن "أفعل" وهي مشتقة من فعل "دنا" الذي معناه اقترب وقد
وردت بالقرآن بهذا المعنى أيضا في سورة النجم الآيتين 8و9 "...ثم دنا فتدلى
فكان قاب قوسين أو أدنى " في شرحها قال أحد المفسرين :" أي ثم اقترب
جبريل من محمد وزاد في القرب منه ، فكان منه على مقدار قوسين أو أقل " (4)
وقال الألوسي" والمراد إفادة شدة القرب فكأنه قيل : فكان قريبا منه "
(5) .
إذن فكلمة أدنى يمكن تعويضها
"بأقرب" " أي" غلبت الروم في الأرض(إلى فارس)" فلماذا
يحاول آخرون توهيمنا بأنها تفيد غير ذلك ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: صفوة
التفاسير
2: ابن كثير
3: ابن كثير
4: صفوة التفاسير
5: الألوسي
فمن هم إذن الذين
يحرفون الكلم عن مواضعه؟؟ ومن هم الذين يلوون به كتاباتهم وليس ألسنتهم فقط؟ فهل
"أدنى" هي "أخفض"؟ أبدا! الكلمتان متميزتان تماما ولو أراد
القرآن إعلان ما يزعمون لما غابت عنه "أخفض" حتى يستعمل بديلا عنها
ويوقع العديدين في الشبهات ، ولذلك أقول إنه محض تحريف للآيات القرآنية ، وماهو
بالإعجاز.
وأحيي روح الإخلاص التي تطبع قلوب بعض
المفسرين للقرآن والذين أبوا إلا إبقاء الكلمة داخل سياقها وبمعناها الأصلي ولم
يحرفوا الكلام ليشتروا به ثمنا قليلا ، بل أثبتوا لنا أن "أدنى" تعني
"أقرب" ولا شيء غير ذلك .
وفي ختام هذا
الموضوع أرى بأن الإعجاز الذي يتخيله بعض علماء الإسلام يصح القول فيه ما قالته
آيات القرآن التالية " كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده
شيئا " !!
المؤسس الأرض على
قواعدها فلا تتزعزع إلى الدهر والأبد مزمور 5:104