الفصل الثاني
جنسية كاتب إنجيل برنابا
تدل محتويات إنجيل برنابا على أن أحد المدّعين كتبه في القرن السادس عشر، كما تدل أيضاً على أن كاتبه كان من أهالي غرب أوروبا، وبالتحديد من أهالي أسبانيا، وليس من أهالي فلسطين، وذلك لسببين
(1) جهله بتاريخ وجغرافية فلسطين، وتأثّره بتاريخ وجغرافية غرب أوروبا وبصفة خاصة أسبانيا.
(2) جهله بالحالة الاجتماعية في فلسطين، وتأثّره بالحالة الاجتماعية في غرب أوروبا لا سيما أسبانيا، كما يتضح مما يلي:
1 - جهله بتاريخ وجغرافية فلسطين، وتأثّره بتاريخ وجغرافية غرب أوروبا لا سيما أسبانيا
أ - جاء في فصل 20: 1 و92: 3 أن الناصرة (التي وُلد فيها المسيح) وأورشليم (عاصمة اليهود قديماً) هما ميناءان على البحر. وجاء في 139: 13 و143: 1 أن المسيح هرب إلى دمشق واتّخذها مركزاً للاجتماع بتلاميذه. مع أن الناصرة مدينة في السهل، وأورشليم مدينة على الجبل، ودمشق عاصمة سوريا، ولا تقع في بلاد فلسطين التي عاش المسيح فيها.
ب - وجاء في فصل 92: 1 أن يسوع ذهب مع تلاميذه إلى جبل سينا وقضى معهم هناك 40 يوماً في الصوم، مع أن جبل سينا يبعد كثيراً عن بلاد فلسطين التي عاش فيها المسيح، فلا يمكن أن يكون المسيح قد ذهب مع تلاميذه إليه. أما الجبل الذي كان يذهب إليه معهم، فهو جبل الزيتون قرب أورشليم.
ج - وجاء في فصل 169: 13 أن الحقول والأودية في فلسطين تكون جميلة في فصل الصيف، مع أن فلسطين قاحلة تقريباً في الصيف، لأنها تعتمد على الأمطار التي لا تسقط إلا في الشتاء. أما في غرب أوروبا فالأودية والحقول تكون جميلة في فصل الصيف، لأن الأنهار هناك طويلة ودائمة الجريان.
د - وجاء في فصل 109: 9 أنه توجد في فلسطين مقاطع للأحجار والرخام، مع أن هذه المقاطع لا توجد هناك، بل توجد بكثرة في إيطاليا وأسبانيا. وقد أشار إلى وجودها في أسبانيا كتاب ظهر الإسلام ج3 ص 16 .
ه - وجاء في فصل 3: 2 أنه عندما وُلد يسوع كان بيلاطس والياً على اليهود، وكان حنان وقيافا رئيسي كهنة. وجاء في 131: 6 و217: 61 أن هيرودس ملك الجليل كان يعبد الأوثان، مع أن بيلاطس كان والياً على اليهود في المدة من سنة 26-36م، وحنَّان كان رئيساً للكهنة في المدة من سنة 6-15م، وقيافا في المدة من سنة 18-36م بعد ولادة المسيح بعدة سنوات. وهيرودس كان أدومياً لكنه تهوّد وبنى هيكل أورشليم ولذلك كان يحضر إليها في الأعياد (لوقا 23: 7).
و - وجاء في فصل 63: 4-7 أن الله عزم على إهلاك نينوى، لأنه لم يجد أحداً يخاف الله في تلك المدينة التي بلغ من شرها أن دعا الله يونان النبي ليرسله إلى تلك المدينة، فحاول الهرب إلى طرسوس خوفاً من الشعب، فطرحه الله في البحر، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى . مع أن المعروف أن مدينة نينوى كانت عاصمة الإمبراطورية الأشورية. وقد شُيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة، على فم رافد صغير اسمه رافد الخسر. فهي إذن لم تكن على البحر الأبيض المتوسط كما قال الكاتب.
2 - جهله بالحالة الاجتماعية في فلسطين، وتأثره بالحالة الاجتماعية في غرب أوروبا لا سيما أسبانيا
أ - جاء في فصل 152: 25 أن اليهود في فلسطين كانوا يضعون الخمر في براميل يمكن دحرجتها، مع أنهم كانوا يضعونها في زقاق من الجلد (يشوع 9: 13). أما البلاد المشهورة بصناعة الخمور وتقوم بحفظها في براميل فهي بلاد غرب أوروبا، وخاصةً إيطاليا وفرنسا وأسبانيا.
ب - وجاء في فصل 140: 9 أن العساكر كانوا يتدربون على الفنون الحربية في زمن السلم، مع أن هذا التدريب لم يكن مألوفاً في فلسطين أثناء وجود المسيح على الأرض، بل كان مألوفاً فقط في بلاد غرب أوروبا ابتداءً من حوالي القرن العاشر، وفي غيرها من البلاد، في الوقت الحاضر.
ج - وجاء في فصل 91: 10 أنه كان في فلسطين ثلاثة جيوش بكل منها 000ر200 جندي مسلَّحون بالسيوف. وفي 91: 11 أن هيرودس الملك لم يكن له احترام عسكري في فلسطين. وفي فصل 152 أن السلطتين الدينية والمدنية كانتا تسمحان للرومان بالدخول إلى الهيكل اليهودي لمجادلة يسوع في الأمور الدينية، مع أن الرومان كانوا يحتلون فلسطين وقتئذ، ولم يسمحوا بتكوين جيوش مثل هذه فيها. وأن هيرودس بوصفه نائباً عن قيصر كانت له السلطة الكافية في هذه البلاد. وأن الرومان، مثل غيرهم من الشعوب الوثنية، لم يكن يُسمَح لهم بالدخول إلا إلى دار الأمم، وهي بعيدة عن الهيكل ويفصلها عنه ثلاثة حواجز هي: دار إسرائيل، ودار النساء، ومساكن الكهنة.
د - وجاء في فصل 2: 1 أن العذراء مريم لما وجدت أنها حبلى خافت أن يرجمها الشعب بتهمة الزنى، فاتّخذت لها عشيراً يُدعى يوسف. مع أن اتخاذ الفتاة عشيراً لها لم يكن معروفاً في بلاد فلسطين، بل في أوروبا. أما العذراء مريم فكانت مخطوبة ليوسف قبل أن يبشرها الملاك بالحبل بالمسيح (لوقا 1: 26 و27).
ه - وجاء في فصل 194: 3 ما يدل على أن مريم ومرثا ولعازر الوارد ذكرهم في يوحنا 11 و12 كانوا من الموالي الذين يتصرّفون في أرضهم وفي الفلاحين الذين لديهم تصرُّف المالك الذي لا حدود لسلطته، مع أن هذا التصرف لم يكن له وجود إلا في نظام الإقطاع الذي نشأ في غرب أوروبا في العصور الوسطى. وقد أشار الدكتور حسين مؤنس إلى وجود الإقطاعيين وقتئذ، وإلى استخدامهم للرقيق في بلاد الأندلس (أي أسبانيا) في كتابه (فجر الأندلس ص27 و472).
و - وجاء في فصل 141: 17-20 وصف للمبارزات التي تقوم بين العشّاق. وفي 217: 63 أن يهوذا الإسخريوطي عندما صرخ أنه ليس يسوع، رماه اليهود بالحُمق، ووضعوا عليه رداءً أبيض. مع أن هذه المبارزات لم يكن لها وجود إلا في غرب أوروبا قبيل الثورة الفرنسية، وكانت تُسمى وقتئذٍ الفروسية . وأن الرداء الأبيض كان علامة الحداد على الموتى في أسبانيا (أو الأندلس) لغاية القرن الخامس عشر، وقد أشار إلى هذه الحقيقة كتاب (ظهر الإسلام ج3 ص8).
ز - وجاء في فصل 153: 8 و154: 1 أن السارق يُعدم شنقاً والقاتل تُقطع رأسه، مع أن هاتين العقوبتين كانتا تُطبَّقان في غرب أوروبا في العصور الوسطى وليس في بلاد اليهودية، لأن السارق في هذه البلاد كان يُعاقب بردّ خمسة أو أربعة أمثال ما سرق إذا كان قد باعه، وضِعف ما سرقه إن لم يكن قد باعه (خروج 22: 1-15) وذلك بالإضافة إلى الذبيحة الكفارية التي كان يجب أن يقدمها عن خطيته. وأن من يقتل سهواً، كان يُصان من القتل بالالتجاء إلى أحد مدن الملجأ. أما من يقتل عمداً فكان يُقتل بأي وسيلة، وليس بقطع رأسه فقط (عدد 35: 9-28).
ح - وجاء في فصل 69: 4-9 أن الكهنة كانوا يشغفون بركوب الخيل، دون أن تكون لهم الرغبة في الذهاب إلى الحروب. كما أنهم كانوا يحبون المجد كالجمهوريين، دون أن تكون لهم الرغبة في القيام بأعباء الجمهورية. مع أن ركوب الخيل لم يكن شائعاً في فلسطين أيام المسيح، كما أنه ليس من تعاليم المسيح أن يدعو إلى الحروب. كما أن الرومان الذين كانوا يحكمون فلسطين بيدٍ من حديد، لم يكونوا يسمحون لأحدٍ من أهلها أن يفكر في الحكم الجمهوري. ولكن هذه الأمور الثلاثة (الخاصة بركوب الخيل، والحروب، والحكم الجمهوري) كانت من الأمور الشائعة بين سكان غرب أوروبا في أواخر العصور الوسطى.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن كاتب الإنجيل المسمى إنجيل برنابا لم يكن واحداً من تلاميذ المسيح، ولا من سكان فلسطين، إنما كان من سكان غرب أوروبا في أواخر العصور الوسطى. فلا يجوز الأخذ بما كتبه عن المسيح، لا سيما وقد ظهر جهله بالكثير عن فلسطين التي عاش المسيح وتلاميذه فيها.