. أن كلمة "الإنجيل " لفظة يونانية ، معربة ، ومعناها المكافأة التي تعطى لحامل "الخبر السار " ، وبعد ذلك تطور استخدامها لتعني " البشرى" أو "الخبر المفرح" ثم بعد ذلك اقتصر استعمالها لتعني بشرى الخلاص الذي جاء المسيح يسوع به ، بمعنى التعاليم التي تحتوى على حقائق تلك البشرى ، ثم سيرة المسيح يسوع التي جسدت تلك البشرى افضل تجسيد
. وكلمة الإنجيل بهذا المعنى ، لم تعنى في الأصل أي كتاب ، بل هي البشرى نفسها ونقلها ، وقبل تدوين الإنجيل كتابة كان" الإنجيل الشفهي" - أي نقل البشرى شفهيا على لسان الرسل وتلاميذهم - وكان قد انتشر في الإمبراطورية الرومانية كلها ، والتي كانت تعني في ذلك الوقت العالم كله
. ولم يكتب المسيح يسوع إنجيلا، ولم يطلب من تلاميذه أن يكتبوا ... ولكنه طلب منهم أن ينطلقوا إلى الخليقة كلها يحملون لها بشرى الخلاص
. ويقول الرسول بولس أن الله الذي كلم الآباء قديما بواسطة الأنبياء مرارا كثيرة وبطرق شتى (عبرانيين 1 : 1 ، 2) كلمنا نحن أخيرا بمن هو نفسه كلمة الله ويقول الرسول يوحنا في مطلع رسالته الأولى : أن الذي سمعه الرسل ورأوه بعيونهم وتأملوه ولمسته أيديهم ، به بشروا العالم ناقلين إليه الإنجيل ، أي بشرى الرجاء والخلاص ( رسالة يوحنا الأولى 1 : 1 )
. وهذه البشرى هي التي نقلها الرسل إلى أماكن تبشيرهم شفهيا ، ثم اعتمدوه فيما بعد من دون مضمونه (مضمون بشرى ، مضمون الإنجيل) كتابة . وكان المسيحيون الأولون متعطشين إلى بشرى أقوال المسيح يسوع وأفعاله ، لهذا بدأ البعض بتدوين ما يرون في حفظه وتدوينه فائدة لهم ، إلى جانب التعليم الشفهي - هذا أيضا لتعليم الراغبين في دخول الدين الجديد
. وما لبث قادة المسيحية أن شعروا بضرورة التثبت من المواد المكتوبة وتنسيقها لتبقى مرجعا وثيقا للجماعات المسيحية بعيدة عن كل شبهة أو تلاعب أو تحريف
. وكان لابد من العمل في زمن رسل المسيح يسوع أنفسهم ، وهم الذين تلقوا البشرى وعاشوها قبل ا ن ينقلوها لغيرهم ، فعمد البعض بوحي من الروح القدس إلى تدوين الإنجيل كتابة ، فكانت الروايات الأربع التي نسميها الأناجيل الأربعة ، الموجودة اليوم بالكتاب المقدس : أربعة أناجيل مع أن الإنجيل واحد ، أي أنها تحمل مضمون واحد. ذكرت أن كلمة الإنجيل لم تعن في الأصل أي كتاب ، بل هي بشرى المسيح يسوع ولم يدون المسيح يسوع إنجيلا ولا طلب من تلاميذه هذا . فوحي المسيحية ليس من الدرجة الأولى وحي كتاب ينزل حروفا وكلمات ، بل وحي شخص حي ( لذا فنحن نرى بأن نعت المسيحيين بـ " أهل الكتاب " يحتاج إلى مراجعة )، هو المسيح يسوع نفسه . ولما بدأ رسل المسيح يسوع يدونون البشرى التي هي الإنجيل دونوها في أربع روايات . أي أن نقل تلك البشرى إلينا وصل في روايات أربع تتفق جوهرا وموضوعا، لأصل واحد ، وتوافقها تام
. الإنجيل" البشرى "واحد إذا ، أما مدونوه فأربعة :" متى" و "مرقس" و "لوقا" و "يوحنا" - متى ويوحنا من تلاميذ المسيح يسوع الاثنى عشر. مرقس تلميذ الرسول بطرس ولوقا تلميذ الرسول بولس - وقد كتب مرقس ولوقا تحت إشراف الرسولين بطرس وبولس
. كتب متى قصة البشرى لبنى قومه من اليهود ، وهذا واضح من اهتمامه بنبوات التوراة عن المسيح يسوع وكيف تحققت كلها بمجيء المسيح يسوع . أما مرقس فقد دون قصة البشرى عندما كان في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية ، وهو موجه للمسيحيين الذين جاءوا من خلفية رومانية لذلك فان مرقس يُنبر على ما يستدعى انتباه الرومان من مظاهر قوة المسيح يسوع وعظمته . وكتب لوقا تدوينه للبشرى إلى المسيحيين الذين جاءوا من خلفية يونانية ، لذلك تراه يشدد على الإرادة والقلب اللذين بدونهما لا يكتمل الإنسان واللذين بهما ظهرت محبة الله للبشر حتى ُسمى إنجيل لوقا بـ" إنجيل الرحمة"وهو ما يشبه إلى حد بعيد روايات القرآن المتفرقة عن المسيح . أما يوحنا فقد كتب البشرى بعد انتشار المسيحية ، فكتب لتوضيح بعض الأمور ، وللرد على بعض الأفكار التي دخلت إلى التعليم المسيحي
. ومنذ نشأة الكنيسة لم تعرف سوى إنجيل واحد في رواياته الأربع التي ذكرناها ، وقد نسبت إلى أصحابها بإسناد متواتر ووثائق تاريخية لا يرقى إليها الشك . فالإنجيل واحد ورواياته الموحاة هي الأربع المذكورة فقط ويوجد اليوم نسخ من الأناجيل في اصلها اليوناني تعود في التدرج الزمني من أوائل القرن السادس إلى أوائل القرن الثاني الميلادي ، وكلها في مختلف أزمنتها ومكانها متوافقة في ما بينها ومتوافقة مع النصوص الأصلية التي لا تزال بين أيدينا اليوم ، لم يحدث في أي منها تحريف أو تغيير
ولم نسمع عبر الأزمنة عن دعوة الإنجيل إلا بلفظة تعنى المفرد وليس الكثرة ، ففي القرآن نجد لفظة " أهل الإنجيل " أو " أهل الكتاب " وهي اللفظة التي تشمل اليهود والمسيحيين على كتاب واحد . بلا شك السؤال يحتاج إلى أكثر من هذه الإجابة ، ويمكنك الرجوع
( هل الكتاب المقدس هو كلمة الله ؟ ) لتفاصيل أكثر في : هل تقبل التحدي ؟