. يحوي الكتاب المقدس لا أقل من ستة وستين سفراً، يتوزع تاريخ وضعها علي مدى قرون. وقصة كتابة الكتاب المقدس ونقله من جيل إلى جيل، وكيف تم اختيار أسفاره هي قصة مثيرة للغاية، وبالتالي هامة جداً، من حيث أن الكتاب المقدس هو أساس الإيمان والتعليم في الكنيسة المسيحية بكاملها
. من الصعوبة بمكان البحث في تاريخ نص العهد القديم وكيفية جمع أسفاره لسبب الفارق الزمني الذي يفصلنا عن مواده، أضف صعوبة أخرى، هي أن العبرانيين كانوا يتلفون المخطوطات القديمة عندما ينسخون مخطوطات جديدة. فحتى زمن الاكتشاف البارز لمكتبة قمران – مخطوطات البحر الميت – في العام 1947، كان أقدم ما لدينا من المخطوطات العبرية الخاصة بالعهد القديم نسخ من القرن التاسع الميلادي لأسفار التوراة الخمسة الأولى والأسفار التاريخية والنبوية. هذه المخطوطات تحفظ لنا المعروف "بالنص الموسوي" الذي جرى تحريره ووضع في شكله الثابت حوالي العام 5.. ب. م. وجميع المخطوطات اللاحقة تتفق بدقة مع هذه النصوص الآتية من القرن التاسع ب. م.، وهي شهادة للعناية الفائقة التي أولاها النساخ لعملية نقل النص العبراني
. أما نصوص قمران فترجع بنا ألف سنة إلي الوراء إلي القرن الأول قبل الميلاد. ومع أن قليلاً من النصوص المكتشفة يحوي أسفاراً كاملة، فإن للقصاصات الباقية قيمة عالية لكونها تثبت العناية التي تم فيها نقل النص من مخطوطة إلى أخرى. هذه المكتشفات تؤكد أن النص العبراني حفظ في تلك المرحلة الباكرة بالعناية ذاتها التي حفظ فيها لاحقاً. بالطبع لا نزال نرغب في الحصول علي مكتشفات أبكر لبعض الأسفار الأقدم عهداً، بيد أن واقع عناية اليهود في نقل أسفار الكتاب المقدس وحفظها بالدقة المعهودة علي مدى قرون يعلن الكثير عن نص العهد القديم وصدقيته. وهذا طبعاً لا يعني أن ليس ثمة مشكلات. فهناك عدد من الموضوعات في النص الأصلي حيث الكلمات غير واضحة، وما على الناسخ أو المترجم في هذه الحال إلا أن يرشد بأقرب ما يمكن أن يعنيه النص
أول ترجمة للكتاب المقدس
. مع صعوبة إدراك معنى بعض الآيات المبهمة فإننا لا نبقي حيارى. إذ يمكن الاستعانة بالترجمة اليونانية للعهد القديم المعروفة بالسبعينية ورمزها (LXX). هذه الترجمة كان يستعملها اليهود الناطقون باليونانية في بداية العصر المسيحي، وكذلك المسيحيون الأولون. وتاريخ وضع هذه الترجمة غير واضح، لكن التقليد يعود بها إلى زمن بطليموس فيلادلفوس المصري (285 – 246 ق. م.)
. وقد زودنا اكتشاف إدراج البحر الميت أيضاَ بأقدم مخطوطات لأجزاء من العهد القديم اليوناني. ووجد العلماء تشابهاً كبيراً بين هذه المكتشفات ونصوص الترجمة السبعينية المعروفة سابقاً، غير أن الاختلاف، على محدوديته، جعل بعض العلماء يعتقد بأن مخطوطات قمران تكشف نصاً أسبق. إن النص العبراني مبدئياً هو الأساس، ويعتمد عليه أكثر من الترجمة السبعينية، وذلك لأن المترجمين ترجموا بحرية في مواضع كثيرة. ورغم هذا يمكن أن نجد حالات حفظ لنا فيها النص اليوناني المترجم قراءات أسلم وأقدم مما في المخطوطات العبرانية الموجودة بين أيدينا
. وفضلاً عن الترجمة السبعينية كان ثمة عدد من النصوص المترجمة إلى اليونانية قيد الاستعمال خلال القرون الأولي للعصر المسيحي. فأوريجانوس الإسكندري صنف كتاباً يعرف باسم Hexapla (أي السداسي) وضع فيه النص العبراني والترجمة السبعينية في أعمدة متقابلة مع نصوص ترجمات أكيلا، وسيماخوس، وثيودوشن، وأخيراً تنقيحه هو للنص. وفاقت الترجمة السبعينية غيرها من الترجمات إلا في سفر دانيال حيث حلت ترجمة ثيودوشن محل نص دانيال لركاكة الترجمة في السبعينية. ووضع بعد أوريجانس كل من لوقيان وهسيخيوس، وهما مسيحيان، ترجمتين أخريين للعهد القديم العبراني في اليونانية
. ومع انتشار المسيحية في البلدان غير الناطقة باليونانية، وضعت ترجمات للكتاب المقدس في اللاتينية والسريانية والقبطية، بإزاء التطور والازدياد في مخطوطات نص العهد الجديد التي نتحدث عنها لاحقاً
جمع كتب العهد القديم
. قصة جمع كتب العهد القديم بها في مجموعة واحدة قانونية، ليست سهلة التحقيق أيضاً لسبب عدم توافر المعلومات. وما لدينا من المعلومات يكفي لمعرفة ما كان يتضمن العهد القديم في المرحلة التي سبقت العصر المسيحي مباشرة. وهذا يتلاءم إلى حد كبير مع ما اعتبره يسوع وتلاميذه كتاباً مقدساً. ثمة تقليد يهودي قوي يقول إن عزرا الكاتب هو الذي وضع اللائحة القانونية بالأسفار المعترف بها. مع أن لوائح بكتب الشريعة الخمسة وبعض الأنبياء كانت موضوعة قبل زمن عزرا
. تتضمن لائحة الأسفار القانونية العبرانية ثلاث مجموعات: الشريعة، والأنبياء والكتابات. (وهذه الأخيرة تحوي أيضاً كتب أدب الحكمة وبعض الكتب التاريخية مثل عزرا ونحميا وأخبار الأيام وكتاب نبوي واحد دانيال). إن مقدمة الكتاب الأبوكريفي يشوع بن سيراخ (حوالي 13. ق. م.) تتضمن إشارة إلي هذه المجموعات الثلاث دون ذكر ما تحويه كل مجموعة. ثم تم اكتشاف نصوص أو مقاطع لكل أسفار العهد القديم في مكتبة قمران ما عدا كتاب أستير (الذي يمكن أن يكتشف بعد)
. ذكر المؤرخ يوسيفوس من القرن الأول الميلادي وجود 22 سفراً في العهد القديم. واعترف كتاب رؤيا عزرا (حوالي 1.. ب. م.) بوجود 24 سفراً. وهذان الرقمان يتطابقان، هذا إذا كان يوسيفوس جعل سفر راعوث وسفر القضاة وسفر مراثي أرميا ضمن سفر أرميا. إن الأسفار الأربعة والعشرين في اللائحة القانونية العبرانية توازي في عددها الأسفار التسعة والثلاثين التي في التوراة اليونانية (وهذا عائد إلي أن صموئيل والملوك وأخبار الأيام وعزرا ونحميا والأنبياء الصغار وعدد أسفارهم 12 بحسب كل منها سفراً واحداً في التوراة العبرانية)
. يقتبس العهد الجديد آيات من معظم كتب العهد القديم. هذا يعني أن مجموعة الكتب القانونية التي عرفها يسوع واستعملها هي ذاتها التي استعملها اليهود عامة وكانت معروفة لدى يوسيفوس. أما كتب الأبوكريفا (وتسمى أيضاً الكتب القانونية الثانية) التي تضمنتها مجموعة الأسفار اليونانية في الترجمة السبعينية، لكن استثنتها التوراة العبرية، فواضح إنها لم تكن معتبرة في مقام أسفار الكتاب المقدس في عصر الرسل، ولم يقتبس منها العهد الجديد بطريقة توحي أنها ذات سلطة. وقد برز بعد ذلك في بعض الأوساط، اعتبار أعلى لهذه الكتب. ولكن حيث اعتبرت أسفار التوراة العبرانية قانونية، لم تعتبر كتب الأبوكريفا من ضمن مجموعة الأسفار القانونية
. عندما نأتي إلي نص العهد الجديد يواجهنا سيل من المخطوطات بحيث أن المشكلة تصبح في كيفية وضع بعض المبادئ الأساسية لتحديد قراءاته. لدينا اليوم ألوف من مخطوطات الإنجيل، علي نقيض المخطوطات الباقية القليلة العدد للمؤلفين الكلاسيكيين. أضف إلى هذه الألوف من المخطوطات مئات تحوي ترجمات للإنجيل إلى اللاتينية، والسريانية، والقبطية ولغات أخرى. وفي حوزتنا أيضاً اقتباسات من العهد الجديد بقلم آباء الكنيسة الأوائل، لكن هذا الدليل الأخير يجب أن يستخدم بتحفظ، بسبب عدم الدقة في الاقتباس عند بعضهم
. تحوي الغالبية العظمى من مخطوطات الإنجيل اليونانية نصاً موحداً يرجع إلي القرن الخامس. وثمة عدد قليل من المخطوطات التي يبدو أنها تحفظ نصاً يرجع إلي عصر أبكر بكثير من تلك. والذين يعملون في تحقيق النص اليوناني للعهد الجديد يولون هذه أهمية أكبر. أول من أصدر نسخة مطبوعة لنص العهد الجديد كان ايراسموس وذلك عام 1516. قبل هذا لم يخطر في بال أحد أن يفحص تاريخ النص اليوناني للعهد الجديد. كان الجميع يفترضون بلا سؤال صحة النص الموحد التامة، مدعوماً بالكتاب المقدس في اللغة اللاتينية (الفولغاطا). لكن عدداً من الطبعات المنشورة في القرنين السادس والسابع عشر لاحظت قراءات في مخطوطات تختلف عن النص الموحد. أهم هذه الطبعات أصدرها إستفانوس واعتمدت في انكلترا في ترجمة الملك جايمس المشهورة، وثانية أصدرها ايلزفير أصبحت النص المعتمد في أوروبا القارة وغدا اسمها Texts Receipts أي النص المستلم أو المقبول
. بقي النص اليوناني الموحد من دون أي تعديل يذكر إلى أن ابتدأ علماء تحقيق النصوص يفحصون تاريخه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فاكتشفوا أن مخطوطات عديدة قديمة تختلف في بعض قراءاتها عنه. فبنغل مثلاً كان واحداً من العلماء الذين وضعوا المبدأ القائل: إن أقدم مخطوطة ما ونوعيتها أهم من كمية كبيرة من المخطوطات المتأخرة وإن اتفقت علي قراءة واحدة. وغريسباخ طور فكرة جمع المخطوطات في فصائل طبقاً لميزات معينة. هذه المحاولات أدت إلي التخلي عن النص الموحد الذي يعتمد مخطوطات القرن الخامس والتحول إلي نص يعتمد علي مخطوطات أقدم مثل النص الإسكندري (أو المحايد) والنص الغربي
اختلاف في المخطوطات
. تختلف مناهج نشر الكتب قديماً اختلافاً بيناً عما هي اليوم. كان نسخ المخطوطات يتم غالباً بطريقة الإملاء. حيث يقرأ أحد النساخ النص بصوت عال ويقوم مجموعة منهم بالتدوين. من الطبيعي أن يحصل أخطاء في التدوين بسبب خطأ في السمع. هذه الأخطاء النسخية يسهل في الغالب ملاحظتها. وعندما يقوم فرد بنسخ مخطوطة وحده يصبح عرضة لأن يرتكب سهواً أخطاء في النسخ بسبب غلط في قراءته أو انتقال نظره. كانت المخطوطات في ذلك العصر غالية الثمن لسبب الجهد الكثير الذي يبذل في كتابتها. لذلك نجد المخطوطات محفوظة عند الجماعات، مثل الكنائس، لا عند الأفراد العامة
. استعمل النساخ في زمن الكنيسة الأولى ورق البردي في صنع المخطوطات وإدراج رقوق الجلد، وهذه كانت قيد الاستعمال منذ قرون. لكن ثمة معطيات كافية للاعتقاد بأن المسيحيين الأولين (في القرن الثاني الميلادي) إبتدأوا باستعمال "السفر المجلد" أو شكل الكتاب بدلاً من الدرج الملفوف لسهولة استعماله كمرجع. فقد كان نسخ العهد الجديد بكامله يحتاج إلى عدد من الأدراج، لكن إذا تم النسخ بالخط المتصل يمكن في هذه الحال لمجلد (سفر) واحد أن يحتويه
مخطوطات العهد الجديد
. بين أهم المخطوطات المعروفة اليوم مجموعتان منسخوتان علي ورق البردي، هي برديات بومير (يرجع تاريخها إلي نهاية القرن الثاني) وبرديات شستر بيتي (يرجع تاريخها إلي بداية القرن الثالث أو منتصفه). تحوي هاتان المجموعتان مقاطع متناثرة من العهد الجديد لا كله. لكن هناك مخطوطتان وضعهما في القرن الرابع في مدينة الإسكندرية نساخ محترفون، تحويان معظم العهد الجديد. هما المخطوطة السنائية وتتضمن العهد الجديد بكامله، والمخطوطة الفاتيكانية وهي أقدم بقليل من السينائية وتتضمن العهد الجديد من البداية حتى رسالة العبرانيين 9 : 13
. يتفق معظم العلماء في علم تحقيق النصوص على أن هاتين المخطوطتين تحويان نصاً يونانياً للعهد الجديد أنقى من النص الذي أعتمد في القرن الخامس. وعليهما أعتمد العالمان وستكوت وهورث في القرن التاسع عشر لتحقيق النص اليوناني الذي أصدراه. ونص هاتين المخطوطتين يوضع في صلب معظم النصوص اليونانية المحققة التي تنشر اليوم. نجح علماء تحقيق النصوص بعد قرنين ونصف من العمل الجاد في وضع نص العهد الجديد هو أقرب ما يمكن للنص الأصلي. ولا يزال يدور إلى اليوم جدل حول صحة بعض القراءات لكن هذا أمر غير هام ولا يؤثر في التعليم الأساسي الواضح في العهد الجديد
جمع كتب العهد الجديد
. إن تتبع كيفية وصول العهد الجديد إلينا من البداية إلى ما هو عليه اليوم أمر شيق للغاية. ورغم ندرة المعطيات فإن لدينا ما يكفي لجمع أجزاء ما حدث في قصة متتابعة. كانت الكنيسة في القرن الأول تقرأ من العهد القديم في اجتماعات العبادة، ومن الطبيعي أن تضاف قراءة موثوق بها من كتاب يحوي سيرة حياة يسوع المسيح وموته. في البداية كان الرسل يؤدون في اجتماعات العبادة شهادة كلامية لكن بعد موتهم احتاجت الكنيسة إلى سجل مكتوب يحوي تعاليمهم. فأضافت الكنائس رسائل الرسل إلي البشائر بسبب الحاجة إلى إرشاد للسلوك المسيحي الصحيح. وأضيف سفر الأعمال الذي هو تكملة لإنجيل لوقا وحاوي القصة الوحيدة الموثوق بها عن بداية المسيحية. وأضيف أيضاً سفر الرؤيا الذي كتبه يوحنا وكان لهذا الكتاب شعبية كبيرة في زمن اتصف بالاضطهادات المريرة
. ما هي البراهين التي لدينا حول كيفية جمع كتب العهد الجديد لتكون كتاباً واحداً؟ لدينا معطيات كافية لتشكيل صورة حول الوضع، ففي هذا الوقت كانت البشائر الأربع وحدها قيد الاستعمال الرسمي. يؤكد ذلك ما ذكره ايريناوس عن "الأناجيل الأربعة"، وهو من آباء الكنيسة الأولين، وكانت له علاقات وثيقة بكنائس الشرق والغرب. وأيد ترتوليان وآباء آخرون في زمانه صحة هذا الأمر. ورغم الكتب الكثيرة المنحولة (وبعضها وضعه هراطقة) ومنها "أناجيل"، فما من دليل على أن أناجيل أخرى غير متى ومرقص ولوقا ويوحنا قبلت ككتب مقدسة في الكنيسة المتسقيمة الإيمان. نعم، في نهاية القرن الثاني كانت البشائر الأربع وأعمال الرسل "كتباً مقبولة" بلا جدل. كذلك لقيت رسائل بولس في هذا الوقت ما لاقته الأناجيل الأربعة من اعتبار
ملاءمة حاجات الكنيسة
. وثمة دلائل أخرى علي قبول رسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى، أما باقي كتب العهد الجديد فالدلائل علي قبولها قليلة. في الواقع أن تاريخ جمع كتب العهد الجديد في كتاب واحد قانوني في القرنين الثالث والرابع يدور حول مقام هذه الكتب الباقية. كان سفر الرؤيا قيد التداول في القرنين الثاني بكل تأكيد، لكن استعماله انتشر بشكل واسع في القرن الثالث، وهناك أدلة علي ذلك. كانت الرسالة إلى العبرانيين معروفة في تاريخ باكر، واقتبس منها اقلمندوس أسقف روما حوالي العام 95م. غير أن الغر تردد في قبولها بعد ذلك أكثر من الشرق. أنكر أوريجانوس نسبتها إلي بولس، لكنه قبلها كرسالة رسولية. إما قبول الكنائس الغربية لهذه الرسالة بشكل عام فحدث في القرن الرابع. فقد قبلت كنائس كثيرة نسبة الرسالة إلى بولس، بيد أن عدداً من آباء الكنيسة (منهم أغسطينوس) تبنوا نظرة أوريجانوس. وفي عصرنا الحاضر سادت نظرة أوريجانوس معظم العالم المسيحي
. واجهت الرسائل "العامة" – بطرس الثانية ورسالتا يوحنا الثانية والثالثة، ويعقوب ويهوذا – مقاومة من قبل بعض الكنائس، ولم يشر إلى الأسباب. لكن يبدو أن جدلاً كان يدور حول ملاءمة محتواها أكثر مما كان الأمر شكاً بصحة نسبتها إلى مؤلفيها. إن اختيار الكتب "المصادق عليها" تأثر إلى حد كبير بملاءمة هذه الكتب للقراءة الجهارية في الكنائس، من هنا قلة استعمال هذه الرسائل القصيرة لهذا الغرض
. إلى الآن لم نأت علي ذكر المجامع الكنسية ورأيها في هذا الموضوع، لذلك لأن المجامع لم تصدر أي قرار بشأن كتب العهد الجديد إلا بعد أن تثبتت قانونية هذه الكتب وأصبحت قيد الاستعمال في الكنائس المحلية. ولائحة كتب العهد الجديد التي أقرها مجمع لاودكية (363 ب.م.) وأختها التي أقرها مجمع قرطاجة (397 ب.م.) كانتا مماثلتين للائحة العهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم، ما عدا أن اللائحة الأولى لم تأت علي ذكر سفر الرؤيا. من الواضح أن لائحة أسفار العهد الجديد القانونية لم تتكون نتيجة لقرارات المجامع الكنسية، لكنها نشأت حسب حاجات الكنيسة. أما العامل الرئيسي الذي ساد اختيار هذه الكتب فكان "الرسولية" أي الاعتقاد أن هذه الكتب تمثل العصر الرسولي
ترجمات الكتاب المقدس
. وفي سياق السير في تاريخ الكتاب المقدس إلى اليوم، لابد من الإشارة إلى الترجمات المهمة، كالترجمة اللاتينية الفلغاطا التي كانت الترجمة الرسمية للكنيسة في القرون الوسطي. وبعد الإصلاح الإنجيلي نشأت رغبة لترجمة الكتاب المقدس إلي لغة الشعب في مختلف البلدان بحيث يتمكن الناس من فهم كلام الله. وبرز أيضاً اهتمام جديد باللغات التي كتب بها الكتاب المقدس، ورغبة في تأسيس الترجمات علي "النص الأصلي" للكتاب المقدس لا على ترجمة الفلغاطا، تبنت الكنائس اللوثرية في ألمانيا رسمياً ترجمة مارتن لوثر. وتم نقل الكتاب المقدس إلى عدد من لغات أوروبا الأخرى
ترجمات الكتاب المقدس إلى اللغة الإنكليزية
. جرت في إنكلترا محاولات كثيرة باكرة لترجمة أجزاء من الكتاب المقدس إلي لغة البلاد. أشهرها قام به الوقور بيد (وقد ترجم إنجيل يوحنا في القرن السابع إلي الانجلوسكسونية) ثم أخرى ترجمها الملك ألفريد (في القرن التاسع) قام بها هو والشهير ويكليف. أما تندل فكان أول من طبع الجديد باللغة الإنكليزية مترجماً عن اليونانية مباشرة. وفي العام 1535 نشر كوفرديل الكتاب المقدس بكامله باللغة الإنكليزية
. وظهرت ترجمات أخرى غير هذه قبل أن تصدر ترجمة الملك جيمس الشهيرة في العام 1611 م . وقد تميزت هذه الترجمة عن سابقاتها بكونها عملاً صادراً عن لجنة من العلماء يمثلون خبرات وتيارات متعددة ، الأمر الذي لم يتوافر للترجمات الأخرى
. في العام 1881 م صدرت الترجمة المنقحة The Revised Version ونقلت عن نص محقق للكتاب المقدس فاق في دقته ما سبقه . وانتهج واضعوها سبيل النقل الحرفي كلمة كلمة عن الأصل ، فأجادوا في هذا لكنهم قصروا في استعمال المصطلحات اللغوية الحديثة ، فكانت النتيجة صدور ترجمات أخرى مثل الترجمة المنقحة المعتمدة The Revised Standard Version والكتاب المقدس الجديد باللغة الإنجليزية The New English Bibel وكتاب الخبر السار The Good News Bibel وهاتان الترجمتان الأخيرتان بخاصة ، انتهجتا سياسة استعمال المصطلحات اللغوية المعاصرة . زد على ذلك الترجمات التي قام بها عدد من العلماء أفراداً مثل : ويموث ، وموفات ، وفيلبس ، وتايلر ، وآخرين
. ومع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تأسست جمعيات للكتاب المقدس لدعم الكنائس في نشر الإنجيل . وقد كانت غاية هذه الجمعيات إعداد ترجمات جديدة للكتاب المقدس أو أجزاء منه وتوزيعها على أكبر عدد ممكن من اللغات والشعوب . وما قامت به هذه الجمعيات من ترجمات حتى الآن يُعد بالمئات ؛ وثمة جماعات متخصصة مثل جمعية ويكليف لترجمة الكتاب المقدس ، لا تزال تعمل على سد الكثير من الفجوات الباقية لإتمام هذه الغاية السامية