مقدمة لأسفار موسى الخمسة
قال المعترض : الدكتور اسكندر كيدس، الذي هو من أفاضل المسيحية، قال ثلاثة أمور:
(1) أسفار موسى الخمسة الموجودة الآن ليست من تصنيف موسى,
(2) إنها كُتبت في كنعان أو أورشليم,
(3) ونسب تأليفها إلى زمن سليمان، يعني قبل ميلاد المسيح بألف سنة، أي في عصر هومر تقريباً، بعد وفاة موسى بخمسمائة سنة ,
وللرد نقول بنعمة الله : الكاتب اسكندر كيدس من المنحرفين عن العقيدة المسيحية، وقال في موسى كليم الله إنه أخذ شريعته من المصريين بعد أن نقحها، كأن الديانة اليهودية هي أصنامية, وأنكر معجزات موسى وتكليم الله له, فهذا هو حال الشخص الذي قال عنه إنه من فضلاء المسيحيين، مع أنه يُكذِّب كتب الأنبياء، ويناقض التوراة والإنجيل والقرآن؟!
وماذا يقول المسلمون من أهل السنة إذا أقتبسنا اعتراضات بعض المعتزلة أو الشيعة، كاعتراضات أصحاب جعفر الذين ينددون على عثمان بأنه حذف من القرآن جميع الآيات الواردة بشأن علي وفضله، وأحرق النسخ القديمة؟ وماذا يقول المعترض إذا أوردنا مذهب الغرابية الذين قالوا: محمد بعلي أشبه من الغراب بالغراب والذباب بالذباب، فبعث الله جبريل إلى علي، فأخطأ جبريل في تبليغ الرسالة من علي إلى محمد ؟ وماذا يقول إذا أوردنا له أقوال المزدارية، وهو راهب المعتزلة، الذي قال في القرآن إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظماً وبلاغة، وبالغ في القول بخلق القرآن وكفَّر من قال بقِدَمه؟ إنه ولا شك غير مصيب عند أهل السنة, فإيراد اعتراضات الكفرة وادعاؤه بأنهم من أفاضل المسيحيين هو من المغالطة,
قال المعترض : الفاضل نورتن من علماء المسيحية، قال: لايوجد فرقٌ يُعتد به بين لغة التوراة ولغة سائر كتب العهد القديم التي كُتبت زمن إطلاق بني إسرائيل من سبي بابل، مع أنه بين هذين الزمانين 900 سنة، واللغة تختلف باختلاف الزمان, وإذا قسنا حال اللغة الإنجليزية الآن بما كانت عليه من 400 سنة وجدنا فرقاً كبيراً, ولعدم وجود فرق بين لغة الكتب المقدسة، تكون قد كُتبت في زمن واحد ,
وللرد نقول بنعمة الله : جرت عادة المعترض أن يورد أقوال المنحرفين وينسب إليهم الفهم والعلم, وقد قرر العلماء العارفون باللغة العبرية أن لغات الأسفار المقدسة متفاوتة تفاوتاً عظيماً بحسب الزمان والمكان، وقسموا أدوارها إلى:
(1) من إبراهيم إلى موسى، عندما دخلت اللغة الأرامية ألفاظ مصرية وعربية,
(2) من عصر موسى أو عصر التوراة إلى عصر سليمان، بلغت اللغة في هذه المدة غاية الإتقان,
(3) من سليمان إلى عزرا، صارت اللغة رشيقة بليغة ودخلتها اصطلاحات أجنبية,
(4) من عزرا إلى آخر عصر المكابيين، كانت لغة التوراة متفاوتة باختلاف هذه العصور,
ولما قارن العلماء المتضلّعون في اللغة العبرية بين أجزاء التوراة وبعضها، وجدوا تفاوتاً في أساليب الكتابة، فجزموا بأن بعضها كُتب في عصر اللغة الذهبي، وبعضها الآخر في عصرها الفضي، والآخر في عصرها النحاسي, وهذا من أقوى الأدلة على أنها كتبت في أزمنة متنوعة, وإذا اطلع أحد العلماء المتضلّعين في اللغة اليونانية على قصائد هوميروس، جزم بأنها لم تكتب في عصر ديموستينوس, وإذا اطلع على خطب ديموستينوس جزم بأنها كُتبت في عصر أوريجانوس الخ, ولهذا السبب جزم العلماء بأن خمسة أسفار موسى لم تُكتب في زمن داود، ولا مزامير داود النبي كُتبت في زمن إشعياء، ولا نبوات إشعياء كُتبت في زمن ملاخي, وجزموا بأن نبوات ملاخي كُتبت بعد سبي بابل، لأن اللغة العبرية بعد السبي انحطت، وكانت مؤلفات اليهود بعد ذلك العصر كلدية أو يونانية، وعجز اليهود قبل المسيح عن فهم اللغة العبرية بدون تفسيرها باللغة الكلدية,