شبهات شيطانية حول سفر اللاويين

قال المعترض : هناك أحكام ذبائح كانت كثيرة في شريعة موسى وأحكام أخرى مختصة بآل هرون عن الكهنوت والملابس وقت حضور الخدمة، نُسخت كلها في الشريعة المسيحية ,

وللرد نقول بنعمة الله : أوضح الله لخلائقه طريقة الخلاص برموز محسوسة ليقرّب لعقولنا القاصرة الأمور المعنوية الروحية بالمشاهدات المحسوسة, فلما أراد أن يوضح طريقة الفداء، وأنه لا يمكن الخلاص إلا بدم المسيح، رتب الذبائح والفرائض الطقسية في العهد القديم، للإشارة إلى دم الفادي الكريم، وأوضح أن الطريقة الوحيدة لمغفرة الخطايا هي سفك الدم، وأن دم الحيوانات لا قيمة له في حد ذاته إلا بالنظر إلى كونه يرمز إلى دم المسيح الفادي الكريم,

فالرمز هو ما عيّنه الله للإشارة إلى أمر أجلّ من الرمز لابد من وقوعه هو المرموز إليه , ولابد أن يوجد في الرمز إشارة حقيقية تشير إلى المرموز إليه، وهذا لا يستلزم أن يكون الرمز من ذات جوهر المرموز إليه, فحمل الفصح مثلًا كان رمزاً للمسيح مع تباينهما في الجوهر, والغاية من الرمز تمهيد الطريق وتوطئته للمرموز إليه، وإعداد عقولنا لفهمه, فالله أعطى في العهد القديم رموزاً شتى وكنايات مختلفة تشير إلى المسيح وملكوته، ليست على سبيل الصدفة والاتفاق، بل مقصودة بالذات، فإن العهد القديم هو تمهيد للعهد الجديد, فما أشير إليه في العهد القديم بطريقة الكناية والتلميح أوضحه في العهد الجديد بالبيان والتصريح, وطريقة الخلاص هي واحدة في العهدين، وأنت تعلم أن الأستاذ الحكيم يعلِّم تلامذته في أول الأمر القضايا الضرورية البديهية، ويرتقي معهم بالتدريج للحقائق العالية، فيستفيدون, وكذلك لا يجوز لمن كان في ظلام دامس أن يعرض عينيه لأشعة الشمس مرة واحدة، بل ينتقل بالتدريج، إلى أن يصل إلى نور النهار الكامل, وكذلك الطفل يُعطى أولًا اللبن، لأن معدته لا تقدر على هضم غيره، ومتى نما وكبر أُعطي له الغذاء اليابس، فكذلك عمل الله معنا: أخذ في مبدأ الأمر يفهمنا الحقائق الإلهية بطرق بسيطة محسوسة، وسلك معنا بالتدريج إلى أن أوضح لنا الحقائق بغاية الوضوح, فما أوضحه قليلًا في العهد القديم أوضحه كوضوح الشمس في العهد الجديد (لوقا 1: 79 و1يوحنا 2: 8 ورومية 16: 25 و26 وكولوسي 1: 27 و1كورنثوس 2: 7 و10),

وإذ تقرر ذلك فكتاب الله منزه عن الناسخ والمنسوخ، فقد جاء المسيح ليكمل شريعة موسى، شريعة الطقوس بشريعته هو، وهي شريعة النعمة, كما جاء هو، المرموز إليه، ليحقّق رموز شريعة موسى,

ومن الرموز الواردة في العهد القديم التي تشير إلى المسيح: الذبائح والكهنة,

(1) الذبائح: حكم الله أن النفس التي تخطئ موتاً تموت، لأنه قدوس طاهر يمقت الإثم, وهذا الحكم يسري على الجميع بلا استثناء، لأن الجميع أخطأوا, ولكن الله تفضَّل وأوجد طريقة يمكن بها للخاطئ أن ينال مغفرة الخطايا، فيكون الله رحيماً وعادلًا في آن واحد إذا برر الخاطيء, وهذه الطريقة هي الإيمان بالمسيح الفادي الكريم, ووضع في العهد القديم الذبائح إشارة إليه, فالحكم الذي كان يستوجبه الخاطئ احتمله المسيح في جسده، وبذلك استوفى العدل الإلهي حقه, وعليه فلا تفاوت بين عدله ورحمته, وهذه الطريقة هي المقبولة والمعقولة,

وقد وضع الله الذبائح في العهد القديم للإشارة إلى دم المسيح، فقال في لاويين 17: 10 و11 : الدم يكفر عن النفس , وسبب التكفير (ومعناه: التغطية والسَّتر) بالدم هو أن الحياة هي في الدم، فالغاية من الذبيحة إذاً هي تقديم نفس لله عن نفس أخرى مدنسة بالخطايا، كتقديم حياة حيوان بريء عن حياة إنسان مذنب, والدليل على ذلك أن أيوب كان يقدم ذبائح بعدد أولاده لأنه قال: ربما أخطأوا وجدفوا على الله (أيوب 1: 5) وقال الرسول بولس: بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عبرانيين 9: 22), وقد كانت الذبائح غير كافية لنزع الخطية (عبرانيين 10: 11) ولكنها كانت تكفر لأنها كانت ترمز إلى ذبيحة المسيح الكافية ذات الفعالية، ولذلك قدم المسيح نفسه مرة واحدة، بخلاف الذبائح فإنها كانت تُقدَّم مراراً لعدم كفايتها (عبرانيين 9: 9-14 و25 و26),

قال يوحنا المعمدان عن المسيح: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29), وقال يوحنا الحبيب إن ذبيحة المسيح هي كفارة يكفر بها ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً (1 يوحنا 2: 2), وقال المسيح (له المجد) ذاته إنه يموت فداءً عن شعبه (يوحنا 10: 15 و17 و18), وإنه يبذل نفسه فدية عن كثيرين (متى 20: 28 ومرقس 10: 45) وتنبأ عنه إشعياء: مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا, تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا, والرب وضع عليه إثم جميعنا, كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه (اشعياء 53: 5-7), وقال بولس الرسول: الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا (أفسس 1: 7), والكتاب المقدس يعلمنا:

1 - إن المسيح قدم نفسه ذبيحة كفارة للجميع,

2 - كل من يؤمن بالمسيح يتبرر,

3 - أظهر الله بذبيحة الكفارة برَّه ورحمته للخطاة,

4 - كانت ذبائح العهد القديم تشير إلى ذبيحة المسيح هذه,

(2) حمل الفصح: اتضح أن جميع الذبائح كانت رمزاً إلى ذبيحة المسيح، ولا بأس من ذكر أوجه الشبه بين حمل الفصح والمسيح, فنقول:

1 - كان يلزم أن يكون حمل الفصح بلا عيب (خروج 12: 5), ومع أن خطايانا طُرحت على المسيح إلا أنه كان قدوساً طاهراً, قال الرسول بطرس عن المسيح: حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح (1بطرس 1: 19),

2 - كان يلزم ذبح حمل الفصح وسفك دمه (خروج 12: 6) فكذلك مات المسيح ليفي العدل الإلهي حقه (لوقا 24: 26),

3 - كان يلزم أن يُشوى حمل الفصح بنار (خروج 12: 8 و9) إشارة إلى آلام المسيح,

4 - كان يلزم أكل الحمل تماماً (خروج 12: 10) دلالة على قبول المسيح بكل صفاته, فالواجب الإيمان به بكل وظائفه، لأنه صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسةً وفداءً (1كورنثوس 1: 30),

5 - كان يلزم رش دم حمل الفصح على عتبة أبواب بني إسرائيل فلا يهلكون (خروج 12: 8), وهكذا إذا رُشَّت النفس بدم المسيح بالإيمان نجت من الغضب الإلهي, وكذلك يلزم رشنا بدم المسيح لنكون خليقة جديدة لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا (1كورنثوس 5: 7),

(3) صفات الكهنة:

1 - كان الكهنة بشراً، وكذلك المسيح اتخذ جسداً مثلنا كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله، حتى يكفر خطايا الشعب, لأنه في ما هو قد تألم مُجرَّباً يقدر أن يعين المجرّبين (عبرانيين 2: 17 و18),

2 - كان الكهنة رمزاً للمسيح، لأنهم توسطوا بين الله والشعب، فكان لا يمكن لأحد أن يقرب ذبائح إلا بواسطة الكهنة, قال المسيح ) (له المجد): أنا هو الطريق والحق والحياة, ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي (يوحنا 14: 6),

3 - كان الكهنة يقدمون ذبائح الكفارة، دم ثيران وكباش رمزاً للمسيح، الذي قدم نفسه عن الخطية (عبرانيين 7: 27 و9: 12-28 و10: 10-14),

هذه هي أوجه الرمز، غير أن الكهنة كانوا خطاة ولهذا كانوا يقدمون الذبائح عن أنفسهم أولًا ثم عن الشعب (عبرانيين 5: 3) وأما المسيح فقدوس طاهر (7: 26), أولئك كانوا عرضة للفناء، وأما المسيح فيبقى إلى الأبد (7: 23 و24), وذبائحهم لم تقدر أن تنزع الخطايا لأنها كانت رمزاً ولزم تكرارها إلى أن يظهر المرموز إليه، وأما المسيح فبقربانه الواحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين (عبرانيين 10: 11 - 14),

قال المعترض : جاء في لاويين 1: 9 وأما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها بماء، ويوقد الكاهن الجميع على المذبح، محرقة وقود، رائحة سرور للرب , ولكن جاء في إشعياء 1: 11 لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب؟ اتَّخمْتُ من محرقات كباشٍ وشحم مسمناتٍ، وبدم عجولٍ وخرفان وتيوسٍ ما أُسَرّ! وفي هذا تناقض, ففي مواضع شتى من كتب موسى نجد أمر الله لبني إسرائيل بتقديم ذبائح له, وقيل لهم إن تلك الذبائح كانت كرائحة طيبة عند الله, وهذا يناقض ما جاء في إشعياء وما يشبهه في المزامير ومواضع أخرى في أسفار الأنبياء، حيث يُقال إن مسرة الله ليست في الذبائح الحيوانية ,

وللرد نقول بنعمة الله : لندرس إشعياء 1 مبتدئاً من عدد 10 لنرى أن الله لا يعترض على تقديم الذبائح، بل على كيفية وروح تقديمها, يقول الرب لأهل أورشليم إنه قد ملَّ ليس فقط من محرقاتهم، بل من أعيادهم وصلواتهم أيضاً, فواضح أن عبادتهم كلها كانت مكروهة أمامه, والسبب في هذا ما جاء في عدد 15 أن أيديهم كانت مملوءة دماً، فكانوا جيلًا شريراً، وأكثروامن الذبائح لينجوا من القصاص الذي كانوا يستحقونه, وقصدوا في الوقت نفسه أن يتمادوا في خطاياهم، فكانوا يظنون أن مجرد تأدية الفرائض والطقوس الخارجية يكسبهم رضى الله، ويعطيهم (كما أرادوا) فرصة التمادي في شرورهم, ومتى قُدِّمت المحرقات بهذا الروح كانت من قلب غاش، لا تُرضي الله بل تهيج سخطه,

لما أمر الله بالذبائح المختلفة المنصوص عنها في شريعة موسى ووعد بالبركة على مقدّميها، كان ينتظر أن تكون قلوبهم خاشعة طاهرة, ولكن في عصر إشعياء انحطت عبادة الشعب لله، وكانت قاصرة على ممارسة طقوس ظاهرية وفرائض خارجية وهذا كان مهيناً لله القدوس, وهذه الملاحظة يمكن تطبيقها على ما جاء في إرميا 6: 20 حيث يتكلم الله ضد الذبائح بسبب شرّ وفساد مقدِّميها, كذلك قد أوصى الله شعبه بالصلاة، ولكن إن كانت الصلاة مجرد عبادة رياء فالله يبغضها,

فحل القضية هو أن ما يقوله في إشعياء 1: 11 لا يناقض ما يقوله في لاويين 1: 9 فالعبادة إذا لم تصدر من قلب نقي فليست عبادة بالمرة، ولا هي مقبولة عنده,

قال المعترض : ورد في لاويين 4: 3 أن تُقدَّم ذبيحة ثور فداءً عن الشعب، وفي سفر العدد 15: 9 لابد أن يكون ثوراً مع لوازمه ,

وللرد نقول بنعمة الله : الذبائح متنوعة، فالعبارة في سفر اللاويين عن ذبيحة الإثم، وفي سفر العدد عن ذبيحة الإثم مع النذور، كما يتضح لمن طالع العبارتين,

قال المعترض : جاء في لاويين 16: 29 أن صوم التذلل يكون في العاشر من الشهر السابع, ولكن جاء في اللاويين 23: 32 أن صوم التذلل هذا يكون في اليوم التاسع ,

وللرد نقول بنعمة الله : كان الصوم يمتد من مساء اليوم التاسع إلى كل اليوم العاشر، فيصح أن يُقال اليوم التاسع أو العاشر,

قال المعترض : ورد في لاويين 17: 3 و4 كل إنسان من بيت إسرائيل يذبح بقراً أو غنماً أو معزى في المحلة أو يذبح خارج المحلة وإلى باب خيمة الاجتماع، لا يأتي به ليقرب قرباناً للرب أمام مسكن الرب، يُحسب على ذلك الإنسان دم, قد سفك دماً فيُقطع ذلك الإنسان من شعبه , وورد في التثنية 12: 15 أن يأكل الإنسان كل ما تشتهي نفسه في جميع أبوابه, وفي آية 20-22 يأكل كل ما تشتهي نفسه إذا كان المكان الذي يختاره الرب بعيداً عنه ,

وللرد نقول بنعمة الله : الكلام في سفر التثنية عن أمرين: 1 - المحرقات لله، وقد قال عنها في آيتي 13 و14 : احترز من أن تُصعد محرقاتك في كل مكان تراه، بل في المكان الذي يختاره الرب في أحد أسباطك هناك تصعد محرقاتك، وهناك تعمل كل ما أنا أوصيك به , وفي آيتي 17 و18 : لا يحل لك أن تأكل في أبوابك عُشر حنطتك وخمرك وزيتك، ولا أبكار بقرك وغنمك ولا شيئاً من نذورك التي تنذر ونوافلك ورفائع يدك، بل أمام الرب إلهك تأكلها، في المكان الذي يختاره الرب , وهو مثل ما ورد في لاويين 17: 3 و4, فالمقصود أن يقدم ذبائح لله في المحل الذي يفرزه الله لعبادته,

2 - الذبح للأكل الاعتيادي، فيجوز له أن يذبح في أي محل شاء، وهو الذي أورده المعترض وأوهم وجود تناقض بينه وبين ما ورد في سفر اللاويين,

قال المعترض : يقول في لاويين 17: 13 إن من يصيد صيداً يؤكل يسفك دمه ويغطيه بالتراب، ولكن في التثنية 12: 24 يقول إنه يسفك دمه كالماء ,

وللرد نقول بنعمة الله : عندما يصيد صيداً يؤكل يسفك دمه كالماء على الأرض، ثم يغطيه بالتراب, النصَّان يكمل أحدهما الآخر!

قال المعترض : جاء في لاويين 22: 30 عن لحم ذبيحة الشكر أنه يؤكل في ذات اليوم، ولا يُبقى منه شيء إلى الصباح وهو أمر جاء في لاويين 7: 15 ولكن جاء في لاويين 19: 6 يوم تذبحونها تؤكل وفي الغد, والفاضل إلى اليوم الثالث يُحرق بالنار وهذا تناقض ,

وللرد نقول بنعمة الله : هنا نرى أهمية درس القرينة عندما تبدو للقارىء مناقضة ظاهرية, إذا قرأنا لاويين 7: 1 و19: 6 على حدة يخيَّل إلينا وجود تناقض صريح، لأن إحدى العبارتين تفيد عدم جواز إبقاء شيء من الذبيحة للغد، بينما الأخرى تفيد أن بعض الذبيحة الباقي إلى الغد يؤكل في اليوم التالي, ولكن إذا تأملنا لاويين 7: 16 يسطع منه نور يكشف لنا الحقيقة بجملتها, حيث يُقال: تؤكل، وفي الغد يُؤكل ما فضل منها ,

فبعض الذبائح المشار إليها في لاويين 7: 15 و16 كانت من النوع الذي يجوز إبقاء جزء منه للغد, على أننا نجد في لاويين 19: 6 القانون العام الذي يشمل نوعين من الذبائح, فمنها ما كان يتحتم أكله في نفس اليوم، وما كان يجوز إبقاء بعضه للغد، أما لاويين 7: 16 فيتضمن استثناءً للقانون المتقدم,

والكلام عن الذبائح التي تُؤكل في نفس اليوم يتناول ذبائح النذور والنوافل (آية 21) خاصة إذا كانت الذبائح من الرضّع ذوات الثمانية أيام (آية 27) فهذه يُؤكل لحمها في نفس يوم ذبحها ولا يبقى منها للغد، لأنه قليل ولا يحتمل إبقاء شيء منه إلى الغد,

أما ذبيحة السلامة من غير الرضّع (لاويين 19: 5-7) التي تُؤكل يوم ذبحها وما تبقّى منه يُؤكل في الغد، ولا يبقى منها لليوم الثالث شيء، فالرب في هذا يصدر أمراً في منتهى المعقولية، إذ أنه لم يكن على عهد موسى أجهزة لحفظ اللحوم، وبالطبع ما يتبقى إلى اليوم الثالث سوف يفسد، ويضر الإنسان، فبهذا القدر يحرص الله على الإنسان,

قال المعترض : جاء في لاويين 23: 18 و19 أن تقدمات عيد الخمسين هي 13 ذبيحة، ولكن جاء في العدد 28: 27-30 أن عدد الذبائح 11 فقط ,

وللرد نقول بنعمة الله : قال علماء اليهود إن الذبائح في سفر العدد هي بالإضافة للذبائح المذكورة في اللاويين, ما ورد في سفر اللاويين يقدَّم أولًا، ثم ما ورد في سفر العدد، يتبع ذلك الذبيحة اليومية الصباحية,

قال المعترض : جاء في اللاويين 23: 27-29 أن اليوم العاشر من الشهر السابع هو يوم الكفارة العظيم الذي يتذلَّل فيه الناس أمام الرب، ولا يعملون فيه شيئاً, ولكن الملك سليمان لم يجعل لهذا اعتباراً كما يظهر من 1ملوك 8: 65 و66 و2أخبار 7: 10 ,

وللرد نقول بنعمة الله : لا يوجد ما يبرهن أن سليمان لم يقدس يوم الكفارة العظيم، فقد بدأ الاحتفال بعيد المظال في يوم 15 من شهر 7 وانتهى في يوم 22 ، وخُتم المحفل المقدس بيوم ثامن صرف فيه سليمان الشعب إلى خيامهم، هو اليوم 23 من الشهر, وهذا يُظهر التوافق الكامل بين رواية سفري الملوك الأول وأخبار الثاني,

وقد احتفل سليمان بالعيد تلك السنة 14 يوماً، فيكون بدء الاحتفالات يوم 8 من شهر 7 ، ويكون الشعب تلك السنة قد احتفل بيوم الكفارة العظيم يوم 10 شهر 7 وعيد المظال أيضاً، حسب الشريعة,

اعتراض على لاويين 23: 32

انظر تعليقنا على لاويين 16: 29

قال المعترض : أحكام الأعياد التي فُصِّلت في لاويين 23 وورد فيها آيات 14 و21 و31 و41 تدل على أنها أبدية ,

وللرد نقول بنعمة الله : الأعياد التي ذكرها هي الذبائح التي كانت رمزاً للمسيح, وقوله أبدية هو تحريف، فإن نص عبارة التوراة هي دهرية , ولا يخفى أن الدهر هو الزمن الطويل, قال الأزهري: الدهر يقع على بعض الدهر الأطول، ويقع على معنى الدنيا كلها, وقد سمعت غير واحد من العرب يقول: أقمنا على ماء كذا وكذا دهراً، ودارنا التي حللنا بها تحملنا دهراً , فبحسب تعريف الأزهري يكون الزمان والدهر واحداً, وعلى كل حال فيوجد فرق بين كلام المعترض والأصل,

قال المعترض : جاء في اللاويين 25: 39-41 أن اليهودي المستعبَد عند اليهودي يخرج حراً في سنة اليوبيل, ولكن يناقض هذا ما جاء في التثنية 15: 12 من أنه يخرج في السنة السابعة ,

وللرد نقول بنعمة الله : تنتهي العبودية بنهاية السنة السادسة، أو في سنة اليوبيل، أيهما أقرب, فالرجل الذي يُباع عبداً في الظروف العادية يخدم ست سنوات كاملة, أما إذا بيع في السنة 46 مثلًا فيمضي حراً في السنة الخمسين، ويكون قد خدم أقل من ست سنوات,

قال المعترض : جاء في لاويين 27: 26 أن البكر الذي يُفرز للرب لا يقدسه أحد, ولكن جاء في تثنية 15: 19 أن كل بكر يُقدَّس للرب ,

وللرد نقول بنعمة الله : ما يتقدس بحسب الشريعة لا يجب تقديمه لله كنذر! فمن الخطأ أن ننذر للرب ما هو حقه!

قال المعترض : جاء في لاويين 27: 28 و29 أما كل مُحرَّم يحرمه إنسانٌ للرب من كل ما له، من الناس والبهائم، ومن حقول ملكه، فلا يُباع ولا يُفك, إن كل محرَّمٍ هو قدْسُ أقداسٍ للرب, كل مُحرَّم يُحرَّم من الناس لا يُفدى, يُقتَل قتلًا , وهذا يعني إباحة تقديم ذبائح بشرية, وهناك مناقضة له في تثنية 12: 30 و31 حيث يقول: فاحترز من أن تُصاد وراءهم من بعد ما بادوا من أمامك، ومن أن تسأل عن آلهتهم، فأنا أيضاً أفعل هكذا, لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجسٍ لدى الرب مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم ,

وللرد نقول بنعمة الله : ليدرس المعترض كل الآيات التي يستند عليها فيتضح أنها تقول إن الكتاب المقدس يحرم بتاتاً الذبائح البشرية ومن يستنتج من لاويين 27: 28 و29 إباحة تقديم الذبائح البشرية يسيء التفسير، لأن هذا الفصل لا يتكلم مطلقاً على الذبائح بل على الأشياء المحرَّمة للرب (أي المكرَّسة له فتصبح حراماً), والمعنى المقصود في عددي 28 و29 هو تخصيص شيء للقضاء عليه, والكلمة العبرانية المستعملة هنا تفيد التحريم, إذا نذر إنسان بهيمة فيجب تحريمها، ولا يمكن فداؤها البتة, كذلك أيضاً عند الحكم بالموت على أي إنسان بحسب الناموس نجد في العبرانية نفس كلمة تحريم , فلم يكن الحكم بالموت يصدر إلا من الله رأساً، أو من القضاة المقامين منه, ولم يكن مأذوناً للإسرائيلي أن يقتل إنساناً ولو كان عبداً له (خروج 21: 20) كذلك لم يكن له الحق أن ينذر أو يحرم إنساناً ما, والمقصود من لاويين 27: 28 و29 هو إظهار معنى كلمة تحريم لتحذير بني إسرائيل من أن يضعوا الأشياء المحرمة (أي المحكوم عليها من الله بالموت) في صف النذور التي يمكن فداؤها,

ونجد في يشوع 6: 17 أمر الله بتحريم كل ما كان في أريحا من الناس والبهائم, والكلمة العبرانية المستعملة هنا هي نفس الكلمة الواردة في لاويين 27, هنا نرى شريعة مخصوصة تُنفَّذ, في يشوع 6: 2نقرأ وقال يشوع للرجلين اللذين تجسسا الأرض: ادخلا بيت المرأة وأخرِجا من هناك المرأة وكل ما لها كما حلفتما لها , وهنا أيضاً نرى الكلمة نفسها مستعملة, قد حكم الله بالتحريم على المدينة بأسرها، أي بتوقيع حكم الموت عليها,

وبحسب ما جاء في سفر العدد 21: 2 تعاهد بنو إسرائيل بتحريم مدن أعدائهم أي بتنفيذ حكم الموت فيهم, ومن مقارنة كل النصوص الواردة فيها يُرى غضب الله مشتعلًا على الذين قضى بتحريمهم (أي إهلاكهم), ولا نجد مطلقاً إشارة هنا إلى أوامر من الله بتقديم ذبائح بشرية، بل نرى أسلوباً صارماً خطيراً للنطق بحكم الموت على أي فردٍ أو جماعةٍ من الأثمة,

ثم إن أشهر ما يستند عليه المعترضون في اتّهامهم الكتاب بأنه يتضمن مصادقة على تقديم الذبائح البشرية هو قصة بنت يفتاح (قضاة 11: 31), فقد نذر يفتاح أن يقدم محرقة للرب أول شيء يخرج من بيته للقائه عند رجوعه بسلام من محاربة العمونيين, ومما يُؤسف له أن أول من خرج من بيته كانت ابنته، فحزن حزناً لا مزيد عليه, ولكن الكتاب يفيد أنه حفظ نذره, ويجب أن نذكر أن يفتاح في نذره هذا تصرَّف بحسب ما أوحاه إليه عقله، مدفوعاً بما كان في نفسه من عظيم الاهتمام وشديد الغيرة على تحرير بني إسرائيل, ويظهر أن قصده كان أنه كما فعل معه الله إحساناً عظيماً، كان لابد له أن يبيّن شكره لفضل الله بطريقة غير عادية, ولكن الله لم يأمر يفتاح أبداً بتقديم ابنته محرقة، كما لا نجد إشارة إلى مصادقة الله أو مدحه لعمل يفتاح هذا, وكاتب سفر القضاة يروي القصة بدون أن يتعرَّض للحكم على عمل يفتاح، لأن عمله هذا كان تسرُّعاً منه واندفاعاً, فإن يفتاح قد قطع غصن شباب ابنته الغضّ، وفعل هذا بدون أمرٍ من الله, وبعمله هذا زاد خطية أخرى على خطيته الأولى، لأنه كان من الخطأ العظيم أن ينذر نذراً كهذا، كما كان من الخطأ أيضاً أن ينفذ هذا النذر, وإذا سأل سائل: كيف أمكن أن يعمل رجل عظيم كيفتاح شراً فظيعاً منهياً عنه في ناموس موسى؟ فالجواب على هذا هو أنه كان عائشاً في عصر نُسيت فيه أوامر الله نسياً تاماً، وقوِيَ فيه تأثير الشعوب الوثنية على إسرائيل,

الصفحة الرئيسية