شبهات شيطانية حول سفر الأمثال
قال المعترض : حال سفر أمثال سليمان الحكيم سقيم ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لم يشكّ أحد في أن سفر أمثال سليمان هو من الحِكَم الإلهية التي تبهر العقول لما اشتمل عليه من النصائح البديعة والحض على الفضيلة والتنفير من الرذيلة، وأوضح أن التحلّي بالصلاح هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة، إلى غير ذلك من الأمثال البالغة أعلى درجة من الحكمة, وهو دليل على أن الله العارف بما ظهر واستتر، هو الذي أوحى بها لسليمان، واتّخذه آلةً في يده للإعراب عن إرادته ومشيئته, وإذا قلنا: لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل حِكْمَةٍ من حِكَم سليمان لا يأتون بمثلها، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، كان قولنا هذامجرداً عن المبالغة وأحق بأن يُقال على أمثال سليمان,
(2) وأجمع العلماء على أنّ سفر أمثال سليمان الحكيم وحي لسليمان، فهو الذي كتب هذا السفر بوحي إلهي، لأنه نطق على الأول بنحو ثلاثة آلاف مثل (1ملوك 4: 32) وقد جمع رجال حزقيا ملك يهوذا خمسة أصحاحات فقط من هذه الأمثال (أمثال 25: 1) هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا , فسفر سليمان كان مجموعاً في عصر الملك سليمان، وإنما جمع رجال حزقيا خمسة أصحاحات فقط, فأمثال سليمان مجموعة في 29 أصحاحاً لم يشكّ فيها أحد، وله ملحق هو أصحاحا 30 و31, فافتُتح أصحاح 30 بالقول: كلام أجور ابن مُتَّقيَّة مَسّا، وحي هذا الرجل إلى إيثيئيل، إلى إيثيئيل وأُكال , وافتُتح أصحاح 31 بالقول: كلام لموئيل ملك مسّا ,
(3) ذهب البعض إلى أن المراد من لموئيل هو سليمان، فهو لقب له لأن معنى لموئيل الذي يكرِّس ذاته لله وكذلك القول في كلمة أجور، فإن معناه مؤلف , فالمراد به سليمان أيضاً, وذهب البعض الآخر إلى أنهما نبيّان غير سليمان,
قال المعترض : جاء في سفر الأمثال 8: 22-24 الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القِدَم, منذ الأزل مُسِحت، منذ البدء منذ أوائل الأرض, إذ لم يكن غمرٌ أُبدئت، إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه , وقال علماء اليهود إن هذه الآيات نبوّة عن المسيح، وهي تبرهن أن المسيح مخلوق ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تدل هذه الآيات على أن أقنوم الابن مخلوق، بل على أنه كان موجوداً منذ الأزل، لأن قوله قناني منذ الأزل، يدل على وجوده حينذاك، إذ أن الشيء لا يُقتنى إلا إذا كان أولًا موجوداً, أما اقتناء الله (أو اللاهوت) له أول طريقه، من قَبْل أعماله، منذ الأزل، فذلك لأن أقنوم الابن هو الذي يُظهر الله ويُعلن مقاصده ويتممها, ولا يُراد بالاقتناء هنا المعنى الحرفي الذي هو الحيازة أو التملُّك، بل المعنى الروحي الذي يتوافق مع وحدانية الله وثباته، واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود، وهذا المعنى ينحصر في ظهور اللاهوت في أقنوم الابن، وإتمام مقاصده فيه منذ الأزل,
ويقول: منذ الأزل مُسحت ,, إذ لم يكن غمر أُبدئت , و المَسْح بالدهن اصطلاح ديني ُُيُقصد به تعيين شخص في وظيفته، وفق مشيئة الله, وهذه الآية أيضاً لا تدل على أن الابن خُلق في الأزل، بل على أنه كان موجوداً في الأزل، لأن عبارة منذ الأزل مُسحت أو عُيِّنت تدل عى أنه كان موجوداً في الأزل، لأن الذي يُمسحأو يُعيَّن يجب أن يكون أولًا موجوداً, كما أن كلمة أُبدئْتُ لا تعني خُلِقْتُ على الإطلاق، فهي لم ترد في الأصل بما يقابل أي أُظهرت أو أُعلنت أو وُلدت , ومن البديهي ألا يكون الأمر سوى ذلك، لأن أمثال 8 يتحدث عن الابن بوصفه حكمة الله, وليس من المعقول أن يكون الله بلا حكمة أصلًا أو أزلًا، ثم يصنع لنفسه، أو يخلق لها الحكمة في وقت من الأوقات، إذ من المؤكد أنه متميّز بالحكمة أصلًا أو أزلًا، لأن هذا هو ما يتوافق مع كماله وعدم تعرُّضه للتغير أو التطور,
راجع تعليقنا على مزمور 2: 7
اعتراض على أمثال 12: 12
انظر تعليقنا على أيوب 2: 3
قال المعترض : جاء في الأمثال 16: 4 الربُّ صنع الكل لغَرَضه، والشرير أيضاً ليوم الشر , وهذا يناقض ما جاء في 1كورنثوس 10: 13 لم تصبكم تجربة إلا بشرية ,
وللرد نقول بنعمة الله : يقارن المعترض بين آيتين تعالجان موضوعين مختلفين، فالأمثال 16: 4 تتحدث عن الشرير بينما تتكلم 1كورنثوس 10: 13 عن المؤمن الذي يحب الله, والله يتعامل مع المؤمنين بطريقة تختلف عن طرق معاملته مع الأشرار,
معنى قول الحكيم سليمان هو أن الله أبقى الشرير في الأرض لليوم الذي يحصد فيه ما زرعه من شرور، فيحل به العقاب الذي يستحقه، فيصنع الرب به ما صنعه هو لنفسه, وهذا يشبه قول أيوب 21: 30 ليوم البوار يُمْسَك الشرير, ليوم السَّخط يُقادون ,
أما قول الرسول فيعني أن التجربة التي تصيب المؤمنين ليخطئوا فهي بشرية مما يتعرض له البشر, ولكن الله لا يسمح للمؤمنين بتجارب لا تحتملها الطبيعة البشرية,
قال المعترض : هناك تناقض بين ما جاء في أمثال 26: 4 لا تجاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا تَعْدِلَهُ أنت وبين ما جاء في الآية التالية لها: جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيماً في عين نفسه ,
وللرد نقول بنعمة الله : تنصح الآية الأولى بعدم مناقشة الجاهل بأسلوبه الأحمق، وإلا صار الناصح معادلًا ومساوياً ومشابهاً للجاهل الأحمق الذي يتلقى النصيحة, وتنصح الآية الثانية بضرورة مجاوبة الجاهل لئلا يظن أن قضيته ومركزه قويان، فيتمادى في غيّه وحمقه وضلاله, فعلى الحكيم أن يجاوب الجاهل بحسب ما تقتضيه حماقته، لئلا يظن نفسه حكيماً، على ألّا تكون الإجابة بمثل أسلوب الجاهل الأحمق,
قال المعترض : أصحاحا 30 و31 من سفر الأمثال ليسا إلهاميين ,
وللرد نقول بنعمة الله : افتُتح أصحاح 30 بالقول: كلام أجور ابن مُتَّقيَّة مَسّا, وحي هذا الرجل إلى إيثيئيل وأكال فهذا يؤكد أن الأصحاح الثلاثين هو بوحيٍ وإلهام, وذهب البعض إلى أن المراد بلفظة مُتَّقيَّة مَسّا داود بن يسّى، والمراد بلفظة أجور هو سليمان، وذهب البعض الآخر إلى غير ذلك, وعلى كل حال فهذا الأصحاح هو بإلهام إلهي، ومن تأمل الحِكَم الإلهية الموجودة فيه لا يسعه سوى الإقرار بأنه وحي إلهي, وكذلك أصحاح 31 افتُتح بالقول: كلام لموئيل ملك مسّا وذهب البعض إلى أن لموئيل هو لقب لسليمان، فهو وحي إلهي، وذهب البعض إلى غير ذلك، وفيه وصف المرأة الفاضلة بحيث لو اجتمع علماء الدنيا لما قدروا أن يأتوا بمثل هذا الوصف البديع, فالأدلة الخارجية والداخلية تدل على أن هذا السفر وحي إلهي,