مقدمة أسفار الأنبياء
النبي الصادق
يشتمل هذا الفصل على الاعتراضات على بعض نبوات الكتاب المقدس، فلنتكلم بغاية الإيجاز على النبوات، فنقول إن الكتب المقدسة (أي التوراة والإنجيل) مؤيدة بالمعجزات الباهرة، وشهد بذلك القرآن، فاعترف أن المسيح أقام الموتى وفتح أعين العميان وشفى المصابين بأمراض متنوعة, وشهد أن موسى عمل المعجزات الباهرة من فلق البحر الأحمر وإنزال المن والسلوى وإخراج الماء من الصخرة وغير ذلك,
وتأيدت الكتب المقدسة بالنبوات أيضاً، فالنبوة هي معرفة الغيب, والأمور المستقبلَة يعجز عن معرفتها الإنسان مهما أوتي من الذكاء، لأنها غير مبنية على المشاهدة أو الاستنتاج حتى كان يمكن أن يُقاس عليها الغائب، بل كثيراً ما تكون منافية للأحوال المشاهَدة والانتظار البشري, ويخرج عن هذا التعريف نبوات الرجل السياسي، لأنه يقيس الغائب على الحاضر، وينبيء عن حوادث مستقبلة بناءً على ما عرفه من طباع قومه وأخلاقهم، وبناءً على ما عرفه من أخلاق الأمة المجاورة لبلاده, ومع ذلك فكثيراً ما يخطئ, ومما يشبه السياسي في إصابة الظن رئيس الجيش ولاعب الشطرنج، فإن معرفة كلٍ منهما بالفوز والغلبة على قرينة مبنيّة على مقدمات مشاهَدة، وليس على أمور مبنيّة على الغيب,
وتمتاز النبوّات الصحيحة من الكاذبة بأمور، منها: أن النبوات الكاذبة تكون مبهمة مُلتَبَسة، مثل هذا لما استشار كروسوس العرّافة في دلفي بخصوص محاربة الفرس، أنبأته بأنه سيخرب مملكة عظمى , ففهم بذلك أنه ينتصر على الفرس، وإن كانت هذه العبارة تحتمل أيضاً معنى هزيمته هو، فحارب الفرس وانهزم شرَّ هزيمة,