نبوات في القرآن
ومع أن القرآن لا يشتمل على شيء من النبوات، لأن معجزته الوحيدة هي فصاحته، (حسب قولهم) إلا أنهم قالوا بوجود نبوات فيه, ومن نبواته قوله: غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين (الروم 30: 2-4),
قال مفسرو المسلمين وعلماؤهم: إن الروم كانوا من أهل كتاب , وفارس لاكتاب لهم كالمشركين، فكان المشركون كلما تحارب فارس والروم يرجون غلبة فارس للروم، ويفرحون بها تفاؤلًا بغلبتهم للمسلمين, فبعث كِسرى جيشاً إلى الروم فالتقيا باذرعات وبصرى، فغلبت فارس الروم، ففرح المشركون وشق ذلك على المسلمين، فنزلت هذه الآية, فأخبر أبو بكر المشركين بذلك، فقال له أميّة بن خلف، (وقيل أبيّ بن خلف): كذبت , فقال له أبو بكر: بل أنت كذبت يا عدو الله , فقال: اجعل بيني وبينك أجلًا على عشر قلائص، يأخذها الصادق منَّا , فراهنه على ذلك، وجعلوا الموعد بينهما ثلاث سنين, وأخبر أبو بكر محمداً بذلك، فقال له: مدّ الأجل وزد في الرهان , وهو من ذكاء محمد، لأنه إذا كانت المدة قريبة يظهر الحق من الكذب فيفتضح الأمر، ولكن إذا طال الأمد لابد من حدوث حوادث جمّة تغير الأحوال, وغيَّر أبو بكر الرهن فجعل القلائص مائة والأجل إلى تسع سنين, (وقبل مضي هذه المدة قُتل أميّة يوم بدر، وقَتَل محمدٌ أبُيَّ بيده يوم أحُد), فتمام الأجل وقع بعد موتهما، وكان الإسلام في قوة نفوذه، وقالوا في سطوتهم إن الروم انتصروا, وأخذ أبو بكر القلائص من ورثتهما, فأنت ترى أن الروم لم ينتصروا في حياة المتراهنين، وأن محمداً مدّ الأجل لهذه الغاية، وقالوا بحصول النصر بعد انتصار المسلمين, على أنه لو سلّمنا بانتصار الروم بعد انكسارهم، فتاريخهم مليء من انتصار وانكسار، فإن الحرب سجال، وعلى هذا فالنبوّة ملتبسة,
ويقولون إن من نبوات القرآن: والله يعصمك من الناس (المائدة 5: 67) أي يحفظك من جميع الذين يريدون بك سوءاً, ولكن محمداً جُرح جرحاً بليغاً في رأسه وفي وجهه في معركة أُحد، بل لو كانت هذه النبوة صحيحة لما قال لعائشة قبل وفاته: ما أزال أجد ألم الطعام الذي أُسمِمْته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم , ومع ذلك فكل إنسان يقدر أن يقول هذه العبارة عن نفسه، فإن الله هو الحافظ الواقي, فهذه ليست نبوة,
ويقولون إن من نبوات القرآن: إنّا كفيناك المستهزئين (الحجر 15: 95), وهم خمسة أو سبعة من الكفَّار كانوا يؤذونه أشد الأذى ويسخرون به، فأخبره الله بقمعهم أو إهلاكهم, وهذه العبارة يمكن أن يقولها كل إنسان عن كل من يتعرض له بسوء,
ويقولون إن من نبوات القرآن: سيهزم الجمع ويولون الدبر (القمر 54: 45), فهذه العبارة يصح إطلاقها على المسلمين يوم أُحُد، كما يصحّ إطلاقها على المشركين يوم بدر,