نبوات الكتاب المقدس
أما نبوّات الكتاب المقدس الصادق فقد نطق بها الأنبياء بالبيان الكافي، وعلى رؤوس الأشهاد, وكان النبي يعرف أنه إذا لم يتم شيء من نبوّاته عرّض نفسه للتهلكة, وكانت الحوادث التي تنبأ بحصولها مبنيّة على أسباب متنوعة, ومن النبوات ما تمّ في الحال، ومنها ما تمّ ويتم في المستقبل، وكان تحقيق بعض النبوّات في الحال دلالة على صدق النبي في باقي أقواله، فنبوّات إشعياء النبي وغيره هي بهذه الكيفية,
ولنضرب بعض أمثلة توضح ذلك، فنقول: لمَّا تحالف ملك أرام مع ملك إسرائيل على إخراب مملكة يهوذا وأتيا وحاصراها، ارتجف أحاز ملك يهوذا مع جميع شعبه, فأتاه النبي إشعياء وسط هذه الشدة،وأكد له جهاراً على رؤوس الأشهاد أن الله سيحبط عملهما وأنهما سيموتان بعد برهة قصيرة, وأنه قبل أن يعرف الصبي الذي يولد في عشرة أشهر أن يدعو يا أبي ويا أمي، يستولي ملك أشور على دمشق عاصمة أرام وعلى السامرة عاصمة مملكة إسرائيل (إشعياء 7: 1_9 و8: 4) فتحققت هذه النبوّة بعد ثلاث سنين بكلياتها وجزئياتها، مع أنه لم تكن قرينة تدل على هلاك جيش سنحاريب هذا مع تفاصيل زمنه، وأنه يحل بجيشه البوار ليلًا، وأن صوت الرعد الذي يفزع الأشوريين يكون صوت تهليل وحبور لأورشليم (إشعياء 29: 6_8 و30: 29_32),
ومن ذلك أيضاً لمَّا أرسل مرودخ بلادان ملك بابل سفراء إلى حزقيا لتهنئته بالشفاء من مرضه، أراه حزقيا خزائنه متباهياً بها، فتنبأ إشعياء قائلًا: ستُنقل خزائنك إلى بابل، ويُسبى أولادك ويكونون خصياناً في قصر ملك بابل (إشعياء 39) وكانت هذه النبوّة خلاف المنتظر، لأن ملك يهوذا كان محالفاً لملك بابل ومتحاباً معه، وكان ملك بابل وقت النبوة ضعيفاً لا يقدر أن يأتي شيئاً من ذلك,
ثم تنبأ إشعياء عن رجوع بني إسرائيل إلى وطنهم من سبيهم، بل تنبأ باسم الملك الذي يعيدهم فقال (في 44: 28 و 45: 1) إن كورش ملك الفرس هو الذي يطلقهم من السبي، مع أن كورش هذا لم يولد إلا بعد مئة سنة من النطق بهذه النبوة, وقد تم ما أنبأ عنه هذا النبي,
ومن ذلك نبواته عن خراب بابل، مع أنها كانت في عهده زاهية زاهرة، ولكن تم خرابها بحيث لم يعرف أحد الآن لها موقعاً, وقس على ذلك نبوات الأنبياء الصادقين,