شبهات شيطانية حول نبوة حزقيال
قال المعترض : ورد في حزقيال 4: 10 وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن: كل يوم عشرين شاقلًا , وفي آيات 12_17 وتأكل كعكاً من الشعير, على الخُرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم, وقال الرب: هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم, فقلت: آه ياسيد الرب، ها نفسي لم تتنجس، ومن صباي إلى الآن لم آكل ميتة أو فريسة، ولا دَخَل فمي لحم نجس, فقال لي: انظُرْ قد جعلتُ لك خثي البقر بدل خُرء الإنسان، فتصنع خبزك عليه, وقال لي: يا ابن آدم، هأنذا أكسّر قوام الخبز في أورشليم فيأكلون الخبز بالوزن وبالغم، ويشربون الماء بالكيل وبالحيرة لكي يعوزهم الخبز والماء ويتحيروا الرجل وأخوه، ويفنوا بإثمهم , فهذا ناسخ ومنسوخ ,
وللرد نقول بنعمة الله : استغاث النبي بالله فأجاب صلاته وحقق طلبته, وقد تمت نبوته هذه بحصار أورشليم, وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ, هذه استجابة صلاة,
قال المعترض : نقرأ في حزقيال 12: 13 عن الملك صدقيا: وآتي به إلى بابل، إلى أرض الكلدانيين، ولكن لا يراها، وهناك يموت , فكيف يذهب إلى أرض الكلدانيين ومع ذلك لا يراها؟! ,
وللرد نقول بنعمة الله : نعم ذهب الملك صدقيا لأرض الكلدانيين دون أن يراها، لأن ملك بابل الذي أسره كان قد أعمى عينيه قبل أن يقيّده بسلاسل النحاس ليأتي به إلى بابل! (إرميا 39: 7),
قال المعترض : ما جاء في حزقيال 23 عن أُهولة وأُهوليبة هو من الكتابات الفاضحة التي يجب ألا يرد ذكرها في كتاب يدّعي أصحابه أنه مقدس ,
وللرد نقول بنعمة الله : المقصود بأُهولة وأُهوليبة مدينتان هما السامرة عاصمة مملكة إسرائيل، وأورشليم عاصمة مملكة يهوذا, وكانت مملكة بني إسرائيل مملكة واحدة متحدة تحت حكم داود وسليمان، ولكنها انقسمت بعد موت سليمان إلى مملكة شمالية عاصمتها السامرة، وجنوبية عاصمتها أورشليم,
وكان الله قد أمر بنَصب خيمة الاجتماع (مكان العبادة) في عاصمة مملكة يهوذا، أما مملكة إسرائيل فلم يوافق قط على إقامة خيمة عبادة فيها, ومن هذا نفهم لماذا أطلق الله على السامرة اسم أهولة (ومعناها في العبرية: خيمتها) كما أطلق على أورشليم اسم أهوليبة (ومعناها في العبرية: خيمتي فيها), فالمملكة الشمالية أقامت خيمة نفسها، أما المملكة الجنوبية فكان يجب أن تكون فيها وحدها خيمة الله وحده, وقد بنى الملك سليمان هيكل الله ليكون خيمة الله في أورشليم ,
غير أن المملكتين الشمالية والجنوبية خانتا عهد الله، وهو ما يسميه أنبياء التوراة بالزنى الروحي,وأخذت المملكتان تعبدان أوثان الممالك المحيطة بهما, وخيانة شعب الله لله أشرُّ من خيانة الشريك، ولذلك يوبخ النبي حزقيال العاصمتين الخائنتين بكلمات رهيبة حقاً، فقد سقطت الدولتان إلى الدرك الأسفل,
كلام حزقيال النبي إذاً هو عن مدينتين خانتا عهد إلههما، وليس عن سيدتين, وتعبيرات النبي حزقيال قاسية جداً، لأن الخيانة الروحية كانت قاسية عليه وعلى الله, وقد قال المسيح (له المجد) لمن خانوا استخدام بيت الله: مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (متى 21: 13), واللص خائن، الخيانة التي وصفها حزقيال النبي بالزنى الروحي,
قال المعترض : ورد في حزقيال 26: 1 وكان في السنة 11 في أول الشهر أن كلام الرب كان إليّ قائلًا وفي عدد 7_14 هائنذا أجلب على صور نبوخذنصر ملك بابل بخيلٍ وبمركبات وبفرسان وجماعةٍ وشعب كثير، فيقتل بناتك في الحقل بالسيف، ويبني عليكِ معاقل، ويبني عليكِ برجاً ويرفع عليكِ ترساً، ويجعل مجانق على أسواركِ ويهدم أبراجكِ بأدوات حربه ,,, بحوافر خيله يدوس كل شوارعكِ, يقتل شعبكِ بالسيف فتسقط إلى الأرض أنصابُ عزّكِ وينهبون ثروتكِ ويغنمون تجارتكِ ويهدّون أسواركِ ويهدمون بيوتكِ البهيجة، ويضعون حجارتكِ وخشبكِ وترابكِ في وسط المياه وأُصيّركِ كضِحّ الصخر، فتكونين مَبْسطاً للشِّباك، لا تُبنَيْن بعد , وهذا خطأ، لأن بختنصر حاصر صور 13 سنة، واجتهد كثيراً في فتحها، ولكنه رجع خائباً, فاحتاج حزقيال إلى العذر (والعياذ بالله)، فقال في الأصحاح : 17_20 وكان في السنة 27 أن كلام الرب كان إليَّ قائلاً: إن نبوخذنصر استخدم جيشه خدمةً شديدةً على صور, كل رأس قَرِعَ وكل كتف تجرّدت، ولم تكن له ولا لجيشه أجرة من صور، لذلك قال السيد الرب: أبذل أرض مصر لنبوخذنصر، فيأخذ ثروتها ويغنم غنيمتها وينهب نهبها، فتكون أجرةً لجيشه, قد أعطيتهُ أرض مصر لأجل شُغْله الذي خدم به، لأنهم عملوا لأجلي , لما لم يحصل لنبوخذنصر ولعسكره أجرة بمحاصرة صور، وعد الله له مصر, ولم نعلم إذا كان هذا الوعد مثل الوعد السابق، أو حصل له الوفاء, هيهات هيهات، أيكون وعد الله هكذا؟ أيعجز الله عن وفاء عهده؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : من أعظم الأدلة على صدق هذه النبوة أن النبي كان يعرف مناعة هذه المدينة، ويعرف أن شلمنأصر عجز بكل جيشه عن الاستيلاء عليها, فإن السوريين أغرقوا أسطوله العظيم بمراكبهم القليلة، ومع ذلك قال النبي إن نبوخذنصر سيستولي عليها، وقد استولى عليها فعلًا, وها نورد شهادات المؤرخين الوثنيين تأييداً لصدق هذه النبوة فنقول:
ترجم مناندر الأفسسي التواريخ الفينيقية إلى اللغة اليونانية، وفحواها أن نبوخذنصر حاصر صور 13 عاماً لما كان أثوبال ملكاً عليها، وقهر أشور وكل فينيقية, وتكبّد جيشه المشقات، وبذلك تحقق قول النبي إن نبوخذنصر استخدم جيشه خدمة شديدة على صور، كل رأس قرع، وكل كتف تجرّدت يعني من أعمال الحصار,
ونقل المؤرخ يوسيفوس عن تواريخ فينيقية أن الصوريين كانوا يأتون بملوكهم بعد هذا الحصار من بابل، فإن نبوخذنصر أسر ملوكهم وأتى بهم إلى بلاده، مما يدل على تمام إخضاع وإذلال صور وزوال مُلكها,
أما ما ذكره النبي حزقيال من أن الملك نبوخذنصر لم تكن له ولا لجيشه أجرة، فلأنه لم يجتن منها فوائد تُذكَر، فإن ثروتها نُزِفَت من طول هذا الحصار، وكانت الغنائم قليلة بالنسبة إلى ما تجشمه مع جيوشه من الأتعاب, ومما يؤيد ذلك قول العلّامة جيروم: أطلعنا في التواريخ الأشورية أنه لما حاصر نبوخذنصر صور ولم يجد أهلها منفذاً للهروب والنجاة، ورأوا أنه لا بد من الوقوع في مخالبه، هربوا في مراكبهم إلى قرطاجنة، فإنهم كانوا أشهر الأمم في التجارة والملاحة, فهرب البعض منهم إلى بحر اليونان، والبعض إلى بحر أوجين,,, لما رأى أهل صور أن أعمال الحصار كادت أن تتم على مرام أعدائهم، وتزعزعت أساسات الأسوار بضرب المجانق، نقلوا كل ما كان ثميناً من ذهب وفضة وثياب وكل الأمتعة الثمينة إلى المراكب، وذهبوا بها إلى الجزائر، حتى لما أخذ نبوخذنصر هذه المدينة لم يجد فيها شيئاً يكافئ تعبه، فتكدّر من ذلك كدراً شديداً، فأنبأه النبي حزقيال بأنه سيستولي على أرض مصر، وهي تكافئ أتعابه, ولا يلزم من عدم أخذ مكافأة من صور أنه لم يستولِ عليها، فكم من إنسان يتعب أتعاباً شاقة وتكون الثمرة أقل من التعب ,
وقد تمت نبوات الأنبياء على صور بما لم يبق معه شك ولا ريب، فخرّب نبوخذنصر هذه المدينة القديمة، وأنشأ إسكندر الأكبر من أطلالها وآثارها طريقاً لوصول الأرض بالجزيرة التي كانت قائمة عليها, قال أحد الأفاضل: لا عجب إذا لم يوجد أثر لهذه المدينة القديمة، فأصبحت سواحل رملية، وتغيرت معالمها ودُفن الصهريج العظيم في الرمال, وبذلك تمّ قول النبي: ولا تُبْنَينْ فلم تعُد هذه المدينة إلى ما كانت عليه من القوة والرفعة وقت حزقيال النبي, فإنه لما استولى إسكندر عليها لم يحرقها فقط، بل أنشأ الإسكندرية في مصر، فانتقلت التجارة إليها وزالت من صور, ومن سوء حظها تداولت الدول عليها، فكانت تارة تحت حكم البطالسة ملوك مصر، وأخرى تحت السلوقيين ملوك سوريا, وأخيراً وقعت في يد روما, وفي سنة 639م استولى عليها المسلمون، وفي سنة 1124م استولى عليها المسيحيون في الحرب الصليبية، وفي سنة 1289م استرجعها مماليك مصر، فنهبوها, وفي سنة 1516م استولى عليها السلطان سليم, وبعد أن كانت مركزاً للتجارة أصبحت أطلالًا لا يعرّج عليها سوى قوارب الصيادين المساكين، وبذلك تمّ قول الله: وأصيّر صور ضِحّ الصخور ومَبْسطاً للشِّباك (حزقيال 26: 4 و5),
وكل ذلك مصداق لقول النبوات، فإن الأنبياء تنبأوا عنها في عظمتها وقوتها أنها تصبح أطلالًا بالية، وقد تمّ ذلك فعلًا, أما من جهة استيلاء نبوخذنصر على مصر فشهد ميجاسثينيس و بيروسوس وهما من المؤرخين الوثنيين، وكانا قبل المسيح بنحو 300 سنة, فقال أحدهما: لما سمع نبوخذنصر بوفاة والده، رتّب الأمور في مصر، وسلّم الأسرى الذين سباهم في مصر لبعض أصحابه، وبادر مسرعاً إلى بابل , وقال الآخر: إن نبوخذنصر استولى على أشور وقهر العمونيين والموآبيين، ثم شنّ الغارة على مصر وقتل مَلِكها وعيّن ملكاً آخر ,
قال المعترض : يوجد تناقض بين حزقيال 45 و46 وبين سفر العدد 28 و29 ، وهذا دليل على بطلان التوراة ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لما كان حزقيال مع بني إسرائيل في سبي بابل ذكر لهم الهيكل والفرائض المقدسة، ليؤكد لهم أن الله سيعيدهم إلى وطنهم, وتشويقاً لهم إلى تلك الأوقات السعيدة,
(2) إن عبارته نبوية استعارية يشير بها إلى أمجاد ملكوت المسيح (انظر 1كورنثوس 3: 16 و2كورنثوس 6: 16 وأفسس 2: 20_22 و1تيموثاوس 3: 15), وقد استعمل الرسول هذه الاستعارة في 2تسالونيكي 2: 4 ، وكذلك يوحنا الرسول في رؤيا 11: 19 و14: 17 و15: 5 و8 ، بل استعمل عبارات حزقيال (انظر رؤيا 4: 2- 6 إلى آخره), فالنبي حزقيال أطلق الهيكل على كنيسة المسيح, وعلى كل حال فلا يوجد أدنى تناقض بين أقواله وبين سفر العدد، فإن حزقيال لم يأتِ بشريعة جديدة، ولا بما ينافي شريعة موسى,
انظر تعليقنا على سفر العدد 28 و29