شبهات شيطانية حول نبوة دانيال

قال المعترض : جاء في دانيال 1: 21 أن دانيال بقي إلى السنة الأولى لكورش الملك، ولكننا نجد دانيال لا يزال موجوداً حتى السنة الثالثة لكورش كما يظهر من دانيال 10: 1 ,

وللرد نقول بنعمة الله : ظل دانيال في موضع المسئولية والحكم حتى السنة الأولى من حكم الملك كورش، وعرف باستجابة صلاته إذ أصدر كورش الأمر بعودة بني إسرائيل إلى أرضهم, ثم عاش سنتين بعد صدور أمر كورش في بابل، في التقاعد حتى مات,

قال المعترض : جاء في دانيال 2: 45 لأنك رأيتَ أنه قد قُطع حجر من جبل، لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب, الله العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا, الحلم حق وتعبيره يقين , وهذه نبوة عن ظهور الإسلام وامتداده، فالممالك الأربع المذكورة هنا هي الكلدانيون والمديانيون والفرس واليونان، وإن اسكندر الكبير هزم الفرس وفرّق شملها، إلا أنها عادت إلى سابق مجدها فيما بعد، وأخذت تضعف تارة وتقوى أخرى إلى زمن كِسرى أنوشروان, وبعد موت محمد قصدت إليها جيوش المسلمين وفتحوها، وفتحوا ما بين النهرين وفلسطين, وعليه فمملكة الإسلام هي المقصودة بالمملكة التي خلفت الممالك الأربع وسادت على كل الأرض (عدد 44 و45) ,

وللرد نقول بنعمة الله : (1) لا ينطبق هذا الشرح على حقائق التاريخ لأنه لم يكن للماديين مملكة بعد البابليين، بل هما مملكة واحدة، بدليل أن داريوس المادي (دانيال 5: 31 و6 و9: 1) ملك بضعة شهور على الكلدان، وهي الإقليم الواقع حول بابل، ثم صار نائباً للملك كورش العظيم، وبهذا ابتدأت المملكة الثانية أي مملكة الفرس (دانيال 8: 3 و4 و20),

(2) خلفت اليونان الفرس، فكانت المملكة الثالثة (دانيال 8: 5 و7 و21) وخلفت اليونان الرومان وهي المملكة الرابعة (دانيال 2: 40) التي عظمت فوق الكل, إلا أن مؤرخي المسلمين أهملوها بالكلية,

(3) أما مملكة الفرس المتجددة فلا يمكن أن تكون هي المملكة الرابعة، بل يجب إما أن تكون المملكة الخامسة أو الثالثة، والنبوة تشير إلى ما حدث في عهد المملكة الرابعة (دانيال 2: 40 و44 و 7: 7 و19 و23), أما كون اليونان المملكة الثالثة لا الرابعة (كما زعم المسلمون) فظاهر مما قيل عنها لأنها غلبت الفرس وخلفتهم (دانيال 8: 5 و7 و21) وانقسمت اليونان إلى أربعة أقسام من بعد موت إسكندر الكبير (دانيال 8: 8 و22) وأخذ يتقلّص ظلها حتى اندمجت في المملكة الرومانية التي شمل نفوذها العالم المتمدن في ذلك العصر, وفي أثناء حكم الرومان وُلد المسيح في اليهودية وكانت خاضعة لهم, والمملكة التي أسسها المسيح حينئذ لم تكن من هذا العالم (يوحنا 18: 36 ولوقا 1: 31_33 ودانيال 7: 13 و14 و27) بدليل أنها لم تقم بالسيف كممالك العالم,

وعدا ذلك دعا المسيح نفسه ابن الإنسان، ومن هنا يظهر أنه هو الشخص الذي رآه دانيال في رؤياه جالساً على سحاب السماء سائداً على كل الأرض (دانيال 7: 13), ومملكته هي التي وصفها دانيال بالحجر الذي قُطِع بغير يدين وملأ كل الأرض (دانيال 2: 45) ولما يأتي ثانياً إلى أرضنا تسجد له كل ركبة (فيلبي 2: 9_11),

قال المعترض : جاء في دانيال 2: 48 أن شهرة دانيال كانت عظيمة في مملكة بابل، ولكننا لا نجد له وجوداً في دانيال 3: 12 عندما رفض أصحابه الثلاثة السجود لتمثال الذهب ,

وللرد نقول بنعمة الله : الأغلب أن دانيال كان غائباً عن العاصمة في عمل يتعلق بالدولة، وحدثت أزمة السجود للتمثال أثناء سفره خارج العاصمة,

قال المعترض : غناء الأطفال الثلاثة في أصحاح 3 من نبوة دانيال، وأصحاحا 13 و14 منه يعتقد بها الكاثوليك، وهي مرفوضة عند البروتستانت واليهود, ثم إن ثيودوشن (الذي ترجم التوراة إلى اللغة اليونانية) أدرج بين آيتي 23 و 24 من الأصحاح الثالث ترنيمة الثلاثة فتيان، وأدرج قصة سوسنة والتنين في أصحاحي 13 و14 وقِس على ذلك الترجمة اللاتينية ,

وللرد نقول بنعمة الله : (1) لا يجب أن يعوّل المعترض على الترجمات، بل على التوراة العبرية الأصلية التي حافظ اليهود عليها، فهي الحكم الفصل, فإذا ترجم أحد العارفين باللغات الشرقية القرآن إلى إحدى اللغات الغربية، ثم وضع بعض عبارات أو قصص ليست في الأصل، فهل يخلّ ذلك بالقرآن، ما دام محفوظاً عند أهله على أصله؟ لا نظن ذلك، فلا عجب إذا قام إيرونيموس أحد العلماء ورفض كل ما كان زائداً على الأصل العبري,

(2) الأجزاء التي يشير إليها المعترض لا يعرفها اليهود وأئمتهم وثبت أن لغتها الأصلية يونانية، ولا يوجد أدنى دليل على أنها كُتبت باللغة العبرية أو الكلدية,

(3) لم يعترف أحد من العلماء المسيحيين بصحتها، فنبذها يوليوس الإفريقي ويوسابيوس وأبوليناريوس، وقالوا إنها من الخزعبلات، ونحا هذا النحو إراسموس وغيره من العلماء المتأخرين, وقال إيرونيموس إنها خرافة، لأنه إذا أتى إنسان ووضع تعاليم كاذبة وسط الصحيحة ظهر في الحال، لأن الباطل ظاهر في لونه وشكله,

(4) كانت نُسَخ التوراة منتشرة، فإذا تصرّف مترجم في الترجمة انكشف أمره, ولنفرض أن مترجماً تصرّف في ترجمة القرآن، فهل يُقال عن الأصل إنه محرّف، والواجب رفض القرآن؟

(5) اطّلعنا على ما كتبه هورن بخصوص سفر دانيال، فذكر الحوادث التاريخية المصدّقة لنبوته، وأفاض في الكلام على تحقيق النبوات وسموّ التعاليم الإلهية, ورأينا عبارة في آخر الكلام أخذها المعترض وغضَّ الطرف عن التحقيقات الجديرة بالعلماء الأفاضل,

(6) انظر تعليقنا على الأبوكريفا في الجزء الأول من هذا الكتاب,

قال المعترض : ورد في دانيال 8: 13 و14 فسمعتُ قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوسٌ واحدٌ لفلانٍ المتكلم: إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى 2300 صباح ومساء، فيتبرأ القدس , وجميع علماء اليهود والمسيحيين مضطربون في بيان مصداق هذا الخبر، إن مصداقه حادثة أنطيوخوس ملك ملوك الروم، الذي تسلّط على أورشليم قبل ميلاد المسيح بمائة وواحد وستين سنة, والمراد بالأيام هذه الأيام المتعارفة, واختاره يوسيفوس أيضاً, ولكن المعترَض عليه هو أن حادثته التي يبذل فيها القدس والجند مدوسين كانت إلى ثلاث سنين ونصف، كما قال يوسيفوس، مع أن النبي يقول مدة 6 سنين و 3 أشهر و 19يوماً ,

وللرد نقول بنعمة الله : قال يوسيفوس (الكتاب 12 ف 7) إن من الوقت الذي زالت فيه رسوم عبادتهم الإلهية وتحولت إلى عبادة نجسة، إلى الوقت الذي أُنيرت فيه المصابيح ثانية وأُعيدت عبادة اليهود إلى حالها السابق، هو ثلاث سنين بالتمام، ولكنه قال في مكان آخر، في كلامه عن الحروب اليهودية (الكتاب 1ف1) إن أنطيوخوس شوّه الهيكل، وألغى تقديم ذبيحة الكفارة اليومية مدة 3سنين و 6 أشهر, فإذا قيل ما هو سبب تناقض أقوال يوسيفوس؟ قلنا إن أنطيوخوس أتى بمنكرات جمة مع اليهود، فكان المؤرخ تارة ينظر إلى إحدى هذه الكوارث ويعتبرها بدء فظائعه ومظالمه، فيؤرخ منها مدة مظالمه، ثم يبدو له أن الحادثة الأخرى هي الجديرة بأن تكون بدء مظالمه فيؤرخ منها, ولكن دانيال النبي راعى في النبوات كل مظالمه من أولها إلى آخرها، والدليل على ذلك أنه لم يقتصر على ذِكر تعطيل المحرقة الدائمة، بل قال أيضاً ومعصية الخراب , ولا شك أنه حصلت حوادث جمّة في تاريخ أنطيوخوس يجوز أن يُحسب منها مدة معصية الخراب وإزالة المحرقة الدائمة كما يأتي:

(1) عيَّن ياسون رئيس كهنة في سنة 171 ق,م فتوقفت الذبيحة الدائمة ونُبذت، وياسون هو أخ أونياس الذي أدخل في أورشليم عادات اليونان وألعابهم وخلاعتهم، ولم ينل رتبة رئيس الكهنة إلا بالدسائس، وتعهّد للملك أن يدفع له 360 وزنة فضة إذا صرّح له بإنشاء مكان لتعليم شبان اليهود عادات الوثنيين وتسميتهم بالأنطوخيين، فأذن له بذلك, فازدرت الكهنة بهيكل الله وذبائحه، وبادروا إلى الألعاب اليونانية وفضّلوها على غيرها, فهذه حادثة مهمة يجوز أن يُحسب منها تعطيل المحرقة ومعصية الخراب, (انظر بريدو 3: 216 و 1مكابيين 1: 11_15) فإذا حُسبت نبوة دانيال من هذه الحادثة، كانت المدة ست سنين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً بالتمام والكمال، لأن مبدأها 5 أغسطس سنة 171 ، وانتهاؤها وهو إعادة العبادة الحقيقية في 25 ديسمبر سنة 165 ق,م (انظر بريدو 3: 265_268),

(2) هجم على أورشليم واستولى عليها، ودخل المقدس ونهب أمتعة الهيكل الثمينة، وقدّم خنزيرة على مذبح المحرقة (بريدو 3: 230 و231 و1مكابيين 1: 20_28),

(3) لما لم يفز في مصر رجع حَنِقاً على اليهود، فقد بلغه أن اليهود سمعوابموته وتظاهروا فرحاً وسروراً، فأرسل أبولونيوس، أحد جنرالاته بجيش جرّار ليخرب أورشليم ويدمرها, ولما نهبها أبولونيوس أحرقها وهدم بيوتها ودك أسوارها دكاً، وبنى بأطلالها قلعة منيعة على جبل أكرا المُطِل على الهيكل، بحيث يتيسّر له صدّ من يقصد الهيكل لتقديم رسوم العبادة الإلهية, (بريدو 3: 239 و240 و1مكابيين 1: 29_40),

(4) نهى رسمياً عن تقديم المحرقات والذبائح والسكائب في الهيكل (انظر بريدو 3: 241 و242 و1مكابيين 1: 44_51) وكان ذلك شهر يونيو سنة 167 ق,م,

فأشار النبي دانيال إلى هذا الوقت بالدقة الفائقة، كما يفعل المؤرخ الصادق الذي يقرّر الحقائق بالتفصيل التام,

قال المعترض : ورد في دانيال 9: 24-26 سبعون أسبوعاً قُضِيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم، وليُؤتَى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسْح قدوس القدوسين, فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع و62 أسبوعاً , وبعد 62 أسبوعاً يُقطَعُ المسيح، وليس له , وهذا غلط، لأنه ما ظهر على هذا الميعاد أحد المسيحَيْن، بل مسيح اليهود لم يظهر إلى الآن، وقد مضى أزيد من ألفي سنة على المدة المذكورة, ولا يُلتفَت إلى توجيهات علماء المسيحيين لوجوه: الأول أن حَمْل اليوم على المعنى المجازي في بيان المدة بدون القرينة غير مقبول ,

وللرد نقول بنعمة الله : (1) المراد بقوله أسبوع هو سبعة آحاد، وليس سبعة أيام، فالكلمة في الأصل لا تدل على سبعة أيام, وتوجد لفظة أخرى غير هذه اللفظة في اللغة العبرية تدل على سبعة أيام, وإذا قيل: ما هي القرينة الدالة على أن المراد بلفظة الأسبوع هنا سبعة؟ قلنا: إن دانيال كان يتأمل في مدة السبي، وهي سبعون سنة، فأخذ يصلي ليعرف منتهى الأمر، كما يظهر من هذا الأصحاح, فأتى جبريل الملاك وقال إنه يلزم للحادثة المهمة ليس سبعين سنة بل سبعين أسبوعاً، أي سبعين سنة في سبعة, فإن التأمل كان في سبعين سنة، وهي قرينة معينة للمراد، فلم يستعمل اليوم هنا في السنة كما قال المعترض ,

(2) والأسبوع في اللغة العربية يمكن أن يكون بمعنى سبعة، فورد في الحديث أنه طاف بالبيت أسبوعاً أي سبع مرّات, قال الليث: الأسبوع من الطواف ونحوه سبعة أطواف , وإذا أرادوا تخصيصها قالوا الأسبوع من الأيام أمام سبعة أيام كما في كتب اللغة العربية (انظر لسان العرب ج 10 ص 8 وسطر 16) وورد في المصباح: الأسبوع من الطواف بضم الهمزة سبع طوفات، والجمع أسبوعات وأسابيع ثم قال: والأسبوع من الأيام سبعة أيام، وجمعه أسابيع , فانظر كيف قيّد الأسبوع بقوله: والأسبوع من الأيام,

(3) معنى قوله تكميل المعصية وتتميم الخطايا هو تكميل ذبيحتي الخطيئة والمعصية, وله معنى آخر، هو: إذا نظرنا إلى الكلمة العبرية المترجمة هنا تكميل رأينا أنها تفيد الستر والتغطية، يعني أن الخطيئة التي كانت مكشوفة وعريانة أمام الله البار القدوس، أصبحت الآن برحمته مستورة، بحيث لا يُعتبر لها وجود, وكلمة تتميم الخطايا هي في الأصل بمعنى ختم الخطايا وحبسها، فإنه لما كان النبي دانيال متحيراً ومتفكراً في خطية شعبه وكيف يغفر الله خطيتهم، أجابه الله بقوله إنه بعد 70 أسبوعاً من السنين يهيىء الله كفارة كافية عن الخطية، وحينئذ يظهر عدل الله وحكمته الفائقة في أنه يسامح الخاطئ التائب، ومع ذلك يكون عادلًا, فالمسيح صار كفارة عن آثامنا كما قال النبي هنا, وقد كنا نستوجب القصاص في جهنم النار إلى الأبد، ولكنه احتمل في جسده خطايانا وصُلب لأجل آثامنا، فتبررنا ببره, وهذا هو معنى قوله: يُؤتَى بالبر الأبدي , فمتى آمن الخاطئ بالمسيح سُترت خطاياه ووقف مبرَّراً أمام الله, فالمسيح يسوع صار لنا برّاً وفداءً فصرنا أبراراً أمام الله بالنظر إلى ما فعله يسوع لأجلنا, وطريقة تبرير الخاطئ هذه هي أبدية، كما في إشعياء 51: 6 أما خلاصي فإلى الأبد يكون، وبرّي لا يُنقَض وإشعياء 45: 17 أما إسرائيل فيخلص بالرب خلاصاً أبدياً , فإن طريقة الخلاص بالمسيح هي أبدية، وفوائدها العظمى دائمة لا تزول، بخلاف الطريقة الموسوية التي كانت رمزاً إلى الخلاص بالمسيح، فلذا كانت تتكرّر الذبائح كل يوم لعدم وفائها بالمقصود (انظر عبرانيين 10: 1) وبذلك خُتمت الرؤيا والنبوات يعني تمت النبوات التي أنبأت عن المسيح مدة أجيال، فكانت كلها تشير إلى المسيح وعمله,

أما قوله ولمسْح قدوس القدوسين فنقول: أُطلقت هذه العبارة في الكتاب المقدس على قدس الأقداس في الهيكل نحو 28 مرة (خروج 26: 32 و34 و29: 37 و30: 29 و36 وغيره) ويُكنى بها عن عمل المسيح لأنه يبني هيكل الرب (زكريا 6: 12 و13), وكذلك في (إشعياء 60) فاستُعيرت الألفاظ المستعملة في العهد القديم للدلالة على أعمال الإنجيل، كقوله: أنتم هيكل الله الحيّ، كما قال الله سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً , فالمراد بقوله قدوس القدوسين الكنيسة المسيحية، والمراد بقوله ولمسْحها إنسكاب الروح القدس، كما حصل في يوم الخمسين، فإن الروح القدس انسكب على الكنيسة بغزارة، فهذا هو معنى هذه الآية باختصار, وليس فيه تكلّف ولا تعسّف، وليس فيه حمل اليوم على المعنى المجازي ولا شيء مما ذكره المعترض,

قال المعترض : هذا لا ينطبق على أحد من المسيحَيْن، لأن المدة التي بين السنة الأولى من جلوس كورش الذي أطلق اليهود فيها (على ما جاء في عزرا 1) إلى خروج المسيح (على ما جاء في تاريخ يوسيفوس) بقدر 600 سنة تخميناً, وجاء في مرشد الطالبين في الفصل 20 من الجزء 2 أن رجوع اليهود من السبي وتجديدهم الذبائح في الهيكل، كان في سنة الإطلاق وهي 536 ق,م، مع أن سبعين أسبوعاً هي 490 سنة، وعدم انطباقها على مسيح اليهود ظاهر ,

وللرد نقول بنعمة الله : لا ننكر أن كورش أصدر أمراً ببناء الهيكل فقط، ولكنه لم يصدر أمراً بتجديد أورشليم وبنائها, والنبي دانيال يقول إنه من صدور الأمر بتجديد أورشليم وبنائها، وهو غير صدور الأمر ببناء الهيكل, فيوجد بين الأمرين فرق عظيم، فكورش رأى أن لا مانع من جواز مساعدة الأمة الإسرائيلية على بناء الهيكل سياسةً منه، ولكنه رأى أن مساعدتهم على بناء المدينة وإعادة حصونها خطر عليه, فبناء الهيكل يُعتبر نهاية مدة السبي وهي 70 سنة, وقد ذُكر في سفر عزرا 1: 2 و3 أمر الملك: هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا, مَنْ منكم مِن كل شعبه ليكنْ إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل, هو الإله الذي في أورشليم , فلم يذكر في هذا الأمر كلمة عن تجديد المدينة وبنائها, فتجديد أورشليم وبناؤها كان في عهد ملكٍ آخر,

وقد ألّف ياهن تاريخاً عن ملوك فارس، ولم تكن غايته تطبيق الحوادث التاريخية على نبوة دانيال النبي، بل مجرد سرد وقائع تاريخية، قال فيه:

يبلغ عدد ملوك الفرس نحو 14 ملكاً، وتبلغ مدة حكمهم نحو 207 سنة, وأول ملوكهم هو سياكزاريس الثاني، وانتهى ملكهم باستيلاء اسكندر الأكبر على بلادهم, وهاك جدولًا ببيان أسمائهم ومدة حكمهم ووقته:

شهر سنة ق,م شهر سنة ق,م

0 02 سياكرزارس الثاني 532 2 00 زرزس الثاني 424

0 02 كورش 536 7 00 سوجديانوس 422

5 02 كمبيزس 529 0 19 داريوس نوثاس 423

7 00 سمرديس 522 0 46 أرتحششتا منيمون 404

0 36 داريوس هستاسبيس 521 0 21 داريوس أوخس 358

0 21 زرزس الأول 485 2 00 أرسيس 337

3 40 أرتحششتا لونجيمانوس 464 4 00 داريوس كودومانوس 335

ففي عهد الملك الأخير استولى اسكندر الأكبر على هذه المملكة في سنة 331 ق,م, ولنبحث في تواريخ هؤلاء الملوك لنرى من منهم أصدر أمراً بتجديد أورشليم وبنائها:

(1) سياكزاريس الثاني، وهو الذي سمّاه دانيال في نبواته داريوس (6: 1 ، 9: 1) في عهده فُتحت بابل, ولم يشرع في ردّ اليهود إلى وطنهم، وإنما الذي شرع في ذلك هو:

(2) كورش، فقد أصدر أمراً ببناء الهيكل كما رأينا، ولكن لم يصدر أمراً بتحصين المدينة أو بإحاطتها بسور أو خندق, وبما أن النبي دانيال حسب مدة ظهور المسيح من تجديد المدينة وبنائها، لا من بناء الهيكل، فلا يكون أمر كورش هو المقصود,

(3) كمبيزس، بعد وفاة كورش اشتكى السامريون لكمبيزس (الذي سمَّاه عزرا أحشويروش) من اليهود, ولم يخبرنا التاريخ عن نتيجة هذه الشكوى، وإنما أفاد أن هذا الملك كان سفاحاً جشعاً مغفّلاً، وكان رعاياه يعتقدون أنه مجنون، فشنّ الغارة على مصر ولما كان راجعاً بلغه أن سمرديس أخاه اغتصب الملك في غيابه، ومات بوقوع سيفه من غمده عليه لما كان راكباً حصانه, ولم يذكر مؤرخ من المؤرخين أنه أصدر أمراً بتجديد بناء المدينة ولا غيرها, فليس إذن هو المقصود,

(4) سمرديس، وكانت مدة حكمه سبعة أشهر وهو المُسمّى في التوراة أرتحششتا، وفي عهده ادّعى السامريون كذباً على اليهود أنهم شرعوا في بناء أورشليم وتحصينها، مع أنه لم يخطر ببالهم ذلك, وبناء على هذه التهمة الباطلة أصدر أمراً صريحاً بأن لا يبنوا شيئاً في المدينة, فلم تحدث حادثة في عهده تشير إلى قول النبي دانيال, بل إن عدم تصريحه ببناء المدينة هو برهان قوي على أن كورش لم يصدر أمراً ببناء المدينة، بل كان أمره قاصراً على بناء الهيكل فقط، كما تَقَدّم, وقد رأى أنه لو صرّح لهم ببناء المدينة لأحدث ذلك مشاكل وانشقاقات بين السامريين واليهود, وعليه لم تُصرّح حكومة الفرس له ببناء المدينة,

(5) داريوس هستاسبيس، كانت مدة حكمه 26 سنة، وكان ملكاً حليماً عادلًا, وبما أن سمرديس كان قد اغتصب الملك لم يكن منعه لليهود عن بناء الهيكل ذا صفة قانونية, وفي السنة الثانية من حكم داريوس هذا بذل حجي وزكريا النبيان جهودهما عند الوالي زربابل، وعند يشوع رئيس الكهنة، وعند الأمة وألحّا عليهم بوجوب بناء الهيكل، فشرعوا فيه, فاستفهم منهم تانتاي (الوالي الفارسي على الجهات الواقعة غرب الفرات) عن المسوّغ لعملهم، فأخبروه بأمر كورش, ولما عرض الأمر على داريوس أمر أن يفتشوا في سجلات الحكومة على أمر كورش، فوجدوا الأمر ببناء هيكل أورشليم أكبر من الهيكل الأول على نفقة الحكومة فأُرسلت صورة هذا الأمر إلى تانتاي، وكلّف بملاحظة العمل وصرف تكاليفه، وأن يساعد الكهنة بما يلزم لبقاء الذبيحة اليومية, فبُذلت الهمة في بناء الهيكل, وفي السنة السادسة من حكمه تم بناؤه ودشّنوه، وصرف هذا الملك باقي عمره في الحروب مع سيثياوثراس والهند واليونان, ولما كان يجهّز حملة لمحاربة اليونان مات، وترك أملاكه وحروبه لابنه زرزس, ولم يصدر أمراً ببناء المدينة، بل أصدر أمراً ببناء الهيكل حسب أمر كورش,

(6) زرزس الأول، وكان مشهوراً بالجشع والطمع والقسوة، وهو مشهور بشن الغارة على اليونان، وبانهزامه في ثرموبيلية وبانكسار أسطوله في سالاميس، فإن ثاميسوكليس هزمهم, وفي السنة 21 من حكمه قتله أرتبانوس رئيس عساكر حرسه، فمات في سنة 464 ق,م, والأرجح أن اسم أرتحششتا المذكور في عزرا، وأحشويروش المذكور في سفر أستير، هما اسمان لزرزس الأول هذا, وعليه فيكون هو الذي أصدر أمراً بأن يعود اليهود إلى بلادهم (عزرا 7), وفوّض لعزرا أن يفعل ما يلزم للمحافظة على العبادة العمومية، وأعطاه أواني الذهب والفضة التي تخص الهيكل، وكانت في بابل, وهذا الأمر موجود في عزرا 7: 13_26 ، وهو مختص ببناء الهيكل فقط، فلم يصدر أمراً ببناء المدينة أو حصونها,

(7) أرتحششتا لونجيمانوس، قال المؤرخ ياهن : كان ابتداء حكمه في سنة 464 ق,م وحكم 40 سنة وثلاثة أشهر، وتقلّد نحميا في عهده ولاية اليهودية, وقال ياهن إن العبرانيين الذين كانوا في اليهودية مرتاحين وقت عزرا، انحطّوا انحطاطاً تاماً، وسببه أن سورية وفينيقية كانتا محطتين لعساكر أرتحششتا, ولما اطّلع نحميا الذي كان ساقي أرتحششتا على حالة اليهود التعيسة في سنة 444 ق,م من حناني أحد اليهود الذين أتوا من اليهودية إلى شوشن بشرذمة من اليهود، وإنه لم يبق من النظامات التي سنّها عزرا في سنة 478 ق,م أثر ما، وزادت حالة اليهود تعاسة بسبب قلاقل الحروب، أثّرت هذه الأخبار في نحميا، فاغتمّ واهتم, فلاحظ الملك ما به من الكمد، ولما عرف منه سبب ذلك عيّنه والياً على اليهودية، وفوّض له تحسين أورشليم لوقايتها من البلايا التي تحل بالبلاد التي تكون غير محصَّنة وقت الحرب، وصدرت أوامر إلى الولاة في غرب الفرات ليساعدوه على تحصين المدينة، وأن يسعفوه بالأخشاب اللازمة من غابة الملك التي كانت في جبل لبنان بقرب منبع نهر قاديشة, وبناءً على ذلك سافر نحميا إلى اليهودية ومعه ضباط وعسكر وخيالة, ولما اعترف بولايته أرباب المناصب والرتب إلى فلسطين، أخبر أعضاء مجلس الأمة اليهودية عن عزمه على تحصين أورشليم، فبذل رؤساء السامريين (سنبلط وطوبيا وجشم) همتهم لإحباط مساعي اليهود بالتعييرات والإهانات والدسائس والمؤامرات والتهديدات، غير أن اليهود استمروا في العمل وسلّحوا البنائين وجعلوا عليهم حرساً مُسلّحين إلى أن تمموا بناء أسوار المدينة,

فهذا هو الأمر الملوكي الذي يوافق ويطابق قول النبي دانيال,

ولنبحث في مطابقة أمر أرتحششتا لونجيمانوس لنبوّة دانيال، فنقول:

ورد في نحميا 1 أنه لما وصل حناني إلى شوشن استفهم منه نحميا عن أحوال إخوته في يهوذا، فأخبره أنهم في حالة سيئة، وأن سور أورشليم منهدم وأبوابها محرقة بالنار، وأن اليهود في أورشليم في شر عظيم وعار, فبكى نحميا من ذلك وناح وصام وصلى، ولما شرع في أداء وظيفته من تقديم الخمر لارتحششتا، رأى الملك علامات الكمد على وجهه فاستفهم منه عن السبب، وكان ذلك في السنة العشرين من حكمه، فأخبره: كيف لا يكمدُّ وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب وأبوابها قد أكلتها النار؟ (نحميا 2: 3) وفي (عدد 5) وقلت للملك: إذا سُرّ الملك، وإذا أحسن عبدك أمامك، ترسلني إلى يهوذا إلى مدينة قبور آبائي، فأبنيها , وهذا كله يطابق أقوال النبي دانيال تماماً, وفي (آية 8) ورد في أمر الملك رسالة إلى آساف حارس بساتين الملك يأمره أن يعطي نحميا أخشاباً لسقف أبواب القصر الذي للبيت، ولسور المدينة، وللبيت الذي يدخل إليه, ولما توجّه نحميا إلى أورشليم جمع أشراف الأمة اليهودية وقال لهم: أنتم ترون الشر الذي نحن فيه، كيف أن أورشليم خربة وأبوابها قد أُحرقت بالنار, هلم فنبني سور أورشليم ولا نكون بعد عاراً (آية 17) ووصف في نحميا 3: 1_22 و4: 1_23 فقال إن المدينة أصبحت منيعة، ولم يذكر كلمة واحدة عن الهيكل، فإنه كان بُني, ومما يجب الالتفات إليه إنه لم تُذكر كلمة في أمر كورش عن بناء المدينة، فهذه الحالة تطابق ما ذكره النبي دانيال الذي تنبأ ببناء السور في ضيق الأزمنة, ولا شك أن سنبلط وغيره ضايقوا نحميا، وبعد هذا لم يصدر ملك من ملوك الفرس أمراً ببناء أورشليم ولا الهيكل ولا غيره,

فأجمع جميع المؤرخين على أن صدور الأمر ببناء أورشليم كان في السنة العشرين من حكم أرتحششتا، ولكنهم اختلفوا بعض الاختلاف في ابتداء حكمه, فحقق العلّامة هنجستنبرج بعد البحث أنه كان ابتداء حكم أرتحششتا في سنة 474 ق,م، وقال إن أباه زرزس حكم 11 سنة (وليس 21 سنة) وإن أرتحششتا ابنه حكم 51 سنة (وليس 41 سنة), فعليه تكون السنة العشرون من أرتحششتا هي سنة 454 ق,م, فإذا طرحنا هذه المدة من حاصل ضرب 69 إسبوعاً في 7 ، وهي المدة التي قال عنها النبي دانيال في آية 25 ، كان الباقي 29 سنة ميلادية، وهي أول عمل المسيح العمومي,

وبيان ذلك أن النبي دانيال قسّم السبعين أسبوعاً إلى ثلاثة أقسام:

(1) القسم الأول: سبعة أسابيع (أي 49 سنة) وهو مدة تجديد أورشليم وبنائها، لأنها كانت أطلالًا بالية, ولا شك أن نحميا صرف هذه المدة في بناء أورشليم، وكان آخر عمله في ولايته على أورشليم هو تنظيم أحوال الأمة الإسرائيلية وصلاح شؤونها، وكان ذلك في السنة 49 من صدور أمر أرتحششتا الذي كان في سنة 454 ق,م، وهو آخر حكم داريوس نوثاس، فإن نحميا تعيّن والياً على اليهودية ولم يكمل تجديد أورشليم إلا في مدة ولايته للمرة الثانية, ففي أول أمر استمر 12 سنة والياً على اليهودية، وذلك لأن أرتحششتا أصدر إليه أمراً ببناء أورشليم، وعيّنه والياً عليها, وفي السنة 32 رجع إليه نحميا، ثم استأذن من الملك ليرجع إلى أورشليم (نحميا 13: 6 و7) فصرّح له, ولا يخفى أن نحميا عمَّر طويلًا، فإذا كان عمره لما شرع في تجديد أورشليم 30 سنة، وصرف 49 سنة في بنائها، كان عمره 79 سنة، وقد قال المؤرخ يوسيفوس إنه كان هَرِماً,

ثم أن آخر عمله كان في السنة 15 من حكم داريوس نوثاس، وهو حسب بريدو في سنة 408 ق,م, فالفرق إذن هو ثلاث سنين، وهي المدة التي صرفها نحميا (13: 7_31), فهذا هو حساب السنوات التسع والأربعين,

(2) القسم الثاني: وهو 62 7 = 434 ، أي من تجديد الهيكل إلى مجيء المسيح, فيكون صدور الأمر بتجديد أورشليم إلى مجيء المسيح 483 سنة, وتقدم أن بدء حكم أرتحششتا كان في سنة 474 ق,م (حسب تحقيقات العلّامة هنجستنبرج), ويُفهم من تاريخ أشر أن بدء حكمه هو 474, وأما كالمت فذهب إلى بدء حكمه هو 469 ق,م, والأصح الأول, وبما أنه أصدر الأمر في السنة العشرين، فيكون تاريخ 454 ق,م حسب تحقيقات العلّامة هنجستنبرج و أشر , فإذا طرحناه من 483 سنة كان 29 سنة ميلادية، وهي سنة دعوة المسيح للناس إلى طريق الخلاص، فإنها الغاية المقصودة بالذات، لأن النقطة المهمة في تواريخ الملوك والسلاطين هي أوائل حكمهم وعملهم، فمولدهم ليس بشيء بالنسبة إلى الحكم، فلذا راعى النبي دانيال هذه النقطة المقصودة بالذات,

(3) القسم الثالث: هو الأسبوع, قال النبي إن المسيح يُقطع في وسط هذا الأسبوع، وليس لأجل نفسه، بل لأجل غيره, ومَنْ يتأمل إنجيل يوحنا يجد أن مدة دعوة المسيح وخدمته هي ثلاث سنين ونصف, ولما قدم نفسه ذبيحة بطلت من ذلك الوقت الذبائح الأخرى، التي لم تكن لها قوّة في حد ذاتها، وكانت رمزاً إلى ذبيحة المسيح، فهل تبقى لها قوة أو فائدة بعد إتيان المرموز إليه؟ لا نظن ذلك, فزالت قوتها كما قال النبي, أما رجسة الخراب فقد قال المسيح (له المجد) في متى 24: 15 فمتى نظرتم رجسة الخراب، التي قال عنها دانيال النبي، قائمة في المكان المقدس , قال يوسيفوس لما هرب الثائرون إلى المدينة، ولما أحرق الرومان المكان المقدس ذاته وجميع الأبنية التي كانت حوله، أدخلوا أعلامهم في الهيكل ووضعوها على البوابة الشرقية وقدموا ذبائح لها، وهناك جعلوا تيطس إمبراطوراً في وسط تهليلات الفرح والسرور, وهذا هو معنى قول النبي رجسة الخراب , فإن اليهود كانوا يعتبرون وضع الأعلام في الهيكل رجساً عظيماً,

فينتج مما تقدم:

(1) أنه لم يُحمل اليوم على المعنى المجازي، كما ادّعى المعترض، لأن معنى الأسبوع لغةً هو سبعة,

(2) إن النبي كان يتأمل في السبعين سنة، مدة سبي بني إسرائيل، فقال له الملاك: سبعين أسبوعاً ,

(3) لا يجوز أن نحسب بدء مدة 490 من صدور أمر كورش، لأن الأمر الذي أصدره كان قاصراً على تجديد الهيكل, والنبي دانيال قال: من وقت تجديد المدينة وبنائها ولم يذكر الهيكل, ومن وقت تجديد المدينة وبنائها إلى مجيء المسيح هو 490 سنة بالتمام والكمال,

(4) مِنْ تعنُّت هذا المعترض قوله إن هذا الكلام لا يصدق على أحد المسيحَيْن، ليوهم أنه يوجد مسيحان, والحق أنه لا يوجد سوى المسيح يسوع الذي شهد له القرآن أنه كلمة الله وروح منه (آل عمران 3: 45) إذ قالت الملائكة: يا مريم، إن الله يبشّرك بكلمة منه اسمه عيسى ابن مريم، وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين , ثم ذكر معجزاته وعجائبه، وإنه أُرسل إلى الأمة الإسرائيلية، وإن له حواريين,

قال المعترض : ورد في دانيال 12: 11 و12 ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رِجْس المخرَّب 1290 يوماً, طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى 1335 يوماً , وهو غلط أيضاً كما في تعليقنا على دانيال 8: 13 ، وما ظهر على هذا الميعاد مسيح النصارى ولا مسيح اليهود ,

وللرد نقول بنعمة الله : المراد بهاتين الآيتين هو أنطيوخوس أبيفانيس, وبدء إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرَّب، هو استيلاء أنطيوخوس على أورشليم بواسطة أبولونيوس أحد رؤساء جيشه، وإزالة الذبائح من الهيكل, وبعد أن شرح مؤلف كتاب المكابيين الأول كيفية استيلاء جنرال أنطيوخوس على أورشليم في سنة 168 ق,م قال إن عساكر أنطيوخوس سفكوا الدم البريء حول الهيكل، ودنّسوا المقدس, وهرب سكان أورشليم وأصبح المقدس خرباً، وانقلبت أعياد أورشليم وأفراحها إلى أحزان وأتراح وسبوتها إلى عار (1مكابيين 1: 37_39) ووضع تمثال المشترى في الهيكل, وقد قال المؤرخ يوسيفوس إن الذبائح اليومية أُبطلت مدة ثلاث سنين ونصف، كما تقدم، وهي قدر المدة التي أشار إليها النبي دانيال، ولكنها تنقص 11 يوماً، فإن 1290 يوماً هي ثلاث سنين ونصف، و11 يوماً, وعبارة النبي أدق لأنها صادرة ممن بيده الأوقات ويعلم السنين والأشهر والأيام والساعات والدقائق, والمؤرخ الدنيوي لا يبالي بمثل هذه الدقة في الحساب,

و قال المعترض : لماذا كرّر النبي هذه المدة، مع أن مدة عموم الرجس هي 2300 صباح ومساء؟

وللرد نقول بنعمة الله : العبارة المذكورة في 8: 14 تشير إلى عموم الخراب، وقد تأكد أن مدة القلاقل كلها كانت 2300 يوماً, وهنا ذكر مدة تعطيل الذبيحة فقط لأنها كانت أشد البلايا، وهو مثل قوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فالصلاة الوسطى داخلة في الصلوات ولكنه خصّها بالذكر لفضلها (حسب قولهم), وهنا خصّ مدة تعطيل الذبائح بالذكر لشناعتها,

أما قول النبي: طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى 1335 يوماً فالتاريخ أيضاً يؤيد هذه النبوة, ففي أواخر سنة 165 أو في أوائل سنة 164 ق,م سمع أنطيوخوس أبيفانيس بحصول ثورات واضطرابات في بلاد الأرمن والفرس، فتوجه إليهما بفرقة من جيشه، وأرسل فرقة أخرى إلى فلسطين، فانتصر بعض النصر, ولكنه لما كان شرهاً وجشعاً حاول نهب الأموال التي كانت في هيكل ديانا الفارسي في علاميس فقام الأهالي عليه جملة واحدة وطردوه من المدينة، فالتجأ إلى أكباتانا , وهناك بلغه أن يهوذا المكابي هزم عساكره في فلسطين، وكانوا تحت قيادة نيكانور وتيموثاوس، وحصّن اليهود هيكلهم بأسوار منيعة, فاستشاط غيظه على اليهود وجدّف على إلههم وأوعد أنه لا بد يجعل أورشليم مدفناً لليهود, وفي الحال عزم على السفر إلى اليهودية مروراً من بابل, وجدّ في السير فوقع من عربته، ثم اعتراه مرض في أمعائه ومات في طابية بقرب حدود بابل وبلاد الفرس، وأفاد المؤرخون أنه ندم وهو على فراش الموت على عبثه بالأشياء المقدسة،وكان ذلك في شهر فبراير سنة 164 ق,م, فإذا كان بدء المدة 1335 هي ذات بدء المدة 1290 ، فيكون منتهى 1335 يوماً هو موت أنطيوخوس, وكان هجومه على علاميس قبل الربيع بمدة طويلة، فيكون موته عند انتهاء 1335 يوماً، يعني في شهر فبراير (شباط) سنة 164 ق,م, قال النبي: طوبى لمن يشاهد تتميم هذه الحادثة السعيدة، وهو خلاص الأمة اليهودية من هذا العاتي الجبار ,

الصفحة الرئيسية