كتب الأبوكريفا
وهناك كتب الأبوكريفا، أي الكتب المشكوك في صحتها، أو في صحة نسبتها إلى من تُعزى إليهم من المؤمنين,
هذه الكتب هي طوبيا، ويهوديت، والحكمة، وابن سيراخ، وتسبحة الثلاثة فتيان، وقصة سوسنا، وكتابا المكابيين الأول والثاني, ومع أن هذه الأسفار كانت ضمن الترجمة السبعينية للعهد القديم، إلا أن علماء اليهود لم يضعوها ضمن الكتب القانونية,
وبما أن اليهود هم حفظة الكتب الإلهية، ومنهم أخذ الجميع، فكلامهم في مثل هذه القضية هو المعوّل عليه, وقد نبذوا هذه الكتب لاعتقادهم أنها غير موحى بها، للأسباب الآتية:
(1) إن لغتها ليست العبرية التي هي لغة أنبياء بني إسرائيل ولغة الكتبالمنزلة، وقد تأكدوا أن بعض اليهود كتب هذه الكتب باللغة اليونانية,
(2) لم تظهر هذه الكتب إلا بعد زمن انقطاع الأنبياء، فأجمع أئمة اليهود على أن آخر أنبيائهم هو ملاخي, وورد في كتاب الحكمة أنه من كتابة سيدنا سليمان, ولكن هذا غير صحيح، لأن الكاتب يستشهد ببعض أقوال النبي إشعياء وإرميا وهما بعد سليمان بمدة طويلة ويصف اليهود بأنهم أذلاء، مع أنهم كانوا في عصر سليمان في غاية العز والمجد,
(3) لم يذكر أي كتاب منها أنها وحي، بل اعتذر في كتاب حكمة ابن سيراخ عن النسيان والخطأ, ولو كانت وحياً لما طلب فيها من المطالع غض الطرف عما بها من الزلل,
(4) لم يعتبر اليهود هذه الكتب من كتبهم المنزلة، ولم يستشهد بها المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كولوسي 2: 3), ولا أحد من الحواريين، ولم يأتِ لها فيلو ولا يوسيفوس بذكر, مع أن المؤرخ يوسيفوس ذكر في تاريخه أسماء كتب اليهود المنزلة، وأوضح تعلّق اليهود بها، وأنه يهُون على كل يهودي أن يفديها بروحه,
(5) سار الأباء المسيحيون الأولون (ما عدا القليلون منهم) على نهج علماء اليهود في نظرتهم إلى هذه الأسفار, ومع أنهم اقتبسوا بعض الأقوال الواردة فيها إلا أنهم لم يضعوها في نفس منزلة الكتب القانونية, وعندما قررت مجامع الكنيسة الأولى الكتب التي تدخل ضمن الكتب القانونية اعتبرت هذه الكتب إضافية أو محذوفة أو غير قانونية,
وعلى هذا فلم يذكرها مليتو أسقف ساردس (الذي كان في القرن الثاني المسيحي) من الكتب المقدسة، وكذلك لم يذكرها أوريجانوس الذي نبغ في القرن الثاني، ولا أثناسيوس ولا هيلاريوس ولا كيرلس أسقف أورشليم، ولا أبيفانيوس، ولا إيرونيموس، ولا روفينوس، ولا غيرهم من أئمة الدين الأعلام الذين نبغوا في القرن الرابع, وكذلك لم يذكرها المجلس الديني الذي التأم في لاودكية في القرن الرابع، مع أنه حرر جدولًا بأسماء الكتب المقدسة الواجب التمسك بها, والكاثوليك يرجعون إلى قراره,
ولكن بما أن هذه الكتب كانت موجودة ضمن أسفار العهد القديم في الترجمات السبعينية واللاتينية، فقد أقرّ مجمع ترنت في القرن السادس عشر اعتبارها قانونية، فوضعت ضمن التوراة الكاثوليكية,
(6) إنها منافية لروح الوحي الإلهي، فقد ذُكر في حكمة ابن سيراخ تناسخ الأرواح، والتبرير بالأعمال، وجواز الانتحار والتشجيع عليه، وجواز الكذب و كمثال لذلك يهوديت 9: 10 و13 , وكمثال نجد أن الصلاة لأجل الموتى كما في 2 مكابيين 12: 45 و46 تناقض ما جاء في لوقا 16: 25 و26 وعبرانيين 9: 27,
وقال المعترض الغير مؤمن: إن الكاثوليك يعتقدون بتلك الكتب ,
وللرد نقول بنعمة الله : بما أن الأمة اليهودية هي التي أؤتمنت على الكتب الإلهية، كانت هي الحكم الفصل، وحكمها هو الذي يُعوّل عليه, وقد أجمع أئمتها في العصور القديمة والمتأخرة على أنه لم يظهر بينهم نبي كتب هذه الكتب، فإنه من المؤكد أن أحد اليونان اليهود وضعها, ولو كانت معروفة عند اليهود لوُجد لها أثر في كتاب التلمود,
وقال المعترض الغير مؤمن: التأم مجلس للعلماء المسيحيين للنظر في الكتب المشكوك فيها ,
وللرد نقول بنعمة الله : يؤخذ من كلامه أنه لا خلاف في الكتب الموحى بها، وهو الصواب، لأنها مؤيَّدة بالروح القدس وبالآيات الباهرة, فالأنبياء الكرام وتلاميذ المسيح أيّدوا رسالتهم وتعاليمهم بالمعجزات التي أسكتت من تصدّى لهم، فتأكد الجميع حتى المعارضون أن أقوالهم هي وحي إلهي، فقبلوا كتبهم بالاحترام الديني والتبجيل، وتمسكوا بها واتخذوها دستوراً، ولم يحصل أدنى خلاف بين أعضاء المجلس النيقاوي على صحة الكتب المقدسة لأنها في غنى عن ذلك,
أما الكتب الموضوعة فتحتاج لمساندة المجالس، لأنها خالية من المعجزات,