1 - شبهات شيطانية حول رسالة رومية
قال المعترض : ورد بعد مزمور 14: 3 في الترجمة اللاتينية والحبشية والعربية ونسخة الفاتيكان اليونانية الست آيات الواردة في رومية 3: 3-18 حنجرتهم قبر مفتوح، بألسنتهم قد مكروا، سم الأصلال تحت شفاههم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة, أرجلهم سريعة إلى سفك الدم, في طرقهم اغتصاب وسحق، وطريق السلام لم يعرفوه, ليس خوف الله قدام عيونهم ,
وللرد نقول بنعمة الله : الآيات الست هذه ليست ساقطة كما ادعى المعترض، وإنما وضعها بعض المترجمين بعد الآية الثالثة من مزمور 14, وقد جاءت في الترجمة السبعينية التي عنها أخذت ال ولجاتا, وقد أخذ الرسول بولس نصَّه اليوناني من السبعينية, وهناك آيات كتابية أخرى تقول نفس الكلمات مثل ما ورد في مزمور 5: 9 و140: 3 و: 7 وإشعياء 59: 7 و8 ومزمور 36: 1,
قال المعترض : جاء في رومية 3: 28 إذاً نحسب أن الإنسان يتبرَّر بالإيمان بدون أعمال الناموس , ولكن الرسول يعقوب يناقض قول الرسول بولس هذا، فيقول في يعقوب 2: 24 ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده ,
وللرد نقول بنعمة الله : يظن كثيرون أن بولس ويعقوب يناقض أحدهما الآخر في قضية مغفرة الخطايا, فبولس يقول إن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال، بينما يعلِّم يعقوب أن الإنسان يتبرر بالإيمان والأعمال معاً, ولكن على القارئ أن يقرأ كل ما كتبه بولس عن التبرير، فيرى أنه لا يناقض أحدهما الآخر، بل كلاهما يعلّم حقاً واحداً، ولكن موضوع حديثهما في الآيتين المقتبسَتين هنا ليس واحداً, فبولس يتكلم هنا عن التبرير أمام الله بغفران الخطايا، أما يعقوب فيتكلم عن التبرير أمام الناس بالعمل الصالح, بولس يستعمل كلمة تبرير للدلالة على عمل الله الذي به تُغفر خطايا الإنسان على أثر إيمانه بالمسيح وقبوله إياه مخلصاً، أما يعقوب فيستعمل كلمة تبرير للدلالة على البر العملي الذي وصل إليه المؤمن بواسطة الإيمان, وهذا لا دَخْل له مطلقاً بالخلاص,
وللإيضاح نقول: إن التبرير أمام الله هو اعتبار الإنسان باراً أمامه تعالى على أثر قبوله النعمة المجانية المقدَّمة له, وهذا بالإيمان لا غير,والإنسان على أثر قبوله نعمة الله في المسيح لا يمكن أن يكون قد عمل بعد عملًا يُشار إليه كأساس لتبريره, أما التبرير الذي يتكلم عنه يعقوب فيشمل الإيمان بالفادي، والحياة الصالحة التي تتبع هذا الإيمان, ولا غبار على قول يعقوب إن الإيمان الذي لا يكون مقترناً بحياة التقوى إيمان ميت,
فنرى إذاً أنه لا تناقض البتة بين كلام الرسولين في قضية التبرير، فكلاهما يعلّم عن حق واحد, أحدهما يشير إلى وجهٍ من هذا الحق، وهو التبرير أمام الله, والثاني يشير إلى وجهٍ آخر، وهو التبرير أمام الناس, فبولس ينهى عن الاعتماد على الأعمال الصالحة للقبول أمام الله، بينما يعقوب يحرّض على الأعمال الصالحة كبرهانٍ على الإيمان, نقرأ في أفسس 2: 8 لأنكم بالنعمة مخلَّصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله, ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد, لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها ,
قال المعترض : جاء في رومية 8: 26 الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطَق بها , ولكن 1تيموثاوس2: 5 يقول: لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح ,
وللرد نقول بنعمة الله : شفاعة الروح القدس فينا معناها واضح من أول الآية، أن الروح يعين ضعفاتنا، فهو يشفع لا بالصلاة لأجلنا، بل في صلواتنا وضعفاتنا، فيحرك في قلوبنا الشوق لنرضي الله ونتشبَّه بصورة المسيح, شفاعة الروح القدس فينا هي هنا على الأرض، لكن شفاعة المسيح فينا هي في السماء,
قال المعترض : جاء في رومية 9: 20 و21 ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزّاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان؟ , فما هو ذنب الإنسان الذي يصنع الفخاري منه إناءً للهوان؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : نعم إن للفخاري سلطاناً على الطين أن يصنع منه ما يشاء، إناءً للكرامة، أو إناءً للهوان, وليس للطينة أن تقول لماذا صنعتني هكذا؟ فإن هذا من أعمال السيادة,
ولكن الفخاري أيضاً حكيم وعادل فمع كامل حريته وسلطانه، إلا أنه ينظر بحكمة إلى قطعة الطين, فإن رآها جيدة وناعمة وليّنة، جعل منها آنية للكرامة، لأن صفاتها تؤهلها لذلك، فمن غير المعقول أن تقع طينة رائعة في يد فخاري حكيم، فيصنع منها إناء للهوان، وإلا أساء التصرف, أما إذا كانت الطينة خشنة ورديئة، ولا تصلح إناء للكرامة، فإن الفخاري (بما يناسب حالتها) سيجعلها إناءً للهوان, وهو على قدر الإمكان يحاول أن يصنع من كل الطين الذي أمامه أواني للكرامة، بقدر ما تساعده صفات الطين على ذلك,
الأمر إذاً وقبل كل شيء، يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها، مع اعترافنا بسلطان الفخاري وحريته، ومع ذكرنا لعدله وحكمته,
ولذلك قال الرب: هوذا كالطين بيد الفخاري، أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل, تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقَلْع والهدم والهلاك, فترجع عن شرّها تلك الأمة التي تكلمت عليها، فأندم على الشر الذي قصدت أن أصنعه بها, وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغَرْس، فتفعل الشر في عينيَّ ولا تسمع لصوتي، فأندم على الخير الذي قلت إني أحسن إليها به (إرميا 18: 6-10), إذاً بإمكان الطينة أن تصلح مصيرها,
ويذكرنا هذا بمثل الزارع الذي خرج ليزرع (متى 13: 3-8) فالزارع هو نفس الزارع، والبذار هي نفس البذار، وهو يريد للكل إنباتاً, ولكن حسب طبيعة الأرض التي سقطت عليها البذار تكون نتيجتها, إن الزارع لم يجهز بذاراً للجفاف أو للاحتراق، أو لتختنق بالشوك، أو ليأكلها الطير, ولكن طبيعة الأرض هي التي تحكمت في الأمر,
لا تقل إذاً، ما ذنبي إن صرت آنيةً للهوان؟ إنما كن طينة ليّنة صالحة فييد الخزّاف العظيم، وثق أنه لا بد سيجعل منك آنية للكرامة,
قال المعترض : جاء في الجزء الأول من رومية 12: 20 إن جاع عدوّك فأطعمه، وإن عطش فاسْقِه وهذا تعبير عظيم عن المحبة، ولكن بقية الآية تعبير عن البغضة للعدو، إذ تقول: لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه ,
وللرد نقول بنعمة الله : على المسيحي أن يظهر الرقة لعدوّه, وعندما يفعل هذا الواجب المقدس سينتج عنه أن ضمير عدوّه يثور على الفعل السيّئ الذي فعله مع شخص صالح جازى الشر بالإحسان, العمل الصالح يحرق قلب المسيء, فليس الهدف من العمل الصالح الإساءة للعدو، لكن نتيجة العمل الصالح إيقاظ ضمير العدو,
قال المعترض : كانت حيوانات كثيرة محرمة في الشريعة الموسوية، ونُسخت بما جاء في رومية 14: 14 إني عالم ومتيقّن في الرب يسوع أن ليس شيئاً نجساً بذاته، إلا مَن يحسب شيئاً نجساً، فله هو نجس , وفي تيطس 1: 15 كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً، بل قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم , وفي 1تيموثاوس 4: 4 لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذا أُخذ مع الشكر، لأنه يُقدَّس بكلمة الله والصلاة ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان في روما بعض مؤمنين موسوسين، أو كما قال الرسول ضعاف الإيمان , فهؤلاء تمسكوا بالقشور والأعراض وتركوا جوهر الدين، فحرَّموا بعض الأطعمة، حتى قال لهم الرسول: وأما ضعيف الإيمان فيأكل بقولاً , ولكنه أوضح في آية 17 أن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس, وأمر بوجوب احتمال الضعفاء، وأن لا نضع للأخ مصدمة أو معثرة, ثم أوضح أن الموسوَس يحسب كل شيء نجساً، مع أن الأشياء هي في حدّ ذاتها طاهرة, ثم قال في آية 15 فإن كان أخوك بسبب طعامك يُحزَن، فلست تسلك بعد حسب المحبة, لا تُهلِك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لأجله ، ثم قال في الآية 21 حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف , فيظهر من هذا أن غاية الرسول توثيق المحبة بين المسيحيين، وحثّهم على احتمال الضعفاء ومراعاة إحساساتهم وعدم تعييرهم، فإن ضعيف الإيمان ربما يتشكك في ذات الحيوانات الطاهرة, ولذا أمره بولس الرسول ليقتصر على أكل البقول, وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ,
وعبارة الرسول في تيطس تشير إلى البِدع، فإنه قال في آية 14 (أي قبل الآية التي أتى بها المعترض): لا تُصْغوا إلى خرافات يهودية ووصايا أناسٍ مرتدّين عن الحق , ثم قال: كل شيء طاهر فلم ينسخ شريعة موسى، بل حذّر المؤمنين من الخرافات وبدع المرتدّين عن الحق, وقصد الرسول من 1تيموثاوس 4: 4 هو الرد على أصحاب البِدع، فإنه قال قبلها (آية 1-3) ولكن الروح يقول صريحاً إنّه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قومٌ عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلَّة وتعاليم شياطين، في رياء أقوالٍ كاذبة، موسومة ضمائرهم، مانعين عن الزواج، وآمِرين أن يُمتنَع عن أطعمة قد خلقها الله لتُتناوَل بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق , ثم قال لأن كل خليقة الله جيدة ,