9 - شبهات شيطانية حول رسالة العبرانيين
قال المعترض : رسالة العبرانيين كتبها أكليمندس أسقف روما، وترجمها لوقا الإنجيلي، وأنكرها إيريناوس أسقف ليون 178 م، ولم يقبلها هيبولتيوس 220 م كرسالة الرسول بولس، وكذلك لم يقبلها نومانوس أسقف روما 251 م، ونسبها ترتليان أسقف قرطاجنة عام 200 م إلى برنابا، وقال غايوس الذي كان يُظن أنه أسقف روما عام 212 م إن رسائل بولس الرسول 13 ولم يذكر هذه الرسالة منها، ولم يستشهد بها كبريان أسقف قرطاجنة 248 م ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) قوله إنها أُوحيت لأكليمندس أسقف روما يبطله أن أكليمندس هذا استشهد بها في رسالة حررّها في سنة 96م، وكثيراً ما استشهد هذا الفاضل في مؤلفاته بهذه الرسالة اكثر من استشهاده بغيرها من كتب العهد الجديد, وقسم أحد الأفاضل استشهادات أكلمندس بها إلى أربعة أقسام: (أ) إيراده للآيات من هذه الرسالة بنصّها (ب) نقلها بالمعنى (ج) العبارات التي حذا فيها حذو هذه الرسالة من التفسير والشرح (د) اقتباسه الآيات الواردة فيها من العهد القديم, فلا يُعقل أن أكليمندس يكون كاتباً لهذه الرسالة ثم يستشهد بها لتأييد أقواله,
(2) أما قوله إن لوقا الإنجيلي ترجمها من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، فلا يوجد دليل على أن هذه الرسالة جاءت باللغة العبرية، وإنما استنتج البعض أنها كُتبت بالعبرية لأن الغاية منها إفادة العبرانيين, (أ) من تأمل عبارات هذه الرسالة لم يجد فيها رائحة الترجمة وتكلّفها، فلغتها أصلية رشيقة فصيحة، خالصة عن تكلف الترجمة, (ب) متى ذُكر فيها اسم عبري فسَّره، مثاله ملكي صادق ففسره بملك البر (7: 2), فلو كانت هذه الرسالة مكتوبة باللغة العبرية لما احتاج إلى هذا التفسير, (ج) الآيات التي استشهد بها من العهد القديم مقتبسة من الترجمة السبعينية لا من النسخة العبرية, على أنه إذا صرفنا النظر عن هذه الأدلة والبراهين ، وقلنا إن الرسول لوقا ترجمها، لما حطّ ذلك من قدرها، فإن لوقا من التلاميذ,
(3) أما نسبتها إلى برنابا فهو في غير محله، فإن برنابا لم يكن في إيطاليا، ويستدل من أصحاح 13: 24 أنها كُتبت من إيطاليا, ومن قارن بين أسلوب كتابة برنابا وأقوال هذه الرسالة وجد فرقاً عظيماً في التركيب ونَسَق العبارة, جاء في 2بطرس 3: 15 و16 أنها من كتابة بولس الرسول، فإنه كان طالع رسائله وأشار إليها في جملة من أقواله,
(4) كانت هذه الرسالة موجودة في نسخ الكتاب المقدس الشرقية والغربية، وتوجد في النسخ السريانية القديمة التي تُرجمت في أواخر القرن الأول وفي أوائل القرن الثاني، وفي التراجم اللاتينية التي تُرجمت في أوائل القرن الثاني, وكانت هذه التراجم متداولة بين الكنائس الشرقية والغربية,
(5) شهد القدماء أن بولس الرسول كتب هذه الرسالة، فتكلم عليها أغناطيوس في رسائله (107م) وتكلم عنها بوليكاربوس أسقف إزمير في رسالته إلى أهل فيلبي (108م) واستشهد بها جستن الشهيد في محاورته مع تريفو اليهودي (140م) وكثيراً ما استشهد بها أكلمندس الإسكندري على أنها رسالة بولس الرسول (194م) وشهد أوريجانوس (230م) بأنها رسالة بولس الرسول، وكذلك ديونسيوس أسقف الإسكندرية (247م) وغيرهم الكثير,
ولا ينكر أن بعض الغربيين ارتابوا في نسبتها إلى بولس الرسول، لأنهم رأوا اسم الرسول مكتوباً في جميع رسائله الثلاث عشرة ما عدا هذه الرسالة, ولكن عند إمعان النظر ومقارنة أقوالهم بأقوال الرسول، تأيد أن كاتبها هو الرسول بولس صاحب الإلمام التام بالشريعة الموسوية لأنه أخذها عن غمالائيل أشهر علماء عصره، فكان هو طبعاً كاتب هذه الرسالة المشتملة على الدقائق الموسوية, على أن إيريناوس الذي قال إنه ارتاب فيها كان يستشهد بها, والحاصل أن جمهور أئمة الدين الغربيين يعتقدون بنسبتها لبولس الرسول، ويُؤخذ من شهاداتهم أنه عمّ تداولها بعد كتابتها بثلاثين سنة, وأرسل أسقف روما التي كانت عاصمة الدنيا وقتئذ جواباً إلى كنيسة كورنثوس يوضح فيها أنها من الكتب المقدسة الموحى بها من الروح القدس، وفي ذلك الوقت قبلها المسيحيون شرقاً وغرباً,
أما الأدلة الداخلية على صحة نسبتها إلى الرسول بولس فكثيرة جداً,
قال المعترض : جاء في العبرانيين 5: 7 عن المسيح: الذي في أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلّصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه , كيف يقول إن المسيح خَلَصَ من الموت، مع أنه مات على الصليب؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : هناك ثلاثة تفسيرات لهذه الآية:
(1) خلَّص الله المسيح بأن أقامه من الموت, وفي ذلك يقول الرسول بولس عن المسيح: الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات, يسوع المسيح ربنا (رومية 1: 3 و4), وبهذا يتم الهتاف: أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ (1كورنثوس 15: 55),
(2) المعنى الثاني أن الله أعان المسيح ليحتمل أهوال الموت,
(3) التفسير الثالث أن المسيح طلب من الله أن يخلصه من الموت حزناً في بستان جثسيماني، حتى يموت على الصيب فادياً,
اعتراض على عبرانيين 6: 4-6
انظر تعليقنا على يوحنا 10: 28-30
قال المعترض : جاء في عبرانيين 7: 3 عن ملكي صادق أنه بلا أب بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة , فإذا كانت ولادة المسيح من عذراء دليلًا على أنه الله أو ابن الله، يكون ملكي صادق أحقّ من المسيح بالألوهية! ,
وللرد نقول بنعمة الله : وُصف ملكي صادق بهذا الوصف ليس من جهة ذاته، بل من جهة عمله الكهنوتي، لأنه لم يتسلَّم هذا العمل عن أب أو أم أو نسب، أو لمدة محدودة من الزمن يجب عليه الابتداء به عند أولها والاعتزال عنه عند نهايتها، كما كانت الحال مع بني هرون، الذين كانوا يتوارثون خدمتهم الكهنوتية عن آبائهم في سن خاصة، ويعتزلونها في سن خاصة أيضاً (العدد 8: 24 و25), بل أن ملكي صادق تسلَّم كهنوته من الله مباشرة، وظل يمارسه حتى نهاية حياته على الأرض, فضلًا عن ذلك، فإننا لا نقول إن المسيح هو ابن الله لأنه وُلد من عذراء، بل نقول: لأنه في ذاته هو ابن الله، اختار أن يُولد من عذراء، وهو ابن الله قبل ولادته من العذراء، لأنه هو الذي يعلن اللاهوت,
اعتراض على عبرانيين 7: 12
انظر تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
قال المعترض : هناك تناقض بين موقف رسالة العبرانيين وسفر المزامير من الشريعة، فالعبرانيين تقول: فإنه يصير إبطال الوصية السابقة، من أجل ضعفها وعدم نفعها (عبرانيين 7: 18) وتقول أيضاً: فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب، لما طُلب موضعٌ لثانٍ (عبرانيين 8: 7), بينما يقول المرنم: ناموس الرب كامل يرد النفس, شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيماً (مزمور 19: 7) ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يقل الرسول إن الشريعة الموسوية ضعيفة غير نافعة، ولكنه أوضح أن الكهنوت اللاوي الذي كان يرمز إلى المسيح الكاهن العظيم هو الضعيف، فلم يغفر خطيةً ولم يغيّر قلباً ولم يصلح سيرةً، ولكنه حكم على موتى الذنوب والخطايا بالموت الأبدي, وهذا بخلاف كهنوت المسيح، فإنه لما قدم نفسه كفارة عن الخطايا، برّر من آمن به واعتمد عليه، وغفر خطاياه وجدد قلبه، ونال بذبيحة المسيح الحياة الأبدية, ومما يؤيد هذا قول الرسول في آية 11 إنه ليس بالكهنوت اللاوي كمال وقال في أصحاح 8: 7 ما معناه: لو حصل بالعهد الأول مغفرة الخطايا ونوال القداسة والحياة الأبدية، لما وُجد لزوم للعهد الثاني, ولكن لم تحصل من العهد الأول هذه البركات، فكان من الضروري وجود عهد النعمة,
أما من جهة كمال الشريعة، فالرسول بولس كثيراً ما يحض على مطالعة الكتب المقدسة، وهي كتب موسى والأنبياء، ويقول إنها أعظم واسطة في الخلاص ونوال الحياة الأبدية، فلا يعقل أنه يذمّ ما يتعبَّد به,
اعتراض على عبرانيين 7: 18
انظر تعليقنا على متى 5: 17
اعتراض على عبرانيين 8: 7 و13
اقرأ تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
اعتراض على العبرانيين 9: 4
انظر تعليقنا على 1ملوك 8: 9
اعتراض على عبرانيين 9: 27
انظر تعليقنا على 2تيموثاوس 1: 10
اعتراض على العبرانيين 10: 5
انظر تعليقنا علىمزمور 40: 6
قال المعترض : يخالف ما ورد في العبرانيين 10: 5-7 ما ورد في مزمور 40: 7 و8 ,
وللرد نقول بنعمة الله : لنورد أولاً نص رسالة العبرانيين: لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِدْ، ولكن هيّأت لي جسداً, بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ، ثم قلتُ: هأنذا أجيء, في دَرْج الكتاب مكتوبٌ عني: لأفعل مشيئتك يا الله, إذ يقول آنفاً إنك ذبيحةً وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم تُرد ولا سُررت بها , أما نص مزمور 40 ففي آية 7 يقول: حينئذ قلتُ هأنذا جئتُ, بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررتُ، وشريعتك في وسط أحشائي , وفي عدد 6 بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ ,
لا يوجد اختلاف فإنه يجوز النقل بالمعنى، وقرر علماء الأصول كما في جمع الجوامع (جزء 2) أنه يجوز نقل الحديث بالمعنى للعارف بمدلولات الألفاظ أو مواقع الكلام، بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساوٍ له في المراد منه وفهمه، لأن المقصود المعنى، واللفظ آلة له,
ومعنى قوله أذنيّ فتحت : جعلتني مطيعاً بالاختيار، فإن الأذُن هو العضو الدال على الطاعة, وهذه العبارة مأخوذة مما ورد في خروج 21: 2 ، 5 إذا اشتريت عبداً عبرانياً، فَسِتَّ سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً, ولكن إن قال العبد: أحب سيدي, لا أخرج حراً, يقرّبه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب، فيخدمه إلى الأبد , فالكلمة الأزلي المسيح اتخذ جسداً باختياره وقدّم نفسه ذبيحة وكفّارة عن خطايانا من تلقاء ذاته, فإن جميع الذبائح التي كانت تشير إليه لم تكن كافية للتكفير عن الخطايا,
فعبارة النبي داود وعبارة بولس الرسول تتفقان على أن المسيح تجسّد للتكفير عن الخطايا باختياره, إذاً عبارة النبي داود صحيحة، وبولس الرسول أعرب عن المعنى الذيقصده الروح القدس، وفسّر المعنى العبري,
اعتراض على عبرانيين 10: 9 و10
انظر تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
اعتراض على العبرانيين 11: 13
انظر تعليقنا على أفسس 2: 19
اعتراض على العبرانيين 11: 27
انظر تعليقنا على خروج 2: 14
اعتراض على العبرانيين 11: 32
انظر تعليقنا على قضاة 8: 27 و16: 30
قال المعترض : جاء في عبرانيين 12: 17 فإنكم تعلمون أنه أيضاً لما أراد عيسو أن يرث البركة رُفض، إذ لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع , ويناقض هذا ما جاء في 2بطرس 3: 9 لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة ,
وللرد نقول بنعمة الله : تقول إحدى الآيتين إن مشيئة الله هي التوبة لجميع الناس, أما الآية الثانية فيستنتج منها القارئ السطحي أن عيسو (مع أنه طلب التوبة) لم يجد إليها سبيلًا, أما القارئ المدقق فلا يرى بين الآيتين تناقضاً البتة, فالكلمة اليونانية للتوبة معناها تغيير الفكر أو تغيير القلب, وإذا ترجمنا عبرانيين 12: 17 ترجمة حرفية يكون النص هكذا: لما أراد عيسو أن يرث البركة رُفض, إذ لم يجد مكاناً لتغيير الفكر، مع أنه قد طلب هذا بالدموع , والفكر الذي طلب عيسو تغييره هو فكر أبيه، وليس فكره هو, ونجد هذا واضحاً في تكوين 27: 36-38 حيث يقول عيسو لأبيه أَمَا بقيَتْ لي بركة؟ فكان جواب أبيه: إني قد دعوته (أي يعقوب) سيداً لك، ودفعتُ إليه جميع إخوته عبيداً ثم يقول فماذا أصنع إليك يا بني؟ فقال عيسو لأبيه: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا أيضاً يا أبي , ورفع عيسو صوته وبكى,
قد أعطى إسحاق البركة ليعقوب، فكان غرض عيسو من التوسّل والبكاء أن يغيّر أبوه فكره فيسحب البركة من يعقوب ويعطيها له، أوعلى الأقل يعطيه بركة مثلها, فلم ينجح عيسو في تحقيق هذا الغرض, على أن عيسو لو كان قد طلب تغييراً في قلبه هو، لأمكنه الحصول على هذا, ويجوز لنا أن نعتقد أن عيسو قد تاب أخيراً هذه التوبة الشخصية وخلص,
فالكلام الوارد في عبرانيين 12: 17 ليس المقصود به إذاً التوبة بمعنى الرجوع عن الخطية وطلب الخلاص في المسيح, وعليه فهذا النص لا ينفي الحقيقة المعزية المطمئنة أن الله لا يشاء أن يهلك الناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة,
اعتراض على العبرانيين 13: 2
انظر تعليقنا علىمزمور 76: 10