الجزء الثانى
ذكرنا
في الجزء الأول إن أقباط مصر بذلوا أرواحهم
الطاهرة وسكبوا دمهم الذكى لصد الغزو
الاسلامى ومقاومة جحافل العرب الزاحفة من
الصحراء القاحلة بوحشيتهم
البدوية وتعطشهم لسفك الدماء الذى دربوا
عليه طويلا وكان نتيجة لخيانة الروم وتقهقرهم
وتقاعصهم عن أداء الواجب، كل ذلك أدى إلى سقوط
مصرنا الحلوة في أيدى الغزاة العرب، وهنا
بدأت أروع صفحات نضال وكفاح الشعب القبطى
وسجلوا للتاريخ وطنيتهم وحبهم بل عشقهم لمصر
ونيلها... وخُضب تاريخ هذه الحقبة بدمهم
الشاهد على تسرع وخطأ كل من يحكم بهدوء
الأحوال في مصر خلال تلك الفترة المليئة
بالاحداث والتى حاول وما زال يحاول كتاب
العروبة والاسلام طمس هذه الحقائق. فيقول "الدكتور
حسين نصار" في كتابه1 ص 24 "لا تذكر المراجع التى بين أيدينا شيئا
من هذا اللون من الثورات في المائة السنة
الأولى من الهجرة ولكننا لا نكاد نسير قليلا
في المئة الثانية حتى نواجه أولى الثورات ففي 107 هجرية كتب صاحب الخراج إلى الخليفة هشام
بأن أرض مصر تحتمل الزيادة في خراجها فزاد على
كل قيراط ديناراً فقامت الثورات في الحوف
الشرقى وحول الفسطاط، وكان أكثر القائمين بها
من القبط بطبيعة الحال لأنهم أصحاب الأراضى
ولم يستطع الوالى إخماد هذه الثورات إلا بعد
سفك كثير من الدماء.
والواقع
إن الأمور لم تكن مستتبة في أنحاء البلاد التى
استولى عليها المسلمون بل إنه كان هناك
الكثير من السُخط والتمرد حتى بين العرب
أنفسهم أيام محمد وحتى إن القبائل التى قبلت
الاسلام. كانت أقلية كما أن أسلام بعض القبائل
كان من قبيل الاعتراف بسلطة المدينة السياسية
بينما كانت هذه القبائل لا تزال تتشبث
بمعتقداتها القديمة من أتباع اليهودية أو
النصرانية أو الحنيفية أو الوثنية أما
القبائل الأخرى فإنه لم يكن لديها فكرة عن
الدين الاسلامى بل ظهر الكثير ممن ادعى
النبوة مثل مسيلمة وطليحة وأبهلة أو الاسود
العنسى بل إن بعض النساء في جزيرة العرب ادعين
النبوة ايضا مثل سجاح... ولم يكن كل ذلك سوى
اناس يعبرون عن استقلال قبيلتهم السياسى
وديانتهم القبلية وتحدثنا المراجع بافاضة
عما اتبعه محمد وأبو بكر من
قمع لهذه الحركات بل تحدثنا أيضا عن أحد
أبطالها خالد بن الوليد السفاح الذى ارتكب كل
فظاعة وبشاعة في خمد تلك الثورات وهنا يصفه
"الدكتور المفكر طه حسين" يبين لنا في
وضوح لما أشرت إليه من عنف خالد واسرافه في
القتل وتظهر عن خلق أخر وهو حبه للتزوج "ونحن
لسنا بصدد التحدث عن حروب الردة ولكن كل ما
نود أن نذكره أن الشعوب كافة بما فيها عرب
الجزيرة العربية قد رفضت الاسلام جملة
وتفصيلا بل رفضت مبادئه وأخلاقياته الا أنه فرض
نفسه بالسيف والقوة وسياسة فرق تسد.
ويؤيد
هذا الرأى البروفيسور "أى 10. بيليايف عضو معهد الشعوب الآسيوية
التابع لاكاديمية العلوم السوفياتية حيث
يضيف قائلا "إن الرأى القائل بأن شعوب
البلدان التى فتحها العرب أقبلت على اعتناق
الاسلام بأعداد كبيرة في عهد الخلفاء
الراشدين، رأى فيه شيء من المبالغة التى لا
تنسجم ووقائع التاريخ لان اعتناق الاسلام من
قبل الشعوب التى ضمت الدولة الاسلامية
بلدانها اليها كان عملية بطيئة استغرقت زمنا
طويلا حتى في بعض بلاد الشرق مثال ذلك
الغالبية الساحقة من أقباط مصر فى القرن
التاسع كانت من النصارى "الأقباط" ولم
يصبح المسلمون في مصر الا فى القرن الثالث عشر
ولا يزال في مصر اليوم عدد كبير من الأقباط
النصارى، ومن المفهوم ضمنا أن الأقباط لم
يقفوا مكتوفى الأيدى أزاء الطغيان الاسلامى
وجشاعة خلافاؤه فى جمع المال بل قاوموها وقد
سارت المقاومة في خطين متوازيين مقاومة سلبية
تلك التى تُظهر روح الفلاح المصرى القبطى
والذى يكره العنف ويحب المسالمة والهدوء
وبالرغم من ارتباطه بأرضه الا أن جماعات
الفلاحين أخذت في الهرب من منطقة إلى أخرى
طلبا للسلامة من ناحية وتخلصاً من الاستغلال
ونهب العرب لموارده وزرعه من ناحية أخرى الا
أن الولاة عمدوا إلى قمع تلك الحركة بكل
الوسائل واشتدت الحكومة في مراقبة الزراعة
والهجرة وقويت قبضتهم ... وفي نفس الوقت كانت
هناك المقاومة الايجابية إذ بدأ القبط
يتحدون الخلافة الاسلامية بثورات تلو ثورات.
ففي الوجه البحرى بدأ القبط بثورتهم ضد جيوش
العرب طوال القرن الثامن ثم شملت ثوراتهم
الوجه القبلى وكانت حكومة العرب تبطش بدون
رحمة ولا انسانية بالثوار ـ وتحرق القرى
وتقتل الأطفال وتنتهك حرمات النساء، واستعان
الولاة بجيوش جرارة وحملات تلو حملات لإفناء
الثوار. تقول "الدكتورة سيده الكاشف":
"ثار الأقباط 107 هجرية في الوجه البحرى فبعث
إليهم جيشا لمحاربتهم فقتل منهم نفرا كثيرا
وتتابعت ثورات القبط فثار أقباط الصعيد
وحاربوا الحكومة 121 هجرية فبعث اليهم حنظلة بن
صفوان والى مصر جيشا لمحاربتهم فقتلوا منهم
إناسا كثيرا وأخيرا ظفروا بهم".741م
وبقيادةالثائر يحنس السمنودى
ثار أقباط سمنود 132 هجرية وعزموا أن يقاتلوا عبد
الملك بن مروان الذى أرسل اليهم جيوشا جرارة
استطاعوا بعد جهد شديد أن يقتلوا يحنس وعلى
أجساد شهداء سمنود الصاعدين ولكن ما كادت
تخمد هذه الثورة حتى ثار أهل سمنود مرة أخرى 135 هجرية 744 م وهذه المرة بزعامة الثائر القبطى أبو
مينا مما أضطر الوالى أبى عون أن يستعين بجيوش
العرب للسحق والتنكيل بأهالى سمنود.. الشجعان
واستشهد الزعيم الثائر أبو مينا وكان كل شبر
فى أرض مصر وكل ولد وبنت ثائر ... ثورة عارمة
شملت أرض مصر المباركة ضد الطغيان الاسلامى
ضد الجشع العربى .. فثار أقباط رشيد مما أضطر
مروان بن محمد لان يرسل جيوشه لتنكل بأهالى
رشيد والثوار ... أما أقباط سخا 150هجرية : 759 م فقد طردوا عمال العرب من
بلادهم ونابذوهم وزحفت ثورة أقباط سخا إلى
شبرا سنباط وأنضم إلى الثوار اهالى البشرود
والاوسية والبجوم يحركهم الشعور الوطنى
وحبهم الشديد لمصر وأرضها ونيلها يحركهم
عزتهم وإباءهم ولم لا أليسوا أبناء الشهداء
الأبراء... نقول ثار أهالى سخا وسنباط
والبشرود... وعبأ العرب جيشا مكثفا أخذ في
النهب والسلب والقتل وازداد حماس الأقباط
فهزموا جيوش يزيد بن حاتم أمير مصر وقتلوا
كبار رجال جيشه وهرب الجيش العربى الذليل
أمام ثوار القبط إلى الفسطاط .. وأشعل أهالى
سخا النيران في عدد من رجال الديوان. وما أن
وصلت تلك الانباء لمسامع الخليفة أمير
المؤمنين حتى هاله الأمر وأرسل موسى بن على بن
رياح على رأس جيش آخر لازلال أقباط سخا.
وفي سنة 156 هجرية سنة 766م ثار الاقباط بمدينة بهليب وأرسل الوالى
جيوشه لاخماد الثورة وقتلوا كل الثوار وخربوا
المدينة.
ولم تهدأ أحوال القبط واستمروا
في ثوراتهم، هل ممكن أن تصدق الآن أولئك
المزيفين الذين يحاولون بكل الوسائل طمس كل
هذا لكى يقولوا لنا أن أقباط مصر لا يثورون
ولم يثوروا وانهم كانوا غاية في السعادة
والانشراح بالغزو العربي وأن الناس دخلت في
دين الله أفواجاً. بالله عليكم كفاكم نفاقا
وكذباً .. فقد ثار أبناء الشهداء وسيثوروا
مدام هناك ظلم، وهم دائما ثائرون وان كان هذا
البركان ساكن الا أنه اذا ثار فلن يبقى... يقول
الدكتور البروفسور أبلياييف ص 309 "كان
الاقباط في ثورة دائمة منذ الربع الأخير من
القرن الثامن وذلك من جراء فداحة الضرائب ومن
الأساليب العنيفة التى كان يلجأ إليها الولاة".
ولحديثنا بقية عن وطنية
الأقباط وثوراتهم على الطغيان العربي
الاسلامى.
الهيئة
القبطية
بشمال
كاليفورنيا