القــــرآن
القرآن
وجمعه
من
المعروف بالتواتر أنه قبل جمع القرآن في
مصحف واحد كان محفوظاً في الصدور ،
ومنقوشاً على قطع الجلد وكرب النخيل ،
وصفائح متفرقة . وكانت الروايات تتحدث ، قبل
المصحف الذي عرف بمصحف حفصة ، عن مصحف علي
بن أبي طالب وأبي بن كعب و عبد الله بن مسعود
. وعلى حسب اخباري السُنة ، على مختلف
مذاهبهم ، فإن حرب اليمامة ، بزعامة مسيلمة
بن حبيب الحنفي ، دفعت عمر بن الخطاب إلى
جمع ما كُتب من القرآن في مصحف واحد . أما
الشيعة وبعض السنة فرأيهم أن علي بن أبي
طالب هو الذي جمع القرآن . وقضى في حرب
اليمامة عشرات من الحفاظ ، والمشهور من
الروايات كان القتلى سبعين حافظاً فقيل أن
مع قتلهم ذهب قرآن كثير . وكان كتاب "
المصاحف " لأبي بكر بن أبي داود
السجستاني ، تاريخاً شاملاً للقرآن ، إذ
حوى فيه النزول ، وترتيب السور ، والجمع ،
والاختلاف بين المصاحف ، والتنقيط ، وما
أحدث الحجاج بن يوسف الثقفي من تغييرات على
حروفه . وروى السجستاني خبراً مرفوعاً إلى
محمد بن سيرين " مفسر الأحلام وفقيه
البصرة المعروف في القرن الأول والثاني
الهجريين ، فيما يخص جمع القرآن قبل حرب
اليمامة من قبل علي بن أبي طالب أنه قال :"
لما توفي النبي أقسم علي أن لا يرتدي برداء
إلا لجمعه حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل .
فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام أكرهت إمارتي
يا أبا الحسن ؟ قال : لا والله ، لو أني أقسمت
أن لا أرتدي برداء إلا لجمعه ، فبايعه فرجع ([1])
" . ومن هنا نرى بأنه أيضاً لا اتفاق على
طريقة جمع القرآن ! وحسماً لهذه القضية
لنأخذ الشائع منها وهي :" أراد عمر بن
الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس ، فقال
: من كان تلقى من رسول الله شيئاً من القرآن
فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في المصحف
والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من ذلك
شيئاً حتى يشهد شاهدان ([2])
". أما دافع عمر لجمع القرآن ، وهو أمر لم
يأمر به الرسول ولم يجرؤ أبو بكر على القيام
به ، فكان برسم الحادثة الآتية :أنه " سأل
عن آية من كتاب الله ، فقيل كانت مع فلان
فقتل يوم اليمامة ، فقال : إنا لله ، وأمر
بجمع القرآن فجمع ، وكان أول من جمع المصحف ([3])
" . ولعل هذه الرواية تحرض الذهن على
التفكير في شأن الآيات التي ذهبت مع من ذهب
في حرب اليمامة . وحسب الرواية اللاحقة لم
يتم عمر جمع القرآن حتى قُتل " فقام عثمان
بن عفان فقال : من كان عنده من كتاب الله شئ
فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى
يشهد شاهدان . فجاء خزيمة بن ثابت فقال : إني
قد رأيتكم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف
رحيم .. إلى آخر السورة ([4])
، قال عثمان : فأنا أشهد أنهما من عند الله ،
فأين ترى أن نجعلها ؟ قال : اختم بها آخر ما
نزل من القرآن ، فختمت براءة ([5])
. فتأمل !
وأما
من تولى جمع المصحف من الرجال فهم : " زيد
بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن
الحارث بن هشام ، وعبد الله بن الزبير " ،
وهم بحسب الرواة أول من نسخوا المصحف في
المصاحف بتوجيه من عثمان بن عفان ، الذي قال
للقرشيين الثلاثة : ما اختلفتم أنتم وزيد بن
ثابت فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل
بلسانهم . حتى إذا نسخوا في المصاحف بعث
عثمان إلى كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي
نسخوا ، وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن
يحرق ، أو يخُرق !([6])".
وطبعاً
ليس معنى ذلك أن هذه هي الرواية الوحيدة ! إذ
جاء في رواية أخرى ، أحضر عثمان اثني عشر
كاتباً من المهاجرين والأنصار . ووزعت
المصاحف على سبعة أمصار هي : مكة والشام
واليمن والبحرين والبصرة والكوفة " ،
وحبس بالمدينة واحداً " . ويذكر أن عثمان
أمر بنسخ المصاحف على مصحفه ، المعروف
بالمصحف العثماني ، كما جاء في وصيته :" م
وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها ،
وما وجدتم من نقصان فكتبوه([7])
". ومن الملاحظ أن هذه الروايات لم تضع
ضوابطاً ما في هذا العلم الذي يتطلب الدقة ،
مع أن التعامل هنا مع نصوص مقدسة ، فسرعان
ما ظهر الخلاف بين مصاحف الأمصار ،
المنسوخة من مصحف واحد ، وأن هناك من تذكر
عدداً من الآيات ولكن لا شهود معه ، لهذا لم
يؤخذ بها !
أما
مصير المصحف الأصل ، وهو هنا مصحف حفصة ،
فأخذه بعد وفاتها مروان بن الحكم وأتلفه .
وقد ورد في الرواية :" أن مروان كان يرسل
إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها
القرآن ، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها ، قال
سالم : فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها
أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن مروان
بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف ، فأرسل بها
إليه عبد الله بن عمر ، فأمر بها مروان
فشققت ". وقد برر مروان إتلافه للمصحف
الأصل بقوله :" إنما فعلت هذا لأن ما فيها
قد كتب وحفظ بالمصحف ، فخشيت إن طال بالناس
زمان أن يرتاب في شأن الصحف مرتاب ، أو يقول
: إنه كان شئ منها لم يكتب ([8])".
ومن الواضح أن هذه الرواية تشير إلى
الاختلاف البين بين مصحف حفصة التي حافظت
عليه حتى وفاتها رغم طلب مروان المتكرر له ،
وبين ما نسخه الكتاب بطلب من عثمان ، وإلا
لماذا يتلف ذلك المصحف ؟ ولعل هذا التصرف ،
غير المبرر يشير إلى ما أُهمل تسجيله من
أمور غير محببة لدى المروانيين
والسفيانيين ، ومعروف أن هذين البيتين
استوليا تماماً على مفاصل السلطة أيام
عثمان بن عفان .. فتأمل!
[1]
-
كتاب المصاحف ، ص 16
[2]
-
كتاب المصاحف ، ص 26
[3]
-
المرجع السابق ، ص 16
[4]
-
الأنفال : 128
[5]
-
المصاحف ، ص 16
[6]
-
المصاحف ، ص 26
[7]
-
كتاب المصاحف ، ص 43 - 44
[8]
-
المصاحف ، ص 32