2 - من أعطى المجامع حق ترشيح عيسى ومريم وروح القدس للألوهية؟ وإن كان لها هذا الحق في ذلك، أفلا يكون لها حق عزلهم من الألوهية وترشيح غيرهم؟ وحق إصدار القرارات بعصمة البابا، وبمنح الكنيسة حق الغفران والحرمان؟
قبل الرد على السؤال، أذكرك بقول القرآن: وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ سورة العنكبوت 29: 46 . فأنت في طرح سؤالك على هذه الصورة، خرجت على مبدأ الكياسة التي ألزم القرآن بها كل مسلم أما الرد على السؤال فهو:
1 - إن المسيحية لا تؤله مريم، والآن اسمح لي بأن أهمس في أذنك بأنك بسؤالك هذا لم تكتشف أمراً مهماً، فقد ورد هذا السؤال في القرآن هكذا: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ـ سورة المائدة 5: 116 . وقد نشأ هذا السؤال من وجود أهل بدعة عند ظهور الإسلام, وهم أناس وثنيون، حاولوا الالتصاق بالكنيسة، فنادوا ببدعة مفادها أن مريم العذراء آلهة, ويقول المؤرخون أنهم استعاضوا بها عن الزهرة، التي كانوا يعبدونها قبلاً, وقد أطلقوا علىأنفسهم اسم المريميين, وأشار إليهم العلامة أحمد المقريزي في كتابه القول الإبريزي صفحة 26, وذكرهم ابن حزم في كتابه الملل والأهواء والنحل صفحة 48, ولكن هذه البدعة بعيدة كل البعد عن المسيحية، وليس من مسيحي واحد يؤمن بها, وقد انبرى العلماء المسيحيون منئذ لمقاومة هذه الضلالة بكل الحجج الكتابية والعقلية, ولم ينته القرن السابع، حتى كانت قد تلاشت تماماً,
وبالمناسبة أود أن أذكر الصديق السائل بأن الإسلام لم يخل من أهل بدع التصقوا به، وعددهم يبلغ العشرات، أذكر منهم:
السبانية: أتباع عبد الله بن سبأ، وهم يعتقدون بأن علي بن أبي طالب إله, ولما عاقبهم حرقاً بالنار، قالوا الآن علمنا أنك إله, لأن الإله هو الذي يعذب بالنار,
الشيطانية: أتباع محمد بن نعمان الملقب بشيطان الطاق, ومن ممارساتهم الدينية، أنهم يكرمون الشيطان,
الجناحية: أصحاب عبد الله بن معاوية ويعتقدون بأن الأئمة الاثني عشر آلهة، وبأن روح الله كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت في صاحبهم عبد الله المذكور الملقب بذي الجناحين,
البزيغة: أصحاب بزيغ بن موسى، وكانوا يقولون بأن جعفر الصادق هو الله وإنما تشبه للناس بصورة إنسان,
الحائطية: وهم أتباع أحمد بن حائط, ومن تعاليمهم أن للخلق إلهين، أحدهما خالق والآخر مخلوق,
المزدارية: وهم أتباع عيسة بن صبح، الملقب بالمزدار, ومن أقوالهم: أن الله قادر على أن يكذب ويظلم وقالوا أن القرآن مخلوق، وأن بلاغته وفصاحته لا تعجزان الناس، بل يقدرون على الإتيان بمثله, وفرق أخرى متعددة لا يتسع مجال هذه الرسالة لذكرها كلها, فهل الإسلام مسؤول عن وجود هذه الفرق المبتدعة، وبالتالي هل وجودها يشكل طعناً في الديانة الإسلامية؟
ب - إن كلمة ترشيح لا تصح على يسوع المسيح لأن الألوهية منزهة عن الترشيح، ولو كره الصديق الناقد، الخارج على كياسة الإسلام, فالمسيح إله حق من إله حق, وهو أعلن ذلك، وقد سمعته الجماهير، وقرأ شهادته الملايين من البشر على اختلاف درجاتهم وعقلياتهم، حكماء وفلاسفة وبسطاء، وعلماء كبار وصغار، فاشرأبت أعناقهم وفتحوا قلوبهم وعيونهم، قبل آذانهم، لاستيعاب ما يفيض من أقوال مجيدة عن نفسه، يستمعونه بإعجاب وتعظيم,
وقال أحد الكتاب الكبار الألمان: لو كان المسيح مجرد معلم، لكان كلامه عن نفسه وتوجيه أنظار الناس إليه والإيمان به ثالباً لصفاته,,, ولكن بما أن مخلص العالم، كان من الضروري والواجب المحتوم، أن يشدد المسيح في الكلام عن نفسه، والإشارة إلى شخصيته العجيبة، لكي يؤمن الناس به, لأن الذي يؤمن به، يخلص,
قال القمص سرجيوس: ومن عجب المسيح ودلالة تفرده عن البشر قاطبة, إننا حين نطالع الإنجيل نجد أن المسيح، أينما ذهب وأينما حل تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله, وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام, فكان كلما تكلم، وكلما عمل يكون موضوع سؤال الناس,
قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل: مِنْ أَيْنَ لِه ذَا هذهِ الْحِكْمَةُ والْقُّوَاتُ؟ أَلَيْسَ هذا ابْنَ النَّجَّارِ؟,,, مَا هذا؟ مَا هُوَ هذا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لِأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الْأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ! ـ متى 13: 54 و55 ومرقس 1: 27 . وكثير وكثير من الأسئلة قامت عليه,
فما هذه الأسئلة حوله؟ أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب، لم يكن كغيره من البشر، وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس، يشعر به كل من يراه ويسمعه؟
إن شهادة المسيح لنفسه، ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد بشر لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه، أما كون المسيح خارقاً للطبيعة، فهذا واضح من تصريحاته:
1 - السلطان: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ ـ متى 28: 18 .
2 - الوحدة الإلهية: أَنَا والْآبُ وَاحِدٌ ـ يوحنا 10: 30 ـ أَنِّي فِي الْآبِ والْآبَ فِيَّ ـ يوحنا 14: 11 ـ اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ ـ يوحنا 14: 9 .
3 - الأزلية: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ ـ يوحنا 8: 58 . وهذا الإعلان أخطر ما صرح به المسيح لأن الكمة أنا كائن هي ذات اللفظة التي عبر بها الله الآب عن نفسه، حين سأله موسى: بماذا أجيب الشعب إذ سألني من أرسلك إلينا ـ خروج 3: 12-14 ـ ، وهذا الإعلان يفيد أن المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم، الذي ظهر في العليقة لموسى، على جبل حوريب - قال المسيح للرسول يوحنا، حين ظهر له في جزيرة بطمس: أَنَا هُوَ الْأَلِفُ والْيَاءُ، الْبَِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ والَّذِي كَانَ والَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ـ رؤيا 1: 8 .
- الألف والياء هما الحرفان الأول والآخر من حروف الهجاء, وهما في الأصل اليوناني الذي كتب به الإنجيل ألفاً وأميغا وهما يعبران عن أزلية المسيح وأبديته الإله الذي ليس قبله شيء,
الكائن والذي كان والذي يأتي، هذا تصريح بسرمدية المسيح وقوته غير المحدودة,
4 - اله يتكلم في المسيح: قال له المجد: الْكَلَامُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، ل كِنَّ الْآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ ـ يوحنا 14: 10 .
5 - وجوده في السماء وعلى الأرض، في حديثه مع الرئيس اليهودي نيقوديموس قال المسيح: وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ ـ يوحنا 3: 13 . فهنا نلاحظ أن المسيح يتحدث ليس فقط عن مجيئه من السماء، بل أيضاً عن وجوده الدائم في السماء,
6 - إنه ديان الأحياء والأموات: وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الْإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ والْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لِأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الْأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَ
كُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلَاءِ الْأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ ـ متى 25: 31-41 .
فالمسيح بتصريحه هذا أبان أنه ديان الجميع العادل، وأنه سيأتي بمجد عظيم مع ملائكته، وتكون دينونته قاطعة ونهائية, وقد أصر على هذا التصريح في اثناء محاكمته أمام قيافا رئيس الكهنة لما سأله إن كان هو المسيح ابن الله الحي، فأجاب: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الْآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُّوَةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ ـ متى 26: 63-64 .
فلو كان المسيح مجرد إنسان كاذب، لكان حين رأى حكم الموت الذي صدر عليه بسبب هذا الادعاء، تراجع عن تصريحه لينجو من حكم الموت, فكيف يكون إذن مجرد إنسان ويدين كل العالم، حسب عمل كل واحد، خيراً كان أم شراً,
7 - حضوره في كل زمان ومكان: قال لتلاميذه: وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الْأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ـ متى 28: 20 ـ لِأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِا سْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ ـ متى 18: 20 .
8 - إنه واضع الناموس ومكمله: فقد قال: قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ,,,é قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُّوَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ـ متى 5: 21-48 .
أعمال المسيح تشهد بألوهيته:
ـ 1 ـ إقامة الأموات ـ لوقا 7: 13-15، مرقس 5: 22، يوحنا 11: 1-27 ـ
ـ 2 ـ غفران الخطايا ـ مرقس 2: 5-12 ـ لأن غافر الخطايا هو الله,
ـ 3 ـ العلم بالخفيات لوقا 22: 2-12 .
ـ 4 ـ سلطانه على عناصر الطبيعة ـ لوقا 8: 22-25 .
ـ 5 ـ إرساله الروح القدس ـ يوحنا 15: 26 .
ـ 6 ـ كونه خالق الكل ـ كولوسي 1: 16 .
شهادة الآب بألوهيته:
لقد أعلن الآب ذلك بوحيه إلى الأنبياء الذين كتبوا الأسفار المقدسة,
لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ ـ إشعياء 9: 6 .
وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ ـ ا لَّذِي تَفْسِيرُهُ: اللّهُ مَعَنَا ـ ـ إشعياء 7: 14، متى 1: 23 .
شهادة الرسل بألوهيته:
إن شهادة الرسل الذين درسوا الديانة اليهودية، التي نعلم التوحيد ذات أهمية كبرى وقد جاءت شهادتهم عن طريق الأثر القوي الفعال الذي انطبع في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم من حياة يسوع الفائقة الطبيعة وتعاليمه السماوية وأعماله العجيبة، حتى آمنوا بألوهيته, وفي كل ما كتبوه عن لاهوته وتركوا كل شيء وتبعوه، لم يشعروا بأنهم أتوا أمراً غير عاد أو مخالف لعقيدتهم التوحيدية ففي الأناجيل التي دونوها والرسائل التي كتبوها، نسبوا إليه كل الصفات التي اعتادوا أن يعزوها إلى الله, ذلك لأنهم وجدوافي المسيح ينبوعاً لحياتهم الروحية وفي كرازاتهم المدونة تكملوا عنه كقوة قديرة حاضرة وقد تأكدوا من أزليته ومجده الإلهي قبل أن يتجسد, وخلاصة القول أن أكبر مكابر لا يستطيع أن ينكر أن الرسل والمسيحيين الأوائل عبدوا يسوع كرب, وها هي عينات من شهاداتهم:
مرقس الإنجيلي: هذا التلميذ افتتح إنجيله بالقول بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللّهِ ـ مرقس 1: 1 . وختمه بالقول: ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللّهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، والرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلَامَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ ـ مرقس 16: 19-20 .
يوحنا الإنجيلي: افتتح هذا البشير إنجيله بالقول: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، والْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّه. هذا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ ـ يوحنا 1: 1-3 .
ولقد وردت الكلمة في اليونانية - التي هي لغة الإنجيل الأصلية - بلفظة لوغوس ومعناها النظام الذي يسود الكون، أو الوسيط بين الله والكون, والذي به خلق الله الكون,
لذلك ألهم يوحنا أن يبين لليهود واليونانيين معنى الكلمة، فقال: في البدء كان الكلمة كلمة البدء هنا تعني الأزل أي أن وجود الكلمة، كان سابقاً لكل وجود,
ولكي يقضي على فكرة القائلين بأن الله لا يمكن أن يتصل بالمادة، قال: والْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً ـ يوحنا 1: 14 .
بطرس الرسول: قال هذا الرسول في شهادته أمام جمهور اليهود: أَيُّهَا الرِّجَالُ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذهِ الْأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللّهِ بِقُّوَاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللّهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ. هذا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ.,, فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللّه جَعَلَ يَسُوعَ هذا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً ـ أعمال 2: 22-36 .
بولس الرسول: قال هذا الرسول بإلهام الروح القدس: ل كِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَل كِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هذا الدَّهْرِ، وَلَا مِنْ عُظَمَاءِ هذا الدَّهْرِ، الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللّهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللّهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذا الدَّهْرِ - لِأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ ـ 1 كورنثوس 2: 6-8 .
فيسوع صار في صورة إنسان حين تجسد، وفي الوقت نفسه كان إلهاً لم يعرفه أبناء هذا الدهر, ولو أنهم عرفوا أنه رب المجد لامتنعوا عن صلبه,
وقال في مكان آخر: لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الْآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ ـ 1 كورنثوس 8: 6 .
وقال في رسالته إلى أهل كولوسي: شَاكِرِينَ الْآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ,,, فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلَاطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ ـ كولوسي 1: 12-17 .
وقال أيضاً: اُنْظُرُوا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللَّاهُوتِ جَسَدِيّاً. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ ـ كولوسي 2: 8-10 .
قال رجل الله ستانلي جونس: إني أعرف أن لا شيء أسمى وأجدر بالله وبالإنسان من مشابهة يسوع المسيح لأني أعتقد إن كان الله مثل المسيح فهو إله صالح، يمكن الاتكال عليه والثقة فيه، لأن شكوك العالم ليست عن المسيح، بل هي عن الله لأن الناس حين يرون الزلازل تبيد الأبرار والأثمة على السواء, وحين يرون الأطفال يقاسون ألوان العذاب من أمراض مختلفة يتحيرون ويتساءلون أيوجد إله صالح في هذا الكون؟ ولكن الفكر المضعضع المرتاب يلتفت إلى يسوع المسيح بطمأنينة ويقول: إن كان الله مثل هذا فهو إله حق, ونحن كمسيحيين نقول أن الله كذلك فهو كالمسيح في سجيته ونعتقد أن الله هو يسوع المسيح في كل مكان وأن يسوع المسيح هو الله معنا, إنه حياة البشرية,
ولو اجتمع أكبر أصحاب العقول والنفوس بين الناس وشحذوا قرائحهم ليتوصلوا إلى معرفة صفات الإله الذي يودون أن تكون له سيادة الكون، لوجدوا أن صفاته الأدبية والروحية تتخذ صورة شبيهة بصورة يسوع، ومما لا ريب فيه إن أعظم بشارة أعلنت للجنس البشري، هو القول الموحى به من الله: عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ ـ 1 تيموثاوس 3: 16 ـ وإن أعظم ما نستطيع إذاعته على العالم غير المسيحي، هو أن الله الذي تعرفون عنه شيئاً غير جلي، ولم تعرفوا حقيقة صفاته لهو مثل يسوع المسيح وفي يقيني إن كان الله يعطف على الأطفال كما كان المسيح يعطف عليهم ويهتم بالأبرص والمنبوذ والأعمى والمشلول كما كان يسوع يهتم بهم وإن كان قلبه يشبه ذلك القلب الذي انكسر على صليب الجلجثة، فإني لن أحجم عن أن أقدم له قلبي بلا تحفظ ,
ج - كلمة ترشيح: لا تنطبق على الروح القدس لأن الروح القدس هو الله وإليك النصوص التي تثبت ذلك:
قال الرب يسوع في حواره مع المرأة السامرية: وَل كِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الْآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلْآبِ بِالرُّوحِ والْحَقِّ، لِأَنَّ الْآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلَاءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اللّهُ رُوحٌ. والَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ والْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا ـ يوحنا 4: 23-24 .
وقال الرسول بطرس لحنانيا الغاش: يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلَأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟ أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هذَا الْأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللّهِ ـ أعمال 5: 3-4 .
لعل اعتراضك مبني على تعاليم الإسلام، القائلة بأن الروح القدس هو الملاك جبرائيل، الأمر الذي لا تقره المسيحية لأن جبرائيل ملاك مخلوق، بينما الروح القدس إله خالق، بدليل قول الكتاب المقدس:
رُوحُ اللّهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي ـ أيوب 33: 4 .
تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الْأَرْضِ ـ مزمور 104: 30 .
ومن ألقاب الروح القدس الواردة في الكتاب المقدس روح الرب - روح المسيح - روح الله القدوس - الروح القدس - روح الحق - روح القداسة وكلها تدل على أنه الله نفسه,
د - عصمة البابا: نحن رعايا الكنائس الإنجيلية المصلحة، خارج سلطة البابا, لذلك فالأصلح لك أن تطرح سؤالك على أحد أتباعه,
ه - حق الكنيسة في الحرمان والغفران: ليس في تعليم الإنجيل ما يُمسى بالحرمان، بل هنالك تعليم يقضي بعزل الخاطي عن شركة المؤمنين إلى أن يتوب, فإذا تاب ورجع إلى الله، تعلن الكنيسة قبوله مجدداً في الشركة, وهذا التعليم منبي على الوصايا الرسولية التالية:
وَأَمَّا الْآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُّوٌ أَخاً زَانِياً أَوْ طَمَّاعاً أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّاماً أَوْ سِكِّيراً أَوْ خَاطِفاً، أَنْ لَا تُخَالِطُوا وَلَا تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هذَا.,, فَا عْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ ـ كورنثوس الأولى 5: 11-13 .
ثُمَّ نُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، بِا سْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلَا تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ التَّعْلِيمِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا ـ 2 تسالونيكي 3: 6 .
أما تعليم الغفران فمبني على وصايا الرب يسوع نفسه، إذ فال:
اِحْتَرِزُوا لِأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَا غْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ فَاغْفِرْ لَهُ ـ لوقا 17: 3-4 .
وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ والْعَشَّارِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ ـ متى 18: 15-18 .
وقال الرسول يعقوب معقباً على هذا التعليم: أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئاً عَنْ ضَلَالِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا ـ يعقوب 5: 19-20 .
و - وإذا كان لها الحق في ذلك أفلا يكون لها حق عزل من ألهتهم وترشيح آلهة أخرى؟
هذا القسم من السؤال يحمل معنى الاستهزاء، ونحن لا نتعامل مع المستهزئين وفقاً للتعليم النبوي القائل: طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الْأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ ـ مزمور 1: 1 .