4 - لماذا كان عيسى مسؤولاً عن خطية آدم حسب زعمكم، ومطالباً بالتكفير عنها؟

من المسلم به أن أحداً لا يستطيع خدمة الحقيقة إلا إذا سمى الأشياء بأسمائها الحقيقية, وعلى هذا الأساس أراني ملزماً بأن أذكرك بأن اسم المسيح هو يسوع وليس عيسى هكذا قال ملاك الرب جبرائيل لأمه مريم العذراء وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذا يَكُونُ عَظِيماً، وابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى ـ لوقا 1: 13-23 .

يعلم الكتاب العزيز أن الله خلق الإنسان على صورته في البر وقداسة الحق, وعاهده عهد الحياة على شرط الطاعة الكاملة لوصاياه, وهاك النص كما ورد في سفر التكوين فَخَلَقَ اللّهُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللّهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ,,, éوَأَخَذَ الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ والشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ ـ تكوين 1: 27-28، 2: 15-17 .

وعاش آدم ردحاً من الزمن في فردوس الله في حالة من الطهر, متمتعاً بشركة روحية مع الرب الإله, وهذه الشركة الروحية كانت ملأت قلب آدم وفكره بالسعادة,

كان آدم بسيطاً وفي البساطة قرب من قلب الله, وكان وديعاً وفي الوداعة مسحة من روح الله وكان مؤمناً والإيمان هو اليد التي تتناول بركات الله وكان باراً, وفي البر قبس من نور الله, ومع ذلك فقد سمح الله بأن يمتحن آدم, وكان موضوع الامتحان، هل يحتفظ آدم بمكانه من الطاعة والولاء لله؟ كان هناك وصية والوصية حداً بين ما يحق لآدم وبين ما يمنعه عليه, وبكلمة أخرى كان قصد الله من السماح بامتحانه أن يتعلم أبو البشر بأن هناك فاصلاً بين الحلال والحرام وأنه لإثم أن يتعدى هذا الفاصل وقد جعل كل هذا بأسلوب رمزي ميسور في ثمر الشجرة الممتنعة على آدم,

وسهولة الامتحان ظهرت في التجربة التي جاءت من الشيطان فهذا الغاوي تقدم من حواء في ناصح تهمه مصلحة الأبوين الأولين, وقد بادر حوار بسؤال بسيط في ظاهره، ولكنه مبطن بالخداع,

أَحَقّاً قَالَ اللّهُ لَا تَأْكُلَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟ ـ تكوين 3: 1 .

وكأن الماكر يقول هل من المعقول أن الله الذي خصكما بكل هذا الحب, وأحاطكما بكل هذه العناية، ووفر لكما كل هذه السعادة يمنعكما من أن تأكلا من كل أشجار الجنة الموهوبة لكما,,

أُخذت حواء بالكلام الماكر، الذي صاغ به الشيطان سؤاله, فغشيها شيء من الشك في صلاح وصية الله وفي ظل الشك أجابت:

مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللّه: لَا تَأْكُلَا مِنْهُ وَلَا تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا ـ تكوين 3: 2-3 .

لاحظ كيف أن حواء لما اعتراها الشك، زورت كلام الله بأن زادت عليه كلمة لا تمساه وهذه الزيادة أوقعتها في مخالفة فظيعة، وهي تقويل الله ما لم يقله, ولكي يزيدها الشرير شكاً في صلاح الله وحق وصيته أردف قائلاً:

لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللّهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللّه عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ والشَّرَّ ـ تكوين 3: 4 و5 .

كان لكلام الغاوي لون المنطق المقنع بأن الله لأجل منعها ورجلها من مساواته في المعرفة، قيدهما بتحذير يبدو أنه غير صادق, فاجتاح الشك قلب حواء, ولم تلبث أن استجابت لغواية عدو الخير وللمرة الأولى رأت حواء أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلْأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ ـ تكوين 3: 6 .

وهكذا سقط الأبوان الأولان, سقطت المرأة لأنها سكت في أمانة الله وصلاح وصيته، ولأنها أرادت أن تماثل الله بالمعرفة, ولم تكتف بكسر الوصية الإلهية، بل أشركت رجلها معها، فنقض عهده مع الله، وتعدى حدوده، والخطية هي التعدي ـ 1 يوحنا 3: 4 ـ ولما كانت أجرة الخطية هي موت ـ رومية 6: 33 ـ وقع المخالفان تحت قصاص الله، وفقاً لإنذاره تعالى يوم تأكل منها موتاً تموت ـ تكوين 2: 17 ـ ومعنى الموت هنا ليس انحلال الجسد في القبر، بل هو موت النفس بخلودها في العذاب الأبدي,

سقط آدم فوقع تحت طائلة الدينونة، فقال الله له مَلْعُونَةٌ الْأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لِأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ ـ تكوين 3: 17-19 .

بعد هذا طرده الرب الإله من جنة عدن مع امرأته، فهاما على وجههما يضربان في الأرض بأتعاب وآلام ثم أنجبا نسلاً وكان نسلهما بالطبع مطروداً فاقداً ميراثه بالفردوس وبديهي أن يأتي نسلهما ضعيفاً رازحاً تحت ثقل العصيان الموروث, على أرض لعنت بسبب الإنسان,

في الواقع أن الأبوين الأولين لم يصبحا بعد سقوطهما خاطئين وحسب، بل مورثين للخطية أيضاً، كما هو مكتوب بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِا لْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَه كَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ ـ رومية 5: 12 . وإنه لمن العبث أن يُقال إن خطية آدم لم تنحدر إلينا, وأن كل إنسان يولد بقدرة كاملة على اختيار الخير والشر, إذ لا أثر لخطية أبوية فيه, وأنا لا أدري كيف جاز لأصحاب هذا الراي أن يجزموا بهذا الأمر هكذا بينما حقيقة كتاب الله تناقضهم، وتسد عليهم الطريق وعملياً ألم يكن آدم نائباً عن الجنس البشري حين تعاهد مع الله عهد الحياة؟ بلى, لأن كل الوعود التي أعطاها الله له, كانت له ولنسله وعندما لفظ الحكم عليه، لعنت الأرض لهم كما لعنت له وكتب لهم أن يأكلوا خبزهم بعرق وجههم كما كتب له وتسلط الموت عليهم, كما تسلط عليه, وأيضاً أوجاع الولادة التي كتبت على حواء قصاصاً ما زالت تعانيها كل بنت من بناتها وقد أدرك الفيلسوف الكبير أبو العلاء المعري هذه الحقائق فقال:

هذا جناه أبي عليّ ---- وما جنيت على أحد

وكيف يجوز أن نسلم بآثار الوراثة العميقة في الحياة, في شتى وجوهها، ولا نسلم بالميراث الآتي إلى الإنسان من خطية أبويه الأولين؟ إن اختبارات البشر في كل جيل وعصر لتصرح في فزع مستمر مع داود النبي: هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُّوِرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي ـ مزمور 51: 5 .

قال العالم الانكليزي الشهير هاكسلي: لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الإنسانية فمن وراء ظلام التاريخ تبين أن الإنسان خاضع لوضع فيه يسيطر عليه بقوة هائلة إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب، وضحية الأوهام لا نهائية, جعلت كيانه العقلي هما ثقيلاً، وأفنت جسده بالغموم والمتاعب ومنذ آلاف السنين لا يزال هو هو, يقاتل ويضطهد ويعود ليبكي ضحاياه, ويبني قبورهم وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة الآتية عبر التاريخ لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه, ويتحسس ميوله ونزواته ليعلم أن ناموس الخطية ساكن فيه,

يكفي أن نلقي نظرة على المجتمع البشري، لنلمس هذه الحقيقة عند كل إنسان وهي أن الجميع فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً ـ مزمور 14: 1 ـ وقد وصفهم إشعياء النبي بالقول: أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفِعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الّزَكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. طَرِيقُ السَّلَامِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ ـ إشعياء 59: 6-8 ـ ووصف إرميا النبي القلب البشري بأنه اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ ـ إرميا 17: 9 .

في الواقع أن وجود الخطية في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد لأن فساد الطبيعة البشرية, ظاهر للحس في عجز الإنسان عن حفظ الناموس الأدبي من تلقاء نفسه، حتى بتوبته الذاتية, فهذه عرضة للفشل, إن كانت لا تلقى معرفة الروح القدس، مما يؤكد خلو النفس البشرية من البر الأصلي الذي كان لآدم قبل السقوط,

يكفي أن نلقي نظرة عابرة على تاريخ الجريمة عبر الأجيال لكي نجد الدليل الحاسم على فقدان الإنسان طبيعة الصلاح وأخذه طبيعة الفساد وأول ما ظهرت طبيعة الفساد الموروثة كان في جريمة القتل الأولى, التي اقترفها قايين بن آدم بحق أخيه هابيل, ولماذا قتله؟ أليس لأنه كان شريراً؟ ولماذا يخاصم أحدنا الآخر، أليس لأن طبيعة الشر متأصلة فينا؟ ولماذا تحارب أمة أمة أخرى، أليس بفعل شر الأفراد حينما يتكتلون؟

أجرة الخطية:

جاء في الكلمة الرسولية أن أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ ـ رومية 6: 23 . وجاء في الكلمة النبوية أن اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ ـ حزقيال 18: 20 .

فآدم وحواء حين سقطا ماتا الموت الروحي، الذي هو الانفصال عن حياة الله, قال العالم كلونيوس: أن نوع الموت المشار إليه هنا يعرف من نقيضه، أي نوع الحياة التي سقط منها, والواقع أن آدم وحواء, انفصلا عن الله بنتيجة سقوطهما وفقدا الشركة الروحية الجميلة الحلوة المقدسة مع خالقهما المحب, وكذلك في الانفصال عن حياة الله، فقدا ذلك الشوق المقدس للمثول في حضرة الله عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَا خْتَبَأَ آدَمُ وامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الْإِل هِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ ـ تكوين 3: 8 ـ اختبئا لأن أول عواقب السقوط الخجل، وهما قبل كل شيء اجتهدا لستر جسديهما وأن ثانيهما الخوف، وهما هربا واختبئا, هكذا نقرأ في الكتاب العزيز آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ ـ إشعياء 59: 2 .

رهيب هو هذا الحكم لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ولكن هل ضاع الامل، هل مات الرجاء بعودة الإنسان إلى فردوسه الضائع، وبرجوع طهارته المفقودة؟ كلا إن الرجاء لم يمت، لأن الله محب كما هو عادل، وبالحب وهب للأبوين الأولين الشفاء وبعث في قلبهما الرجاء,بينما هما مختبئان نادى الرب الإله آدم، وقال له اين أنت ـ تكوين 3: 9 . الاستفهام هنا للتوبيخ فكأنه تعالى قال يا آدم لماذا هربت مني، بعد أن كنت تسرع إليّ مسروراً بلقائي؟

فأين كنت وإلى أين صرت؟ نعم, هكذا فتشت محبة الله الغنية بالرحمة عن الإنسان، الذي خلقه الله على صورته كشبهه، ودبرت أمر خلاصه فكانت فكرة الفداء,

محبة الله تتدخل:

لما كان الله فائق الكمال في كل صفاته، ومن كمالاته الفائقة العدل والصدق, وبما أن عدله وصدقه لا ينكفئان, حكم على تعدي الإنسان بالموت الأَدي قصاصاً, ولكن كما أن لله عدلاً وصدقاً لا ينكفئان, له أيضاً محبة لا تنكفئ محبة عجيبة، لا تعرف الحدود في الغفران وهذه المحبة العجيبة شملت الإنسان بغناها في الرحمة، وفقاً لقوله له المجد مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذ لِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ ـ إرميا 31: 3 . هذه المحبة المتفاضلة جداً، دبرت خلاص الإنسان الضعيف بالفداء ليحيا وفقاً لقوله له المجد حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لَا أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا ـ حزقيال 33: 11 .

وبكلمة أخرى أن الكتاب المقدس يعلم بأن الله عادل وفضله الأدبي يحمله على معاقبة كل خطية فإيفاء المسيح الذي يحصل المغفرة للخطيئة قدم للعدل الإلهي الترضية وغايته الأصلية الجوهرية، ليس التأثير الأدبي في المذنبين أنفسهم, ولا العمل التعليمي في غيرهم من الخلائق العاقلة بلا الإيفاء لما يطلبه العدل, حتى يكون الله عادلاً إذا برّر الخاطئ,

قال المحامي الشهير سيرجنت برنتس في ختام دفاعه عن أحد المتهمين قرأت في كتاب ما أن الله في مشورته الأزلية سأل العدالة والحق هل أخلق الإنسان؟ فأجابت العدالة كلا، لأنه سيدوس جميع شرائعك وسننك ونظمك وقال الحق لا تخلقه لأنه سيكون قبيحاً وسيسعى دائماً وراء الباطل متكلماً بالكذب حينئذ قالت المحبة أنا أعلم أن هذا سيكون ولكني مع شر الإنسان وفساده, سأتولى أمره وسأسير به خلال الطرق المظلمة إلى أن آتي به إليك,

أجل يا صديقي أن الله في البدء خلق الإنسان على أحسن تقويم ولكن الإنسان لم يثبت في كماله، بل سقط واندفع وراء الباطل ولكن محبة الله تأنت عليه، ولم تشأ أن يهلك, فدبرت له خلاصاً كاملاً شاملاً أبدياً بيسوع المسيح وقد دعانا سؤالك إلى التأمل في هذا الخلاص الكامل الشامل الأبدي، لنرى حاجة الإنسان إليه بل لنرى ضرورته وحتميته عند الله, ونعرف السبيل إليه، وما هي آثاره في حياة الإنسان الحاضرة والأبدية, لعلنا ندرك نظرة المسيحية الكاملة للفداء,

حين نتلو رواية التكوين التي أوحي بها إلى رجل الله موسى، ونتأمل في ما صنعه الله لستر عري آدم وحواء نلمس الحقيقة بقول الكتاب العزيز وَصَنَعَ الرَّبُّ الْإِلهُ لِآدَمَ وامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا ـ تكوين 3: 21 . هذا يدل على أن الحيوانات ذبحت في الفردوس ولم يتحقق نصاً أن الإنسان كان يتخذ لحوم البهائم طعاماً, إلا بعد الطوفان ولم يكن طعامه قبلاً سوى البقول والأثمار وسائر الأطعمة النباتية, ولم يكن بكر من ذبيحة، قبل أن تدخل الخطية الأرض فإن كانت تلك الجلود من جلود البهائم، ثبت أن الله علم آدم على أثر سقوطه في الخطية أن لا مغفرة بدون سفك دم وبهذا رسم عهد الذبائح الكفارية، التي مورست في ما بعد في العهد القديم، وكانت رمزاً إلى حمل الله يسوع, الذي بذبيحة نفسه يرفع خطجية العالم,

وإننا لنعلم من الكتاب المقدس أن ذبيحة الدم التي قدمها هابيل، لم تكن إلى ظلاً للفداء العتيد، وعملاً يتفق مع فكر الله بل أنها من وحين وإلهامه ـ تكوين 4: 4 . وكذلك الكبش الذي أعطاه الله لإبراهيم ليفدي به ابنه اسحق، لم يكن إلا رمزاً للفداء العظيم الذي أعده الله منذ الأزل بذبيحة المسيح العتيدة ـ تكوين 22: 1-14 . وأيضاً خروف الفصح الذي أمر الله موسى وشعبه أن يقدموه في مصر، لم يكن إلا رمزاً بارزاً لفصح عهد النعمة الجديد، الذي فيه ذُبح يسوع المسيح ـ تكوين 12: 1-42 ـ بدليل قول رسول الأمم بولس لِأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لِأَجْلِنَا ـ 1 كورنثوس 5: 7 .

وإذا راجعنا التاريخ نرى أن أتقياء العهد القديم، عاشوا آلاف السنين في ظل الناموس، الذي أعطي لموسى وهذا الناموس أتاح لهم التكفير عن خطاياهم، بواسطة قرابين من الذبائح الحيوانية وثمار الأرض, إلا أن أحكامه الصارمة كانت توقع العقوبات على كل متعد,

حين خرج نوح من الفلك، نهاه الله عن أكل الدم ـ تكوين 9: 4 ـ وسبب هذا النهي ظاهر من آية ناموس موسى، بها تتبين طريقة القرابين الدموية والقصد منها, وهي وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَماً، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ النَّفْسِ الْآكِلَةِ الدَّمَِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا، لِأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لِأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ ـ لاويين 17: 10-11 .

فقصد الكتاب المقدس من الذبيحة هو تقديم نفس لله عن نفس أخرى مدنسة بالخطايا، كتقديم حياة حيوان بريء عن حياة الإنسان المذنب الذي يقدمه, وهذا ظاهر من قول الله لأليفاز التيماني: قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلَا صَاحِبَيْكَ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. والْآنَ فَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ واذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لِأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ لِأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلَّا أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ ـ أيوب 42: 7-8 .

والذبائح التي يأمر بها ناموس موسى على أنواع مختلفة غير أنها كلها لا تخلو من التكفير بالدم، الذي هو المقصود من وضعها بدليل قول الرسول: وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ ـ عبرانيين 9: 22 . وقد قال ذلك في شرح الرمز العملي في سفر الخروج حيث يقول: فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحاً فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، واثْنَيْ عَشَرَ عَمُوداً لِأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الثِّيرَانِ. فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي الطُّسُوسِ. وَنِصْفَ الدَّمِ رَشَّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ. فَقَالُوا: كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ . وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذهِ ا

لْأَقْوَالِ ـ خروج 24: 4-8 .

وحين نتأمل في تاريخ الذبيحة عبر كتاب الله، يتضح لنا أن كل الذبائح ترمز إلى المسيح ويلزم عن كون الكهنة الأولين رمزاً إلى ذبيحته عن خطايا العالم, بدليل قول الرسول لِأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِه ذَا أَيْضاً شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ ـ عبرانيين 8: 3 . وقال أيضاً عن الكهنة اللاويين وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ ـ عبرانيين 10: 11 ـ أي أن تلك الذبائح، لا تستطيع ملاشاتها من العالم، وذلك لأن ذبائحهم كانت فقط رمزاً إلى الكفارة العتيدة بذبيحة المسيح فيجب إذ ذاك مداومتها إلى حين ظهور المرموز إليه المنتظر وأما ذبيحة المسيح، فلا يلزم أن تعاد, لأنها دمه، وبها نال لنا الفداء الأبدي بدليل قول الرسول: وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الْأَعْظَمِ والْأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذهِ الْخَلِيقَةِ.

وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للّه بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللّه الْحَيَّ! éلِأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الْآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللّهِ لِأَجْلِنَا. وَلَا لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الْأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَل كِنَّهُ الْآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ ـ عبرانيين 9: 11-14 و24-26 .

وهذه الحقيقة ظاهرة في الإنجيل فقد قال يوحنا المعمدان حين رأى يسوع: هُوَذَا حَمَلُ اللّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ ـ يوحنا 1: 29 . مشيراً بذلك إلى ذبيحة الكفارة التي بها يكفر المسيح عن خطايانا أمام الرب ويرفعها عنا هكذا قال الرسول يوحنا وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً ـ 1 يوحنا 2: 2 .

ولئلا يتوهم أحد أن يسوع مات موت شهيد، فقد دفع هو نفسه ذلك الوهم بقوله له المجد : أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ ـ متى 20: 28 .

هذه الحقيقة أعلنها الله لإشعياء النبي فقال قبل تجسد المسيح بعدة قرون: وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، والرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا ـ إشعياء 53: 5-7 .

وأقوال رسول الأمم بولس في هذا الصدد كثيرة لا يستطيع مجال هذه الرسالة لذكرها كلها, منها قوله:

الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا ـ أفسس 1: 7 ـ ومعنى هذا أنه ليس بتعاليمه وقدوته ننال الفداء والغفران بل بدمه,

اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ . لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلْأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ ـ غلاطية 3: 13-14 . ومعنى هذا أن المسيح بموته على خشبة الصليب اعتبر في نظر الناموس حاملاً اللعنة نيابة عن الإنسان الذي لم يثبت في ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به ـ غلاطية 3: 10 .

لِأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللّهِ فِيهِ ـ 2 كورنثوس 5: 21 .

ولا يمكن أن يعبر بعد بأفصح من هذه الآيات، التي تفيد أن المسيح خلصنا من عقاب الناموس باحتماله ذلك العقاب عندما علق على خشبة الصليب ومات عليها, وهذا الموت هو فدية عنا، وتكفير عن خطايانا، إذ به خلصنا من لعنة الناموس, فهذا هو المقصود من ذبيحة الكفارة,

ولكي يبين الرسول المغبوط بأكثر إيضاح أن فاعلية موت المسيح ليست مجرد فعله في قلوب البشر فعلاً أدبياً في إخضاعها له، وجعلها قلوباً لينة وطيعة، عوضاً عن قساوتها وتكبرها, قال: الَّذِي قَدَّمَهُ اللّهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لِإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللّهِ. لِإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الّزَمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِيَسُوعَ ـ رومية 3: 25-26 .

فكل كلمة من هذه الآية، تستدعي إمعان النظر، إذ تعلمنا:

ـ 1 ـ إن الله قدم يسوع المسيح ذبيحة كفارة للجميع,

ـ 2 ـ إن هذه الكفارة، ينالها كل فرد من أفراد البشر بإيمانه الشخصي فقط، فهي تضع أساساً للجميع للتبرير, إذا آمنوا بالمسيح يسوع,

ـ 3 ـ إن الله يظهر بره بذبيحة الكفارة, فإظهار الرحمة للخطاة والبر المشار إليه هنا من الصفات الحُسنى الخاصة بالله، وليس هو بمعنى التبرير الذي يهبه الله للمؤمن، كما يظهر من القرينة، وهي لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِيَسُوعَ فإن هذه العبارة تنفي احتمال ذلك المعنى وتثبت إرادة العدل بالبر للزومه عند اعتباره إله الناموس وديان العالم,

ـ 4 ـ إن ذبيحة الكفارة ضرورية لإظهار رحمة الله، مع عدم مخالفة مقتضيات عدله فلو أظهر الله رحمته للخطاة بلا ذبيحة الكفارة، لم يكن باراً، بدليل قول الرسول أن الله قدم يسوع كفارة ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع ولم تكن ضرورية لجعل الله رحيماً بتغيير كبيعته لأنه يتغير بل هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد, وما استفدناه من شهادته تعالى، التي هي أساس الكتاب المقدس, هو أن المسيح قدم نفسه للآب، ليحمل لعنة الناموس الإلهي عن الخطاة وهو لابس طبيعة البشر, وأن الله قبل تقدمه حاسباً إياها كفؤاً لعدله, فيغفر لجميع الذين يؤمنون بيسوع المسيح بدون أن يشين جلاله الأقدس أو يثلم ناموسه الأدبي بشيء,

أنواع الذبائح

إن التأمل في كفارة المسيح يستلزمنا استعراض أنواع الذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم، وفقاً للناموس الإلهي الذي أعطي بموسى وهي:

ـ 1 ـ ذبيحة الخطية ـ لاويين 9 ـ وهي للتكفير عن الشعب والإتيان به إلى حالة الغفران ونوال النعمة,

ـ 2 ـ ذبيحة الإثم ـ لاويين 5 ـ وهي خاصة بالذنوب التي يمكن التعويض عنها,

ـ 3 ـ ذبيحة المحرقة ـ لاويين 1 ـ وهي ذبيحة تمثل الكمال وهي تشير إلى من خصص نفسه لله تخصيصاً كاملاً,

ـ 4 ـ ذبيحة السلامة ـ لاويين 7: 11-16 ـ وهي تشير إلى رد ما لله من شكر,

ـ 5 ـ ذبيحة الفصح ـ خروج 12 ـ وقد أمر الرب موسى وهرون والشعب أن يرشوا بدمها على عتبة الباب العليا والقائمتين,

ـ 6 ـ ذبيحة البقرة الحمراء ـ العدد 19 ـ وهي التي كان رمادها يستعمل للتطهير من النجاسات,

ـ 7 ـ ذبيحة الأبرص ـ لاويين 14 ـ وهي الذبيحة التي تتعلق بتطهير الأبرص,

ـ 8 ـ ذبيحة العجلة ـ تثنية 21: 3 ـ وهي التي كانت تقدم عندما يقتل قتيل ويجهل قاتله,

ـ 9 ـ ذبيحة كبش التكريس ـ لاويين 8 ـ وهي التي كانت تقدم عند تكريس أحد اللاويين كاهناً,

واعلم أن هذه الذبائح جميعها كانت مشروطة بخلوها من العيوب, بناء على أنه يحط من قدر الله في أعين الشعب ـ 1 ملوك 8: 13-14 ـ وبنوع خاص، لأن الذبيحة الخالية من العيب موافقة دون غيرها لأن تكون رمزاً إلى حمل الله يسوع الذي قدم على خشبة الصليب كفارة لخطايا العالم والذي هو بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ ـ 1 بطرس 1: 19 .

رش دم الذبيحة

إن رش دم الذبيحة في العهد القديم، كان أشرف الطقوس، لكونه إشارة إلى التكفير واختص بالكاهن الذي عين وسيطاً بين الله والشعب أما نضح الدم سبع مرات بعد إدخاله إلى خيمة الاجتماع ـ لاويين 8 و14 ـ فكان إشارة إلى كمال التكفير لأن الرقم 7 يدل على الكمال، ومن ذلك قول العهد الجديد عن المؤمنين، أنهم تطهروا من الخطية بسفك دم المسيح العظيم المرموز إليه ـ عبرانيين 9، 1 بطرس 1 .

ذبيحة المسيح الحقيقية المرموز إليها:

لمس رجال الله قديماً الإنسان وعجز ناموس موسى عن شفائه من الخطيئة، ففتشوا عن وسيلة غير الذبائح والمحرقات التي قال الرسول أنها مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ ـ عبرانيين 9: 9 ـ والتي لا يمكنها أن تحقق مسرة القدير، فقد جاء في سفر المزامير: لِأَنَّكَ لَا تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلَّا فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لَا تَرْضَى ـ مزمور 51: 16 ـ وجاء في سفر إشعياء : لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لَا تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي ـ إشعياء 1: 11-13 .

ولكن في غمرة هذا الضلال، أشرقت شمس محبة الله, فأعلن لرجاله الامناء أنه أعد ذبيحة حاسمة للخلاص بوسيط صلح إلهي، يأتي عند ملء الزمان، ويكمل بقربان نفسه إلى الأبد الذين يؤمنون باسمه ـ عبرانيين 10: 14 ـ فإذا بأيوب الذي حلت به التجارب والمحن بأقسى ضروبها، يرى حاجته الماسة إلى تدخل هذا الوسيط بينه وبين الله, فيقول لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلَا يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ ـ أيوب 9: 33-34 ـ وها هو إشعياء النبي يراه يعين النبوة، فيسهب في شرح عمله الفدائي، إذ يقول: مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الْأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الْأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَ

عَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الْأَعِّزَاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ ـ إشعياء 53: 8-12 .

وشاول الطرسوسي الفريسي الناموسي، بعد أن أعيته المحاولات لإدراك البر الذي في الناموس، راح يفتص عن هذا الوسيط، الذي تكلم عنه الأنبياء، وينشد عنده الإنقاذ من جسد الخطية والموت, إلى أن أدركه يسوع المسيح على طريق دمشق فعرف فيه وسيط الصلح الإلهي، الذي تجسد ليخلص الخطاة بموته الكفاري على الصليب, ولم يعتم أن أوحي إليه ليكتب لنا الخبر السار القائل: éوَل كِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الّزَمَانِ، أَرْسَلَ اللّهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ ـ غلاطية 4: 4-5 .

في الواقع إن تجسد الكلمة هو محور الكتابة المقدسة لأن أساس الفداء الإلهي، وهو شرط ضروري للمسيح لإتمام وظيفته كفادي, ولهذا كان التجسد موضوعاً لسلسلة من الإعلانات الإلهية عبر الأسفار المقدسة الموحى بها من الله وهذه الإعلانات بدأت بإشارات إلى منقذ يأتي عند ملء الزمان, ليخلص البشر من لعنة الناموس, ويكون بركة عظيمة لجميع الشعوب ثم أخذت الإعلانات توضح, أكثر فأكثر كل ما يختص به ابتدأت بذكر نسل المرأة، ثم ذكر نسل إبراهيم ثم سبط يهوذا، ثم بيت داود ثم ولادته من عذراء وجاء في الإعلانات، أنه يكون صاحب صفات إلهية, وأنه يفتدي لنفسه شعباً مختاراً، يكون هو رئيساً لهم وملكاً ـ إشعياء 9: 6 .

والعجيب في الأمر، هو أن الإعلانات ذكرت ظروفاً غريبة ودقيقة خاصة به، لا يمكن نسبتها لحذاقة البشر, منها تعيين مكان ولادته بالضبط, فقد جاء في سفر ميخا النبي أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا،فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ ـ ميخا 5: 2 . وأنه يكون فقيراً ذليلاً وممجداً معاً: وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ والْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ والْقُّوَةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ ـ إشعياء 11: 1-2 . وأنه ملك ولكن بدون مجد خارجي، إذ يدخل عاصمته المقدسة راكباً على جحش بدون أبهة الملوك فقد جاء في سفر زكريا النبي: اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ ـ زكريا 9: 9 . وأنه يكون كاهن

ا, فقد جاء في سفر المزامير: أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الْأَبَدِ ـ مزمور 110: 4 . وهذا يعني أن عمل المسيح الكفاري هو عمل كهنوتي ترتبت عليه القضايا التالية:

ـ 1 ـ إن كونه كاهناً جعله نائباً عن الخطاة أقامه الله مقامهم، ليعمل عنهم ما لا يستطيعون أن يعملوه لأنفسهم فإذ لم يكن لهم وصول إلى الله بسبب إثمهم ونجاستهم, اقتضى الحب الإلهي إقامة شخص بسلطان إلهي, ليظهر عنهم أمام الله لأجل مصالحته تعالى معهم,

ـ 2 ـ إن هذه المصالحة لا تتم إلا بواسطة كفارة عن الخطية، لأنه مكتوب: بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! ـ عبرانيين 9: 22 .

ـ 3 ـ إن هذه الكفارة تتم بإقامة ذبيحة مقام الخاطي لتحتمل عنه الموت أجرة للخطية,

ـ 4 ـ إن الكهنة في العهد القديم خدموا على هذه الطريقة التي عينها الله، والتي بها كان المذنب ينال مغفرة خطاياه الطقسية,إلا أن الخطية كما تقدم لم تتلاش فرب مذنب يعود إلى الوقوع في الخطية ثانية بعد التكفير, ويكون عليه أن يقدم ذبيحة أخرى,

ـ 5 ـ فبناء عليه كان كهنوت العهد القديم، المسمى بالكهنوت الهاروني وذبائحه من الأمور الزمنية، فلم تكن إلا رموزاً وظلاً للكاهن الحقيقي والذبيحة الحقيقية الموعود بها منذ البدء,

ـ 6 ـ إن المسيح كاهن حقيقي, لأن فيه كل الصفات اللازمة للكهنوت, فلكونه اتخذ جسد الإنسان، صار نائباً عن الجنس البشري, وبالتالي قدم ذبيحة, وكان قادراً على أن يرثي لشعبه, وقد قام فعلاً بكل ما يستلزمه الكهنوت، وعلى مثال فائق,

ـ 7 ـ إن الذبيحة التي قدمها يسوع رئيس كهنتنا العظيم، لم تكن دم بهائم، بل دم نفسه الكريم,

ـ 8 ـ إنها الذبيحة الواحدة, التي أكملت إلى الأبد المقدسين ـ عبرانيين 10: 14 .

ـ 9 ـ إن ذبيحة المسيح أبطلت كل الذبائح في ما بعد فلم تبق حاجة إليها,

يتبين مما تقدم إن كفارة المسيح، ليست أمراً مزعوماً, كما طاب لك أن تقول، وإنما هي حقيقة أساسها المشورة الإلهية تجاوباً مع حب الله للإنسان, ولعلك بعد هذا الشرح المسهب تسأل: ولكن ماذا حمل المسيح على التجسد والقيام بعمل الفداء؟

الجواب: إن تجسد الأقنوم الثاني لله وموته لفداء الجنس البشري، لم يكن حادثة اضطرارية، وإنما هو اتساع اختياري، بدليل قول المسيح: لِه ذَا يُحِبُّنِي الْآبُ، لِأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هذهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي ـ يوحنا 10: 17-18 . بمعنى أن المسيح لم يكن مجبراً على بذل نفسه، وإنما قدمها تطوعاً، لكي يرفع خطية العالم,

وفي كلمة أخرى، أن الله بدافع من حبه العجيب للبشر قضى بالفداء, فبذل ابنه الوحيد، الذي أتى إلى العالم فصارت الكلمة المكتوبة: فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الْأَوْلَادُ فِي اللَّحْمِ والدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُول ئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ ـ عبرانيين 2: 14-15 .

ويعلمنا الكتاب المقدس، أن المسيح أخذ الجسد طوعاً ليكون وسيط صلح، بين الله والناس، بدليل قول الوحي: إِنَّ اللّه كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ ـ 2 كورنثوس 5: 19 . ويخبرنا الكتاب العزيز صريحاً أن وسيط الصلح بين الله والناس، يجب أن يتميز بالصفات التالية,

ـ 1 ـ أن يكون إنساناً بدليل قول الكتاب: والْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا ـ يوحنا 1: 14 . وسبب اتخاذ الكلمة طبيعة البشر لا طبيعة الملائكة، هو أنه أتى لفدائنا فكان ضرورياً أن يولد تحت الناموس، الذي خالفناه، لكي يكمل كل بر وأن يشترك في حياتنا البشرية لكي يختبر ضعفاتنا, وأن يتألم ويموت ذبيحة لكي يكفر عن خطايانا,

ـ 2 ـ أن يكون بدون خطية، فإن الذبيحة التي كانت تقدم للتكفير، كان يجب حسب الناموس أن تكون بلا عيب فالوسيط الذي يقدم نفسه لفداء العالم، يجب أن يكون هو نفسه بلا خطية لأنه من المستحيل أن يكون المخلص من الخطية خاطئاً لأن الخاطي, لا يقدر أن يصل إلى الله، ولا يليق بأن يكون ذبيحة عن الخطايا، ولا مصدراً للقداسة والحياة الأبدية لشعبه, ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا الفادي العظيم قُدُّوساً بِلَا شَرٍّ وَلَا دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ ـ عبرانيين 7: 26 ـ ومعلوم أن المسيح كان بلا خطية، كما تشهد بذلك الكلمة الرسولية فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لِأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلَا وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ ـ 1 بطرس 2: 21-22 .

ـ 3 ـ إن يكون إلهاً، لأنه لا يقدر دم إنسان أن يبطل الخطية فالمسيح في حال كونه إلهاً أكمل بذبيحة نفسه المقدسين إلى الأبد ـ عبرانيين 9: 26 ـ وكذلك لا يستطيع إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان إبليس وينقذ الذين قد سباهم ولا يستطيع إتمام العمل الفدائي العظيم, إلا من هو قادر على كل شيء, وله حكمة ومعرفة غير محدودتين، ليكون رئيس كهنة عظيم ودياناً للجميع, ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المقدسين, إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت ـ كولوسي 2: 9 .

فجميع هذه الصفات التي قال الكتاب بضرورتها لتأهيل الوسيط للوساطة بين الله والناس, قد اجتمعت في يسوع المسيح, ونتج من ثبوت تلك الصفات, أن وساطة يسوع المسيح التي تشمل كل ما فعل وما زال يفعل لخلاص البشر, هي عمل شخصي إلهي فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته، كانت أعمال وآلام شخص إلهي فالذي صلب هو رب المجد, وهذه الحقيقة تتضح في ما يلي:

ـ 1 ـ إن الكتاب المقدس ينسب كفاية عمله وسلطانه وصدق كلامه وحكمته وقيمة آلامه، إلى كونه اللّه ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ ـ 1 تيموثاوس 3: 16 .

ـ 2 ـ لأنه لو كان وسيطنا إنساناً فقط لعجز عن فداء الساقطين وعندئذ لا يبقى بعد للإنجيل مجد ولا قدرة ولا كفاية,

ـ 3 ـ إن فداء البشر الساقطين لا يقدر عليه إلا من هو إله وإنسان معاً، فوظيفة المسيح النبوية تستلزم أن يكون له جميع كنوز الحكمة والعلم, ووظيفته الكهنوتية تستلزم أن يكون له شرف ابن الله, ليجعل عمله نافعاً, ولا يقدر سوى شخص إلهي، أن يستعمل السطان الذي دفع إلى المسيح في السماء وعلى الأرض أن ينقذنا من عبودية الخطية وموت الخطية، أو يقيم الاموات، أو يهب الحياة الأبدية,والحق أننا نحتاج إلى مخلص قُدُّوسٌ بِلَا شَرٍّ وَلَا دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ ـ

عودة الى البداية