6 - أما كان الله قادراً على خلاص آدم وذريته بغير صلب المسيح؟
هذا السؤال يعود بنا إلى موضوع الكفارة, لأن لا خلاص بدون كفارة عن الخطايا السالفة, والمعلوم أن كلمة كفارة، تعني الستر أو التغطية، وهي في المسيحية عمل المسيح بطاعته الكاملة، لأجل خلاص البشر من لعنة الناموس ومصالحتهم مع الله بدمه، الذي أريق على الصليب,
ويصح أن ننظر إلى كفاءة المسيح من أوجه متعددة, باعتبار نسبتها إلى الله من جهة محبته وقداسته وعدله, وباعتبار نسبتها إلى الإنسان من جهة فعلها فيه ولأجله, لذلك قيل أن كفارة المسيح تكفير عن خطية الإنسان، وأنها تعبير واضح عن فعل ذبيحة المسيح في خلاص الخطاة من لعنة الناموس ورفع الدينونة عنهم, وقيل أيضاً أن كفارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله, أي واسطة لإرضائه واستعطافه, وهذا تعبير عن مفعول ذبيحة المسيح في إزالة غضب الله، وعن رضاه بقبول الخاطي للمصالحة, وقيل أن الكفارة هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح حتى لا يطالب المذنب بالقصاص, لان القصاص رفع عنه بوضعه على المسيح، الذي ذُبح لاجلنا, وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: فِي هذا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللّه، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا ـ 1 يوحنا 4: 10 ـ وقيل أن الكفارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان, بدون إهانة ناموس الله المقدس, وهذا ما عناه بولس بقوله: إِنَّ اللّه كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ ـ 2 كورنثوس 5: 19 .
ويعبر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة نعمة لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً، لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطاة, وكذلك الابن لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويأخذ الفداء على عاتقه, وإنما اللاهوت الكامل, لأجل محبته الكثيرة وغناه في الرحمة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الابن المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطئ,
وقد أعلن الرب يسوع هذه الحقيقة، حين قال: وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ,,, لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ـ يوحنا 1: 10 و15: 13 . فبهذه العبارات عبر له المجد عن السبب الذي لأجله ارتضى وهو القدوس الحق، أن يأخذ جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب,
وقد أوضح الرسول بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى الرومانيين إذ قال: لِأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ، فَاللّه إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ ـ رومية 8: 3-4 . أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا ونفذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وفقاً للقول النبوي تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا ـ إشعياء 53: 5 .
نسمع كثيرين يقولون أن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء, ولكن هذا لا يتفق مع صدق الله في وعيده وعدله في أحكامه التي تحتم ذبيحة كفارة للغفران, وقد عرف هذا الوجوب منذ البدء, إذ يتراءى لنا خيط قرمزي يخترق صفحات الكتاب المقدس، وهو يقطر دماً ويصرخ في كل جيل قائلاً بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ,
في الحقيقة أن الله لكونه كاملاً في كل صفاته، لا يصح لمشيئته أن تغفر للإنسان ذنوبه على حساب حقه وعدله، الذي قال: اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ ـ حزقيال 18: 20 . وإذا غفر الله لنفس خاطئة، وجب أن يكون هناك سبب للغفران، سبب يكون فيه ترضية لكمال الله في العدل, وهذه الترضية كما تقدم كانت تتم في العهد القديم بالذبائح الدموية, التي ترمز إلى المسيح أما في العهد الجديد فبذبيحة المسيح الذي أكمل كل بر,
ومن خصائص ذبيحة المسيح أنها ليست فقط ترفع الخطية عن الإنسان،بل هي أيضاً تشفيه من الخطيئة كمرض أدبي,
لأن من يقبل المسيح المصلوب تتجدد حياته، ويصير يرى فعل الخطيئة الرهيب وعقوبها المخيفة، فلا يقدم عليها ومن هنا انطلقت كلمة الرسول: كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللّهِ لَا يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لِأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللّهِ ـ 1 يوحنا 3: 9 ـ