9 - لماذا أجل الفداء إلى زمن المسيح وما حكم من ماتوا قبل الفداء به؟
من المسلم به أن الله في مشورته, عين زمان ومكان وذبيحة الفداء, وهذا ينفي كلمة تأجيل التي جاءت في سؤالك,
صحيح أن الأرض وقعت تحت اللعنة, بسبب سقوط آدم, إلا أن الله قد قضى بأن اللعنة يجب أن تأخذ مفعولها قبل إصلاح كل شيء بالمسيح الآتي, وذلك بواسطة خراب عمومي تتغير به هيئة الأرض، لكي تظهر نتائج السقوط الردية قبل حصول الإصلاح,
وأيضاً مجيء المسيح لم يكن مناسباً قبل مجيء موسى لأن الناس لم يكونوا بوجه العموم قد زاغوا كلياً عن الله أي لم يكونوا بأجمعهم واقعين في ظلمة الأوثان,
وربما كان من جملة الأسباب لعدم مجيء المسيح قبل الطوفان أو بعده مباشرة, أن الله أراد أن تمتلئ الأرض من البشر, تمشياً مع وصيته لآدم ـ تكوين 1: 28 .
ولم يكن مجيئه مناسباً قبل سبي بابل، لأن مملكة الشيطان لم تكن يومئذ قد بلغت أوج عظمتها فممالك الوثنيين, كانت صغيرة قبل السبي, فاستحسن الله أن يأتي المسيح في زمان أكبر مملكة وثنية عرفها التاريخ, وهي مملكة الرومان, التي كانت هي مملكة الشيطان المنظورة في هذا العالم، فيكون المسيح بغلبته على هذه المملكة، قد غلب مملكة الشيطان وهي في أبان عزها وقمة مجدها,
المهم أن الكلمة الذي كان في البدء عند الله, وكان الكلمة الله قد جاء في ملء الزمان ليصير في عمانوئيل الله معنا ليفتدينا, فتراه الأعين وتسمعه الآذان وتلمسه الأيدي، وترى الأعين مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً والمؤمنون به أخذنا من ملئه، ونعمة فوق نعمة وكان الكلمة المتجسد هو الذروة العليا للمظاهر التي أعلن الله بها ذاته للبشر, فيه لم تعلن قوة الله وعظمته فقط، بل أعلن للبشر قلب الله الحنون ورحمته وعطفه ومحبته,
نعم، هكذا صارت المشيئة الإلهية، أن ينتظر العالم حقبة من طويلة من الزمن، قبل أن يبزغ نور إعلان الفداء بعمانوئيل الذي تفسيره الله معنا, ولكن الله خلال هذه المدة كان يعني جد العناية بهذا العالم البائس,
ويخبرنا التاريخ أنه عند تجسد المسيح، كان في العالم ثلاثة شعوب, هي صاحبة النفوذ في ذلك العصر: اليونان والرومان واليهود, كان اليوناني مثقفاً مصقولاً، والروماني قوياً متسلطاً، واليهودي متمسكاً بناموس الله, وهذه الشعوب الثلاثة تعاونت دون أن تدري على إعداد الطريق لمجيء المسيح، مما يجعلنا نعتقد بأن هذا التعاون العفوي الذي تم هو من تدبير العناية الإلهية، لإعداد طريق الآتي باسم الرب,
وقبل كل شيء نرى أنه استخدم الرومان لإعداد الطريق, بتوحيد أجزاء العالم المتمدن، وإشاعة الأمن في رحابه، بعد أن كانت عصابات السلب والنهب تعبث فيه فساداً حتى أنه كان قبل ذلك متعذراً على أية دعوة تنبعث عن الديار المقدسة أن تتعدى تخوم تلك الديار الصغيرة,
وكذلك اليونانيون قاموا بنصيبهم وهم لا يدرون بإعداد طريق المسيح, وذلك بتقديم لغتهم اليونانية الجميلة اللينة، التي كانت آنئذ اللغة الرئيسية والرسمية في الأمبراطورية, فبهذه اللغة كانت أداة طيبة لنشر رسالة الإنجيل في كل ربوع العالم المتمدن,
وأما اليهود الذين تشتتوا في كل أصقاع العالم، فقد حملوا معهم أسفارهم المقدسة لأن موسى أوصاهم بأن يقرأوها في المجامع كل سبت, وكان من أهم عوامل الاتصال بين هذه الشعوب أن الكتاب المقدس تُرجم إلى اللغة اليونانية، مما أتاح للعالم الوثني أن يطلع على النبوات الخاصة بالمسيح المنتظر، وبالتالي أن يستعد لقبوله, وأنه لغريب حقاً أن تتحد هذه الشعوب لإعداد طريق الرب وهي لا تدري,
ولعل أغرب ما في الأمر كله، هو الانتظار الحار، الذي كان عليه الشعب اليهودي قبل مجيء المسيح ويعزو الباحثون هذا الانتظار إلى انقطاع الوحي عنهم خلال خمسة قرون وكان من البديهي أن ينسى الناس وتضعف الآمال المرتقبة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث بل كان شوق الناس إلى مشتهى كل الأمم يزداد كل يوم,
ومما لا ريب فيه أن الأمم الذين اطلعوا على الكتابات المقدسة شاركوا اليهود في النتظارهم ولنا دليل على ذلك في مجيء المجوس من الشرق الى الديار المقدسة للسجود لطفل المذود يسوع,
ومما يجدر ذكره هو أنه عند تجسد الكلمة في مذود بيت لحم, حدثت أمور مهمة جداً أعادت الرجاء إلى قلوب منتظري الرب منها:
أ - رجوع روح النبوة والوحي الذي كان قد احتجب بعد ملاخي النبي، حيث توقفت الرؤى والوحي أما وقد جاء ملهم الأنبياء, فقد أعطيت من جديد فظهر هذا الروح أولاً في الوحي إلى زكريا الكاهن, فأليصابات، فمريم العذراء، فيوسف، فسمعان الشيخ، فحنة النبية، فيوحنا المعمدان,
ب - الفرح العظيم الذي عم السماء والأرض, وأعربت عنه أجواق الملائكة حين حيوا الأرض بنشيد قائلين: الْمَجْدُ للّه فِي الْأَعَالِي، وَعَلَى الْأَرْضِ السَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ ـ لوقا 2: 14 ـ فأهل السماء والأرض كانوا يرقبون تجسد الكلمة لأنهم اطلعوا على مواعيد الله المتعلقة بالفداء الذي أعده تعالى,
ج - دخول يسوع الطفل إلى الهيكل, فتم ما قبل بالنبي القائل: وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الْأُمَمِ، فَأَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الْأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الْأَّوَلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلَامَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ـ حجي 2: 7-9 .